الله اكبر الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
الله اكبر الله اكبر الله اكبر
ولله الحمد
الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا
وسبحان الله بكرة واصيلا
لا اله الا الله .
تصاعدت تكبيرات العيد من حوله متزامنة مع رنين هاتفه الذي اغلقه سريعًا وهو ينظر إليها غارقة في نوم عميق فيشد خطواته لخارج الغرفة ليسرع وهو يغادر البيت يستقل سيارته ويجيب أخيه المزعج الذي هاتفه من قبل ليؤكد عليه أن يأتي ليصلي معهم في الجامع القريب من بيت أسرته.
أجابه عن طريق هاتف السيارة بعدما أوصل هاتفه سريعًا : نعم يا عادل ، أقسم بالله أنا بالطريق ،
تمتم عادل بضحكة مكتومة : لا اتصل هذه المرة لأجل الصلاة ، بل اتصل لأن ماما تخبرك أن تأتي بجنى معك لنتناول الفطور كلنا معًا قبل أن نتخذ طريقنا للمزرعة .
تمتم بهدوء وصوته الابح يغمر نبراته وهو يتحكم في هدير قلبه وعقله يستعيد صورتها نائمة برقة عارية بين الاغطية ، و كيف كان صعبًا عليه النهوض من جوارها .. الابتعاد عنها .. وتركها من خلفه ولكنه مجبر فبغض النظر عن اتصالات عادل المتكررة لأجل أن يوقظه ويؤكد عليه أن يجتمع معهم في أداء الصلاة بالجامع الخاص بالمجمع السكني الذي يقطن به والديه وبقية معارفهم وأقاربهم ، إلا أنه بدوره لم يكن ليترك صلاة العيد لأجل أن يظل معها ، برغم أنه كان يريد ايقاظها ليصحبها معه إلا أنه اشفق عليها فتركها نائمة على أمل أن يعود إليها سريعًا فلا تفتقد غيابه عنها : جنى لم تأتي معي، تركتها نائمة ولم أشأ إيقاظها، صوت ضحكة عادل المكتومة أثار غضبه فهدر بجدية - أنا قادم .
القاها واغلق الهاتف في وجه اخيه الذي انفجر ضاحكًا رغمًا عنه فتنظر إليه والدته الجالسة ترش مسحوق السكر الناعم فوق حبات الكعك الصغيرة تعده لإفطار العيد : ما بالك يا عادل ؟! هز عادل رأسه بلاشيء وهو يكتم بقية ضحكاته التي أشرقت مقلتيه فاتبعت ليلى سائلة - هل حدثت أسعد ؟! هل أخبرك بأنه قادم ؟!
أجاب بخفة وهو يلتقط احدى حبات الكعك ليرميها بفمه : نعم يا ماما ولكنه بمفرده فجنى تركها نائمة.
عبست ليلى بعفوية لتهمس بضيق مكتوم : نائمة، لماذا لم يوقظها للصلاة ويأتي بها لتفطر معنا قبل أن نذهب إلى مزرعة عائلتها ؟!
تمتم عادل بعدما تجرع قنينة المياه التي أمامه : إنها عروس يا ماما طبيعي أن تكون نائمة فهذه ليلة العيد .
رمقته ليلى بعدم فهم لتهمس باستنكار : عروس ؟!! مضى على زواجها شهرين ، من تزوجت بعدها حامل بارك الله لها وأتم لها حملها على خير وهي لازالت عروس ، أم أن أخوك من يدلل ويراعي إلى أن فسد الأمر منه؟!
ارتفعا حاجبي عادل بصدمة خنقت الضحكات بحلقه ليهمس بتعجب : ماما أنت تمزحين أليس كذلك ؟! أسعد كان غائبًا الفترة الماضية أين الدلال والمراعاة بالله عليك ، ثم أنا من اخبرتك أنها عروس كناية عن نومها في الصباح ،عبست بحنق فغمز لها بعينه وهو يشير برأسه بطريقة مميزة - عروس يا ماما ونائمة وابنك كان غائبًا .
نظرت إليه ليلى دون فهم حقيقي ليزفر بقوة هاتفًا بضجر : بالله عليك يا ماما ستجبرينني أن أصارحك فأنت لا تلتقطي ما ألمح له ،
هدرت ليلى بضيق : وما الذي تلمح له ؟!
زم عادل شفتيه لينظر إليها مليًا قبل أن يهمس : إنها ليلة العيد و ولدك كان غارقًا في العسل ولولا أني أيقظته لما كان نهض وأتى وترك زوجته نائمة ،
ومض الإدراك في عينيها لتضربه بقوة فوق فخذه القريب فيتأوه ويقفز واقفًا لتصيح فيه : أنت قليل الحياء يا ولد ، ولا شان لك بولدي يغرق بالعسل كما يريد ، تمتمت وابتسامة خجول ترتسم على ثغرها - حفظه الله وحماه وبارك فيه ورزقه الولد الذي يحمل اسمه.
رفع عادل كفاه في شكل فكاهي ليهتف بتفكه : اللهم آمين يارب .
اتبعت بضيق وهي تشير له : حسنا اذهب و أت بعلبة من الداخل لأرص له الكحك ليذهب به إلى جنى لتفطر به حينما تستيقظ
رمقها بتعجب ليهمهم وهو يتحكم في ضحكاته : وتلومينه أنه يدلل ويراعي أنت من قبله تفعلين
تمتمت بسرعة : جنى تستحق الدلال والمراعاة وسأدللها و أراعيها أكثر وأكثر إنها زوجة البكري وستأتي بولي العهد باذن الله .
تعالت ضحكاته وهو يتحرك مستجيبًا لأمرها وهو يهتف بها : من رأيي اهدي له الحمام والرقاق يا ماما وامديه بالجمبري والقشريات لتساعديه على الإتيان بولي العهد .
صاحت بحنق : تأدب يا ولد كتم عادل ضحكته ليعود إليها فيجدها متجهمة بتفكير اعتلى ملامحها لتهمس إليه بعدما عاد بالحافظة البلاستيكية الفخمة : معك حق يا عادل ولكن من أين أت بالأسماك هذه الايام فجميع المتاجر مغلقة بسبب العيد .
تمتم بهدوء وهو يساعدها في رص الكعكات المرشوشة بالسكر : من رأيي اتركي الأسماك بعد العيد يا ماما وسأوصي عليها بنفسي ، اهدي فقط له غذاء وصاية من يديك ولكن بعد العيد فأنا على ما اتذكر أسعد ينتوي قضاء العيد بالمزرعة.
شحبت ملامحها لتهدر بحنق : يقضي العيد بالمزرعة لماذا ؟!
عبس عادل ليجيب دون اهتمام : كشهر عسل متأخر فانت تعلمين أنه لم يسافر مع جنى لأي مكان واراد استغلال اجازة العيد قبل أن يعود لعمله وهي الأخرى تعود لعملها .
تجهمت ملامحها برفض اغمض عنه عادل عينيه قبل أن يقفز واقفًا : حان وقت الصلاة سأذهب أنا ،
تحرك في نفس الوقت الذي دلف أسعد من الباب فيهتف عادل بمرح : وها قد أتى قائدنا الهمام، اتبع سريعًا - عايد ماما بسرعة حتى نلحق بالصلاة .
تمتم أسعد وهو يخطو نحو والدته بالفعل : أين بابا ؟!
أجاب عادل سريعًا : لم يعد بعد فهو قضى الليلة بالعمل ، هم أسعد بالسؤال فقاطعه عادل سريعًا - موني عند ايناس تستعدان للذهاب إلى المزرعة .
أومأ أسعد برأسه لينحنى نحو ليلى التي استقبلته بالأحضان والقبلات وتمسكت به قويًا كما العادة ليزمجر عادل بعد ثواني : هيا يا أسعد لنلحق الصلاة ثم بعد الصلاة عد إلى حضن لولا كما تشاء .
قبل أسعد جبينها وهو يعايدها لينهض واقفًا ثانية ويهمس إليها : سأذهب للصلاة يا ماما ،
هتفت سريعًا وهو يخطو خلف أخيه : ستأتي ثانية .
تمتم وهو يغادر فعليًا : إن شاء الله .
***
أخرجت ملابسه من صوان الملابس لتضعها أمامه بعدما حملت العباءة الصوفية التي افلتها من فوق كتفيه بعدما عاد من اداء صلاة العيد وسار قليلًا مع محمد الذي عاد أول البارحة ليقضي معهما آخر يومين من رمضان والعيد بأكمله.
ربتت على كتفه من الخلف لتهتف به : هيا لنصعد للسطح فمنة والفتيات ينتظرون عودتكم من الصلاة ، وخاصة أنك ومحمد تأخرتما عن عودة ماهر ومحمود .
ابتسم وبدا في تبديل ملابسه بهدوء : حالًا سأكون جاهزًا ولكن اخبريني أنك مستعدة للذهاب إلى مزرعة آل الجمال فنحن بعد الفطور سنتحرك على الفور ، و خاصةً بعدما رفضت أن يأتي عبد الرحمن لاصطحاب رقية حتى تقضي بعض من الوقت مع عائلة خالها وأخبرته أننا سنأتي من خلفه على الفور .
تنهدت بقوة لتهمس بضيق تملكها : نعم نعم مستعدة رغم أني كنت لا أريد الذهاب يا محمود ، فأنت تعلم أني أفضل قضاء العيد مع العائلة وأنهم ينتظروننا دائمًا وكنت أريد أن نذهب من البارحة حتى يقضي محمد على بعض من الوقت مع بقية اولاد اخواله ولكنك فاجئتني بقبول دعوة أحمد الجمال.
استدار يرمقها من بين رموشه ليسأل بجدية : تعلمين أن من وجه الدعوة لي وائل الجمال شخصيًا واتبعه أحمد وخالد بك بنفسه هاتفني ليرحب بوجودي لأجل اجتماع عائلته والتي أصبحت ابنتك جزء منها ، فلم أشأ أن أرفض الدعوة وخاصة أن المزرعة لا تبعد كثيرا عن الطريق الجديد الذي سيأخذنا للبلد فأثرت أن نذهب ثم نتحرك نحو البلدة لنقضي بقية أيام العيد كما العادة ، اتبع بتساؤل وهو يحاول أن يسبر اغوار روحها فيفهم سبب رفضها غير المبرر له - ثم طوال عمرك أنت وفاطمة اصدقاء وتلبين دعوتها على الفور والصداقة تطورت لنسب بعدما ابن شقيقتها تزوج من ابنتك البكرية فما سبب الرفض يا مديحة ؟!
تنفست بعمق لتزم شفتيها قليلا لتهمس بجدية : صدقًا يا محمود كنت أريد أن يمضي محمد طول وقته مع العائلة لعله يختار إحدى الفتيات لنخطبها له قبل أن يعود هذه المرة .
ارتفعا حاجبي محمود بدهشة ليسألها بجدية : هل حدثك محمد أنه يريد أن يخطب ؟!
رمقته بتعجب لتجيب : وهل سأنتظر أن يخبرني يا محمود ؟! أنا أريد أن اطمئن عليه بدلًا من أن تغويه إحدى الفتيات وهو بالخارج ويعود لي بعروس لا نعلم أصلها من فصلها شيئًا.
جمدت ملامح محمود بصدمة احتلت نظراته ليحدثها بهدوء : مديحة هل تستمعين إلى نفسك ؟! هل تشكين في أخلاق محمد ؟! محمد لو مضى ثلاث أرباع عمره في الخارج لن يفعل شيئًا مخالفًا أو غير لائقًا ، ثم هل هو فتاة تريدين الحفاظ عليه أو سنفرض عليه إحدى الفتيات حتى يتزوج منها ارضاء لنا.
تمتمت بضيق : من أتى بسيرة الزواج يا محمود ؟! أنا أريد فقط أن احثه للنظر إلى بنات العائلة وأن ينتقي أحدهن ليقوى على التعارف عليها بشكل افضل.
سأل بعدم فهم : وكيف سيفعلها باذن الله وهو سيعاود السفر ؟!
نظرت إليه بعتاب : عن طريق الحديث عبر الانترنت يا محمود ، فكرة سفره من عدمها لن تمنعه من التعارف على الفتاة التي سيختارها فالعالم الآن أصبح أصغر من القرى ، وهاك أنت ترى نحن نتحدث إليه وهو هناك عنك أنت من يسكن معنا في نفس البيت.
رمقها مليًا ليسأل بصوت خفيض : مديحة ، توقفي عن الالتفاف من فضلك و أخبريني ماذا تنتوين بالضبط ؟!
تمتمت سريعًا : لا انتوي شيئًا ، لقد أخبرتك عم أريد .
سأل بهدوء جاد : إذًا أنت لم تنتقي لمحمد إحداهن وتريدين أن تقربيه منها ؟!
رفت بعينيها كثيرًا لتجيب دون مواربة : بالطبع أنا أفضل أن يرتبط بامينة فابنة أخي أولى من البقية ولكني سأمنحه حق الاختيار كاملًا قبل أن أحدثه عنها ، أطبق محمود فكيه ليتراجع برأسه قليلًا ينظر إلى وجهها الذي احتقن حرجًا لتتبع بخفوت - ولكني لن أجبره أقسم لك فقط سأنبهه للفتاة فهي جميلة و رائعة واعتقد أنها تميل له ولكنه لا يراها.
رمقها مليًا ليحدثها بعتاب نضح بنبراته : وتحديدك لفتيات العائلة ليختار منهن ليس إجبارًا يا مديحة ، أن تخبريه أن عليه أن يختار ابنة خاله وتلمحي إليه بها ليس إجبارًا يا مديحة ، أن تقولبي أفكاره في اتجاه معين ليس إجبار يا مديحة ، ألم نتحدث في هذا الأمر من قبل و أخبرتك ألا تلمحي لأي من الفتاتين عن ابن خالهما أو أي فرد من آل المنصوري فهما حرتان في اختيارتهما ، فتأتي أنت وتفكري كيف عليك أن تقنعين الولد .. الشاب .. الرجل بأفكارك و رؤيتك وتريدين إجباره أيضًا ؟!
رددت بصدمة : أين هذا الاجبار يا محمود ؟! كوني أريد أن أنصحه وأخبره عن مواصفات ابنة خاله هذا لا يعد إجبار بل نصيحة عليه القبول بها أو رفضها .
تمتم بضيق : ابنك لو كان يريد ابنة خاله لكان تقرب منها .. لكان أخبرنا عنها ولكنه لا يميل إليها ولا يريد الاقتران بها وحديثك معه عنها لا فائدة منه إلا لو أشعرتيه كما أتوقع بمدى رغبتك في الأمر وأنت تعلمين جيدًا أن محمد من الممكن أن يبذل نفسه لأجلك ولأجل عيناك.
تمتمت بتلعثم ووجنتاها تتورد : بالطبع لن أجبره ولن ألمح له بهذه الطريقة .
اشتد فكه بقسوة ليهتف بجدية صارمة : حسنًا إنها لآخر مرة سأخبرك يا مديحة لا تزيني أولاد ماهر أمام أعين أولادي ولتعلمي أني على استعداد أن ازوج محمد وخديجة من خارج العائلة كما فعلت مع رقية فأنا لن اتعس أولادي بيدي لأجل عادات بالية.
هتفت سريعًا دون تفكير : وإذا أراد أحدهم أن يقترن بأحد ابناء العائلة هل سترفض ؟!
استدار إليها بعدما كان باشر في استبدال ملابسه، فيرمقها مليًا قبل أن يسأل بنبرة هادئة خفيضة اشعرتها بتسرعها في كشف حدسها إليه : من تقصدين بحديثك ؟!
هزت رأسها بعلامة أنها لا تعرف لتهمس وهي تتحاشى النظر إليه : لا أقصد أحد أنا اتناقش معك فقط ليس إلا.
أومأ برأسه متفهمًا قبل أن يتحرك دون رد ليجلس على حافة الفراش ويكمل تبديل ملابسه وهو يجيبها بهدوء : لن امنح خديجة لمحمود يا مديحة فلا تبني آمالًا واهية لشيء لن أفعله أبدًا .
اتسعت عيناها بصدمة وشهقت بخفوت لتسأل سريعًا : لماذا ؟!
رفع رأسه سريعًا ليحدثها من بين فكيه : إذًا هذا هو سبب تساؤلك عن الاقتران بأولاد العائلة؟!
تمتمت تنفي عن نفسها اتهامه : لا أقصد ولكني متعجبة من رفضك الواضح للأمر.
هدر وهو ينهض واقفًا يشرف عليها : بل تعلمين أسبابي التي أخبرتك بها من قبل وهاك أنا أرددها عليك ثانية ، ابن أخيك لا يؤمن جانبه ، ابن أخيك عنجهي ومغرور و أحمق لن يقدر قيمة ابنتي ولن يراعيها ولن يعاملها كما تستحق وكما ينبغي ، ابن أخيك متسرع وعصبي وذو لسان طويل سيؤذيها وسيهدر كرامتها ، ابن أخيك لا يستحق ابنتي وأنا لست راضيًا عنه حتى لو أتى لها بقطعة من القمر لن أوافق عليه ، لذا توقفي عن الحديث عنه أمام خديجة .. توقفي عن نفخه كطاووس و اشغالها بذيله الملون الزاهي فأنا إذا لزم الأمر سأقص ذيله و ريشه واقصف رقبته قبل أن يقترب من ابنتي .
ارتعدت بخوف وهي تجابه ثورته نادرة الحدوث لتهمس بصوت مختنق : أنا لا أفعل ولكن حسنًا لن أت بسيرة محمود نهائيًا ثانية فقط أنت لا تغضب وحتى لن أحدث محمد عن أمينة رغم أنها ..
سحب محمود نفسًا عميقًا ليهمس بجدية مقاطعًا : مديحة امينة ومحمود أولاد شقيقتي الوحيدة وأنا أحبهم كابنائي ولكن سيظل ابنائي أحب إلي من نفسي لذا سأحميهم بكامل قوتي وطاقتي إذا اضطررت لذلك ، ولعلمك أمينة في نفس مكانة الفتاتان لذا أخبرك ألا تقريبها من محمد ولا تقربي محمد منها فأنا لا أريد أن يجرحها ولدك إذا لم يحبها كما ينبغي عليه أن يفعل، فامينة تستحق أن ترتبط برجل يعشق موطأ قدميها لا يتزوجها لأجل أنها مناسبة ومن عائلته.
رفت بعينيها قبل أن تمأ براسها إيجابًا وتهمس بنبرة مختنقة : حسنًا يا محمود فهمت ، هيا حتى لا نتأخر فالجميع ينتظرونك بالاعلى.
راقبها وهي تنصرف من الغرفة يخيم الحزن عليها فيشعر بالضيق لأجل أنه احزنها في يوم العيد بصرامته واسلوبه الجاف في الحديث ولكنه بالفعل ضاق ذرعًا برغبتها في تزويج ولدي أخيها وأخته من ولديه المتبقين وإذ كان يحبذ بالفعل أن يقترن محمد بامينة إذا تأكد من رغبة ولده في الفتاة فهو يرفض اقتران ابنته بابن شقيقته الغليظ رفضًا صريحًا واضحًا أبلغ به ماهر الذي تحدث إليه في الأمر بعد زفاف شقيق عبد الرحمن ، ماهر الذي حركه خوفه أن تفلت الفتاة الاخرى من بين كفيه حينما التقط اهتمام مازن الجلي بها ، مازن الذي يدور من حول ابنته الصغيرة التي لا تلق بالًا إليه ولا تهتم لأمره رغم حب الشاب لها واهتمامه بها والواضح للجميع.
ورغم أنه يفضل مازن ويحبه بسبب طباعه السمحة وتربيته الاكثر من جيدة ولكنه يشعر بأن ابنته تميل لمن يرفضه هو رغم تصريحها الدائم برفضها لمحمود ولكنه رفض واهي مموه لا يفهم سببه ويحس بعدم الصدق في طياته.
تنفس بقوة ليرن هاتفه فيجتذبه من شروده وأفكاره فيبتسم برزانة وهو ينظر لاسم عبد الرحمن وهو يجيبه بأريحية لياتي صوت عبد الرحمن الرخيم والاشبه بصوت والده يمنحه التحية ويسأله بمشاكسة عن كون قدرته على المجيء وتناول فطور العيد معهم فيقهقه محمود مرغمًا ليهتف بترحاب : بالطبع بيتنا سينير بك يا باشمهندس ، هيا لا تتأخر فنحن سنبدأ على الفور.
ليهتف عبد الرحمن بحرج لون نبراته : أنا بالأسفل يا عماه راهنت نفسي أنك لن تردني خائبًا .
ابتسم محمود ليجيبه بجدية : ما عاش من يردك خائبًا يا زوج ابنتي هيا اصعد في الحال نحن مجتمعين على سطح البناية
***
أنتّ بوجع وهي تتكأ على حافة المغسلة بكفها الأيمن تداعب الصنبور بوهن تغسل وجهها بمياه فاترة تمسح عنها تعب القيء الذي فاجئها الآن وهي تنهي استعدادها للذهاب إلى المزرعة بعدما أدت الصلاة مع الجميع الذين تجمعوا عند الجامع كالعادة قبل أن تذهب مع زوجها لتعيد عائلته ثم يمرون على عمتها التي أصرت على تقديم الشاي والكعك المصنوع من بين يديها للجميع . لا تعلم للآن ما الذي دفع الغثيان للسيطرة عليها ودفعها للتقيء ولكن من الواضح أنه العطر الذي استخدمته والمفضل لدى عمر هو ما أثار غثيانها فاندفعت سريعًا لدورة المياه وهي تحاول التحكم في صوتها فلا تثير فزعه المتزايد عليها هذه الفترة بسبب أعراض الحمل الطبيعية التي تعاني منها .
تنفست بعمق وهي تعدل من مظهرها أمام المرآة المستطيلة تحاول أن تمحي اثار الإجهاد من فوق ملامحها ليصدح صوته مناديًا عليها قبل أن يدق باب دورة المياه ويدلف بعفوية هاتفًا : أنا بخير ، ابتسمت في وجهه وهو يتبع - أظن أني استمعت إلى صوتك تتأوهين ؟!
تنهدت وهي تبتسم من بين شحوب ملامحها الذي انتقل اليه تلقائيًا والفزع يحتل حدقتيه هاتفًا بخوف وهو يقترب منها : ما الأمر ؟! هل أنت متعبة ؟!
هزت رأسها نافية : أنا بخير لا تقلق ، ضمها إلى صدره باهتمام ينظر إلى وجهها سائلًا فابتسمت متابعة - نوبة غثيان جديدة بسبب العطر الذي ..
سحبت نفسّا عميقًا لتشعر بمعدتها تنقلب من جديد فتدفعه عنها مهرولة للمرحاض من جديد لتتقيأ رغمًا عنها وهي تئن لتهمس بصوت أبح حينما شعرت به خلفها : اخرج يا عمر من فضلك .
مط شفتيه ضائقًا ليهمهم وهو يساعدها أن تنهض ليدفعها بلطف نحو المغسلة ليساعدها في لملمة خصلاتها ويبدأ بغسل وجهها إليها هاتفًا بضيق : لن أخرج ، يكفي أنك تعانين وحدك .
ضحكت بخفة لتشاكسه بتعمد وهو يجفف لها وجهها : لست بمفردي فأنت الآخر تعاني من تقلباتي المزاجية.
ابتسم ليضمها إلى صدره يربت عليها هاتفًا : أنا مستعد لتقبل أي شيء منك إلا أن تتوحمي برفضي يا حبيبة فهذا ما لم أتحمله ، ابتسمت برقة ليكمل بمرح مشاغب - أريدك أن تتوحمين علي و ليس بعيدًا عني .
توردت وهي تختفي بين ذراعيه لتشعر بانقلاب معدتها ثانية لتهمس بوهن : للأسف من الواضح أني لابد علي الاستحمام لأتخلص من الرائحة التي تثير غثياني.
ومضت عيناه بمكر ليهمهم بصوت ابح وهو يشاكسها : كنت انتظر هذه اللحظة منذ بداية زواجنا .
عبست بعدم فهم لترفع عيناها إليه سائلة : أية لحظة ؟!
همس بصوت أبح وهو يرفعها بخفة نحوه فتصبح في مستوى طوله تقابله بوجهها : أن تدعوني إليك وأشاركك وقتك هنا .
احتقن وجهها لتهمس : عمر من فضلك سأستحم سريعًا حتى نستطيع اللحاق بهم .
انزلها ثانية وهو يبدأ بخلع حذاءه و رميه بعيدًا وهو يبدأ بخلع ملابسه بالفعل : ثقي في لن نتأخر .
***
تملصت من ذراعيه الممسكتين بها في إصرار : اتركني قبل أن يدخل علينا أحدهم
همهم وهو يجذبها إليه أكثر يريحها فوق ساقيه ويضمها الى صدره : لا أحد سيأتي إلى هنا و حتى و إن حدث لا أجد بها حرج فأنت زوجتي و أم أولادي ونحن لا نفعل شيئًا خاطئًا ، هدر باستياء – أليس من حقي أن أعايدك يا فاطمة ؟!
ضحكت برقة لتقبل وجنته وهي تحاول التملص : بلى من حقك ولكن بهذه الطريقة ، اتبعت غامزة بمشاكسة – إنه لغير لائق يا سيادة الوزير أن يدخل علينا أحد الأولاد فيجدني اجلس فوق ساقيك .
تمادت يداه في ملامستها ليداعب وجنتها بطرف أنفه : لا أرى أنه ليس لائقًا أنت زوجتي تجلسين فوق ساقي أجلس أنا فوقك لا يخص أحد آخر غيرنا .
جلجلت ضحكتها بقوة وهي تلف ذراعيها حول رقبته تداعب خصلات شعره الناعمة بلونها الأسود والذي يحافظ على لونها الطبيعي بصبغها كلما ابيض البعض منها و الواصلة لحدود رقبته هامسه : خصلاتك تريد بعض التهذيب فلقد زاد طولها عن الحد ، لتقبل وجنته الأخرى وتهمس- توقف عن صبغها فأنا أحبها بلونها الطبيعي Salt and pepper
ابتسم بمشاكسة ليهمهم أمام شفتيها : أخبريني أنك تغارين من الفتيات اللائي يغازلنني على صفحات السوشيال ميديا وجهرًا أيضًا وأنا سأصبغه ابيضًا لأرضيك
ابتسمت بمكر : بالطبع أنا أغار عليك ولكن يا جدو هؤلاء الفتيات لن يستطيعن فعل أي شيء سوى المغازلة جهرًا أم لديك رأي آخر ؟!
ابتسم باستفزاز قاصدًا اغاظتها : لماذا لا يستطيعون ؟!
رتبت على قلبه لتهمس جانب شفتيه التي مستهما برقة فأغمض عينيه مستمتعًا : لأني أنا أعلم أنك لن تنجذب لإحداهن أبدًا .
تنهد وذراعيه تشتدان من حولها : بالفعل يا حوريتي أنا ملكك أنت فقط أحبك يا فاطمتي .
قبلته بعاطفة : وأنا أعشقك .
التقط شفتيها في قبله هادئة الوتيرة ليهمس إليها : كل عام وأنت بخير ، كل عام وأنت معي تزينين بيتي وتقودين عائلتي ، لا حرمني الله منك يا فاطمة .
دمعت عيناها تلقائيًا لتهمس بصوت أبح : وحفظك لي ، تمتمت وهي تسيطر على دموعها - أصبحت عاطفية للغاية مؤخرًا.
ضحك بخفة ليهمس : ما تفعله أميرة بنا يرهق أعصابك .
تنهدت بقوة : سلمها الله وحفظها لنا
تمتم برقة : اللهم أمين يارب .
داعبته بشفتيها وهي تمس طرف فكه بهما : ستصبح جدو يا سيادة الوزير.
تمتم بمكر قاصدًا اغاظتها : كله يهون لأراك نناه يا حرم معالي الوزير
عبست بضيق لتهمس بنزق : إطلاقًا سأظل تامي ، تامي وفقط .
تعالت ضحكاته ليهمس إليها بجدية مفتعلة : إذًا يا تامي وفقط ما رأيك تعالي لأريك أني لست جدو .
جلجلت ضحكتها فيهيم بها متولهًا كعادته لتستغل ضمة ذراعيه اللتان انفرجتا عنها لتقفز واقفة وهي تشير بسبابتها في شقاوة : حينما نعود إلى بيتنا يا باشا
هدر باسمها معاتبًا لتمط شفتيها وتضمهما وكأنها ستقبله لترسل إليه قبلة طائرة وتخطو إلى الخارج مغادرة وضحكاتها تسبقها .
***
رفت بعينيها تقاوم النوم المستغرقة فيه على لمسات تباعد خصلاتها وصوته الحنون يدعوها باسمها وأسماء تدليلها وألفاظ التحبب التي يدعوها بها لتبتسم وهي تستفيق تنظر إليه وتمنحه تحية الصباح فيبتسم بسعادة مُزجت بشقاوة عينيه ويهمس بخفوت شديد : صباحية مباركة يا جنتي.
توردت وأخفضت بصرها بعفوية وهي تهمهم بكلمات مبعثره تشعر بالخجل يحتلها رغم كل ما عاشاه سويًا الشهران الماضيان إلا أن ذكره للأمر أعاد إليها خجلها . استمعت إلى ضحكته المشاغبة قبل أن يلثم جبينها بشفتيه هامسًا بعدما ضمها إلى صدره : أنت بخير أليس كذلك ؟! أومأت برأسها فاتبع بتساؤل مهتم وهو يحتضن وجنتها يجبرها على النظر إليه - لم أؤذيك ؟!
هزت رأسها نافية فاكمل مستجوبا ونظراته قلقة مهتمة : لم أكن متطلبًا ؟! عبست وهمست هذه المرة بنفي صادق فأكمل بعبوس وعيناه تغيم بندم لحظي - ولا لحوحًا في المرة الثانية
احترقت وجنتاها وعقلها يعيد عليها وصاله الثاني لها رغم تحكمه بسيطرة تامة في نفسه حتى لا يكرر الأمر في وقت قريب فلا يؤلمها إلا أن في غمرة عشقه لها والتصاقها به وجدا بعضهما ينغمسان سويًا في موجة عالية من المد و الجزر كانت هي من بدأتها حينما قبلته في لهفة هدمت حصون تعقله وأضاعت سيطرته التي كان متمسكًا بها حتى لا يرهقها كما أخبرها ، كحت بحرج لتهمهم إليه بخفوت : لو تذكر أنا من دفعتك للمرة الثانية .
اتسعت ابتسامته ليهمس متسائلًا بتفكه : أذكر ، وهل هذا شيء ينسى ، ستظل هذه الذكرى مميزة في ذهني للأبد ولن انساها قط .
نظرت له بتساؤل وملامحها تضطرب فيكمل مفسرًا: أنا سعيد لأنك أشعرتني بأنك الآخرى ترغبينني وليس أنا فقط من يرغبك .
احتقن وجهها بالأحمر القاني فابتسم لها مطمئنًا قبل أن يقربها منه أكثر ويهمس : لم امنحك مباركة العيد ، نظرت له باستفهام فأكمل بلطف وهو يأتي بشيء من جانبه - كل عام وأنت بخير يا حبيبتي .
ابتسمت باستفسار وهي تلتقط الكيس الذي مده إليها لتخرج منه ما اشتراه لها فيبتسم بعبث وهو يراقب وجهها والخجل يشكله حينما أخرجت الفستان الأحمر القصير فتنظر له بعدم فهم فيهمس بشقاوة : رأيته في مجلة خاصة بالأزياء عند موني و أوصيتها أن تبتاعه لي .. لأجلك وأتمنى أن أراه عليك قريبًا .
ضحكت بدهشة وهي تنظر للفستان الأقرب بغلالة نوم ولكنها أومأت برأسها في طاعة ليكح بخفة وهو يعتدل بجلسته لياتي بعلبة مخملية حمراء من الجارور المجاور له وهو يحدثها بأريحية : أما هذه .. تنفس بعمق ليفتح العلبة أمام عيناها فتشهق بسعادة وهي تنظر للسوار الذي أخرجه ليجذب كفها الأيسر يضعه بمعصمها بعدما لثم باطن كفها : هديتي لك لإتمام زواجنا .
نظرت للسوار الذهبي الذي زين معصمها يحمل اسميهما محفوران بخط عربي جذاب في المنتصف بمفاجأة أثارت دموعها ليكمل وهو يقبل جبينها : ستظل ذكرى ليلة العيد ذكرى احتفالنا الخاص يا جنى ، ذكرى اكتمالنا سويًا .
احتقن وجهها بقوة ليكمل بلطف : وسأظل باذن الله أهديك كل عام في هذه الذكرى هدية مميزة تليق بكونك منحتني نفسك و وهبتني اكتمال لم أكن أحظى به إلا معك .
تمتمت باسمه في نبرة باكية محشرجة ليهمس معاتبًا : لا تبكي أرجوك .
ابتسمت من بين دموعها التي بدأت تتساقط لتقترب منه تتعلق برقبته تتمسك به فيضمها إلى صدره بقوة حينما همست : أحبك أنا أحبك يا أسعد .. أحبك جدًا جدًا .. بل أكثر من جدًا ولكن لا أعلم كيف اعبر عن كم الحب الذي يموج بداخلي لك .
تشددت ضمته من حولها ليهمس بخفوت أمام شفتيها وهو ينظر إليها بعشق : وأنا أحبك جدًا يا جنتي ولكني أعلم كيف اعبر عن عشقي لك الذي يندفع بأوردتي في مجرى دمائي وتنفسي .
رمشت وهي تشعر بقبلته القريبة فهمست : ستتأخر عن صلاة العيد .
ضحك بخفة ليهمس بمشاغبة : لا لأنها انتهت .
شهقت بصدمة وهو يميل بها يعيدها إلى الفراش أسفله : الصلاة انتهت ، لم نلحق بها .
نثر قبلاته فوق ملامحها ليهمس : بل أنت من لم تلحقي بها .
تمتمت وهي تحاول النهوض : ذهبت بمفردك .
توقف لينظر إليها قبل أن يجيب : اشفقت أن اوقظك فأنت كنت مستغرقة بالنوم .
برمت شفتيها بضيق لتهمس بطفولية : كنت أريد أن اذهب إليها فأنا أحب الأجواء بعدها .
التوى ثغره بابتسامة ماكرة ليغمز لها بشقاوة : سأعوضك .
لوهلة لم تدرك معنى حديثه قبل أن تضحك برقة حينما دغدغها بأصابعه التي لامستها بخفة فتلوت بين ذراعيه لتكتم أنفاسها وهي تشعر بمجرى لمساته يختلف وشعورها به ينتفض وهمست باسمه فالتقط شفتيها مقبلًا ليهمس من بينهما : فقط لا تجفلي .
تنهدت بقوة وهي تتعلق بكتفيه تمنحه زمام أمرها بثقة تامة أنه سيكون دومًا مرفأ أمانها .
***
مستلقية فوق الفراش المبعثر ككومة من القش المحترق ، بوضعية جنين لجأت إليها بعدما انتهى منها .. نفضها عنه .. و تركها و رحل دون أن تعلم إلى أين ولا تريد أن تعلم ، لا تريد أن تدرك .. ولا تريد أن تعي . فهي تتمنى أن تفقد ذاكرتها في التو للتخلص من كل ما فعله بها .. تتمنى أن تنسى إجباره .. انتهاكه .. واغتصابه لها .. تتمنى أن تتخلص من شعورها بكم هي رخيصة .. حقيرة .. عاهرة ، أوليس هكذا يعاملن العاهرات ؟!!
تتمنى أن تكره نفسها وذاك الشعور المتزايد بداخلها ودعائها بأن تفقد الطفل الذي ينمو في أحشائها ليس لشيء سوى أن تحرق قلبه .. تفقده فرحته .. وتفصم أي رابط من المحتمل أن يجمع بينهما .
تتذكر فحيح كلماته التي انسابت داخل اذنيها وهو ينتهكها فتشم روحها بعبقه الخانق كما وشم جسده بآثاره المقرفة : إياك أن تفكري بأني سأتركك يا أسيل ، يا أنا يا الموت يا ابنة عمي .
ارتعد جسدها ودموعها تنساب مغرقة خديها في مجراها الطبيعي و كأن كثرة دموعها حفرت خندقين بهما : أنت ملكي .. خاصتي .. وجودك في هذا الحياة لاطاعتي وتنفيذ رغباتي وليس أمامك سبيل للهرب أو التمرد .
ارتجفت لتنتفض روحها فتجبر جسدها على التقوس بجوار الفراش لتتقيأ وكأنها تسكب وجعها خارج جسدها وهي تشهق في بكاء مرير واختناقها يتزايد .. تسعل لعلها تتخلص من القهر الذي يجثم فوق روحها .. و تتأوه بألم وهي تشعر بجسدها يئن وكأنها لازلت تحت وطأته .. رحمته .. و وعاء لرغبته التي سكبها بداخلها فتتقيأ ثانية وهي تخطو مترنحة بعيدا عن الفراش .. تشهق باكية .. تخطو مترنحة .. و تئن متألمة مع كل حركة بسيطة تتحركها إلى أن دلفت إلى دورة المياة الواسعة فتدور من حول نفسها بعدم اتزان .. تتخلص من بقايا قميص نومها الممزق وتتبعه بملابسها الداخلية لتقف عاريه كما ولدتها أمها تنظر في مرآة طويلة أمامها فترتجف وعيناها تنتقل بسرعة خاطفة على كدمات جسدها فتنهمر دموعها ووجعها يتجدد فتضم جسدها بذراعيها الضعيفتين وترتجف .. تهتز .. تنتفض لتقترب مرغمة من المرآة تنظر لنفسها من خلال عين واحدة والأخرى مكدومة بسبب صفعته لها.
اتسعت عيناها بادراك وهي تصل لمفترق خلاصها .. لمفتاح هزيمته .. لنقطة ضعفة ، فتتحرك بهدوء بجسدها الذي فارقته الروح منذ ليلة زواجها منه لتخرج مقص كبير ذو نصل حاد وشفيرة قاتلة لتنظر إلى نفسها نظرة اخيرة وهي تمرره ببطء على معصمها الأيسر لتبتسم وهي تشعر بالسائل اللزج يغرق كفيها ويقطر على جسدها العاري الذي تهاوى ساقطًا في بركة صغيرة من دمائها السائلة.
***
جلس بجوار عمه الذي يحتسي قهوته مجاورًا لأبيه يتحدثان بشان شيء ما يخص المزرعة ليكح بخفة مثيرًا الانتباه لما يريده فيبتسم وليد ويسبل جفنيه وهو يدرك غاية ولده ليسأل وائل باهتمام وهو ينظر إليه بعبوس : ألا زلت مريض يا عاصم ؟!
ابتسم عاصم وهز رأسه نافيًا ليجيب بصوت خشن قليلًا لازال يحمل أثار المرض الذي ألم به : لا الحمد لله أصبحت بخير يا عماه .
تمتم وائل بهدوء : الحمد لله ، حفظك الله يا بني .
اتسعت ابتسامته عاصم ليرمق عمه قليلًا قبل أن يتحدث ببساطة : كنت أريد أن أتحدث معك في أمر الجناح يا عماه ، فموعد الزفاف اصبح قريب وأريد أن آت لأباشر نَصب الغرف بنفسي واتمم كل شيء .
استدار إليه وائل بهدوء ليسأله ببرود : أي زفاف ؟!!
اتسعت نظرات عاصم بصدمة ليرمق أباه الذي أثر الصمت يراقب ما يحدث أمامه ليجيب بهدوء : زفافي .. زفافي أنا ونوران .
أومأ وائل براسه ليهمهم بجدية : أنا أرى الموعد قريب للغاية يا عاصم ومن رأيي أن تؤجلاه للصيف فلا أحد يتزوج بالربيع يا باشمهندس .
قبض عاصم كفيه ليناقشه بهدوء : وهل يوجد سبب لتأجيله إلى الصيف يا عماه ؟! فلا أنا ولا نوران ندرس لنؤجل الزفاف لاجازة الصيف ، ثم إن الوقت الذي اخترته أنا يناسبني ويناسب خطة العمل ولذا يناسب نوران أيضًا .
رمقه وائل بثبات ينظر إلى عمق عينيه في صمت ليتحدث بعد قليل : أنا أرى أن تتخلص من أمورك العالقة أولًا يا ابن أخي قبل أن تبحث عن موعد الزفاف ونَصب الغرف .
ازدرد عاصم لعابه ليرفع رأسه بشموخ يواجه عمه بتحدي سرى بينهما سريعًا : أنا أستطيع التعامل مع كل أموري يا عماه ، والتخلص منها وقتما أريد ، اقترب من عمه برأسه ليتابع بجدية - وإلا لا استحق أن أكون خليفتك يا عماه .
شبه ابتسامة ارتسمت على ثغر وائل ليهمهم بمكر استقر بحدقتيه : حسنا لنأخذ رأي العروس لو وافقتك ابدأ بعد العيد بفرش الأثاث ، استقام عاصم بجسده في اعتداد أثار ابتسامة وائل المتسليه ليهتف بجدية وهو يشير إليه برأسه - هاتفها لتأتي ونتحدث معها .
استل عاصم هاتفه ليطبع بضع كلمات سريعة ويرسلها إليها فتظهر بالأفق خارجة من البيت الكبير الذي يحتل منتصف الارض الممتدة من حولهم ، سحب نفسًا عميقًا وهو يراقب تسلية عمه المتزايدة فيشعر بانقباض في قلبه .. انقباض اقلقه .. ارعبه ولكنه تماسك بكبرياء ليبتسم برزانة في وجه عمه الذي رحب بابنته التي ذهبت لتجلس بحضن أبيه الذي جذبها نحوه فاصبحت مواجهة إليه ليهتف أبوه مقررًا التدخل لأجله على ما يبدو : عروسنا الجميل .. مدللة آل الجمال .. حبيبة قلبي ونور عيني ، اتسعت ابتسامة نوران وهي تتلقى دلال وليد بميوعة تخصها ليتبع أبوه بهدوء -اخبريني عن مخططك لاستعداد الزفاف القادم.
تلاشت الابتسامة من فوق وجهها لتعبس بعدم فهم : أي زفاف ؟!
اطبق عاصم فكيه وعيناه تومض بشرار غضب ليبتسم وليد بوجهها بينما اسبل وائل نظراته بمكر قبل أن يجيب وليد بهدوء : زفافك يا عروس آل الجمال القادمة .
ابتسمت من جديد وهي تتورد بعفوية لتجيب ببطء : آها فهمت ، لتتنهد بإحباط وهي تبرم شفتيها بطفولية - والله يا عماه ليس لدي مخطط وأشياء كثيرة تنقصني وبصراحة الموعد قريب للغاية وأشعر بكونه غير مناسب .
اتسعت عينا وليد بتساؤل تحاشت الإجابة عنه وهي تسبل جفنيها بينما اخفض وائل عيناه ببسمة فخورة احتلتهما ليصدح صوت ولده بزعقة رغم خفوتها حملت مدى غضبه : ما معنى أنك تشعري بكونه غير مناسب يا نوران هانم .
همت بالرد ليهتف وائل بجدية : هل تزعق لها في وجودنا يا ولد ؟!
أطبق عاصم فكيه ليتمتم سريعًا من بين اسنانه : بالطبع لا يا عماه ولكني لا أفهم ما معنى حديثها .
مط وائل شفتيه ليجيب بلا مبالاة : معناه كما اخبرتك أنا من قبل الموعد غير مناسب أجِله للصيف فلا ضير من الانتظار قليلًا .
تجهمت ملامحه وهو ينظر إليها بغضب مزج بلومه لها فرمشت بعينيها كثيرًا لينطق عاصم أخيرًا وهو ينهض واقفًا : المعذرة يا عماه ، لن اؤجل شيء ، و ابنتك تعتبر نفسها بإجازة مفتوحة لتكمل ما ينقصها من أشياء ، وأنا سآتي لقصر جدي من بعد العيد لأباشر الفرش وبقية التجهيزات الناقصة ، فالزفاف سيقام في موعده كما حددت معك من قبل وحصلت على موافقتك وعليه حجزت قاعة العرس وبدأت في التنفيذ بالفعل.
رماها بنظرة غاضبة فارتعدت وأخفضت رأسها تكتم ابتسامة ماكرة التمعت على شفتيها ليهدر وائل بعصبية : هل تتحداني يا ولد ؟!
رمقه عاصم وهو يقف أمامه ليجيب ببساطة : أبدًا يا عماه ، ولكن إذا أردت أن اؤجل الزفاف سأفعل ولكن لا تلومني على ما سأقدم عليه ، فكثرة الضغط يولد الانفجار وأنا اوشكت على الانفجار بالفعل ، وخاصة أن ابنتك لا تساعد في تجنب الانفجار.
صاح وليد هادرًا : ولد يا عاصم ،
ليزعق وائل بغضب : هل تهددني يا ابن وليد ؟!
نفخ عاصم بقوة : وهل اجرؤ يا عماه ؟! بالطبع لا أفعل ولكني أكون واضحًا وصريحًا معك كما طلبت مني حينما وافقت علي كزوج لابنتك ، أتذكر تلك الليلة في الساحل حينما قبلت بي ، أخبرتك أني لن اخبئ عليك شيء آخر ، سأكون واضحًا وصريحًا وهاك أنا أخبرك بكل شفافية ، أنا رجل لديه متطلباته اتجاه الفتاة التي يحبها والتي بالمناسبة زوجته فلا تضغط علي أكثر من ذلك ، أشار بيده على نوران - وخاصة أن نفس الفتاة التي ينقصها العديد من الاشياء فتريد تأجيل الزفاف تبادلني المتطلبات ولا ترأف بحالي بل وجودها من حولي يثير جنوني بدلًا من أن يهدأ الصخب بداخلي .
اتسعت عينا وائل بصدمة ليهدر وليد الذي وقف أمام ولده يدفعه بغلظة : تأدب يا ولد .
تراجع عاصم للخلف قليلًا ليجيب بجدية شديدة : صدقني يا بابا لا أقصد ان أكون قليل الأدب أو الحياء ولكني أخبر عمي الموقف كاملًا ولماذا اعارضه و اتمسك بموعد زفافي الذي يريد تأجيله دون سبب مفهوم لي .
هدر وائل بجدية وهو يرمقه بنظرات مشتعلة غضبًا : بل تعلم ، ولكنك تراوغ .
وقف وليد بالمنتصف يدير نظره بينهما ليهتف بجدية : أنا لا أفهم شيئا ، ما الذي تتحدثان عنه؟!
نطق عاصم بجبروت وهو يرفع رأسه بشموخ : لا شيء يا بابا ، رمق عمه بجدية ليجيب بثبات - أنا لا اراوغ يا عماه لقد أخبرتك أموري العالقة أنا أكثر من قادر على التعامل معها واجتثاثها من جذورها.
تطلع إليه وائل مليا ليهتف بتساؤل : وابنة عمك ؟!
اسبل عاصم جفنيه لتلين ملامحه بابتسامة لم يشأ أن يتحكم بها قبل أن يهمس بصوت ابح اوشى بعاطفته التي يحاول أن يتحكم بها : فوق رأسي يا عماه ، ستحيا طوال عمرها بين رموشي وفوق رأسي .
توردت وهي تطلع إليه بوله تبتسم إليه برقة تبثه امتنان لم يفهم مقصده بينما تبادل الاخوان النظرات بتفهم فيومئ وليد بعينيه ليزعق وائل بخشونة : تغازل ابنتي في وجودي يا ابن ال..
قاطعه وليد بسرعة ومرح : تأدب يا وائل ولا تنسى أني الكبير ، ثم هو لم يغازلها لقد تعهد أمامنا بحمايتها وعليه ، اتبع وهو ينظر لنوران - لو ضايقك يومًا ما عليك أن تأتي لي قبل أبيك وأنا سأريك ماذا سافعل به ؟!
تمتمت برقة وهي تخفض عيناها عنه : لن يفعل يا عماه ، اتبعت وهي ترفع نظرها إليه فتتشابك نظراتهما - أنا أثق بعاصم .
رمقها عاصم قليلًا قبل أن يهتف بجدية دون أن يجيبها فعليًا - بعد اذنكم ساذهب لاستقبل أسعد فهو قارب على الوصول.
استدار على عقبيه وخطى مبتعدًا ليهتف وليد بجدية الذي عاود الجلوس بجوارها بعدما غاب عن عينيه عاصم : إنه غاضب منك يا نوران .
ابتسمت برقة لتشاكسه بملامح وجهها وهي تنهض واقفة تنوي اتباعه : لا تقلق يا عماه سأصالحه فما أردته منه فعله أخيرًا .
ضحك وليد بخفة ليهز وائل رأسه بيأس قبل أن يزعق بها في خشونة : احترمي نفسك .
ضحكت برقة لتنحني نحو عمها تقبل وجنته قبل أن تقبل وجنة أباها برقة : توقف عن الغيرة يا سيادة الوزير .
جذبها وائل ليجلسها بحضنه يقبل رأسها وهو يهمس : أبدًا ، اعتني بنفسك ولا تدعي هذا الولد يرهبك .
ابتسمت برقة لتهز رأسها نافية : لا تخف أنا استطيع أن استأنسه ثم لا تقلق علي من عاصم يا بابي أنا استطيع المجابهة .
طبعت قبلة قوية على وجنته لتهمس وهي تنهض واقفة : فأنا ابنة أبي كما تخبرني دومًا .
رمقها وائل بتفهم لتشير إليهما وهي تبتعد عنهما بخطوات متمايلة كعادتها : بعد اذنكما سأذهب لأتفقد وصول أميرة .
***
رمق ساعة يده من آن لآخر ليراسلها سائلًا عن مكانهم وأين اصبحوا فلم تجبه ليزفر بقوة حينما تراءت إليه سيارة عادل التي بزغت على أول الطريق الممهد الواصل إلى مكان البيت الواقف هو فوق سلمه الحجري الفخم ، ابتسم بسعادة وهو ينظر إلى السيارات التي تتوافد من وراء بعضها ليميز سيارة آدم .. ثم سيارات آل سليمان .. ليصل في الأخير سيارة غريبة عليه توقع إنها سيارة آل الألفي وصدق حدسه بالفعل ، انتبه على اقتراب نوران التي ناولته قدح الشاي الصغير لتسأله باهتمام : أين عاصم ؟!!
رمقها بطرف عينه ليسألها بجدية : لماذا ؟!
برمت شفتيها لتشير إليه بقدح الشاي الصغير : أعددت له الشاي .
ابتسامة ساخرة زينت ثغره ليهمس إليها بجدية : ألا تعلمي أن عاصم لا يحتسي الشاي بالاكواب الزجاجية يا نوران ؟!
ارتفعا حاجبيها بدهشة لتهمس بتساؤل متعجب : لماذا ؟! أنا بالطبع لاحظت أنه يحتسي الشاي بالاقداح الخزفية المزودة باطباق أنيقة من تحتها ولكني لم اتوقع أنه رافض للاكواب الزجاجية، هل هناك سبب أم أناقة مفرطة ؟!
قهقه عمار ضاحكًا ليجيب بمرح : بل هي أناقة مفرطة ، عاصم أنيق في كل شيء ، معماري بفطرته طوال عمره لا يقدم على تصرف ليس محسوبًا بل لابد أن يكون محسوبًا بدقة ويعلم جيدًا مردوده نادرًا ما رأيته خارجًا عن طوره ، وفي كل المرات الماضية التي رأيته فيها فاقدًا لاتزانه كان السبب هو ..
صمت ليستدير إليها يرمقها مليًا فتهمس بخفوت : كنت أنا السبب أليس كذلك ؟!
رمقها عمار مليًا لترمش بعينيها وهو يكمل : عاصم لا يستحق ما تفعليه به من صغركما يا نوران ، عاصم لا يستحق أن تحرجيه هكذا أمام أباك وعمك ، عاصم لا يستحق أن تشعريه أنك مترددة بالقبول به .
عبست لتغمغم باستياء : مترددة ؟!
هل هذا ما توصل إليه مخ شقيقك العبقري ؟! أني مترددة ؟!!
هدر عمار بجدية : إذا لم تكوني مترددة ما سبب رفضك لموعد الزفاف ؟!
هدرت بضيق : لم أرفض موعد الزفاف ثم هل عاصم يحتاج أن أخبره مدى تمسكي به ؟؟!
أجاب عمار بهدوء : نعم يحتاج ، كما أنت تحتاجين أن يخبرك بعشقه وحبه هو الآخر يحتاج أن يسمع منك أنك راغبة به .. تريدينه .. ومتمسكة ببقائه .
سحبت نفسًا عميقًا لتهمس بهدوء : أنا أحب عاصم ومتمسكة به فلا تقلق يا ابن عمي على أخيك ، اتبعت وهي تشير بكوب الشاي - وهاك أنا أعددت له الشاي لأصالحه ولكنه مختفي .
ومض المكر بعيني عمار ليهمهم وهو يتحرك ليستقبل من وصلوا : ستجدينه بإحدى الغرف ذكر شيء عن تبديل ملابسه بعدما اتسخت بسبب بحثه في المرآب عن عدة الشواء ولكنه سيظهر الآن حتى يستقبل من دعاهم عمي لقضاء يوم العيد معنا .
مطت شفتيها بتفكير لتضع كوب الشاي من بين كفيها بجوار ما تركه عمار لتتجه للداخل بالفعل حتى تخبر والدتها بوصول ضيوفهم ، بينما تحرك عمار بخطوات متسارعة نحو سيارة ابن خالته الذي لم يترجل من مقعد سائقها بل من فعل هو سليم الذي يمازح أحدهم لم يتبينه بكلمات كثيرة ضاحكة ، لتجمد ملامحه بضيق استقر بعمق حدقتيه فطمس الاخضرار بهما وهو ينظر إليها تترجل من المقعد الامامي تتحدث مع سليم بصخب بينما عادل يخطو خارج السيارة من المقعد الخلفي ويبدو على ملامحه أثر النوم ليشد جسده قبل أن ينتبه لسليم الذي جاور باب المقعد الخلفي الآخر ليساعد عمته على النزول والتي كان من الواضح تجلس بجوار عادل في الخلف.
قبض كفيه واطبق فكيه ليسيطر على غضبه الذي اشتعل بعينيه ليرسم ابتسامة لبقة وهو يقترب منهم يهمس بالتحية وبترحاب رزين يصافح عادل ويومأ برأسه لسليم يقبل رأس خالته ليقف أمامها فيمد كفه إليها فتصافحه بحسن نية أدركها بسهولة حينما جذبها فاستجاب جسدها بسهولة على غير العادة لترتطم بصدره فيضمها بلطف ويقبل وجنتها هاتفًا بخفوت : عيد سعيد عليك يا مونتي.
دفعته في صدره بضيق سكن حدقتيها لتهمس بغضب مكتوم : هل جننت ؟!
رمقها من بين رموشه ليتمتم من بين فكيه وذراعه الذي التف حول خصرها يتمسك بها بقربه إلى جواره : لم تري جناني بعد يا ابنة الأمير .
اتسعت عيناها بصدمة التقطها عادل المراقب بصمت ليس من عادته فغض الطرف عن ابن خالته الغاضب وهو يدرك سبب غضبه الذي صدح في صوته المختنق بغيرته : تفضلوا ، المزرعة نورت بكم .
رمقه سليم من بين رموشه وعيناه تستقر على كفه المحتضن خصر يمنى الغاضبة على ما يبدو ولكنها آثرت الصمت فالتزم هو صمتًا غير راضيًا بدوره وهو يساند عمته التي تحركت بخطواتها البطيئة والتي هتفت بعمار : أين أمك يا عمار ؟!
هتف عمار بهدوء : تنتظرك بالتعريشة يا خالتي ، نحن جميعًا هنا من البارحة ،
هزت ليلى رأسها بمعرفة لتهتف به : أخبر الخادمات بتفريغ ما بحقيبة السيارة ،
أومأ برأسه إيجابًا وهو يفلت من سكنت إلى جواره لتبتسم ليلى باتساع وهي تسمع الترحاب الذي صدح من فاطمة التي اقلبت عليهم وتتبعها نوران التي انتبهت ليمنى فتوجهت نحوها لتتبعهما ياسمين التي وقفت في استقبال جميع من حضر قبل أن تشير إلى يمنى أن تذهبا مع نوران فهي ستنتظر وصول إيناس والبقية . في حين بزغ عاصم من العدم ليرحب بسليم ويصحبه في حديث ودي للداخل ، تحت نظرات عمار المشتعلة بغضب لم يقوى على التحكم به ولكنه تحرك بجوار عادل ليسأله بجدية : أين أخوك وعمو أمير ؟!
ابتسم عادل بهدوء وهو يفتح حقيبة السيارة رباعية الدفع خاصته : عمو أمير لم يظهر من البارحة وهاتفه الشخصي مغلق ، أما أخي العزيز اختفى بعد صلاة العيد ولم يمر على لولا في طريق عودته وعليه لولا أمضت الطريق باكية وأنا وسليم ويمنى نحاول مراضاتها ولكن افتقادها للأمير ونسخته المصغرة ترك بها عظيم الأثر .
رمش عمار بعينيه ليؤثر الصمت بعدما أمر العاملات اللئي بدأن في افراغ حمولة سيارة عادل لينطق اخيرًا بصوت غاضب : إذًا سليم كان معكم طوال الطريق .
رمقه عادل مليًا ليجيب ببساطة : كما كان معنا طوال عمرنا يا عمار ، هل نسيت أنه ابن خالي لو لا تذكر ؟!! سليم فرد مؤثر في بيت الأمير ، مكانته تضاهي مكانتك وغلاته بنفس مقدار غلاتك ، وليس من الطبيعي أنك كلما رأيته جوار موني تغضب وتغار بهذا الشكل .
هدر عمار بخفوت غاضب : كان يجاورها الجلوس يا عادل ، يجلس أمام المقود وهي بجواره وكأنها تخصه .. كأنها لا تنتمي لآخر من المفترض أن تراعي غيرته عليها أو غضبه منها .
عقد عادل ساعديه أمام صدره ليرفع إحدى كفيه يسند ذقنه لابهامه بينما يضع سبابته فوق شفتيه في علامة للتفكير الذي نبض بعينيه قليلًا قبل أن يهتف بعدم تصديق : هل جربت أن تتحدث مع طبيب نفسي في هذا الأمر يا عمار ؟! تطلع عمار إليه بذهول لم يؤثر في مقدار غضبه ليتبع عادل بتفكه – لأني اشعر بأنها حالة مستعصية يا ابن خالتي وأنت لست بقادر على علاجها ، ولولا أني شعرت بحالتك المستعصية لم أكن لأغفل عنك وأنت تحتضن شقيقتي أمامي وتجبرها على المكوث بجوارك بل وتجرؤ أن تضغط على خصرها بكفك .
شد عمار قامته وعيناه تومض بتحدي وهو يرفع رأسه بكبرياء : إنها زوجتي ، وأنت لست من حقك الاعتراض يا عادل .
مط عادل شفتيه ليهمهم بجدية : إذًا تصرف على هذا الأساس يا عمار ، اقتنع أنت من داخلك أنها اصبحت لك .. تخصك .. وأنها لن تتركك أو تهرب منك ، وجود سليم إلى جوارها يماثل وجودي بجوارها ، فسليم أو أي آخر من المفترض ألا يشغل بالك وجوده من عدمك لأن يمنى اصبحت تنتمي لك ، اقتنع بها وستجد أن الامر حل ، فالتصرف بعلنية عن كونها أصبحت ملكك لن يمنحك الارضاء الذي تحتاجه يا عمار ، واخبارك للجميع أنها تخصك وأنت لست مقتنعًا بقرار نفسك أنها لك لن يساعدك ، يمنى تحبك يا عمار وإلا لم تكن لترتضي بهذه الطريقة التي عاملتها بها أمامنا ، وأنت تدرك جيدًا أنها لو كانت كسرت ذراعك ما كان لامها أحد حتى الأمير لم يكن ليحرك ساكنًا ، فهي ليست الفتاة التي تعامل بهذه الطريقة غير الراقية ، ليست الفتاة التي تشعرها بأنها ملكك أو ممتلكاتك ، وصدقني أنها لن تمرر الأمر بهذه السهولة فقط هي حافظت على ماء وجهك أمامنا ، لكن أنت تعلم جيدًا أن غضبها قادم لا محال .
تمتم عمار بحنق : أليس من حقي أن أشعر بالغيرة ؟!
ابتسم عادل ساخرًا ليجيبه : لم تكن غيرة ، كان إعلان ملكية يا عمار ، زفر عمار بقوة ليصر على أسنانه بقوة فيتبع عادل بسخرية وبسمة هازئة – التجئ لطبيب المجانين يا ابن خالتي ستجد حلًا .
اغمض عينيه وهو يحاول أن يبحث عن هدوءه النفسي الذي تبخر ليهتف عادل بمرح بعدما أغلق صندوق سيارته الذي فرغ : تعال لننضم إلى البقية فمن الواضح أن أسعد سيتأخر هو وعمر الذي تخلف عن الركب أيضًا .
ابتسم عمار مرغمًا وهو يسبل جفنيه ليتحدث عادل بجدية شديدة : عمار ، انتبه إليه عمار ليكمل عادل – الآن أنا أتحدث معك كطبيب نفسي ،
أومأ عمار برأسه وهو يترقب ما سيحدثه به عادل : أخبرني بالله عليك كيف علي ان اقنع خالتك بأن ولدها تزوج وأن له متطلبات كثيرة الآن في الحياة غير أن يأكل وينام وأن عليه طوال فترة اجازته أن يمكث بجوار زوجته لا بحضنها فأنا قاربت على أن أكون وقحًا و أخبرها بجدية أن أسعد حينما يتغيب هكذا ولا يجيب هاتفه فهو مشغول بما هو أهم .
انفلتت ضحكات عمار رغمًا عنه ليجيبه : وأنت ما شاء الله عليك مؤدب ،
هز عادل رأسه نافيًا وهو يجيب ببساطة : أبدًا ولكني التزم الأدب حتى لا يعلقني الأمير من قفاي أو الأسوأ يقتلني أسعد ، قهقه عمار ضاحكًا وعيناه تدمع وخاصة حينما اتبع عادل بهستيريا مفتعلة –ولكني أقسم بالله كدت أن افقد عقلي بسبب بكاء خالتك الذي لا أفهم سببه .
تمالك عمار ضحكاته ليكح بخفة وهو يهمهم : لم تراها يوم عودتك من السفر هي وشقيقتك المصونة التي كانت تبكي بدورها لأنك غادرت سريعًا ولأن أسعد لم يبقى معهما كما المفترض أن يكون .
اتسعت عينا عادل بصدمة ليهز عمار رأسه مؤكدًا : اينعم ، موني تغار عليكما بنفس المقدار والكيفية يا دكتور .
لوى عادل شفتيه ليهمهم بعفوية : لذا كانت تبكي قبل أن ننصرف حينما علمت أنه غادر دون أن يعايدها ، انتفض فكي عمار ليبتسم عادل ويسبل اهدابه ليربت على كتفه بمساندة : بدأت افهم حالتك وبدأت أشعر بالشفقة عليك .
ابتسم عمار ساخرًا ليكمل عادل : فقط تذكر أنها تحبك يا طبيب المجانين ، أومأ عمار برأسه متفهمًا ليتبع عادل بصوت تعمد تضخيمه وهو يدفع عمار بلطف - وتذكر أني التزم بحدودي القصوى وأنا ارددها على مسامعك يا ابن الجمال .
تعالت قهقه عمار ثانية ليدفع عادل بلطف مشاكس قبل أن يسيرا متجاوران يستقبلون البقية ثم ينضموا إلى البقية .
***
خطى برواق المشفى الطويل يحفه رجال حراسته يتمتم بدعاء مكثف لمن يرقد بغرفة العمليات لم يطمئن عليه للآن ، والذي كاد أن يحترق في مجلسه لأن وقته لم يسعفه للذهاب إليه فهو منذ أن اُبلغ بهروب الآخر وهو باجتماع مع مرؤوسيه وقادة الصف الأول لوضع خطة لمنع هروبه والايقاع به وخاصة مع اصابته التي أكدها حسن.
حسن الذي يتماسك بالكاد و رغم أنه أصدر أوامره له بالراحة والعودة إلى منزله إلا أنه لم يستمع وأتى إلى المشفى يرقد أمام غرفة العمليات يموت خوفًا على صديقه حتى إن دارى خوفه هذا في عصبيته وضيقه وصياحه الغاضب على العساكر المكلفة بالخدمة أو معاونيه من الضباط ، زفر أمير بقوة وهو يقترب من مكان وجوده ليقف الجميع بانتباه ما عداه الذي لم ينتبه إلى وصوله إلا بعد وهلة فانتفض واقفًا وهو يرف بعينيه في عصبية وضيق سيطر على ملامحه.
هتف أمير بجدية : استرح ، ارتخى الجميع بعدما أدوا التحية العسكرية لينظر أمير من حوله فيبتعد الجميع إلا هو وحسن الذي لم ينظر إليه بل ظل محتفظًا بملامحه الجامدة بحزن سكن عينيه ليهمس أمير بجدية : اجلس يا بني فأنا أريد الحديث معك .
أومأ حسن بطاعة وهو يعاود الجلوس ليجاوره أمير جلوسًا ليسأله بهدوء : لماذا لم تغادر ؟! زم حسن شفتيه ليجيب بصوت أبح : ولماذا أفعل ؟! تنهد أمير ليحاوره برقي : اليوم العيد يا حسن ، اذهب إلى بيتك وبدل ملابسك واسترح في فراشك يا بني.
التفت برأسه ينظر إلى أمير وعيناه تتلألأ بحزن أثار حنان أمير له ليهمس باختناق : عيد ؟!! العيد انتهى قبل أن يبدأ يا سيدي ، العيد فقد رونقه مع إصابة علاء ، كيف علي أن استرح أو انام وأنا أعلم أن بنات صديقي وأخي لا يشعرون الآن بطعم العيد لاختفاء أبوهم ، كيف انام واسترح وأنا أعلم أن زوجة علاء والتي تحتضنني كأخيها والتي أعدها كأختي فهي ابنة خالي الصغيرة لن تبتسم اليوم إلا حينما يطل عليها علاء بابتسامته المشرقة .. كيف علي أن اجيبها وأنا الأكثر معرفة بأنها تتصل بي لتسألني عليه فهو تغيب من البارحة وفقدت اتصالها به .. كيف علي أن اعايدها بابتسامة نادرة كما تخبرني دومًا وأنا أموت هلعًا على زوجها ألا يعود لها ، كيف علي أن أفعل أيا من هذا يا سيدي وأنا اعلم أنه من الممكن ألا ينجو علاء ويعود إلينا ؟!
ربت أمير على ساقه القريبه منه ليهتف بجدية ورزانة : بعد الشر عنه سينهض سليمًا معافى وسيعود لعائلته بإذن الله .
تمتم حسن بخفوت راجيًا لله ليهدر أمير بحزم : عد إلى البيت يا حسن احصل على حمام ازل به أثار ما حدث و بدل ملابسك وعد إلى علاء الذي سيكون بخير بإذن الله .
اختنق حلق حسن برفض ليهمس بجدية : استحلفك بالله يا سيدي اتركني هنا إلى أن اطمئن عليه ، تمتم أمير متسائلًا : وبعدها ؟! تمتم حسن بهدوء : وبعدها سأنفذ الأوامر كاملة .
أومأ أمير برأسه موافقة ليرحمهم الله من الانتظار والباب العريض يفتح أوتوماتيكيًا ويخرج منه الطبيب الذي هرع إليه حسن سائلًا فيهتف بجدية : الحمد لله لقد انقذناه وسينقل الآن لغرفة الافاقة حمد لله على سلامته .
زفر حسن بقوة ولسانه يلهج بالدعاء والشكر لله ليقترب الطبيب من أمير وهو يدرك هويته ليحدثه سريعًا عن وضع علاء ليشكره أمير برزانة قبل أن يهتف باسم حسن الذي هتف مجيبًا : سأغادر يا سيدي وسأعود في موعد الزيارة .
أومأ أمير برأسه ليشير بكفه إلى مهيب الذي اقترب منه فهتف إليه ببعض من الأوامر قبل أن يهتف به : سأغادر أنا يا مهيب وفي حال إذا حدث أي شيء لا تتردد أن تهاتفني .
تمتم مهيب : أمرك يا سيدي ، عيدكم سعيد بإذن الله .
تمتم أمير ببسمة حانية : علينا وعليكم يا مهيب بك .
شد خطواته وقائد الحرس يتصل بالموكب الذي ينتظره بالخارج ويحدد وجهتهم الذين سينطلقون بها.
***
زمت شفتيها بضيق وتأففت بطفولية وهي تقف بجوار عمار الذي يساعد في رص طاولة الطعام : أكره هذه الرائحة لا أعلم كيف تستطيعون تناوله كطعام ؟!
رد بمرح ساخر : لا تجلسي بجواري إذًا ، فلتذهبي وتجلسي بالاتجاه الآخر من الطاولة بعيدًا عن من سيتناولون الفسيخ .
زمت شفتيها بضيق ونظرت إلى الطاولة الكبيرة من أمامها ، والمكونة من عدة طاولات مستطيلة طويلة مضمومة إلى بعضها لتصنع مائدة كبيرة تضم جميع المتواجدين لتهمهم بضيق : ولكني أريد أن اجلس هنا.
رمقها بطرف عينه قبل أن يبتسم باستفزاز : لماذا يا نوران ؟! ما سبب تمسكك بالجلوس هنا؟!
مطت شفتيها وعيناها تنضح غيظًا : لا شأن لك ، ابعد فقط الطبق بعيدًا عني فالرائحة مميتة
حمل الطبق بين كفيه ليقربه من أنفه ويشمه ببطء متلذذًا : إنها لأجمل رائحة ، تشبه العطر أنت فقط من لا يفهم مدى روعتها .
تقلصت ملامحها بقرف لتتمتم : ياكي ، لطالما كنت مقرفًا .
رقص لها حاجبيه بمشاكسة : لا اهتم لا بك ولا برأيك يا ابنة عمي ، ثم إن عاصم أيضًا يحبه لم اسمعك تعنتيه بالمقرف ؟!!
تلعثمت قبل أن تهتف باستياء : عاصم يأكله ولكنه لا يفضله ، بل هو يفضل سمك الرنجة أكثر مثلي ، أما أنت فبني ادم غريب ، أتذكر أنك كنت تتشاجر مع آنطي ياسمين حتى تأتي لك به في غير مواعيد أكله الرسمية .
انفجر ضاحكًا وهو يعيد الطبق ثانية على المائدة : اعجبتني مواعيده الرسمية هذه من يستمع إليك يظن أنني ارتدي له التوكسيدو ، بينما كل ما يحتاجه الفسيخ أن استفرد به ولا ثالث لنا ، اتبع غامزًا بشقاوة وبلغة انجليزية منغمة – رجل لرجل إلى أن أصاب بالتخمة .
قفزا حاجبيها بدهشة والصدمة ارتسمت على ملامحها لتهمهم : أنت غير معقول أنا لا اصدقك
غمز بعينه وهمهما بمرح : لا صدقيني ، في الماضي لم أكن أحبه ولكن حينما أدركت قيمته عشقته .
القاها بنبرة خاصة وهو يرمق الأخرى التي ترص بعض الاطباق فوق المائدة فلم تعيره اهتمامها ليتنهد بقوة حينما انصرفت دون أن تحيد بعينيها إليه فهي غاضبة منذ الصباح ، بل تتحاشاه وتنشغل مع الجميع ما عداه لدرجة أثارت تساؤل أبيه الذي حاول أن يفهم ما الذي حدث جعل يمنى غاضبة فأجابه هو بهدوء أنها ضائقة لتأخر أسعد الذي انتصف النهار وهو لم يظهر للآن ، رغم وصول عائلة عمه أحمد وعائلة المنصوري أيضًا ، نفخ بقوة وهم باتباعها ناويًا أن يراضيها ولكنه توقف على كف اخيه ، العابس والظاهر غضبه على ملامحه رغم محاولته الاخفاء - الذي حط فوق ساعده ليهمس بجدية : لا تذهب خلفها يا عمار ، المكان ممتلئ على آخره وموني غاضبة من الممكن أن تحرجكما سويًا بردة فعلها الغاضبة ، زم عمار شفتيه غير راضيًا فأكمل عاصم بهدوء – الأمر يريد هدوئك واتزانك فكر جيدًا يا طبيب المجانين ستجد حلًا .
هز رأسه بتفهم قبل أن يلتفت إلى أخيه ويحدثه بعينيه عمن تقف خلفهما بتوتر غلفها وظهر في تشنج حركة جسدها ليسبل عاصم عينيه دون رد فيتنحنح عمار ويهتف بمرح : سأذهب لأت بقية أطباق الطعام .
ابتعد عنهما ليعم الصمت عليهما قبل أن تقرر هي ان تقطع الصمت السائد بينهما وتسأله بوضوح : هل ستظل غاضبًا يا عاصم بك ؟!
رمقها بطرف عينه دون أن يوليها اهتمامه الكامل ليجيب ببرود : من أخبرك أني غاضبًا ؟!
ابتسمت ساخرة : لا أحد يكفي أن يتطلع أي شخص لوجهك وهو سيرى العبوس يزينه .
التفت إليها ليسأل بهدوء : أليس من حقي ألا اغضب يا نوران وأنا اشعر بك تتلاعبين بي ؟!
تحركت ببطء تدون منه لتقف على مقربة بسيطة منه ترفع رأسها تنظر إليه بعينيها المغويتين بفطرتها : هل تشعر بذلك حقًا ؟!
قبض كفيه حتى لا يضمها إلى صدره فيتمسك بغضبه الذي نضح بنبراته الهادرة : كنت البارحة بين ذراعي يا نوران ، قضيت الليل بجواري تحت تعريشة العنب نتحدث ونمزح ونتفق على ما سنفعل الأيام القادمة ، غفوت فوق صدري ولولا أني تمسكت بكل ذرة تعقل املكها لكنت نلت ما تصبو إليه نفسي ولم تكوني لتعارضينني بل كنت ستقبلين بي ، وستسعدين معي ، فأنت ترغبين بي كما ارغب بك ، لتفاجئينني صباحًا عن رغبتك في تأجيل الزفاف وكأنك مترددة في اتمام زواجنا .
تمتمت سريعًا : لست مترددة و لا أرغب بتأجيل الزفاف لقد جاوبت عمي حينما سألني عن الاستعدادت ولم أكن أعلم بنية بابا في تأجيله ، رمقها مليًا من بين رموشه لتتورد وجنتاها وتتحكم في بسمة محرجة وهي تقرأ نظراته التي تنعتها بالكاذبة – بالطبع أنا أرغب بك يا عاصم ولكن هذا لا يمنع أني خائفة .
مط شفتيه يحاول أن يسيطر على غضبه ليهمهم متهكمًا : مما ؟! أعدك أنك لن تشعري بشيء .
ضيقت عيناها بعدم فهم حقيقي لينظر إليها دون أن ينطق فتدرك معنى حديثه فيحتقن وجهها بقوة وتهتف بضيق : أنت وقح وقليل الأدب .
احنى رأسه قليلًا ليهتف بعبوس جاد : حقًا ؟! تمتم بضيق – إذًا سأتوقف عن وقاحتي وقلة أدبي واعتذر عنها .
نفخت بضيق لتغمغم : ما بالك يا عاصم ؟! هل تريدنا أن نتشاجر فقط ؟!
هز رأسه نافيًا : أبدًا ، إنه يوم العيد وكان في مخيلتي مختلف كثيرا ، بل إن أيام العيد كلها كانت تدور في مخيلتي بصخب وجودي معك ، كنت أريد أن اصالحك .. أدللك .. و ارضيك على قدر استطاعتي لاعوضك عم فعلت معك و ازيل الحزن الذي تسببت لك به ولكن أنت ..
سحبت نفسًا عميقًا و رفعت عيناها تتوسله ببراءة ذكرته بها وهي صغيرة : أنا ماذا ؟! رف بعينيه وهو يحاول السيطرة على مشاعره الثائرة لتكمل هامسة ببراءة – أنا أحبك يا عاصم وأريد أن اجاورك ما تبقي من عمري و اكونه معك .
هل انتفض قلبه أم يخيل له ، يبحث عقله عن غضبه العارم منها ولكنه لم يجد أي شيء سوى لهفته جارفة لها ، رغبة حارقة تتلبسه في الاقتراب منها احتضانها وتقبيل شفتيها إلى أن تتوسله أنفاسها التي سيمنعها عنها .. قلبه يزأر بوحشيه في المطالبة بحقوقه عليها وجسده ليس أقل رغبة في وجودها بين ذراعيه وأن يلصقها به ، اغمض عينيه لثوان يتمسك بظهر الكرسي الواقف خلفه ليهدأ من بعثرته التي نجحت في إثارتها دون أن تبذل أي جهد ليزفر نفسه ببطء يسيطر على أنفاسه اللاهثة ليسألها بهدوء : وخوفك مني ؟!
رفعت كفيها لتلامس صدره من فوق سترته الصوفيه الخفيفة : أنت تعهدت أمام بابا وعمو بأنك ستحملني بين رموشك يا عاصم .
قبض على كفيها بكفيه ليسأل بخشونة : وهل كنت تنتظري أن أتعهد أمامهم يا نوران ؟!
اسبلت جفنيها لتجيب بصدق : لا ، ولكن كنت محتاجة أن اطمئن بابا يا عاصم ، فإذ لا تدرك أن بابا يعلم ..
قاطعها بضيق – نعم أدرك أنه يعلم ، بالطبع يعلم بوجود الحقير هنا وأعتقد انه عرف بزيارته للمؤسسة أيضًا .
ارتجفا كفاها بين كفيه ليضغطهما بلطف وهو يهزها بلطف أن ترفع نظره إليه ليسألها بجدية : أنت خائفة بالفعل ؟!
رمشت بعينيها كثيرًا قبل أن تجيب بخفوت : أنا لا استطيع مجابهة القسوة بعينيك يا عاصم ، لا أقدر ولا أريد أن أتخيل أن تقسو علي بهذه الطريقة .
لانت نظراته بحنان ليهمس وهو يقربها منه أكثر بعدما احتضن مرفقيها براحتيه : أنا لن اقسو عليك يا نوران ،رمقته بشك سطع عفويًا بنظراتها ليختنق حلقه بضيق تملكه ليتابع بصوت أبح - لن أفعل ثانية ، أعدك بذلك .
ابتسمت بتوتر واخفضت عيناها ليزفر بضيق فتهمس بخفوت تحاول أن تبدل مجرى حديثهما : هلا جلست إلى جواري ؟!
عبس بعدم فهم لتتبع بثرثرة عفوية بعدما عضت شفتها السفلية بحرج – أريدك حينما تجلس على طاولة الطعام أن تكون إلى جواري تعلم أني لا استطيع أن اتناول الرنجة جيدًا وصدقًا أنا اشتاق إلى أكلها كثيرًا وإذا لم اجلس بجوارك لن أكل جيدًا .
ابتسم وهو ينظر إليها بدهشة اهتمامه بها يعلن عنه بوضوح في كفه الذي احتضن مرفقها القريب ليهمهم بحنان : بالطبع سأفعل من الواضح أنك جائعة.
اشرقت ملامحها بفرحة طفولية وهي تمأ برأسها إيجابًا لتجيب بعفوية : جائعة كثيرًا .
ازدرد لعابه ببطء ليهمس بخفوت : إلام ؟!
خلصت مرفقها من كفه لتهمهم بخفوت : توقف عن وقاحتك .
ضحكة خافتة انسلت من بين شفتيه ليجيبها : حسنًا لا تبتعدي عني إذا أردت أن اطعمك اليوم يا برتقالتي .
همهمت وهي تقترب منه خطوة واحدة : لن ابتعد أبدًا يا عاصم .
جف حلقه تمامًا ليقبض على مرفقها ويهمس بخفوت وهو يجذبها معه إلى الداخل : تعالي .
نظرت إليه بارتباك ولكنها طاوعت خطواته المتسارعة لتشهق بخفوت وتهمس باعتراض حيي حينما دلف بها إلى غرفته التي يقيم بها : ماذا تفعل يا عاصم ؟!
اغلق الباب عليهما ليهمس بصوت أجش ورغبته تومض بعينيه : أروي بعضًا من ظمأي يا برتقالتي .
شهقت بخفة حينما ضمها إلى صدره ليقبض عليها من الخلف يلصقها بصدره العريض وهو يقبلها بلهفة عارمة جرفت وعيهما سويًا وهو يدفعها ليحتجزها بين جسده وباب الغرفة المغلق بجسدها !!
***
__ واااو يا عمتو الفسيخ يجنن سلمت يداك
القاها سليم الذي انحشر بالطبخ مجاورًا لعمته التي تشرف على رص الاطباق بنفسها في عفوية تميزت بها ، ابتسمت ليلى برقة وهي تربت على كتفه بأمومة : سلمت وعشت يا بني
هتفت يمنى بنزق وهي تسحب طبق الفسيخ من تحت يده التي كانت امتدت لتعبث به : توقف يا سليم ، ستقضي على الفسيخ فلا نجد ما نؤكله
ابتسم بمشاكسة : سأترك لك الفسيخ باكلمه لترضي عنا يا جميل يا طعم .
ضحكت ليلى برقة لتتأفف يمنى بضيق : توقف عن المزاح ، حتى لا اشكوك لبابا او الأسوأ أخبر عروسك أنك تشاكسني .
ضحك بخفة ليجيبها بغرور : عمو أمير يحبني ويعلم جيدًا أني امزح معك ، وجيجي لا تغار بهذا الأسلوب المرضي الذي يتميز به الجميع ، رمقته باهتمام فيكمل وهو يتحاشى نظراتها - لكن هذا كله لا يمنع أن اترك لك حصتي من الفسيخ لو اردتها
ابتسمت برقة لتجيب بأريحية : لا أريدها ، عبس بتعجب فأكملت بمرح - لأني سأتناول حصة أسعد لأنه لا يحبه كما تعلم .
أومأ برأسه متفهمًا : حضرة الضابط يخاف على صحته .
ضحكت يمنى بمرح : كان عليك أن تراه حينما قررت ماما ان تعد الفسيخ بالمنزل والمنازل المجاورة ، ترك البيت وهرب وكان كاره للمدينة باكملها
تعالت ضحكات سليم ليجيبها بأريحية وهو يتكأ بإحدى ساقية على طاولة مطبخ رخامية تقع بجانب المطبخ الواسع : تخيلت منظر أسعد المتأفف وصدقًا معه حق وخاصة أنه لا يحبه ، فبالتبعية لن يطيق رائحته فقط لو يتذوقه مرة واحدة وخاصة ذاك الذي تعده عمتو إنه رائع يا عمتو سلمت يداك ، اتبع بغمزة مشاكسًا – تعلمي شيئًا حتى ينفعك العلم عندما تتزوجي من دعت له أمه في صلاة الفجر ليرزق بك .
قلصت وجهها بسخرية : تقصد دعت عليه .
ضحك مشاكسًا : بل دعت له يا موني ، رمقته باستياء فاتبع بمنطقية – بالطبع انطي ياسمين دعت عليه بعض اللحظات وهذا سيكون أجمل لماذا ؟!
نظرت إليه باهتمام فاكمل بمرح : لانه حينما يتذوق المخلل سيدرك طعم العسل يا عسل .
ضحكت رغمًا عنه لتهتف ليلى الضاحكة : أنت مجرم يا سليم .
اقترب من ليلى ليضمها من كتفيها يقبل جانب رأسها : حبيبتي يا عمتو .
همت يمني بالرد عليه ولكنها صمتت حينما قاطعها صوته الحاد بنبرة سخرية واضحة : ما كمية العسل التي تقطر منك يا بني ، ألا تخاف بعد الشر عنك أن تصاب بمرض السكر ؟!
رمقته بتحدي بينما التفتت ليلى تنظر إليه بابتسامة متوترة ، بينما ابتسم سليم بمكر و هتف قاصدًا استفزازه : لا تخف سأتناول بعض من الملح ثم بعض من السكر ، فموني تستطيع طهو الاصناف الحادقة والحلوى أيضًا
جمدت ملامح عمار وهو ينظر إليه مطولًا قبل أن يتحدث بهدوء شعرت معه بالخطر : ابلغنا بم تحب من الطعام لتعده يمنى لك حينما ندعوك عندنا بالبيت ، صمت قليلًا قبل أن يتبع ساخرًا - إذا دعوناك من الأساس .
ضحكة خافتة مستفزة انفلتت من بين شفتي سليم ليجيبه بتحدي : لن انتظر دعوة لازور بيت أختي وابنة عمتي يا عمار بك .
تمتمت ليلى سريعًا وهي تحاول ان تفض الاشتباك الذي تشعر به ولا تفهم سببه : بالطبع يا سليم ، أنت مرحب بك في أي وقت ويمنى كحبيبة بالضبط لا فارق بينهما .
أطبق عمار فكيه ليهتف بجدية : بالتاكيد ستنير بيتنا يا سليم بك .
لا يدري لماذا نطقها كما تدعوه بها يمنى ليبتسم سليم بمكر ويخفض عينيه بتسلية واضحة ليشعر هو بغضبه يتزايد ليهتف بجدية وهو يتحدث إلى خالته : ماما تريدك بالخارج يا خالتو ، وتخبرك أن تتركي كل شيء حتى لا ترهقي نفسك ،
هتف سليم بجدية : معها حق يا عمتو ، هيا تعالي لنجلس قليلًا حتى لا تتعبين ولنستقبل الأمير الذي قارب على الوصول أيضًا .
ابتسمت ليلى بتوتر وهي تمأ برأسها في تفهم لتنظر إلى ابنتها التي عقدت ساعديها ونظرت إليه بتحدي فتهمس باسم سليم في خفوت وتتبع : حسنًا سر معي للخارج يا سليم .
لوهله انتظر أن يرفض سليم دعوة ليلى في الانصراف معها لكن رغم وقفة سليم المشدودة بصلابة وجدية ملامحه وعيناه التي تطلعت نحو يمنى التي تقف بعيدًا عن الجميع إلا أنه أستجاب لعمته وخطى إلى جوارها وانصرف معها بخطوات واثقة بعد أن نظر ليمنى بسؤال أجابته بهزة من رأسها فتحرك مبتعدًا عنهما
__ ماذا الذي حدث الآن ، هدر بغضب فلم تعيره اهتمامها فيصيح بحدة - اجيبِ.
رفعت نظرها إليه ببرود : ماذا حدث ؟!
قبض كفيه يحاول أن يسيطر على اعصابه دون جدوى : ما حدث بينك وبين سليم الآن !!
ردت بلا مبالاة : لا أفهم عم تتحدث .
ضرب الطاولة بكف يده في فقدان سيطرة تام : إنه يحدثك بعينيه وأنتِ تومئ له براسك ،
نظرت إليه مليًا لتهمس بخفوت حاد : أهدئ قليلا ولا تفقد أعصابك بهذه الطريقة فهذا مضر لصحتك يا عمار بك .
اقترب منها بتهور وجسده مشدود بغضب : لا تثيرين استفزازي من الأفضل لك يا يمنى
رفعت حاجبيها لتنظر إليه قليلًا قبل أن تسأل بهدوء: أخبرني ماذا ستفعل لي حتى إذا اثرت استفزازك يا عمار ؟!
قبض كفيه وهو يضم ذراعيه لجسده يتنفس سريعًا قبل أن يهمس بغضب : لا تدفعيني لاقصى حدودي وتجبرينني على فعل ما لا أريد
تمتمت بهدوء وهي تخطو نحوه بتؤدة : والذي هو ؟!
همهم بصوت مختنق وعيناه تومض بغيرة جلية : يمنى من فضلك لا تتحديني .
همست بخفوت وهي تمط شفتيها بتفكير : أنا لا أفعل و رغم ذلك أنا أشعر بك فاقد السيطرة دون سبب وجيه لي .
هدر بجنون : بل هناك أسباب كثيرة وأنت تعلمينها ولكنك تتجاهلينها ، رمقته بتساؤل مشكك فأتبع – نعم أنا أغار هل هذا يرضيك الآن ؟! هل هذا سيجعلك تتوقفين عن التعامل بأريحية مع كل من اجن من وجودهم بالقرب منك .
نظرت إليه باستهجان : من هؤلاء الذين بالقرب مني ؟! إنه ابن خالي و بمقام شقيقي يا عمار .
هدر نافيًا : ليس بشقيقك ، إنه ابن خالك الذي يتلاعب بحديثه ويتحداني علنًا .
صاحت بضيق تملكها : إنه لا يفعل أنت الذي لا تطيق وجوده إلى جواري دون سبب مفهوم .
تحرك نحوها بفقدان سيطرة تامة ليسحبها من مرفقيها إليه يلصقها بصدره مغمغمًا باختناق : لأنه ليس من حقه التواجد إلى جوارك .. الشعور بأنه يحميك مني .. والتصدي لي إذا حدث واغضبتك ، ليس من حقه يا موني .
رفت بعينيها وهي تتحاشى النظر إليه : ابتعد عني يا عمار .
لهث بقوة وهو يقترب أكثر : لا استطيع ، هل تظني أني قادر على الابتعاد ولم أفعل ، أنا أعاني معك ورغم كل معاناتي لا أقو على الابتعاد ، أنا احترق في كل مرة يقترب أحدهم منك ، انصهر حينما أستمع إلى ضحكاتك مع أحد غيري ، اجن و افقد زمام عقلي حينما ينظر إليك أحدًا غيري، أنا متعب ومجهد ولا استطيع التحمل سأموت غيرة بسببك .
عضت شفتها بأطراف أسنانها وهي تخفض بصرها بتعمد عنه حتى لا يستطيع السيطرة على عقلها وحواسها كما يفعل دومًا ، ليفاجئها بأنه احتضن وجهها بين كفيه ليرفعه إليه عنوة فتهرب بنظراتها منه بتقصد اغضبه ليهدر باسمها في خفوت وهو يجبرها أن تنظر إليه فتتدعي لا مبالاة هي أبعد أن تشعر بها وهي تقع أسيرة عينيه التائقة لها فيهمس باسمها في شغف ونبرة مخصصة لحديثه معها فتتورد رغم عنها ليتبع بخفوت وزفرات حارقه ألهبت وجهها فتورد أكثر وهو يهمس : أنا أحبك واغار عليك بل أموت غيرة وعشقًا ومنذ أن حصلت عليها المرة الماضية وعقلي ينصهر وأنا استعيد مذاقها الذي عشت سنواتي الاخيرة اتخيله ، كنت أحيا بعذاب مستمر وأنا بعيد عنك ولا أقو على نسيان قربي المبتور منك ، عقلي كان يشت تفكيره وهو يتساءل عنها .. عن مذاقها .. قوتها وتأثيرها علي .. يتساءل إذا كنت حصلت عليها كاملة هل ستكون مختلفة عن تلك النطفة التي كنت التجئ إليها حتى لا أموت حرمانًا وأنا بعيد عنك ؟! لهث بعنف وهو يغمغم متابعًا بصوت أجش - والاسوء تلك الليالي التي كانت تشتعل بخيالي الصاخب وتزين لي بأنها ستكون أقوى .. أجمل .. وملتهبة عن اللمسة البسيطة التي تحصلت عليها في الماضي ..
اتسعت عيناها بصدمة فيكمل باختناق ونظراته تشي برغبته الحارقة لتقبيلها وهو الذي احنى رأسه قريبًا منها بالفعل مهمهما بجوار شامتها : لم اتخيل أبدًا ان تكون بهذه الروعة يا موني ، لم اتخيل أبدًا أن تكون استجابتك إلي بهذه اللهفة التي لم تنطقي بها .. ولا أن تنصهري بين ذراعي بهذا الشغف الذي سرى بيننا ، حتى إن لم تخبريني عن حبك لي ولم تطمئني روحي بكلمات أنا اتوق لها ، تناغمك معي يكفيني .
القاها بصوت أبح خافت وهو يقبل جانب ثغرها بخفة يضمها إلى صدره بتوق ليهمس بصوت أجش : هلا سمحت لي ؟!
انتفض جسدها بين ذراعيه لتشير برأسها نافية وهي تهمس : اتركني يا عمار .
تمتم باحباط تملكه : حسنًا قبليني أنت و أعدك أني لن احرك ساكنًا ، ابتسمت برقة أتلفت تعقله ليهمهم بنفاذ صبر – هيا بسرعة قبل أن اسحب كل الوعود واحصل على ما أريد .
تمتمت بجدية وهي تحتضن ساعديه بكفيها : ولكني غاضبة منك .
تمتم بضيق : أعلم ولكني ..
قاطعته بهدوء : نعم أدركت أنك شعرت بالغيرة من وجود سليم .
عبس بضيق ليهدر بحنق : أنا لا أغار من سليم ، أنا أغار عليك .
ابتسامة ماكرة زينت ثغرها لتهمهم بعدم اقتناع تعمدته : بالطبع أنا أدرك ذلك .
رمقها بطرف عينه ضائقًا مرددًا اسمها بنزق فضحكت بخفة لتهمس بخفوت وهي تمط جسدها الفارع فتقترب من وجنته : حسنًا توقف عن الغيرة والجنون والغضب فأنا لن أكون متسامحة دومًا ، القت حديثها بهدوء لتقبل وجنته بخفة وهمت بالابتعاد ليقبض على مرفقها يتمسك بقربها هامسًا : هذه ليست قبلة يا يمنى .
هزت كتفيها بلا مبالاة : هذا ما اعرفه عن القبلات .
تمتم بمشاكسة ومرحة يسكن عينيه : إذًا دعيني اعلمك .
احنى رأسه ليهم بامتلاك شفتيها ولكنها ابتعدت فعليًا حينما شعرت بدنوه منها لتركله في ساقه بخفة فيقفز متأوهًا بسخط وهو ينظر إليها بعتاب حينما ابتعدت عنه لتهتف بمكر أنثوي وهي تسير خارجة من المطبخ : أنا غاضبة يا طبيب المجانين وليس مسموح لك بمصالحتي الآن ، توقفت لتنظر إليه قليلًا لتتابع – ولا بتعليمي أيضًا حينما أكون ببيتك سأترك لك الفرصة كاملة بإذن الله .
ضحك من بين تأوهه وهو يدلك مقدمة ساقه ليهمس بمكر : سأفعل يا مونتي وحينها لن ينقذك مني أحد .
***
يقف بالشرفة الحجرية التي تظهر الطريق أمامه يفتر ثغره عن بسمة رائقة ويشعر بالسعادة تخيم فوق رأسه وهو يحتسي شاي هي من اعدته له في قدح خزفي وأتت له به في بسمة خجول شكلت ملامحها ونظراتهما تشي بالكثير لا يعلمه إلا سواهما ، انتبه على صوت أخيه الذي اقترب منه يسير بطريقة غير متزنة فعبس متسائلًا ليؤثر عمار عدم اجابته وهو يهمهم بمكر : صالحتك المدللة ؟!
ابتسم عاصم واسبل جفنيه ليهمهم : وأنت صالحتك مهرتك ؟!
هز عمار رأسه نافيًا : لا ولكن توصلت لحل وسط .
ضحك عاصم بخفة ليكمل عمار وهو يبتعد عنه – سأذهب لاوقظ أدهم بك فعلي ومازن ضاقا به وهو بارد لم ينهض للآن .
ضحك عاصم وهتف : نام صباحًا يا عمار ، فهو قضى الفجر بأكمله يعد الحديقة الخلفية .
زفر عمار بضيق : نعم ولكن عمك بدأ يعبس والأمر لا ينقص أدهم نهائي ، يكفي تأخر أميرة وقلقه عليها ، أومأ عاصم برأسه متفهمًا ليكمل عمار - سأطلب من أحدهم يعد لي القهوة رأسي ستنفجر هلا تريد أنت الآخر .
هتف عاصم وعيناه تلتقط وصول سيارة أسعد : لا سأحتسيها مع سيادة القائد ، هاك هو وصل ويتبعه عمر على ما يبدو .
ضحك عمار بخفة وهمس : زوج العرسان وصلوا أخيرًا .
كتم عاصم ضحكته ليهمس بمرح : العقبى لك يا شقيق .
فيتمتم عمار قبلما يبتعد : أنتم السابقون يا باشمهندس .
تنهد عاصم بقوة ليضحك بمرح على هتاف عادل الجهوري المرح والذي قابلته جنى بضحكات رائقة صدح صوتها قليلًا فيعبس أسعد الذي ترجل بدوره يتلقى ترحيب عادل المرح ومشاكسته التي تناثرت من حولهما فصدحت ضحكة جنى رغمًا عنها حينما ثرثر عادل بكلمات متتالية متتابعة كعادته وهو يضحك بمرح ليزم أسعد شفتيه بضيق واضح ويهتف بجدية : توقف عن الحديث قليلًا يا عادل لا أريد أن يصيبني الصداع واليوم لازال بأوله .
رمقه عادل دون اهتمام ونظراته الماكرة أثارت تأففه أكثر ليقترب منهم عاصم مرحبًا يدنو من جنى بعفوية أخوية يصافحها هاتفًا بمدى شوقه لها قبل أن يضمها بذراعه الذي التف حول كتفيها بأريحية فيتأفف أسعد هذه المرة بصوت عال أثار انتباهها أخيرًا فيضحك عاصم بمكر وهو يصافحه ليضمه إلى أن صدره ويهمس : توقف عن الصر على أسنانك وأنت لن تصاب بالصداع يا أسعد .
تمتم أسعد بضيق وهو يرمقه بغضب يسير بجواره في خطوات حازمة ليتوجها نحو الشرفة الحجرية : وهل من يصطبح بوجهك أو وجه عادل بك لا يملك إلا الإطباق على فكيه حتى لا يقتلكما بقلب مرتاح .
ابتسم عاصم مرغمًا ليهمهم بخفوت : بل توقف عن الغيرة التي ستقضي عليك .
رمقه أسعد بغيظ قبل أن يهمهم بهدوء : سأكسر ذراعك هذه يا عاصم ، فتوقف عن إثارة غضبي من الأفضل لك .
كتم عاصم ضحكته ليثرثر إليه بخفوت : لم أقصد والله تصرفت بأريحية نوعًا ما وخاصة أني لم أرى جنى منذ تلك المرة التي كنت عندكم قبيل سفري ، فشعرت بالشوق لأختي يا أسعد بك ،
اطبق أسعد فكيه بضيق ليكمل عاصم بمرح خافت – مهما شرحت و أقسمت لك لن تهدأ لذا الصداع سيكون حتميًا يا أسعد .
اشاح أسعد بعينيه بعيدا ليلكزه عاصم بخفة هامسًا : من الواضح أنك لم تحصل على كفايتك من النوم أيضًا .
حادت نظرات أسعد بعفوية نحوها ليهمس مجيبًا : لم أذق طعم النوم بالفعل .
جلجلت ضحكة عاصم بقوة ليقول من بينها وهو يسيطر على خفوت صوته : لن اجيب سالتزم الصمت حتى لا تقتلني بالفعل .
احتقنت أذني أسعد بحمرة قانية ليغمغم بخجل تمكله وهو يلكزه في خصره بمرفقه : هذا أفضل بالفعل .
اقتربت منهما بعدما انهت ثرثرتها مع عادل عن أمر ما يخص العمل لتقف في منطقة حيادية بينهما : علام تضحكان ؟! اضحكوني معكما
ابتسم عاصم وهو يرمق أسعد بمكر : سأترك أسعد يخبرك وأنا سأذهب لاستقبل عمر .
أومأ أسعد برأسه متفهمًا فاقتربت منه لترفع نظرها إليه وتسأله بجدية بعدما غادر عاصم وهي ترمق بطرف عينها ابتعاد عادل عنهما أيضًا : ما بالك يا أسعد ، لماذا تعبس غاضبًا ؟!
سحب نفسًا عميقًا ليهمس بجدية حادة : ألا تدركي ماذا يغضبني بالفعل ؟!
عبست قليلا مفكرة : غاضب لأني ثرثرت مع عادل وضحكت معه ؟!! رمقها بغيظ ليشيح بعينيه بعيدًا فتعاود التفكير - غاضب لأني ضحكت بصوت عالي ؟!
زم شفتيه وهو يؤثر الصمت قبل ان ينفجر بها لتكمل بدهشة : غاضب لأن عاصم ضمني من كتفي وهو يرحب علي ؟!
ارتدت رأسه إليها بقوة لينظر إلى دهشتها الجلية فيجيب ساخرًا : بالطبع لا وهل من المعقول أن اغضب لأن ابن عمك ضمك من كتفيك وهو يرحب بك ، لست رجعيًا لهذه الدرجة .
توترت واندثرت ابتسامتها من فوق شفتيها وهي تدرك جيدًا نبرته الصادحة بسخريته اللاذعة حينما يكون غاضبًا من تصرف قامت به بعفوية فيراه هو بمنظور مخالف لمنظورها ويغضب منه ويغار أيضًا ورغم أنها تدرك مدى غيرته إلا أنها لا تدرك كيف عليها القيام باحتوائها ولا السيطرة عليها ، همهمت بخفوت وهي تحاول أن تبرر ما حدث : لم أقل أنك رجعيًا يا أسعد فقط لا أفهم غيرتك من عاصم وأنت تدرك جيدًا أنه أخي وظل طوال عمره يرحب بي هكذا .
اطبق فكيه : ليس بأخيك يا جنى وأنت تدركي هذا جيدًا .
تنهدت بقوة وهي تقترب منه اكثر : حسنًا لا تغضب سأخبره ألا يفعلها ثانية وأنا الأخرى سالتزم بوضع الحدود بيننا ، هل هذا سيريحك ؟!
رمقها من بين رموشه ليهمهم بجمود : لا تفعلي هذا لتريحني يا جنى افعليه لأنك تدركي أنه أمر خاطئ عليك التوقف عن فعله .
نظرت إليه مليًا قبل أن تهتف بصوت مختنق : حسنًا يا أسعد سأفعل ولكن ألا ترى أن اليوم ليس بيوم للشجار والحديث عن هذه الأمور التي تغضبك .
شد جسده بصلابة ليهمس : أنا لا أرى شيئًا سأذهب لأرى البقية و اراضي ماما وموني وأسأل عن بابا.
تحرك بخطوات جادة مبتعدًا عنها لترفع عيناها لعادل المراقب بصمت لما يحدث بينهما رغم ابتعاده فتقترب منه وتسأله بهدوء : ماذا علي أن أفعل الآن ؟!
ضحك عادل وهز كتفيه بعدم معرفة ليجيب بجدية : لا تفعلي شيئًا اتركي الأمر وهو حينما يهدأ سيتفهم ولكنه لن يتغير .
زفرت بقوة لتسأل باحباط سيطر عليها : وما الحل ؟!
ضحك عادل : لا شيء امهليه بعض من الوقت يا جنى . زفرت بقوة وهي تسير بجوار عادل الذي أشار إليها أن تخطو إلى جواره ليقترب من الجميع الجالس في حلقة كبيرة : ولكن علي أن اخبرك أني حينما وضعت نفسي مكان اسعد لم أرضى بالأمر أيضًا رغم أني متفهم أمر الأخوة بينك وبين عاصم ولكن من الواضح أني رجعيًا كأخي .
ضحكت رغم عنها : الأمر ليس بكونك رجعيًا أو لا ، في هذا جميعكم تشبهون بعضكم ، متملكين .. غيورين .. وتحكمكم جينات ذكورية أصيلة لا سبيل للتغلب عليها فعاصم نفسه طلب من عمار يتوقف عن احتضان نوران لأنه يضيق من الأمر .
ضحك بخفة ليجيبها بمرح : أرأيت ؟!
تنهدت بقوة لتهمهم بضيق فعلي : أنا لا اهتم بأمر عاصم ونوران يا عادل أنا أسأل عن أسعد ماذا أفعل معه الآن فأنا لا أحب أن يكون غاضبًا وهو يبتعد حينما يغضب .
رمقها قليلًا ليتنهد بقوة هاتفًا : أسعد يبتعد لأنه يخشى عليك حين غضبه يا جنى وصدقًا أنا اوافقه في هذا الأمر فأسعد رغم ندرة غضبه إلا أنه حينما يغضب يكون مريعًا ، هزت رأسها بتفهم ليكمل بمرح متفكه – ثم لا تبتأسي سيأتي بعد قليل ليصالحك بنفسه فأسعد لا يقوى على اغضابك وانت تعلمين .
توردت رغمًا عنها لتهمس بخفوت : أنا من يريد مصالحته يا عادل لا أريده أن يأتي ليصالحني.
ابتسم عادل واسبل جفنيه لتهتف بجدية : سأعايد الجميع قبل أن اهاتف أميرة لاطمئن عليها فمن الواضح أنها لم تصل بعد .
أومأ برأسه متفهمًا ليتمتم وعيناه تجوب المكان أمامه : وأنا سأبحث عن عمار لا أعلم أين اختفى ؟!
***
استرخى بجلسته وهو يراقب تجمع الشباب من حوله ، يشعر بأنه اشتاق الجميع واشتاق تجمعاته معهم ورغم أنه كان مجتمع بهم منذ شهور قليلة إلا أن زيارته الخاطفة لم تعد تجدي بالنسبة اليه ، يراقب الأوجه الجديدة بالنسبة إليه و رغم أنه يعرف مدى قرابتهم للآخرين إلا أنه لا يدركهم حقًا ، يكتم ضحكته وهو يستعيد تمتمة خديجة المنبهرة بالفتيات اللائي وصلن قبلهن ولكهن كن مختفيات ليظهرن فجأة فتهمس شقيقته بمرح لم يكن خافتًا : أن الشمس أشرقت من الغرب كناية عن مجيئهم من الاتجاه الغربي للبيت ،
حينها نظر إليها والدهما بعتاب قوي ليمازحها أحمد الجمال بخفة وهو يهمس بخفوت غامزًا إياها بمشاكسة : معك حق ولكن إياك أن تفتني علي للوما حتى لا تتهمني بمعاكسة الصغار .
لتهتف شقيقته بمرح اريحي : حقك يا عماه أن تغازلهم أنا شخصيًا فعلت .
حينها لم يتمالك نفسه فانطلقت ضحكته قوية فلفتت نظر الجميع إليه فيمازحه عادل الذي أتى واستقر إلى جواره قبل أن يبدأ الحديث عن المشفى والعمل فشارك فيه أبوه وأحمد الجمال بالاضافة إلى جنى التي قصت أمر ما وهي تعلن استياءها من بعض المعاملات الادارية في المشفى فتتناقش معها رقية قبل أن يهتف أحمد الجمال بجدية : بالمناسبة يا يحيى مالك أخبرني أن إحدى بناتك طبيبة ،
انتبه يحيى ليبتسم بجدية : اها نعم ، أشار إلى فتاة صغيرة في الحجم وجهها يماثل وجوه العرائس وجمالها اخاذ ليكمل – عالية نيو انتر بقسم الجراحة .
ارتفعا حاجبيه بتعجب وهو ينظر للفتاة بمواصفاتها الشكلية التي لا تصلح لمهنة شاقة كالجراحة ليهتف أبوه بترحاب : مرحبًا يا بنيتي .
توردت وهي تبتسم بلباقة وتجيب أبوه بترحاب رقيق فيسأل أحمد : هل حصلت على وظيفة في مشفى ما ؟!
ضحكت برقة لتهتف بهدوء : نعم عينت لديكم ، لمعت الشقاوة بعينيها لتتبع بمرح وانجليزية حاضرة بلغتها – أنت لا تتذكرني يا دكتور ، حضرتك من أجريت لي الاختبار وكان معك دكتور محمود ودكتور آخر اعتقد أنه من قسم الجراحة العامة .
ارتفعا حاجبي أحمد بصدمة ليعبس ابوه بتفكير ويهمهم : لذا أشعر أني رأيتك من قبل .
اتسعت ضحكتها لترفع احدى كفيها فتخلع مشبك شعرها والذي يلملم خصلاتها الناعمة القصيرة إلى فوق رأسها فينهمر شعرها حول وجهها لتعيده إلى الخلف فيهتف أحمد الجمال بعفوية : تذكرتك انت من ظننت أنها دلفت إلى مقابلة الاطباء عن طريق الخطأ .
ثرثرت بعفوية : نعم واجبرتني أن أخرج هويتي لتتأكد من كوني طبيبة وأنت تتصفح جميع مستنداتي .
تمتم محمود بجدية : اللهم بارك فيك يا ابنتي علاماتك ممتازة جميعها ، تعالي واخبريني فيم تنتوي أن تتخصصي بالجراحة إن شاء الله .
استجابت لأبيه بطواعية لتنهض بالفعل وتجلس على الكرسي المجاور له لتهتف بجدية ورزانة غائبة تعتلي ملامحها لتجيب بالانجليزية وكأنها تجد مفردات اللغة اسهل لها : قلب و أوعية دموية بإذن الله .
استدار إليها منتبهًا ليهتف أحمد الجمال بمرح : أتى لك منافس يا محمد .
انتبهت هي إلى وجوده على ما يبدو فعبست متسائلة ليتابع أحمد بجدية – هذا هو محمد المنصوري جراحنا الهمام ولكنه الآن يدرس ببعثة خارجًا ولكنه حينما يعود سيكون رئيسك بالعمل على ما يبدو بإذن الله .
ابتسمت بلباقة وأومأت برأسها هاتفه بترحيب انجليزي فاتر يدركه جيدًا ليومئ هو الآخر برأسه ويجيبها : سعيد لمقابلتك .
استخدم لغتها الأقرب إليها فابتسمت وعاودت الحديث مع أبيه ولكنه لم يغفل عنها بل ظل منتبهًا لحديثها الجذاب و كأن صوتها الرقيق و رقي حديثها عنوان لها ، ليس هو فحسب بل إنها أثارت انتباه عادل حينما تحدثت عن تعقيدات جراحة المخ لتثير اهتمامه وهي تناقشه قليلًا فيبدي عادل استحسانه لبعض الاشياء التي تحدثت عنها قبل أن يبدأ أبوه والذي من الواضح أنه يستميلها لتتخصص في جراحة العيون فينشأ بينهما حديث شيق أثار انتباه الاطباء المتواجدين من حولهما ، ضيق عينيه وهو يستمع إليها تتحدث الإنجليزية بطلاقة وبلهجة أمريكية تخص أهل البلد رغم يقينه أنها لم تترعرع بأمريكا ولكن من الواضح أن كونها تربت في الخارج وحصولها على تعليم أكثر من جيد جعلها تستطيع الحديث بهذه الطلاقة ، هز رأسه باستحسان وعقله يخبره " أو لعلها ماهرة في تعلم اللغات والله منحها تلك الهبة التي يستطيع بها الفرد النطق بسلاسة وسهولة "
ارتفعا حاجبيه بتعجب وهو يركز سمعه على ما تقوله جيدا لتتسع عيناه بمفاجأة حينما تحدثت بالعربية في وسط حديثها مع أبيه فيصدم من الكلمة الذي لم يدركها للوهلة الأولى ولكن عقله حللها سريعًا ليستوعب هذا الحرف الناقص بحروفها ليكتم ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه وهي تثرثر بعفوية فيستطيع من يستمع إليها أن يتعرف على حرف الراء الضائع من بين أبجديتها والذي يظهر بوضوح في لغتها العربية رغم تخفيه في إنجليزيتها ليرفع حاجبه وهو يدرك الآن لما نعتته بالطبيب حينما تعارفا بدلًا من مناداته بدكتور كما يدعوه الجميع .
هتف عادل بجدية : انتظري لم أفهم ماذا تعني هنا ؟!
ضغط شفتيه ببعضهما مانعًا نفسه من الضحك وخاصة حينما توردت فتتلعثم بخفة قبل أن تهتف بكلمة مغايرة لم تذكر فيه حرف الراء المختفي لينظر إليها عادل للحظات قبل أن يهتف بعفوية : أنت لدغة ؟!
رفت بعينيها كثيرًا وهمت بالحديث ليصدح صوت حسام العابس كعادته : نعم يا عادل بك ، ما لك بلولو ؟!!
انتفضت واقفة وهي تصيح باسم حسام قبل أن تتعلق برقبته في احتضان أخوي معتاد على ما يبدو بينهما رغم أنه لا يدرك مدى قرابتها منه ليضمها حسام إلى صدره يقبل رأسها ويربت عليها بحنان وابتسامته تظهر اليها بينما عادل اجابه ساخرًا : لم أفعل شيئًا فقط كنت اسألها ؟!
ابتسم حسام ودفعها للجلوس إلى جواره وهو يهتف بجدية : اها ، فقط احذر كان تضايقها فهي صغيرتي التي لا أرضى عليها .
اتسعت ضحكتها لتشاكسه بملامحها قبل أن يرتفع نداء زين لها فتقفز واقفة بخفة وتهتف : ساذهب لأرى زين ، تمسكت برزانة ضائعة على ما يبدو لتهمهم بخفوت – بعد اذنكم يا حضرة الاطباء .
تحكم في ضحكته للمرة التي لا يعرف عددها والتي انطلقت بقوة حينما هتف عادل بعفوية بعدما ابتعدت : حقا أنتما وافقتما على تعيينها بالمشفى يا دكاترة ؟! اتبع بصدمة – إنها طفلة .
زمجر حسام غير راضيًا ليشير عادل بكفيه : اعذرني يا حسام و أرجوك لا تغضب يا باشمهندس يحيى ، أنا أتحدث بجدية عن العمل ،
اتبع وهو ينظر لأحمد ومحمود بغير رضا : هذه الفتاة ستنهار خلال الخمسة عشر يومًا الأولى والتي يقضي معظها الاطباء الجدد دون نوم و دون راحة ،
تمتمت جنى بعدم رضا : توقف ارجوك عن نظرتك الذكورية يا عادل ، أنت شخص أفكارك رجعية .
صفق عادل بكفيه وهو يضحك بمرح : أبدًا يا زوجة أخي والله ولكنك تعلمين جيدًا ما اتحدث عنه .
تمتمت جنى وهي ترمقه بطرف عينها : إنها ممتازة لقد اطلعت على ملفها بنفسي ، إنها نابغة وإذا تخصصت في جراحة القلب ستكون منافسًا قويًا لمحمد .
تمتم عادل وهو يجاور محمد جلوسًا : إذا استطاعت فإذا لم تنهار جميلة الاطباء هذه الجراحة ستخنق روحها وتحولها إلى آلة عمل لن تقوى على الابتسام حتى ، اتبع بمشاكسة تعمدها – ستصبح شبه حسام هكذا .
تمتمت جنى برفض صريح : اعوذ بالله يا أخي من تشاؤمك .
ارتدت رأس حسام نحو جنى ينظر إليها بذهول فتغلق فمها و وجهها يحتقن بقوة في حين انفجر الجميع ضاحكًا ليهتف سليم بصوت جهوري : انظر حتى جنى أدركت كم وضعك مأساوي .
تمتمت سريعًا و وجهها يتخضب بخجل : أنا اعتذر يا حسام لم أقصد ، حقًا أنا آسفة .
ابتسم حسام ليهمهم : لا عليك يا حضرة الطبيبة .
هدر أسعد الذي اقترب منهم يسأل بعبوس جاد : ماذا حدث ؟!
تمتم عادل سريعًا : أين كنت يا بك ؟!
أجابه أسعد بعدما جلس بجوار حسام : كنت اطمئن على الخيول ،
تمتمت جنى سريعًا حينما نادتها عمتها : بعد اذنكم ، أكرر اعتذاري يا حسام .
ابتسم حسام وهز رأسه بلا شيء ليعبس اسعد بتساؤل فيقص عليه حسام موجز ما حدث ليبتسم أسعد وهو يستدير إلى مكان ما اختفت ليهمس بجدية : إنها لم تقصد يا حسام .
هدر عادل بغرابة : وحتى إن قصدت هل هي تتحدث عنه بم ليس فيه ، إنه عابس وجاد ولا يضحك أبدًا .
لوى حسام شفتيه بملل ليهتف مجيبًا : تركت لك المرح يا عادل بك أنت وابن خالك الذي يضحك الآن فرحًا وهو الذي لم ينهي الأمور العالقة بزفافه .
تأفف سليم بضجر ليهتف بجدية : لا أحد يأتي بسيرة الزفاف اليوم إطلاقًا ، اليوم أنا حصلت على إجازة من كل اشياء الزفاف هذه التي تتجدد دون ملل .
سأله أسعد بجدية : أين عروسك بالمناسبة ؟!
تنفس سليم بقوة ليهتف باستياء : تركتها لديها مواعيد كثيرة ومشاجرة مع خط الإنتاج الخاص بملابسها وبعض من ديكورات الفيلا التي لا أفهم لماذا تبدلها ، وأشياء كثيرة سأمت منها أخبرتها أن ترافقني ولكنها رفضت فتركتها على راحتها .
نظر إليه أسعد وحسام بدهشة ليهتف عادل بجدية وهو يتناول بعض من حبات الفاكهة : وهي هل تقبلت أمر أنك بمفردك ؟!
عبس سليم ليجيب بهدوء : لم اتناقش معها .
أشار إليه عادل بابهامة في علامة الاعجاب الشهيرة : جيد ، لتؤجل المشاجرة وقتًا كافيًا وتشاجر معها يوم الزفاف و الغيه .
ارتدتا رأسي أسعد وحسام لعادل ليهتف حسام بعدم تصديق : لم أكن أصدق أنك مجنون ولكن الآن أدركت الأمر .
ليهتف أسعد بصدمة : ما الذي تقوله يا عادل ؟!
ضحك سليم ليهتف ببساطة : سبق السيف العزل يا اخواني ، أنا ماض إلى الفخ بقدمي وكلي شجاعة وقلب ميت .
أشار إليه عادل بسبابته : تذكر أني أخبرتك ألا تفعل .
صفق حسام بكفيه دون رضا لينهض أسعد واقفًا وهو يهتف : لقد اكتفيت سأذهب لأساعد عاصم بالشواء .
***
نظرت إلى عمتها بعدم فهم لتسألها بجدية : لا أفهم قصدك يا عمتو ، عم تسألين بالضبط ؟!!
لوت إيمان شفتيها لتهمس بخفوت : أنت يا فتاة أنا ألمح لك ألا تلتقطين التلميح ؟!
هزت جنى كتفيها بعدم معرفة لتنظر إلى أميرة التي اقتربت منهما تبغي مساعدتها فاقتربت بالفعل لتحتضن جنى من كتفيها وتهمس بمرح : كيف حال عروسنا الجميلة ؟!
هدرت إيمان بضيق : هاك ابنة عمك تسألك اجيبيها !!
نظرت إليها جنى بعدم معرفة لتهمس بخفوت : أنا بخير الحمد لله لقد اجبتك يا عمتو حينما سألتني .
زمت ايمان شفتيها بضيق لتنظر إليها أميرة بعدم فهم هي الأخرى ثم تسألها حينما شعرت بضيقها : ما الأمر يا عمتو ؟!
تمتمت إيمان بغيظ : أنا أسأل ابنة عمك عن أخبارها ، وهل هناك جديد أم لا ؟!
ابتسمت اميرة بتفهم لتهتف بخفة : اها ، استدارت جنى تنظر إلى أميرة بتساؤل فهمست أميرة بجدية – لقد تزوجت منذ شهران يا عمتي .
رمقتها إيمان بغيظ لتهتف بجدية : نعم أعلم ولكن إذ لا تدركي أن من تزوجت بعدها بارك الله فيها حامل .
ارتد رأس جنى بسرعة إلى عمتها تنظر إليها بذهول : حقًا أنت تسألين عن هذا الأمر ؟!
ابتسمت إيمان بوجهها : نعم يا ابنة أخي .
شحب وجه جنى لتهمس بجدية : لا يا عمتي وإلى الآن ليس لدي جديد .
تنهدت إيمان باحباط قبل أن تربت على كتفها بود : رزقك الله يا حبيبتي .
زفرت أميرة بقوة بعدما أمنت دعاء عمتها لتدفع جنى بجدية : بعد اذنك يا عمتو سأصحب جنى معي ، أتبعت وهي تسير مع جنى التي احنت رأسها بضيق – تعالي ولا تهتمي بأي شيء .
سألتها جنى بجدية : كيف عرفت مقصدها ؟!
ابتسمت أميرة بخفة لتزفر بقوة قبل أن تجيب بصوت مختنق : لأني سُئلت كثيرًا عن الأمر فيما قبل يا جنى .
توترت نظرات جنى ثم بللت جنى شفتيها لتهمس بتساؤل : حقًا حبيبة حامل ؟
اجابت أميرة وهي تزج بها إلى تجمع الفتيات الواقفات بغرفة مجاورة للمطبخ : نعم وهاك نحن نحتفل بها ، فقط أنت لا تشغلي رأسك بأي أحد آخر سوى أسعد .
ابتسمت جنى والسكينة تخيم عليها حينما ذكر اسمه لتقترب من حبيبة وهي تنظر لها بسماحة نفس تتأمل وجهها المحتقن خجلًا و الذي يكسو ملامحها فابتسمت بسعادة عارمة وضمتها إلى صدرها وهي تهتف بصدق : مبارك يا بيبا ، تقومين بالسلامة يا رب .
تمتمت حبيبة بخفة وهي تخفض بصرها بعفوية : بارك الله فيك يا جنى ، العقبى إليك .
ابتسمت جنى بمرح وتوردها يكسو وجهها :اللهم أمين .
تمتمت أميرة بمشاكسة : أريد فتيات أنت وهي للولدين اسمعتما ؟!
ضحكتا سويًا لتهتف نوران بعبوس : اعتقد أن عليك الاهتمام بأمر الفتاة وإيجاد عريس لها فالولدين لا ضرر عليهما وخاصة إذا آتيا يشبهان عمر وعبد الرحمن .
ضحكت أميرة بخفة : عريس للفتاة ، متفائلة أنت يا أختاه ، هذه الفتاة لن تتزوج أبدًا فإذا سمح لها أحمد بهذا المجون جديها سيحجران عليه ويمنعان أي كائن من الوصول لها.
ضجت ضحكاتهن لتهمس نوران بشقاوة : حينها سأهربها أنا و ازوجها لمن تختاره ،
صدح صوت أحمد الذي دلف الى المطبخ اقترب من زوجته يحتضن خصرها بكفيه ويقربها منه بعفوية اعتادها : لا شان لك بابنتي يا نوران ، أسمعت ؟!
رقصت نوران حاجبيها بمشاكسة تعمدتها : إني خالتها الوحيدة وعليه سأسرقها من عندكم كما يحلو لي .
هدر احمد بتملك جاد : لن تقتربي منها أبدًا .
أخرجت نوران لسانها مغيظة : بل سأفعل وسأنقذها منكم يا عائلة المجانين .
دفعته أميرة في صدمة وهي تهمس باسمه ليتوقف ولكنه لم يستمع لها وصاح بجدية : تركنا العقل لك يا ابنة الوزير .
تمتمت أميرة باعتراض وخاصة مع ابتعاد الفتيات الضاحكات عنهما : أحمد هل جننت ؟!
هدر بجدية : لا شأن لأحد بابنتي .
ارتفعا حاجبيها بتعجب ليكمل بتلقائية - إنها خاصتي بمفردي .
ابتسمت أميرة برقة لتهمس بشقاوة : أصبحت تشبه بابا كثيرًا يا أحمد بك لم يخطأ اونكل خالد حينما مازحك بها اليوم .
اسبل جفنيه وهو يتحكم في ابتسامته ليجيبها : اونكل خالد نادرًا ما يخطأ .
لامست وجنته لتجبره أن ينظر نحوها تهمس بتساؤل : أنت خائف ، أليس كذلك ؟!
انتفض قلبه بدقات غير منتظمة ونظر إليها عيناه تموج باضطرابات مشاعره القوية ليحتضن وجهها بين كفيه ليقربها منه يقبلها بيأس وهو يضمها إلى صدره كيفما سمحت له بطنها المنتفخ : أموت خوفًا عليهم وعليك .
لامست صدره لتربت على قلبه برقة : الطبيبة طمأنتنا وأخبرتنا أنه أمر عادي يا أحمد .
تمتم بضيق : كنت أنا السبب فيه يا أميرة ، لم أكن مراعيًا كما كان ينبغي علي .
لوت شفتيها بضيق : لا ليس هذا السبب ، لقد سألت الطبيبة يا أحمد وليس مرة واحدة بل أكثر من ثلاث مرات وآخرهما كانت أمامك لعلك تقتنع أن ما حدث ليس بسببك فقط حجم الأطفال يتزايد وهذا ما يجعلني أشعر بالثقل والتعب وهي أخبرتني أن هذا أمر طبيعي وأنها تنتظر قليلًا قبل أن تبدأ بتوليدي فأنا لن أستطيع الاستمرار لنهاية الحمل.
رمش كثيرًا ليهمس بصوت مختنق : ولكن الولادة المبكرة ستؤثر عليهم .
هزت رأسها نافية : أبدًا ، بإذن الله لن يحدث .
تنفس بعمق لتقبل وجنته وتهمس بخفوت متبعة - فقط ابتهج ستكون دادي .
