بعد مرور ثلاثة اشهر
يتحرك في شقة ذات طراز غربي صغيرة تكفي لمعيشة شخص واحد استقر بها بعد العديد من الشقق لم يسترح فيها ولكنه أخيرا استقر هنا بعد أن غادر ليعود لمسقط رأسه من جديد وكأنه يبحث عن نفسه في هذه الأرض البعيدة لعله يتوصل لأصل شخصيته دون وجود أشياء تعوقه في الوصول لبر أمان يحتاجه ، يسخن طعاما صينيا ابتاعه وهو عائد من عمله لا يهتم بمذاقه فكل الأشياء أصبحت متشابهة فيما بينها فلا يوجد في العالم شيء ينافس مذاق طعامها الذي يموت شوقا إليه .. رجف جفنيه وهو يتخيلها كما كانت تستقبله بابتسامة دافئة .. احتضان متلهف وقبلة كان يسارع هو في التهام أنفاسها عبرها وهو يضمها إلى صدره بقوة يعوض الساعات التي كان يبتعد عنها فيها ، لمعت عيناه برجفة شوق تمكنت منه وهو يتذكر كم المرات الذي كان يفضي بشوقه إليها قبل أن يتناول الطعام الذي تطعمه إياه بيديها ، وكم من المرات استجاب إليها فيتحكم في سيل لهفته العارم حينما تدفعه وتهمس إليه بأنها جائعة فهي لم تتناول شيئا دون وجوده ، اهتزت حدقتيه وعقله يسأله " هل تظن أنها لازالت على العهد لا تتناول الطعام وأنت غائبا .. لا تنم جيدا وأنت غائبا .. أم تهتم بنفسها .. صحتها .. طعامها لأجل أطفال سيأتون وأنت غائبا ؟
اختنق حلقه بكوم دموع كبيرة لا يقوى على ذرفها وقلبه يرتجف بشوق .. لهفة .. توق ويحثه بإصرار أن يعود لأجلها ، عليه أن يتحدث معها .. يخبرها .. يشرح لها .. ويفسر أسباب ابتعاده .. هروبه .. رفضه للإنجاب ، وليحدث ما يحدث فقط عليه أن يهديها تفسير تستحقه ولكن عقله .. كبرياءه .. كرامته تمنعه وتأبى عليه العودة وهي التي لم تستوقفه .. لم تهتم برحيله .. بل استقبلت الأمر بهدوء وصمود أحرق روحه ولازال يحرقها وينثر بقاياها رمادا من حوله !!
زفر بقوة وهو يشعر بالاشتياق يتكالب عليه هذه الأيام ..يكاد أن يخضعه فيضرب بغضبه .. حنقه .. ضيقه عرض الحائط ويجبره أن يحدثها .. يهاتفها .. يتواصل معها عن أي طريق ليهدأ من لوعة قلبه في بعادها وقلبه يخبره إذ هي تقوي على بعاده فهو لا يستطيع فروحه تزهق ببطء مع كل ساعة تمر عليه وهو بعيد عنها ، لابد أن يفهمها أنه مرغم على الابتعاد وخاصة بعدما أخبر أبيه بكل شيء .. أبيه الذي سكن بصدمة ألمت به نصف ساعة كاملة ، كانت الاسوء في عمره بأكمله ، قبل أن ينهض واقفا هامسا بصوت خفيض اقشعر بدن أحمد من برودته التي لطمت قلبه وخالد ينطق بجمود : عد بي إلى البيت فلقد أتيت مع أخيك .
حينها همهم بخفوت ورجاء نضح بصوته : دادي .
التفت خالد إليه ينظر له بغضب ومض بزرقاويتيه فاضحتا بلون أزرق ناري قبل أن يهمس بجمود : فقدت الحق في مناداتي هكذا يا ابن أخي .
ارتجف ثانية وهو يشعر بالنفي يتجذر بعمق روحه من جديد وكان نفي خالد إليه من رحاب وجوده ضرب ثبات شخصيته فلم يقوى على الصمود في الوطن الذي تحول لمنفى وأبيه الذى رباه .. كبره .. علمه ، يطرده من محيطه ، نعم هو لم يبلغه صراحة أنه ليس مرحب به في البيت ولكن تجاهله في البيت والمؤسسة أبلغاه بكل الطرق الممكنة أن ما كسر بينهما لن يعود كما كان أبدا .
وما جعله يتخذ قرارًا صارما في الرحيل هو موقف والدته الذي اتخذته ضده حينما الحت أن تعلم سبب الخلاف بينه وبين أبيها وبين زوجته بعد أن غادر البيت وأتى ليمكث عندهم ، بل إنها واجهته بأبيه وهي تسأل بإصرار عم يحدث بينهما وعن الخلاف الناشئ بينه وبين أميرة فأخبرها أبوه - وهو يعفيه من الإجابة - بنصف الحقيقة فقط ، والخاصة بمنعه لأميرة من الإنجاب رغم رغبة الأخيرة في ذلك لأجل أسباب واهية تتعلق بالغيرة والتملك المتأصل بشخصيته مخفيا عليها أي حديث له علاقه بوالده البيولوجي ، وهو يرمقه بتحذير قاسي أن يتهور ويخبرها عن أمر أخيه الذي لا يعرفه أحدهم ، فألمت الصدمة بأمه كثيرا قبل أن تنطق بجمود : إذًا ما شعرته منك يوم الحفل وأنك لم تكن سعيدا بحمل زوجتك حقيقي يا أحمد ؟
أخفض حينها عنقه ولم يجب لتنهض والدته تنظر إليه بصرامة قبل أن تهمس : المعذرة منك يا بني ، هذا البيت ملك لي .. لأولادي .. ولأحفادي من بعدي ، وإذ كان وجودك هنا سيمنع عني ابنة أختي وأحفادي فيؤسفني أن أخبرك بأنك أصبحت غير مرحب بك في هذا البيت ، يكفي تلك الأعوام التي حرمت ابنة شقيقتي وحرمتني معها من رؤية أطفالك كانوا مبلغ أملي ودنيتي .
حينها هتف خالد بصدمة : منال ؟!
لتشيح أمه بوجهها بعيدا لتزمجر بقوة : أنا أريد أحفادي يا خالد ، أريد أن أهتم بأميرة .. أدللها وأعتني بها وأميرة لن تأتي إلى هنا طالما كان متواجدًا ، لتتبع وهي تنظر إليه بغضب ورفض - الآن علمت لماذا أبعدتك عن محيطها ؟
اقتربت منه لتصيح بثورة وهي تدفعه في كتفه بعصبية : أخبرني يا ولد .. يا بكري .. يا من حلمت منذ زواجك بهذا اليوم الذي أحمل فيه أطفالك ، أخبرني هل طلبت من ابنة أختي إجهاض الأطفال ؟
رفع عيناه بصدمة سكنت عمق عينيه ليرتجف بعدم تصديق أن والدته ظنت به هكذا ظن لينهض أبوه فيجذبها من كتفيها بعيدا عنه هاتفا بها : لا تتمادي يا منال ، بالطبع هو لم يفعل .
صاحت أمه بثورة تحكمت فيها : كيف تعلم ؟ أو كان أحدنا يظن أبدًا أنه من يمنع نفسه وزوجته من الإنجاب طوال السنوات الماضية ؟
لتتحرك بعد أن تملصت من بين ذراعي أبيه الذي كان يبعدها عنه وهي تهتف به : من أنت ؟ متى أصبحت هكذا ؟ كيف تبدلت بتلك الطريقة وأنا أين كنت ؟ لتتبع بصياح أصم أذنيه - أنت لست ابني الذي ربيته وكبرته ؟ أين ذهبت بابني ؟ أين أخفيته ؟
دمعت عيناه وهو يتذكر انهيار أمه في بكاء حاد فهم بأن يتلقفها بذراعيه ليرمقه خالد بنظرة تحذيرية أعادته للخلف ثانية قبل أن يجذب والدته بأحضانه هامسا إليها : اهدئي يا منال ، اهدئي أرجوك .
فتهمهم من بين شهقات بكائها : لا أريد أن أراه يا خالد ، ابعده عن نظري .
فيندفع مغادرا غرفة المعيشة ليلملم أشياءه القليلة التي أتى بها من بيته ثم يغادر البيت بأكمله يحجز تذكرة طائرته دون تفكير كثير ليمر عليه قبل مغادرته ، فهو الوحيد الذي سيستمع إليه كما فعل من قبل ، وبالفعل رغم كل الخلافات بينهما إلا أنه أنصت إليه كما عهد منه فحينما يريد البوح كان يجيد حماه الإنصات .
تنهد بقوة وهو يجبر عقله على إزاحة تلك الذكرى الثقيلة على روحه بهمومها التي لا يريد تذكرها ليرن هاتفه فينتشله الرنين من موجة غرق في ذكريات بؤسه تحرك نحوه يجيب دون النظر هاتفا باعتياد : أصبحت تستيقظ مبكرا يا ولد على غير العادة .
أتته الضحكة الشقية من الجانب الأخر ليهتف أدهم بمرح : لأجل عيونك يا أبية ، أعلم أني إذ تأخرت عن هذا الوقت فسأجبرك على السهر أكثر وأنا لا أريد أن تسهر في انتظاري دون نوم ، أخبرني كيف حالك اليوم ؟
تنهد أحمد بقوة : بخير والحمد لله ، أنت كيف حالك وحال العمل ؟ ما أخباركم ؟
أجاب ادهم بجدية : بخير والحمد لله اليوم أول يوم بالجامعة سأنتهي منه وأذهب إلى المؤسسة بإذن الله رغم معارضة عاصم وتعنيفه لي ونصيحته بأن أهتم فقط بدراستي ولكني أرى أن أول شهر بالجامعة عملي لن يؤثر بشيء عليه ، عامة اتفقت معه أن أجرب لفترة لو وجدت الأمر ثقيلا علي سأتفرغ فقط للدراسة ، صمت أدهم قليلا ليهمهم -أنا فقط أريد أن أعاونه فأنا أشعر بكونه يعاني بشدة بسبب غيبوبة أسعد .
سحب أحمد نفسا عميقا ليهمس بجدية : أخبرني يا أدهم كيف حاله ؟ هل هو بخير أم لازال كما تركته ؟
اهتزت حدقتي أدهم بألم خافت لأجل ابن عمه المثقل بمعاناة يشعر بها جيدا ليجيب حماس مفتعل تعمده : نحن بخير والعمل والمؤسسة على خير وما يرام ، أما عاصم فهو أكثر من جيد وأخبرني برساله أوصاني أن أوصلها لك .
صمت أحمد منتظرا ليغمغم أدهم بحشرجة : أنه يقرئك السلام ويخبرك بأنه اشتاق إليك وأن يكفي بعادا يا .. صمت أدهم ليكح بخفة متابعا - أنها رسالة عاصم يا أبية فلا تغضب مني .
ضحك أحمد مرغما ليهتف : وماذا قال ابن عمك يا ابن الوزير ؟!
تمتم أدهم سريعا : قال إن يكفي بعادا يا سفيه ، ليتبع سريعا - أقسم بالله أنها رسالته أخبرته أني لن أقوى على ترديدها ولكنه زمجر في وجهي وأخبرني أن ما على الرسول إلا البلاغ .
قهقه أحمد ضاحكا ليهمهم : لا عليك ، أبلغه سلامي وتحياتي وأخبره أن الوقت كفيل بمداواة كل شيء حتى السفه .
تغضن جبين أدهم بتفكير ليهمهم بتعجب : لماذا أشعر بان رسائلكم تحوي نوعا من الشفرة أنتما الوحيدان من تعرفان حلولها ؟
ضحك أحمد بخفة : لأنها كذلك لا تشغل رأسك أنتَ وأخبرني كيف حالك وحال نور وتامي وأبيك؟
صمت أدهم قليلا ليهمس : كلنا بخير يا أبيه حتى من تتحاشى السؤال عنها بخير ، تمضي وقتها بين هنا وبيتكم وتعتني بنفسها وبالأطفال جيدا .
رف جفن أحمد ليهمس بتساؤل أبح : هل هي عندكم أم في البيت ؟
تحرك أدهم نحو الشرفة لينظر إلى شقيقته التي تجلس بالحديقة تنعم بهواء العليل والذي يحمل بعضا من البرودة في هذا الوقت من العام قبل أن يهمس بصوت أبح : بل عندنا .
اختنق حلق أحمد ليبعد ادهم الهاتف عن أذنه ويضبطه على وضع التصوير يلتقط لها صورة مقربة ويرسلها إلى الآخر الذي انتبه لوصولها فتعالت أنفاسه بلهاث وهو يتطلع إلى ملامحها الناعمة التي فاجأته فأربكت ثباته فهمس أدهم ينبهه لوجوده : أحببت أن أمنحك تحية الصباح فحتى عندكم أصبحت بأول اليوم الجديد ، عمت صباحا يا أبيه .
عم الصمت عليهما ليرمش أحمد بعينيه يقطع تأمله لها قبل أن يغمغم بصوت ذو انفعال مكبوت : شكرا لك يا أدهم .
ابتسم أدهم بألم : لا يوجد شكر بين الأخوة يا أبية ، صمت أدهم ليتبع برجاء - أنا الآخر أضم صوتي لصوت ابن عمي وأخبرك أن تعود يا أبية فجميعنا اشتقنا إليك .
اسبل أحمد جفنيه : وأنا الآخر اشتقت إليكم أراك على خير يا دومي أبلغ أباك سلامي .
تمتم أدهم قبل أن يغلق الخط : يصل بإذن الله سلام يا أبيه .
أغلق الهاتف ليتطلع بشقيقته المستريحة بجلستها تربت على بطنها المنتفخ بحنان قبل أن تبتسم باتساع وهي تهمهم بحديث لهم كما تفعل دوما ليضحك بخفة وهو يراقبها رغم تفكيره العميق فيم يحدث بينها وبين ابن خالته الأكبر والذي يكن له مكانة خاصة فأحمد بالنسبة له شقيقه الأكبر الذي لطالما راعاه وأهتم به ، ضحك بخفة حينما التقط وصول عاصم الذي ترجل من سيارته بفخامة تشابه فخامة أبيه ، يهتف بالتحية إلى أميرة قبل أن يصل إليها ينحني نحوها يقبل وجنتيها ويجلس بجوارها يتبادل معها بعض من الحديث موقن هو أنه تساؤلات كثيرة عن أحوالها وأحوال أطفالها ودفعها للإفصاح عم حدث بينها وبين زوجها !!
زفر بعمق ليقرر أن يبدل ملابسه وينضم إليهم على طاولة الإفطار التي ستعدها الآن والدته على شرف تجمع العائلة .. العائلة التي ينقصها أحد أهم أفرادها ابن خالته الأقرب إليهم جميعا
***
__صباح الخير .
ألقاها بود قبل أن ينحني مقبلا وجنتها فتبتسم برقة وتجيبه بهدوء : صباح النور .
جلس على الكرسي المجاور لها ينظر اليها بحنان لمع في عينيه وامتزج باهتمام سؤاله الذي القاه بجدية بالغة : كيف حالك يا أميرتنا الغالية ؟!
أجابته بهدوء وهي تنظر إليه بثبات سكن عينيها : بخير والحمد لله .
بسمة هادئة زينت ثغر عاصم قبل أن يسأل بجدية : والأطفال ؟
اتسعت ابتسامتها وعيناها تنبض بالحياة والسعادة : بخير الحمد لله ، الطبيبة طمأنتني البارحة وشاهدتهم أيضا ، أتبعت بمرح - ألم تخبرك نور ؟
أومأ برأسه إيجابًا : بلى أخبرتني ، اتصلت بي وهي تكاد تقفز فرحا لأجل إنها رأت الأطفال ، وكيف كانوا حقيقين أمامكما لدرجة أنها شعرت بأنها ستلمسهم إذا لامست الشاشة .
ضحكت أميرة بفرحة دبت في أوردتها وهي تهتف بحماس : أنا الأخرى شعرت بذلك ، عضت شفتها بخجل لتتابع هامسة - هل أخبرتك نوران أن اثنان منهما سيكونان متماثلان كعمر وعبد الرحمن وهناك طفل سيكون مختلف عنهم .
هز رأسه إيجابا : أخبرتني وهي تكاد أن تهلل لأن الفتاة هي التي ستكون مختلفة .
ضحكت أميرة لتهمهم : نوران سعيدة أن أحدهم فتاة .
رد عليها ببساطة : وأنا الآخر سعيد لكوننا سنرزق بفتاة ستأتي جميلة كأمها وأميرة في قلوب بيت الجمال كله .
رفعت رأسها لتنظر اليه قليلا قبل أن تهمس بثبات : ولكنها لن تكون أميرة بيت الجمال ، هذه المرة ستكون أميرة بيت سليمان ، أتبعت بلطف حينما نظر إليها بدهشة - الأميرة من ستأتي بها أنت ونوران بإذن الله .
هم بالحديث ليصدح صوت أدهم بمرح : بل سيأتيان بأمير ليستقر قلب بابا بولي عهد جديد لآل الجمال إن شاء الله .
نهض عاصم ليصافحه ويضمه إلى صدره فيمنحه أدهم التحية بحفاوة قبل أن يجيبه عاصم بجدية : ولي عهد عمي من ستأتي أنت به يا أدهم .
عبس أدهم بتفكير : لا يا عاصم ولي العهد من يأتي به الكبير ، أتبع بمشاغبة - وأنت الكبير يا كبير .
ضحكت أميرة ليبتسم عاصم بأخوة هاتفا : كيف حالك اليوم ؟ ولماذا مستيقظ باكرًا هكذا ؟
سحب ادهم نفسا عميقا ليجيب بجدية وهو ينظر لهما بهدوء : كنت أحدث أبيه أحمد ، أنت تعلم فارق التوقيت بين هنا وهناك كبير .
رجفا جفني أميرة وعاصم ينظر لأدهم بتفهم فيسأله : أيقظته إذًا ؟
هز أدهم رأسه نافيا : لا ، كان مستيقظا ، صمت قليلا ليتابع متعمدا - لا أعتقد أنه ينام من الأساس .
توترت نظراتها وهي تشعر بتحديق شقيقها المراقب لها ليكمل أدهم بهدوء : أنه يقرئك السلام فأنا قد أبلغته رسالتك بالمناسبة وأجابني أن الوقت كفيل بمداواة كل شيء حتى السفه .
جمدت ملامح أميرة وزمت شفتيها بغضب سكن حدقتيها لتهمهم أخيرا وهي تنظر لأخيها بعتاب قوي : لا يا أدهم ، بعض الأشياء تحتاج جهدا مبذولا من أصحابها ليداووا جراح الآخرين التي تسببوا بها ، الوقت لا يكون فعالا في كل الأوقات ، ولكن أبيهك أحمد لا يعلم ولا يدرك ما لا يعلمه .
جابهها أدهم بصمود ليسأل بجدية : ألا يحتاج مساعدة ليدرك ويعلم يا أميرة ؟
أجابته بحدة : لم يطلب المساعدة ، بل استكبر أن يطلبها وتجبر حتى يرأب الصدع يا أدهم ، لتتابع بانفعال قوي - ثم توقف من فضلك عن الحديث بهذا الأمر
شد أدهم جسده بصلابة : حسنا سأفعل ولكن امنحيني سببا واحداً لما يحدث بينكم ، أليس من حقي أن أفهم ما يدور معك ، أم لأني الصغير سنا ليس لدي أي حقوق عندك .
سحبت أميرة نفسا عميقا لتغمض عينيها تحتوي ثورة انفعالها قبل أن تهمس بصوت مرتعش : لا يا أدهم ، الأمر ليس لأنك الصغير أو الكبير ، هاك هو عاصم لا يعلم ، سألني اكثر من مائة مرة ولم أجيبه ولن أفعل ،
رفعت عيناها لتنظر لأخيها بجدية : أتعلم لماذا ؟ لأن ما يحدث بيني وبين أحمد خاص بي أنا وأحمد ، وأنا لست صغيرة لآتي وأشكو لكم لتأتوا لي بحقي من أحمد ، أتبعت وعيناها تزأر بوميض قوي - بل أنا أقوى على الإتيان بحقي من عيني أحمد دون أن اهتز أمامه ، هل فهمت يا شقيقي العزيز .
زفرت أنفاسها وأتبعت بلهاث تملك منها بسبب انفعالها : لم أتدخل بعلاقتك مع ابن خالتك ، لم أطالبك أن تتوقف عن الحديث معه أو السؤال عنه ، كما لم أفعل مع أيًا منكم ، ولم أطالب أحدكم بأن يتخذ موقفا سلبي ضده لأجل خاطري ، لذا استمحيكم عذرا أن لا تجبروني على اتخاذ أي موقف لأنه قريبكم .. صديقكم .. أو مقرب من قلوبكم .
نهضت واقفة ليقبض عاصم بلطف على رسغها يستوقفها : أبقي يا أميرة .
ليقفز أدهم واقفا يقترب منها يضمها إلى صدره العريض يضم رأسها تحت رقبته ، يقبل جبينها ورأسها : أنا آسف إذ كنت ضغطت عليك يا أميرة ، ولكن لتعلمي أني أفكر في حالك واحزن لأجلك .
هزت رأسها بألم لتهمس بصوت مختنق : لا تحزن لأجلي يا أدهم ، أنا بخير والحمد لله ، سعيدة بوجودي معكم وسعيدة بالأطفال ، وأشعر بالراحة وأهتم بنفسي وبصحتي لأجلهم .
اهتزت حدقتيه بعدم فهم ليسأل دون أن يفكر : ألا تحزني لأجل غيابه يا أميرة ؟
نهض عاصم واقفا وهو يزمجر بحنق : أدهم .
سحبت نفسا عميقا لتشير إلى عاصم : أتركه يا عاصم ، لعله يريح قلبه حينما أجيبه .
نظرت إلى عمق عيني شقيقها : بلى أحزن ، حينما أتذكر أنه من المفترض أن يكون متواجدًا ليرعاني ويفرح بأطفاله أحزن ، ولكنه أختار أن يبتعد يا أدهم ، لذا هو مسئول عن اختياراته وقرارته وأنا لن أراجعه فيها ، من لا يريد الاهتمام بي وبأطفاله ، لن أتمسك ببقائه .
اتسعت عينا أدهم بصدمة ليزم عاصم شفتيه بضيق وهو يسب أحمد بداخله فيهمهم بصوت حاني وهو يجذبها نحوه يضمها إلى صدره يربت عليها ويقبل جبينها بأخوة : حسنا يا أميرة ، وكلنا نحترم قرارك وإرادتك يا حبيبتي ، وجل ما يهمنا في هذه الدنيا هو سعادتك وراحتك يا حبيبتي .
ابتسمت وعيناها تلمع بامتنان إليه لتضحك بخفة حينما صدح صوت نوران عاليا مزمجرا بغيرة لم تتحكم بها : هل ما سمعته حقيقيا ، أم لازلت نائمة وأحلم بأنك تلقب أخرى غيري بحبيبتك ؟
ضج الضحك بينهم ليهتف عاصم بسرعة : بل كنت أتحدث إليك ، ألم تدركي ذلك ؟
رفعت نوران حاجبها باستنكار ليهمهم أدهم إليه بتفكه : يومك عصيب يا كبير ، ضحك عاصم بخفة - اخرس يا ولد ، وهل أنا مثلك ؟
رمقه أدهم بطرف عينه ليهمهم : سنرى ، فأنت ستقضي اليوم بأكمله تصالحها وتراضيها .
أجاب عاصم بخفوت وهو ينظر لنوران التي تناظره بعتاب : بل أقضي عمري بأكمله أدلل وأصالح وأراضي يا أدهم ، فنوران تستحق .
شبه بسمة ارتسمت على ثغرها وعيناها تضويان بحبها له ليهتف أدهم بمرح خافت : أوه ، لا أصدق ، لقد ابتسمت دون أن تراضي وتدلل وتصالح ،
رفع عاصم رأسه بشموخ وهمهم إليه حتى لا تسمعه نوران : أرأيت يا ولد ، أنت لا تقوى على مجابهتي
ضحك أدهم ليرفع كفيه باستسلام : هكذا أنا أشهد لك يا كبير .
ضربه عاصم بمودة على مؤخرة رأسه وهتف به قبل أن يتحرك نحو نوران : الكبير كبير يا ولد .
ابتسمت ونظرت إليه منتظرة أن يجاورها ليجذبها بخفة إلى صدره يقبل جبينها فتتمسك بصدره في اشتياق ألم بها ليحتضنها بقوة قبل أن يهمس باسمها في تساؤل فتهمس بصوت أبح : اشتقت إليك .
ابتسم بلطف وعيناه تمنحها الكثير من الاعتذارات لتقبل وجنته هامسة : أنرت البيت يا ابن العم.
تنفس بعمق دون أن يفلتها من ذراعه الذي يحاوطها : إنه منير بوجودك يا نور ، ابتسمت برقة حينما أفلتها بخفة ليدفعها أن تجلس على الكرسي المجاور له وهو يتابع - اشتقت للجمعة معكم ، وحينما أخبرتني تامي بالدعوة أتيت على الفور .
تشنجت ابتسامتها لتهمهم : إذًا لم تكن لتأتي إذ لم تدعوك مامي .
شردت نظراته لوهلة قبل أن يجيب : لا لأنك تعلمي أني أمر على أسعد في هذا الموعد يا نوران.
شحبت ملامحها لتهمهم : أعتذر منك ،
أجابها بهدوء : لا عليك .
سألته باهتمام وهي تلتفت إليه بكامل جسدها : متى ستمر عليه إذًا ؟
تنهد بقوة ليجيبها : من حسن الحظ أن مناوبة عمار اليوم بعد الظهيرة لذا سأذهب إليه عصرا لأقوى على رؤية أسعد والمرور عليه .
سأل ادهم بجدية : أنا لا أفهم لماذا أمر زيارته عصيبًا يا عاصم ؟ حتى بابا ليراه ويطمئن عليه تحدث مع عمو أمير وحددوا موعدًا محددا ليذهب فيه تحت إجراءات أمنية مشددة .
رف عاصم بعينيه ليصمت أدهم قليلا قبل أن يهتف بفطنة لمعت متقدة بعينيه : هل يخفونه عن الأعين ؟ ليرفع عينيه لعاصم سائلا بجدية - هل أسعد معرض للاغتيال يا عاصم ؟
شهقتا الفتاتان ليشحب وجه عاصم على الفور وقلبه يرتج خوفا ليهمهم بأنفاس مختنقة : لا أعلم يا أدهم وأرجوك لا أريد الحديث في هذا الأمر .
بلل أدهم شفتيه ليهمس بجدية : أعتذر إن كنت ضايقتك .
زفر عاصم ليجيب سريعا : لا يا أدهم لم أقصد ، أنت لم تضايقني الأمر بأكمله يثير اختناقي .
أجفل وهو يشعر براحتها تحتضن كفه من تحت الطاولة فتنفرج ملامحه بشبه ابتسامة لتسأل أميرة باهتمام : أخبرني يا عاصم لأني لا أقوى على الحديث مع جنى في هذا الأمر ، لماذا لا يفيق من غيبوبته للان ؟
جمدت ملامح عاصم وعيناه تنبض بالألم وشفتيه تزم باختناق داهمه لينطق بصوت خرج أجشًا نابضًا بوجعه : لقد تساءلت مثلك يا أميرة حينما شعرت بالحيرة أنه لا يفيق وخاصة مع حالة جسده ومعدلاته الحيوية المستقرة فأخبرني عادل أن لا يوجد تفسير طبي لديهم ليخبرني عمار أن السبب لدى أسعد نفسي ، وخاصة بعدما علمنا أنه أصيب وهو ينقذ صديقه الذي قضى نحبه متأثرًا بإصابته في الهجوم ، فسر عمار حالة أسعد أنه لا يسامح نفسه على عدم إنقاذه لصديقه
اتسعت عينا أميرة بارتياع ليهمس أدهم بذهول : ولكنه أصيب لأجل صديقه ، كاد أن يموت وهو ينقذه .
فلمعت عينا عاصم بحزن ليهمس بخفوت : ولكنه لم يستطع وعلى حسب ما أخبرني عمار أن عقله لا يفيق لهذا السبب فهو لا يستطع مواجهة خسارته بفقدانه لصديقه ، رمش عاصم بعينيه لينظر بعيدا ويتبع - وأنا أجد هذا التفسير الأقرب لشخصية أسعد ، فشخصية كأسعد لن يسامح نفسه أبدًا على فقدانه لأحد زملائه وضباطه ،
اختنق حلقه ليخرج صوته أجشًا ونبرة البكاء تعيق حروفه : لذا عقله يجبره على الهروب من مواجهة الفقد واللوم والذنب .
وضعت أميرة كفها على فمها تمنع شهقة البكاء التي صدرت عنها بقوة تمنع نفسها بصلابة حتى لا تحزن عاصم بملامحه المتألمة ولكنها لم تقوى على منع دموعها التي انسابت وأغرقت وجنتيها ، أشاح أدهم بوجهه بعيدا وهو يطبق شفتيه حتى لا يتحدث ثانية ، بل هو يسب نفسه على فضوله الذي دفع عاصم أن يتطرق بحديثه لحالة أسعد التي تؤلمه بقوة كما يعلمون جميعهم ، لتنتفض نوران بلهفه تعتدل بجسدها فتقابله بجلستها ، تضم وجهه بين راحتيها تهمس باسمه وتستولي على تركيزه وعيناه تتصل بنظراتها التي تبثه الدعم لتسانده بالقول : سيكون كل شيء بخير يا عاصم ، سينهض معافي بإذن الله سينهض أنه قوي كفاية ليفعلها .
ابتسم عاصم وعيناه تهتز بأمل قارب على فقدانه لتهمهم إليه بأنفاس لاهبة أمام ملامحه : لن يحزنكم الله عليه ، سيكون بخير لأجل عائلته أمه .. موني .. وعمو أمير وجميعكم ، لن يترككم أبدا ، أتبعت بثقة - سيعود لأجل جنى ، فقط يلزمه بعض من الوقت ليستقبل مخه فداحة الخسارة في غيابه ويقارنها بخسارته لصديقه ليجبره أن يعود لأجل العائلة كما أجبره أن يرقد لأجل صديقه .
رمش بعينيه وهو يتطلع إليها بشغف ليهمس : كم أتمنى أن يصدق قولك يا نور ،
أومأت بنظراتها إليه لتهمهم : سيصدق وسترى .
ابتسم بامتنان إليها أخيرًا ليتمسك بكفيها من حول وجهه ليقبل الشريان النابض برسغيها مهمها : لا حرمني الله منك ومن وجودك بجواري .
اقتربت منه بوجهها لتقبل جانب ثغره بشوق تحكمت فيه بضراوة لتهمس إليه وأنفاسها تختلط بأنفاسه : ولا منك يا حبيبي .
تأفف أدهم بجدية ليهتف بها في حدة خافتة : أنت يا أختاه ، أنا جالس هنا .
