بعد ما يقارب العشرة أيام
يتنفس بعمق بعدما استيقظ من النوم ، يفرك وجهه بكفه والآخر يبحث عن هاتفه لينظر إلى الوقت وهو يسترخي بفراشه فاليوم حصل على أجازه بعد أيام عمل متوالية والذي بدأ بمباشرته في شركة والده منذ بداية إجازة الصيف .. مباشرة رسمية وحماس أثار فخر والده به واستياء والدته غير الراضية عن تصرفاته الآونة الأخيرة ولكنه ضاق من تحكمات لا يفهم أهميتها ، كما لم يعد يتقبل إصرارها على انتقاده في كل شيء يخصه ، يعلم سبب ضيقها ولكنه حاول أن يتحدث معها .. يقنعها .. يخبرها عن حلمه في استكمال مسيرة والده أو يثرثر لها عن فوضى مشاعره اتجاه الفتاة التي ترفضها منذ رؤيتها الأولى لها ولكنها لم تستمع إليه بل لم تمنحه الفرصة كي يتحدث لقد ثارت عليه في زفاف عمار دون أن تهتم بوجودهم في الزفاف أو قرب مي منهم فأخبرته بعدم رضاها عنه ولا عن تصرفاته ولا عن اختياره السيء كما وصفته، بل إن الأمر تطور إلى أنها وصفته في غمرة ثورتها بأنه غر ساذج يسيل لعابه فتاة منحلة تمنحه الكثير دون أن يطلب .
أطبق فكيه وهو يستعيد الموقف المحرج الذي وقع به وخاصة حينما تدخل والده ليسكت والدته بصرامة ، يأمره بالابتعاد فيستدير بالفعل ليجد مي تواجهه بعينين مليئتين بالدموع ووجه مكفهر وحزن يعتلي ملامحها ، حزن لم تكتمه بداخلها بل واجهته بضيقها واتهمته بأنه لا يقوى على الدفاع عنها لتنصرف باكية بعدما أخبرت والدها برغبتها في الانصراف والذي استجاب إليها على الفور دون أن يسألها عن أي شيء ورغم أنه اندفع خلفها وحاول التبرير لها مصالحتها وارضائها أمام أبيها الذي وقف يراقب الأمر بنظرات هادئة فيغمغم إليه معتذرا بحرج فيبتسم إليه أبيها ابتسامة متكلفة قبل أن يغادر بابنته التي ظلت على غضبها منه يومان كاملان كاد أن يفقد عقله بهما !!
زفر بقوة وهو يحاول أن يصفي ذهنه من ذاك الصراع الذي يفتك به بين ارضاء والدته وعلاقته بمي التي أصبحت على صفيح ساخن بسبب غضب الأخيرة الذي لم يخبو للان ، فرغم أنها عادت للحديث معه إلا أنه يشعر بأن علاقتهما لم تعد كما كانت بل إن هناك شيء بهما كُسِر لم يستطع هو ترميمه من جديد ، وخاصة مع غيرته –عليها – التي لا تهدأ وغضبه من انفتاحها الذي يثير غضبه ولكنه يحاول الى حد ما أن يسيطر على نفسه ويتمسك باتزانه حتى يمر الأمر بسلام .
داعب شاشة هاتفه حتى يتصفح الموقع الرسمي لصور المشاهير ببطء وملل وهو يقرر أن يتكاسل بالفراش فيمر مرور الكرام فوق الكثير من الصور بعضها لوالده .. عمه .. وابن عمه الفنان الذي يلاقي رواجًا هائلًا ومريدين كثر في الموقع لينتفض عصب الغضب بوجهه وتحتقن أذنيه بحمرة قانية وهو يشعر بعقله يغلي وعيناه تقع على صورتها التي نشرتها منذ الثلاث دقائق !!
قفز واقفا وهو يضغط على هاتفه يأتي برقم هاتفها ليتصل بها سريعا فتجيبه من الرنة الثانية هامسة بصوتها الأبح : صباح الخير يا لولو .
هدر بغضب اعمى : خير من أين سيأتي الخير وأنت تتصرفين كما يحلو لك دون مراعاة أي شيء آخر سواك ؟!
رفت بعينيها لتهمس بعدم فهم : ماذا حدث يا علي ؟!
صاح بحدة وانفعال تملك منه : وتسألني أيضاً ماذا حدث ؟!! ألم تكتفي بنشر صورك بذاك الفستان الذي حضرت به حفل زفاف عمار رغم معرفتك برفضي له ، لأصبح اليوم على صورتك وأنت خارجة من دورة المياه وتلفين شعرك بالمنشفة .
انفرجت ملامحها بذهول فخيم عليهما الصمت لولا أنفاسه الثائرة المتلاحقة بعدما هدر : أخبريني أية فتاة من عائلة محترمة تفعل مثلما تفعلين أنت ؟!!
زمت شفتيها قليلا لتجيب بعد دقائق معدودة : هل نظرت إلى الصورة جيدا يا علي ؟ صمت ولم يجيب لتتابع بعد وهلة - الصورة من ضمن حملتي الدعائية لعلامة النظارات الشهيرة التي أمثلها كوجهها الدعائي .. الصورة التي تتهمني بأني نشرتها بعد خروجي من دورة المياه أضع بها زينة كامله وأنا بالطبع لا استحم بزينتي الكاملة .. أما تلك المنشفة الملتفة حول رأسي ما هي إلا وشاح أبيض ارتديه على قميص طويل كما هو ظاهر بها قميص عادي كبقية قمصاني التي أخرج بها ، بل وتقابلنا به مرة من قبل .
اختنق حلقه بضيق جثم على صدره لتكمل بنبرة مهتزة أدرك من خلالها أنها تقاوم بكائها : أما أمر العائلة فأنت تدرك جيدا أنا انتمي لأي عائلة .. وتدرك جيدا مركز والدي الاجتماعي المرموق .. ووضع والدتي الاجتماعي العالي .. أنا لست فتاة آتية من الطريق يا علي .. ولست فتاة منحلة كما وصفتني والدتك ولكنك للأسف لا ترى سوى ما يرى الجميع .
زفر بقوة وهم بالحديث فقاطعته باختناق تشبع به صوتها : لا يا علي الدين ، لا أريد سماع تبريراتك هذه المرة ، فأنا سئمت من الوضع ككل ، ظننتك مختلفا ولكن ..
تركت جملتها معلقة لتكمل بعد وهلة - أعدك أني لن اثقل عليك ثانية ، سلام .
حاول أن يستوقفها بهتافه باسمها ولكنها أغلقت الاتصال بالفعل ليعاود مهاتفتها ولكن صوت الصافرة المتقطعة أخبره انها ولأول مرة ترفض التواصل معه بعدما كانت تركض من حوله لترضيه !!
جلس على فراشه بضيق خيم عليه وهو يشعر بقلبه يئن وجعًا ، ليقبض على هاتفه بقوة قبل أن يلقيه بغضب إلى جواره ثم يستلقي عرضيًا بفراشه وهو يشعر بالخواء يكتنفه.
***
يقف بشرفة القصر المبني حديثًا على ذوق زوجته بعدما هدمت قصر عائلته المنيف لتبني قصرا خاصا بهم كما أخبرته ، به وبعائلته فقط حتى والداها لن يعودا ليسكنها معهم ، لا ينكر أن القصر بتصميمه الحديث راق إليه كثيرا ولا ينكر أنه أعجب بفكرتها وتصميمها على خلق عالم خاص بهم ثلاثتهم هو .. وهي .. وولدهم الذي أتى إلى عالمهم متعجلا لدرجة أنه وضع بالحضانة ولم يخرج بعد .
اختنق حلقه وهو يتذكر حزنها .. بكائها .. وآلمها بسبب إنجاب طفلهما مبكرًا .. صدمتها حينما أخبرتهم الطبيبة عن ضرورة وجوده بالحضانة .. ومكوثها بالمشفى حتى بعدما صرح إليها بالخروج ولكنها أبت أن تترك ولدها بمفرده فاستنجدت به ليستأجر إليها جناح فاخر لتبقى مع ابنهم الذي أتى ببنية ضعيفة وصحة غير جيدة ، ولكنه فرح به .. رغم كل الظروف التي مر بها .. وما عاناه في بعدها عنه .. وتوجسه من أفعالها غير المعتادة منها ، إلا أن وجود إسماعيل أخيرًا وبكائها على صدره كل ليلة وتمسكها به دون عن غيره يثلج صدره ويمنحه أملا ً أنها ستخرج من المشفى حينما يتعافى ولدهما وهي حبيبته القديمة التي تعشقه وتفضله عن العالم كله.
تنهد بقوة وهو يراقب العمال التي تهتم بالحديقة الخلفية التي يعدها لولده بعدما تحدث مع المهندس المسئول عن تنسيق القصر وتجهيزه فأخبره عن بعض التعديلات التي تخص طفل صغير فوافق المهندس وأخبره أنه عليه فقط انتظاره حتى يشرح له ما يريده . وها هو ينتظره ليخبره عن التنسيق الجديد الذي سيتم عليه تعديل غرفة النوم الرئيسة وغرفة الأطفال التي سينشئها لولده .
ضيق عيناه وهو يراقب السيارة الحديثة الأنيقة التي دلفت من البوابة الإلكترونية الحديثة لتقف بمكان صف السيارات البعيد فيترجل منها شاب في أواخر العشرينات كما استنتج يستطيع أن يرى وسامته من موضعه ويشعر بهالته القوية وجاذبيته الطاغية عن بعد .
تصلب جسده برفض وغيرته تسيطر على عقله الذي تساءل عن مدى معرفة زوجته بهذا الشاب الذي أوكلت إليه مهمة تنسيق القصر، بل وكم مرة قابلته ليتحدثا سويا أو يثرثران معا ، وهل أعجبت به برجولته الطاغية .. وسامته الفائقة .. لتتسع عيناه برفض جلي وجنونه يسكن عيناه وهو يراقب ملامح الآخر التي وضحت أمامه وعيناه بلونهما الرمادي الرائق والذي وقف أمامه يهتف بصوت أبح هادئ : صباح الخير يا بك ، أنا نبيل الألفي المهندس المسئول عن تنسيق البيت .
تطلع إليه بصمت خيم عليهما لينظر إلى كف نبيل الممدود برقي قليلا قبل أن يستجيب أخيرًا ويصافحه بقوة هاتفًا : زيد الحريري .
انفرجت ملامح نبيل عن صدمة سكنت حدقتيه وهو يتذكر ذاك الاسم صاحب الفضيحة التي تداولتها الصحف منذ مدة قريبة عن الشاب المدلل ابن الأصول الذي ضرب زوجته ضربا مبرحا أفضى لنقلها بين الحياة والموت للمشفى فشعر بانزعاج صاح به عقله لتلك الزوجة التي عادت لمن أهانها ليستنكر شعوره الأمر ليفكر بأنها من الممكن زوجة أخرى فيسيطر الرفض عليه ولكنه يتحكم في مشاعره بثبات حتى لا تظهر في حديثه مع هذا الحقير ضارب النساء ليهمس بجدية : تشرفت بمعرفتك ، هلا أخبرتني عن التعديلات التي تريدها للغرف ، فللأسف نحن متأخران لأننا لم نستطع التواصل مع زوجة سيادتك منذ أكثر من أسبوع والعمل متوقف لأجل هذا السبب .
تمتم بضيق : المعذرة لقد أنجبت زوجتي وولدي بالحضانة لذا لا تستطيع المجيء بنفسها ولكن هاك أنا هنا بدلا عنها أم لابد أن تتحدث معها شخصيا .
عبس نبيل بضيق وعقله يوكد له أنها نفس الزوجة فهو يتذكر الخبر الذي جاء عاطفيا واصفا قسوة الزوج الذي ضرب زوجته ولم يشفع لها حملها عنده ليجيبه بصوت جاد : لا أي منكما يفي بالغرض ، مبارك على الولد وطمئنك الله عليه .
ابتسمت زيد بمجاملة : شكرا لك .
أشار إليه نبيل وهو ينحي كل شيء جانبًا : حسنا هلا أخبرتني عم تريدونه بالضبط لأستأنف العمل .
أومأ زيد وهو يشير إليه بالسير معه : اها بالطبع تفضل .
***
رفت بعينيها كثيرا تستيقظ من نومها العميق بعد الأيام الماضية التي كانت تعاني بها أرقًا بسبب تبديل فراشها .. نمط حياتها .. وبيت عائلتها الذي تركته ورحلت إلى بيتها ، فتحت عيناها باندهاش يلازمها منذ بداية زواجها فهي للان لم تعتاد على كل هذا التجديد الذي ألّم بها ، بل تشعر باندهاش كلما استيقظت على ألوان الغرفة المبهجة .. الفراش الناعم .. والسخونة التي تحاوطها وتوقظها بسبب احتضانه القوي لها ، ابتسمت مرغمة وهي تتذكر أن أول ليلتان كانتا الاسوء على الإطلاق فهي لم تستطع أن تغفو ولو دقائق قليلة بسبب احتضانه لها وهو الذي لم يقبل أبدًا أن تبتعد عنه بعدما امتلكها امتلاك تام لا تستوعب للان كيف سمحت له به بل وتجاوبت معه رغم إدراكها لقوة تأثيره على مشاعرها التي لازالت متأرجحة بين الخجل والانصهار الذي يغمر حواسها كلما اقترب منها زوجها . ابتسمت بسعادة ومضت بعينيها وهي تتذوق الكلمة بكل ما فيها من معاني فتشعر بقلبها يخفق بقوة وعقلها يردد بأنها نالت ما كانت تحلم به طوال عمرها ، فصديق طفولتها وحبيب عمرها أصبح زوجها كما تمنت وكما يردد على مسامعها في كل لحظة منذ ليلة زفافهم فيذكرها بكل أفعاله أنها أصبحت زوجته .. حبيبته .. ومليكته .
تنفست بعمق وهي تحاول أن تتمطأ فلا تستطع بسبب احتضانه القوي لها ، لترتسم على ثغرها ابتسامة ناعمة وهي تشعر بالسكينة بين ذراعيه .. صدره القوي الذي يهشم رقتها ليلملمها ثانية بعنفوان مشاعره .. افتتانه الصريح بها والذي يعزز من ثقتها بنفسها ... وتوقه الشديد والمتتابع لها والذي يبهرها رغم انه يرهقها كثيرا إلا أن هناك خفقة مخالفة بخفقاتها تشعرها بالانتصار حينما يعلن عن لهفته المتجددة دوما ، منذ ليلة زفافهما التي أبدى فيها تفهمًا لم تكن تتوقعه بسبب تواقحه معها قبيل زفافهما .. حديثه الهادئ معها .. وطمأنته اليها التي أتت عملية فلم تعد تعي بعد وقت قصير إلا باستجابتها إليه بطريقة أشعرتها بالحرج فيما بعد ولكنه لم يمنحها الفرصة أن تنطوي على نفسها بل إن لهفته إليها المتتالية واستطاعته أن ينتزع منها استجابتها مرة بعد مرة والتي أذهلتهما سويا فيهمس إليها بجانب أذنها كلما شعر بحرجها : أنا أعشقك يا يمنى .. احبك .. أنتِ نصفي الآخر الذي لا أستطيع الاستغناء عنه أبدًا.
تعرقت بخجل أحمر له وجهها وهي تشعر بالشوق إليه يندفع بأوردتها فتحاول الحركة ولكنها لم تستطع إلا أن تستدير لتقابله فتغرق بنظرها في ملامحه الوسيمة .. ذقنه المشقوق بعلامته التي تعلن عن جاذبيته .. فكيه العريضين وخصلات ذقنه المشعرة بطريقة لا تنكر أنها تثيرها حينما يلامسها بها.. أنفه ذات العكفه البسيطة والتي تنثر أنفاسه الساخنة فوق بشرتها.. وعيناه مصدر سحره وجاذبيته .. بحدقتيه اللتين تأسراها فلا تقوى على الفرار منهما ، بل تغرق في لجتهما المتباينة بين غاباته الخضراء أو عسليتاه اللامعة ، اختنق حلقها خجلاً وهي تقر بأنه يستطيع إغوائها بل ويتفنن في ذلك أيضًا وهي أمامه لا تملك قوة سوى الاستسلام والغرق في بحور عشقه العميقة فلا تستطيع الإبحار إلا بواسطته فهو كما يغرقها يستطيع أن ينجيها وينتشلها من ضياعها به ليصل بها إلى أمان شاطئه.
تنفست بعمق مرات متتالية لتتملص ببطء من ذراعيه المغلقتين حول خصرها بأحكام ، تبحث عن مئزرها الحريري أو قميص نومها دون أن توقظه فتتخلص من أسره المستمر منذ ليلة زواجهما ، كتمت تنفسها وهي تعتدل في الفراش تحمل ذراعه بخفة فتململ من نومه ، ربتت عليها برفق قبل أن تفلت من تحتها وتضع تحتها الوسادة فتنسل خارج الفراش وهي ترتدي مئزرها على عجاله و تتسحب بخفة حتى لا يستيقظ على صوت خطواتها.
كتمت شهقتها ولكنها أجفلت عندما دوى صوته هاتفا بترم ونزق : إلى أين تذهبين ؟!
تنهدت بقوة لتستدير إليه تنظر له من بين رموشها، تكتف ذراعيها وتهتف بنزق يشبه نزقه : ذاهبه إلى دورة المياه ،
اضجع جالسا فظهر صدره الأبيض العريض أمامها ليهمهم بخفوت : كاذبة ، أنت تهربين مني ولا أعلم لماذا ؟
مطت شفتيها بضيق قبل تخطو نحو دورة المياه بالفعل تتركه من خلفها وهي تجيبه بضيق : أهرب منك إلى أين يا عمار ؟!! هاك أنا هنا معك ولا مجال للهرب بعدما أصبحت زوجتك
قفز واقفا من الفراش ليهتف بنزق وهو يقف بجوار دورة المياه : إذًا تريدين الهرب وما يمنعك أنك اصبحت زوجتي ؟!