اتسعت ابتسامته ليضمها إلى صدره قبل أن يهتف بضيق : هلا جلست قليلًا فمرآك واقفة يثير قلقي عليك .
أومأت برأسها موافقة ليسألها بجدية : احملك للأعلى فترتاحين بإحدى الغرف ؟!
ضحكت لتهز رأسها نافية : لا أريد أن أجلس مع الفتيات .
أومأ برأسه ليدفعها بلطف فيخرجها للحديقة القريبة من البيت الكبير : حسنًا تعالى سأوصلك لهم ولكن لا تدعي نوران تقترب من ابنتي .
همست بعتاب : أحمد إنها شقيقتي ، ثم هذه نوران صغيرتك المدللة .
زم شفتيه ليهمس بغيرة : تريد الاستيلاء على تارا يا أميرة .
ارتفعا حاجبيها لتردد الاسم بدهشة قبل أن تسأله : اسميتها أيضًا .
غمز لها بعينه : انتقاء اونكل خالد .
كتمت ضحكتها لتهمس بخفوت : اعجبني فقط لا تخبر بابي حتى لا تندلع الحرب بينهما .
كتم ضحكته ليمأ برأسه في تواطئ وضحكاتهما تتعالى قلبه أن يصدح صوت وائل مناديًا عليه ليهمس إليها بخفوت : ابوك عاد لما كان عليه الآن سيطلب مني جني ثمار التفاح من الأرض فقط ليبعدني عنك .
كتمت ضحكتها لتهمس إليه : فقط توقف عن الاستياء من تصرفاته فأنت تشبهه كثيرًا .
أومأ برأسه موافقًا ليقبل جبينها ويهمس : نعم ، أنا أشبهه وأصبحت اتفهم غيرته الآن لذا اسايره وتوقفت عن معاندته .
تنهدت بقوة لتضم نفسها إلى صدره بقوة تهمس له تحاول أن تهدا من خوفه : سنكون بخير لا تقلق .
هدر صوت وائل من جديد ليقبل جبينها ثانية قبل أن يجيب بصوت عال : آت يا عماه .
***
يقف بباب المطبخ الداخلي يراقب زوجة عمه التي تعد تتبيلتها الخاصة بالشواء ليهتف بها في صبر : هل انتهيت يا تامي ؟!
ابتسمت تامي ورمقته بطرف عينها قبل أن تدير نظرها الى ابنتها التي تقف منذ قليل معها لتهمس بمكر : حالًا يا عاصم ، اذهب يا حبيبي و أعد الشواية من فضلك .
نفخ بقوة ليكح بخفوت قبل أن يطلق صفيرًا خافتًا ليسأل بجدية : ألن تأتي لتساعدينني يا نوران؟!
ابتسمت برقة وهي تستدير إليه لتهز رأسها نافية قبل أن تسأله بدلال : تريدني معك ؟!
همهم بخفوت وصوته الابح يسيطر على نبراته : لي الشرف .
تعالت ضحكة نوران لتهتف فاطمة بخفة : اذهب يا ابن وليد و أعد الشواية واترك نوران تساعدني .
أومأ برأسه في أناقة : أمرك يا طمطم .
راقبته إلى أن ابتعد لتستدير الى ابنتها و تسألها بجدية : هل تصالحتما يا ابنة الوزير ؟!
ابتسمت نوران بمكر وهزت كتفيها : وهل كنا متخاصمان يا مامي ؟!
رمقتها فاطمة بطرف عينها لتغمغم اسمها بنبرة مميزة فتضحك نوران قبل أن تقبلها بخفة على وجنتها وتهتف : سأذهب لمساعدته لا يرضيك أن يظل بمفرده .
هزت فاطمة رأسها بيأس لتهمس إليها : لا تدعي أبوك يطرده اليوم من تحت رأسك فهو ضائق منه ومن أحمد أيضًا دون سبب .
ضحكت نوران لتجيب فاطمة : بل له سبب مع عاصم ولكن لا أدري عن أحمد .
نظرت إليها فاطمة بتساؤل لتغمز لها نوران بعينها : كان يريد تأجيل الزفاف ولكن عاصم رفض.
أومأت فاطمة باستحسان : معه حق ، و أبوك هذا لي حديث معه فقط بعدما يغادر الضيوف .
كتمت نوران ضحكتها لتهتف وهي تغادر : لك الله يا بابي .
***
غادرت تجمع الفتيات وهي ترسم ابتسامة متزنة على شفتيها تتجاهل ضيقها من تلميح ليلى وسؤالها المتخفي والذي شابه سؤال عمتها إلى حد كبير ، ليلى التي نظرت إليها يمنى بعتاب لتجيب هي بخفوت نافية الإجابة فيصدح صوت إيناس بمرح تعمدته وهي تخبرها أن هذا لأفضل وأن عليها أن تحصل على قدر كاف من السعادة دون هموم الأطفال ، تنفست بعمق وهي تلتقط وقوفه بجوار غرفة تدرك هي أنها مخزن المعدات فابتسمت بعدم فهم حينما تطلعت إليه وادركت أنه ينصب الشواية القديمة ليضع بها جمرات الفحم ويشعلها ببساطة لتسأله بجدية : ماذا تفعل يا أسعد ؟!
رمقها بطرف عينه ليتابع ما يفعله وهو يجيب : أعد الشواية .
عبست بعدم فهم : لماذا ؟! اليوم يوم الرنجة والفسيخ .
القتها بحبور ليمتعض هو وملامحه تتجعد بقرف قبل أن يتمتم : اعلم أنه اليوم العالمي لاكل السمك النتن ولكن هناك من لا يحب هذه الاشياء فسنشوي بعض من اللحم لهؤلاء الغرباء .
رفعت حاجبيها ذهولًا : حقًا ؟! من الذي سيأكل اللحم غيرك ؟!
عبس ليجيب : لا لن اؤكل اللحم ، فأنا اؤكل الرنجة و أحبها ولكن هناك أبي لن يستطيع أن يؤكل الرنجة ولا الفسيخ فمعدته متعبة قليلًا وعمي خالد أيضًا ، لقد كاد أن يطير رقابنا حينما تهادت إليه رائحة الفسيخ ومعه كل الحق ، وسيادة الوزير سنشوي له حمام لأنه يشتهيه ، والسيدة إيناس هانم لان رغم حبها الشديد لكل الاصناف إلا أنها تتبع حمية غذائية فستأكل لحم أحمر ناضج جيدًا .
نظرت إليه مطولًا قبل أن تكتف ساعديها وتهمس بعتاب : ولماذا أنت من تقوم بالشواء ولماذا تستخدم هذه الشواية القديمة بدلًا من الحديثة والتي ستطهو الطعام في أقل من عشر دقائق .
رمقها بطرف عينه ليقترب منها فجأة فتنتفض وجلًا قبل أن ترفع رأسها لتنظر إليه ،ابتسم بمكر وهو يهمهم قريبًا منها : ألن تتوقفين عن الانتفاض كلما اقتربت منك؟!
ارتعش فكها وهي تتنهد برقة أثارت مشاعره ليتنفس زفير انفاسها ويتبع بصوت أجش : أنا من اقترحت استخدام هذه الشواية حينما رأيتها فهي تنضج الطعام بمذاق اشهى من الشواية الحديثة ، ثم من قال أني بمفردي عاصم والشباب الصغار سيساعدونني ، ولكنه يأتي ببقية الأغراض من الداخل .
فردت كفيها المرتعشين فوق صدره لتهمهم بغيرة ومضت بعينيها : فقط لا تخلع قميصك أيا كانت الأسباب فالمكان ممتلئ بالفتيات ، ولتعلق به رائحة الشواء لا يهم فقط لتبق بملابسك مهما حدث .
ابتسم بمكر ليهمس بجدية وهو يحنو رأسه لها أكثر : ماذا ستدفعين في المقابل لأحقق لك رغبتك ؟!
لهثت بإثارة وخاصة مع وميض عينيه الماكر لتهمهم : أي شيء ستطلبه .
حرك طرف أنفه ليمس طرف أنفها بخفة وهو يهمس أمام شفتيها : سأطلب الكثير يا جنتي .
تتابعت أنفاسها بلهاث قوي وهي تسقط في بحر نظراته ليهم بامتلاك أنفاسها قبل أن تصدح نحنحة عاصم قوية وقريبة منهما ليتبعها بقول ساخر : بيت المزرعة فيه غرف كثر يا أسعد تستطيع الالتجاء لها وقتما شئت ، أو تذهب الى غرفتك التي تنوي تمضية بقية العيد بها .
عض أسعد نواجذه لتشيح هي برأسها بعيدًا قبل أن تهمهم بكلمات كثيرة غير مفهومة وتبتعد عنهما ليرفع أسعد رأسه ينظر إلى عاصم بغضب حارق فيضحك عاصم بخفة : لقد حاولت أن أعود إلى الداخل واتظاهر أني لم اراكما ولكني لم استطع يا أسعد تغلبت علي حميتي و لأني تعقلت قليلًا وأنا أدرك أنها زوجتك لكنت ضربت رأسك بالأسياخ المحماة هذه.
أطبق أسعد فكيه قبل أن يهتف بسخرية : أتفهم طبعًا ولأنها زوجتي أنا من سيطرق رأسك بالأسياخ أيها البارد الغليظ ، لقد فعلتها متعمدًا لتثير غيظي فقط .
ضحك عاصم بقوة : نعم معك حق فأنت رائع وأنت مغتاظ .
نظر له أسعد بصدمة قبل أن يلقى ما بيديه : حسنًا أيها الظريف ، لتقوم بعملية الشواء بمفردك ، فأنا ذاهب لأبحث عن زوجتي وأداوي حرجها الذي كنت سببًا فيه .
ابتسم عاصم بخفة ليتبع أسعد بتفكه : وها قد جاء لك قدرك متمثلًا على قدمين أرني كيف ستهرب منه .
رفع عاصم رأسه وهو يلتقط اقتراب نوران منه ليهمس بخفوت ماكر : إنه لأحلى قدر رزقني الله به .
رمقه أسعد بتهكم ليهتف بجدية وهو يتحرك مبتعدًا :عاوني عاصم من فضلك يا نوران فأنا لدي أمر هام علي القيام به !!
***
شد خطواته بحثا عنها .. يعلم أين هي دون أن يسأل فهي بالنسبة إليه رفيقة العمر .. حبيبته الذي يحفظ تفاصيلها قبل أن تصبح زوجته ، تنفس بعمق وهو يلتقط وجودها كما توقع باسطبل الخيول ، تطعمهم سكر وتربت على أنوفهم وتقبل ما بين أعينهم .
اقترب بخفة كعادته فلم تلتقط وجوده إلى أن شهقت وهو يحاوطها بذراعيه ويضمها من خصرها إلى صدره فيلصقها به ثم يميل مقبلًا التقاء عنقها بأول كتفيها في شغف وهو يهمس بحرارة : اشتقت إليك ، ارتعشت برقة وهي تهمهم باسمه فيتبع - أتيت خلفك لأراضيك بعد ان احرجك ابن عمك الغليظ .
أخفضت رأسها وهي تبتسم بخجل فتابع وهو يصر أن يزيل عنها توترها وخجلها : كنت أعلم أنك هنا .
رددت ببطء وعقلها يعاود التركيز : كنت تعلم ، كيف ؟!
أدارها لتواجهه فيحتضن وجهها بكفيه يرفعه إليه : أنسيت أننا أصدقاء ، أنا أعلم أنك مولعة بالخيول ، اتبع بمكر - وبالخيال أيضًا .
توردت لتضحك برقة : نعم أنا مولعة بالخيال ، لقد حضرت جميع بطولاتك المحلية ، وكنت أحضر تمارينك الإسبوعية ، لطالما فغرت فاهي انبهارًا وأنا أراك تمتطي فرسك تركض به وتقفز تلك الحواجز بفخامة وبهاء كانا يأخذان بعقلي بعيدًا فأتخيلك وأنت تمتطي حصانك وأنا معك فيخفق قلبي بقوة لازيح عني خيالاتي وأركض هربًا منك ومنها ، ازدردت لعابها وهي تبعد نظرها عن عينيه الوامضتان بنظرات ماكرة تائقة فتتابع - كل هذا وأنت غافلًا عني .
ابتسم بمكر ليهمس بقنوط : لم أغفل عنك أبدًا ، كنت أدري وأعلم ولكنك كنت تبعدينني عنوة عنك ، فكلما رأيتني أكدت على كوني ليس أكثر من صديق ، بل بعض الأحيان بالغت في وصفي بأخاك ، والطامة بالنسبة لي كانت تلك المرة التي قارنت بيني وبين عاصم و دعوتنا سويًا بأننا صغارا لا نفقه شيء ، لقد تعمدت أن تشعرينني بأني صغيرًا يا جنى ولا اليق بك .
شهقت بصدمة لترمش بعينيها : لا تقول هذا أبدًا أنا فقط ، سحبت نفسًا عميقًا لتهمس - كنت خائفة
همس سائلًا : والآن ؟!
نظرت إليه مليًا لتجيب : الآن أنا أحبك
همس باسمها متسائلًا لينظر اليها باستفهام مهتم فابتسمت بتوتر وهزت رأسها نافية معربة عن كونها بخير في كلمات خافتة أثارت تفكيره بها قليلا ليضمها إلى صدره مليًا ينثر قبلاته فوق وجهها ، قبلاته التي استقبلتها وتعاطت معها في استجداء شعره جيدًا فيخفق قلبه بقوة وهو يشعر بشيء ما يموج بداخلها ولكنها لا تقوى على اخراجه كعادتها فيلهث بقوة وعيناه تلتهم ملامحها الناعمة بتوق ترجمه سريعًا حينما همهم بصوته الاجش : فقط لا تشكي من الرائحة
عبست بعدم فهم وادراكها يوقظها من استسلامها له : أية رائحة ؟!
شهقت بمفاجأة وهو يحملها بين ذراعيه فتتعلق برقبته بعفوية وهو يصحبها إلى داخل غرف الاسطبل فينحني بها جالسًا على القش بآخر غرفة والغرفة المغلقة الوحيدة والتي اكتشفت أنها فارغة بعدما أغلق الباب بقدمه حينما دلفا إليها.
توردت وهي تقرأ رغبته الواضحة فيها فتهمس برفض واهي وهو ينثر قبلاته على كل خلية في وجهها : أسعد
ليهمهم بالقرب من شفتيها : فقط لا تجفلي ، اشعري بي و أعدك أنه سيكون رائعًا .
ضحكت بتوتر وهي تشعر بيداه تتجرءان في ملامستهما لها تهمهم باسمه ثانية فلم يهتم وهو يغمس أنفه في صدرها بعد أن حل أزرار فستانها الأمامية : دومًا كانت تجذبني رائحتك ، دومًا كانت تعلق بي إذا ارتطمت بي عرضًا ، و دومًا كنت احتاج أن أبذل مجهودًا عضليًا في هذى المرات العرضية لأتخلص من اثرك و تأثيرك فاستطيع النوم ، أتبع وهو يقبل طرف فكها ويلتهم شفتيها بقبلات شغوف تائقة – و دومًا لم أكن اتخلص منك فكنت تزورين أحلامي فانتقض من نومي ألهث وأنا أبحث عنك بقربي كما كنت بأحلامي .
همهمت وهي غارقه به : أحبك يا أسعد ،
شهقت بعتاب وهي تشعر به يلامسها فتغمغم باعتراض واهي ليهذر بشوق محموم وهو يرفع رداءها للأعلى : كنت متضايقًا حينما ارتديت هذا الفستان وكنت أفضل أن ترتدين إحدى بناطيلك أو الجينز الذي يثير غيظي لإظهاره مفاتنك ، ولكن الآن شعرت بأن فستانك هذا هدية من القدر لي ، لهثت وهي تستجيب للمساته .. قبلاته .. غزله الجريء .. وجسده الدافئ الذي شعرت به يحاوطها .. يخيم عليها .. يكتنفها في لجة بحره الهائج ، عضلات صدره النافره وجسده المتشنج برغبته فيها والتي لامستها بعد أن تخلص من قميصه لتنتفض بقوة على وصاله لها بشوق محموم فتتمسك بكتفيه تستجيب إليه بشوق يماثل هدير قلبه العال وشفتيه تهدر باسمها وحبه لها فتتأوه برغبة وهي تتعلق به تناشده أن ينقذها من الغرق فيه ، ليغرقا سويًا .. معًا في عاطفتهما اللاهبة
***
يزم شفتيه بضيق ، يدور من حول نفسه وهو ينتظر ذاك الطبيب الغبي الذي استدعاه لإنقاذ الأحمق الآخر الذي لم ينجو بنفسه وهو يهرب بل اصيب وأتى له بمصيبة ستحل فوق رأسه إذا حدث له شيء ، فهو يعلم جيدًا مدى اهميته .. ومقداره لدى الآخرين الذي ينتظرون عودته لهم بأي شكل .
زمجر بضيق والغضب يملؤه من تأخر الطبيب الذي فزع أول الأمر حينما نظر إلى اصابته وأخبره أن الاصابة خطيرة وأن الآخر يلزمه مشفى ولكنه هدر فيه أن ينجز هو الأمر بحرفية تامة وإلا سيدهسه دون أن يرف بجفنيه فيستجيب إليه الطبيب خوفًا ويبدأ في مداوة جرح الآخر الذي فقد وعيه بسبب كثرة النزيف وعمق جرحه .
دار من حول نفسه مرة ثانية ليتصلب جسده باهتمام وهو يلتقط خروج الطبيب من الغرفة المعدة كعيادة خارجية ولكن ليست مصرح بها ليسأله بخشونة : كيف حاله ؟!
تنفس الطبيب بعمق ليهتف بخشية : لقد انقذته استخرجت الرصاصة ونظفت الجرح ولكنه نزف كثيرًا ، رمقه بغضب فأكمل بتلعثم – أمامنا يومان لنعرف هل سيفيق أم ..؟!!
صمت وترك جملته معلقه قبل أن يبتعد عنه فيتطلع نحو الغرفة المستلقى من خلفها الآخر والذي يحمل بنجاته صك حمايته للأيام القادمة !!
***
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...