تنظر إلى نفسها في المرآة تتأمل قصة شعرها القصيرة جدًا والتي حصلت عليها اليوم بعد أن غفت في نوم عميق سقطت فيه صباحًا لتخلد إليه طوال اليوم فتستيقظ مساءً لا تشعر بالرغبة في أي شيء إلى أن نظرت إلى نفسها في المرآة ، فصدمت بانتفاخ عيناها المتورمتان من كثرة البكاء الذي انهكها حتى سقطت في نوم اقرب إلى غيبوبة نهضت منه بروح مغايرة روح قوية تملكتها و إحدى أفكارها المجنونة تسيطر على عقلها وهي تتأمل تفاصيل وجهها المنمقة وخصلاتها الملساء الناعمة التي تزين وجهها فتمنحها طفولية لا تريدها فتومض زرقاويتيها بقرار عملت على تنفيذه على الفور حتى دون أن تأبه لإخبار والدتها ، فبالأخير هذا شكلها .. مظهرها وهذه خصلاتها ، فذهبت إلى صالون الزينة المعتادة على الذهاب اليه لتحصل على تغيير كامل في مظهرها فبعدما قصت شعرها اقترحت عليها مزينتها الخاصة أن تضع قرطًا في انفها ، قرطًا صغير يزين ذاك الأنف الجميل فوافقت على الفور بعدما سألت الأخيرة عن طرق جديدة للتزين غير التي كانت تألفها فقامت المزينة بتزينها لتنظر أخيرًا إلى المرآة فتفاجئ بأخرى غيرها لقد بُدلت .. تغيرت ..و أصبحت ملك أخرى غير تلك الملك .. أصبحت ملك عابد .
دقتين متزنتين طرقا على باب غرفتها فابتسمت برقة وهي تعلم صاحبهما جيدًا فتحركت نحو الباب بخطوات متلهفة لتفتحه وهي تهتف بحبور : تفضل يا بابي.
دلف مالك هاتفًا باهتمام : أين أنت يا ملك ، والدتك أخبرتني أنك لم تخرجي من غرفتك منذ الصباح فمررت عليك حينما عدت لم أجدك لأفاجئ الآن بأنك عدت و أنت الذي لم تخبري أحدًا بخروجك .. صمت وهو يتطلع لهيئتها الجديدة عليه ليرمش بعينيه كثيرًا هاتفًا بصدمة ألمت به - ماذا فعلت يا ملك ؟!
اتسعت ابتسامتها لتهز رأسها فتتحرك خصلاتها القصيرة المموجة حول وجهها هاتفة بتساؤل فرح : ما رأيك ؟!
هم بإجابتها ليقاطعه صوت إيمان التي دلفت من خلفه تتساءل بهلع : ماذا فعلت ، هل هي بخير؟! استدارت نحو ابنتها الواقفة بجوار باب غرفتها لتتسع عيناها بصدمة سيطرت على حواسها لثواني معدودة قبل أن تهمهم بصوت أبح - من أنتِ ؟!!
نظرت إليها ملك بتعجب وهمت بالرد ليقاطعها صرخة والدتها المحشرجة : أنت قصصت شعرك ؟! وماذا فعلت أيضًا ؟! اقتربت منها وجسدها ينتفض تتساءل بصراخ مذهول - ماذا فعلت أيضًا يا ملك ؟! اخبريني ماذا فعلت دون أن تخبرينني .. تسألين عن رأيي وتشعرينني بأني امك التي أنجبتك والتي لها حق عليك.
قبضت على مرفقها لتهزها بعنف وهي تصرخ بقوة : ماذا فعلت انطقي ؟! لتصمت وعيناها تشخص بهلع لتتساءل وهي تجذبها نحوها بخشونة - ما هذا الذي بأنفك ؟! انطقي .
تملصت ملك من قبضتها لتبتعد عنها تتجه نحو جسد أبيها الواقف بعيدًا لتهتف بحدة : ماذا فعلت ؟! ما الأمر أن أكون قصصت شعري أو حصلت على قرط في انفي او حصلت على تبديل لمظهري ، ما الأمر الذي يدفعك للصراخ بهذه الطريقة والندب والولولة وكأني مت فجاة .
هتفت ايمان بقوة : اخرسي .. اخرسي ، هل لك عين تقفين وتتجادلين معي أيضًا وتردين علي الكلمة بكلمة مثلها ،
رفعت ملك رأسها بشموخ : نعم ولماذا تكسر عيني أو اخفض رأسي أنا لم أفعل شيئًا خاطئًا ، أنت من تصرخين دون سبب .
هتف مالك بقوة : ملك اعتدلي يا بنت .
صرخت ملك بقوة : لماذا لم افعل شيئًا ، شعري .. خاصتي قصصته دون أن اخبركما وحصلت على قرط لأنفي هذه الاشياء تخصني فهذا جسدي ملكي خاصتي لم يحدث شيء ولم اكن لانتظر موافقتكما التي لا تحدث أبدًا ، فماما ترفض كل شيء وأنت توافقها في كل شيء دون أن تجرؤ على اغضابها لأجل أي منا.
اكفهر وجه مالك بقوة لتصرخ إيمان بغضب وهي ترفع كفها لتهوى به على وجنتها : اخرسي .
انتبه مالك لما يحدث ليدفع ابنته إلى الخلف ويستقبل كف زوجته في راحة يده وهو يناظرها بغضب استقر بحدقتيه ليهدر بصوت خفيض : ماذا تفعلين يا إيمان ؟! هل تضربين ابنتي وأنا واقف بينكما ؟!
رفت إيمان بعينيها لتهمس بصوت مختنق : ألم تستمع إليها ؟! ألم تدرك ما قصدته ؟!
تمتم بجدية حازمة : الفتاة الصغيرة تخطأ فتعالجين أنت خطأها بخطأ أكبر منه ؟! هل هكذا تحلين الأمور في غيابي ؟! شحب وجه إيمان على الفور لتهز رأسها نافية قبل أن تصيح بعتاب : ابنتك من اخطأت وأنت تقف لتحاسبني يا مالك ؟!
رفع رأسه بشموخ وهو يفلت كفها من يده بضيق ليجيبها بصوت حاد : لأن الكبار من يحاسبون على اخطائهم يا إيمان حتى ان كانت اخطائهم نتاج ردة فعل على تصرفات الصغار ، زم شفتيه ليعقد كفيه خلف ظهره يتمتم بأمر غير قابل النقاش - من فضلك اتركيني أنا وملك بمفردنا.
تراجعت ايمان للوراء في ردة فعل غير مصدقة تشعر بالقهر الذي كسى ملامحها بوضوح لتستدير على عقبيها وتهرع مغادرة الغرفة في انهيار باكي غير مسموع ولكنه يعلمه جيدًا ليغلق الباب بهدوء خلفها قبل أن يلتفت إلى ابنته التي تنظر له بشخص . وجهها فرت منه الدماء وانفاسها متلاحقة لينظر إليها من علٍ هاتفًا بحزم : هيا يا ابنتي العزيزة أخبريني ما سبب الجنون الذي فعلته بنفسك ، اخبري أبيك الذي لا يقوى على تصريف أمور بيته أو أسرته.
رمشت بعينيها كثيرًا لتهمس باختناق : أنا آسفة يا بابا أنا لم أقصد أن ....
قاطعها باشارة من كفه ليسألها بحزم ونبرته الآمرة تحضر بقوة : اخبريني ما السبب وراء ما فعلته و إياك و ترديد هذه السخافات التي اسمعتني إياها من قليل.
رفت عيناها كثيرًا قبل أن تجهش في البكاء فيغمض عينيه بتأثر وهو يدعو الله أن لا يكون حدسه صحيحًا لتنفي كل توسلاته حينما صاحت ببكاء : قلبي يجعني يا بابي .
مط شفتيه بقوة ليجذبها إلى حضنه دون تردد ويضمها إليه بقوة هامسًا وهو يربت على رأسها : اهدأي يا ملك ، اهدأي يا ابنتي وقصي لي الأمر كاملًا .
***
تنظر من حولها للغرفة السفلية التي اعدتها اليها والدتها تطل على الحديقة الخلفية ، الغرفة ذات المدفأة الحجرية العتيقة والتي تعشقها تتحرك ببطء نحو الفراش تتمسك بأسفل بطنها بإحدى كفيها والأخرى تستند بها إلى ساعد شقيقها الذي أصر على حملها من السيارة للداخل ولم يدعها تخطو خطوة واحدة هاتفا بمرح عن كونه بديلًا عن أحمد في غيابه ، فتبتسم باختناق وهي تعلم انشغال زوجها مع أخيه المحتجز بنفس المشفى التي أصر ابوها على أن يخرجها منها ، اشرقت عيناها وهي تنظر نحو والدها الذي دلف بعبوس يسيطر على محياه هاتفًا بضيق : أنت يا ولد لماذا انزلتها ؟! ألم تكن تحملها واخبرتني أنك ستضعها بالفراش ؟!
أجاب أدهم بمرح وهو يساعدها على الجلوس : هي من اصرت على النزول والوقوف بجوار المدفأة قليلًا يا بابي ؟! وهاك اوصلتها للفراش ، اتبع أدهم بجدية وهو يعدل الوسادات من خلفها - استريحي يا ميرا .
ربتت على وجنته برقة وهمست بخفوت : شكرًا يا دومي ، اتعبتك معي . عبس أدهم بضيق لتتابع سائله بوهن وهي تتمسك بطرف الغطاء الثقيل الذي يدثرها به أدهم - لماذا صممت على أن أخرج من المشفى يا بابي ؟!
ابتسم وائل وهو يقترب منها يجلس بجوارها على الفراش يرفع ذراعه ليضمها إلى صدره هامسًا : سنعتني بك هنا أفضل يا ميرا وخاصةً أن طبيبتك أخبرتنا أن الخطر زال وتستطيعين ممارسة حياتك بطبيعية والحمد لله .
قرن قوله بقبلة أهداها لجبينها لتبتسم قبل أن ترفع عيناها وتسأل بوضوح : هل أحمد لازال بجوار عبد الرحمن يا بابا ؟!
اجاب وائل سريعًا : بل الجميع انصرف من هناك وهو مع أبيه سيوصله لبيت هنا ويعود إلى هنا كما اخبرني .
أومأت برأسها متفهمة لتتمتم : نعم اونكل خالد أخبرني أنه سيوصله للبيت حينما صعد للاطمئنان علي .
آثر وائل الصمت ليهتف أدهم الذي جلس على الكرسي المنفرد : ماما ونوران قادمتان ولكنهما يطمئنان على مس لميا و داداة حور .
__ اووف هتف وائل بضيق ليتابع بجدية وهو ينهض واقفًا - نسيت أتحدث مع عمك ، يا الله .
هتف بجدية وهو يغادر : اهتم بشقيقتك إلى أن نأتي يا ولد .
هز أدهم رأسه ليخطو وائل بهيبته ثم يتوقف فجأة يقابل من يقف بباب الغرفة ويهم بدخولها فيهتف أدهم بمرح : ها قد أتى الزوج العزيز ، تعال يا ابيه واهتم بزوجتك حتى يطلق سيادة الوزير سراحي .
تبادل أحمد و وائل النظرات ليهمس أحمد بخفوت وهو يمر بجواره بعدما صافحه : كل شيء على ما يرام لا تقلق ، الحراسة تحاوط القصر والفرقة التي أرسلها سيادة المستشار تقبع عند الباب الخلفي للقصر .
ربت وائل على كتفه ليهمس اليه : حمد لله على سلامتك ، أشار برأسه تجاه ابنته - اهتم بها فهي متعبة وتحتاج لوجودك ، لقد سألتني صراحة عليك .
ابتسم احمد وعيناه تتعلق بها : اتيت ولن أغادر ثانيةً يا عماه .
ضحك وائل بخفة ليجيبه بمشاكسة خافته : اشتقت إلى ركلك خارجًا يا ولد .
ضحك أحمد مرغمًا ليشير برأسه إلى أدهم الذي أومأ إليه بالتحية لينصرف خلف أبيه فيغلق أحمد خلفهما الباب قبل أن يستدير يخطو نحوها وهو يتنفس بعمق وعيناه متعلقة بنظراتها الحانية ، ابتسمت برقة ابتسامة تلاشت ببطء من فوق ثغرها حينما حمل كرسي قربه من حافة فراشها ليجلس مقابلًا لها بعدما اخرج شيئًا من خلف ظهره لم تتبينه لتتسع عيناها بفزع وهي توقن من كونه مسدس ذو حجم متوسط فتهمس بصوت خائف : ما هذا يا أحمد؟!
قلب فرد السلاح بين كفيه والموضوع بغلاف جلدي انيق ليتمتم بهدوء : هذا سلاحي الخاص ، رفع عيناه إليها بعدما وضعه على طرف طاولة جانبيه تجاور فراشها - لم اخبرك عنه من قبل ، أليس كذلك ؟!
هزت رأسها نافية ليكمل بثرثرة عفوية : لاني لم أكن احتاجه كما احتاج إليه الآن .
تمتمت بتعلثم : ولماذا تحتاج إليه الآن ؟!
صمت قليلا وعيناه تتعلق بكفها القريب منه والملقى باهمال إلى جوارها ليبتسم بالم تغلغل بقلبه فيرفع عيناه إليها ليسألها بهدوء : هل حدثتك عن بابا من قبل يا أميرة ؟! اهتزت حدقتيها وهمت بالحديث ليشير برأسه نافيا قبل ان يتابع - لا ، لا اتحدث عن اونكل خالد،
رفت عيناها بعدم فهم ليكمل ببسمة ساخرة : اتحدث عن أبي الحقيقي من احمل اسمه خلف اسمي في كل وثائقي الرسيمة و من اورثني نصف جيناتي ، اونكل باسم الذي لا تعرفي عنه شيئًا ولا تُذكرْ سيرته على الاطلاق في بيتنا ، ألم تشعري بالفضول يومًا لتسألي عنه أو لتسألي لماذا خُفيت سيرته بهذه الطريقة الغريبة ، فنحن لا نملك ذكريات معه ماما لا تتحدث عنه ، حتى أخيه .. تؤامه لا يأتي بسيرته أبدًا.
تمتمت بصوت مختنق وهي تشعر بأمر ما لا تدركه ماهيته : لأنه مات و أنتما صغار ، صمتت لتتبع بحشرجة سيطرت على نبراتها - أقصد أنت وهنا و من رباكما العم خالد ، أنا اذكر أن ماما اخبرتني أن اونكل خالد تزوج من خالتي و أنتما لم تتما العام ونصف وأنه من كنت تناديه دوما ب..
أكمل معها : دادي ، نعم هو من ناديته بها وبالفعل أنا لا اذكر أبي نهائيًا ، ولتعلمي كم تمنيت أن أكون ابنه قولًا وفعلًا وليس مجرد أب رباني وكبرني وساهم في نشأتي. كم تمنيت أن ارث جيناته و أكن من صلبه واحمل دمه واتنعم باسمه ، نعم أنا احمل دماء عائلته وهو أبو اخوتي ولكنه يظل ليس أبي ، بل هو عمي وتؤام أبي الذي لا يشبهه شكلًا أو موضوعًا فحينما كان العم خالد يصارع لأجل وطنه الذي تغرب عنه كان أبي يبيعه بثمن بخس وهو يظن أنه على جهة الصواب والخير .
ارتعد جسدها بنفضة برد وعقلها يدرك ما يتفوه به زوجها الذي أكمل بهدوء و جدية مؤكدًا لها نافيًا هواجسها : نعم يا حفيدة الوزير والسفير يا من تتنعمين بأصول طيبة ..عريقة .. وأناس يشهد لها التاريخ أنت تزوجت برجل أبوه كان جاسوسًا .
هزت رأسها نافية وهتفت باختناق : أحمد ما الذي تقوله بحق الله ؟!
اغمض عينيه حتى لا تلمح دموعه بداخلها ليهمس باختناق : أخبرك بالحقيقة ، الحقيقة التي منعت نفسي عن الحديث بها طوال سنواتي الماضية ، بل منعت نفسي عن التفكير بها . أخبرك بم كنت تريدين معرفته .. أخبرك بم سألتني عنه مرارًا وتكرارًا ، بسبب رفضي لأطفال من صلبي تهفو روحي إليهم ، فأنا لم اشأ تدنيسك بهم ، بنطفة مني .. بابناء يحملون اسمي واسم أبي من بعدي ..لم اشأ أن الوث تاريخ عائلتك المجيد بطرف أبي الحقير الذي لا اعلم هل ستنتقل حقارته عبر جيناتي أم ستتوقف وتندثر وتموت معي .
هتفت بجدية وهي ترفع كفها تضعه فوق فمه لتهمس أمرة : اصمت يا أحمد من فضلك ، أنت لست حقيرًا ولست مدنسًا ، ما هذا الذي تقوله ؟!
هدر بزئير جريح وهو يبعد رأسه عن مرمى كفها : أخبرك الحقيقية يا أميرة ، أخبرك عن اسبابي وعلتي .. أخبرك وامنحك حرية الاختيار كاملة فأنت الآن لديك مطلق الحرية في اتخاذ القرار وأنا لا استطع أن اتمسك بك أو اجبرك على الاستمرار معي !!
انهمرت دموعها مدرارًا من بين اجفانها لتهمس بصوت ابح يفيض بألمها عليه : ألهذا السبب منعتنا طوال سنوات عدة عن الانجاب ؟! ألهذا السبب كنت غامضًا ولا تتحدث معي ؟! كيف جرؤت على أن تخفي علي ؟! كيف جرؤت أن تخبئ وجعك عني ؟! وكيف جرؤت أن تظن في مثل هذا الظن بأني إذا علمت سأتركك أو ابتعد عنك.
تمتم بجدية واقتناع : لأنه حقك يا أميرة ، حقك أن تبتعدي عني .. حقك أن تتخلصي من بذرتي المدنسة .. حقك أن تنهي حياتك معي فأنا المخطأ من خبأت عنك وارتضيت أن أحيا معك بكذبة كبيرة أعلم أنها سيأتي يومًا وتنكشف .
تمتمت بعدم فهم وهي تمسح دموعها : كذبة ؟! هل حبك لي كذبة يا أحمد ؟!
تمتم بسرعة : أبدًا لقد عشقتك منذ صغرك ولازلت وسألفظ أنفاسي الأخيرة وأنا اعشقك يا أميرة ولكن لا أريدك أن تختارينني في فورة شفقة أو رثاء ، قرري الصالح لك يا أميرة دون أن تفكري بي ، ارتفعا حاجبيها بصدمة ليتابع بعد وهلة بصوت بارد وجاد - وخاصة إذا علمت أن وجودك معي به خطر عليك وعلى أطفالك ، فأنا مهدد بالقتل أنا وسلالتي من بعدي ، فأبي العزيز لم يكتفي بأن يصمني بالعار طوال حياتي ليأتي لي بأخ غير شقيق ينتمي للاتجاه الآخر ، ينتمي إلى دولة تعادي وطننا و يسعى خلفي وخلف كل عائلتي .
شحبت ملامحها لتردد على الفور : عبد الرحمن .
أومأ بعينيه وهو يخفض رأسه بخزي : نعم لقد تأذى بسببي ، أنا خائف عليك يا أميرة ، ولا أنكر خائف على اولادي ، خائف عليكم جميعًا و وجودي بجواركم ما هو إلا قنبلة موقوته ستنفجر بكم إذا ظللتم محتفظين بها.
تراجع بظهره ليبتعد عنها قبل أن يهتف بثبات ألمها : لذا أنا تحت أمرك يا ابنة خالتي الصغيرة، ما ستطلبينه سأنفذه على الفور دون أن اراجعك به.
عم الصمت عليهما قليلًا تنهنه هي في بكاء لا تستطع السيطرة عليه وهو صامت كالقبور لا ينطق ولا يرفع رأسه لها لتهمس أخيرًا بعدما مسحت وجهها بكفيها : أحمد .
رفع رأسه إليها على الفور منتظر رصاصة الرحمة التي ستطلقها عليه فأيا كان طلبها سينفذه وينطلق لغايته الأسمى ، سينتقم ممن سرق فرحته بأولاده وعمره بأكمله كان سيفرح فيه بجوار زوجته ، سينتقم ممن تجرأ و اقترب من أخيه وحاول اغتياله ،سينتقم ممن شككه بأبيه وهز ثباته ، رمقها بثبات لتسأله بجدية : أيًا ما سأطلبه ستنفذه يا أحمد ؟!
تمتم سريعًا : بالطبع سأفعل . تحركت بجسدها للامام لتتأوه برقة فينتفض واقفًا مقتربًا منها هامسًا بتساؤل مهتم - أنت بخير .
تمتمت بتعب : اشعر بوخز اسفل بطني .
اهتزت حدقتيه بعدم فهم ليدفع كتفها بلطف للخلف وهو يعدل الوسادات ثانيةً : حسنًا استريحي، تمتم متبعًا وهو يضع ركبته بجوارها فوق الفراش - أنا الغبي من اختار توقيتًا خاطئًا للحديث.
صمت حينما شعر بكفيها تتشبثان بقميصه من داخل سترته ليحنى رأسه ناظرًا إليها بعدم فهم فتمط رأسها للاعلى قليلًا تقبل طرف ذقنه وتهمس بخفوت شديد وهي تلف ذراعها حول رقبته تتعلق به وتضم نفسها إليه : هل أخبرتك من قبل أني أحب طابع الحسن بذقنك ؟!
اختنق حلقه وجسده يتصلب بردة فعل تلقائيه ليهمس بخفوت وهو يحاول أن يتخلص من تمسكها به : أميرة من فضلك لا تفعلي .
رفت بيعينها في براءة لتهمس بتساؤل : ماذا افعل ؟! نظر إلى عينيها معاتبًا لتتبع بهمس تدرك جيدًا تأثيره عليه وعيناها تمنحاه نظرة كاد أن ينساها - أنتَ من قال سينفذ لي طلبي أيا كان.
ابتسم مرغما مؤثرًا الصمت فتجذبه من كف يده ليستلقي بجوارها وهي تتمسك بوجودها داخل ذراعيه : لا اعتقد أنك ستراجع عن وعدك لي ، فأنا تزوجت من رجل يفي بوعوده دائمًا .
اتسعت ابتسامته وهو يضمها إلى صدره بقوة فتقبل جانب عنقه بقبلات صغيرة متتالية ليكح بحرج وهو يحاول أن يبتعد عنها مهمهمًا : أميرة توقفي من فضلك ، أميرة أنت متعبة ، تمتم بصوت تهدج انفعالًا وهو يحاول أن يسيطر على كفيها اللتين تلامسان صدره بحركات كلاهما يعلم مدة تأثيرها عليه - أرجوك يا أميرة لا تفعلي بي هكذا ، تعلمين كم أكون جامحًا معك وأنت متعبة لن تتحملي.
تمتمت وهي تنهض قليلًا بجسدها فتوازيه طولًا ، تقبل جانب وجهه بأكمله لتنظر إلى عمق عينيه وهي تتوقف أمام شفتيه فتهمس قبل أن تعانقها بثغرها : ها أنا اطلب يا أحمد ، وعليك أن تنفذ .
انتفض قلبه بقوة بين اضلعه ليقتنص شفتيها بقبلة طويلة وهو يضمها إليه يعيدها إلى الفراش ويشرف عليها ليتوقف بعد لحظات هامسًا بأنفاس متسارعة : كم اتوق للتنفيذ ولكن أخاف عليك وعلى الاطفال .
برمت شفتيها بطفولية لتمطهما بحنق أثار بسمته قبل أن تهمهم بدلال : أنا غاضبة .
انفلتت ضحكته رغم عنه ليهمس وهو يستلقي إلى جوارها فوق جانبه الأيمن ينظر إليها بشغف : إذ لم تتوقفي عم تفعلينه سأنادي أباك وأخبره أنك تغوينني .
ضحكت برقة وهي تقابله بنومتها : حينها سأخبرك أني ادافع عن زوجي و زواجي ضد إرهاصات فكره الغريبة ،
تنهد بقوة ليهمس : لا تتسرعي باتخاذ قرارك يا أميرة من فضلك ،
احتضنت وجهه بين كفيها لتهمس أمام شفتيه : لن اتركك أبدًا يا أحمد ، وكل ما تفوهت به منذ قليل لم يؤثر بي قيد انملة.
اتبعت وهي تنظر لعمق عينيه : أنا أحبك يا أحمد وأنت زوجي الذي تزوجت به وأنا مدلهة بعشقه ، يا ليتك صارحتني منذ زواجنا و وفرت علينا الكثير مما عانيناه سويًا .
زفر بقوة ليغمغم باختناق : لم اعتاد على البوح يا أميرة ، لدي الكثير احاول صياغته لاخبرك به ولكني لا أقوى عليه ،
ضحكت برقة لتتمتم بنبرة ذات مغزى : اعلم يا ابن الخالة يا من تسمر واقفًا أمام فتاة صغيرة لم تتم الخمسة عشر ربيعًا وهي تخبره بحبها له فيسقط فكه ببلاهة وتتسع عيناه ولا يقوى حتى على الرد.
ضحك بخفة ليهتف متبرمًا: كم مرة ستستخدمين تلك الذكرى ضدي، ألن ننتهي من هذا الأمر؟! لقد أخبرتك مرارًا منذ زواجنا ومن قبله أني رجل لا أجيد القول ، بل أجيد الفعل ولم اكن اقوى يومها على أن اتي بأي ردة فعل سيستخدمها أبوك ضدي ويتهمني بالتحرش بابنته الصغيرة.
لوت شفتيها وهي ترفع حاجبيها باستنكار لتهمهم هازئة : يتهمك بماذا ؟! أنا من تعلقت برقبتك و أخبرتك بأني أحبك .
تمتم بضجر : أبوك لو رآك الآن وأنت تقبلينني لاتهمني باغواءك .
عضت شفتها بدلال لتهمس وهي تقترب منه : وأنت لا تفعل ؟!
تراجع بجذعه للخلف قليلًا لينظر إليها مؤنبا قبل أن يهمهم : الآن لا ولكني سافعل فيما بعد عندما اطمئن عليك ، اشاحت بعينيها بعيدًا ليسألها بعد قليل - ولكن للآن لم تخبرينني ما الذي أبكاك حينها ودفعك لأن تأتي وتعلني عن حبك لي يا أميرتي.
اقتربت منه لتتمسك بصدره ترفع ذراعها فتتمسك بعضده تلامسه بطرف سبابتها بحركات متتالية لتهمس : اتذكر أنه كان حفل أقامته نولا بمناسبة عودتك قبلما تنهي دراستك في امريكا ، كنت اشتاق إليك كثيرًا ولكنك كنت مختلفًا ، لم أدرك ما سبب اختلافك ولكني اتذكر جيدًا قتامة مقلتيك ، كنت اشعر بالغيرة الشديدة لأنك على غير عادتك اهملتني واهتممت بتلك التي كانت متعلقة بك ولا تفارقك أبدًا ، ضيق عينيه يبحث في ذاكرته عمن تتحدث فتتابع بنبرة ذات مغزى - لا توهمني بأنك لا تتذكرها يا أحمد ، فأنا متأكدة من كونك تدرك عمن أتحدث .
ضحك مرغمًا وهم بالحديث لتهمس بحدة وعيناها تومض بغيرة جلية : إياك أن تنطق باسمها يا أحمد ، لا أريد أن اغضب منك .
تعالت ضحكاته ليجذبها إليه يضمها قريبًا من صدره يقبل جبينها هامسًا : حسنًا لن انطق فقط اهدأي واكملي حديثك .
اخفضت بصرها لتهمس بصوت مختنق : كنت انتظر يومها أن تشيد بفستاني المختلف عما كنت ارتدي دومًا ، فهذا كان أول فستان تسمح لي مامي بارتدائه بقصته الانثوية وكان قصيرًا بالكاد يخفي ركبتي و..
قاطعها بصوت أجش وعيناه تومضان ببريق عسلي : وصدره مربع ويكشف عن نحرك بأكمله ، دون أكمام وتنورته غير المنفوشة التي تلتف حول ساقيك تظهر مدى نعومة جسدك واستدارته ليأتي لونه الازرق الخافت فيظهر سمار بشرتك ويجعلك جذابه بتلك التسريحة العصرية التي موجت خصلاتك فجعلتك أميرة من الادغال.
كتمت انفاسها لتضع كفها على فمها تمنع شقتها من الانفلات لتهمس بعدم تصديق : كنت مهتم .. رأيتني حينها .
أجاب بخفوت : منذ الطلة الأولى يا أميرتي ، نظرت إليه بعدم فهم ليكمل - ولكني كنت وعدت نفسي أن ابتعد عن طريقك فلا التقيك أبدًا ،
اتسعت عيناها بادراك فوري : كنت أدركت حقيقة والدك حينها ،
أومأ برأسه إيجابًا ليكمل بصوت محشرج : ويعلم الله أني قسوت على قلبي كثيرًا حتى لا ينجذب لك ،ثم بدأت بمصادقة الفتيات لعلني انسى طيفك وادفن حلمي في الاقتران بك ولكن .. سحب نفسًا عميقًا ليزفره بقوة هامسًا - حينما اقتربت مني هذه الليلة تسألينني بصوت ابح ونبرة بكاءك حاضرة بكلماتك عن سبب ابتعادي عنك تعاتبينني بضراوة عن اهمالي لك ، ثم تهمسين أمره بأنك انتظرت أن اراقصك ،فاستجيب بوله وأنا اتخيل كيف سيكون مذاق وجودك بين ذراعي ، حينها غرقت بك يا أميرة حتى قبل أن تتعلقين في رقبتي وتسكبين دموعك فوق عنقي وتهمسين لي بصوتك الحزين أنك تحبينني ، غرقت منذ أن تطلعت لعينيك وادركت أنك تخصينني وأن مهما حدث ستكونين لي بالأخير ، وهذا بالفعل ما حدث أنت اصبحت زوجتي و أم اطفالي وسكني ومرفأي في ذاك البحر الذي احاربه حتى لا يأخذني بعيدًا عنك أو يرميني في اعماقه فلا أقوى على الطفو من جديد.
احتضنت وجهه بكفيها لتقبل شفتيه بتوق اشعلته في أطرافه قبل أن تهمس بصوت أبح خافت ناسب نظرة عيناها الجريئة : وسأظل لك .. زوجتك .. خاصتك .. و أم اولادك .
تنهد بقوة ليجذبها إلى صدره يضمها اليه هامسًا : أنا أحبك يا أميرتي .
تمسكت باحتضانه لها قبل أن تضع رأسها فوق صدره وتغفى في نوم عميق داعب اجفانها .
***
يجلس أمام مقود سيارته ينظر إلى الظلام خارج سيارته المصفوفة بجوار بيته بعد يوم طويل قضاه بغرفة العمليات ينهك عقله ويبعده عن التفكير في المعضلة التي حشرته بها زوجته والتي لا يجد لها حلًا فهو لا يقوى على انكار شعورها الذي رمته به في وجهه ولا يقوى على تطليقها حاملًا ذنب زجها في حياته مبعثرًا حياتها لأجله ولأجل عائلته وما أزاد من عودته متأخرًا اتصال وليد و الذي طلب منه المرور عليه لأمر هام فاستجاب على الفور وحينها أخبره وليد بكل ما حدث على مدار اليوم الذي كان غائبًا عنه داخل غرفة عملياته متوحدًا مع مرضاه وينقذ حيواتهم ، لقد صُدم حينما أخبره وليد عن عبد الرحمن ليشعر بالغضب حينما أخبره عن أميرة وما حدث معها وحينما زمجر غاضبًا ثرثر إليه وليد مهدئًا : لا تحاسب أحدًا يا أحمد فوائل أمرهم بألا يخبروك والحمد لله أميرة بخير والطبيبة صرحت لها بالخروج أيضًا والآن ستكون استقرت في قصر آل الجمّال هانئة بجوار قلب أخيك .
ابتسم أحمد ليسأل وليد بجدية : هاتفت عروستنا واطمأنيت عليها .
تنهد أحمد بقوة : فعلت مرتين ، مرة أيقظتها من النوم والأخرى على ما اعتقد كانت تتناول الطعام .
ابتسم وليد بمكر ليهمس : أسعد سيقتلنا جميعًا .
رف بعينيه ليسأل بتعجب : هل هاتفتها ؟!
قهقه وليد بخفوت : انا و وائل وابنتك ثرثرت معنا وكأنها هاجرت منذ قرن .
حينها انسحبت الدماء من وجهه ليغمغم باختناق : جنى تثرثر لتزيح عنها التوتر والخوف يا وليد .
رمقه وليد مليًا ليسبل جفنيه قبل أن يجيب بضيق : أعلم أنا و وائل لم نرتاح لصوتها كانت وكأنها باكية .
سأله أحمد : لذا اتيت بي ؟!
نفخ وليد بقوة : نعم كنت أريد أن أنبهك للأمر توقعت أنك لم تحدثها اليوم لكثرة انشغالك ، الأمر الذي اتعجب منه فكيف ذهبت إلى عملك صبيحة زفاف ابنتك يا أحمد ، ألم تستطع أن تؤجل عملك لآخر الأسبوع ؟!
حينها توترت نظراته ليسأل وليد بجدية : ما بالك يا أحمد ؟! هل ما أشعره حقيقيًا أم أنا من يخيل إلي ؟!
تمتم أحمد بجدية : أنا بخير .
حينها رمقته وليد مليًا ليتمتم أخيرًا : حسنًا يا أحمد على راحتك لا تتحدث كعادتك ولكن لا تنس أبدًا أني هنا وقتما أردت ، ابتسم أحمد متحاشيً النظر لوليد ثم نهض واقفًا مقررًا الرحيل ليتبع وليد – فقط حينما تطمئن على جنى أخبرني .
أومأ برأسه متفهمًا ليخطو قبل أن يوقفه وليد بجدية : اهتم بمازن يا أحمد فأنا قابلته اليوم والولد لم يكن بخير ، اعلم منه ما الذي يغضبه ، أو لعله ضائقًا من غياب شقيقته ، تحدث معه و افهم ما يمر به فمازن اليوم لم يكن طبيعيًا ، صمت وليد وهو ينهض ببطء يتبعه ليربت على كتفه متبعًا – أنت وعائلتك لا تبدون لي بخير يا أحمد ولكني سأمنحك كل الوقت الذي تريد لتأتي بنفسك وتتحدث معي إذا أردت .
وها هو جالس ينظر نحو بيته المعتم على غير العادة فيترجل من سيارته يخطو داخل بيته بعد هذا اليوم الشاق فيتطلع من حوله للبيت الذي يعمه الظلام على غير العادة والساكن بريبة أثارت انتباهه ليخطو سريعًا نحو غرفته وهو يشعر بأن هناك أمرًا غير طبيعيًا فهذا الهدوء الذي يلف بيته يبدو سيئًا. قُبضت روحه بضيق تملك منه وهو يكتشف بأن غرفته فارغة وأشيائها التي كانت متناثرة غير موجودة ليخطو سريعًا نحو غرفة مربيتها فيرتعد جسده بغضب وهو يدرك أنها رحلت وصحبت مربيتها معها .
زم شفتيه بضيق وهو يتحرك نحو غرفة ابنه الذي سيحاسبه على عدم إخباره بأمر رحيلها بل كيف تركها تغادر البيت دون إذن منه لتتسع عيناه بصدمة وهو يجد الغرفة فارغة خطى بغضب سرى بأوردته نحو غرفة ملابس ابنه ليشعر ببعض من الراحة تسللت إليه حينما وجد كل اشياء ولده في مكانها كما اعتاد منه .
ومضت عيناه ببريق من الغضب اوشى بمدى ضيقه لرحيلها دون أن تستأذنه فيستل هاتفه ناويًا الاتصال بها ليرن الهاتف في كفه معلنًا عن مكالمة واردة من شقيقه الأكبر.
أجاب الاتصال بعفوية ليرحب بأخيه الذي يحدثه باقتضاب قبل أن يهتف بجدية نوعًا ما : اعتذر يا دكتور لم اهاتفك من الصباح ولكني انشغلت وكنت أعلم كم كنت منشغلًا بدورك في معالجة مرضاك ، وهاك أنا اهاتفك لأخبرك أن السيدة لمياء هانم ومربيتها الكريمة يمكثان عندي حتى لا ترهق نفسك في البحث عنهما ، هذا إذا بحثت من الاساس .
نفرت عروق رقبته ليهتف باستنكار : إذا بحثت وعندك ؟! ماذا تفعلان عندك ؟!
مط وائل شفتيه ليجيب ببرود : تمكثان في بيتهما .
جمدت ملامح أحمد بضيق ليهتف هازئًا : وما عيب البيت هنا ؟!
أجابه وائل بمكر : اعتقد أنهما غادرتا لأنهما تشعران بأنهما غير مرحب بهما عندك .
هدر أحمد غاضبًا : غير مرحب بهما في بيتهما ، هل تمزح معي يا وائل ؟
فيهدر وائل مجيبًا : بل أنت من تمزح وتسخر وتهزأ أيضًا يا أخي ، زوجتك أتت لدي غاضبة فقبل أن تسألني عن شيء لا أدرك اسبابه أسأل نفسك ما الذي فعلته دفعها للرحيل دفعًا ؟!
زم احمد شفتيه بضيق ليكمل وائل بجدية - لقد حذرتك من قبل يا أحمد ونصحتك أن تهادن أمورك وتحاول أن تحتويها ولكن من الواضح أنك تقاعست أو اهملت لا يهمني . الهام الآن النتيجة وإلام أوصلت نفسك وعائلتك ، ورغم كل شيء هاك أنا الآن أخبرك أين زوجتك لتجد حلًا ترضي به امرأتك وتعيدها لبيتك
تنفس أحمد بعمق ليتابع وائل بعد قليل : لعلمك فقط أنك إذا أتيت إلى هنا و رفضت لمياء هانم مقابلتك لن استطع إجبارها .
اتسعت عيناه بصدمة لينهي وائل حديثه هاتفًا : تصبح على خير يا اخي.
أغلق الهاتف ليطبق فكيه بقوة يشعر بغضبه يتضاعف قبل أن يداعب هاتفه متصلًا بولده فيسمع صوت رنين الهاتف الآخر يأتيه من الخارج ، تحرك متتبعا الصوت فيجد مازن بغرفة جنى مستلقي على فراش شقيقته ينظر إلى هاتفه في وجوم يداعب محياه ، هدر أحمد : لماذا لا تجيب هاتفك ؟!
اجفل مازن من وجوده لينهض واقفًا هامسًا باقتضاب بعدما ألقى هاتفه داخل طيات الفراش : كنت سأفعل ولكن حضرتك هنا .
زم أحمد شفتيه ليغمغم : وأنت الآخر هنا ، عبس مازن باستفهام فاكمل أحمد شارحًا - ظننتك ليس بالبيت فأنا لم ابحث عنك بغرفة شقيقتك .
جلس مازن من جديد دون أن يبدي نيته في الترحيب به هامسًا باختناق : شعرت بالحاجة لوجودها فأتيت إلى هنا دون تفكير هاتفتها وتحدثت معها قليلًا واطمأننت عليها لأسكن بمكاني وأشعر بعدم الرغبة في الخروج من فراشها .
تمتم أحمد بجدية : جيد انك فعلت ، اتبع وهو يخطو خارجًا – هل تناولت طعامك ؟!
أجاب مازن بضيق : نعم الحمد لله ، راقب أبيه الذي يغادر الغرفة ليسأله بصوت حانق لم يستطع التحكم بنبراته – ألا تريد السؤال عن أي شيء يا بابا ؟!
توقف أحمد ليرمقه من فوق كتفه : لا ، لا أريد .
انتفض فك مازن بغضب : لماذا ؟! ألا تفتقد وجود زوجتك وتتساءل عن مكانها ؟!
رمش بعينيه ليجيبه باقتضاب : ولماذا أتساءل فأنا أعرف ، اتبع أحمد وهو يدور إليه مواجهًا – عمك اخبرني أنها بالقصر ،
تجسد الغضب بملامح مازن ليكمل أحمد بهدوء وهو يعود مقتربًا منه : رغم دهشتي من ذهاب لمياء إلى القصر إلا أني الآن علمت السبب فمن الواضح أن ذاك الأمر اعتقد أنه عائد إليك وتلك الفكرة تخصك فهي ليست نتاج أفكار لميا أبدًا .
هدر مازن بغضب أطل من عينيه : نعم فكرتي يا بابا هل كنت تريدني اتركها تعود لبيتها بخفي حنين وهي لم تكمل عام بعد زواجها ؟!!
أجاب أحمد بهدوء : بل كنت أريدك أن تهاتفني وتسأل عن رأيي ، كنت أريدك أن تحاول أن تراجعها في قرارها وتبقيها إلى أن أعود بدلًا من مساعدتها على الرحيل .
صاح مازن بحدة : ومن كان سبب الرحيل يا بابا ألست أنت ؟! ألم ترحل ماما بسببك ؟!
ارتعد جسد أحمد ليرفع عيناه لمازن متسعة برفض قبل أن يجيب بصوت مختنق غاضب : أمك لم ترحل بسببي ، أمك رحلت بقضاء من الله رضيت به واستسلمت لقدره ، أمك رحلت بعدما انجبتك ولا امرأة سواها ستكون أمك .
اغتمت عينا مازن بدموع كثيرة ليهمس بصوت محشرج : رحمها الله و ادخلها فسيح جناته ، يا ليتها لم ترحل .. يا ليتها لم تتركني .. ويا ليتها لم تضحي بنفسها لأجلي ، سقطت دمعتين متتاليتين من جانب عينه وهو يكمل بصوت متألم مزق نياط قلب أحمد – أليس هذا السبب الذي فقدت حياتها لأجله ، أن تنجبني .. أن تأت لك بولد يرث اسمك .. أن تنجب أخ لابنتها يكون سندًا وظهرًا .
سقط جالسًا على فراش شقيقته هامسًا بإنهاك : يا ليتها لم تفعل وضلت معكم فظللتم سعداء دوني وظللت أنا بعلم الغيب ولم أعاني فقدها منذ نعومة أظافري .
اغمض أحمد عينيه ليهمس باختناق وهو يبتعد عنه يريد الاختباء بنفسه لملمة ما بعثره مازن من روحه : اصمت يا مازن ولا تتحدث بشيء لا تفهمه .
رفع مازن رأسه ليسأل بجدية : ما الذي لا افهمه يا بابا ؟! ألم تفقد زوجتك و رفيقة دربك و وليفة روحك من تحت رأسي ؟! ألم تفقد جنى والدتها وحصن أمانها و رعايتها من تحت رأسي ؟! اتبع ببسمة ساخرة – ألم أفقد أنا أمي من تحت رأسي ؟!
انتفض واقفًا من جديد ليزأر بصوت جريح : أليس أنا السبب في موت ماما ؟! أخبرني يا دكتور أحمد أليس أنا السبب ؟!
رفع أحمد عينيه لينظر له بعذاب تجسد بملامحه : بل هو قضاء الله وقدره يا مازن ، وحكمته في تعويض غياب والدتك فيك وفي وجودك وفي ملامحك التي تشبهها إلى حد كبير .
اقترب مازن منه :إذا أنت لا تحملني ذنب موت ماما يا بابا ؟!
بهتت ملامح أحمد ليجيب على الفور : بالطبع لا هل جننت يا ولد ؟!
ليرفع مازن رأسه بجبروت هاتفًا : ولكني أحملك السبب و الذنب في غياب الأم التي عوضني الله بها .
استقام أحمد بعنفوان ليصيح فيه بحدة : ليست أمك ولن تصل لمرتبة أمك يومًا .
فيصيح مازن بدوره أمامه : لم أقل ذلك أبدًا ولكن لا تنكر أنها عوض من الله لي ولك ولأسرتنا جميعًا ، عوضًا من الله عن استقرار لم احظ به يومًا .. عن دفء حضن لم اتنعم به أبدًا .. عن دلال يفوق الحدود كنت أسمع عنه دومًا .
اختنق أحمد ليصرخ برفض : لا تتحدث عن الدلال فمن الواضح اني أفسدتك دلالًا وليس بمفردي بل العائلة كلها دللتك ، لم تنشا وحيدًا لتتحدث هكذا ، ألم تقم عائلتك كلها برعايتك يا مازن ؟! هل قصرت معك عمتك أو زوجتي عميك ؟! هل بخل أحدًا منا عليك في شيء ؟!
ابتسم مازن هازئًا : لا يا بابا لم يقصر أحدًا منكم في حقي ولم تبخل إحداهن علي بشيء ، رمقه أحمد بغضب فصاح مازن متبعا بألم - ولكن لم تكن إحداهن أمي ، لم تفضلني إحداهن على ولدها يا بابا ، كنت دومًا اللطيم الذي يشفقن عليه ليس أكثر .
صرخ احمد بجنون : اخرس يا ولد ولا تكن جاحدًا فهن لم يقصرن معك بشيء .
تساقطت دموع مازن ليهمس بجرح عميق : وأنا لا أنكر فضلهن علي ولكن كل هذا الدلال الذي تتحدث عنه يا بابا والفضل والاهتمام كان يأتي في مرتبته الثانية فأنا كنت دومًا خلف أبنائهن ، آت بعدهم ويهتمون بي بعدما ينفذ اهتمامهن بابنائهن ،
نطق أحمد بغضب : عمتك لم تقصر معك يومًا .
ابتسامة ساخرة حطت فوق شفتيه : ولكنها تظل عمتي يا بابا و ولدها عندها أبدى وأحق من الجميع ، ضحكة قصيرة متهكمة صدرت عنه أججت غضب أحمد ليتابع - أنا أحب عمتي كثيرًا يا بابا كثيرًا جدًا ولكنها ستظل عمتي ، ولم اتوقف عن مناداتها بماما بسبب زجرك لي أو ارغامك بل لأني اكتشفت يومًا أنها بالفعل عمتي ولن تكون أمي أبدًا كما أخبرتني أنت .
عبس أحمد بعدم فهم ليهدر : ماذا تقصد ؟!
زفر مازن بقوة ليرفع رأسه بشموخ هاتفًا لأبيه العابس بترقب : اتتذكر يا بابا تلك المرة التي نشأت بيني وبين علي شجار طفولي انتهى به أن لكمني في وجهي ، أومأ أحمد برأسه فأكمل مازن - حينها ثار أدهم ولكم علي في وجهه حينها انتفضت عمتي وهاجت وماجت وصارخت على أدهم وانبته كيف أنه لكم علي بهذه الطريقة حينها تدخلت فاطمة و وقفت كحائط صد بين أدهم وعمتي و دافعت عنه بضراوة فلم تقوى عمتي على الحديث بعدها .
تساقطت دموعه بالتتابع وهو يكمل شاردًا ، يتهدلان كتفيه بألم أثقل روحه : كلاهما وقفتا متواجهتان كلا منهما تحمي ولدها خلف ظهرها وتمنحه رعايتها وحبها ، أما أنا وقفت وحيدًا .. عاريًا .. دون حماية أو درع يحميني ،
صمت لوهلة قبل أن يكمل بصوت خافت حزين : حينها - فقط - اكتشفت كيف تكون بلا أم .. كيف تكون وحيدًا في هذا العالم دون درعك الحامي بواجهته الصلبة و داخله الحنون.
سقطت دموع أحمد دون وعي منه وأغرقت وجهه الشاحب عيناه الشاخصة بألم لأجل ولده الذي أكمل وهو يحاول السيطرة على فيض وجعه : و رغم أن عمتي حينما علمت الأمر كاملًا فقبلت رأسي و دفعت علي أن يعتذر لي إلا أن ذاك العراء الذي استقر في عمق روحي لم ينمحي إلا حينما دافعت عني لميا فيم بعد.
انتبه أحمد فمسح دموعه ليسأله : كيف ؟! لا أفهم .
سحب مازن نفسًا محشرج ليشيح بعينيه بعيدًا ليجيبه بصوت خشن : كما تعلم أنا لست كثير الشجار ولا الجدال ولكن اتتذكر تلك المرة التي استدعوك لأجلي في المدرسة .
مسح أحمد وجهه ليتحرك مقتربًا يدفعه للجلوس ويجلس إلى جواره : نعم أتذكر كنت حينها في الصف الرابع ، ولكمت ابن السفير كسرت له سنه .
تمتم مازن : كان يستحق كسر رقبته ، ابتسم أحمد مرغمًا فأتبع مازن بضيق و أنفاسه مكتومة - لم أذكر لك سبب الشجار حينها ولم يكن هناك سبب فعليًا للشجار سوى أنه كان يتنمر علي دون سبب مفهوم منذ بدء السنة الدراسية يضايقني بتعمد ولا يجرؤ على الاقتراب من أدهم أو علي بطريقة أثارت استيائي وغضبي ، و رغم أن أدهم كان يتشاجر معه كثيرًا لأجلي ، إلا أني كنت اتجنبه معظم الوقت حتى يومها كنت ضائق من شيء لا اذكره و هو ضايقني متعمدًا فاحتككت به وهددته أني سأشكوه ، حينها سخر مني وهزأ بي لأني ليس لي أحد أشكو إليه فأنا لا املك أم مثل الجميع لأشكو لها .
قبض أحمد فكيه ونظر إليه بصدمة سيطرت عليه فأكمل مازن باختناق : حينها لم اشعر بنفسي إلا وأنا الكمه لكمتين متتاليتين قبل أن يدفعني أدهم عنه والدماء تغرق وجهه فنذهب جميعنا للمديرة التي صرخت في وجهي و اتهمتني دون أن تسأل ماذا حدث قبل أن تتصل بذوينا لتأتي بك و بوالدة كرم ، حينها حضرتك تأخرت ولكن السيدة زوجة السفير أتت مهرولة تركض نحو ولدها وكادت أن تندب حظها وحظه لأنها زجت به في هذه المدرسة ذات المستوى الرديء لأنها تقبل بامثالي بل إنها كادت أن تضربني بمكتب المديرة لولا وجود لمياء هناك ،
تصلب جسد أحمد بذهول وعيناه تهتز بعدم تصديق ليهمس مازن ساخرًا : لا أعلم أكانت هناك مصادفة أم أتت لأجلي خصيصًا فهي لم تكن المرة الأولى التي اجدها معي حينما يحدث لي أي شيء حتى لو كان صغيرًا لا يذكر .
تطلع أحمد إلى وجه مازن الذي اشرق فجأة وهو يكمل و دموعه تنهمر ثانيةً : حينها قفزت واقفة تحميني خلفها بقامتها القصيرة وجسدها الضئيل تصيح في وجه السيدة بصوت حاد ارعب الأخرى حينما صرخت في وجهها أنها ليس من حقها أن تقترب مني أو تتحدث معي وهي تدافع عن أخلاقي وتربيتي وتهتف بها أني الآخر من مستوى اجتماعي مرموق فأنا حفيد الوزير الراحل و ابن جراح كبير و عمي سيادة الوزير وأن ولدها أخطأ في حقي وعليها تربيته وتهذيب اخلاقه بدلًا من تحميل أخطاءه للآخرين.
اختنق حلق أحمد بدموع كثيرة لم يقوى على ذرفها وأنفاسه تتحشرج بقصبته الهوائية فلا يستطع ذرفها ليكمل مازن ببساطة: أنا لا أنسى هذه المرة قط يا بابا ، لا أنساها فحينها فقط شعرت أن لي درعًا حاميًا و أم حانية لدرجة أني في نفس ذات الليلة حينما قدمت لتطمئن علي قبيل نومي طلبت منك أن تتزوج وأخبرتك عن مدرستي التي أحبها .
تطلع إليه أحمد بعدم تصديق فهز مازن رأسه مؤكدًا : نعم كانت هي يا بابا هي مس لمياء من دافعت عني .. من كانت ترعاني في صغري.. من كانت تؤازرني دومًا .. تهتم بي وتسأل عني حتى بعدما كبرت كانت دومًا من حولي ولم تنسى عيد مولدي قط بل كانت تهنئني قبل الجميع وتأتي لي بالشكولاتة التي افضلها ،
اختنق حلق أحمد ليملص كفيه من بين يدي ابنه ليهمس إليه بصوت أبح وهو ينهض واقفًا: إذا أردت اذهب لها .
اخفض مازن رأسه ليتنهد بقوة هامسًا : كنت هناك بالفعل ولكنها طردتني وأمرتني بصرامة أن أبقى معك ولا اتركك بمفردك وأنك أولى بي منها ، فأنت أبي أما هي مهما حدث ستظل زوجة أبي ، وحينما عاندت هددت أن ترحل لبيت عمها فاستجبت و رضخت وهاك أنا أمامك اترجاك لأجل أن تعيدها .
تمسك مازن بكفه القريب ليتابع برجاء : أرجوك يا بابا أعدها لي ، أنا لا أقوى على العودة إلى ما كانت حياتنا عليه ، لا أقوى أن أشعر بأني سأعود للبيت فلا أجدها تبتسم لي وتهتم بأمري ، لا أقوى على التخيل أني سأعود لأمكث عند عمتي أو بقصر الجمال أو بأي مكان ، أنا أريد أن استقر ببيتي بجوار أمي التي ترعاني دون كلل أو ملل أو حتى شفقة تشعر بها نحوي ، نهض مازن واقفًا ينظر لعمق عيني أبيه متبعًا – بعدما شعرت بطعم الاستقرار يا بابا لن أقوى على التبعثر من جديد .
سحب أحمد نفسًا عميقًا ليهمس أمرًا وهو يتمسك بصلابته : حسنا تعال لتقود السيارة فأنا لن أقوى على القيادة الآن ، نظر إليه مازن متسائلًا فأكمل أحمد - تعالى سنذهب سويًا للقصر فأنا متعب .
بلل مازن شفتيه ليهمس بتلعثم : ولكن عمو وائل . ..
هدر أحمد بجدية وهو يعاود ارتداء معطفه من جديد : عمك وائل سألكمه في وجهه إذا فكر أن يمنعني من الاقتراب من زوجتي .
رفع مازن حاجبيه ليسأل بجدية : حقًا يا بابا ؟!
زفر أحمد وهو يفتح باب البيت ليجيب بوضوح : بالطبع لا فهو أخي الكبير و آه لو تعلم ماذا كانت تفعل بنا ماما رحمة الله عليها لأجل شقيقنا الكبير .
تمتم مازن وهو يدلف إلى السيارة : نانا ؟!
تنهد أحمد بقوة ليهمس بالإيجاب : نعم نانا رحمة الله عليها و ادخلها فسيح جناته ، هيا تحرك ولنرى ماذا سيفعل عمك ؟!
***
تجلس بجواره في أرجوحة حديقة منزله التي يهزها ببطء بعدما أتت لتطمئن منه على حال عبد الرحمن فعلمت منه عن أميرة فتهاتف نوران وتستفهم منها عن حالة أميرة إلى أن اطمأنت فولت أمر عبد الرحمن اهتمامها وتقصت منه عن أحواله ليطمئنها ويخبرها أن لا تخير والدتها قبيل الغد حتى لا تقلقها فهو سيذهب لعبد الرحمن غدًا وسيصحبهن معه هي و خالته و والدته لزيارة نولا و يتحمدون لها بسلامة عبد الرحمن حينها زفرت بارتياح وأخبرته بمرح أن لديها خبر سيعجبه وها هو يستمع إليها تثرثر عن فرصة عملها الجديد يستمع إليها بإنصات دون أن يتدخل فيم تقصه، عيناه تلمع باهتمام ويهز رأسه باستحسان معها ليهتف أخيرًا : مبارك يا مونتي ، أنا سعيد لأنك توصلت لاتفاق يرضيك معهم .
هزت كتفيها لتجيبه : اقتنعت بقول ماما حينما أخبرتني أن أقبل بعرضهم و اعمل من خلال المنزل حتى أقوى على الاستعداد للعرس واستكمال شراء ما ينقصني من الجهاز .
تنهد بافتعال : حبيبتي خالتي والله .
لكزته في كتفه بخفة لتهتف بندم فاجئه : اوه ، كيف نسيت ؟!
انتفض باهتمام ليهتف بها : ما الذي نسيته ؟!
تمتمت سريعًا وهي تقلب بهاتفها : موعد حلقة سليم الأسبوعية.
جمدت ملامحه ليتمتم بغيرة ومضت بعينيه فيخفيها داخل انتشاء ذكوري مفتعل همس به : طبيعي أن تنسي أمره تمامًا وأنت معي ، اتبع بغرور - ظننته شيئًا هامًا .
مطت شفتيها لتجيبه ببسمة ماكرة : بالطبع شيء هام ، اتبعت بحاجب مرفوع - حلقة ابن خالي الأسبوعية أمر هام ومقدس عندنا بالبيت لا يمكن تفويته .
جذبها من كفها ليقربها منه بمشاكسة : أنتِ ببيتي الآن ، بيت الجمّال .
أجابته ببسمة ماكرة : ما يُقدس ببيت الخيّال سَيُقدسّ في بيت الجمّال أيضًا و خاصةً إن كانت سيدة البيت مهرة آل الخيال يا ابن الجمال.
اسبل جفنيه ليهمس بخفوت وهو يحتضن كفها براحته : سيدة بيتي وملكة قلبي تفعل ما تريد تأمر وتطاع ونلبي صاغرين .
ابتسمت لتهمس إليه برقة : إذا استمعت إلى برنامجه مرة ستدمنه فأنت متذوق ممتاز للموسيقى ، أنا متأكدة .
اتسعت ابتسامته : يكفيني يقينك يا موني وعليه سأستمع إليه منذ الآن دون تفكير
اشرق وجهها بضحكة رائقة وصوت الموسيقى يدوي من حولهما بصوت فيروز الشجي تشدو بأغنية قديمة لم يدركها على الفور ولكنها صفقت إليها بمرح هاتفة : إنها حلقة الشتاء .
عبس بعدم فهم لينتبه إلى فيروز تصدح بصوتها الكرواني
رجعت الشتوية .. رجعت الشتوية
ضل افتكر فيا .. ضل افتكر فيا
رجعت الشتوية
لتشدو معها برقة وهي تتمايل بكتفيها فتتسع ابتسامته وعيناه تشرق بانبهار يلزمه معها منذ الصغر :
يا حبيبي الهوى مشاوير .. قصص الهوى مثل العصافير
لا تحزن يا حبيبي .. إذا طارت العصافير
وغنيّة منسيّة .. ع دراج السهرية
رجعت الشتوية .. رجعت الشتوية
ظل افتكر فيا .. ضل افتكر فيا
رجعت الشتوية
تعالت ضحكاته حينما لكزته بكتفها في كتفه ليندمج معها في الأغنية التي لاقت استحسانه ليؤرجحهما سويًا قبل أن تميل برأسها تسندها إلى كتفه فيكتم تنهيدة حارة كادت أن تفلت من بين شفتيه ليرفع رأسه ناظرًا للسماء بدوره مؤثرًا الصمت متنعمًا بالراحة التي غمرتهما معًا شاكرًا ربه على استجابته إلى دعائه ومنحه الكثير من فضله .
***
يا حبيبي .. الهوى غلاب
عجل و تعى .. السنة ورا الباب
شتوية .. وضجر وليل
وأنا عم بنطر على الباب
ولو فيا يا عيني .. خبيك بعيني
رجعت الشتوية – فيروز
تستلقي فوق فراشها تنظر إلى ملامحه الهادئة إلى حد ما بعدما عاد من عند رقية التي ذهب إليها بناء على رغبة تؤامه الذي أراد الاطمئنان عليها وطمأنتها فتشعر هي بحدسها به أنه اصبح افضل ، وأنه عاد لطبيعته .. هدوء شخصيته .. ومرحه الذي يسكن عيناه دومًا ، بل إنه أصبح أكثر استرخاء عم قبل فلا تقدر على تحديد سبب استرخاءه أهو من الحمام الساخن الذي أخبرها أنه حصل عليه أم بالفعل قلبه استقر وأطمئن على تؤامه ؟!
تمتمت باهتمام حقيقي : هل أنت أفضل يا عمر الآن ؟!
أجابها براحة تخللت نبراته : الحمد لله عبد الرحمن بخير وأنا اصبحت بخير .
تمتمت برقة : يا رب دائمًا .
همت بالحديث لتعبس بتعجب وصوت فيروز يتناهى إليها فتسأله : أنت من تدير فيروز ؟!
ابتسم بمرح : بل تيم ، إنها حلقة سليم ، كيف لا تستمعين له ؟!
تمتمت بحرج : لم أشأ أن اتركك وظننت أنه ليس من اللائق أن أدير الحلقة الآن فقررت أن استمع إليها بالغد .
ابتسم بعشق نبض بزرقاويتيه هاتفًا بصدق صفع هاجسها و ازاله من منبعه : أنا أحبك يا حبيبة .. يا حبيبتي .
توردت وعيناها تدمع بعفوية ليختنق حلقها دون أن تمنحه اجابة شافية فيكمل ببوح : كم كنت احتاج إليك اليوم وكم أزهرت روحي وأنت بقربي معي تدعمينني وتتمسكين بي ، ليتابع بعدم فهم حقيقي - رغم أني للآن لا أعلم كيف أتيت دون أن يخبرك أحدًا منا .
رفع عيناه إليها سائلًا بجدية : حقًا يا حبيبة كيف عرفت وأتيت بمفردك ؟!
اهتزتا حدقتاها ودموعها تتكاثف بمآقيها قبل أن تجهش في بكاء قوي ثرثرت من خلاله عن كل ما حدث صباحًا أمام عيناه المتسعتان بصدمة ألمت به لتتحول مع نهاية حديثها إلى خذلان استقر بعمق حدقتيه فلم يقوى على إجابتها حينما نهنهت من بين بكائها : أرجوك لا تغضب يا عمر فأنا لم ..
تعثرت الكلمات على شفتيها ليهمس بصوت مختنق هازئ : لا عليك يا حبيبة ، فأنا لست غاضبًا ، فقط أنا متعب تصبحين على خير .
همهمت باسمه ليبتسم ابتسامة باردة : أراك غدًا بعد أن اطمئن على عبد الرحمن ، تصبحين على خير.
ألقاها وانهى الاتصال لتجهش هي في البكاء مرة أخرى قبل أن تتقوقع على نفسها بمنتصف فراشها تنعي حماقتها وغبائها وتلوم نفسها بأنها أخبرته !!
***
يجلس بالمقعد الجلدي الكبير والذي يهتز برتابة بعدما ضبطه على وضعية التأرجح والموضوع بجوار الشرفة في صالة بيتهم يشارك والدته الجلسة التي تحافظ عليها منذ أن بدأ ابن خاله إذاعة برنامجه الإذاعي ، ولأن الليلة تعد من ليالي الشتاء القارص فوالدته وعدة القهوة والمدفأة الحجرية شكلًا ولكنها حديثة متطورة موضوعًا تدفئ صالة البيت يفكر في أوامر أبيه الصارمة والذي لأول مرة منذ أن بدأ حياته العملية يلزمه أن يمكث في البيت لقد اعترض .. رفض واحتج ولكن نظرة أبوه المصممة أجبرته أن يحصل على اجازة يومين أجل بها جراحاته وحول مرضاه لطبيب آخر ونفذ الأوامر وهو يشعر بأن الامر له علاقة بمحاولة اغتيال عبد الرحمن ، زفر بقوة والأغنية الجديدة التي أدارها سليم تستولى على ادراكه لوهلة فينصت إليها و ذاك المطرب العملاق بزمانه يشدو بصوته العريض بعد موسيقى قوية أحبها و أثارت حنينه بقوة
لما الشتا يدق البيبان .. لما تناديني الذكريات
لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات
الاقيني جايلك فوق شفايفي بسمتي
كل الدروب التايهة بتنده خطوتي
كل الليالي اللي في قمرها قلبي بات
مش جاية الومك على اللي فات .. ولا جاي اصحي الذكريات
لكني بحتاج لك ساعات .. لما الشتا يدق البيبان
اشتدت قبضتيه حول مسندي الكرسي الهزاز الموضوع وهو يجلس يهتز يستمع رغمًا عنه إلى سليم المتألق على ما يبدو في انتقاء أغاني فصل الشتاء فأتت تلك الاغنية التي يعشقها هو رغم قدمها ولكنه يعترف أنه ذوق كلاسيكي في الأغاني ، وهذه الاغنية خاصةً تداعب وتر حساس داخل روحه فتقلب عليه ذكرياته الماضية بأكملها. و خاصةً تلك الذكرى عن ليلة ممطرة تشاركاها سويًا في أول لقاء كان لهما بعدما تبادلا وعود الهوى و اعتراف بمكنونات روحهما فكانت هذه الأغنية حاضرة في خلفيتهما في ذاك المقهى الذي يمتلكه عجوز يتغنى بأغنيات أجداده الماضية وأنه قريب هذا المطرب العملاق الذي يشدو بصوت قوي ونبرات شجية ، ولكنهما لم يهتما بل كانا غارقان سويًا وكلمات الاغنية تصفهما معًا.
كنا طفولة حب لسه في اوله .. بنضم بايدينا الحنين وبنوصله
خريف ندانا والشجر دبلان .. بردانه كنتي وكنت انا بردان
ضمت قلوبنا بشوق ولهفة نبضها .. لما التقينا الخطوة عرفت ارضها
اجمل معاني الحب غنتها النيات
مش جاي الومك على اللي فات .. ولا جاي اصحي الذكريات
لكني بحتاجلك ساعات .. لما الشتا يدق البيبان
اغتمت عيناه وهو يشعر بأن شعوره بالأغنية في مرتها الأولى كان صادقا فرغم اعجابه حينها بجزئها الأول الذي يصف حالتهما إلا إنه استاء من النصف الآخر الذي يصف حالتهما الآن !!
انتفض فكه بقوة وهو يجد نفسه يدندن رغم عنه مع الأغنية ويتذكر أنه كان واهمًا فهي استطاعت أن تفارقه .. أن تتركه .. بل إنها استطاعت أن تتزوج من آخر غيره وهو من كان في قرار نفسه ينتظر تبريرها .. أسبابها .. دوافعها ليكتشف الآن أنها لم تحبه قط ، اغمض عينيه وصوته يعلو بنبرة أبحه لطالما أشادت بها خالته :
مش جاي الومك على اللي فات .. ولا جاي اصحي الذكريات
لكني بشتاق لك ساعات .. لما الشتا يدق البيبان
لما الشتا يدق البيبان – علي الحجار
رف بجفنيه وهو يستمع إلى صوت والدته التي هتفت بحبور : اووه ، ما هذا يا عادل ، تخيل لم أكن اصدق ايني أنك تقوى على الغناء كل هذه الفترة لاكتشف الآن أن صوتك جميل يا ولد.
ابتسم وهو يشعر بالحرج الذي تغلب عليه سريعًا هاتفًا بمرح و زهو : أنا كلي جميل يا أم عادل.
تأففت ليلى بحنق : أم أسعد ليس لأنه تزوج سأجرد من كنيتي .
ضحك عادل مرغمًا لينهض بسرعة يتناول فنجان القهوة من بين كفيها ليرفع يمينها يقبل ظهره هاتفًا : بل أنا من أريد أن التصق بك يا أماه .
ربتت على كفه بحنو لتجذبه منه بلطف تراعي فنجان القهوة الذي يحمله : إذًا تعال والتصق بي فالليلة برد وأنا سأحتضنك وادفئك كما كنت افعل وأنت صغير .
ضحك بمرح ليشاكسها بتعمد : تشتاقين للأسعد يا لولا لذا حنانك يفيض علينا.
ضربته على ساعده القريب منها بحنق لتهمس بخفوت : معك حق أنا اشتاق إليه ولكني سعيدة لأجله ، رغم أن صوته لم يكن بخير اليوم حينما حدثته لأطمئن عليه .
تراجع عادل عن رشف القهوة ليسألها بمكر : تطمئنين علام ؟!
تورد وجهها بعفوية فتحكم عادل بضحكته التي كادت أن تجلجل من حولهما وهي تجيب بتلعثم : اطمئن عليه ، على صحته .. أموره .. أنه سعيد وهكذا.
ابتلع عادل القهوة ليضع الفنجان من يديه على الطاولة الصغيرة القريبة : وبم أجابك الفارس يا ماما .
ثرثرت بعفوية : قال أنه بخير وكل شيء بخير وأن أموره بخير ، لوت شفتيها بحنق أمومي وهي تتبع - رددها بآلية وكأنه يجيب قائد المهام خاصته.
لم يتمالك عادل ان يقهقه بقوة ليشاغبها : وأنتِ كنت تريدينه يتمهل ويقص لك التفاصيل.
أجابت على الفور : بالطبع لا ولكن .. صمتت لترفع عيناها بتلقائية فتنظر للتسلية الوامضة بحدقتي ولدها لتهتف بحنق : لا يا قليل الحياء لم أقصد هكذا أنت وأبيك لا تفهمان ما أتحدث عنه.
ارتفعا حاجبي عادل بدهشة ليسألها : قصصت للأمير أيضًا ؟!!
زفرت بضيق لتدفعه من جانبها : أنا المخطئة أني اتحدث معك.
ضحك ليرفع ذراعه الذي دفعته ويحيط جسدها به ليقربها من حضنه هاتفًا : لم اقصد يا لولا كان مجرد تساؤل هيا أخبريني ما الذي لا افهمه أنا وسيادة المستشار ؟!
تمتمت من بين أسنانها : لقد شاكسني مثلك ثم نبهني أن لا أتدخل في أمور أخيك ولكنه لم يفهم أني لا أريد التدخل بل جُل غايتي الاطمئنان عليه .
احتضنها عادل : هو بخير يا ماما لا تقلقي بل ستجدينه بألف خير فقط ابنك خجول لذا لم يثرثر إليك ،اتبع بشقاوة - أعدك أني حينما اتزوج اثرثر اليك بأريحية شديدة.
ضحكت ليلى لتضربه بقوة هاتفه بامتعاض : ومن سيسمح لك أن تثرثر بالتفاصيل فقط تزوج و ارح قلبي وأنا متنازلة عن الاطمئنان والتفاصيل خاصتك.
قهقه ضاحكًا ليهتف برفض مرح : واتركك أبدًا .
هتفت بفكرة ومضت بعينيها : أقول لك تزوج ولا تتركني ، نظر إليها بصدمة فهتفت متبعة - هاك أسعد تزوج وموني ستتزوج بالصيف والبيت سيفرغ تزوج معنا في البيت ونستطيع اقتطاع جزء من الحديقة لنكبر لك غرفتك إلى جناح تمكث فيه مع عروسك.
ضحك دون صوت قبل أن يكسي الذهول ملامحه ويسألها عدم تصديق : أنتِ لا تمزحين يا ماما.
أجابته بسلاسة : لا طبعًا ها ما رايك ؟!
نظر إليها بتعجب : فيم ؟!
رمقته بضيق لتهمهم : في اقتراحي
رد بتعجب : زوجتني وأنا لم اخطب للآن .
رمقته من بين رموشها لتهمس بنبرة ذات مغزى : حسنًا نخطب لك ، ألديك عروس أم اقترح أنا.
ضيق عينيه بارتياب ليهمس ببطء : لا ليس لدي عروس يا ماما.
هتفت ليلى بضحكة تحكمت فيها بشق الأنفس : إذًا اقترح أنا ، ما رأيك في زميلتك هذه لارا إنها جميلة و رقيقة وابنة ناس ومسكينة وحيدة في الدنيا دون أخ أو أب وأنا خائفة عليها من أعمامها حينما تتزوج منها ستحميها من جشع أقاربها.
اطبق فكيه ليجيب بطبيعية قدر المستطاع : هل أنا جمعية لمساعدة المحتاجين يا ماما ؟! أتزوج منها لأحميها وحتى لا تكون وحيدة في الدنيا.
تمتمت بصوت ذو نغمة مميزة : ولد يا عادل هل تراوغني معتقدًا أني لا أشعر بك ، هذه الفتاة ليست مجرد صديقتك ، وأنا اشعر بك معلقًا بها وهاك أنا أتفادى خطأي مع أسعد فيك وأساعدك على الارتباط بمن تريدها لماذا تراوغ وترفض ؟!
تنفس عادل بقوة ليجيبها دون مراوغة : لأني لن استطيع الارتباط بها يا ماما.
عبست ليلى بعدم فهم لتسأله بتعجب : لماذا ؟!
هم بالحديث ليرتفع رنين جرس الباب ودقات متتالية أفزعتهما فقفز واقفًا وعقله يعمل سريعًا ليركض نحو غرفة والده يلتقط سلاحه المرخص الذي لا يحمله عادة ليضعه بحزام بنطالونه من الخلف ثم يتجه للباب يسأل بجدية عمن بالخارج قبل أن ينظر لعدسة الكاميرا الكاشفة لما بالخارج فيأتيه صوتها الخائف مع حركتها التي تلتفت من حولها بالخارج وكأنها تهرب من أحدهم : أنا يا عادل.
فتح الباب سريعًا ليجذبها للداخل سائلًا بقوة : ما بالك يا لارا ؟! لماذا تبكين ؟!
تمتمت من بين دموعها وهي تتمسك بكفيه في رجاء تشبع به صوتها : أنجدني يا عادل ، أنجدني ليس لي سواك لينجدني.
هم بسؤالها عم ألم بها ليصدح صوت ليلى التي تخطو نحوهما ببطء بسبب تعب ساقيها تهتف بفزع : ما بالك يا ابنتي؟!
تمتمت باعتذار سريع والحرج يلون ملامحها : اعتذر يا خالتي ولكن ..
شهقت ليلى برفض وهي تدفعها للداخل بعدما ضمتها بحضنها تربت عليها بحنان أمومي : تفضلي يا بنيتي البيت بيتك ، أهدأي ولا تعتلي هما نحن عائلتك وتأتين بأي وقت.
اغمض عينيه ليزفر بقوة قبل أن يتبعهما يستمع إلى حديث والدته الودود والتي اختتمه بقولها المرحب : حماتك ستحبك إن شاء الله يا ابنتي فانا كنت سأعد العشاء جيد انك أتيت لتشاركيني أنا وعادل الطعام فيمنى اليوم عند بيت خطيبها وعمك بالعمل كالعادة.
تمتمت لارا : شكرًا يا خالتي لا تتعبي نفسك .
أجلستها ليلى بلطف لتربت على كتفها : لا تقولين هكذا يا ابنتي ، هيا اجلسي ليصب لك عادل القهوة إلى أن نعد أنا و كريمة الطاولة.
أشارت لولدها بعينيها قبل أن تبتعد بخطوات واهنة فيصمت عادل إلى أن اختفت من أمامه فهتف بلارا في اهتمام : ماذا حدث يا لارا ؟!
تمتمت بتلعثم : ابن عمي الكبير عاد ويريد الزواج مني.
اعتمت ملامحه لتكمل وهي تفرك كفيها بتوتر وتكمل خافضة رأسها بخزي : وحينما رفضته حاول أن ....
رفعت وجهها بملامحها البريئة ودموعها تحفر وجنتاها : لقد هربت من البيت يا عادل لم أجد أحدًا غيرك التجئ إليه أنا لا أريد الزواج منه ولكني لا أقوى على التصدي له ولا اعلم ماذا علي أن افعل إنهم يريدون الاستيلاء على ارثي كاملًا والوسيلة الوحيدة أمامهم أن أتزوج من أحد ابنائهم ولكن الجميع رفض ما عدا الأكبر فيم بينهم فهو الوحيد المتزوج أما البقية امهاتهم رفضن فلم تقبل إحداهن أن يتزوج أحد أولادها من واحدة مثلي في الأول والأخير أرملة سبق لها الزواج.
شهقة عالية صدرت عن امفه متزامنة مع وقوع الصينية التي كانت تحملها عليها فنجان نظيف وكوب من الماء فأصدرت جلبة قوية قاطعت حديثها وجعلته يغمض عينيه هامسًا بخفوت شديد ومن بين أسنانه : رحماك يا الله.
***
يجلس أمام لوح الرسم الأبيض الخالي من ريشته في ذاك الركن الخاص به في غرفته والمحرم على عائلته الولوج إليه ما عدا عمار الذي يدلف إليه عنوة واقتدار ، لقد شعر بأنه يريد الاختلاء بنفسه .. البقاء بمفرده .. السيطرة على بحر افكاره المتلاطم لوحده ، يدوي صوت الموسيقى من حوله بأغنية من انتقاء سليم الذي يحتفل بقدوم فصل الشتاء في برنامجه فأدار أغنية مسته بقوة وخاصةً أنها بصوت مغني أبيه المفضل والذي تربى هو على اغانية التي تدار بالبيت لأجل أن يشاكس أبيه أمه أو يدللها أو يخبرها بمدى عشقه لها عن طريق صوت الكينج الشجي . فيدوي صوت منير بأذنيه بشدو رجف قلبه له وهو يقول
بره الشبابيك غيوم .. بره الشبابيك مطر
مالي خايف كدة
خايف وحاسس بالخطر
ده حزن ولا وتر .. ده قلب ولا حجر .. ده دمع ولا مطر
مالي خايف خايف خايف .. وحاسس بالخطر.
و كأنه كان ينقص سليم وأغانيه التي تثير شجنه فتأتي تلك الأغنية تفجر كل ما يعتمل بداخله من قهر فتحركت ريشته بانفعال مكبوت مكتوم بداخله منذ الصباح فيتكتمه هو منتظرًا .. صابرًا .. محتسبًا أن تأتي إليه .. تبوح .. تفضي .. تتحدث عم يؤرقها .. يبعدها .. يوترها ويخيفها ولكنه صمت وهي الأخرى سكتت .. نأت وابتعدت ، وحينما اقتربت احرقت كل تعقله بترددها وخوفها الذي طل من عينيها فيثور عقله وهو يتساءل لماذا اخفت .. لماذا خبئت .. لماذا صمتت ولم تخبره ، لا يشك بها على الاطلاق ولكن عثرتها السابقة تحرق روحه وتشعل أوردته وغيرته عليها تنثر ما تبقى من تعقله فيريد الذهاب إليها وسؤالها ولكن كبرياءه يمنعه . اغمض عينيه وصوت منير يخترق قلبه بسهام كثيرة رُشقت بعمق شعوره بها وهو يشدو واصفًا حالته معها
آخر مرة أما اسبتك .. كتمت الشكوى ليه
مش كان احسن حاسبتك .. وعرفت القصة ايه
لكن محاسبتكيش وقلت لك مافيش
وكأنك يا حبيبتي امرك ميهمنيش .
ردد بآليه وهو يفقد السيطرة على ريشته التي توحدت مع أوجاعه .. آلامه .. قلبه الذي ينزف ببطء شديد
أنا خايف من ده فيا .. من الشكوى المدارية
بالذات في الليلة ديا .. تحت الغيم والمطر
مالي خايف خايف خايف وحاسس بالخطر .
اختنق حلقه وعقله يعيد عليه ما رآه صباحًا فيطبق فكيه بقوة يغمض عينيه لعله يستطيع أن يوقف ذكراها وهي بين ذراعي الآخر فيئن قلبه وهو يذكره أنها كانت رافضة .. غير راضية .. كارهه لآخر ، احبته يومًا فضلته عليه و ركضت إليه .
اهتزت يده فاطبق كفه على ريشته بعنف ابيضت له سلامياته وهو يضرب فوق اللوح الأبيض بقوة ولون اسود ممتزج بلون زيتونيتها والصورة تتضح بعقله فيجسدها بسهولة وموهبة ربانيه وراثية فيختنق حلقه وهو ينظر إلى عيناها التي يجسدها فينتفض قلبه متألمًا حينما أدرك أنه يرسم نظراتها الكارهة والتي كانت توجهها له قبلًا والآن تنظر بها لآخر كان يحتل قلبها يومًا ما .ارتعشت ريشته لتسقط أرضًا ومنير ينهي أغنيته بصوت قوي صدح من حوله
بره الشبابيك غيوم .. بره الشبابيك مطر
مالي خايف كده
خايف وحاسس بالخطر
ده حزن ولا وتر .. ده قلب ولا حجر .. ده دمع و لا مطر
مالي خايف خايف خايف .. وحاسس بالخطر .
بره الشبابيك – محمد منير
***
تنظر إليه من خلف الزجاج تتامله عن كثب وهي تراه لأول مرة يعمل تسمع ما يديره بالداخل في وضوح وتتفاعل معه ، بل تنغمس في تفاصيلة وهو منسجم مع موسيقاه إلى أن أشار إليها بأنه سيدير تلك الأغنية التي طلبت منه أن يديرها لأجلها حينما أخبرها أن حلقته اليوم ستكون عن الأغاني القديمة التي تخص فصل الشتاء فهو رغم تغيبه طوال اليوم عنها مع عائلة خطيب شقيقته وصديقه لأجل حادث أخو الأخير إلا أنه أصر أن يمر عليها ويصحبها معه إلى الاستديو.
ابتسمت برقة وعيناها تومض بعشقها الدفين إليه والموسيقى تصدح من حولها لتستجيب إلى أمره عندما أشار إليها أن تدخل إلى الغرفة ، لم تتردد لحظة واحدة وهي تدلف بهدوء شديد وتغلق الباب خلفها ليداعب بأنامله زرين فيغيم الزجاج بطبقة من لون رمادي فيصبح زجاج عاكس لا يشي بم يحدث بداخل الغرفة.
عضت شفتها السفلية بذهول وهي تشير برأسها في نفي وتهمهم دون صوت : سليم هذا لا يصح .
جذبها من كفها عندما نهض واقفا ليمنحها سماعتين تماثلان خاصته الذي يرتديها ويساعدها على ارتدائهما لتنساب الموسيقى بأذنيها ليديرها بخفة يحتضنها من ظهرها وهي تدندن دون صوت مع كلمات الاغنية التي تعشقها :
وسط الشوارع ناس كتيرة مروحين .. والناس يا قلبي هم هم وهو فين
وانا ماشية بتلفت وبسال كل يوم .. بيعمل ايه دلوقتي وبيحلم بمين ..
استدارت داخل ذراعيه لتحرك شفتيها في غناء صامت :
والناس في عز البرد بيجروا يستخبوا .
لتتابع وهي تضم نفسها لحضنه العريض :
وانا كنت بجري واخبي نفسي قوام في قلبه
و لحد لما الليل يليل ببقى جنبه .. وافضل في عز البرد وياه بالساعات
صمتت وصوت اليسا يصدح من حولهما يخيم عليهما وهي تبتعد عن صدره تنظر إليه بتساؤل مرتبك وتوسل حط بقلبه لينغلق حلقه تمامًا وهو يناظرها وعقله يدرك سبب توسلها وكلمات الاغنية تصفع شعوره بها
على سهوة ليه الدنيا بعد ما عشمتنا .. وعيشتنا شوية رجعت موتتنا
والدنيا من يوميها يا قلبي عودتنا .. لما بتدي حاجات بتاخد حاجات .
اواخر الشتا – اليسا
عم الصمت عليهما قليلًا لينتبه إلى انتهاء الاغنية فيلامس الشاشة المتطورة من أمامه ليصدح صوت فاصل اعلاني قبل أن يعود إليها ينظر إليها بتساؤل صدح بصوته قويًا : أنت ؟!!
بللت شفتيها لتخلع سماعات أذنيها قبل أن تهمس بخفوت شديد : أنت لن تتركني يا سليم ، أليس كذلك ؟! لن تفعل الآن بعدما ..
صمتت وهي تخفض عيناها بحرج ليطبق فكيه بقوة قبل أن يقترب منها بخطوات متمهلة يجذبها من مرفقيها إليه يضمها إلى صدره كفيه يملسان على ظهر فستانها المخملي بلون العنب الاحمر القاني يثير الدفء لجسدها الذي شعر به باردًا ليبعدها قليلا عنه قبل يحرك كفيه بنفس الطريقة على ذراعيها العاريين بعدما خلعت معطفها الصوفي الانيق بلونه الرمادي الفاتح ليهمس بصوت اجش : لا لن أفعل ، لقد أخبرت بابا صباحًا قبيل حادث شقيق خطيب حبيبة و وافق وحدد موعدًا لنزوركم في آخر الأسبوع.
غمرت ملامحها فرحة قوية ليكمل بابتسامة متوترة : فقط لم أقوى على الحديث معك ولا اخبارك .
ابتسمت وهي تقترب منه برقة : لا يهم أنا أقدر ما حدث وأنك انشغلت مع عائلتك .
هزت كتفيها وهي تلجئ لصدره: يكفي أنك صممت على وجودي معك اليوم .
تنعم باحتضانها القوي ليحنى رأسه إليها يقبل وجنتها هامسا بصوت أجش : و سأمضي ليلتي وباكر معك إذا لم يكن لديك مانعًا.
تضرجتا وجنتاها بالاحمر القاني لتغمغم بصوت أبح وهي تدفن رأسها في صدره : إنه بيتك ، لا أحد يستأذن لأن يمكث ببيته .
ومضت عيناه بتوقه لوجوده معها ليهمس بخفوت وهو يقبل وجنتها الأخرى بقبلة متمهلة اشعرتها بأنه يرتشف مسام بشرتها ويهمس بزفرة ساخنة : سأنهي الحلقة وننصرف سريعًا .
تحاشت الوقوع بأسر نظراته ليجبرها حينما احتضن ذقنها بكفها العريض الدافئة ، يرفع وجهها إليه فأغمضت عيناها وهي توقن من أنه سيقبلها كتمت أنفاسها وهي تشعر بانفاسه القريبة للغاية لتتركها دفعة واحدة حينما امتلك شفتيها بقبلة هدجت انفاسهما سويا ليتركها أخيرًا مع نهاية الفاصل الاعلاني فيعود بصوت أبح بثه مرح يليق به وهو يهتف في الميكرفون المخصص له : كنتم مع سليم وساعة طرب اهداء الحلقة للعزيزة الغالية انجي صباحي أراكم الاسبوع القادم وساعة جديدة تحمل اغاني الماضي الجميل في اذاعة صوت مصر .
***
رمق شقيقه الصغير الغاضب بحاجب مرفوع ونظرات ماكرة يعلم جيدًا أنها تثير غيظه فيهتف أحمد من بين أسنانه بضجر : هلا تأكدت من فاطمة أنها أخبرت لميا أني هنا وأريد مقابلتها .
شبه ابتسامة رسمت على ثغره ليجيبه ببرود : لقد فعلت أمامك ولكن لا بأس ، تستطيع أن تهاتف فاطمة و تسألها يا دكتور ، رغم أني لا استسيغ أن يهاتف أحدهم زوجتي قرب منتصف الليل ولكن الليلة أنت استثناء ، فأنا أدرك مدى ارهاقك البادي على وجهك .
اطبق أحمد فكيه ليهمس باقتضاب : سأهاتف مازن لاستفهم منه سبب التأخير .
لوى وائل شفتيه ليهمهم هازئًا : التأخير سببه أن السيدة خلدت إلى النوم يا أحمد ، رمقه أحمد بغضب فاتبع وائل – اسمح لي يا أخي ، لا أحد يقوم بالزيارة في هذا الوقت من الليل .
هدر أحمد وهو ينتفض واقفًا : لا أحد يزور زوجته يا أخي ، بحق الله إنها زوجتي ، اتبع بغضب ومض بعينيه – أتعلم أنا المخطئ لأني تحليت بآداب الزيارة واحترمت كونك كبيرنا وانتظرت كولد صغير إلى أن تأذن له .
خطى بحدة للخارج فهتف وائل بصوت جاد أمر : توقف عندك يا أحمد .
تصلب جسد أحمد مرغمًا ليدور على عقبيه بينما وائل يتبع – لست ولدًا صغير بل أنت رجلًا كبير لذا من فضلك تحلى بأخلاق الكبار وتوقف عن الغضب السريع الذي لم اعهده فيك يومًا .
نهض وائل واقفًا ليمر من جواره : لن احاسبك على ما تفوهت به منذ قليل فأنا أدرك جم غضبك ولكني سأنصحك للمرة الأخيرة أن تتحكم في مشاعرك المتأرجحة ككرة من المطاط تغدو وتجيء وانصت لشكوى زوجتك وحاول أن تحتوي الامر ليس لأجلك ، بل لأجل فتاك الذي مهما حاول اخفاء تأثره و ألمه إلا أنه أكثر من يتألم بم يحدث بينك وبين لمياء هانم .
رف أحمد بعينيه وهو يشعر بغصته تزداد ليهمس باقتضاب : أعلم .
اتبع وائل بجدية : ولتفكر أيضًا في ابنتك التي حتمًا ستعلم بم يحدث بينك وبين زوجتك ، وما مدى تأثير الأمر عليها ، تنفس وائل بعمق ليربت على كتف أحمد بجدية – فكر في عائلتك يا أحمد وكن حكيمًا كما عهدتك دومًا يا رمانة ميزان آل الجمال .
أومأ أحمد بتفهم وعيناه تشرد بعيدًا ليبتسم وائل بود هاتفًا : تفضلي يا هانم ، تمتمت بصوت خافت متوتر أجبره أن يدور لينظر إليها فيتابع وائل بعد أن لكزه بخفة دون أن تنتبه إليهما لمياء – اعذريني مضطر أن اذهب فلدي بعض من الأعمال العالقة .
ابتسمت و ردت بخفر : اعتذر عن ازعاج سيادتك .
ابتسم وائل وهو يخطو إلى ما ورائها فلا تستطع أن تراه يغمز لأخيه بعينه في شقاوة لم تخبو بمر الزمن : لا يوجد ازعاج ولا أي شيء ، ثم سيادتك لم تزعجينني أخي هو المزعج ، لنا الله.
تمتمت بعفوية خافتة : أبدًا أحمد ليس ..
صمتت فكتم وائل ضحكته قبل أن يشير لأخيه برأسه غامزًا ثانية : حسنًا بعد اذنكما ، البيت بيتكما بالطبع يا أحمد .
رمقه أحمد بيأس إلى أن اغلق الباب من خلفه ليعود بنظره إليها يتأمل ملابسها المحتشمة وشاح رأسها وجهها المحتقن خجلا وتوترها البادي بفركها لكفيها ليهمس بجدية : هلا جلسنا أم سنظل واقفين هكذا ؟!
رفت برموشها كثيرًا قبل أن تستجيب دون أن تتحدث فينتظرها بصبر ليخطو إليها ويجلس بجوارها تاركًا مسافة فاصلة بينهما فيكح بحرج هامسًا بجدية : أنا اعتذر يا لميا .
كتمت شهقة بكاء غادرة كادت أن تنفلت من بين شفتيها ليتبع بهدوء – ولا امتلك اعذار وافية ولا كافية أقدمها لك حتى ارضيك أو اصالحك ، أنا اخطأت ومعترف بخطأي و أقر به ولكن ولأول مرة بحياتي كلها لا أعرف سبيل لتصليح الخطأ أو حلًا لتدارك فعلتي .
قبضت كفيها وهي تشعر بروحها تنحر ببطء ليكمل هو بوضوح : أنت لم تخطأي بشيء ، بل كنت صادقة في كل ما فعلته معي تحملتني وكنت نعم الزوجة أما أنا ..
صمت لوهلة قبل أن يتابع باختناق أغلق حلقه – أنا أحيا بصراع قوي يغمرني .. يغرقني .. ويكبل قوتي فأغدو واهنًا .. ضعيفًا .. هشًا فلا أقوى على الطفو أو العوم ،
رفع عيناه لينظر إليها هامسًا باختناق : كل ما أقوى على فعله الآن أن اترك نفسي هائمًا لتيار قوي يجرفني ، إما أن اغرق أو أصل سالمًا .
تساقطت دموعها لتمسحه بكفها في صلابة اثارت اهتمامه لتهمس بضيق : وأين أنا من كل هذا يا أحمد ؟! عبس بعدم فهم لتتابع بجدية – ألم تفكر يومًا أن تطلب مساعدتي فأتشبث بك و احارب معك بدلًا من أن أكون احارب ضدك دون دراية مني .
ومضت عيناه بترقب واعجاب خفي لم يستطع أن يمنع نفسه عن الشعور به لتكمل وهي تحتضن كفه القريب منها : أنا بجوارك يا أحمد .. معك ، واجبي نحوك مساعدتك حتى إن لم تطلبها فقط لا تعتزل عني لا تبتعد ، أخبرني و أنا سأتفهم ولكن قبل كل هذا ..
صمتت لتسحب نفسًا عميقًا قبل أن تهمس محشرج مختنق – فقط أريد أن أعرف هل تريدني معك أم لا ؟! لأني لا أقوى على المحاربة ضدك أو جوارك وأنت لا ترغب في وجودي .
ابتسم مرغمًا ليهمس بجدية : أتعلمين غضبت كثيرًا حينما عدت إلى البيت ولم أجدك ، وتألمت كثيرًا حينما عاتبني مازن لأنني السبب في رحيلك ، وأتيت وأنا حزين وغاضب ولكنك حينما دخلت من هذا الباب ولم ترفضين مقابلتي ولم تتعنتين معي شعرت بأن كل ما أريده أن أبوح إليك بم يثقل كاهلي ، لا أنكر أني اتيت لأعيدك لأجل مازن ولكن حينما رأيتك شعرت بأني الآخر احتاج إلى وجودك يا لميا ،
تمتمت بجدية : سأعود معك لأجلك و لأجل مازن ، لتتبع بهدوء وهي تتحاشى النظر له – ولتعلم أني لا أثقل عليك أبدًا لن تشعر بوجودي أبدًا .
عبس بعدم فهم قليلًا قبل أن يدرك مقصدها فيغمغم باختناق : لم تثقلي علي يومًا ، بل أنا من أثقل عليك كثيرًا يا لمياء .
ابتسمت وعيناها تنبض بألم لتهمس بجدية : لست ضائقة واجبي كزوجتك أن أتحمل .
اطبق فكيه وهو يشعر بأنه لا يقوى على التنفس فهمس وهو ينهض واقفًا : حسنًا سأمر عليك غدًا لنعود إلى البيت .
هتفت بدهشة : لن نعود الليلة ؟!
رف بعينيه ليسألها بتعجب : تريدين العودة الليلة ، ظننتك سترفضين .
هزت كتفيها بعدم معرفة ليتابع – بالطبع إذا أردت سنفعل .
ابتسمت بحرج : حور تبكي وترفض النوم وكلما طلبت منها أن تغفو ولو قليلًا تخبرني أنها تنتظرك فأنت حتمًا ستأتي ، اتبعت بزفرة قوية – لم أكن أعلم من أين أتت بهذا اليقين ولكن من الواضح أنها كانت محقة .
ضحك بخفة ليهمس بصدق : حقًا أنا اشتقت إليها ، حسنًا سأخبر مازن ليستعد ويعيدنا للبيت .
هتفت بجدية سائلة : هل مازن من أتى بكما ؟!
أومأ بالإيجاب لترفض بوضوح – إذًا سننتظر للصباح ، فليس من الجيد أن يقود السيارة ثانيةً في هذا الليل والطريق الطويل ، لابد أن يرتاح .
رمقها مليًا وحديث ولده يُعاد برأسه فيسألها بهدوء : ماذا سيحدث له ؟!
تمتمت سريعًا : بعد الشر عنه لن يحدث له شيء بإذن الله ولكن هذا كثير ، اذهب أنت وعد وسأعود أنا وحور بمفردنا في الغد .
رفع حاجباه بصدمة ليهمس بمرح تملكه فجأة : إذًا أنا أعود بمفردي هذا الطريق الطويل في هذا الليل ولا تخشي علي ولكن تخشين على مازن .
تلعثمت و وجنتاها تتوردان : لم أقصد هذا .
سألها بهدوء : ماذا تقصدين إذًا ؟! عضت شفتها بضيق من نفسها فنظر إليها بتساؤل ليكمل – إذًا ليس مرحب بي أيضًا أن اقضي ليلتي معكم .
شهقت بقوة لتهمهم : بالطبع لا إنه بيتك .. بيت عائلتك ، وهل أملك أن أدعوك لما هو ملك لك في الأساس .
هز رأسه ليشاكسها بتعمد : للأسف تملكين ، نظرت إليه بعدم فهم فيعاتبها بجدية – لأن أخي الكبير يصر أنك تملكين القرار يا لمياء هانم .
تمتمت سريعًا شارحة : لم أكن أريد أن ات إلى هنا ولكن مازن ..
قاطعها وهو يصر على أسنانه : مازن باشا ، ماذا افعل به ؟! هل اتخلص منه وارتاح ؟!
شهقة عالية صدرت منها دون وعي لتهتف حنق : بعد الشر عليه .
لم يتمالك نفسه ليقهقه ضاحكاً وعيناه تدمع بعفوية قبل أن يقترب منها ببطء فيتصلب جسدها بردة فعل تلقائية ازالها حينما قبل قمة رأسها هامسًا : أنا آسف يا لميا ، اعتذر منك على كل شيء .
تمتمت بحياء لون ملامحها وهي تبتعد للخلف قليلًا : لست غاضبة ، يكفي مجيئك إلى هنا وحديثك معي .
ابتسم بامتنان لمع بعينيه ليهمس بجدية أمرًا : سنعود إلى البيت فأنا لن احتمل مشاكسة وائل صباحًا وليس من اللائق أن ألكمه بعد هذا العمر وأنا الذي لم افعلها من قبل ، اتبع وهو يشير إليها أن تتحرك معه للخارج – وتعلمين أنه الآن وزير وسينتقم مني أشد الانتقام .
ضحكت برقة لتتعلق عيناه بملامحها الجميلة وابتسامتها النقية ليبتسم بوجهها : هيا أخبري حور وأنا سأطلب من فاطمة أن يوصلنا أحد السائقين .
وهو يكمل متعمد مشاكستها : فنحن نخشى على مازن باشا حتى – بعد الشر عليه – لا يحدث له شيء .
تمتمت بعفوية – وهي تخطو بعيدًا عنه - علقت بذهنه على الفور : بارك الله في ابني وحفظه .
تابعها بعينيه ليختنق حلقه أكثر عن ذي قبل ليندفع صاعدًا السلم بخطوات متتابعة ارهقته وأثارت تنفسه وهو يخطو نحو جناحه القديم يشعر بأنه يحتاج إلى أن ترشده .. تخبره عن حل لمعضلته .. تسكن روحه المبعثرة بين طيفها الغائب وحاضر يفرض نفسه عليه بكل قوته .
***
يتسحب بخطوات هادئة لا يسمع حسيسها ينظر من حوله حينما وصل إلى باب الغرفة الذي يعلم أنه محجوز بها كما وصلت له المعلومة ليقف موليًا ظهره إلى بابها يتلفت من حوله ثانيةً حتى يتأكد من كون أن لا أحد يدرك وجوده قبل أن يدلف إلى الداخل مشهرًا مسدس صغير مزود بكاتم صوت تلقائي ، ينظر من خلف نظارته ذات العدسات الحسية التي تدرك الحرارة الجسدية البشرية فيقترب من الفراش الجاثم عليه الآخر الذي لا يقوى على الحركة كما يعلم فيرفع مسدسه يوجهه لأول الفراش مصوبا على رأس المستلقي نائما لتنطلق رصاصته موجهه نحو الهدف الذي قفز فجأة ليركل المسدس من كفه فتطيش الرصاصة وتستقر بالحائط المقابل لتعود نفس ساقه وتركل وجه الملثم الذي اقتحم الغرفة فيسقط على وجهه متأوهًا بصوت مكتوم لتكتم أنفاسه ومسدس الهدف يوضع برأسه وصوت خشن يهدر فيه بحزم : ارفع كفيك في مستوى رأسك حتى اراهما ، ها قد وقعت أيها اللعين .
اطاع على الفور ليصفد من يستقر فوقه كفيه قبل أن يخلع لثامه من فوق وجهه ليعبس علاء بضيق ألم به وهو ينظر إلى ملامح آخر ليس هو من ينتظره فيزفر بقوة ويهمهم بخفوت معلنًا بغضب ومض بعينيه : ليس هو ، للأسف ليس هو !!
***
لكمة قوية سددت لفمه ليهمس حسن من بين فكيه : تحدث .
تمتم الآخر بوهن : لقد أخبرتك بكل ما عندي حتى الرسالة التي حملت بها أخبرتك إياها .
مط حسن شفتيه مفكرًا فيردد الآخر بآليه و كأن عقله لا يحتوي على أي شيء آخر سوى هذه الرسالة : الذئب يبلغك تحياته ويخبرك أن ليس كل مرة تسلم الجرة كما تقولون هنا ، هذه المرة كانت لاثارة الفزع المرة القادمة ستكون صادمة .
ابتسامة ساخرة زينت ثغر حسن ليهمهم باستهزاء : وينظم الحديث أيضًا ابن ال ..
صمت منهيًا حديثه ليكمل الآخر بإنهاك : ويحذر أسدكم الغاضب أنه لابد ان يخشى على أشباله فإن انتقامه قريب وشديد.
رمقه حسن مليًا ليلكمه لكمة أخرى قبل أن يشير إلى الرجلين الواقفين من حوله : اعرضوه على الطبيب .
نفذا على الفور ليغادر الغرفة من باب آخر فينظر لأحمد بنفاذ صبر قبل أن يشير باستهجان لعلاء : ما الذي يفعله هنا ؟! رمقه أحمد بغضب ليرمقه علاء بعتاب فيتبع بصلف - لا تنظر لي هكذا ليس من حقه حضور التحقيقات يا علاء بك أم لأنه صهر الوزير وابن أخو صديق سعادة المستشار فيستثنى رغمًا عن انوفنا .
زمجر أحمد بعدم رضا وهم علاء بإجابته ليصدح صوت أمير رخيمًا مخيمًا عليهم : ذكرني المرة القادمة يا علاء بك أن نكسر انفه الافطس حتى يعتدل في حديثه الذي يتطاير كشظايا المدفع سريع الطلقات . وقفا الاثنان باعتدال ليمنحا أمير التحية بينما كتم احمد ابتسامته ليشير إليهما أمير بكفه أن يستريحا وهو يتابع - ما باله ابن أخو صديق سعادة المستشار يا حسن بك ؟! أليس مشارك معك بالقضية أم ماذا ؟!
هتف بجدية وهو يرفع رأسه بشموخ : مدنيًا يا فندم ولا ..
رمقه أمير بطرف عينه فابتلع بقية حديثه ليهمس أمير: نعم معك حق هو مدنيًا وليس مخول له التواجد هنا ولكن أحمد بك استثناء وليس لأنه صهر الوزير أو ابن صديقي بل لأنه عنصر أساسي في إيقاع المجرم الذي ندور من حولنا منذ سنوات للإيقاع به ، فهو حتى إن غادر سيعود لأجل أحمد و لأجل أن ينتقم منه.
انتقض أحمد ليردد بصدمة : غادر ؟! هل غادر بالفعل يا عماه ؟!
ردد حسن باستنكار : عماه ؟!!
لكزه علاء القريب منه ليصمت بينما تضرج وجه أحمد بالأحمر القاني في حرج ألم به ليزفر أمير بقوة قبل أن يجيب : ما ورد إلينا أنه غادر اليوم فجرًا .
تمتم علاء : إنه نفس التوقيت الذي حاول فيه اغتيال عبد الرحمن للمرة الثانية .
أومأ امير برأسه موافقًا ليسأل أحمد باختناق : ولكن كيف تركتموه يغادر يا سعادة المستشار ؟!
أجاب أمير بضيق تحكم فيه : لقد غافل الرقابة كعادته ،
صمت مهيب خيم عليهم ليهتف حسن بتركيز : لا اعتقد أنه غادر يا سيدي ، إنها إحدى العابه ، رفع أمير حاجبه ونظراته الوامضة بالفخر موجه لحسن الذي اتبع - نستطيع أن نتأكد من رجالنا هناك .
ابتسامة ماكرة زينت ثغر أمير ليؤثر الصمت وينهض واقفًا هامسًا بهدوء : ركز في حماية عبد الرحمن يا حسن و خاصةً بعرس أخيه .
سأل أحمد باستهجان : عرس ، هل سيقام العرس يا عمي ؟!
أومأ أمير برأسه : ستسير حياتكم بشكل طبيعي و خاصةً أن عبد الرحمن حمدًا لله بخير ثم إننا لا نريد إثارة شكوك مراقبينه المنثورين حولكم لذا تعاملوا بطبيعية ، اتبع بدعم - وخاصةً أن من يأمنكم حسن بك بنفسه .
القاها وهو يرتب على كتف حسن بفخر ويكمل : ولا ننسى دور علاء بك في إنقاذ عبد الرحمن.
ابتسم علاء في حين ظل وجه حسن على تجهمه فيتمالك أمير ضحكته ليشاكسه متعمدًا : لا بأس أن تبتسم يا حسن .
تمتم حسن بتعجب : لا أرى ما يثير الابتسام .
ضحكات أحمد وعلاء المكتومة أثارت ضيقه فهتف أمير بيأس : معك حق ، استكملا عملكما ،
اتبع وهو يغادر : تعال يا أحمد معي ، فأنت ستعود بأخيك للبيت ، تصرفوا بطبيعية وكأن شيئًا لم يكن .
أومأ أحمد بطاعة وهو يسير برفقة أمير ليغادرا سويا قبل أن يهتف علاء بغيظ : يا الله منك توقف عن غلاظتك قليلًا .
تحرك حسن بخشونة وهو يغادر بدوره : لا شأن لك اطلب منهم أن يأتوا بتلك السيرين فأنا أريدها .
تمتم علاء بغيظ : أمرك يا فندم.
***
تخطو بخطوات متتابعة يسهلها عليها حذائها الارضي والذي ارتدته اليوم يناسب ملابسها غير الرسمية ، تريد أن تلحق به قبل أن يدخل إلى محاضرته الصباحية ، لم تذق طعم للنوم الليلة الماضية لتقرر حينما انبلج الصباح أنها ستأتي إليه ، فهو يستحق أن تصبو لرضاه تعتذر منه عن سوء ظنها به وخذلانها إليه ، ذاك الخذلان الذي استقر بعمق زرقاويتيه فطاردها طوال ليلتها .. عاتبها وألم قلبها ، توقفت أمام مكتبه ذو الباب المفتوح لتنظر إليه خاليًا دون أثر منه، فيكسو الحزن ملامحها ويتهدلان كتفيها بعدم أمل نبض بعينيها الدامعتين لتنتبه إلى أحد العمال يدعوها أن تنتحي عن الباب ليقوى على الدخول لتنظيف المكتب فتسأله بصوت محشرج : ألم يصل دكتور عمر ؟!
تمتم الرجل بجدية : بل وصل ، اختنقت بضيق وهي تعي أنها لم تلحق به ليكمل الرجل وهو يبدأ في عمله – ولكنه بمكتب العميد من أجل التحقيق .
عبست حبيبة بعدم فهم لتسأله باهتمام :تحقيق ، أي تحقيق ؟!
اجابها الرجل بفرحة لم يستطع كتمانها : ألا تعرفي يا بنيتي ؟! الجامعة من البارحة تتحدث عن فصل تلك الفتاة – استغفر الله العظيم يارب ، حفظ الله بناتنا وبارك فيهم نتيجة ما فعله عمر بك،
تحدث الرجل بفخر أبوي : طوال عمري أحبه لله في لله ، إنه رجل من ظهر رجل ، بل إنه ارجل من كثيرين أعرفهم لا يملكون ملامحه الاجنبية .
ضحكت حبيبة مرغمة لتسأله بحماس : لم تخبرني ماذا فعل ؟!
هم الرجل بالحديث ليصمت وصوت عمر يصدح من خلفها : لم يفعل شيئًا .
خيم الذنب فوق رأسها لتدور على عقبيها تنظر إليه برجاء اعتلى ملامحها فتحاشى هو النظر إليها ليهتف بجدية : ألم أخبرك من قبل يا أبا رزق أن تتوقف عن الثرثرة .
هتف أبا رزق : وهل أنا الوحيد من يثرثر يا بك ، أنت من البارحة حديث الجامعة بأكملها ، بارك الله فيك ومنحك ما تريد وترتضي يارب .
تمتم عمر من بين أسنانه وهو أخيرًا ينظر إليها بعتاب قوي اجفلها : ما أريده وارتضيه يشكك بي بعد كل هذا الوقت .
اجابت سريعًا وابتسامتها الطفولية تتناثر فوق ملامحها : أبدًا والله ، بل لم أصدق أبدًا ، نظر إليها مستنكرًا فاتبعت على الفور – والدليل أني تبعتك للمشفى يا حضرة الافوكاتو .
زم شفتيه ليهمس بجدية : أنا غاضب .
هزت كتفها بشقاوة متعمدة وهي تدرك تأثير حركتها عليه لتبتسم بمرح حينما ومضت عيناه ببريق ازرق غني فتهمس : وأنا اتيت لأصالحك .
زفر أنفاسه ببطء ليكز على شفته السفلية بتوق : إذا صالحتني هنا كما أريد وارتضي سأفصل من هيئة التدريس بفضيحة اخلاقية .
شهقت بخجل لتضرب ساعده برقة : عمر تأدب .
سحب نفسًا عميقًا ليهمس بجدية : حسنا سأفعل الاسبوعان مضا منهما يومان وأنا احسبهم بالدقيقة يا حبيبة هانم .
تضرج وجهها بحمرة قانية لتهتف به : هل ستذهب لمحاضرتك انتظرك بالمكتبة ؟!
سألها بترقب : لماذا ستنتظرينني ؟!
اجابت بسرعة : لأذهب معك لعبد الرحمن ، ألن يعود للبيت اليوم ؟!
أومأ برأسه موافقًا لتتابع بطبيعية اجادت افتعالها وهي تهز كتفها دون وعي – وفكرت أن ألبي طلبك المتكرر لي بأن أرى غرفتك بم أني سأكون بمنزلكم .
قبض على مرفقها ليقربها منه هامسًا بتوعد : أتعلمين يا حبيبة سأعض كتفك هذا الى أن اترك لك علامة لن تنمحي .
كتمت ضحكتها لتهمس إليه : أبا رزق يرانا وسيثرثر للجامعة بأكملها عنك ، ابتسم مرغمًا لتتابع برقة وهي تنظر لعينيه باعتذار – هاك أنا اصالحك يا عمر بك .
أومأ برأسه متفهمًا ليدفعها معه وهو يخطو للخارج فتشير إليه : محاضرتك .
تمتم بجدية وهو ينظر إلى هاتفه : اعتذرت عنها لأجل عودة عبد الرحمن ، هيا سنذهب إلى المنزل فأحمد من سيعيده .
***
يرف بعينيه كثيرًا يحاول أن يستفيق من أثر الدواء الذي حقنوه به كمسكن للألم وليجبره على النوم فهو كان يعاني من الأرق مع ألم مبرح بسبب الحادث الذي تعرض إليه ، يتنهد بقوة وهو يشعر بكدة ساقه تؤلمه بقوة حينما شد جسده ليتأوه بخفوت وهو يرخي عضلات جسده من جديد ، رفع ذراعه بتلقائية ليبحث عن جهاز الاستدعاء فينتبه إلى صوتها الابح يصدح من جواره عندما همست : صباح الخير ، هل استيقظت ؟!
أدار رأسه ينظر إليها بصدمة غير مصدقًا وجودها ليرفع ذراعه السليمة يحركها ببطء أمام وجهها : أنت هنا حقًا ؟!
ابتسمت فومضت غمازتها القوية ودمعت عيناها بتلقائية ليهمس بصوت أجش غير مستوعبًا لوجودها : رقية .
اقتربت منه مرغمة لتحتضن كفه المرفوع تؤكد إليه أنها هنا .. معه .. بجواره فيقبض عليه وكأنه غريق وجد أخيرًا ما يتعلق به ليهتف بحبور وهو يجذبها قريبًا منه فتقترب بجسدها وتحرك الكرسي الجالسة عليه قليلًا نحو فراشه : يا الله لم اتمنى شيئًا البارحة إلا أني استيقظ على رؤية وجهك وأن اطمئن عليك .
مالت بوجهها لتلثم باطن كفه بعفوية : كدت أن أموت خوفًا عليك يا عبد الرحمن .
لامس وجنتها برقة ليحتضن وجهها باحتواء : أنا بخير يا روح عبد الرحمن ، طالما أنت بخير.
بكت بصمت لتهمس : أخبرني عم حدث ، اهتزت حدقتيه برفض فتوسلت له وهي تضغط على كفه بجدية – أريد أن اعرف يا عبد الرحمن.
هز رأسه رافضًا : ما يهم اني بخير الان .
نظرت إليه بتوسل فهمهم مختنقًا : إنه حادث سيارة ولو كنت منتبه لهما لكنت فلت كالمرة الماضية ولكني ..
صمت ليكمل ببسمة رائقة – ولكن كما يقول هذا الغليظ المدعو بحسن كنت هائم على وجهي اخطط لعقد القران وطائر بين السحاب .
لم تبتسم لتغمغم باختناق : إذًا أنا السبب .
تمسك بكفها في قوة : إياك يا رقية ، نظرت إليه فأكمل بجدية أمرة – إياك أن تفكري بهذه الطريقة ، ويكفي ما اعانيه من ألم جسماني فلا تؤلمي روحي وتزهقيها بتفكير ليس سليمًا ولا يمت للواقع بصلة .
تمتمت سريعًا : سلامة قلبك يا عبده .
تمتم بمشاكسة : أموت أنا في تلك العبده الصادحة من بين ثغرك الذي أصبح يداعب أروقة منامي دومًا ، اتبع ببهجة تملكت روحه لوجودها – ألا استطيع أن اقبلك باعتبار ما سيكون ثم استغفر الله كثيرًا بعدها .
ضحكت برقة لتهمس بعتاب لم ينطلي عليه : توقف يا عبد الرحمن .
تمتم بخفوت وشقاوة ومضت بعينيه : سيهلك عبد الرحمن شوقًا وسيموت حبًا .
تمتمت بضيق : توقف من فضلك ، لا تأت بهذه السيرة أبدًا .
ابتسم برقة ليسألها بمرح : أنت هنا معي بغرفتي ؟! أين دكتور محمود عنك ؟! وكيف سمحوا لك بالدخول من الأساس .
رمشت كثيرًا والحرج يغمرها لتهمس بخفوت : بابا لا يعرف ، لقد أتيت دون أن أخبره ، زمت شفتيها بضيق لتتبع – لأول مرة بحياتي افعل شيء لا أخبره عنه أو على أقل تقدير أن أخبر ماما ، ولكني لم اقوى على الصبر والانتظار فنهضت باكرًا وخرجت دون أن التقي أحدًا منهما .
ابتسم بعشق تفجر ينابيعه بعينيه لتكمل بمشاغبة : أما من بالخارج اقنعتهم بأني طبيبتك الصباحية وسأظل بجوارك حرصًا على سلامتك .
كتم ضحكته ليهمس بمشاكسة : من الجيد أنه أنت ولا أحد يحاول أن يقتلني من جديد ،
تمتمت سريعًا : بعد الشر عنك ، اتبعت شارحة – لقد توترا إلى أن أشار لهم شاب لم اتبين ملامحه فسمحوا لي بالدخول .
أومأ برأسه متفهمًا ليتمتم : جيد أنهم تركوك تدلفين إلي ، اتبع بصدق – اشتقت إليك .
تورد وجهها قبل أن تكح بحرج ثم تنهض واقفة : إذًا سأنصرف أنا ، فلابد أن أعود وأخبر والدي عم فعلت ،
تمتم سريعًا وهو يحاول أن ينهض ليتمسك ببقائها : لن تأتي ثانيةً .
شاكسته بملامحها وابتسامتها تتسع فتومض غمازتيها : بل سأزورك بالبيت ليلًا إن شاء الله .
تمتم بتنهيدة حارقة : سأنتظرك .
همت بالخروج ليفتح الباب ويطل منه أحمد بجسده الفارع : هيا يا بطل لنعد للمنزل .
اجفلت وتراجعت للخلف لينظر إليها أحمد بمفاجأة ثم ينقل نظره لأخيه الراقد بالفراش فيبتسم بشقاوة ويهتف بمرح : أوه آسف لم أعلم أنك هنا يا رقية .
عاد بخطواته وهو يكمل – حسنا سأخرج و آت بعد قليل .
أشار إليه عبد الرحمن برفض لتهمس هي بتلعثم : لا كنت سأغادر على أي حال ، اتبعت وهي تدير رأسها لعبد الرحمن – أراك قريبًا .
أشار إليها برأسه موافقة متمتمًا بإذن الله .
غادرت بسرعة لينظر أحمد في اثرها قليلًا ثم يغلق الباب ويستدير لأخيه هاتفًا بعدم تصديق : أنت يا ولد مربكًا ومبهرًا حقًا .
ضحك عبد الرحمن فأشرقت ملامحه ليتابع أحمد – هاك ضحكت يا ابن الخواجة ،
اتبع غامزًا وهو يقترب منه : هل اطمئن قلبك ؟!
أومأ عبد الرحمن برأسه هامسًا بصوت تهدج من وطأة مشاعره : الحمد لله .
اتسعت ابتسامة أحمد ليشير إليه وهو يستدعي الممرضات : حسنا هيا بنا لنعود إلى أمك فيطمئن قلبها بوجودك وتسعد برؤية محياك الجميل .
***
يستلقى مضطجعًا بفراشه يسند راسه للخلف ينظر إلى الأمام بشرود يخيم عليه وعقله يلح عليه بالتفكير في أمرهما ، فما يخبره به حدسه لا يروق له ، تنفس بعمق وهو المتجهم من الصباح ضائق من ابتعادها وهي التي نأت عنه بذنب اثقل كاهليها حتى إن لم تخبره فهو يشعر بها أكثر من نفسها ، فهي غاضبة من نفسها أنها لم تمنحه الليلة الماضية ما أراد وسعى إليه فنهضت من نومها لترتدي كنزة صوفية واسعة هاتفه بأنها تشعر بالبرد وتبتعد عنه تعتكف بالمطبخ تعد شيء لا يدرك ماهيته للآن بعدما تناولت القليل من الطعام على طاولة افطار لم يذقه أحدًا منهما تنهد بقوة وهو يتذكر الليلة الماضية .. يتذكر حرصه الشديد معها و مراعاته لخجلها ، شوقه الذي غمرها به وتوقه إليها الذي تمهل فيه على قدر ما استطاع ليصدم أخيرًا بنفس رد الفعل الذي يكاد أن يجن بسببه ، فتصلبها بعد استجابتها يثير ضيقه .. ارتعادها بعد استسلامها يثير غضبه .. و نحيب بكائها بعد زفراتها باسمه يثير تفكيره فيم يحدث معها يجعلها تخافه بهذا الشكل ، يزم شفتيه وهو يفكر هل ألمها .. اخافها .. أثقل عليها بأول ليلة لهما معًا فأخفق بهذا الشكل المسيء لعقله وقلبه وجسده .
يغمض عينيه وهو يتذكر بكائها الليلة الماضية الذي انتهى بصدره أيضًا ككل مرة يقربها فيها لينتبه للمرة الاولى أن الأمر بينهما ليس كما يشعر بل إن هناك ما يمنعه عنها هناك ما يصد اقترابه فيجعلها تتشنج وترفض بدروها وتنتحب حينما يؤلمها !!
ومض الادراك بعينيه لينتبه أخيرًا أنها تكون بخير إلى أن يهم بوصالها فيتشنج جسدها رافضًا ثم تنتحب بألم شعره البارحة بقوة ، فعيناها الباكية كانت تشي بمدى ألمها ، اختنق حلقه بضيق من نفسه أنه لم ينتبه من قبل لم يحدث معها ليترقب باب غرفة الملابس المغلق عليها منذ أن ابلغها بمجيء عاصم لزيارتهما ليلتقط هاتفه من جواره وهو يفكر أنه يريد البحث والتقصي عم يحدث معها لعله يصل لأمر لا يدركه ، فيرن هاتفه بيده معلنًا عن وصول عاصم فينهض واقفًا مناديًا عليها بعد أن دق الباب دقتين : عاصم أتى يا جنى .
هتفت من الداخل : ها قد انتهيت .
اتبعت قولها بأن فتحت غرفة الملابس لتطل عليه من الداخل فبهت فجأة وهي تخرج أمامه بهذا الفستان الذي أدار عيناه عليها بتمهل من أخمص قدميها في حذاء من المخمل الأسود أرضي فلا يزد من طولها ساقيها مخفيتان خلف تنورة الفستان المتسعة من الأسفل قليلا لتضيق التنورة من عند ردفيها لتجسد مفاتنها .. وتضيق فتظهر رشاقة قدها وتفصل جذعها بتلك الكشكشة التي زينت إحدى جانبي فستانها وأظهرت تلك الطباعة على شكل ورقة شجر باللون الأسود الذي تضاد مع اللون الاحمر القاني فأظهره . مغلق عند عظمتي الترقوة ولكنه دون أكمام فيظهر لون بشرتها القشدي الذي عكس لونه الاحمر على ذراعيها فاحمرتا ليشعر بمذاق عصير الفراولة ممزوجًا بالحليب كما كانت تعده والدته متدفقًا في حلقه فيشتهي مذاقها
همس بصوت أبح رافضًا أمراً دون جدال : لن تخرجي هكذا ، لن يراك أحدًا غيري بذاك الفستان أبدًا ، اتبع وهو يحافظ على ثباته مذكرًا نفسه بأنه ينتظر زيارة ابن عمها - ابدلي الفستان حالًا يا جنى .
صدمت وشحبت ملامحها لتنظر إليه باستفهام وتعجب مهمهمه : ولكنه ليس أحد ، اتبعت بعفوية - إنه عاصم .
لوى ثغره بضيق وهو يستمع إليها تكمل حديثها وهي تلملم خصلاتها على أحد كتفيها : أخي .
نطق ببرود وهو يتطلع إليها من خلال المرآة : اها نعم أعلم أخوك الصغير .
جف حلقها لترمش بعينيها قبل أن تغمغم بعتاب : توقف عن غلاظتك .
ارتفعا حاجباه ليسأل بصدمة افتعلها : أنا غليظ .
ابتسمت برقة لتعود إليه هاتفه بدلال لم تتعمده : لا تتعنت معي يا أسعد .
رفع حاجبه ليهمس من بين أسنانه : بل سأفعل ، حينما ترتدين هكذا لأجل زيارة ابن عمك وتجلسين معي بالجينز و تلك الكنزة الضخمة سأفعل .
بللت شفتيها لتهمس بتلعثم : كنت أشعر بالبرد .
ضيق عينيه ليجيبها متهكمًا : لدينا نظام تدفئه مركزي يا دكتورة ، ثم أخبرتك من قبل دعيني ادفئك أنت من رفضت .
ابتسمت و وجنتاها تتوردان : حسنًا لن أرفض ثانيةً .
اسبل جفنيه ليغمغم بهدوء أمر : سأنتظرك بالخارج بعدما تبدلين الفستان للكنزة الواسعة والجينز الذي كنت ترتدينه
شهقت بصدمة قبل أن يتابع هامسًا بنبرة ماكرة وابتسامة شقية لم تعتاد عليها بعد : حينما يرحل عاصم ارتديه ثانيةً ولكن لأجلي .. اقترب منها ثانيةً ليهمس وهو يحتضن وجهها بكفيه ناويًا تقبيلها - لأجلي أنا فقط .
رن جرس الباب بدوي اجفلها فلوى شفتيه بضيق قبل أن يقبلها قبلة خاطفة سريعة هاتفًا بحنق : سامحك الله يا عاصم ، أشار إليها وهو يبتعد – لا تخرجي هكذا .
ابتسمت مرغمة لتنكسر ابتسامتها ويلمع الحزن بعينيها وهي تراقب مغادرته عن الغرفة لتنظر إلى نفسها بالمرآة تسألها عم يحدث معها تلومها بتقصيرها معه ويختنق حلقها بذنبها فتعود إلى الغرفة تطيع أمره وهي تشعر بأن كل ما سيطلبه ستفعله فيكفي أنها لا تلبي له رغبته .
***
تضحك برقة على مشاكسة عاصم له فيتوعده أسعد الجالس بجوارها يحيطها بذراعه المفرود على مسند الأريكة فتشعر بأنه يحاوطها بحمايته ليهتف عاصم بمزاح : تحملني قليلًا يا رجل اليوم فهاك أنا اترك لك البلد وراحل .
تمتمت سريعًا : تعود سالمًا بإذن الله .
ابتسم عاصم بوجهها لينهض واقفا : سلمك الله يا أختاه ، اتبع وهو يمازح أسعد – سأسافر ألا يحق لي أن اضمها قبل أن ارحل .
زمجر أسعد الذي وقف بدوره رافضًا فتتسع ابتسامة عاصم الذي اتبع بشقاوة – حسنًا سأضمك أنت وأنت ضمها بدلًا عني .
ضحكت مرغمة ليدفعه أسعد بخشونة : ارحل يا عاصم سأضمها أنا دون رسالتك .
قهقه عاصم لينظر إليه أسعد متسائلًا فيسبل عاصم عينيه ليهتف أخيرًا : سأنصرف مبارك عليكما واتمنى أن هديتي تعجبكما .
تمتم أسعد بلباقة : لم يكن لها داع فزيارتك كافية .
تمتمت جنى وهي تنهض معهما : بالمناسبة يا عاصم أين نوران ولماذا اتيت بمفردك ؟!
رجف فكه دون وعي منه ليجيب بثبات : ستأتي إليكم مع العائلة بالتأكيد
تبادلت النظرات مع أسعد الذي عبس بعدم فهم لتهتف سريعًا باعتراض : حسنًا ابقى فأنفأ لن ترحل إلا بعدما تتناول الطعام معنا .
ارتفعا حاجباه بتعجب ليتمتم رافضًا : بالطبع لا ، هل هذا وقت امكث معكما واتناول الطعام ، هذا الطعام تناوليه أنت و زوجك بمفردكما أما أنا فلدي خمسون ألف شيء علي فعله قبل السفر .
زمت شفتيها برفض لترفع عيناها لأسعد طالبة عونه فيهتف أسعد بضحكة رائقة : لن ترحل يا ابن الخالة فجنى طلباتها أوامر.
ضحك عاصم بخفة ليسبل جفنيه مؤثرًا الصمت إلى أن تحركت جنى مبتعدة عنهما وهي تهتف بمرح : سأعد الطاولة على الفور .
تعلقت عيناه بها لينتبه إلى مشاكسة عاصم الماكرة وهو يلكزه بخفة : اذهب خلفها وأنا سأرحل.
عبس بضيق ليهتف بجدية : سأفعل واذهب لمساعدتها ولكن أنت لا ترحل ، اتبع أمراً وهو يشير بكفه إليه في حزم - ستتناول الطعام معنا فلا تغضب زوجتي يا باشمهندس.
ضحك عاصم بخفة ليشير إليه بكفيه هاتفًا : حسنًا سأفعل ، فقط اذهب لها الآن .
اختفى أسعد من أمام عينيه ليرن هاتفه الصامت منذ البارحة عن تلك النغمة التي خصصها لها مختلفة عن باقي رنين هاتفه فيجيبها حتى إن كان مشغولًا فيتطلع لصورتها بنظراتها المغوية بفطرتها فيجيب دون أن يملك خيار الرفض ، أتاه صوتها الأبح : مرحبًا يا عاصم ، كيف حالك؟!
كتم أنفاسه المتتابعه ليتحرك بخفة نحو شرفة الغرفة التي استقبله بها أسعد ليجيب بهدوء : بخير والحمد لله .
صمتت فصمت بدوره لتهمس برجاء وصله جيدًا : أنا أريدك يا عاصم ، عدلت قولها سريعًا وهي تحاول السيطرة على بعثرتها - أريد الحديث معك .
زم شفتيه بهدوء ليهمس بصوت أجش وهو يرتكن بجسده على الشرفة : تحدثي أنا كلي آذان مصغية .
تمتمت سريعًا : أريد رؤيتك .
أجاب سريعًا : آت إليك إذًا ؟!
توترت فشعر بها ليتابع بهدوء - أو إذا أردت أن تتحدثي بالهاتف لا يهم ،
كتم زفرة حشرت بمجرى تنفسه - فقط تحدثي .
عم الصمت عليهما قليلًا قبل أن تسأل بعنفوان : هل تثق بي يا عاصم ؟!
لم يفكر بل أجاب على الفور : بالطبع ، لماذا تسألين ؟!
تمتمت وكأنها لم تستمع له : إذًا انت تثق بي بعقلي وبشخصيتي وب .. اغتص حلقها لتتبع - وبحبي لك .
أجاب يبثها أمان شعر بها تحتاجه : نعم اثق يا نوران وإلا ما منحتك اسمي يا زوجتي .
رف بعينيه ليتابع بيقين - فأنت زوجتي .
تنهدت بقوة لتهمس بثقة : فقط هذا ما أريدك أن تتذكره أني زوجتك التي تثق بها وتستأمنها على اسمك مالك وسمعتك .. زوجتك التي تحبك ولم تحب أحدًا غيرك .. زوجتك التي ستشتاق لك في غيبتك ، إذا أردت يا عاصم أن تمنح نفسك الفرصة وتعيد ترتيب أفكارك فها أنا أمنحها لك في غيبتك وستعد وقتما تعد لتجدني بانتظارك.
تنفس بعمق ليهمس : ما سبب كل هذا يا نوران ؟!
أجابته بهدوء ونبرة ثابتة تلاشى منها خوفها : سببه تعلمه جيدًا ، ودون الخوض في تفاصيل لا أريد الحديث فيها الآن ، فأنا انهيت حديثي وبالمناسبة لا انتظر ردًا منك فيكفيني ثقتك التي منحتها لي دون قيد أو شرط.
شعر باختناق يداعبه ليهمس بجدية : إذًا أنت مكتفية بثقتي ولا تريدين مني مساعدة أو مساندة ،
هتفت بوضوح : لا أنا قادرة على تصريف أموري بنفسي .
زمجر بغضب وغيرته تحضر قويا : إنها ليست امورك فإياك والزج بنفسك في شيء لا يخصك .
هدرت بقوة : إذًا يخص من ؟!
هدر مجابهًا وهو يشد جسده باعتدال : يخصني ، وحتى إن كان يخصك فكل ما يخصك يخصني أنت خاصتي بكل ما فيك ملكي .
عبس بضيق وهو يشعر بها تبتسم تلك الابتسامة الماكرة التي تلون ثغرها باغواء لا تدركه أو لعلها تفعل فابتسم متعمده أن تفقده ثباته أمامها لتهمس بخفوت : إذًا ابقى معي وصرف أموري بنفسك .
أجاب باقتضاب : لن أفعل ، لأني لن أقوى على البقاء ، ولكني أكثر من قادر على تصريف أمورنا سويًا حتى وإن كنت غائبًا ، أمري الوحيد لك والذي عليك طاعته أن تبتعدي عن كل ما يغضبني دون الخوض في تفاصيل لا أريد الحديث فيها الآن ، اطيعي ونفذي .
تمتمت على الفور : سأفعل لا تقلق ، ابتسم براحة زينت ملامحه لتتابع بهدوء - سأشتاق إليك ، ألن تمر علي ؟!
تنفس بقوة وهمس : لا لازلت غاضبًا منك ، ابتسمت مرغمة ليكمل - غاضب للغاية يا نوران .
صمتت قليلًا لتهمس بخفوت : حسنا لا داع لملاقاتك الآن سأنتظرك حينما تعود لأجل عرس عمر لتكن تخلصت من غضبك هذا .
تنهد بقوة ليهمس لها أمراً : احسني التصرف بغيابي .
تمتمت برقة : لا تقلق على صغيرتك .
همس بنبرة حملت لها شوقه وغضبه ممتزجان : سأشتاق إليك .
اجابته بزفرة واثقة : أنا أعلم ، اعتني بنفسك يا عاصم .
ألقتها بدلالها الطفولي فابتسم مرغمًا : كوني بخير لأجلي
***
اغلق الباب بعدما ودع ابن خالته الذي حاول أن يستفهم منه عن سبب غضبه المكتوم ولكن عاصم نجح في المراوغة ولم يخبره إلى أن ودعه على الباب بعد أن اوصاه بها و اجبره أن يعده بأن يهتم بها ويرعاها ، تنهد بقوة وهو يعود إليها فيعبس بضيق حقيقي عندما وجدها بالمطبخ تستعد لترتيب الفوضى التي حدثت بسبب الغذاء ، سألها بجدية وهو يقف بباب المطبخ الواسع يستند بكتفه إلى إطاره ويعقد ساعداه أمام صدره : ماذا تفعلين ؟!
أجابت بعفوية : سأوضب المطبخ .
تنهد بقوة وهمس باسمها أمرًا : جنى ، تعالي .
رفت بعينيها لتطيعه وهي تشعر بأن هناك أمر جلل لتقف أمامه فيجذبها من ساعديها هامسًا بجدية : هل رأيت عروس من قبل تقف بالمطبخ ثاني يوم زواجها ؟!
ارتبكت لتهمس : لا أدري ولكن من سيفعل إذ لم اكن أنا .
زفر بقوة وسحبها من خلفه للخارج : غدًا صباحًا ستأتي عاملة تفعل كل ما تريدينه لقد اتفقت مع مكتب للخادمات يخص المدينة ليرسل إلينا إحداهن موثوق بها ومعروفه وبالطبع امينة ستأتي يومًا بعد يوم بإذن الله .
تمتمت : ولكن ألن تتضايق منها ؟!
أشار برأسه نافيًا وهو يجلس فوق كرسي يخص بهو الاستقبال ليجلسها فوق ساقه : لا ستكون مثل خدمة تنظيف الغرف ولن أشعر بوجودها وأنت أيضًا إلا لو أردت أن تقفين فوق رأسها كما كانت تفعل ماما هذا أمر يخصك ولن أناقشك فيه .
ابتسمت برقة لتهمس وهي تتملص من حضنه لتنهض واقفة بحرج : سأفعل حينما لا تكن بالبيت .
أومأ برأسه موافقا ليشير إليها : حسنًا هيا اذهبي وبدلي ملابسك ولا تنسي اتفاقنا وأنا سأنتظرك هناك ، بعدما آت بعدة القهوة فأنا اشتقت لفنجان قهوة من بين كفيك.
هتفت سريعًا : سأتي بكل شيء لا تتعب نفسك .
قبض على ساعدها قبل أن تتحرك ليجذبها نحوه فشهقت بخفة وهي ترتطم بصدره ليهمس بجدية : اذهبي وبدلي ملابسك فلا ضرر أن آت بالأشياء أنا ، هيا اذهبي .
ازدردت لعابها وهي تلتقط شرار ذهبي يومض بمقلتيه فأومأت برأسها إيجابًا قبل أن يفلتها لتهرع بخطواتها للداخل تنفذ ما يريد وهي تتحكم في خوفها الذي بدأ في الزحف ليسيطر على حواسها .
عدلت زينتها واعادت تصفيف خصلاتها لتنظر لانعكاس وجهها في المرآة فتبتسم بثقة حاولت ان تبثها لأوردتها وهي تكرر على عقلها أنه أسعد وأن عليها ألا تخاف أو تتألم وهي معه ، ثم تخطو للخارج فيرفع رأسه سريعًا يلتقط وجودها قبل أن تطل عليه فتومض عيناه برضا وهو ينظر إليها مقبلة عليه بابتسامتها الرقيقة وزينتها الهادئة وفستانها الذي أشعله شوقًا منذ رويته الأولى لها.
أشار إليها بأن تأتي لتجاوره وهو يهتف بمرح : تخيلي أتيت بكل شيء يخص عدة القهوة واكدت على عادل مرارًا ونسيت أن آت بمقبس الشاحن لموقد القهوة .
نظرت إليه باهتمام لتهتف بصدمة وهي تستجب له فتجاوره جلوسًا : أوه ألا يوجد لدينا أي قابس حراري يشعلها .
مط شفتيه برفض وهو يزيح عدة القهوة بعيدًا عنهما : للأسف لا ، غدًا اتصل بعادل وأخبره ليأتي به .
تمتمت بجدية : حسنًا هاتها وانا أعدها لك على الموقد .
رمقها من بين رموشه ليهمس وهو يولي اهتمامه الكامل لها : ليس الآن .
توترت نظراتها رغمًا عنها وهي تشعر بذراعه الذي احتضن خصرها يقربها منه كفه الذي لامس جانبها البعيد وهو يهمس بخفوت مائلًا على وجنتها القريبة منه مقبلًا : أتدرين أني أحب ملمس المخمل ، اشعر بنعومته ترضيني.
توردت لتهمس بصوت أبح : لم اكن أدري .
شهقت بخفة حينما شعرت بكفه تملس على ظهرها برقة لمسات متتالية وهو يهمهم بجانب أذنها يقبلها قبلة طويلة شعرت بأنها تذيبها : أدركت مؤخرًا أنه ليس ناعمًا لهذه الدرجة المبهرة التي كنت اظنها .
رفعت عيناها بعدم فهم فسقطت داخل أسر شغف نظراتها فلم يدرك عقلها أن يده امتدت تفك سحاب فستانها ببطء لتستريح راحته فوق منتصف ظهرها العاري تداعب عمودها الفقري بلمسات متتالية وهو يهمهم أمام شفتيها المتفرجتين بلهاث خافت : اكتشفت أن هناك ما هو أنعم بكثير .
تمتمت باسمه من بين أنفاسه وهي ترفع كفيها بعفوية تتمسك بعرض ساعديه القويين : أسعد ماذا تفعل ؟!
توالت قبلاته فاغرقتها وهو يخلصها من فستانها ليهمس أخيرًا أمام شفتيها التي يستعد لالتهامها : سأفعل كل شيء دون أن اخيفك ، امنحيني الفرصة وأنا سأصل لترضية تشبعنا سويًا .
همهمت باسمه وهي تتشبث به فيحيطها بذراعيه يمنحها أمانًا لقسم على أن يكون موضع حصنها وهو يلجئ لمراوغة يحتاجها حتى لا يفقد اتزان أصبح بعيد المنال في قربها .
بعد كثير من الوقت استلقي إلى جوارها أنفاسه متلاحقة وجسده يرتخي ببعض من الاتخام ينتشر باوردته يتأمل ظهرها الأبيض من بين رموشه ويبتسم براحة بدأت تداعبه ليكتم ابتسامته حينما شعر بها تتمسك بحافة الغطاء الذي فاجئها بوجوده منذ قليل فيقلص خجلها الذي داهمها بعدما منحهما سعادة مراوغة تركتهما راضيان .. سعيدان .. هانئان ببعضهما دون أن يقحم خوفها أو ألمها في وقتهما الذي أراده لا ينتهي ولكنه لم يشأ أن يرهقها أو يفلت زمام أمره فيخيفها .
تتسع عيناها بصدمة لا تدرك سببها سوى ذاك الشعور الغريب الذي لم تجربه قبلًا ولم تدرك ما حدث في حينها ولكن الآن عقلها يحلل كل شيء فتغرق في خجلها والمفاجأة تتملكها فتدير إليه ظهرها لا تجرؤ على النظر نحوه وهي تستعيد أناتها باسمه .. شهقات توسلاتها وتمسكها بعضديه وهي تستمع بسخائه معها فتتمسك بالغطاء الملفوف حولهما وهي تشعر بلسعة برد تداعب حواف رقبتها حينما ابتعدت عنه فتحاول الحركة بخفة وهي تمد كفها تجاه فستانها الملقى بجوارهما ومتشابك مع ملابسه المرماة بعشوائية في تلك الجلسة العربية التي أصر على نومهما بها لتكتم شهقة كادت أن تنفلت من بين شفتيها حينما التف ذراعه حول خصرها العاري يقربها من صدره الدافئ هامسًا بصوت يشي بنعاس قوي يخيم عليه : نامي بقربي وأنت لن تشعري بالبرد .
تورد وجهها بعفوية لتهمس بخفوت : لا أريد النوم .
فيكبلها بأن أدارها له وألصقها بصدره هامسًا بعدما تثاءب : إذًا ظلي جواري إلى أن أغفو قليلًا فأنا لم انم منذ ليلتين كاملتين .
اخفضت رأسها و وجهها يحتقن بقوة فيقبل جبينها هامسا : لا يهمني شيء وأنت بجواري يا جنتي ، اتبع وهو يلصقها أكثر بصدره - بل يكفيني أنك هنا تحتلين أضلعي وتتوسدين صدري وأنت ..
بسمة ماكرة لونت ثغره فيتابع بخفوت شديدة بجوار أذنها بلفظ صريح ارتعدت خجلًا منه لتدفن وجهها في صدره تغمض عيناها وتلجئ إلى النوم بدورها وخاصةً وهي تشعر - ولو قليلًا- بأنها الليلة أسعدته .
***
رنين هاتفها انبهها لاتصال وارد في هذا الوقت المتأخر وهي المستيقظة دون نوم لتطمئن عليه فهو أخبرها أنه سيحدثها قبل أن يصعد على متن طائرته لتستقبل الاتصال بلهفة حينما أدركت أنه منه ليأتيها صوته الأجش هامسًا بخفوت : افتحي باب الشرفة يا نوران .
نظرت إلى الغرفة السفلية التي تقيم بها منذ اعادة تصميم غرفتها كجناح خاص بزواجهما لتهتف بصدمة : أية شرفة ؟!
تمتم بضجر : شرفة الغرفة التي تنامين بها .
انتفضت واقفة لترتدي مئزرها الثقيل فوق منامتها الصوفية العصرية لتهرع إلى باب الشرفة وتفتحه شهقت بصدمة وهي تجده أمامها شهقة قوية ابتلع بقيتها داخل شفتيه وهو يضمها بقوة إلى صدره ليهمس أخيرًا بعدما أنهى قبلته العميقة لها : لم أقوى على السفر دون أن اودعك
ضمت نفسها إلى صدره هامسه بصوت باكي : تعد لي سالمًا يا عاصم .
داعبها بأنفه في طرف انفها مهمهمًا بحميمية : سلمك الله يا برتقالتي .
احتضان قوي قاطعه صوت عمار الذي همس إليه دون أن تراه : هيا يا قلب الياسمينة ، عمك إذا اكتشف وجودنا سيقطعنا أربًا ويرمي بنا لوسيم كطعام غذاء .
حينها استمعت إلى صوت شقيقها يهمس بخفوت : وسيم نباتي .
همس عمار ساخرًا : لا والله .
هم ادهم بالحديث ليزمجر عاصم بحدة خافتة : اصمتا من فضلكما وانتظراني عند السيارة .
أجاب عمار : حسنًا فقط لا تتأخر فتفوتك الطائرة .
ليزمجر أدهم : بل لا يتاخر لأنه ليس لائقًا ، هيا يا كبير سننتظرك بالقرب هنا .
تنهد بقوة حينما ابتعدا فيضمها إليه ثانيةً يقبل شفتيها برقة هامسًا بخفوت : سأشتاق إليك.
احتضنت وجهه وهي تطلع إليه في الظلام بحبور لتهمس بشوق : وأنا الأخرى سأشتاق إليك أرجوك لا تتأخر في عودتك .
طمأنها بعينيه : سأعود لأحضر زفاف عمر قبل أن أعاود ثانيةً ، سأتي بفستان الزفاف المرة القادمة من سفري .
تمسكت باحتضانه لتهمس : تعود سالمًا يا عاصم .
قبل جبنيها ليبتعد عنها مرغمًا : سلمت لعاصم يا قلب عاصم .
ابتعد قليلًا ليعود ويجذبها إليه يرغمها على أن ترفع عيناها إليه قبل أن يهمس بصرامة : لا تنسي يا نوران ، لا تفعلي ما يغضبني أو يرهق عقلي في تفكير لا فائدة منه ، لا أطلب منك الكثير سوى أن لا تفتحي باب أغلق منذ زمن .
تطلعت إليه مليًا لتهمس : لا تخف يا عاصم ، هذا الباب لن يفتح بيننا أبدًا سأحرص على هذا تمام الحرص ، رمقها بتفكير فأكملت بجدية – فقط ثق بي .
تمسك بكفيها في قوة ورجاء بثه إليها بوضوح : لك كامل ثقتي وحبي ، تنهد بقوة ليغمغم – سنتحدث عندما أعود .
تمتمت بصوت مختنق ببكائها : بالتأكيد وسأخبرك بالكثير سيريح قلبك ويطمئنك .
القتها بصدق وهي ترتب فوق قلبه الذي خفق بجنون ليميل إليها يقبلها بتمهل إلى أن تهدجت أنفاسه فيتركها ليقبل جبينها ثم يبتعد مشيرًا إليها بكفه : لا اله الا الله .
تمتمت نوران بدعاء صادق قبل أن تهمس إليه : محمد رسول الله.
***
بعد أسبوعين ..
يركض داخل شوارع هذا المجمع السكني الفخم بعد أن حصل على بيت استأجره من ملاكه غير المتواجدين في روتين يومي لا يقوى على التخلص منه ، يمر من أمام بيوتهم التي أحصاها وحدد أماكنها منذ أن زار المجمع السكني المرة الأولى ، يركض ويركض ومع كل بيت يمر عليه تومض ساعته بتعداد جديد يضم إلى معدل خطواته ليقف أخيرًا يلتقط أنفاسه أمام البيت الذي يقبع به غايته فيبتسم وهو يضيق عينيه ينظر إلى الحديقة المكشوفة إلى حد ما والاستعدادات التي تقام بها منذ البارحة في صخب يشي بالزفاف الذي سيقام الليلة كما تناهى إلى مسامعه من ثرثرة العاملين بفيلا آل سليمان كما نقش على اللوحة المعلقة بجوار بوابة المنزل الحديدية والمختلفة عن بقية المنازل ، ابتسم برقة كست ملامحه وهو يلتقط وجودها هذه الصبية اليافعة التي يقابلها بالصباح دومًا فهي تسير من بيتها إلى بيت قريب من بيت جدها لتصحب ابنة عمتها فتستقلان حافلة المدرسة ، ولكنها اليوم تجلس بحديقة البيت الأمامية فتبتسم بحرج إليه عندما أومأ برأسه في تحية يحرص عليها حينما يقابلها وعيناه تومض وهو يتأمل ابنة أخته البكماء " ابنة هنا " .
سحب نفسًا عميقًا وهو يسبل جفنيه يخفي نظرته التائقة لانتقام سيكون مدويًا ، فيعاود ركضه وهو يشعر بالانتشاء يغمر خلاياه فيدير موسيقى تعود إلى وطنه تحمل إليه رائحة أهله فتنساب إلى خلاياه لتمنحه رضا وهو يعد نفسه أنه سيعود قريبًا جدًا لأرض أجداده وأسلافه .. أرض ميعاده .
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Любовные романыيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...