اخفض عاصم رأسه بابتسامة ضاحكة وهمت هي بالرد على أدهم ليأتيهم صوته الحانق بغضب : أنتما ماذا تفعلان بوسط الحديقة ؟
انتفض عاصم وأدهم واقفان ليهمس عاصم بخفوت بعد أن كح حرجا : صباح الخير يا عماه
ليتبعه صوت أدهم الذي افتعل المرح : صباح الخير يا سعادة الوزير .
هم وائل بتقريع عاصم لينتبه إلى صوت ادهم فيلتفت إليه عيناه تلمع بشرار غاضب ليهتف بحدة : أنت هنا ؟
كتم عاصم ضحكته في حين نظر أدهم من حوله ليهمس بتفكه : بل هناك ، نعم هنا يا بابي .
لتتسع عينا وائل بغضب فاح من حركة جسده المتشنجة فيبتعد عاصم لخلف جسد عمه قليلا ليشير لأدهم أن يتوقف عن المزاح فتنغلق ملامح أدهم تدريجيا وخاصة حينما صاح وائل بحنق : هل أنجبت رجلا أم ما هو نوعك يا أدهم بك ؟
حك أدهم رقبته من الخلف ليجيب بجدية وهو يضع كفيه أخيرا خلف ظهره مشبكين : على حسب الأقوال والفحص الطبي أنا رجلاً يا بابا .
زجره عاصم بعينيه وهو يسبه من بين شفتيه دون صوت ليصرخ هذه المرة وائل بغضب : وبم أن الفحص طبي والأقوال تجزم بأنك رجلا لماذا لم تعترض على ما يحدث أمامك وأنت جالس كالقفص ؟!
رمق نوران بعينيه فعضت شفتها السفلي وهي تعتذر له بملامحها في حين واسته أميرة بنظراتها ليهمس هو أخيرًا بضجر : فقط دعنا نتفق على ما يغضب سيادتك ، لأني للان لا أعرف لماذا حضرتك تصارخ بهذه الطريقة ، ماذا حدث وأغضبك ؟
هم وائل بالحركة ليقبض على تلابيبه ليتحرك عاصم بسرعة يقف بوجه عمه : اهدأ يا عماه من فضلك ، اهدأ هو لا ذنب له .
دفعه وائل بغلظة : أنا لا أعلم كيف ستكون خيبتي مضاعفة أكثر من هذا ، سواء خيبتي المتمثلة فيك أو المتمركزة فيه ، أنت لا تمتلك ذرة خوف أو حياء واحدة فتقبل ابنة عمك وسط الحديقة والحرس والخدم منثورين من حولك ، ليتبع صائحا وهو يشير لأدهم - وهو يجلس أمامكم كالمبرد لا يهتز به ساكنًا وهو يرى شقيقته وهي تقبلك .
هم عاصم بالحديث ليهتف أدهم بعبوس داعب وجهه : هاك أنت قلتها يا بابا ، أبنتك من قبلت الرجل وهو جالس لا حول له ولا قوة ، ثم أنا لا أفهم وجه الغضب فيم حدث ، أنها زوجته بحق الله ، من المفترض أن يكون مر شهر على زواجهما ،
زمجر عاصم بجدية وهو يراقب ملامح عمه الغاضبة : اخرس يا أدهم .
أشاح أدهم بوجهه : لا لن أصمت ، هو يوبخك لأنك تلقيت قبلة ابنته ولم يتحدث معها وهي سبب الكارثة .
هتف عاصم وهو يستدير ليقابله : لا تزج بنوران في الأمر ، هي لم تخطأ ، كان من المفترض علي أن أدرك موقعنا وأمنعها .
رفع أدهم حاجبيه بصدمة ليهز رأسه بيأس قبل أن يهتف : أتعلم أنت مثل عمك بالضبط ، تحامي للفتيات دوما حتى إن أخطأن .
تمتم عاصم من بين أسنانه وهو يقترب من ابن عمه : لا تدفع بنوران أمام أبيك قط وتحمل اللوم وأنت ذو رأس مرفوع ، هذه هي وظيفتك في حياتهن ، أن تتحمل عنهن اللوم والذنب حتى إن لم تكن مخطئا ، لا تضعها أمام الحساب والعقاب وتلقى كل شيء بصدر رحب فهكذا تكون الرجولة ، أن تمنع عنها الأذى والضرر يا ابن عمي .
رمقه أدهم بنظرات مذهولة ليستدير عاصم لوائل هاتفا وهو يجاور أدهم وقوفا : أنا أعتذر منك يا عماه ، أخطأت دون قصد مني .
ضيق وائل عينيه وهو يقف بشموخ يضع كفيه في جيبي بنطلونه لينقل نظره إلى ولده الذي وقف أمامه يماثله تقريبا بوقفته ليلكزه عاصم بطرف مرفقه ليكح أدهم بخفة قبل أن ينطق متضررا : المعذرة يا بابا ، رغم أني لا أعلم ما الذي علي فعله مع كبير العائلة حينما يخطأ ، أتبع وهو ينظر لعمق عيني أبيه - هل من المفترض أن أزجره أنه قبل زوجته في وجودي ؟
ارتفعا حاجبي عاصم بصدمة ليلتفت إلى أدهم ينظر له بدهشة ليكمل أدهم وهو يهز كتفيه بعدم معرفة : في الأخير هو الكبير وهي زوجته ، ليتبع بمكر وهو يخفض رأسه بعدم حيلة - وأنا لا أقوى على رد الكبير يا بابا .
كتم عاصم ضحكته ليعض شفته بقوة يمنع نفسه من سب أدهم الذي رفع رأسه ينظر إليه ليهمهم بخفوت قاصدا إلا يستمع إليه أبيه : تريد أن ترد عن زوجتك الأذى فتحمله بمفردك يا كبير .
لمعت الضحكة بعيني عاصم ليهز رأسه موافقا : أعجبتني .
ليغمز إليه أدهم بطرف عينه : أنت مرحب بك دوما يا ابن العم .
اتسعت ابتسامة عاصم مرغما ليهتف وائل بجدية : هل انتهيتما من الحديث ؟
كح عاصم ليجلي حلقه المختنق بضحكاته المكتومة ليهتف ثانية : أكرر اعتذاري يا عماه .
زفر وائل بجدية ليمأ برأسه بحركة غير مفهومة قبل أن يستدير برأسه لابنته التي رمشت ببراءة قبل أن تهتف بدلال : صباحك سعيد يا جناب الوزير .
دعك أدهم وجهه بكفيه وهو يهمهم : سيضحك بوجهها ويضمها إلى صدره دون أن يهمس لها بحرف واحد .
ليجيبه عاصم وهو يقترب منه برأسه يراقب عمه الذي حاكى ما وصفه أدهم حرفيا : حينما يمنحك الله قمرا منيرا هكذا كيف تزعجه ولو لثانية يا أدهم .
التفت إليه أدهم بصدمة ليهمس بتفكه ساخر : حالتك مستعصية يا باشمهندس .
أخفض عاصم عينيه ليهتف أدهم بغبطة وهو يراقب وصول والدته : أتت من ستنصفني في هذه الجلسة .
ضحك عاصم ليهتف بمشاكسة تملكته : ستنصفنا يا ولد ، لا تنس قط ، نحن سويا في هذا الأمر.
لوى أدهم شفتيه بضجر ليهمس بغيرة صدرت عفوية : أنها أمي بمفردي .
ليتعمد عاصم أن يشاغبه فيهز رأسه ببرود : أنت مخطئ يا ابن العم ، أنا ابن قلبها كما يقولون
تمتم أدهم : لا تثير ضيقي يا عاصم ، أنا لا أمزح هنا .
رفع عاصم حاجبيه ليجيب بثقة : هاك سترى بنفسك يا ابن العم .
زم أدهم شفتيه بضيق ليهتف وائل بجدية والذي انتهى من تقبيل أميرة واهتمامه بها : هل تتشاجران الآن على زوجتي يا زوج المهابيل أنتما ؟
هتف أدهم بعصبية : أنها أمي ، امنع ابن أخيك عنها .
كتم عاصم ضحكته : أنها أمي أنا الآخر ، وحماتي أيضا ، لديها صفتين ، لينظر قليلا قبل أن يتابع بلا مبالاة - بل ثلاث ، فهي زوجة عمي أيضا .
انتفض أدهم واقفا وملامحه تكفهر بغضب لينظر إليه عاصم بجدية قبل أن يهتف بجبروت : أجلس يا ولد ، أجلس وتعلم أن تتحكم في غضبك وغيرتك ، حتى تكون سياسي ذو شأن كما تريد .
قبض أدهم كفيه ليزفر بقوة مزمجرا : توقف عن إغاظتي يا عاصم .
هز عاصم رأسه ليهمس إليه : سأفعل حينما أرى أنك توقفت عن القفز غضبا وتخليت عن عادتك السيئة هذه .
اسبل وائل عينيه ليهمس بجدية : ابن عمك معه حق ، توقف عن القفز هكذا كالأطفال وتعلم أن تتحكم في انفعالاتك .
هز أدهم رأسه بتفهم ليصدح صوتها المتسائل : من أغضبك يا حبيبي ؟
هم بالحديث ليصدح صوت وائل قويا وهو يشير على أدهم وعاصم : هما أغضباني على الصباح يا فاطمة .
عبست فاطمة بعتاب : لا تغضبا سيادته أبدا على الصباح ، لتلتفت إليه وتهمس ببسمة شقية - ولا في المساء ، لا تغضباه أبدا .
أخفى عاصم ضحكته بكفيه اللذان ظللا وجهه ليصدر أدهم صوتا متعجبا قبل أن يهمس بأبيه المتوله في والدته : أنتما بالحديقة يا سيادة الوزير ونحن نجلس أمامك إن لم تكن تدرك ذلك ، عبس وائل وهو يستدير ناظرا إليه ليهز كتفيه بخفة - أنا أنبهك فقط وأنت حر في أفعالك فقط خذ حذرك فالحرس والخدم منثورين من حولك .
ارتفعت ضحكاتهم جميعا ما عدا وائل الذي ينظر لابنه بوعيد وفاطمة التي هتفت بتعجب : لا أفهم شيئا .
قهقه عاصم ليهتف : اجلسي يا تامي وسيقص عليك هذا الفتى ذو اللسان ونصف .
استجابت إليه فاطمة ليبدأ أدهم في الثرثرة بشكل كوميدي أثار ضحكات الجميع حتى أبيه في بعض الأحيان .
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Любовные романыيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...