الفصل ال٢٩

4.6K 72 17
                                    

يجلس بمكانه المعتاد على طاولة الطعام يتناول طعام لم تعده بنفسها، بل فعلت تلك السيدة التي طلب منها الاستعانة بها ، الطعام جيد لا ينكر و لكنه يفتقد نكهتها.. رائحتها.. نفسها المميز.. ورونق إعدادها ، زم شفتيه و هو يتأملها من بين رموشه يتفحص عبثها بطعامها الذي لم تتناوله منذ أن جلست ، تلكأت نظراته على وجهها الشاحب و ملامحها المرهقة ، جفنيها المنتفخين من النوم الذي من الواضح قضت نهارها كله تخلد إليه ، فحتى عملها .. أوراقها .. تصاميمها لم تمسهم.
سحب نفس عميق ليسألها بهدوء : ألا يعجبك الطعام يا أميرة؟
انتبهت له لتجيب بسرعة : بالعكس، الطعام جيد و لكن أنا أشعر أني لا أمتلك شهيه لتناوله.
عبس بضيق ليرمقها قليلا قبل أن يسألها باهتمام : أنت بخير؟
رفعت عيناها إليه - أخيرا- بعد أن تحاشت النظر نحوه منذ أن عاد من عمله ، بل هي تحاشته نهائيا كما فعلت البارحة ، لتهمس برقة : بخير الحمد لله.
تعلق نظره بها ليشعر بقلبه يخفق بوتيرة مختلفة ، روحه تشعر بسكينه و هو يغرق في براءة ملامحها، و جسده يشعر بنقصان لا يكتمل إلا بوصالها .
ابتسم و عيناه تومض بلهفته التي لا تنبض : يا رب دائما يا حبيبتي.
رمقته قليلا قبل أن تبتسم ابتسامه ملتوية لم يشعر بها صادقه لتساله بهدوء: حقا أنا حبيبتك؟
رف جفنه رغما عنه ليسأل بحدة انتابته : هل تسألين ثانية يا أميرة؟!
بسمه ماكرة تشكلت على ثغرها لتجيب ببرود : بل أحب أن أتأكد .
لانت ملامحه لتتابع بسخرية : أليس هذا ما تفعله دوما معي ، تسألني مرارا وتكرارا عن مشاعري نحوك لتتأكد من كونها لم تهتز .. لم تتغير .. لم تتبدل.
صمتت قليلا لتستطرد : لذا أنا الأخرى أفعل ، وأسألك لأتأكد من كون مشاعرك نحوي لم تتغير.. لم تتبدل .. لم تنقلب .. و لم تتجه لأخرى غيري.
اربد وجهه بغضب اندفع بقوة مسيطرا على تعقله ليهمس بفحيح بارد : أنت تشكين بي يا ابنة خالتي ، تظنين و تشكين بعد كل هذا العمر بيننا ؟
رفعت حاجباها بدهشة افتعلتها : و لماذا اتخذت سؤالي عن مشاعرك نحوي بهذا الظن يا أحمد؟! مطت شفتيها بتعجب وهي تتابع - هل حينما تسألني عن مشاعري نحوك تكون تظن بي السوء.
انتفض واقفا ليزأر بغضب : هل جننت يا أميرة؟!
رفعت حاجبا واحداً و هي تنظر نحوه بتسلية تراقصت بعينيها لتجيب ببرود تملك منها : بل أتساءل بطبيعية ، أنت من تريد الشجار.
عبس بريبة و هو يشعر بها تتلاعب به ليصيح بحدة : لا أريد الشجار و لكنك مختلفة منذ تلك الليلة دون سبب مفهوم لي.
نهضت واقفة لتواجهه بشموخ : حقا لا تدرك السبب يا أحمد ؟!
نفخ بقوة : ألا زلت غاضبة من سفري يا أميرة؟
مطت شفتيها و هي تتصنع التفكير لتجيب أخيرا: لا ، الآن لست غاضبة من سفرك، انفرجت تكشيرته لتتابع بتلاعب استقر بعينيها - و لكن هذا لا يعني أني لست غاضبة.
عبس من جديد ليزفر بضيق : لماذا إن شاء الله؟!
هزت كتفها الأيسر بدلال في حركة تعلم جيدا أنها تؤثر به لتهمس برقة : عليك أن تدرك بمفردك سبب غضبي يا ابن خالتي.

رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن