الفصل السادس

2.2K 65 5
                                    

لو أننا لم نفترق


لبقيتُ نجماً في سمائكِ سارياً


وتركتُ عمري في لهيبكِ يحترق


لو أنني سافرتُ في قمم السحاب


وعُدتُ نهراً في ربوعكِ ينطلق


لكنَّها الأحلامُ تنثرنا سراباً في المدى


وتظلُّ سرّاً في الجوانح يختنق


يقف بشرفة غرفته ينظر إلى السماء المتلألئة بنجوم بعيدة ولكن ذات ضوء لامع .. مبهر .. قوي يذكره بها مع فارق أنها ليست نجمة عادية ، بل هي شمس مشرقة ، إذا منحتك ضياءها أنارت لك حياتك ، وإذا منعته عنك حييت في عتمة أبدية وبرد قارس ووحدة مؤلمة ، وهذا بالفعل ما يشعر به الآن ، روحه يكتنفها ظلام وقلبه تنسحب منه الحياة وعقله يشتعل بجنون وهو يفكر في هذا الزياد الذي اكتشف فجأة أن عادل يعرفه وليلى تسأل عن موعد عودته ، فتتهامس - عنه - مع ابنتها التي جلست بجانبها بعد أن لاقت ترحيب غير عادي من أبيه ، وترحاب من أمه ، حنان عاصم وهو يحتضن كفها بين راحتيه فيشد عليها بمصافحة ويسأل عن أحوالها باهتمام ، احتضان قوي وحديث هادئ من جنى ، مصافحة صاخبة من نوران التي على ما يبدو أصبحت صديقه لها !!


سحب نفس عميق وعيناه ترمشا حينما تذكر جلستها الشامخة ساقيها المتشابكان في رقي ورأسها المرتفع بكبر ، ابتسامتها اللبقة وحديثها المنمق الرزين ، تتحدث بجاذبيه خاصة وكلمات ذات جرس يليق بها ، ابتسامتها تضيء عينيها حينما تتحمس في الحديث فتشير بسبابتها في أناقه يناغشها أبيه بالقول فتتورد بأنوثة وتبتسم برقة لتظهر أسنانها الصغيرة الأمامية وتعض بها طرف شفتها العلوية ، ثم تضغط بسبابتها المثنية على طرف انفها قبل أن ترد بمشاكسه على ابيه فيقهقه ضاحكا ، لتتبرم نوران وتهتف بنزق أنها استولت على عمها فلا تعيرها اهتماما وتكمل محادثتها الشيقة والتي اشترك بها الجميع ما عداه ، فهو ظل صامتا يتأملها ويشبع عينيه من وجودها إلى أن نهض عادل وهو يهتف بأنه وجب عليهم الرحيل .


شعر بغصته تتكوم بقوة في حلقه وخيبة الأمل أصابت قلبه حينما صافحته برسمية ، لقد بحث داخل نظراتها عن أي قبس من ماض جمع بينهما فلم يجد ، بل نظرت إليه بحدقتين زجاجتين وكأن الروح سحبت منهما لتبتسم بلباقة و تهمس له تتحمد عودته ثانية وكأنه غريب عنها تعرفت عليه للتو ، وكأنه لم يكن يوما اقرب إليها من نفسها، وكأنه لا يقرب لها أي شيء ، حتى الود التي صافحت به عاصم لم تمنحه منه شيء ، لقد تحاشته .. لم تبال به .. لم تهتم لأمره .


انتبه من أفكاره على دخول عاصم إلى غرفته بعد أن طرق الباب ليبتسم بوجهه : لم تنم بعد؟!


استدار إليه بهدوء : لا أستطيع النوم ، فارق الطقس والتوقيت يؤرقاني .


أبتسم عاصم وهو يقترب منه : أمي تركتك أخيرا.

رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن