بعد ثلاث سنوات ونصف ...
يجلس مجاورًا لولده الصغير الذي يرص المكعبات بشكل هندسي منظم يضعها فوق بعضها ويركبها سويًا ليحاول أن يصل إلى شكل معين بمخيلته هو فقط .
عبس بتفكير فأثار ابتسامته قبل أن تلمع عيناه البنية الداكنة بوميض شقي يعشقه ثم يسحب مكعب بطريقة معينة فتنهمر المكعبات خلف بعضها في تتابع يصدر صوتا صاخبًا امتزج مع صيحات ابنه الحماسية وكأنه أحد الهنود الحمر وخاصة حينما انتفض واقفا ليصفق بكفيه ويدور من حول المكعبات المنهمرة.
تعالت ضحكاته بدوره وهو يراقب حماسه الطفولي يزداد إلى أن انتهت المكعبات من الانهمار فبقى أخر مكعب موضوع أرضًا بالمنتصف ليصمت وهو يجلس ثانية بنفس التركيز فيبدأ برص المكعبات من جديد وهو يراقبه ليسأله بهدوء : هل تريد المساعدة ؟
ابتسم بمكر يشابهه فيبتسم عبد الرحمن بوجهه يحثه على الاستجابة وهو يتبع - فقط أخبرني ما الذي تفعله وأنا سأساعدك به .
بدأ طفله في الحديث بكلمات غير مفهومه وهو يجلس مقتربًا منه يشرح له عمليًا كما يبدو فيستجيب إليه ليرصا المكعبات سويا إلى أن غافله أحمد فسحب إحدى المكعبات لتنهار المكعبات بشكل أجفل عبد الرحمن لينتبه ولده إلى مفاجأته فيزداد صراخه المتحمس ويبدأ في القفز بضحكات مستمتعة فيشاركه عبد الرحمن الضحك وهو يتحرك نحوه ليضمه إلى صدره هاتفًا بمزاح : أيها الشقي الصغير .
قبل رأسه ليضمه أكثر إلى حضنه بينما صوتها يصدح برقتها المعتادة : أرى أنكما منسجمان سويا .
ابتسم عبد الرحمن بينما ابنه يصيح بحبور وهو يشير لرقية : مامّا
ليهتف عبد الرحمن وهو ينهض واقفا يحمله بين ذراعيه : أكثر من منسجمين ، فهذا الشقي ماكر صغير ويروقني ما يفعله بي.
ابتسمت برقة لتخطو نحوهما تحمل طفلها بعدما قبلها بخفة فتهمس : أنه يشبهك كثيرا يا عبده، ابتسمت وهي تحتضن طفلها تقبل رأسه بينما هو يحدثها بلغته الخاصة - ورث ملامحك كاملة ولكنه لم يرث حدقتيك الزرقاء .
احتضنها وابتسامته المشاغبة تناوش ثغره : لأني دعوت الله كثيرا أن يأتي يشبهك ولا يرث ملامحي الأجنبية .
رمقته بعتاب لتهمس ببساطة : فاستجاب الله لدعاءك وأتى أحمد يشبه الجميع وليس مميزا مثلك .
ضحك بخفة ليهمس : بل هو مميز للغاية بلون شعرك وبنيتيك وسمار بشرتك المصري يا روكا ، أتبع بصوت أبح وعيناه تومض بعشقها - أنه النسخة المصرية مني وأنا أحب هذا كثيرًا .
تنهدت بحب لتهمس إليه : أتمنى ألا تدعو أن ترث ابنتك أي من ملامحي ، دعها تأتي اجنبيه الملامح بخصلات شقراء ناعمة وزرقاويتين جميلتين مثل أبيها .
ومضت عيناه بزرقة غنية ليسألها بجدية : أنت حامل ؟
هزت رأسها نافية لتهمس بهدوء : ولكني فكرت أن نبدأ في التفكير لننجب ثانية أتبعت برقة - إذا أردت بالطبع فأحمد أتم الثلاث سنوات .
أجاب سريعا : بالطبع أريد أن ننجب ثانية ، كنت فقط أمنحك وقتًا كافيًا لتكوني مستعدة للإنجاب من جديد .
أوردت لتومئ برأسها هامسة : أنا مستعدة .
شاكسها بعينيه ليهمس وهو يحمل أحمد من بين ذراعيها : إذًا لنعود مبكرًا اليوم ونبدأ في التنفيذ.
ضحكت برقة لتشير برأسها نافية : ليست الليلة ، عبس مستنكرا فأكملت بشقاوة ومضت بعينيها - من الأسبوع القادم تستطيع التنفيذ .
اتسعت ابتسامته ليضحك بخفة قبل أن يشير برأسه إليها : إذًا هيا بنا لنستعد لزفاف الليلة .
أومأت برأسها : لنستعد .
***
يراقبها بتعجب يسكن عيناه وهي تذهب وتجيء تطمئن على الأولاد وتوصي المربيتين بهم ثم تدور في قلق تعد ملابسها وترتب حليها لتسكن فجأة وتنظر إلى نفسها بالمرآة بطريقة أثارت دهشته فسألها أخيرًا من مجلسه : ما بالك يا أميرة ؟! ما الأمر ؟! أشعر بك متوترة !!
رمشت بعينيها كثيرا لتستدير إليه تنظر له بشرود قبل أن تخطو نحوه ببطء وكأنها تزن ما ستخبره به لتجلس على طرف الفراش وهو يتأمل جسدها الممشوق الملفوف في هذا المئزر الحريري الثقيل والذي يجسد تغيرات جسدها القليلة فأصبحت أكثر جاذبية وملامحها التي نضجت فأصبحت أكثر فتنة وخاصة مع زينتها الكاملة التي تحدد عيناها فتزداد بنيتيها غموضًا تماسك حتى لا يهيم بها وخاصة مع توترها الذي ظهر بوضوح في حركة حلقها فهمس باسمها متسائلًا لتتمتم بصوت مرتعش : لا أعلم كيف هذا حدث ولكني كررته أكثر من مرة وبكل مرة يعطي نفس النتيجة .
ضيق عينيه بعدم فهم ظهر بصوته : ما هذا ؟! علام تتحدثين يا ميرا ؟!
فركت كفاها بتوتر لتهمس بخفوت : اختبار الحمل .
رفع حاجبه بتعجب والصدمة تسكن عيناه فأكملت تمحي شكه بنبرة باكية - أنا حامل .
لوهلة حلت الصدمة فوق ملامحه قبل أن تندثر وتنطلق ضحكته قوية عالية من قلبه ليهتف بفرحة عارمة : حقا يا أميرة وااااااو سأكون أب ثانية .نظرت إليه بعيون باكية لتهتف بحنق : أنت سعيد ، ثم أب ثانية ، أنها رابعة .
تعالت ضحكاته ليقفز واقفًا ليجلس بجوارها وهو يهتف : يا الله ، الحمد لله ، ونعم أنا سعيد، هذه المرة سأستمتع بكل المراحل معك .
استدارت برأسها تنظر نحوه بذهول لتهمهم : حقا يا أحمد ، والثلاث عفاريت ماذا سنفعل بهم ونحن نستمتع .
جلجلت ضحكته قبل أن يعترض بجدية : عفريتان فقط وأميرة كأمها ، أتبع بلهفه - هل القادم فتاة ؟
رمقته بعدم تصديق لتجيب بضجر : أو ثلاث ، فأنت لا تؤتمن ومن الممكن أن نكمل فريق كرة القدم الخاص بك .
شحب وجهه تدريجيا ليهمس بصوت محشرج : ثلاث ، ألم تخبريني أنهم أتوا ثلاث بسبب دواء تنشيط الهرمونات ،
هزت رأسها بعدم معرفة: نعم هكذا قالت الطبيبة المرة الماضية ولكن هذا لا يمنع أن عائلتك وعائلتي أيضًا مشهورة بإنجاب التوائم نظرا لخالتو وأنكل خالد لذا أخبرك أن الأمر غير آمن معنا .
رف بعينيه قليلا ليصمت ثواني معدودة قبل أن يجيب بحماس : لا يهم أنا فرح ، صمت ليتابع بصوت أجش - لم أكن أحلم بطفل منك فرزقني الله بالكثير لذا علي أن احمد الله واشكره .
زفر بقوة ليلتقط كفها القريب يحتضنه بين كفيه مكملًا ببوح : بالعكس أنا سعيد بهذا الرزق اكثر بكثير ، لأن هذا رزق من الله دون تخطيط .. منحة إلهية وهبها الله لنا ، لذا علينا أن نكون أكثر سعادة به.
ابتسمت ووجهها يضئ لتهمس بصوت أبح : معك حق ، أنا فقط خائفة فأنت رأيت كيف الحال مع ثلاثتهم.
أشار برأسه : لا يهم الآن هم يذهبون للحضانة وتتفرغي للقادم على راحتك ، أنهم يكبرون بسرعة يا أميرة وأنا الآخر أفعل الله رزقني الآن لاستطع الاعتناء بهم معك .
ابتسمت برقة لتجيبه وهي تضم نفسها إليه وتحتضنه لها : لا حرمني الله منك .
قبل جبينها ليجيب : ولا منك يا حبيبتي .
__ماذا تفعلان ؟!
أغمض عيناه بنزق وصوت ولده الزاعق يخترق غيمتهما السعيدة ليجيبه هادرا : لا شأن لك ، أتبع وهو ينهض واقفًا يرمقه بغضب : ثم كم مرة أخبرتك أن تطرق الباب قبلما تدخل ولا تدلف بالفعل إلا حينما نأذن لك.
عبس فارس ليهتف بدفاع : الباب كان مفتوحا ، رفع أحمد حاجبه فأتبع الصغير - حسنا أعتذر، لن أفعلها ثانية .
أومأ أحمد براسه في صرامة تمسك بها ليتابع فارس بجدية : أتيت لتساعدني ماما في ارتداء ملابسي فتينا تساعد تارا وماجي تساعد سولي وأنا لا أحد لي .
رقت عينا أميرة ونهضت لتهمس بحنان : سأتي معك يا حبيبي .
زمجر أحمد باعتراض : لا أنت أرتدي ملابسك يا ميرا واستعدي على راحتك ، وأنا سأذهب معه ، أتبع وهو يشير لولده الحانق برأسه : هيا بنا.
لوى فارس شفتيه باعتراض لم يستطع نطقه ليهز رأسه بتفهم ويتحرك مع والده الذي ابتسم وغمز بعينه لأميرة التي كتمت ضحكتها وراقبتهما إلى أن انصرفا وهي تشعر بمدى تشابهما سويا لتقف ثانية أمام المرآة تفرد كفها فوق بطنها متسائلة هل ستكون فتاة أم صبي ، أم سيرزقها الله كالمرة الماضية
فارتعد جسدها بخوف لتهمهم بلهاث : بل طفل واحد وإن شاء الله فتاة لتكون شقيقة وصديقة لتارا
***
يقف بباب غرفة ملابسهما يرتكن بكتفه كعادته ساعداه معقودان أمام صدره في وقفته المفضلة ويتطلع إليها من خلال المرآة وهي تستعد لحضور زفاف ابنة خالته ، ابتسم وعيناه تفيض بالحنان وهو يتذكر أنه اليوم ستتزوج الصغيرة آسيا من كانت يحملها فوق كتفيه ليدور بها لعلها تتوقف عن البكاء مدللة العائلة الأثيرة ، تتزوج وتبتعد عنهم جميعا تسافر لقارة أخرى وتستقر بها ، ليس خائف عليها بعكس عادل الذي رفض الأمر خوفًا على الصغيرة ليس أكثر ولكن هو لا يفعل وخاصة أن عز الدين طمأنهما أنها ستسكن قريبة منه هو وتالية ولكنه يقر بأنه سيفتقدها ، تلك المشاكسة الصغيرة التي تتفنن في إثارة غيرة جنى بطريقة أخوية محببة فتقابلها جنى بصدر رحب وبسمة رزينة تزين علاقتهما معًا ، فجنى التي لا تعاني مع يمنى لأن يمنى تعدها كأختها ولأن جنى جزء من عائلتهم على مدار سنوات عمرهم بأكملهم ، إلا أن آسيا مختلفة فهي تشعر بأن جنى أتت واستأثرت بالكبير كما تعلنها بوضوح وصدق يثير ضحكات جنى ومشاغباتها دون خلاف فعلي بل هو يثير الضحك دومًا.
على عكس النقار الدائم بين يمنى والسيدة لارا خطيبة عادل المصون والتي تعاني من غيرة شقيقته الشديدة والواضحة والتي اكتشفها هو بصدمة ألمت به فعلى الرغم من إدراكه بمكانته الجلية بعائلته إلا أن خطبة عادل كشفت عن حب يمنى الشديد وتعلقها بعادل بل وكشفت عن وجه أخر لوالدته لا يظهر سوى مع وجود لارا ، فلولا الجميلة وكما يدعوها الجميع الآن بسبب ابنته المشاكسة الصغيرة والمتعلقة بأخيه بشكل لم يتخيله أحد تتفنن في إثارة حنق لارا ونزقها و تستأثر على عادل في وجودها بطريقة تكاد تكون مرضية.
ورغم حديثه هو ووالده معها وأكثر من مرة أيضًا آخرهما كان تمسكها الجاد والصارم في زواج عادل معها ورغم أن والده استنكر الأمر ورفضه بوضوح لأن البيت يعد بيت العائلة كلها وزواج عادل معهما يعني أن يضيق الخناق على البقية إلا أنها لم تستمع بل تحدثت إلى عاصم في إمكانية بناء ملحق بغرفة عادل كنوع من التوسيع له دون أن تأخذ من غرفته وغرفة شقيقته شيئًا حينها تحدث معها ويحاول مهادنتها فأجابت كعادتها بحدة ونزق طفولي إلى حد ما " أنا لا أفعل شيئا أنا أحب ولدي ليس أكثر ، هل المفترض أن أتوقف عن حب ولدي لأجل عيون لارا هانم ".
حينها أشارت إليه جنى أن يتوقف عن الحديث وهي تخبره بعينيها أن أمر والدته تفاقم عن الطبيعي فصمت مضطرا وهو يتأمل حال عادل الغامض كعادته فلا يأبه لقرارات والدته ولكنه يراضيها ولا يأبه لغضب خطيبته ولكنه يستطع مهادنتها بشكل غريب يدفعها لقبول كل ما يحدث دون افتعال شجار تريده والدته بشده.
—فيم شردت وأنت تنظر لي ؟
انتبه من أفكاره على صوتها الناعم تتحدث إليه لينظر من حوله قليلا قبل أن يجيب متهكما : تتحدثين إلي ؟!! حقا ؟!!
توردت وعضت شفتها السفلية بحرج لتهمس بدلال تعمدته : هل يوجد غيرك هنا ؟!!
ارتفعا حاجبيه بتعجب افتعله ليسألها بمكر : هل الجنة رضيت عني أخيرًا ؟! أخر عهدي بك في الصباح كنت غاضبة ولا تتحدثين إلي ؟!
أخفضت نظرها بخجل لتستدير تقترب منه بخطوات بطيئة متمهلة وبطنها المنتفخ أمامها يثير سعادته لتهمس حينما وقفت أمامه وفردت كفاها فوق صدره : أنت ترى أن ليس من حقي الغضب يا أسعد ؟!!
تنهد بقوة وهو ينظر إلى شفتيها المبرومتين في طريقة طفولية تدرك جيدا أنها تزيل عنه ضيقه فيحتضن خصرها ليقربها منه كيفما سمح انتفاخ بطنها : الغضب شيء والمخاصمة شيء أخر.
مطت شفتيها بدلال عفوي لتجيب بحرج : لم أكن أخاصمك .
نظر إليها ليسأل بذهول مفتعل : يا سلام .
أومأت برأسها سريعا وهي تتمسك بطرفي سترته الداخلية : طبعا كنت فقط غاضبة واتدلل ، أتبعت بعتاب قوي - وأنت لم تلقى لي بال وتركتني وذهبت لابنتك لتراضيها بدلًا عني .
أجابها بجدية : كانت هي غاضبة بدورها بسبب أني تأخرت عليها في عودتي ولم آتي بالموعد الذي أخبرتها به .
ابتعدت للخلف بحنق سيطر على ملامحها : إذًا من حق جنة تغضب لأجل هذا السبب وأنا ليس من حقي أن أغضب لأنك أُصِبت ولم تخبرني رغم أني سألتك أكثر من مليون مرة ، كنت بالمشفى ولم تخبرني وتأخرت وسألتك عن السبب ولم تخبرني وأتيت وأنت تعرج بساقك وسألتك حينما رأيتك فأجبت أنك بخير لأفاجئ بأنك مصاب بكتفك وصدرك وساقك يا أسعد وأنا لا أعلم شيئا.
زفر بقوة ليجيبها بهدوء : ولماذا أخبرك يا جنى وأنت بهذه الحالة ، هل كنت ستأتين للمشفى العسكري بشرم الشيخ وأنت حامل بشهرك الخامس لتطمئني علي أم ستبقين هنا مرغمه ، وتظلين قلقة لمدة ثلاث أيام كاملة إلى أن أعود فتطمئنين علي .
تنهد بقوة ليقترب منها يضمها من كتفيها لصدره يضم بطنها بكفيه يركن ذقنه على كتفها بعدما انحنى نحوها : لا تغضبي يا جنتي ، أنا مدرك جيداً خوفك وقلقك وكل شيء ولكن ضعي نفسك مكاني ، هل كان علي اخبارك وأنا بالمشفى فلا تقوي على فعل شيء أم أحملك مشقة السفر وأنت بشهرك الخامس ؟! أنا رأيت أنه الأفضل لي ولك أنا لا اخبرك إلا وأنا معك حتى تكوني مطمئنة أني بخير .
اغرورقت عيناها بدموع كثيرة فهمس وهو يقبل طرف عنقها : لا تبكي يا جنى من فضلك أنا لا أريد أن أغضبك ولا أقوى على حزنك وأنت تعلمين لذا ابتهجي فهاك أنا أمامك بخير والحمد لله.
أومأت برأسها دون رد فضمها أكثر إليه بعدما أدارها إليه ليقبل وجنتها برقة : لا تغضبي يا جنى .
تمسكت بصدره بقوة لتجيب : الحمد لله أنك بخير ، أتبعت باهتمام تملك منها أخيرًا - من الواضح أنها كانت عملية وليست مناوشة أخرى .
ومضت السعادة بعينيه ليجيبها بفخر : نعم الحمد لله هذه المرة أوجعناهم بشدة ، هذه المرة شعرت حقا أني أخذت بثأر ياسين رحمة الله عليه .
رددت برقة من خلفه وهي تعلم مدى أهمية الأمر إليه : رحمة الله عليه يا حبيبي ، نصركم الله دومًا وحفظكم سالمين .
ابتسمت برقة لتتورد هامسة بتلعثم : أول البارحة ذهبت للطبيبة في موعدي الدوري وبشرتني كونه صبي .
اتسعت عيناه بوميض سعادة غمره ليهمس بصوت مشبع بفرحته : ياسين .
أومأت برأسها موافقة : نعم ياسين أسعد الخيال بإذن الله ليأتي سالمًا .
لهج بالكثير من الشكر وهو يقبل جبينها بقبلات متتالية ، فأكملت بضحكة ناعمة : أخبرت لولا حينما عرفت وطارت من الفرحة بل أتت بكريمة لتزغرد لي بالهاتف وأعدت لي الطعام وأرسلته مع السائق أيضًا وتذمرت من كوني سأذهب لعملي ثانية.
قهقه ضاحكًا ليهمهم بعتب : لقد سعدت بجنة يا جنى لا تنكرين .
فرمقته بطرف عينها : نعم لا أنكر ولكن هذا لا يمنع أن سعادتها بياسين مختلفة .
ضحك بخفة ليجيب بصراحة : هذه هي ماما وأنت تعلمين تميل للذكور وإنجابهم ، ألا تري كيف تدعو إلى يمنى كي يرزقها الله بالولد رغم أن عمار نفسه وخالتو لا يهتما بهذا الأمر؟
ضحكت برقة لتهمهم : عمار لا يريد أولاد من الأصل ، هو يفرح بالفتيات ويمرح معهم وديدو منتشي بالفتيات لأن على حد قوله حرم منهم فعمار يهديه ما أراد طوال عمره فتيات صغيرات يتعلقن به .
رمقها بطرف عينه ليهمهم بخفوت شديد : عمك وولده يعشقون الفتيات كبار وصغار .
ضيقت عيناها لتهتف بعدم تصديق : أسعد .
قهقه ضاحكًا ليجيبها ببساطة : هل أنا مخطئ ؟
هزت رأسها نافية وهي تضحك لتهمس بتفكير : هكذا سيأتي ياسين أصغر الأطفال .
تمتم بمرح : لولا ستدلله كما لم تفعل مع أحد منهم قبله.
وافقته ضاحكة لتسأله بترقب : وأنت ماذا ستفعل بجنتك ؟
أجاب بمكر : سألتهمها كلها .
توردت لتهمس بخجل : أقصد جنة يا أسعد ماذا ستفعل بها ؟
عبس ليجيبها سريعا : لا شيء سأدللها كما أفعل دومًا حتى أزيل حنقها من الطفل القادم ،
سألته وهي ترتدي حليها : والليلة ؟
تنهد بقوة وأخبرها : عادل أخبرني سيعود بها مبكرا فهو لن يقوى على الحضور لأخر الزفاف بسبب مناوبته اليوم بالمشفى ، فسأذهب أنا مع آسيا وهو سيهتم بجيني ، أتبع وعيناه تومض بشقاوة – وعليه البيت سيكون فارغًا .
ابتسمت وتحاشت النظر إليه ليكمل وهو يقترب منها يحتضن خصرها من الخلف ويضمها إلى صدره : كم اشتقت إلى تمارين الضغط .
تعالت ضحكتها مرغمة لتلكزه بكتفها في دلال : نعم ولكنك مصاب .
رمقها بصدمة افتعلها : ولا ألف إصابة تمنعني عن التمارين ، أنا أقوى من أي إصابة .
تعالت ضحكتها من جديد ليديرها إليه يناوشها بطرف أنفه هامسا بصوت أجش : فقط ما يهمني أنك ستتحملين أداء التمارين .
تعلقت برقبته لتهمس وهي تلتصق به أكثر : أنا بخير والحمد لله لا تقلق .
قبل جبينها ليهمس : حسنا هيا حتى لا نتأخر عليهم ، سأذهب لاوقظ جنة وأساعدها في ارتداء ملابسها ليتبقى تصفيف شعرها والبسيها التاج لنلحق بهم فأنا لابد أن أتواجد بالزفة .
تمتمت بمكر مشاكس : بالطبع حتى لا تغضب آسيا هانم .
قرص خدها بلطف ليقبله : وخالة آسيا هانم تعلمين لولا حينما تتذمر ماذا تفعل بنا ؟
أومأت برأسها متفهمة : حسنا اذهب لابنتك وأنا انتهيت فقط لن ارتدي الحذاء الآن .
توقف قبل أن يغادر سائلا : لا تخبريني أنه حذاء لامع بشرائط .
ضحكت برقة لتجيبه بشقاوة : لا هذا الحذاء سأرتديه حينما نعود .
التمعت عيناه ليهتف بها : إذًا سنترك جنة عند لولا غدًا ، فأداء التمارين صباحًا سيفيد أكثر .
انطلقت ضحكتها مجلجلة لتحمد الله كثيرا بعدما انتهت لتنظر إلى انتفاخ بطنها الذي بدى ظاهرا لتربت عليه برقة وتحمد الله وتدعوه أن يأتي سالمًا ليقر أعينهم بوجوده .
***
زفرت بقوة وهي تقف أمام المرآة تنظر إلى نفسها بغضب بدأ في الظهور على ملامحها وهي تدور بحدسها نصف دائرة تنظر إلى سحاب الفستان الذي لا تستطع إغلاقه بسبب بطنها المنتفخ وبسبب ازدياد وزنها وانتفاخ نهديها بسبب الهرمونات الغبية .
زمجرت بغضب أنبه من يتأنق بجوارها فسأل وهو يكمل ارتداء حلته : ما بالك يا مهرتي ؟!
زمت شفتيها بضيق ولم تجبه بل اتجهت نحو دولاب ملابسها تبحث عن المشد أتت به بعد ولادة ابنتها الأولى كي تحافظ على عضلات بطنها إلى أن استعادت وزنها ولياقتها في وقت قياسي عبس بتعجب ليترك ما يفعله ويتحرك نحوها يسألها باهتمام حينما وجدها تجاهد لتنحني على ركبتيها فيمنعها بجدية : ماذا تفعلين ؟!
أجابته وهي تتملص منه : أبحث عن المشد .
انتفض بتعجب : لماذا ؟!
هدرت بجنون : حتى أستطيع إغلاق الفستان.
انتبه لسحاب فستانها المفتوح ليهتف بجدية : لا أفهم ما علاقة المشد بالسحاب ؟!!
أجابته بصوت مختنق بعدما جذبت المشد من الجارور الكبير : سأرتديه ليقلل من انتفاخي قليلا فأستطيع إغلاق الفستان .
اتسعت عيناه بصدمة سرعان ما تحولت لغضب ليهدر بها : هل جننت ؟! أنت بالشهر الثامن يا يمنى لا تستطيعين تقليص حجم بطنك ، فهذا الأمر سيضر بالطفلة.
انتفضت بجنون لتهتف به : هل هذا ما يهم ؟ والفستان الذي لا يُغلَق ماذا أفعل به ؟!!
أجاب بلا مبالاة : أبدليه بأخر يكون متسعًا قليلاً .
اكفهر وجهها غضبا قبل أن تبدأ بتمتمة غاضبة خافتة فلم يقوى على الاستماع إليها ليراقبها ببرود وهي تخلع فستانها لتبدا بارتداء ملابس عادية فيسألها بهدوء : ماذا تفعلين يا يمنى ؟ تخطته لخارج غرفة الملابس فأتبعها ليسألها باصرار – يمنى أنا أتحدث إليك ، ماذا تفعلين ؟
رفعت رأسها بعنفوان وهي تجلس على طرف الفراش : لن أذهب لاي مكان .
ارتفاع طفيف في حاجبيه ليهتف بعدم فهم : لن تذهبين لزفاف ابنة خالتك ؟!
رفعت حاجبها ورمقته بغضب : ليس لدي ما أرتديه لذا لن أذهب .
أغمض عينيه وتماسك بصبره ليهمس مهادنا : من المؤكد أن هناك شيء يليق بالزفاف يا يمنى انظري جيداً في غرفة الملابس الممتلئة على آخرها ستجدي شيئًا ارتديه ، هيا .
أشاحت بعينيها بعيدًا وهي تكتف ساعديها أمام صدرها لتؤثر الصمت فيتنفس بعمق قبل أن يخطو نحوها يجلس بجوارها يحدثها بثبات : ما الأمر يا يمنى ؟ أخبريني لماذا لا تريدين الذهاب للزفاف ؟
أجابته بعدما ابتعدت بجسدها عنه بطريقة ملحوظة : لأني لا أستطيع ارتداء الفستان الذي انتقيته لأجل الزفاف يا عمار ، أتبعت وصوتها يرتفع بغضب سيطر على ملامحها - لأن جسدي منتفخ ووزني زاد عن الأسبوع الماضي ، وبالطبع أنت لا يهمك أي شيء من هذه الأشياء أنت ما يهمك طفلتك وأن تكون بخير ويمنى التي فقدت رشاقتها لأجل حمل ثاني لم يكن مخطط له ولكننا لم نستطع أن نرفضه لا تهم ، يمنى التي توقفت عن عملها لا تهم .. يمنى التي تحولت لمصنع للانجاب دون رغبتها لا تهم ،
انتفضت واقفة بحركة أثارت خوفه عليها لتتابع بصياح جنوني وهي تتحكم في دموعها بضراوة : أي شيء لا يهم يا عمار، الهام أنت وبناتك وحياتك التي لم تتوقف لأجل أي شيء ، ولكن حياتي أنا التي انقلبت رأسًا على عقب منذ ولادة جاسمين لا تهم .
زفر بقوة لينهض واقفا هاتفا بجدية : حسنا استعدي كأنك ستذهبين للزفاف وارتدي ملابسك العادية سنترك جاسي عند مامي ونذهب لشراء فستان تستطيعين الذهاب به للزفاف .
مسحت وجهها بكفيها لتهمس باختناق : لن استطيع البحث عن فستان في المتاجر الآن يا عمار.
أجاب بهدوء دون أن يقترب منها : سنذهب إلى متجرك المفضل ، هيا حتى لا نتأخر وأنا سارتب اشياء جاسمين واتركها لمامي وهي ستلبسها فستانها ولندع ديدو يصفف لها شعرها كما يحب .
ابتسمت ليرمقها قليلا قبل أن يقترب بتؤدة فتجفل برفض أوقف خطواته ليعاتبها بعينيه فتزفر بقوة وتهمس : سأذهب لاستعد .
مط شفتيه بضيق ليرمقها وهي تختفي في غرفة ملابسهما ليخطو للخارج وهو يفكر في عصبيتها المتملكة منها منذ منتصف الحمل وخاصة منذ أن تركت عملها لاختلاف مع إدارة الجريدة التي كانت تعمل بها بسبب مقال ناري كتبته عن أزمة اقتصادية كانت تمر بها البلاد منذ أشهر ماضية ، ورغم أن عاصم جدد عرضه لها بالعمل ورغم حديث عمه معها عن كونه يستطيع التوسط لها للعمل في أي جريدة أخرى تشير عليها ، ورغم حديث الأمير معها إلا أنها لم تقبل أي من مساعدتهم ، ولكن تركها للعمل يؤثر عليها بقوة وهي التي لا تستطع عن الاستغناء عن نفسها ، يشعر بها وضائق لأجلها ويحاول احتواء ثورتها المكبوتة بل ومساعدتها أيضًا ولكنه لا يقوى على دفعها لفعل أي شيء إلا حينما تلد .
تمتم بخفوت وهو يدلف إلى غرفة ابنته يبتسم إليها فتناغي بكلمات كثيرة لا يفهم ثلاث أرباعها ولكنه يدرك أنها تشير إليه تطلب منه أن يحملها فيستجيب بترحاب وهمساته الحنون تنتثر فوق رأسها الذي أمهره بالكثير من القبلات قبل أن يهتف بجدية إلى المربية أن ترتب لها حقيبتها إلى أن يبدل ملابسها ليحدث ابنته من جديد هامسا : من يبدل ملابسه ليذهب إلى ناناه جاسي .
أصدرت جاسمين أصوات كثيرة ليلتقط هو موافقتها فيضعها فوق طاولة التغيير ليبدأ بتبديل ملابسها وهو يلاعبها برقة تليق بها .
***
تركض سريعا لتتخفى في ساقية لتتوقف بترقب ثم تميل جانبًا لتنظر بعين واحدة من خلفه تبحث عن والدتها التي لم تركض خلفها هذه المرة ليكتم ضحكته التي كادت أن تجلجل حينما صدح صوت حبيبة الغاضب : رهف ، خرجت ثانية من الغرفة دون أن ترتدي فستانك.
استقامت سريعا وهي تتمسك أكثر بساقيه فيهتز جسده بضحكه الذي انفلت منه مرغما حينما تابعت حبيبة بصراخ حاد - حسنا يا رهف لا تغضبي حينما أعاقبك وأتركك مع الناني ونذهب الزفاف بمفردنا .
ليميل برأسه للخلف قليلا هامسا بضحكة مكتومة : اذهبي وارتدي الفستان يا رهف حتى لا تغضبين ماما اكثر من ذلك . برمت شفتيها لتهمس بصوت باكي وكلماتها ذات الحروف الناقصة : لونه لا يئجني " لونه لا يعجبني ".
لمع الإهتمام بعينيه ليلتفت إليها يشير إليها بكفيه فتتعلق بهما ليحملها بخفه فوق ذراعه سائلا : كيف لا يعجبك ؟ ألا تحبين اللون الوردي ؟
مطت شفتيها بتفكير لتهز رأسها بالإيجاب قبل أن تشرح له بكفيها كما تفعل دوما حينما تكون غاضبة : فئرس يثحر مني " فارس يسخر مني"، هو لا يحبه .
عبس عمر بضيق ليهتف بضجر : إن شا الله عنه ما أحبه ، وماله فارس بك يتدخل بملابسك ولونها ، أتبع بصرامة وهو يحذرها بعينيه - لا تهتمي بفارس ولا رأي فارس وإذا تحدث معك أو ضايقك أخبريني .
أومأت برأسها في طاعة ليهمس إليها متواطئا : هيا لترتدي ملابسك وتصالحين ماما وتعتذرين لها ، ولا تخرجي ثانية هكذا من غرفتك لأن رهف كبرت على أن تركض في البيت بملابسها الداخلية .
ابتسمت فأظهرت غمازتيها لتتعلق برقبته وتقبل وجنته بقوة لتميل برأسها على كتفه هامسة : دادا بيبي "دادي حبيبي "
ضمها إلى صدره بقوة : رهف قلب عمر .
فتكمل إليه صائحة بحماس طفولي : وبيبة طبته " وحبيبة بطته ".
تعالت ضحكاته التي اندثرت وهو ينظر لوجه حبيبه الغاضب وساعديها المعقودين في غضب ليكح بخفة هاتفًا بجدية وهو ينزل رهف أرضًا : رهف أتت لتعتذر منك يا مامي وترتدي ملابسها وتعدك أنها لن تفعلها ثانية .
رفعت حبيبة حاجبها فدفع ابنته بلطف في كتفها فتقدمت بتردد قبل أن ترفع وجهها بابتسامة متسعة جميلة هامسة : بيبة .
ابتسمت حبيبة مرغمة لتنحني و تحملها بعدما اتبعت رهف باعتذار متشابك الأحرف ليس مفسرًا وحديث طويل أثار تنهيدة حبيبة التي تحملها لتلبسها فستانها وهي تهتف بغيظ : يا الله لقد ورثتك كاملا يا عمر لم تترك شيئا.
كتم ضحكته ليقترب منها يهتف ببساطة ضاحكا : وهذا شيء جيد أم سيء ؟
رمقته بطرق عينها لتتنهد دون رد فيقترب أكثر هامسا - تتنهدين ودون رد أيضًا هذا معناه أنك غاضبة مني أم ماذا ؟
هزت كتفيها دون رد فأتبع بشقاوة - سواء غاضبة أو تتدللين عدم ردك يعد خطأ فادح مني وعلينا تداركه .
ضحكت رغمًا عنها لتستدير إليه سائلة : كيف إن شاء الله ؟
أجابها وزرقاويتيه تومضان بعبث : أرى أن أخبرك عن المفاجأة الثالثة التي ادخرها لك منذ الزفاف والتي تأخرت كثيرا !!
عبست بعدم فهم فأكمل - تتذكرين تلك المفاجآت الثلاث التي أخبرتك عنهم ؟
أومأت برأسها في تفهم فاستطرد شارحا : قدمت إليك اثنتان فقط والثالثة حال بيني وبين تنفيذها حملك بالآنسة رهف وبعدها أخذت رعايتك أرهف السنوات الماضية ولكن بم أنها كبرت الآن ونستطيع تركها عند سوزي أو نولا أستطيع أنا أن أنفذ مفاجأتي وأصحبك لرحلة إلى الهند كما كنت تتمنين دوما .
اتسعت عيناها بعدم تصديق لتسأله بذهول : حقا يا عمر ؟!
أومأ برأسه ليجيب بخفة : لقد حجزت التذاكر وأعددت كل شيء واتفقت مع سوزي ونولا وعبدالرحمن أيضًا أن يراعوا رهف الأيام القادمة ورغم أن أحمد تطوع أن ياخذها عنده أيام الرحلة كاملة إلا أني رفضت لأن فارس دوما يضايقها .
ابتسمت برقة لتهمس : فقط لأنه يضايقها .
اسبل جفنيه ليتحدث بسرعة : المهم أننا سنسافر بعد غداً فاستعدي .
ابتسمت برقة وأومأت إيجابًا قبل أن تقترب منه هامسة : لا حرمني الله منك يا عمر .
ضمها إلى صدره ليقبل جبينها هامسا بشقاوة : جيد أنك لم تنطقي بالأخرى وإلا كنت ارتكبت فضيحة أمام ابنتك .
كتمت ضحكتها وخاصة حينما قفزت رهف واقفة تصيح بحماس كي يحملها ويحتضنها بدورها ليضمهما سويا هامسا : حفظكما الله لي.
***
يجاورها جلوسا في المقعد الخلفي بالسيارة ، اليوم استعان بالسائق ليذهب بهما إلى زفاف آسيا، الصغيرة آسيا تتزوج لتغادر البلاد مع زوجها ، الأيام تمر سريعا وتبدل الجميع ، فها هو يجلس بجوارها وهي شاردة عنه تفكر في ولدهما ، نور ذاك الولد الذي أتى بعد معاناة معها لتحمل ومعاناة لتنجب ، فمدة حملها كانت الاسوء هي ذات البنية الضعيفة فأمضى التسعة أشهر كاملة خائفا عليها ثم تأتي ولادتها المتعسرة لتقضي على ما تبقى إليه من تماسك وخاصة حينما أبلغته الطبيبة أن عليه اختيار أحدهما لتنقذه فيهلع وهو يختارها دوما هي خياره الأوحد الذي لا يريد إليه بديلا ، و لكنه الآن يحمد الله كثيرا أن الطبيبة بتوفيق من الله استطاعت إنقاذ كلاهما فأتى الصبي ليسعدها وتقر عينها بوجوده ، ولده الذي استولى عليها كاملة فهي تعاني رهاب الابتعاد عنه .. تركه .. أو النوم دونه ، رغم وجود المربية .. فاطمة .. ووالدته إلا أنها لا تسمح لأحد بالاقتراب منه ، ترعاه وتخدمه وتدلله وتنسى وجوده تمامًا ، هو الذي انغمس في عمله فأصبح يمنحه الكثير والكثير من جهده ووقته فيمنحها المساحة التي تحتاجها بجوار ابنهما الذي تعشقه . ابتسم ساخرًا وهو يرمقها بطرف عينه يتأمل ملامحها الساكنة وعيناها الشاردة بعيدًا فيقترب منها بلطف يسالها بجدية : فيم شردت بعيدًا ؟
أجابت بعفوية : فقط أفكر هل اعتنت المربية بنور كما ينبغي ؟
ابتسم مطمئنا ليجيبها : بل أكثر مما ينبغي لا تقلقي ، ابتسمت بتوتر ليحتضن كفها بين كفيه هامسا - وإذا أردت أن نعود لناتي به سنفعل فآسيا أخبرتني أن هناك مكان خاص بالأطفال حتى يلهو به تحت رعاية من مربياتهم أو مربيات تم استئجارهم فهي من أرادت حضور الأطفال لتتصور معهم لذا هي ستوفر لهم مكانا لترفيهم حتى لا يضايقوننا.
أجابت سريعا : لا ، أخاف أن يمرض أو يحدث له شيء .
رمقها مليا ليهمس إليها بعتاب وضح جليا بعينيه : أو تتركين الزفاف لتبقين معه كما تفعلين كالعادة .
اهتزت حدقتيها بتوتر لتهمس باختناق : أنا فقط اخاف عليه كثيرًا يا عاصم وأنت تعلم .
أومأ برأسه إيجابًا وهو يبتسم ساخرًا : بالطبع اعلم سريرنا الفارغ يومياً يخبرني بمدى خوفك عليه وهو نائم فتذهبين لتنحشرين بجواره في سريره الضيق الصغير ، طاولة طعام العشاء الفارغة من مكانك أو وجودك وأنت تحمليه فوق ذراعك وتهتمين لأمره تخبرني بمدى تعلقك به فلا تتركيه أبدًا ، أيام التجمعات الخالية من وجودك لأنك دوما تجلسين بجواره أو تحمليه حتى لا يلعب مع الأطفال الآخرين لأنك تخافين عليه أن يؤذيه أحد أو يؤذي هو نفسه تخبرني بمدى رعبك من فقده يا نور.
رفع عيناه ليرمقها مليا قبل أن يتبع بجدية : أنا أكثر من يعلم تعلقك المرضي به وخاصة بعدما تركت عملك وحياتك كلها لأجله وأنا لست متأففًا من اعتنائك بولدك ، أبدًا . أنا انتظرك بصبر إلى أن تعودي كما كنت ابنة عمي وحبيبتي ونور عيني وأم ولدي الذي اسميته تيمنا باسمك لأنه أزاد حياتي نورًا بوجوده .
اختنق حلقها وهي تشعر بكم ما يعانيه بسبب إهمالها إليه اهتمامها الشديد بولدها وتعلقها المرضي به كما أخبرتها يمنى المرة الماضية في تجمعهما الأخير والتي نبهتها – فيه - أنها لم تجلس معهم على الأطلاق لأنها تمكث بجوار ولدها الذي يستولى عليها ، تتذكر حديث والدها معها .. تقريع والدتها المتخفي لها .. ونصائح حميها وعمها العزيز إليها بألا تفقد نفسها في غمار ما تعرضت إليه ليومض تعليق عمار الأخير لها كإنذار قوي داخل عقلها وهو يهتف بها في ضجر يميز حديثه - على الدوام معها - " ما تفعلينه يضر بنور أكثر منك ومن عاصم يا نوران ، ستنشئينه غير سويًا بسبب تعلقك المرضي به " حينها غضبت منه بل بكت إلى أن أجبرته يمنى أن يعتذر لها ويطيب بخاطرها و رغم أنه راضاها بالفعل وهو يحذرها ألا تهمل عاصم أكثر من ذلك فعاصم تحمل الكثير ومن حينها و حديثه لا ينمحي من عقلها وها هو عاصم ينفجر بوجهها في سابقة لم تحدث من قبل.
تمتمت باختناق وهي تقاوم ألا تبكي : أنا آسفة يا عاصم أعلم أني قصرت معك كثيراً الفترة الماضية .
زفر بقوة ليجذبها من كفها يقربها منه يقبل رأسها هامسا : لا يا نور لا تعتذري أنا اقدر جيدًا ما كنت تمرين به ، فأنا مثلك كنت أخاف عليه ومتعلق به كثيرا لا تنسي أن أول ثلاثة أشهر كنت أطلب منك أن تناما بجواري حتى اطمئن من كونه بخير .
تمتمت سريعا : ولكنك تخطيت الأمر سريعا .
ابتسم بخفة ليجيب : لاني أبوه وأنت أمه ، الأم مختلفة يا نوران أنتِ تتحركين بعواطفك فقط أما أنا يحركني عقلي وعملي الذي لا أستطيع اهماله أو تركه ، لكن أنت تستطيعين ترك العالم كله لأجل نور .
زفرت اختناق حلقها لتضم نفسها إليه أكثر تقبل طرف فكه هامسة : اشتقت إليك يا عاصم ، اشتقت إليك كثيرا ، لقد غرقت في دوامة كبيرة ولم أكن لأخرج منها لو لم تتحدث معي الآن كنت ساظل أكابر وأخبر نفسي أن كل شيء على ما يرام ، أتبعت وهي تتمسك بمقدمة سترته – لذا أنا أطالبك أن تتوقف عن الصمت يا عاصم لا تتركني وتبتعد أبقى معي ونبهني حينما انغمر لا تصبر وتحتسب إلى أن افيق بنفسي .
قهقه بخفوت ليهمس بعدما قبل رأسها : حسنا لن أصبر واصمت ثانية ، سأعاتبك أولًا بأول .
تمتمت وهي تحتضنه بقوة : وتخبرني عم يؤرقك ويموج بداخلك أيضًا ،
أومأ برأسه موافقا ليهتف إليها : بمناسبة ما يموج بداخلي ، أريدك أن تعودي للعمل يا نوران .
شحب وجهها وعيناها ومضت برفض ليرمقها مليًا قبل أن يتابع ببطء : عودي ولو بطريقة جزئية أوكلي مهمة الرعاية بنور للمربية وقت الصباح وهاك هو سيدخل إلى الحضانة وأنا ساقدم إليه بالمدرسة السنة القادمة بإذن الله .
تمتمت سريعا وتوترها يزداد : لازال صغيرا يا عاصم .
هز رأسه نافيًا ليجيب بصرامة : لا ثلاث سنوات ليس صغيرا يا نوران ، لابد أن يعتاد على البقاء بمفرده لابد أن يذهب للحضانة ويتعامل ويتفاعل مع الأطفال الآخرين ، لابد أن ينشأ قويًا كبيرًا منذ صغره يا نوران ، أن تخبئيه بين ذراعيك وتحميه من العالم أجمع وتخفيه عنه لا يمنحه القوة التي يحتاجها ، لا تنسي أنه بالأخير سيكون الكبير من بعدي ، حتى أن رزق أيا منهم بالأولاد فيما بعد .. صمت قليلا لينطق بجدية متبعا - فأنا لن انحي ابني لأسلم الأمر لآخر أصغر منه لأنه يملك المقومات عنه يا نوران ما تفعلينه بولدي لا يؤهله لأن يكون كبيرًا من بعدي.
رفت بعينيها كثيرا فأكمل سائلاً بجدية : أم لا تريدينه أن يكون كبيرًا من بعدي ؟
أجابت سريعا : بالطبع لا ، أنا أريده أن يكون كبيرًا من بعدك .
هتف آمرًا : إذًا اتركيه لي قليلاً ، وتوقفي عن تدليله ، فهو لن يكون مدللاً ، ابن عاصم الجمال لابد أن ينشأ قويًا وصلبًا يا نوران ، ابتسمت برقة لتومئ برأسها موافقة فيتابع بجدية - ثم أنا أريدك بجواري في العمل فهناك أقوال موثوق بها تشير كوني مرشح بقوة لمنصب هام في الحكومة .
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف بعدم تصديق : أنتَ لا تمزح ؟!
هز رأسه نافيًا ليجيبها : رغم أني أفضل أن لا استلم منصبا في سن صغير إلا أني سأوازن الأمر عندما يعرض علي فعليا .
ضحكت بسعادة لتتعلق برقبته تحتضنه بفرحة : مبارك عليك يا حبيبي ، وبالطبع ستجدني بجوارك دومًا .
ضمها إلى صدره بقوة ليقبل راسها هامسا : لا حرمني الله منك .
تمتمت وهي تنعم بحضنه الدافئ : ولا منك يا عاصم .
تمت بحمد الله
19\4\2020
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...