خرجت بعد قليل بعدما غسلت وجهها وقامت بروتينها الصباحي لتهتف بصدمة : هل جننت يا عمار ؟!
عبس بضيق ليجيبها بتبرم طفولي قبيل أن يدلف بدوره إلى دورة المياه : لا ولكن أشعر بك مستاءة من البارحة دون سبب .
زفرت بقوة وهي تتجه إلى غرفة الملابس تثرثر ببوح مختنق : لأني ضقت من وجودي في غرفة النوم بل في هذا الفراش ، أنت تحتجزني هنا منذ ليلة الزفاف يا عمار
اتبعها ليقف خلفها يحتضن كتفيها براحتيه يلصقها بجسده هامسا بخفوت وهو ينظر إليها من خلال المرآة التي تقف أمامها : ولن أفك اسرك إلا حينما يتما الأسبوعان لاختطفك وأسافر بعيدا.
تدللت لتهمس بعدما استدارت تواجهه : لا أعترض على اسرك لي ، فقط عمم الاحتجاز في بقية الشقة ، أريد أن أرتدى ملابسي الجديدة ، وأرى التلفاز ، وأقف بالمطبخ ونجلس بالحديقة أحيا عروس إلى جوارك .
عض شفته بعبث : ألا تشعرين إلى الآن أنك عروس يا مونتي ؟
توردت لتهمهم بخجل : تأدب يا عمار.
قربها إليه ليضمها إلى صدره : وهل أقو على الأدب في حضورك ، أنت تجردينني من كل شعور آخر سوى أن أشعر بك .. بقربك .. اهفو إلى وصالك .. والتقي بك .. اتوحد معك ، أنت تستولين علي كاملا يا يمنى .
احتضن وجهها بكفيه لينظر إلى عمق عينيها قبل أن تتهادى أنامله فتلامسها برقة ليهمس متبعا - ما أشعره نحوك يفوق العشق .. يفوق الرغبة .. إنه وصال روحي لم أنعم به من قبل ، وحينما تنعمت فيه لا أقوى على فراقه
جف حلقها وهي تسقط في أمواجه الرائقة كوصاله الهادئ يجذبها إليه بتمهل قبل أن يغرقها في بحر العميق فلا تقو على السباحة ولا تستطيع الغرق فتترك روحها تطفو إليه وتعلو معه ، تسمو بجوار روحه فيتلاقيا بهيام يخيم عليهما .
تنهدت بقوة حينما حملها وهو يلصقها بصدره فتتعلق برقبته وساقيها تلتفان من حوله ليعود بها إلى الفراش من جديد ، تأوهت باسمه وهو يلامسها .. ينغمس بها .. ويصلها بشوق محموم وهو يهمس لها بعشقه الهادر لها واشتياقه الأسر لها فتسلم له وتسقط معه في لجة بحره الهائم بها.
***
يجلس أمامها يحتضن قيثارته ليعزف اللحن بتروي أنامله تداعب الأوتار ببطء شديد وهو يتأكد بين الفنية والأخرى أنها تنظر لحركة اصابعه البطيئة قبل أن يشد جسده ويرفع كفاه فيشير إليها باللحن عن طريق نغمات يجسدها بحركات يديه وشفتيه في بطء ليضمن أنها التقطتها.
رمقته باهتمام وهي تستجيب إليه ببطء ، يراقبها بعينيه وهي تحرك أناملها بهدوء تحاول أن تقلد عزفه فتعبس بضيق وهي تنظر إليه بعد نغمتين وتشير إليه عن كونها أصابت أم تخطأ فيبتسم برقة ويمنحها دعما بعينيه ليشير إليها بعلامة تشجيعية أثارت ضيقها لتتوقف قبل أن تشير بكفيها في حركات سريعة غاضبة تخبره من خلالها أنها لا تريد أن تستمر في التعلم وأنها ضاقت ذرعا بالأمر كله !
تنفس بعمق وهو يرمقها مليا بنظراته في صمت يتحمل ثورتها المعتادة بصبر ، ينتظرها أن تنتهي وهو يدرك أنها تقاوم .. تعاند .. وترفض ، يشعر بها بأنها تتوقف قبل الانجذاب .. التوحد .. والغرق في موسيقاه الذي تبهرها ولكنها لا تريد أن تنبهر .. لا تريد أن تخرج من شرنقتها .. ولا تريد أن تتعلم رغم كون الأمر يروقها ، ابتسم وهو يركز بصره عليها فتوردت بخجل وأخفضت عيناها بحرج لثواني معدودة قبل أن ترفع عيناها إليه فتتسع ابتسامته وقبل أن تتحاشى النظر إليه هذه المرة كان يشير بكفيه مرة اخرى يردد النغمات وكأنها لم تثور من قليل ولم ترفض ولم تتمرد عليه ، ثم يعاود العزف ببطء وهو ينظر إليها دون أن يحيد ببصره عنها.
رفت بعينيها ووجهها يحتقن باحمرار قاني ليشير إليها بعدما انتهى من العزف بكفيه وهو يرمقها بنظراته المثبتة عليها قائلا : الموسيقى لا تحتاج إلى انصات يا سهيلة ، أنها تحتاج إلى إحساس .. توحد وانسجام ، لا تهتمي بكونك أخطأت أو أصبت ، لا تهتمي بكونك تسمعي النغمات أو لا ، فقط اهتمي بأن تشعري بها .. فقط قلبك ومشاعرك هي من ستخبرك .
اختنق حلقها وهي تتطلع إليه لتشعر بالحرج يغمرها وهي تعلم جيدا كيف هو صابر على نزقها .. ضيقها .. ورفضها للأمر الذي تخاف أن تنغمس به فتعود منه خاسرة ، ألا يكفيها الخسارة التي تحيا بها ؟!!
انتبهت إليه يشير إليها ليردد عزفه فتتأمله مليًا وهي تشعر بكون روحها حفظت النغمات التي يشير إليها بها لتنحني على قيثارتها التي تحتضنها بدورها لتنظر إليه وهو يكرر عزفه لتبدأ بالعزف حينما أشار اليها فكررت العزف بالفعل ودندنت بنغمات اللحن داخل روحها دون أن تدرك أن صوتها خرج بهمس ليس خافتا بل كان مسموعا إليه فتتسع عيناه بصدمة وهو لأول مرة يسمع صوتها !!
رفعت رأسها بابتسامة رقيقة ناعمة تنظر إليه تسأله بعينيها إن كانت أخطأت فتقابل عيناه المنبهرة لتجفل بعدم فهم سكن عيناها لتشير اليه سريعا تسأله عما أخطأت به فيبتسم وقلبه يخفق بعنف .. روحه تتعلق كما لم يحدث من قبل ليشير إليها وعيناه تلمع ببريق مضوي أنار حدقتيه وسرى لينير جزء من عتمة روحها الدائمة فابتسمت دون فهم على ابتسامته لتطمئن روحها وهو يشير بعفوية مجيبا : لا شيء .. فقط اللحن خرج رائعا كعازفته .
توردت واخفضت رأسها بخجل وعيناه متعلقة تترقب ادق تفاصيلها فلم يعيا الاثنان لمن توقفت بعيدا تراقبهما من جانب الجدار الذي يفصل الجلسة الجانبية الظاهرة عن صالة بيتها الواسعة والتي تجلس بها دوما خلال تلقي ابنتها لدروس الموسيقى خاصتها والتي قفزت واقفة حينما استمعت إلى صوت ابنتها الذي لم يمر من حنجرتها منذ عمر الثامنة ، صوت ابنتها الذي لم تستمع إليه منذ ذاك اليوم الذي انهارت به سهيلة وسقطت صارخة بعدما ضايقتها الفتيات في صفها وأثرن غضبها ، لتلتزم سهيلة الصمت بعدها وتأخرت حالتها وبعدما كانت تتقد مع طبيب الصوتيات شخصها الطبيب بالخرس النفسي ، فهي ليست خرساء هي تستطيع الحديث ولكنها التزمت الخرس لتماثل نظرة المجتمع الذي صنفها خرساء بكماء لا أمل لها في حياة سوية في وسطهم.
انتفضت هنا وهي تشعر بكفين يحتضنان كتفيها فتدرك في لحظت استعادة وعيها إلى دموعها المنهمرة التي أغرقت خديها .. ورقبتها لتستدير تواجه تيم الذي سألها بعينيه دون صوت فتختفي داخل صدره وتحاول أن تتماسك حتى لا تجهش في البكاء فيضمها تيم إلى صدره ويجذبها بعيدًا ليسأل باهتمام عن سبب بكاءها فتهمس بصوت أبح سعيد رغم بكاؤه : سهيلة دندنت يا تيم ، أخرجت صوت من حنجرتها .
كسى الذهول ملامح تيم ليختنق حلقه بموجة دموع عاتية ليهمهم بفرحة عارمة : يا الله ، يا الله ، الحمد لله الف حمد وشكر يا الله .
هم بالحركة عائدا لابنته فاستوقفته هنا برفض لتهمس إليه بجدية : لا تذهب الآن ، لا تفعل ، لا نريدها أن تلحظ أنها فعلت إلى أن نستشير الطبيبة النفسية يا تيم ، لمع التفهم بعينيه فأكملت - سنكتم فرحتنا داخلنا وننتظر .
أومأ بتفهم وأجابها : معك حق ، سننتظر . ابتسمت برقة فأتبع بجدية - ولكني سأذهب لأرحب بنادر .
ابتسمت وسارت خلفه لينهض نادر واقفا حينما أقبلا عليه ليهتف بجدية وهو يشير بكفيه ليشرك ابنتهما في الحديث كما يراعي دائما : سهيلة تحرز تقدم ملحوظ يا باشمهندس ، في غضون أشهر ستنافسني في العزف.
ابتسمت ووجهها يتورد ليقترب تيم منها بحمائية تحكم بها فيحتضنها من كتفيها يضمها إلى صدره وكأنه يحميها من عينيه بطريقة ملحوظة فرفع نادر عيناه إليه بجدية وتيم يجيبه : البركة في الأستاذ .
أجاب نادر بثبات وهو يشير بكفيه ولكن بنظرة محايدة : سو ستكون التلميذ الذي تفوق على الأستاذ.
ابتسم تيم بلباقة ليشير إليه أن يستريح فيتحدث نادر بصوت واضح ولكن بعدما أخفض عنقه متخذا وضعية الجلوس وفي حركة يدرك جيدا أن سهيلة لن تستطيع من خلالها التقاط حركة شفتيه : أريد الحديث معك يا باشمهندس ومع انا دون وجود سو .
ومضت حدقتي تيم بتقدير ليتبادل النظرات مع هنا التي اشارت إلى ابنتها بحركة سريعة تخبرها أن مريم هاتفها أكثر من مرة فتستأذن سهيلة برقة قبل أن تغادر بعدما أشار نادر بكفيه يخبرها أن درسهما اليوم انتهى .
خطت مبتعدة بخطوات هادئة لتقف بمنتصف الطريق ثم تلتفت إلى ثلاثتهم فيبتسم نادر بإعجاب واضح وهو يدرك شعورها .. حدسها الذي يخبرها أن هناك أمر ما فابتسم وأشار إليها ثانية يحدثها عن قيثارتها التي تركتها فعادت برقة تشير إليه باعتذار فيحادثها بطلاقة سرت بينهما أن لا تهمل قيثارتها حتى لا تغضب الأخيرة منها.
ضحكت برقة وابتسامتها تتسع لتصدر همهمة من حنجرتها ثانية دون أن تدرك فيجاريها نادر بالضحك وهو يعي ترقب والديها وسعادتهما الواضحة ليهتف بعدما ابتعدت بمسافة كافية : هذا ما كنت أريد أن أتحدث عنه . هل سهيلة تستطيع الحديث ؟! والأهم هل تدرك أنها تفعل أم ..؟؟
تنهدت هنا بعفوية لتثرثر إليه ببوح : نعم هي تفعل ، أو كانت تفعل ، وهي صغيرة كنا نحاول معالجة حالتها حينما كان قرارنا أن تجري الجراحة فأرسلناها لطبيب متخصص يعلمها النطق والحديث ويقارب عقلها للأمر ، بعض الأحيان وهي صغيرة كانت تبكي تصرخ أو تضحك بصخب حينما تسعد ولكن بعد فترة معينة توقفت التزمت الصمت ونحن قررنا أن نتقبل حالتها هكذا دون تغيير .
اسبل جفنيه بتفكير ليهمهم : إذًا هي لا تدرك الأمر ، تمتم ببوح وعيناه تشرد بعيدا - دندنت بعفوية وضحكت بعفوية أيضًا .
كح تيم بخفة وكأنه ينبهه لوجوده فيرفع عيناه إليه مكملا : هل تحدثان طبيب نفسي في الأمر أم ؟؟
ابتسمت هنا وأجابت بعفوية : نعم نفعل .
ابتسم نادر باطمئنان ليهتف تيم بجدية : أنت مهتم بأمر سهيلة للغاية ، هل تدرس حالتها ؟
شعر بالحرج يغزوه ليجيب بثبات : لا أبدًا ، أنا فقط أحاول أن أدرك كل شيء يؤثر على تعليمي لها.
رمقه تيم مليا من بين رموشه فأكمل ببسمة رزينة : سهيلة ليس فتاة عادية أنا اعلمها الموسيقى وأنا حقا لا أفعل كثيرا ، ضيق تيم عيناه فأكمل نادر بتروي - سهيلة تعد إحدى معارفي وأنا أعدها قريبتي .
رفع تيم حاجبه مرددا بعدم فهم اتقنه : قريبتك ؟!!
اختنق حلقه وأسقط في يده فلم يجد ردًا مناسبا ، ولكن صوت هنا الذي هتف بمرح : هذا شرف لنا يا فنان ، وبالطبع نحن أقارب ومعارف ، ألست تقرب لعمو أمير وأنا أعد الأمير كعمي بالضبط .
ضحك بخفة ليهتف بصدق : الأمير عم الجميع .
ضحكت هنا ليبتسم تيم قبل أن ينهض هو واقفا هاتفا بجدية وهو يحمل قيثارته التي وضعها بحافظتها الجلدية الفخمة : حسنا استأذن منكما ، فلدي مواعيد عمل سأتي الأسبوع القادم بإذن الله كما المعتاد .
صافحه تيم بجدية ليهتف : أنا أشكرك على ما تفعله مع سهيلة يا نادر .
أجاب نادر بلباقة : لا داع للشكر يا عماه ، أنا تحت أمركم .
ابتسم تيم مغالبا عبوسه الذي اعتلى ملامحه وعقله يردد " عماه " .
ليصافح هنا فتهتف إليه : الأسبوع القادم ستتناول الغذاء معنا أنت وعدتني .
ضحك نادر بخفة ليشاكسها بمرح : تستطيعين الطهو إذًا أم آت بطعامي معي ؟
أجابته هنا برقة : تعال وأنت تعلم .
ابتسم وأومأ برأسه : سأفعل بإذن الله .
تحركا معه ليوصلاه فيغادر مودعا إياهما ليعبس تيم بتفكير فتسأله هنا باهتمام : ما الأمر يا تيم؟!
رمقها قليلا بحديث اختزنه بصدره فأسبلت جفنيها وابتسمت بمشاكسة لتهتف إليه بمرح : لقد اعددت اليوم المحشو كما طلبت مني وبطريقة دلال أيضًا ، ودعوتها هي ووالدتك ومريم على الغذاء وسيصلون بعد قليل .
ابتسم تيم واسبل جفنيه ليهمهم بهدوء : سأبدل ملابسي ، أين خالد ؟
هتفت بجدية : عند جده ، أومأ بتفهم وهو يبتعد لتدعوه باسمه في رقة فتوقف ليضحك بخفة حينما أسرعت نحوه تتعلق برقبته لتقبل جانب ثغره وتهمس : لا تقلق ، ثق بي كما تفعل دوما . تنهد بقوة وهو يضمها إليه ليقبل جبينها هامسا : أنا أفعل ولكن القلق لا أستطيع السيطرة عليه للأسف .
تمتمت وهي تضمه أكثر : ستكون بخير بل بألف خير .
تمتم بصدق : يا رب .
***
تنظر إلى جهازها اللوحي تراجع بعض البيانات أمامها تحاول أن تنغمس بالعمل كما نصحها عاصم الذي دفعها أن تعود إلى العمل بشكل كامل حتى تجاهد مللها ونزقها المتزايد في الآونة الأخيرة ، عبست بضيق وهي تترك جهازها من كفها وهي التي لا تشعر بطاقة لديها للعمل وخاصة مع الحزن الذي يخيم عليها فيحاول عاصم أن يجتذبها من هوته فيدللها ويراضيها ويجتهد ليمنحها الولد الذي تريده.
ابتسمت باتساع وهي تتذكر اهتمامه الفائق بها .. عودته المبكرة لأجلها ومكوثه بجوارها كل ليلة ما عدا هذا الوقت الذي يذهب به إلى عمار ليمده بالطعام .
ضحكت بخفة وهي تستعيد تبرم عاصم من شقيقه وهو يخبرها بأمر الطعام الذي ورطه به عمار وحتى تشرف بنفسها على إعداد أنواع الطعام الذي يطلبه عمار مختلفا كل يوم .
تنهدت بقوة وهي تتذكر تحذير عاصم المستمر لها بألا تخبر أحدًا عن أمر عمار الذي يتكتمه هو بدوره فتمتثل هي ولا تأتي بسيرته مع يمنى التي تحدثت إليها لتطمئن عليها أكثر من مرة ، انتبهت من أفكارها على طرقة هادئة اتبعها دخول كنزي التي ابتسمت برقة وهتفت : سعيدة أنك متواجدة اليوم ، هذا البريد الالكتروني وصل اليوم وفكرت أن أخبرك بدلاً من الذهاب للباشمهندس ، فهذه الشركة التي فسخت معها التعاقد من قبل .
نظرت إليها نوران بتعجب لتسأل : اية شركة ؟!
اقتربت كنزي لتشير إليها على الجهاز اللوحي فتتسع عيناها بصدمة لتهتف بجدية وهي تعتدل بجلستها : هل هذا تواصلكم الأول معهم ؟!
نظرت إليها كنزي بعدم فهم : لا أعتقد ولكن أنه البريد الالكتروني الأول الذي يصل من عندهم ، ففيما قبل كان العمل يتم عن طريق الاجتماعات ومقابلات العمل كما أعتقد .
ركضت نظراتها على البريد ثانية لتتأكد من توقيع المرسل الالكتروني قبل أن تنتفض واقفة وتهتف بجدية : اذهبي الآن يا كنزي ولا تسمحي لأحد بالدخول على الباشمهندس من فضلك .
توترت كنزي لتنظر إلى نوران بصدمة فاتبعت نوران بعصبية - هيا تفضلي على مكتبك ولا تدعي أحد يدخل الينا .
ألقتها آمرة وهي تخطو إلى مكتب عاصم من بين الباب الفاصل بين مكتبيهما بعدما طرقت على الباب طرقة واحدة ولم تنتظره حتى أن يأذن لها بالدخول لتسأله بصوت جاد ودون مقدمات أو إلقاء التحية : هل تتعاون مع أسامة يا عاصم ؟!
رفع وجهه من فوق لوحة الرسم الذي يعمل عليها ليتطلع اليها بصدمة قبل أن ينهض واقفًا هاتفًا بجدية : كيف علمت ؟!
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف : إذًا الأمر صحيح ؟! ألم تخبره أمامي أن كلمتي لا ترد وأن رغباتي أوامر أم كنت تخدعني فقط يا عاصم ؟!
زم شفتيه ليخطو نحوها برزانة : أهدأي يا نوران وأجلسي من فضلك لنتحدث .
هدرت وهي تبتعد عنه للخلف : لا ، لن أفعل ولا أريد أن أتحدث معك .
تحرك بخطوات سريعة يمنعها من الابتعاد عنه يقبض على مرفقها ليجذبها إليه : أهدأي واسمعي وكفي عن تهورك ، أنا لم أخدعك قط بل كنت محددًا في حديثي أن أوامرك سارية على المؤسسة التي لن تتعاون معه وهذا بالفعل ما حدث ، اهتزت حدقتيها دون فهم فأكمل - التعاون بيني وبين أسامه يخص عملي أنا لا علاقة للمؤسسة به .
أجابت باختناق : ولكن لماذا ؟! لماذا تتعاون معه أنه حقير أراد الانتقام منك والتفريق بيننا .
أجابها بجدية وصلابة : لهذا السبب تحديدًا أنا أتعاون معه .. امنحه عملا لأطوق به رقبته .. لأكون المتحكم والآمر الناهي فلا يقوى على الالتفاف من حولي ثانية .. أضمن ولاءه فلا يقدر على الغدر يا نوران .. فأنا أعمل بمقولة إذا كان صديقك قريب أجعل عدوك أقرب من الصديق .
تمتمت بضيق : لم تخبرني .
تنفس بعمق : لم أشأ أن نتحدث في أمر انتهى يا نوران وخاصة وأنا أعلم أن ذكره يوترك .
أشاحت برأسها بعيدا وحلقها يختنق بضيق يلازمها هذه الأيام : أخبرتني أنك ستأتي بحقي يا عاصم ولكن ما وجدته أنك تتحالف مع أسامة ولا تخبرني .
نظر إلى عمق عينيها وهمس : بلى فعلت يا نوران ، آمنت شر أسامه واستقطبته بدلًا من أن يذهب ويتعاون مع أحد منافسينا فيعود يومًا ما بعدما يكون قادرًا على التحدي ومجابهتي ، ونفيت حسناء نفيًا تامًا فلن تقوى على العودة.
اعتدلت باهتمام لتساله بترقب : كيف فعلت ؟
لوى شفتيه بضيق بعدما زفر بقوة ليثرثر إليها شارحا: كانت ضمن شروط الصفقة بيني وبين أسامه ، أن يأتينني بها ليس بالمعنى الحرفي ولكنه حينما رفع غطاء مساعدته عنها بعد إشاعة بسيطة سُرِبت في السوق إنها خائنة وسرقتني وعممت أنا الأمر على أنحاء القطر بأكمله أتت بنفسها دون أن أحاول – حتى - البحث عنها .
نفرت عروقها لتزمجر بعدم رضا : أتت إلى هنا دون أن تخبرني ، قابلتها دون أن تقص لي .
رمقها بضيق ليجيب بنفاذ صبر : كنا للتو عدنا من شهر العسل يا نوران ولم أشأ أن أفسد أيامنا ، لقد أتت وتوسلت وتذللت لي لأصفح عنها ولكني رفضت وأخبرتها أنها لن تجد ملاذا لها في الوطن فاضطرت للسفر ولا أعتقد أنها ستعود ثانية .
كتفت ذراعيها وهي تشيح برأسها بعيدا ليقترب منها بتؤدة محاولا مراضاتها : لا تغضبي يا نوران ، أعلم أنه كان علي اخبارك ولكن لم أشأ أن أثير الأمر من جديد .
رمقته بطرف عينها قليلا فيبتسم إليها مهادنا وعيناه تعتذر لها فاقتربت منه قليلا لتهمس بصوت مختنق : أنت غريب يا عاصم ، عبس عاصم بعدم فهم فأكملت – رغم كل شيء ورغم أنك محنك بعالم التجارة وتفكيرك اقتصادي إلا أنك واضح وصريح وطريقك واحد لا اعوجاج به.
رمقها عاصم مليا فأكملت وهي تلامس وجنته : حتى انتقامك أنيق مثلك .
رفع كفه واحتضن كفها الملامس لوجنته ليهمس إليها باهتمام : أخبريني يا نور ، المرة الماضية ذكرت أمر عن أنه لم يكن بيته وأنا ..
صمت حينما تشكلت ملامحها بانزعاج ليكمل بعد وهلة – لم أكن أريد الحديث أنا آسف .
ابتسمت لتقترب منه هاتفه : لا كنت انتظر أن تسأل وتعجبت أنك لم تفعل ، لترمقه بلوم وهي تتبع - ولكن جيد أنك ثرثرت عما تخبئه بداخلك مرة على الأقل .
ابتسم واسبل جفنيه لتهمس بجدية : أنت لم تدرك أبدًا عنوان البيت الذي كان يسكنه ، أليس كذلك؟! عبس بعدم فهم لتكمل – لا أقصد أنك لا تعرف مكان سكنه بل العنوان التفصيلي .
رف بعينيه وهو يحاول أن يتذكر فاتبعت ببوح : يومها أنا ذهبت بالفعل للكوم بوند الذي كان يسكنه ولكني لم أدلف للعمارة التي يقطن بها صعدت للعمارة التي تسبقها ، وهذا أمر آخر اغضبني – حينها - للغاية منك ، وتساءلت مرارا عم منعك من الصعود خلفي من باب الفضول على الأقل ولكن من الواضح أن غضبك وغيرتك أعمتك .
اتسعت عيناه بذهول ليهمهم بجدية : يا الله ولكن عمي كان معي و ..، صمت وعيناه تهتز بتفكير و رف بعينيه كثيرا ليكمل بصدمة مستنتجًا – هل عمي توصل للأمر من قبل يا نوران ؟!
أخفضت رأسها لتهمس باختناق : نعم وأتى لي بعدها واعتذر لي لأنه شكك بي وضربني .
انتفض واقفا يدور من حوله بغضب تملك منه ليهتف بعدم فهم : لماذا لم يخبرني ؟! كيف لم يفعل ؟!
نظرت إليه بعدم معرفة لتهمس بحيرة : لا أعلم ، ولكن من الواضح أنه لم يشأ إثارة الأمر ثانية.
اكفهر وجه عاصم ليهمهم بضيق : أو لم يشأ أن يبرر أفعال ابنته أمامي ، تركني على ظني حتى لا يخبرني صراحة أنك فعلت ما فعلته لأنك تريدين إثارة غيرتي ، لم يقوى على إخباري أن ابنته .. مدللته تحبني ، أتبع بألم تملك منه – لقد نصر كرامتك على معرفتي يا نوران ، لم يشأ أن يخبرني حتى لا يدفعني دفعا نحوك غير مدركا أني كنت أموت حرفيا حينها وأنا أفكر في كونك فضلت أخر علي.
انتفضت واقفة واندفعت نحوه لتحتضنه برقة هاتفة : أبدًا لم يحدث أنت كنت الأول والأخير يا عاصم .
ارتعش ثغره بابتسامة التقطتها بشفتيها في قبلة حاولت أن تبثه بها كل حبها العميق له ليضمها إلى صدره ماحيا مسافة ضئيلة كانت بينهما ليحملها من الخلف كما يفضل ليتجه بها نحو مكتبه يجلسها من فوقه وهو يقبلها مرارا وتكرارا يهمس إليها بأشواقه .. حبه .. ولهفته إليها ليتوقف فجأة صدح صوت كنزي من جهاز الاتصال الحديث و التي تهتف بجدية : عاصم بك عم سيادتك يريدك بمكتبه .
أغمض عينيه بضيق تملكه مهمهما باختناق : لا أستطيع الاختلاء بك لا في القصر ولا في المؤسسة ولا في أي مكان ،
ضحكت رغما عنها فأكمل بغضب وهو ينسحب للخلف يعدل من وضع ملابسه – تضحكين ؟! حسنا على راحتك يا ابنة الوزير لا تشكي بعد ذلك من الولد الذي تريدينه فبهذه الطريقة التي يتبعها عمي لن تري لا ولد ولا بنت .
تعالت ضحكاتها فزفر بضيق ليمسح وجهه بكفيه بينما تمتمت هي من بين ضحكاتها : وماذا ستفعل في هذا الأمر .
لوى شفتيه ليغمغم بمكر : من الواضح أن علي اختطافك يا برتقالتي .
هزت كتفيها بدلال وهي تقفز واقفة تعدل من ملابسها التي افسدها : وأنا جاهزة لكل ما تريد يا حبيب قلب البرتقالة .
ابتسم فاقتربت منه بتؤدة لتقبل جانب ثغره فلتفت إليها بتوق لتضع كفها فوق شفتيه وهي تمسح آثارها من جانب شفتيه وهي تهمهم بمكر : اذهب إلى عمك وأنا سأنصرف ، أتبعت وعيناها تومض بإغواء صريح - سأنتظرك بالبيت لا تتأخر .
تنفس بعمق ليهمس بخفوت وهو يضمها إلى صدره : سأنتهي من الأعمال هنا وسأمر على عمار وآتي إليك بإذن الله .
ابتسمت لتضمه قبل أن تبتعد نحو مكتبها : تأتي سالما ، أراك ليلا يا عاصم .
القتها بدلالها الطفولي فيبتسم بتولة وهو يراقب خطواتها المتسارعة فيزفر بقوة ليهمهم بحنق : سأهرب بها بسببك يا عماه ، كنت أظن أني مختلف عن أحمد ولكن أنت بغيرتك لا تفرق بين ابنك الروحي وابن الخواجة .
صدح صوت كنزي مرة أخرى تردد نفس رسالتها السابقة ليغمض عينيه وهو يخطو نحو الباب متجها لعمه كما يريد الأخير .
***
يجاور أخيه جالسا على طاولة الطعام المدعو عليها عند يحيى ليهتف حاتم بجدية : سلمت يداك يا باشمهندسة ، الطعام شكله يشهي .
تمتمت دعاء التي ترص بقية الأطباق هي وبناتها وسارة التي تساعدهن : سلمت يداك ، تفضل بالجلوس إلى أن يصل الشباب ، فهم على وصول كما أعتقد .
ابتسم حاتم ليجلس مجاورا لأخيه الذي هتف : نبيل قادم وزين مع نادر بالحديقة سيأتيان الآن .
تنهد حاتم بضيق : أن ينقصنا الأخ العابس ، وسيصل كما أعتقد فأنا حينما هاتفته أخبرني أنه بالطريق .
تمتم يحيى بجدية : يصل سالما بإذن الله ، ليتبع بلوم - توقف عن نعته بالعابس .
ضحك حاتم بخفة ليهمس بمرح : وهل أنا أكذب يا يحيى ، أنه عابس على الدوام ولا أفهم سببًا لعبوسه . رمقه يحيى بعتاب ليجيبه : لا شأن لك به اتركه على راحته ولا تضايقه .
أومأ حاتم برأسه متفهما ليقترب من يحيى ينظر إليه قليلا قبل أن يسأل بهدوء : أرى حديث متخفيا برماديتك يا أخي ، وأشعر أنك تريد أن تخبرني به .
ابتسم يحيى ليخفض نظره قليلا قبل أن يتنهد بقوة : أعتقد أنك تعلم ولكنك تحب المراوغة يا حاتم .
نظر إليه حاتم ببراءة مفتعلة : أنا ، أبدًا لا أعلم شيئاً سوى أن ايني تحدثت معي عن رغبة عز في التقرب من تالية .
ضحك يحيى بخفة ليهمهم دون تصديق : كل هذا ولا تعلم ؟!! إذًا ماذا تعلم يا حاتم بك ؟! مط حاتم شفتيه لينظر لأخيه قليلا هامسا : أعلم أنك متردد وهذا أمر ليس من شيمك.
تراجع يحيى إلى الخلف قليلا يرمقه بثبات قبل أن يسأل بهدوء : نعم متردد من القبول أو الرفض لأن .. صمت قليلا فابتسم حاتم ليسأله بجدية وهو ينظر إلى عمق عينيه : ما رأي توتا يا يحيى ؟! لآن هذا ما يهمني فأنا لم أتحدث مع حسام للان ؟!!
ابتسم يحيى بحرج ليهمس بجدية : أعلم أني لا يفترض أن أفعل ما أفعله الآن ولكن أنا أحب حسام واقدره يا حاتم وأتمنى كثيرا أن يكون زوج ابنتي ولكن لا استطيع أن أفرض عليه أي شيء .
ضحك حاتم بخفة ليهتف : ما بالك يا يحيى ؟! هل تمزح ؟! أنت تشعر بالحرج لأنك تخبرني أنك تقدر ولدي ، أنت تقدره وتحبه وتتمنى وأنا أدعو يوميا أن أجد من تقبل به هي وعائلتها.
ضحك يحيى مرغما فأتبع حاتم بهدوء -ثم أنت ليس عليك أن تشعر بالحرج ، أنت فقط عليك أن تأمرنى بم تريد وأنا وولداي ننفذ ونطيع .
عبس يحيى بعدم رضا : لا يا حاتم ، هذه الأمور لا تتم هكذا وأنت تعلم ، أريد أن أعرف رأي حسام بطريقة جادة وحازمة .
هتف حاتم بصلابة : رأي حسام لا يهم يا يحيى ما يهمني رأي الفتاة حتى إن كنت أنت ترى أن حسام عريسا جيدا أنا يهمني أن أعلم أن ابنتك تتقبل هذا الابتلاء الذي تريد أن تبليها به .
ابتسم يحيى بخفة ليهمس بضيق : تالية تميل لعز رغم أني كنت أظن ..
صمت قليلا فاكمل حاتم : كنت تظن أن هناك ما يدور بينها وبين حسام أليس كذلك ؟
رفع يحيى نظره إليه يرمقه باستفهام ليكمل حاتم موضحا - لأني ظننت هذا قبلك وخاصة حينما التقطت اتصالاتهما المتكررة فسألته بشكل جادي وتوقعت أن يجيب بما تمنيته ولكنه أخبرني أن الأمر عادي وأنهما يتواصلان بشكل طبيعي وأن تالية ابنة عمه وأخته ولا شيء أكثر من ذلك.
عبس يحيى بضيق فابتسم حاتم وسأله بخفوت : نفس إجابة توتا أليس كذلك ؟
زفر يحيى بقوة : نعم ولكني لم أتحدث أنا معها بل طلبت من نبيل أن يفهم ما الأمر حتى تكون أكثر صراحة معه ولكنها أجابته بنفس إجابة ولدك ، أما هذه المرة تركت دعاء تتحدث معها كما طلبت إيناس فأخبرتني أنها تميل قليلا لمعرفة عز.
اتسعت ابتسامة حاتم ليهتف بمرح : والله أنها ذكية وروحها مميزة وتجيد الانتقاء ، فالولد ابن آدم ينير بالظلام على عكس عاقد الحاجبين الذي تريد أن تبتليها به.
ضحك يحيى مرغما ليتف به : أنت لن تتغير أبدًا ، توقف عن التقليل من ولدك يا حاتم .
أجابه حاتم بسرعة : أنا أبدًا خ أقلل منه هو يفتخر بكونه عابس وجاد وهذه الأشياء التي لا أعرف من أين أتى بها ولكن ماذا أفعل الظاهر من كثرة سخريتي من بلال ابتلاني الله بولد يشبهه .
انطلقت ضحكة يحيى قوية ليهتف بمزاح : الخال والد يا توما وأنت تستحق ما يفعله بك بلال.
همهم حاتم بمسكنة : نعم أستحق لا أنكر ولكن ليس لدرجة أن يأتي ولدي البكري يشبه خاله أخو والدته بالرضاع ، هذا كثير .
انطلقت ضحكة يحيى مجلجلة هذه المرة ليشاركه حاتم الضحك قبل أن يسأل باهتمام : ولكن أخبرني لماذا أشعر بأنك متخوف من أمر عز الدين ؟!!
تنهد يحيى بقوة ليثرثر ببوح : لا أعرف ولكن خائف ، وخاصة أنه غير مستقر هنا ، سيصحب ابنتي البكرية لأمريكا كما فهمت من حديث دعاء الذي أخبرتها به إيناس ، هو نفسه نظام حياته غير مستقر يعمل ما بين أمريكا وانجلترا ووالدته تعيش بتركيا ووالده بمصر ، أشعر بفوضى في حياته لا أريدها لابنتي .
ابتسم حاتم برزانة قلما تظهر عليه ليهتف بجدية : اسمع يا يحيى إذا تريد رأيي بالفتى فهو شاب جيد ذو خلق وتربيته أكثر من جيدة ، مركزه العلمي والعملي جيد أيضا وبالطبع آدم محترم وأنت تعرفه لذا كل ما هو عليك أن تتحدث مع الشاب وتستفهم منه عن نمط معيشته بعد الارتباط بتالية ، وتستطيع أن تخبره أنك تريد لهما الاستقرار ، لن نفرض عليه أن يستقر بمصر ولكن تستطيع أن تنبهه أن عليه الاستقرار بأحد البلاد كي تنشأ أسرته مستقرة وهذا أمر سيفعله تلقائيا كما أعتقد ، وجم يحيى بتفكير فأكمل حاتم بجدية - ولكن خوفك على توتا طبيعي وصحي أيضا ، فأن تمنحها لرجل غريب لا تعرفه ليأخذها ويذهب لبلد بعيدة شيء مقلق بالفعل ولكن نستطيع إيجاد حل لهذا الأمر .
رمقه يحيى بتساؤل فأكمل حاتم ببساطة : أعرفه لا تمنحه إياها إلا حينما تتأكد منه ومن مقصده ومعدنه ، وهي الأخرى تتأكد من قرارها لا تكتفي بأنها تميل إليه بل تكن مقتنعة به تماما ، مقتنعة أن تذهب معه لأخر العالم وهي آمنة على نفسها بجواره ومعه ، لابد أن يكون الأمر أكثر من مجرد ميل ولابد أن تتعرف عليه جيدا يا يحيى لذا لا ضير من فترة خطوبة طويلة كما ستفعل إيناس مع آسيا ، التي ستخطب لصديق عز بالمناسبة .
أومأ يحيى بتفهم : نعم علمت لقد أخبرتني دعاء أن زياد كان بعائلته هنا لأجل أن تتعارفا العائلتان .
أومأ حاتم بجدية : بالضبط ومع إصرار إيناس أن لا يتم شيء رسمي اتفقا أن يعودا بإجازة الربيع ليتمما خطبة رسمي على أن لا يتم الزفاف قبل أن تنتهي آسيا من دراستها الجامعية ، أعتقد أنك تستطيع أن تطلب من عز أن يأتي بوالدته ويزوركما وتتعرفا وتذهبون أنتم أيضا إلى هناك في زيارة لتتعرف عليهم أكثر ، أمنح لنفسك ولابنتك الوقت الكافي يا يحيى حتى يطمئن قلبك .
أومأ يحيى بتفهم ليكمل حاتم بعدما كح بخفة فرمقه يحيى باستفهام فهمس حاتم بخفوت : أما بمناسبة حديثك عن حسام ، أنا أريد أن أخبرك أننا لن نختلف في أمر أن يصبح زوج لابنتك .
عبس يحيى بتعجب ليغمز حاتم بشقاوة : من الواضح أن عاقد الحاجبين لديه خطط أخرى لم تخطر على بال أحدنا .
رمقه يحيى مليا ليلتمع الإدراك بعينيه فيبتسم حاتم بمكر ويسبل جفنيه قبل أن يهمهم بمرح : في هذا الأمر شعرت أنه ولدي جدًا وفخرت به ، ضج الضحك بينهما وخاصة حينما أكمل حاتم بمشاكسة - والله احترمت انتقائه للغاية ، وشعرت كم هو ذكي بهذا الانتقاء الصاروخي .
صفق يحيى كفيه ببعضهما بيـأس هاتفا من بين ضحكاته : تأدب يا ولد .
تعالت ضحكات حاتم ليهتف بعدما هدأ بجدية : لا أقصد أن أقلل من قيمة تالية أبدًا ، بل أنها رائعة وأنا أحبها ولكن الغالية مختلفة تماما يا يحيى وأنت تدرك ذلك .
تنهد يحيى بقوة ليهمس : نعم أعلم وللأسف هي تدرك مدى اختلافها لذا هي تتعامل باختلاف وتصطدم معه .
ابتسم حاتم بمكر ليقترب منه هامسا : أنهما يصطدمان سويا لأنهما ينجذبان دون فهم يا يحيى ، ويقاومان الانجذاب ، لذا سيلتقيان حينما يستوعبان ما يحدث بينهما ، اسبل يحيى جفنيه مفكرا ليكمل حاتم بجدية - أنا لا أخبرك لتفكر يا يحيى أنا اخبرك لأني أريدها زوجة لولدي فأعلمك بأن ابنتك الوسطى محجوزة لابن عمها منذ الآن .
ضحك يحيى وهو ينظر إليه بيأس فيكمل حاتم بمسكنة : فقط يعينني الله على العابس حتى يدرك ما يحدث في فوضى مشاعره ويتقبل انجذابه للصغيرة التي تثير غضبه وغيرته كما لم تفعل إحداهن أبدًا .
ابتسم يحيى دون رد ليرتفع صوت زين وحاتم اللذان دلفا من الباب يتبعهما حسام الذي يتحدث ضاحكا من ابن عمه الصغير ليصدح صوته بالتحية قبل أن يقبل على عمه الذي رحب به وأخبره : هيا سريعا أغسل يديك لنتناول الطعام ، أومأ برأسه بعدما سلم على أبيه ليهتف يحيى متبعا - هاتف نبيل يا زين وأخبره أن يسرع قليلا .
هم زين بالحديث ليصدح صوت نبيل الذي دلف للتو هاتفا بجدية : ها قد أتيت يا أهل البيت ، مساكم سعيد جميعا .
***
عبست بتعجب وهي تبحث عنه بأرجاء البيت بأكمله ، بعدما ارتدت إحدى فساتينها التي تعشقهم ولكنها لم تكن ترتديهم حرجا من وجودها في بيت والدها ، ابتسمت وهي تتذكر مشاكسة إيناس إليها كلما ابتاعت إحدى هذه الفساتين فتغمز لها وتهمس " فساتين الزواج يا ابنة الأمير "، فتتورد وتؤثر الصمت وتخفض رأسها دون رد ولكن قلبها كان يجيب بدلا عنها " أنها فساتينها التي سترتديها لأجله ، كمليكة متوجة فوق عرش قلبه كما كان يخبرها "
تنهدت بقوة وهي تتوقف لتنظر إلى نفسها بمرآة طولية عريضة تحتل حائط الممر الواصل بين الغرف وصالة البيت الواسعة وكانه وضعها هنا ليتأكدا من مظهرهما قبيل الخروج من البيت .. فتدور حول نفسها تنظر إلى فستانها بلونه العاجي ذو التنورة المنفوشة على طراز قديم ، يصل لمنتصف كاحليها وخصر دقيق يظهر مدى رشاقته وصدر يحدد مفاتنها التي اتت واضحة بتفصيلته الاسبانية والتي أظهرت نحرها كاملا إلى أول نهديها وحمالتيه تحتضنان أول كتفيها ، دورة أخرى وهي تلملم خصلاتها الطويلة الثائرة على الدوام على إحدى كتفيها وتنظر إلى ظهرها الظاهر إلى ما بعد عظمتي كتفيها فتبتسم برقة وهي تتأكد من وشم الفراشة ذو الجناحين المفرودين بلونها الأسود ذو الإطار البرونزي اللامع و الذي طبعته بين كتفيها ظاهرا.
زفرت انفاسها كاملة لتقترب من المرآة تتأكد من زينتها الكثيفة التي وضعتها بتأني فأكثرت من كحل عينيها فأظهرت بنيتيها بوميض رائق .. حمرة خدودها الناعمة .. وشفتيها بلونهما العنابي القاني الذي أظهر اكتنازهما دون جهد .
ابتسمت بثقة فلمعت شامتها فوق ثغرها لتتحرك فوق كعبي حذاءها العنابي اللامع وخلخالها الذهبي يومض بكاحلها مصدرا رنته الطفيفة والتي يلتقطها رغم خفوتها كلما تحركت ، تقدمت نحو الصالة التي أخبرها أنه سيدعوها فيها إلى العشاء بعدما أعربت صباحا عن رغبتها في مغادرة الفراش . تلك الرغبة التي أجلها ثم راوغها في تحقيقها وهو يحتجزها بين ذراعيه طول النهار تقريبا ، شعرت ببعض الحرارة تلهب وجنتاها وهي تتذكر حديثه الهامس الذي نثره فوق مسامعها بعدما شعر بحرجها من استجابتها الفطرية إليه طوال الأيام الماضية ورغم أنها حاولت مراراً أن تراوغه ولا تخبره عم يعتريها كلما انتهى وصاله إليها إلا أنه اليوم أصر على استعمال ارجوحتهما السرية كما يسميها ليضمها إلى صدره ويؤرجحها بلطف وهو يتحدث معها بمهادنة شعرتها تفيض منه .. تفهم غمرها به .. واحتواء كانت تحتاجه كفاصل بين أمواج وصاله الهادرة التي يغرقها فيها منذ ليلة زفافهما.
ورغم أن الحديث انتهى بموجة اخرى من الوصال ولكنها كانت مختلفة تماما عن المرات الماضية .. مختلفة باختلاف شعورها به ومعه .. وباختلاف اتحادهما الذي أتى هادئا .. رائقا .. محتويا ، فهو لم يكن متلهفا رغم توقه لها .. ولم يكن متسرعا رغم شوقه لها .. ولم يكن صاخبا كعادته معها ، بل كان واعيا لها ولاستجابتها المتناغمة معه .. خفقاتها التي تماوجت مع خفقاته فأصبحا قلبان ينبضان بنبض واحد .. وجسدان ملتحمان كجسد واحد .. وروحان تمازجا .. اختلطا .. انصهرا .. وذابا ليتشكلا من جديد وكلا منهما يشعر بأنه سيظل يحمل أثر الآخر في أعماق روحه.
ارتعش ثغرها ببسمة خجول فتضم جسدها بذراعيها وهي تشعر بالخجل يغمرها ثانية لتنتبه فجأة إلى باب الشرفة الموارب والستائر التي تتحرك بسبب نسمات الليل الاتية بسبب الباب المفتوح ، عبست بتعجب وهي تتذكر تحذيره لها من أن تكشف وجودهما هذه الأيام ورغم اعتراضها على خطته في الاخفاء عن عائلتيها وجودهما .. شوقها الشديد لعائلتها .. ورغبتها الملحة في زيارة والديها قبيل سفرها ورؤيتها لشقيقيها ، إلا أنها استجابت إلى خطته مرغمة ونفذت كل أوامره حتى ذاك الأمر بمنعه للمكالمات المرئية بينها وبينهم ، اقتربت من الشرفة لترمق الخارج بترقب فيزداد عبوسها وهي تنظر إليه خارجا وكأنه يتحدث مع أحدهم لتضيق عيناها وهي تلتقط السيارة الرابضة بجوار سور حديقتهم القصير فترهف سمعها لتلتقط صوت الآخر الذي يحدثه عمار والمخفي خلف جسد عمار الفارع.
تمتمت بصدمة وهي تخرج بعفوية دون أن تنتبه لنفسها : عاصم ؟!
تصلب جسد عاصم ليطبق فكيه هادرا بخفوت حانق : سأقتلك يا عمار هاك موني عرفت بوجودي .
همس عمار بضحكة خافتة : لا تبتأس يا شقيق ، استدار على عقبيه ليندثر المرح من فوق وجهه ليهتف بحدة - ماذا تفعلين بالخارج هكذا ؟! ادلفي حالا للداخل .
عبس عاصم بعدم فهم لينظر رغما عنه من خلف جسد عمار وفضوله يحركه ليرى ما الذي أثار غضب أخيه فيكح بحرج وهو يوليها ظهره هاتفا بسرعة وصوت خفيض : الطعام معك يا عمار ، أراك على خير ، سلام .
ألقاها وهو يسرع بخطواته دون أن ينظر ثانية نحو عمار الذي خطى نحوها وعقله يشتعل من غيرته فيدفعها من مرفقها للداخل وهو يهدر بقوة بعدما أغلق باب الشرفة بغضب : هل جننت؟! منذ متى تخرجين هكذا ؟!
ترنح جسدها ولكنها تماسكت بصلابة فلم تتراجع للخلف بل وقفت بشموخ أمامه تنظر إليه بعنفوان اعتلى هامتها لتنطق بجدية ورأسها مساوية برأسه : إياك أن تفعلها ثانية يا عمار .
زم شفتيه بغضب ليهدر أمامها : وأنت إياك أن تمنحي متعة النظر إلى ما يخصني لأي كائن حي أخر يا موني ، أنت بأكملك تخصيني .
رفعت حاجبها باعتراض لتغمغم بضجر وهي تكتف ذراعيها بضيق : لم انتبه ، تصرفت بعفوية ونسيت الفستان .
رف جفنه الأيسر برفات متتالية ليهمهم باختناق وعيناه رغما عنه تنسل لأسفل فيلتهمها بنظراته : الفستان ؟! رفعت ذقنها بكبر فاتبع بصوت أبح - هل ارتديته لأجلي ؟
تحركت بنزق بعيدا عنه وبدلال تعمدته على ما يبدو وهي تجيب ساخرة : بالطبع لا ، بل كنت سأخرج به بمفردي ، فأنا مدعوة على العشاء .
رمقها من بين رموشه وابتسامته الماكرة تشكل ثغره ليراقبها بتروي وهي تجلس على الاريكة تضع ساق فوق أخرى في رقي لترفع رأسها بتحدي انثوي ومض بعينيها وتجسد بثغرها الذي مدته بطريقة مقصودة وهي تعدل من خصلاتها بطريقة تعلم تأثيرها الجلي عليه ، ليغمغم بصوت أجش : إذًا دعينا لا نتأخر ، سأعد الطاولة وأكمل ارتداء ملابسي .
تمتمت وهي تسبل جفنيها : لن أذهب معك لأي مكان .
ابتسم بخفة ليهمهم وهو يضع أكياس الطعام من يديه فوق الطاولة : أريني كيف ستقاومين جاذبيتي يا مونتي .
شكلت ملامحها ببسمة هازئة فيضحك بخفة ويهم بالابتعاد ولكنه توقف ليعود إليها يقترب منها كثيرا فينحني بجذعه فجأة أمامها ، ابتعدت بجسدها إلى الخلف بعفوية ليهمهم بخفوت وهو يحتضن ذقنها بين ابهامه وسبابته : لا تغضبي فقط شعرت بعقلي ينصهر تحت وطأة الغيرة أن يكن رآك عاصم أو أي أحد آخر وأنت هكذا.
ابتسامة ناعمة لمعت على ثغرها لتسأله بهمس أبح : هكذا كيف ؟!
سحب نفسا عميقا حبسه في صدره ليزفره ببطء وبأنفاس ساخنة الهبت وجنتاها مهمهما : هكذا كالقمر .. هكذا وأنت مليكة قلبي المتوجة .. هكذا وأنتي خاصتي .. ابتسمت لتغمض عيناها وهو يقبل شفتيها بتمهل متبعا - مونتي.. فرستي.
عبست على الفور لتدفعه بعيدا عنها في ضيق عابس فيضحك بخفة هامسا : حسنا لا تغضبي ، مهرتي تليق ؟
مطت شفتيها لتجيب بنزق : اذهب وارتدي ملابسك أو بدلها أو افعل ما ستفعل لأني جائعة .
أومأ برأسه بعدما طبع قبلة سريعة فوق شفتيها : على الفور ، خطى بعيدا وهو يكمل هاتفا - بالمناسبة انظري إلى المسرح المنزلي هكذا ، وابحثي عن ملف العرس فملك أخبرتني أنها أرسلته اليوم.
تحركت لتلامس الشاشة وتبحث بجدية عن الملف ، تبتسم برقة وهي تجده فتدير تصوير ليلة زفافهما سويا ، ابتسمت برقة وهي تنجذب للأحداث وتشاهدها وكأنها لم تكن هناك ليلتها استرخت بجلستها فتخلع حذائها ورفعت ساقيها بجوارها وهي تلملم ذيل الفستان المنفوش وخصلاتها بجانب واحد وتستلقي بشبه جلسة فتضطجع على جانبها وتنحني فوق وسادة كبيرة بصدرها تنظر بانبهار من خلالها إلى شاشة المسرح الكبيرة أمامها .
صافرة قوية انطلقت من حلقه حينما عاد لينظر إليها بافتتان عندما رفعت نظرها إليه ترمقه بعدم فهم واستفسار عن سبب صفارته فيغمز إليها هاتفا بشقاوة : هل تجلسين هكذا لأجل الطعام يا يمنى ؟!
عبست بعدم فهم لتعتدل برقة على جانبها : أنا انتظرك لنأكل سويا .
اقترب منها بعدما التقط أكياس الطعام ليهمهم بمشاكسة : أنا بالفعل جائع ولكن بعدما رأيتك هكذا أصبحت جائعا اكثر من ذي قبل .
ضحكت بخفة وانزلت ساقيها فتجلس باعتدال ليتبع بجدية وهو يستلقي جوارها بعدما وضع أكياس الطعام على الطاولة القريبة منهما ، جذبها إليه فتستلقي ثانية بنفس الطريقة السابقة ولكن داخل صدره : أبقي كما كنت وأنا سأطعمك إلى أن تشبعي .
ضحكت بخفه لتدفعه بعيدا هاتفة : حسنا كل حتى تشبع .
لعق شفتيه بحسية وهو يلتهمها بعينيه فيجذبها نحوه ليقبل تجويف عنقها بشقاوة : أنا لا اشبع منك .
ضحكت بخفة وهي تدفعه بلطف مهمهة : قصدت الطعام .
همهم بشقاوة ليحتفظ بها قريبة منه : حسنا لنتناول الطعام أولًا ثم احلي بك فيما بعد .
ضحكتها انطلقت قوية لتتملص من بين ذراعيه بدلال تتفادى قبلاته التي انتثرت فوق نحرها العاري فيهتف بجدية عندما ابتعدت عنه : أين تذهبين ؟
تمتمت بجدية : سأتي بالأطباق والأكواب وأدوات المائدة .
هتف بضجر : لا تعالي أنا اوصيت عاصم ان يأتي بكل شيء مع الطعام فاليوم ابتاعه من المطعم ولم يأتي به من القصر ، حتى لا تتعبين فيما بعد في لملمة الأطباق والتنظيف .
ابتسمت برقة لتعود إليه وهو يخرج الأطباق ويرصصها فوق الطاولة ، هتفت بذهول وهي تنظر إلى الأطباق الكثيرة : ما كل هذا يا عمار ؟!
فرك كفيه ببعضهما في طريقة مشاكسة : أنه يوم السي فود يا مونتي ، أنا عريس جديد ولابد علي أن اتغذى جيدا .
شحبت ملامحها لتجلس ببطء وهي تنظر إلى الأطباق من امامها لتساله بصوت مختنق حرجا : عمار هل طلبت أنت الطعام من عاصم أم طلبته من المطعم وهو فقط أتى به ؟!!
عبس بعدم فهم ليجيب ببساطة وهو منشغل برص الأطباق : بل طلبته من عاصم أرسلته له ككل يوم من البارحة ، توترت نظراتها فأتبع بعدم فهم وهو يلتقط توترها – ما الأمر يا موني ؟ لماذا تسألين عن هذا الطعام خصيصا فعاصم أتى به كبقية الطعام ؟
همهمت وهي تلملم خصلاتها فتعقصها في بعضها بطريقة يعلم جيدا أنها تفعلها حينما تكون حانقة وتأكد حينما صدح صوتها متمتمة بنزق : لا يا عمار ليس كبقية الطعام فمن المؤكد أن عاصم انتبه لامر العريس هذا .
رفع حاجباه بدهشة ليسأل بجدية : وما الأمر لا أفهم أليس أنا عريس ؟!!
رفت بعينيها كثيراً لتهمس باختناق : نعم ولكن أنا لا أحبذ أن تتحدث مع أخيك في هذه الأمور وتكن محل مزاح بينكما ، رمقها بتعجب فأكملت بنزق – أنا لا أحب الوقاحة في الحديث وأنت تعلم .
تحكم في ابتسامته التي ومضت بعينيه ليقفز يجلس قريبا للغاية منها : كاذبة .
عبست بضيق ودفعته بعيدا : أنا لا أمزح يا عمار .
ضحك بخفة ليهتف بمرح : وأنا الآخر لا أفعل ، أشاحت بعيدا عنه بدلال فأتبع بجدية – ثم ليس عليك الخجل يا موني ، أنت الآن زوجتي والجميع يعلم بهذا الأمر فتوقفي عن الشعور بالحرج .
رفت بعينيها ليهتف بها وهو يجذبها من كفها بمراضاة : هيا لنأكل ونشاهد زفافنا فالجزء الذي أحبه اقترب للغاية .
اتسعت ابتسامتها وعيناها ترتفع تلقائيا للشاشة العريضة لتومئ برأسها في طاعة وتستجيب إليه تجلس بجواره فيبدا بإطعامها كعادته منذ زواجهما ، يدللها بطريقته فيقشر إليها القشريات بأنواعها ويطعمها في فمها وسط ضحكاتهم وحديثهم على الزفاف إلى أن انقلبت ملامحها وهي تنظر إلى الفتاة التي ظهرت على الشاشة فتبتعد بعفوية عنه دون أن ينتبه ، عبس بتعجب حينما لم تجب حديثه ليلتفت اليها فيجدها عابسة تعقد ساعديها أمام صدرها وهي تتأمل ما يعرض أمامها فيلتفت بسرعة نحو الشاشة فيتمتم بسباب متتابع وخاصة حينما نهضت واقفة لتبتعد عنه فيسألها بجدية : أين تذهبين يا يمنى ؟!
تمتمت بهدوء : شبعت ، سأذهب لدورة المياه .
عبس بضيق وهو يسب أدهم بكل المسبات التي يعرفها في العالم فهو السبب الرئيسي خلف حضور السيدة بسمة التي بسببها كاد أن ينقلب حفل زفافه إلى ليلة سوداء فيمنى انقلب وجهها وكادت أن تحيل ليلته إلى جحيم حي حينما اقتربت بسمة تبارك لهما في نهاية الزفاف ، ورغم أنه أقسم إليها يومها أنه لم يدعوها ولا يدرك سبب قدومها إلا أن غيرتها أصمت أذنيها وخاصة مع طريقة بسمة المائعة والتي كاد أن يقتلها لأجلها .
لازال يذكر التوتر الذي اصابه بسبب صمت يمنى الغريب إلى نهاية الزفاف وامتد طوال طريقهما إلى المنزل والذي صحبه إليه عاصم دون زفة سيارات كالمعتاد ظنا من الجميع أنهما ذاهبان للمطار كما أوهم هو عائلتيهما ، هدوءها المريب والذي أثار ترقبه فكاد أن يفقد صبره وهو يودع عاصم الذي سأله عن جمود يمنى الواضح فلم يجد ما يخبره به سوى ما حدث بالفعل فاخبره عاصم حينها أن عليه مهادنتها .
حينها هز رأسه بتفهم وودع شقيقه ليسحب نفس عميقا وهو يتحرك بخطوات هادئة يتبعها إلى غرفة نومهما يربت على قلبه بأطراف أصابعه ويتحكم في روحه التي تصرخ صخبا لوجودها أخيرًا هنا ببيته .. بغرفة نومه .. بمملكته ، زفر ببطء وعيناه تقع عليها تدير ظهرها إليه بفستانها الأبيض الملكي وفخامة حضورها تروي ظمأ قلبه الملتاع سنين طويلة يبحث عن وجودها بجواره كح بخفة ليجلي حنجرته وهو يقترب منها فلم تستدير إليه ،رسم ابتسامة مرحة قبل أن يكتنف كتفيها بكفيه ويهمس بجانب رأسها : مبارك علي وجودك هنا .
تشنج جسدها برفض شعره جيدا فجف حلقه ليتابع وهو يتحكم في فورة مشاعره ويحكم عقله بينهما فلا يشير إلى ما حدث مدعيا عدم الفهم : ألن تبدلين ملابسك ؟! إذا أردت سأترك لك الغرفة كما تحبين .
لفت رأسها لتناظره بجانب عينها فيرفع رأسه بكبر طغى بنظراته لها فتوازيه كبرًا وهي تبتعد عنه قليلا لتقابله بوقفة شامخه والتحدي يدور بينهما ، شعر بخسارة وشيكة ستمنيه بها فتراجع بحركة جسده المتخشبة قبل أن يهتف : هلا تحدثنا قليلا قبل أن تبدلين ملابسك ، أشعر بأن هناك بعضا من النقاط لابد أن توضع فوق أحرف حياتنا ؟
لمعت عيناها بنظرات ساخرة أثارت ابتسامته المتلاعبة ليتابع بخفة : أصبحت أنظم الحديث مثلك من عاشر القوم ، أليس كذلك ؟
مطت شفتيها باستخفاف فشعر بحلقه يصبح صلدا .. جافا .. وعيناه تتعلقان بثغرها يريد الارتواء منها حد الشبع نفض رأسه بحركة خفيفة التقطتها بسهولة فلمعت ابتسامة منتصرة فوق شفتيها لتهمس أخيرًا : لا بأس فلنتحدث .
تنهيده خافتة عبرت شفتيه قبل أن يسألها بهدوء : هل أخلصك من طرحة الزفاف حتى تستطيعين الجلوس على راحتك .
أومأت براسها في هزة خفيفة ليقترب بترحيب يطل فوق رأسها بعد أن خلعت حذائها ذو الكعب العالي والذي كان يجعلها توازيه طولا فأصبح يشرف عليها ليفك دبوس طرحتها بسهولة فتنخلع عن خصلاتها التي انهمرت كشلال فوق كتفيها ، أغمض عينيه وكتم تنفسه حتى لا يغرق بعبير خصلاتها ، ابتعد إلى الخلف قليلا وناولها طرحتها بهدوء ليفضحه صوته الأجش وهو يهمس لها : تفضلي
ردت بثقة : أشكرك ، أشار لها بأن تتقدمه إلى الأريكة الجانبية لتتوقف وهي تشير بيدها - فقط أمر آخر .
نظر لها بتساؤل فأكملت : هلا ساعدتني في فك السحاب الخاص بتنورة الفستان ؟
جمدت ملامحه بذهول خيم عليه للحظات قبل أن يجيب بحشرجة : بالطبع .
أحنى عنقه قليلا قبل أن يجلس على ركبتيه خلفها ينظر إلى السحاب الخاص بتنورتها والمنفصل عن سحاب الفستان وهذا الدبوس الذي يشبكه بالجزء العلوي من فستانها ليشعر بالتعجب قبل أن يلامسه بأنامله فيفتح الدبوس ويليه بالسحاب فيتهدل الجزء المنقوش والمطرز بعيدا عن خصرها تاركا من خلفه تنوره أخرى من الستان الأبيض ترسم جسدها تفصيلا تحرك للخلف بسرعة قبل أن يسمح ليديه بملامستها وهو ينظر إلى جسدها الممشوق الملتف كأصبع الحلوى بورقته البيضاء اللامعة فيهوى قلبه وهو يسأل نفسه كيف سيصبر إلى أن ينتهيا من حديثهما سويا .
تحركت بخفة وهي تلملم أجزاء تنورتها المنفصلة تضعها جانبا لتتحرك ثانية وتجلس فوق الأريكة وهي تضع ساق فوق أخرى تنظر بتعجب إليه في جلسته الأرضية والتي لم ينهض منها قبل أن يسحب نفسا عميقا ثم يزفره ببطء لينهض واقفا يتخلص من رابطة عنقه وسترته يظل بسترته الثانية والتي تضم جسده بقوة فتظهر عضلاته بسخاء ، شمر كمي قميصه للخلف ليسألها بجدية : هل تشعرين بالعطش أو الجوع ؟
بللت شفتيها وهي ترمقه من بين رموشها وتهمس : لا شكرا لك .
صاح فجأة : أنا أشعر.
كتمت ضحكتها وظلت بملامح ساكنه رغم التماعها فوق شفتيها ليهمس بجدية وهو يستدير إليها يواجها ويقترب منها بهدوء : تشعرين بالتسلية على حسابي أليس كذلك ؟!
هزت كتفها العار بدلال قصدته : لا ولماذا أفعل ؟
زفر بقوة : أنت تعلمين لماذا ؟
رفعت نظرها إليه : أنا لم أفعل شيئا يا عمار ، أنا أريد تفسير وأنت تدرك جيدا أن هذا من حقي.
ومضت عيناه بلهيب حارق : أخبرتك بالتفسير الذي أملكه يا يمنى واقسمت إليك أني لم ادعوها وأن صداقتي بها انتهت وأن أدهم من أتى بها ولكنك لم تصدقينني .
جلس أمامها فوق ركبتيه ليهمس بصوت أبح متبعا وهو يحتضن كفيها براحتيه – منذ اقتران روحي بك وأنا لم أنظر لأخرى غيرك ، وأنت تدركين هذا جيدا ، وليس من المعقول أن تفسدي ليلة زفافنا لأجل شيء عابر لا دخل لي فيه .
حينها أجابته بضيق وعيناها تومض بغيرة حارقة : أنا أغار عليك وأنت تدرك هذا جيدا .
ابتسم بسعادة ليهمس إليها بلطف : أعلم وأنا الآخر احترق من الغيرة عليك ولكن أثق بك ، ألا تفعلي أنت ؟
تمتمت برقة : بالطبع أفعل يا عمار .
فيبتسم بوجهها هامسا بصوت اجش تائق : حسنا امنحيني فرصة الاقتراب.
رفعت أنفها بأنفة : لم ادفعك بعيدا .
تمتم وهو يكتنف كفيها يضغط عليهما بأصابعه بقوة : بل فعلت كثيرا وإلى الآن تفعلين ، صمتك وغضبك معناه أنك تدفعينني بعيدا .
نظرت إليه بجدية : كنت آخذ حقي منك لا أكثر حق قلبي الذي انتفض بغيرة عليك وتلك الشقراء تتمايع عليك.
أجابها بجدية : أنا أعتذر منك ولكن أنا لم أفعل شيئا يا موني ، ليتبع بنفاذ صبر – ثم ألم تكتفي يا يمنى ؟
ومضت عيناها قبل أن تسبل اهدابها وترد بمراوغة : الآن أنا ببيتك معك زوجتك ، ما معنى أن أكون اكتفيت أم لا ؟!
جذبها من كفيها إليه ليهمس أمام وجهها : يعني لي الكثير، احتضن وجهها براحتيه ليهمهم بأنفاس ساخنة : فأنا لن أقو على دفعك لي مرة أخرى وأنت زوجتي .
اعتقل نظراتها ليتبع بخفوت : أنت هنا بمملكتي .. ملكي .. خاصتي لا تملكين دفعي بعيدا وأن فعلت لن استجيب يا مليكتي .
ابتسمت بمكر لتهمس مثله : وأنا لن أفعل .
ومضت عيناه برغبة أحرقت ما تبقى من تعقله ليهتف بها وهو ينهض واقفا يجذبها إلى رحاب صدره : أخبريني بها ثانية .. ردديها على مسامعي .. أغدقيها فوق أذني حتى اكتفي .. اسمعيني إياها مرارا وتكرارا دون ملل .
فردت كفيها فوق صدره لتدفعه قليلا عنها وتهمس : ما هي ؟!
أحاط خصرها بذراعه ليضمها إليه أكثر يحيط وجنتها بكفه يرفع رأسها إليه ويهمس أمام شفتيها : أنك تحبينني .
ومضت عيناها بسحر خاص قيده لأسرها اكثر قبل أن تهمهم : وهل فعلت شيء لتستحق أن أغمرك بها .
جمدت ملامحه بضيق قبل أن يلتقط تلاعبها معه فيهتف بعصبية افتعلها: حسنا لا تفعلي واتركيني اشعر بها بنفسي .
همت بالرفض ولكنه لم يمهلها الفرصة فأحنى عنقه وباغتها بشفتيه التي امتلكت ثغرها في قبلة أودع بها كل جنونه .. عشقه .. شغفه .. وغرامه بها وهو يجذبها إليه يدفعها أن تسير معه وهو يغيب وعيها في قبلاته الكثيرة التي امهرها لثغرها الفاتن .
تململت وحاولت دفعه بعيدا ليطبق ذراعيه من حولها وكفيه يلامساها بشغف أفقدها قدراتها على رفضه أو دفعه ليوهن مقاومتها وهو يجبرها على الاستلقاء بفراشه وقبل أن تبتعد عن محيط وجوده كان يجذبها إليه ثانية يغرقها في لجة مشاعره التي ابتلعتها كاملة فاستكانت رغم عنها وهي تدعه يقودها في بحر لم يسبق لها خوضه أو السباحة به .. بحر فيه هو سلطانه .. ملكه .. سيده ، شعر بها تنصهر معه حينما تمسكت به فهدأها بكلمات خافته يهمس لها جوار أذنها ويرتب على جسدها الذي يشعله ببطء فتتأوه برقة ليزيدها وهو يحدثها عن شغفه بها .. يهمس لها بعشقه لها .. ويغازلها بجرأة لم تعترض عليها تأوهت مرة أخرى ناطقة باسمه وهو يصلها فيردد بنبرة مشتعلة ذائبة فيها : قولي اسمي يا حبيبتي فهو يكفيني اليوم .
همست برقة : عمار .
فيجيبها بخفوت شديد :اؤمري يا مليكتي .
رفت بعينيها ودون أن تنطقها ومضت بعينيها ليهمس بها وهو يلتحم معها يصيح باسمها ويعلن عن عشقه لها ، عشقه الذي دمغها به وهو يهتف بها بأنه يحبها.
انتفض واقفا وعقله ينصهر تحت وقع الذكرى فيتبعها على الفور ليقف على باب دورة المياه الخارجية المفتوح لتنظر إليه بتعجب وتسأله : تريد استعمال دورة المياه؟!
رمقها بعتاب : لا أتيت فقط لأطمئن عليك .
ابتسمت برقة : أنا بخير .
لوى شفتيه برفض وهو يعاتبها بعينيه فاتبعت بعدما زفرت بقوة وخرجت من دورة المياه – أنا لست غاضبة أنا فقط ، لا أطيق رؤيتها .
ضحك بخفة ليهتف وهو يجذبها إليه : أقسم لك بالله أن لم يجمعني بها شيئا لا بالماضي ولا بالحاضر .
مطت شفتيها لتغمغم بضيق : أعلم ولكنها شقراء يا عمار .
تعالت ضحكته ليهمهم بخفوت : لذا أنت مختلفة عن الجميع يا مونتي .
ابتسمت برقة لترفع ذراعيها تلفهما حول عنقه لتهمهم بخفوت : هلا راقصتني كيوم الزفاف ؟
ومضت عيناه بوميض أخضر زرعي ليهمهم بخفوت وهو يضمها إلى صدره : وهل أقوى على الرفض ؟
اقتربت منه اكثر لتهمس برقة : على نفس الأغنية ؟
أجاب بإنجليزية منغمة : على الدوام نفس الأغنية ، إنها أغنيتنا الخاصة يا موني .
***
ينظر إلى هاتفه بضيق وهو يرمق الاتصال الذي يجريه للمرة الثالثة على التوالي فلا تجب شقيقته التي لا يقوى على الاطمئنان عليها من البارحة ،
يزفر بضيق ليداعب هاتفه بنزق قبل أن يهتف بضجر وضح بصوته وهو يسجل إليها رسالة صوتيه : موني مساء الخير يا حبيبتي ، أتمنى أن تهاتفينني حينما تتفرغين أريد أن اطمئن عليك فأنت من البارحة لا تجيبين اتصالاتي ،
أرسل رسالته ليتبع من بين أسنانه وهو يسجل إليها رسالة جديدة - اتصال مرئي يا موني أريد أن أراك وأطمئن عليك .
ألقى الهاتف من كله ليستلقي فوق فراشه بضيق ينظر إلى سقف غرفته وهو يشعر بالوحدة تطبق فوق أنفاسه ليلتقط هاتفه من جديد ويتصل بأخيه الذي أجابه على الفور هاتفًا بجدية : مرحبا يا عادل ، هل ماما بخير ؟
عبس عادل بضيق ليجيب بنزق : ما هذا الاستقبال يا أسعد ، هل هذا يعني أني لا اهاتفك إلا بخصوص ماما ؟!
تجهم أعتلى وجه أسعد ليجيبه بهدوء : لا أقصد بالطبع ولكن ماما انهت الحديث معي حالًا واتصالك القريب جعلني أتوقع حدوث شيء ما يخصها .
زفر عادل بضيق وهو ينهض واقفا : لا لم يحدث شيء فقط أردت أن أطمئن على موني هل هاتفتها اليوم ؟
عبس أسعد بتعجب : لا أخر مرة تحدثت معها أول البارحة ، لماذا هل حدث شيء ؟!
برم عادل شفتيه ليغمغم بضيق : أنا أتصل بها من البارحة لا تجب .
ذهول طفيف داعب ملامح أسعد الذي أجاب بعد برهة : هل تتصل بها يوميا ؟! صمت عادل لوهلة قبل أن يجيب : بل أكثر من مرة في اليوم .
أغمض أسعد عينيه بضيق ليهتف بحدة ؛ هل جننت يا عادل ؟ تهاتف شقيقتك العروس أكثر من مرة في اليوم ، هم بالحديث ليقاطعه أسعد بجدية - احترم نفسك يا عادل ولا تتصل بموني ثانية ، واحترم علاقة شقيقتك بزوجها ولا تتطفل عليهما هكذا.
غمغم عادل بضيق : فقط لا تهتف بكلمة زوجها وتثير ضيقي أكثر ثم إنه عمار يا أسعد ليس بغريب عنا .
هدر أسعد بضيق : وهل لأنه ليس بغريب عنا هذا يمنحك الحق أن تهاتف شقيقتك كثيرا هكذا ؟!
زم عادل شفتيه ليتابع أسعد بخفوت - لا تدفعني لحديث لا أريد أن أخوض به يا عادل ،
اكفهر وجه عادل بضيق ليغمغم بنزق : حسنا أنا ضائق لغيابها وأشعر بأنه اختطفها مني ماذا علي أن أفعل ؟
هز أسعد رأسه بيأس : تزوج وأرحنا يا أخي .
مط عادل شفتيه ليهمهم : ماما غير موافقة على عروسي ماذا افعل أنا ؟!
تمتم أسعد بصراحة : جميعنا غير موافقين ، زفر عادل بقوة فاتبع أسعد بمكر - أنت نفسك غير موافق يا عادل .
تمتم عادل بضجر : لا تبدأ يا أسعد .
تنفس اسعد بقوة وأثر الصمت فاكمل عادل باهتمام - ماذا كانت تريد ماما ؟
ابتسم أسعد ليهمهم بمرح : من الواضح أنها شعرت بضيقك فتعد الطعام لأجل أن ترفه عنك ودعتني للعشاء ولكني لم أمنحها جوابا شافيا فأنا لا أعلم ماذا ستفعل جنى ، منذ البارحة وهي ضائقة لأجل سفر مازن ولم تخبرني هل ستذهب إلى بيت والدها أم لا ؟
صمت عادل فسأله أسعد بمكر : هل تهاتفني تسألني المجيء لم تريد الاستفراد بلولا وطعامها بمفردك ؟
أغمض عادل عينيه ليهمس بمكر مرح : أخاف أن أكون متطفلا عليك أنت الآخر .
تبرم أسعد ليهمهم بضيق : غليظ ، سأرى جنى وإذ لم آت لكم الآن سأتي في الغد يا شقيق وسأوقظك من نومك .
ضحك عادل ليهتف بمرح : حسنا سأنتظرك سواء الليلة أو في الغد ، ستنير بيت الأمير يا حضرة القائد.
أغلق الهاتف مع أخيه ليقفز واقفا يخطو خارج غرفته يبحث عن والدته التي وجدها بالمطبخ تعد الطعام فيهتف بمرح مشاكس : هل لدينا وليمة اليوم يا أم أسعد ؟!
ابتسمت ليلى برقة لتعبس بضيق لوهلة قبل أن تجيب : أسعد من الواضح أنه لن يأتي ولكن لا يهم ، أنا أعد الطعام لأجلك ، تعال وتذوق طاجن اللحم وأخبرني هل ينقصه شيء .
دلف إلى المطبخ ليلتقط مريول المطبخ ليرتديه بأريحية هاتفًا : ما رأيك أن أساعدك اليوم يا لولا .
ضحكت ليلى لتجذبه إليها تضمه إلى صدرها فيضمها إليه باشتياق ولهفة هامسا : اشتقت إليك يا ماما .
رتبت على صدره لتهمس باختناق ودموعها تتجمع بعينيها : لا تغضب مني يا عادل ، أنا آسفة يا حبيبي ، وإذ كان أمر هذه الفتاة ..
زفرت بقوة لتصحح بهدوء مرغمة - السيدة سيبعدك عني أنا اعتذر لك وأخبرك أني موافقة أن ترتبط بها كما تريد ، فأنا كل ما يهمني سعادتك وراحة بالك يا بني.
ابتسم عادل بحنان ليضمها إلى صدره هامسا : انا لست غاضب ولا ضائق يا ماما ، أنا بخير لا تقلقي علي .
ابتسمت ليلى لتربت على وجنته هاتفة : حسنا حدد موعدا لنذهب و تخطبها رسميا .
ابتسم بخفة واسبل جفنيه : حاضر يا ماما فقط لدي بعض الأمور العالقة سأنتهي منها وسأرتب موعدا بإذن الله ، صمت لوهلة قبل أن يتبع بغموض كسى ملامحه - أو لعل يحدث في الأمور أمور والغي الامر برمته .
ومضت عينا ليلى باهتمام فيشيح هو بعيدا قبل أن يهتف : أخبريني ماذا تعدين الليلة أيضاً ؟
ابتسمت ليلى وأثرت عدم السؤال لتمنحه وقته كاملًا ليبوح من نفسه كما أخبرها أمير مرارًا فهتفت بمرح : ستساعدني حقا ؟!!
غمز بعينه ليجيبها : أينعم هيا فقط أخبريني ماذا ستعدين أيضًا؟
ضحكت ليلى وربتت على كتفه : تستطيع تقطيع السلاطة وتذوق طاجن اللحم فأنا انتهيت بالفعل، وسأعد القهوة هل تحتسيها معي ؟
حمل وعاء الخضراوات البلاستيكي ليتبعها لصالة البيت وهو يهتف بها بعدما خلع مريول المطبخ : حسنا سأقطع السلاطة بجوارك وأنت تعدين القهوة يا لولا .
هتفت ليلى بجدية : حسنا ولكن احترس لمفرش الطاولة وأدر الراديو على المحطة التي تذيع الأغاني القديمة لنستمع الى بعض الأغاني .
هتف بمرح : مزاجك رائق الليلة يا لولا .
ابتسمت ليلى التي جلست ووضعت عدة القهوة أمامها لتتنهد بقوة هامسة بخفة : لأن مزاجك رائق يا حبيبي ، ابتسمت لتضمه إلى صدرها بعدما جلس بجوارها - ولد يا عادل تزوج معي أنا لا أقوى خ على فراقك .
ضحك بخفة ليهتف بمرح وهو يغمرها باحتضانه القوي بعدما كانت تحتضنه : ومن قال أني سأتركك يا لولا يا جميلة ، أنا سأظل ملتصقا بك يا ماما إلى الأبد .
ضحكت ليلى لتدفعه بنزق مرح : كاذب حينما تتزوج ستلتصق بزوجتك كما فعل أخوك .
جلجلت ضحكة عادل ليهتف بها : تغارين يا لولا .
ابتسمت ليلى لتهمس بصدق : يكفيني أن تكونوا سعداء يا بني
تنهد بقوة وهمس بعدما قبل رأسها : نحن سعداء بسبب دعاءك لنا يا ماما .
تمتمت ليلى : حفظكم الله وبارك لي فيكم يا حبيبي
***
تحرك نحو غرفة نومه يبحث عنها بعد اختفاءها الغريب والذي أثار قلقه عليها ان تكون باكية أو حزينة لأجل سفر شقيقها ليعبس بعدم فهم وهو ينظر إليها داخل غرفة الملابس ترتدي ملابسها فيسأل باهتمام : ترتدين ملابسك ؟
ابتسمت برقة : الن نذهب لوالدتك ؟ توقعت أننا سنذهب إليها من حديثك معها في الهاتف .
ابتسم بلطف ليسألها : إذًا لن تذهبين لمازن ؟
هزت رأسها نافية : لا ، اليوم يقضي ليلته مع أدهم وعلي سأمر عليهم في الغد واقضي معهم اليوم بأكمله إذ لم يكن لديك مانع .
هز رأسه نافيا : ليس لدي أي مانع سأوصلك بنفسي لهم إن شاء الله .
ابتسمت برقة فأدار عيناه عليها بتمهل ينظر إلى طاقمها الرسمي الذي ترتديه ليرف جفنه سريعا وهو ينظر إلى قدميها البضتين بلونها الأبيض الشاحب مزينتين في حذاء كعبه عريض عال بلون ذهبي لامع يلجم كاحليها بسوار ذهبي ملفوف من حولهما فيجعلهما بهجة للنظر همس بصوت أبح وهو يهمهم قريبا منها يحتل خصرها بكفيه يقربها منه فتصبح رأسها موازية لكتفه فيقدم جملته على قبلته التي مست شحمة أذنها : هل ستخرجين بهذا الحذاء ؟!
عبست بتعجب وهي تلتفت إليه بتساؤل قبل أن ترفع إحدى قدميها تنظر الى حذائها : ما باله حذائي ؟
مط شفتيه ليهمهم بجدية ارتسمت بملامحه رغم تراقص عينيه بتسلية : أرى أنه يناسب قميص نومك البني الذي كنت سترتدينه البارحة ثم عدلت من رأيك ، أكثر من طاقمك الرسمي الذي ترتدينه الآن يا جنتي .
رجف جسدها لتهمهم بصوت أبح والتعجب يزين هامتها : كيف عرفت ؟!
افتر ثغره عن تلاعب شقي : رأيتك البارحة وكدت أن اقتحم غرفة الملابس عليك ولكني أثرت الانتظار فعدلت عن خطة الاقتحام وجلست بالفراش لانتظر قدومك إلي ، أتبع بتمهل وهو يعاتبها بنظراته - لتتفاجئيني بالخروج وأنت ترتدين تلك المنامة الستانية بلونها الأزرق الغامق .
احتقن وجهها لتخفض نظراتها بحرج لتهمس بخفوت : القميص كان عاريا للغاية شعرت بالحرج أن أخرج به هكذا .
همس بتفكه وهو يحك ذقنه النابتة بشعيرات قصيرة يتركها ولا يقوم بحلاقتها طوال فترة إجازته بعدما أخبرته ذات مرة أنها أحبت ملامحه أكثر حينما حددتها ذقنه وهو بغيبوبته : أرتدي عليه المرة القادمة إسدال الصلاة وأنا سأخصلك منه بنفسي .
ابتسمت رغم عنها بخجل لتهمهم وهي تفرد كفيها على صدره تهمس بدلال طفولي : توقف يا أسعد .
تنهد بقوة وهو يضمها إليه يقبل جبينها بحنان : ارتدي حذاء أخر يا جنى واتركي هذا الحذاء لي بمفردي .
عبست بعدم فهم لتنظر إلى قدميها ثانية قبل أن ترفع نظرها إليه فيحتقن وجهها بقوة وهي تلتقط نظراته التائقة فتبتسم بارتعاش ألّم بحواسها وقلبها يرجف بخفقات هائمة فيه لتهمس بخفوت : أعتقد أننا نستطيع أن نعتذر عن الحضور أليس كذلك ؟
رفع حاجباه بدهشة ليهمهم بجدية : نعم نقوى على ذلك بالطبع ، فأنا لم اؤكد على ماما الذهاب من الأساس .
ابتسمت برقه لتشد جسدها للأعلى قليلا لتقبل وجنته بخفه : هذا أكثر من جيد .
عبس بتساؤل لتهمس متبعة- انتظرني قليلا
لتكمل وهي تتحرك مبتعدة عنه بخطوات مدللة وجسد يتمايل بحركات شعر بأنها مقصودة : أعتقد أنك لا تحتاج لخطة اقتحام ولا أنا احتاج لإسدال الصلاة .
اتبعت وهي تختفي خلف باب غرفة الملابس : فقط هدا الإضاءة قليلا .
اتسعت عيناه بادراك لحظي ليبتسم بمكر شع من حدقتيه اللتين ومضتا بتوق وشغف احتل أضلعه ليتنفس بلهاث قوي وهو يحاول أن يتخيل مظهرها بعين خياله ليعود للخلف يجلس على حافة الفراش يطبع بطريقة سريعة اعتذر بكلمات قليلة لأخيه يخبره أنهما لن يحضرا عشاء اليوم ، قبل أن يغلق هاتفه ويميل بجسده للخلف ليضعه بإهمال فوق طرف الكومود القريب من مكان نومه
سقط الهاتف من يده حينما التقطتا عيناه خروجها تخطو على استحياء نحوه فيتحشرج حلقه وهو ينسى أمر هاتفه ليعتدل جسده ببطء وعيناه لا تقوى عن الابتعاد عنها لتقترب كثيرا منه قبل أن تتوقف فتمنحه حرية النظر لها من قدميها المزينتين بالحذاء .. ساقيها البيضاء العارية لمنتصف فخذيها الذي يحدهما القماش الستاني بلونه البني اللامع فيضفي بريقا محببا فوق بشرتها الشاحبة .. ضيق فيحدد جسدها ويظهر مفاتنها من بين فتحته الواسعة التي أظهرت جسدها بسخاء وخاصة مع حمالتيه الرفيعتين ليهمس بصوت أجش آمر : استديري يا جنى
كتم تنفسه وهو يتطلع إلى ظهر القميص الخالي من القماش فاظهر ظهرها بأكمله ما عدا الحمالتين اللتين تعمدتا من خلف لتنتهيا مشبوكة في الجزء السفلي من القماش والذي رسم مؤخرتها وبالكاد أخفاها بقماشه اللامع الضيق .
انتفض واقفا ليصل اليها بخطوتين قبل أن ينحني فيحملها بين ذراعيه فتشهق بخفة قبل أن تتعلق برقبته هامسه بعتاب : أسعد اخفتني .
همهم بكلمات سريعة : لا تخاف ابدًا وأنت معي .
ابتسمت واخفضت عيناها وهي تشعر بهدير قلبه الصاخب وأنفاسه اللاهثة لتهمس بتعجب وهو يتحرك مغادرا غرفتهما : إلى أين ستذهب بي ؟!
همس وهو يبتسم بمكر أضاء عينيه : أحتاج لمزاولة الكثير من التمارين الرياضية اليوم واحتاج لتشاركيني بها .
ضحكت برقة رغما عنها لتهمس بخفوت : فقط لا تنس أننا في طور المحاولة .
ابتسم إليها ليمنحها الأمان بنظراته التي تعلقت بملامحها : لن لن أنسى أبدًا سأظل احاول وأحاول بإصرار إلى أن تظهر الرؤية واضحة يا حبيبتي .
تعلقت برقبته اكثر لتقبل جانب فكه هامسة بصوت أبح : لا أنكر أني أحب إصرارك بل وأعشقه ايضًا .
تنفس بعمق وهو يضعها فوق أريكة عريضة ضمها إلى غرفته لتمنحها مجلسا حينما تريد أن تراقبه في أوقات تمارينه التي يداوم عليها في وقت وجوده بالمنزل .. أريكة جمعته بها كثيرا حينما ينشغل عن اداء التمارين بها فيوفر مجهوده العضلي كله لأجلها ويقضي وقته كاملا معها ليهمس بخفوت : كم مرة أخبرتك اليوم أني أحبك يا جنتي ؟
عبست بعدم رضا : ليس كثيرا
شد جسده من فوقها ليهمس باستياء مفتعل : من الواضح أني مقصر للغاية ، سأعاقب نفسي بأداء مائة ضغط اعوضك بها .
كتمت ضحكتها لتهمس بجدية افتعلتها وهي تنظر إليه يخلع قميصه الأبيض يشرف عليها بجسده ركبتيه تحاوطان خصرها وهي نائمة أسفله بدلال وتنظر إليه بعشق يحتل حواسها : أي نوع من الضغط يا ترى ؟!
ضحك بخفة ليجيبها وهو يركن قبضتيه بجانب كتفيها يفرد جسده من فوقها ليهمهم بجدية : ما ستختارينه أنت سأنفذه أنا هيا ابدأي بالعد .
ضحكت بخفة لتهمس واحد فيقترب منها مقتنصًا شفتيها بقبلة سريعة ليهمهم : أحبك .
توردتا وجنتاها لتهمس ثانية حينما ابتعد : اثنين .
ليعاود الاقتراب .. التقبيل .. الهمس قبل أن يبتعد لتتابع العد لتهمس في العدة العاشرة وعيناها تغيم بعاطفة قوية التقطها بسرعة : اشتقت إليك يا أسعد .
فيقفز جالسا يحمل وزن جسده لركبتيه ليهمهم وهو يبدا باكتشاف مواطن أنوثتها : وأسعد يذوب شوقا يا جنة أسعد ووطنه.
***
تحركت بإنهاك إلى غرفة نومها بعدما حصلت على حمام سريع تزيل به إرهاق اليوم بأكمله ، مستغلة نوم أطفالها أخيرًا بعد ساعات طويلة من الصراخ والبكاء ورغم وجود مربية معها إلا أن الثلاث سويا متطلباتهم أكبر من مجهودهما سويا ، خطت إلى الفراش وهي شبه مخدرة عقلها غائب في نوم تحتاجه وتستحقه لتهمهم حينما وجدته جالسا فوق الفراش يتطلع إلى شيء ما على جهازه اللوحي : لازلت مستيقظا يا أحمد ظننتك نمت..
ابتسم بلطف وهو يراقبها بتروي من أخمص قدميها المخفيتان في خف منزلي رقيق أرضي .. ساقيها عاريتان إلى ما قبل ركبتيها المخفيتان خلف قميص نوم قطني واسع .. يشفع له أنه ذو صدر مدور مفتوح وبدون أكمام .. مط شفتيه بإحباط وهو ينظر إلى ملامح وجهها المرهقة والخالية من أي زينة ليعبس برفض واضح وهو ينظر إلى خصلاتها المعقوصة فوق رأسها بطريقة لم يراها من قبل.
فغمغم بهدوء وهو يتأمل جلوسها في الفراش : فكرت أن انتظرك قليلا .
حركت رقبتها بإنهاك لتهمس بخفوت وهي تفك عقدة شعرها فيتنفس بحبور وهو يراقب خصلاتها بلون الشيكولاته الغامقة الناعمة تنساب على ظهرها : أنا متعبة وأريد أن أنام .
تحرك بخفة ليجلس فوق ركبتيه قريبا منها يلامس كتفيها المتشنجين : ما رأيك أن امسد إليك كتفاك .
قارن قوله بفعله وانامله تمسد أخر عنقها من الخلف بعدما أبعد خصلاتها على كتف واحد فتتأوه برقة وهي تحرك كتفيها باستمتاع واسترخاء بدأ يداعب اطرافها ولكنه سرعان ما اختفى وعقلها يستيقظ على شفتيه اللتين بدأتا في نثر قبلاته الملهوفة فوق مؤخرة عنقها كتفها الذي أصبح عاريا بعدما باعد حمالة قميصها العريضة فتهمس بعدم فهم : ماذا تفعل يا أحمد ؟!
شهقت بخفة وذراعه تلتف حول خصرها ليجذبها إلى صدره يلفها قليلا فتواجهه بنصف استدارة ليهمس وهو مستمر في تقبيلها : أزيل عنك تعب النهار بأكمله ، فقط امنحيني فرصة فأنا اشتقت إليك كثيرا يا أميرتي .
رفت بعينيها تقاوم النعاس الذي يخيم على رأسها : وأنا الأخرى ولكن .
مال بها وهو يطبع قبلاته العميقة فوق جسدها ليقاطعها هامسا : لا ، الليلة ليس هناك لكن ، فأنا اشتقتك للغاية .
ابتسمت برقة لتهمس بصدق أمام عيناه : أنا نائمة بالفعل .
ابتسم بمكر ليغمز لها بطرف عينه : سأوقظك لا تقلقي .
ضحكت بخفة وهزت كتفيها باستسلام فيستلقي بجوارها يضمها إلى صدره وينغمس بها .. يخبرها بشوقه الذي عبأ أنفاسه .. ويشعرها بتوقه الذي سيطر على لمساته فتستجب إليه بعد قليل وهي تشعر بشوقها إليه يسيطر على حواسه طاردًا أي شعور أخر سواه ، هام بها وحينما هم بوصالها ارتفع صوت ولده المزعج ببكاء قوي ايقظ ابنته التي بكت بانزعاج واضح لتهتف هي وكل حواسها تستنفر لأجل أطفالها : فارس استيقظ وأيقظ تارا معه .
أغمض عينيه وحاول أن يتجاهل البكاء المدوي وهو يدفن أنفه بعنقها من جديد : سيصمتا الآن
دفعته بكتفه ليبتعد عنها وهي تنظر إليه بعتاب جلي فيزفر بقوة ينظر إلى عيناها بضيق قبل أن يستلقي على الفراش بغضب تشنج إليه جسده وهو يهمهم بسبه ما اختص بها ولده بينما قفزت واقفة لتهرع بخطواتها إلى الغرفة وهي تهتف به : هلا أتيت وساعدتني واسكت تارا .
مط شفتيه برفض طفولي سرعان ما تخلص منه وهو يستمع إلى صوت فتاته التي بدأت في بكاء حاد مطالبة بالدلال والاعتناء فيقفز من الفراش بدوره ويهرع إلى ابنته التي صمتت حينما حملها بين ذراعيه ليهتف بضيق وهو يحمل معه بعض من اشياء الفتاة : سأصحب ابنتي وننام بالغرفة الثانية ، اعتني بولدك على راحتك .
استدارت إليه بتعجب وهي تحاول إسكات فارس الذي لازال يبكي فتحاول إمداده بزجاجة الحليب لعله يرضع ويصمت : أصبح الآن ولدي وابنتك .
تمتم بضيق : نعم لأنك تفضليه علي يا أميرة ، منذ أن انجبته ، هذا الولد بالذات دون عن سليمان وتارا .
أطبقت فكيها بضيق لتهتف بغل : نعم لا أنكر أنه يستنزفني كليًا أتعلم لماذا ؟!
استدار إليها بعدما هم بمغادرة الغرفة : لأنه يشبهك للغاية يا أحمد ، متطلبا ولا يقبل بقول لا أبدًا .
هدر بخفوت وضيقه يتحكم به : أخبرتك أن آت لهم بمربية مقيمة تقضي معهم الليل بل اثنان ، لأجلهما ولننقل الغرفة بعيدا عن غرفتنا ليكون للمربية مكان للمبيت ولكنك رفضت .
وضعت ابنها الذي سكن ونام في حضنها دون أن يرضع حتى لتجيبه بحدة : لأنك أردت نقل الولدين فقط يا أحمد على أن تفرغ الغرفة لتارا وتأتي لها بمربية خاصة بها وولداي يذهبان بعيدا في الغرفة البعيدة وأترك شئونهما للمربية وأنا لن أفعل ذلك ، أنا أريد الاعتناء بهم جميعا .. تربيتهم جميعًا .. والسهر بجوارهم جميعًا .
أتبعت بغصة قوية : لا أفرق بينهم ، أحب ولداي كابنتي الحبيبة .
هدر بضيق : أنا لا أفرق بينهم ،
رفعت حاجبها باعتراض لتهمس : حسنا أترك تارا في فراشها فلقد غفت من جديد واذهب للغرفة الثانية لتخلد إلى النوم دون ازعاج .
اتسعت عيناه بغضب : أنت تطردينني يا أميرة .
ضحكت هازئة لتقترب منه بخفة تواجهه بجدية : توقف عن هذا الأسلوب يا أحمد ، أنت من أعربت عن رغبتك في الابتعاد وعدم تقديم المساعدة وأن ولداي يزعجانك .
تمتم بضيق : لا تنكري أنهما مزعجين يا أميرة ، أنا أساعدك منذ أن انجبتهم ولكن .. صمت وزفر بقوة ليتبع - أنت تهملينني كثيرا وأنا صبري قارب على النفاذ .
رمشت بعينيها لتهمس باختناق : رغمًا عني وأنت تعلم .
هدر بضيق وهو يخطو خارج غرفة الأطفال : أعلم وأدرك ولكن طاقتي في الصبر أصبحت شبه معدومة ، أنا لم التقي بك منذ ثلاثة أشهر كاملة ، بل أكثر من ذلك ، أنا مدرك لكل شيء ولكن هل من حل آخر سوى المربية لأيام محددة وليس يوميا ، مثلما استعنت بها يوم زفاف عمار .
أخفضت رأسها وهي تقف بمنتصف غرفتهما ليكمل وهو يقترب منها : أتذكرين ليلتها لقد وعدتني وحينما عدنا ابنك ال..
صمت حتى لا يسبه قبل أن يكمل بضجر - بكى وبدلًا من أن تتركي أمره للمربية التي كانت سترضعه وتنيمه كما فعلت حضرتك الآن ، ظللت معه إلى أن خلدت أنا للنوم .
لوت شفتيها بضيق وهي تشعر بالندم يحتلها تتذكر كيف غازلها تلك الليلة وأخبرها بصراحة عن مدى شوقه لها .. كيف كانت تسيطر على كفه القريبة منها وهما عائدان طوال الطريق وكيف هي الأخرى شعرت بانها اشتاقت إليه وكيف رغبته فوعدته بدلال أنها ستعوضه عن ليالي كثيرة عانا فيها حرمان لتنشغل بفارس حينما وصلا ووجدته يبكي فظلت معه إلى أن عادت إلى غرفتهما فوجدته نائما بإحباط مرسوم على وجهه.
تنهدت بقوة واقتربت منه بتؤدة لتستطيل فوق أصابعها تقبل وجنته برقة : آسفة يا أحمد لا تغضب .
تنهد بقوة ليحتضنها بشوق لم يستطع التحكم به أو ردعه ليقبل جبينها : أنا الآخر اعتذر منك لأني صحت بوجهك . ابتسمت برقة : لا عليك يا حبيبي .
تنفس بعمق قبل أن يلتهم شفتيها في قبلة تائقة ليهمهم من بين ثغرها المنفرج بلهاث قليلا : هل أكمل ما بدأت أم ستركضين لأجل أحدهم من جديد .
تمتمت بخفة : هذا ليس بيدي وأنت تعلم .
تسارعت أنفاسه ليدفعها معه نحو الفراش : حسنا حتى لا أعاني إحباط مزمن إذا بكى أحدهم ، لنسلك طريقا مختصر فأنا مت شوقا يا أميرة .
ضحكت رغمًا عنها وهو يلقيها بلطف فوق الفراش لينضم إليها سريعا فتهمس له قبل أن يتوحد معها : أنا الأخرى اشتقت إليك يا أحمد .
***
ضم أدهم شفتيه لينظر إلى وجهيهما ليهمهم بضيق وهو يربت على رأس وسيم الرابض تحت ساقيه : وحدوووه.
هتفا بعفوية معًا : لا إله الا الله .
ليكمل هو بضيق : محمد رسول الله ، اسمعا أنتما الاثنان أتيت بكما لنمضي الليلة سويا في غياب تامي وبابي ، ولكن اذا ستبقيان بوجهيكما الفقري هذا ، انصرفا أفضل .
عبس علي بضيق بينما ابتسم مازن ساخرا قبل أن يهمهم : أين هما بالمناسب ؟ ولماذا تركاك من الأصل ؟
لوى أدهم شفتيه بضيق : يقضيان ليلتهما في القصر ، ولا أدري السبب .
أجاب علي وهو ينظر بعيدا : لا تدري السبب ، أنه واضح جدا خالو قرر أن يكدر ليالي عاصم ويطبق فوق أنفاسه ، استدار مازن إليه يرمقه بتعجب رسم على وجه أدهم وازداد حينما هتف علي متبعا - أنهم عائلة لا تترك أحد مرتاح وبحاله ، لابد أن يكدرون سماء صفوه و يجثمون فوق أنفاسه .
بالكاد استطاع أدهم كتمان ضحكته ليهتف مازن بجدية : ما الأمر يا علي ؟ هل عمتو ضايقتك من جديد ؟
أشاح علي برأسه بعيدا مهمهما : وهل استطعت الخلاص من تأثيرها القديم ؟
زفر مازن بقوة ليهمهم : هون على نفسك يا علي واصبر قليلا عمتو لن يهون عليها غضبك وفي الأخير ستمتثل لرغبتك .
غمغم بصوت مختنق : لا فائدة فالأمر انتهى لعلها تستكين الآن وتهدأ .
عبس مازن بعدم فهم ليهتف ادهم باهتمام : ماذا تقصد بأن الأمر انتهى يا علي ؟!
اكفهر وجه علي ليجيب باختناق : مي انفصلت عني ، هم مازن بسؤاله ليتبع مقاطعا - وأرجوكم لا أريد الحديث الآن .
تبادلا النظرات ليما ادهم بتفهم فيغمغم مازن : حسنا على راحتك المهم أن تهون على نفسك
أومأ علي برأسه قبل أن يهتف بمازن : أخبرني متى ستسافر ؟
رف بعينيه : في غضون أيام ،
ابتسم أدهم : خطوة جيدة يا دكتور أنا معجب بها رغم أننا سنشتاق إليك يا مزون ، ولكن لا يهم سنتماسك ، لأن الهام في الأمر أن تكن بخير لذا اعتني بنفسك .
أومأ مازن بابتسامة ساخرة فهتف علي : هل صالحت جنى ؟
تنهد مازن بقوة : نعم ذهبت إليها البارحة وتحدثت معها كثيرا وتفهمت الأمر رغم محاولتها لإقناعي بالعدول عن الفكرة ولكن في الأخير امتثلت لرغبتي وودعتني ببكاء حاولت السيطرة عليه ولكنها فشلت .
رمقه علي مليًا ليساله باهتمام : ومس لمياء يا مازن ؟!!
غامت عيناه بدموع كثيفة فلم يجب لثواني كثيرة كسر صمتها في الأخير حينما همس : تعد لي حقائبي رغم حزنها الذي يغرقها .
همس علي باختناق ناصحًا : لا تغادر دون أن تصالحها .
تنفس مازن بعمق ليغمغم بصوت أبح : أريد أن افعل ولكني .. صمت ليتبع بعد وهلة ببوح صدمهم - أنا خائف.
همس أدهم سريعا : مما ؟!
تنهد بقوة ليجيب ودمعه خائنة تنساب من جانب عينه : خائف من التعلق !!
ردد أدهم وهو يضيق عينيه بتفكير : التعلق ؟!! أومأ مازن برأسه فاتبع أدهم – أي تعلق يا مازن ، أنها زوجة أبيك في مقام والدتك الأمر مختلف .
اسبل مازن جفناه : نعم أعلم .. لقد رددت على عقلي هذا الحديث كثيرا يا أدهم ، ولكن هناك شيء يكبلني ، أنا اعتدت على فقد .. بل أنا نشأت في الفقد ، غام صوته ليتبع ببوح - فقدت أمي دون أن أراها .
اختنق حلقه ودموعه تنساب ببطء على وجنتيه فتصلب جسد أدهم وتحرك علي مقتربا فأشار إليه أدهم إلا يقترب منه فيمنحاه وقته كاملا ليبوح بما يؤرق روحه وخاصة وهو ملتزم الصمت منذ وقوعه فاكمل بعد لحظات : لم اتنعم بحضنها .. ولم أسمع صوتها .. ولم أشعر بحنانها ، ورغم اعتناء عمتو بي بل الجميع اعتنى بي ، وجنى التي أغرقتني من فيض حنانها ، إلا أن كبرت ناقصا وفاقدا لشعور هام عقلي بنفسه لم يستطع تخيله ، حتى تلك اللحظات التي كانت تمنحها لي لمياء منذ صغري كانت تؤثر بي ورغم قصرها تعلقت بها ، تعلقت بمدرستي التي احتضنتني ووضعتها في أحلامي وجسدت صورة أمي من خلالها .
ارتعش فكه ببكاء يكتمه بعمق روحه : كنت اخلط أحلامي بواقعي حكايات جنى وبابا عن ماما وافعال لميا وامزجهما سويا لأحصل على تجسيد كامل لهذا اللفظ الذي حرمت منه طوال عمري، ولكن كان هناك جزء مني بداخلي يعلم ان كل هذا ليس حقيقيا ، وأني سأظل أعاني الحرمان إلى أن تحقق جزء من أحلامي وفي تدبير غريب من القدر تزوج بابا من الوحيدة التي كانت تمثل معنى الأمومة في خيالي ، زفر بحرقة متبعا – ومن الواضح أن في حين غفلة اقنعت عقلي أن كل أمنياتي ستتحقق فتركت لنفسي العنان وغرقت بأحلامي التي اعصبت عيناي وأوهمتني أني سأرتبط بالفتاة الوحيدة التي تعلقت بها منذ الصغر ، ألم يرزقني الله بمن تمنيت أن تكون مكان أمي ، لماذا لن يمنحني من امتلكت خفقاتي ،
صمت كثيرا حتى توقعا أنه لن يكمل بوحه ليكمل بصوت حمل مدى ألمه وهو يكمل – رغم تيقني أنها لا تبادلني مشاعري .. رغم معرفتي بأنها لا تحبني .. ورغم رفضها المستمر لي ، كنت مغيبا .. تائها .. وغارقا في مشاعري التي تخصني بمفردي.. انسابت دموعه أكثر ليضحك من بينها ساخرا وهو يتبع – كنت واثقا من جيناتي التي من الواضح لا أملك أياً منها ، فآل الجمال يحصلون على ما يريدونه دوما وأنا لم أفعل .
أتبع وهو ينظر إليهما هامسا باستهزاء جلي بعدما مسح وجنتيه بكفيه في قسوة ومضت بعينيه : على ما يبدو أنا لست جماليا .
أشاح علي بعينيه بعيدا يخفي عنه دموعه التي انسابت رغما عنه وهو يستمع إليه ليكح أدهم مجليا حلقه يتمسك بتصلب ملامحه الجامدة ليهتف بصوت قوي وهو ينتقل ليجلس بجوار مازن ينظر لعمق عينيه : بل أنت جمالي اصيل ولكن تحتاج أن تنفض الأوهام عن اجنحتك يا مازن ، أكمل وهو يضغط على كف مازن بدعم – وهاك أنت بدأت يا مازن ولكن لا تخلط الأمور ببعضها، لا تدع فقدك لحلم ارتباطك بخديجة يؤثر على علاقتك بمسز لميا التي تعدك كولدها ، السيدة كانت حزينة عليك كأنك بالفعل ابنها يا مازن .
انتفضت ملامح مازن برفض عندما ذكر أدهم اسمها ولكن أدهم لم يتراجع بل أكمل حديثه بجدية وهو يرمقه بنصح ودعم فيهمس مازن باختناق : أعلم يا أدهم أعلم وأدرك وأشعر ولكن اخاف أن اتعلق أكثر فافقدها بعدما اتعلق أكثر ، وأنا لا أحتمل فقدا آخرا يا أدهم .
زمجر أدهم بعدم رضا وهو يقفز واقفا : ما حدث مع خديجة ليس فقدا يا مازن ، فخديجة من الأصل لم تكن لك .
هدر علي وهو يراقب انتفاضة مازن فينتقل قريبا منه : اهدأ يا أدهم ، لم نأتي لنتحدث فيما مضى ، مازن يدر ذلك جيدا ، أليس كذلك يا مازن ؟
رف مازن بعينيه فأكمل علي : مسز لمياء لا تستحق أن تحزنها يا مازن تحدث معها وهي ستتفهم أنا متأكد .
تمتم مازن بحزن : هي متفهمة يا علي ولكنها ..
ابتسم علي ساخرا : ولكنها أم ، تريد صالحك ولكنها تخاف عليك وتريد أن تسعدك بكل ما أوتيت من قوة فتحيا في صراعها الخاص بين عقلها وقلبها وروحها وينعكس كل هذا في غضبها الصامت كماما .. أو حزنها الصامت كمسز لمياء .
رف مازن بعينيه ليومئ برأسه موافقا ليسال علي باهتمام : بالمناسبة يا أدهم ، لم تخبرنا عن تامي كيف ينعكس صراعها الخاص عليك ؟!!
مط أدهم شفتيه مفكرا : لا أعلم للان ولكن أستطيع التخيل إذ كان غضبها ركيك وليس عميق ستزأر في وجهي تعلن عن انفعالها بقوة وحدة وشموخ وهذا ليس مقلقا .
انتبها الاثنان ليكمل ادهم بهدوء : أما إذا كان الصمت إحدى صفات الانعكاس علي القلق وبقوة أيضاً فماما حينما تصمت عليك أن تتوقع الاسوء ، أتبع بضحكة ماكرة – فسيادة الوزير بنفسه ينتابه القلق حينما تصمت الحورية وعندما تتجنبه يبدأ في الدوران حول نفسه ويقبل على مصالحتها على الفور حينما تتجاهله بشكل واضح فيعلن استسلامه دون عناد لأنه حينما يعاند يخسر كثيرا .
ضحكا الاثنان رغما عنهما ليكمل هو ببساطة : وأنا تعلمت منه أن لا أتركها لتصل إلى المرحلة الأخيرة واقتنص فرصتي معها من المرحلة الثانية فتكن هدأت ثورتها ولم تبدأ في وضع خطتها بعد .
هز مازن رأسه بيأس ليضحك علي بخفة هاتفا بعفوية : أتعلم أنا أعشق والدتك يا أدهم .
عبس أدهم بغيرة ليكتم مازن ضحكته ويلكز علي الذي أتبع شارحا – لا أقصد المعنى الحرفي يا أدهم ولكن دوما كانت تروقني بأسلوب تعاملها مع الجميع فرغم أنها مرحة وشقية ولا تبدو أبدًا في هيئة الأم التي اعتدنا عليها إلا أنها صلبة حين الأمور الجادة ، ابتسم ليكمل بضحكة خافتة كتمها بداخله – أما تعاملها مع خالو رهيب ، دوما كنت أشعر بأنها تمسك خيوطه كاملة حتى وإن كانت تدعي العكس ، والدتك الايدول النسائي بالنسبة لي .
رمقه أدهم مليا دون صوت ليهمهم بجدية : أتعلم يا علي حديثك هذا أجابني عن سؤال كان يضج مضجع عقلي دوما ؟! نظر إليه علي بتساؤل فأكمل أدهم بهدوء – ما سر اختيارك لمي أو انجذابك إليها ؟! بعد حديثك عن أمي تفهمت .
عبس علي ليهتف بسرعة : لا بالطبع لا مي لاتشبه تامي .
ابتسم أدهم ساخرا : إذًا أنت لا تعرف تامي .
ضيق علي عينيه ليؤثر الصمت قليلا قبل أن يهمس بصوت أجش : لا فائدة من الحديث الآن فالأمر انتهى .
ساله مازن : تحدث إليها يا علي إذ كنت تريدها ولا تكابر .
أخفض علي رأسه ليجيبه : حاولت ولكنها رافضة .
اتسعت عينا مازن بصدمة ليهتف أدهم بجدية : لا أفهم يا علي هل معنى حديثك أن مي تركتك؟ اوما علي رأسه بالإيجاب ليسأله أدهم سريعا – كيف ؟ ولماذا ؟
ابتسم علي ساخرا : كما تركتك مريم ؟ رمقه أدهم بمفاجأة ليكمل علي – أولم تفعل مريم يا أدهم بسبب رقصك مع تلك السيدة في زفاف عمار ؟
زم أدهم شفتيه وهو يتذكر انغماسه في الرقص مع بسمة في تصرف لم يكن محسوبا على غير عادته ولكنه كان يهرب من الاختناق الذي احتكم حلقه وهو يراها مع خطيبها بصفة رسمية رغم عدم ارتدائهما للخواتم ولكن وجود عائلة الآخر في زفاف ابن عمه انبهه كيف أن الأمر أصبح رسميا .. جادًا .. ولا تراجع فيه ، فاندفع للأخرى التي حضرت رغم توقعه أنها لن تفعل فهو أصبح متحفظا معها كثيرا .. بل إنه يدفعها بعيدا عنه لتيقنه أنها تريد شيئا خاص بالمؤسسة هو لا يستطيع تقديمه لها ولكن ليلة الزفاف كانت استثنائية لدرجة أنه شعر بأنه سينغمس معها دون رجعة فسيطر على نفسه بما تبقى إليه من تماسك ولكن ما اندفع لفعله لم يمر مرور الكرام لدى مريم التي من الواضح وصلت إلى حدودها القصوى فكادت أن تتشاجر معه بالزفاف لولا وجود الجميع لتنهار في موجة دراما صراخ وعويل لم يستطع تحمله فينفجر هو الآخر بمشاجرة كبيرة انتهت بانفصالها عنه انفصال تام كما وصفته هي وكما استقبله هو دون أن يرف بجفنيه ، انتبه من دوامة أفكاره على صوت علي الذي هتف سائلا : هل أحببت مريم يوما يا أدهم ؟
رف بعينيه ليجيب ببوح : مريم كانت نعم الفتاة التي سأمنحها اسمي يا علي ، أنها الفتاة المثالية ولكن أنا لم أكن مثاليا .
تمتم مازن بذهول : ما معنى هذا يا أدهم ؟! أنت لا تحبها .
تنفس أدهم بعمق : لا أنكر أني انجذبت إليها بقوة .. أنها تروقني كثيرا .. وبها كل المواصفات التي أريدها في زوجتي ، لكن الحب .. صمت ليهتف بجدية – أنا لا أحب ولا أعتقد أني سأقترن عن طريق الحب .
وجما الاثنان ليخيم الصمت عليهم قبل أن تتعالى ضحكة مازن التي أتت قوية فينظرا إليه الاثنين بعدم فهم ليتمتم من بين ضحكاته : يا فرحة آل الجمال بنا ، أين عماي العزيزان ينظران إلى الجيل الصاعد من العائلة والذي سياتي لهما بالعار كما يقولون دوما .
قهقه أدهم ضاحكا ليهتف : عمو وليد ومقولته الشهيرة " يا عيني على الرجال "
لتتعالى ضحكة علي الذي شاركهم ضحكهم وهو يهتف : وخالو وائل وهو يشير إليكما أنتما الاثنان " بالمتعوس وخائب الرجاء "
ضجوا بالضحكات ليهتف مازن : الهام في الأمر أننا جميعا بؤساء ، أتبع وهو يشير إلى أدهم وعلي بالتتابع – العابث .. والرزين
ليكمل وهو يشير إلى نفسه : ومرهف الحس ، جمعينا متاعيس .
تعالت ضحكاتهم ثانية ليهتف أدهم وهو يقفز واقفا : هيا إلى الداخل لنطلب الطعام ونلعب بالألعاب الالكترونية ولتحيا العزوبية .
وقفا بدوريهما ليهتف علي : توقعتك ستأتي لنا بالفتيات .
توقف مازن عن الحركة ليلتفت إليه أدهم ينظر إليه مليا قبل أن يهتف ببساطة : على عيني يا علي ولكنه بيت العائلة ، استطيع أن أرتب الامر قبيل سفر مازن في شاليه السخنة أو اليخت ، لكن أنا رغم كل شيء لدي قواعدي ، بيت العائلة لديه حرمته .
صفق مازن بكفيه ليهتف بسخرية : الله على الأخلاق ، تناثرت الضحكات من بينهم ليتابع مازن بعد وهلة – فكرة جيدة يا أدهم ، أنا معك .
عبس أدهم بعدم فهم : فيم ؟!
غمز إليه مازن بخفة : في أمر الفتيات حقي أن احتفل قبيل سفري إلى مجاهل أفريقيا .
تبادلا أدهم وعلي النظرات ليهتف علي بجدية : كنت أمزح يا مازن .
ابتسم مازن بخفة وهو يستلقي ليدير اللعبة ليهتف بجدية : وأنا لا أفعل ، أتبع بهدوء وأدهم يرمقه من بين رموشه – لندعو زين أيضاً ، سيفرح كثيرا بالأمر .
استلقى أدهم إلى جواره ليهمس إليه بخفوت : وأنت ستفرح بالأمر ؟!
مط شفتيه بتفكير ليهمهم : لأجرب ، لن أخسر شيئا .
ابتسم أدهم ساخرا ليشير إلى علي المنزعج بعينيه فيجلس علي بترقب قبل أن يهتف ادهم الذي أدار نظارة اللعب : يهيأ إليك يا ابن العم ، ستخسر كثيرا .
رمقه مازن مليا ليؤثر الصمت فلا يجيب ليجلس علي إلى جواره وقبل أن يبدأ اللعب همس إليه : لا تفقد نفسك في غمار الأحداث يا مازن ،
تنفس مازن بعمق ليجيبه بعد قليل : لا أفقد نفسي يا علي ، أنا أبحث عنها .
***
عائد بعدما رتب أمور العمل الأيام القادمة لينفذ الفكرة التي أتت على رأسه بعدما أنهى عمله اليوم فيتأخر قليلا عليها وخاصة بعدما مر على شقيقه كالأيام الماضية ، شقيقه الذي أخبره الليلة أن يتدبر أمور الطعام الأيام الثلاثة القادمة لأنه لن يكن متفرغا فتقبل عمار الأمر دون إثارة جلبة وخاصة حينما أخبره بأنه سيسافر هو ونوران للساحل هربا من الروتين اليومي ، فنوران تحتاج إلى التجديد ، ويطلب منه أن يتبعه فهتف إليه عمار بأنه سيفكر في الأمر بجدية
وها هو عائد إليها ليفاجئها بما رتبه ، داعب هاتف سيارته ليتصل بها وخاصة بعدما فقد التواصل معها طوال اليوم أجابته بنزق صدح بصوتها : أين أنت يا عاصم ؟!
__ قادم . ألقاها بصوت أبح ليتبع - هلا وضبت حقيبتنا سنسافر لمدة يومين ؟
عبست وهي تنصت إلى نبرة صوته الأبح فتسأل بهمس ولا تعلم لم تشعر بالفضول وكأنه يخفي عنها شيء : إلى أين ؟!
زفر أنفاسه العالية : فيلا الساحل ، أتبع أمرًا - واستعدي أريد أن نصل فجرا .
هتفت بتعجب : ستسافر الليلة .
ابتسم بشغف : الآن يا نور
لوت شفتيها بعدم فهم، ليكمل بصوت اجش وصلها جيدا : فقط لا تنسي رداء السباحة خاصتك، همهمت بالإيجاب فيكمل بتسلية لمعت بعينيه - ذو القطعتين .
ارتفعا حاجباها بدهشة لتبتسم أخيرًا وهي تجيبه ببطء : لن أنسى .
...
وضع الحقيبة أرضا ليخلع قميصه القطني فتهمهم إليه : ستخلد إلى النوم .
اقترب منها ببطء كسول ليجذبها من ساعديها إليه يقبل شفتيها برقه بعدما احتضن وجهها ويهمس وهو يدير نظراته عليها : سنذهب إلى السباحة .
اعتلت الدهشة ملامحها لتهمهم : الآن ، الشروق لم يحن بعد .
لمع العبث بحدقتيه : هذا أفضل ، فرغم أن المكان مخفي ومؤمن إلا أني لا أريد أن يرانا أحد .
تمتمت بتساؤل وعيناها تصدح بتفكيرها : يرى ماذا ؟!
دفعها من الخلف ليقربها إليه اكثر يقبلها ثانية ويهمهم من بين ثغرها : فقط ارتدي رداء سباحتك ودعي البقية لي .
ابتعد عنها فتركها مشوشة قليلا منتعشة بلهجته الذائبة وقبلاته النهمة لتزفر أنفاسها ببطء وتفعل مثلما يريد ، خطت الى خارج الشاليه بحثت عنه وهي تضع مئزرها الحريري تخفي به جسدها العار إلا من قطعتين رداء سباحتها لتجده أخيرا يقف على الشاطئ أمام البحر ينظر إلى الشمس التي تنشر أشعتها على استيحاء ، تبعته هامسة باسمه فيقابلها بابتسامة رقيقة وعينان جائعتان لها ليقف متسمرا موضعه إلى أن اقتربت هي منه فيجذبها من كفها إليه يوقفها أمامه يضمها من خصرها إلى صدره يسند ذقنه إلى كتفها وكفه الآخر يداعب رباط مئزرها فيخلصها منه ، أبعدها قليلا ليرمي مئزرها بعيدا قبل أن يضمها ثانية ، يلتصق بها ويقبل رقبتها بشغف تملك منه وهو يدفعها لأن تدخل معه إلى الأمواج الهادئة انتفضت حينما لامست قدميها المياه الباردة فانحنى ليحملها بين ذراعيه وهو يشق المياه بخطواته غير أبها ببرودتها ، شهقت بقوة حينما أنزل جسدها فجأة داخل المياه فيعدل وضعها يجبرها أن تقابله بجسدها وهو يهمس إليها : تعلقي برقبتي .
استجابت إليه وهي تشهق .. تنتفض .. وترتعد من برودة المياه حولها لتهمهم وهي تتمسك به تضم جسدها إليه : أشعر بالبرد يا عاصم .
لامس وجنتها بطرف شفتيه ليهمس بجانب أذنها وهو يقبلها بتوق : حالا سأدفئك .
انتفض جسدها ثانية وهي تشعر بلمساته التي أصبحت أكثر جرأة فتهمس إليه وهي تكتم تأثرها به : ماذا تفعل يا عاصم ؟!
اعتقلها بين أسوار حدقتيه الغائمتين برغبته الجلية في وصالها مهمهما وهو يرتشف رحيق ثغرها على مهل : أحقق حلم قديم .
...
يخطو بها يحملها إلى الخارج وهو يقبلها بتوق اشتعل اكثر وكأنه لم يخمد نيران شوقه لها داخل المياه تتمسك برقبته جيدا وتلف ساقيها حول خصره وهي تبادله قبلاته المشتعلة بقبلاتها الذائبة فيه تغمغم باسمه وتحاول أن تسأله من بين أنفاسه عن وجهتهما ليندفع بها داخل فيلا عائلته والتي اختارها منذ وصولهما دون عن البقية ليمكثا بها وهي من كانت تتخيل أنهما سيبيتان في فيلا والدها ولكنها اكتشفت أنه اعد فيلا والده وغرفته خصيصا لمكوثهما .
شهقت بقوة وهي تهتف برفض حينما ألقاها فوق فراشه : الفراش سيبتل .
دفعته وهي تريد النهوض ليثبت جسدها بجسده وهو يهمهم بأنفاس حارقه : لا يهم .
أتبع وهو يخلصها من كل شيء ويتخلص من بنطالونه القصير : فليحترق الفراش ولا أحترق أنا.
انتفضت بقوة على وصاله المحموم ولو لها لتتمسك بكتفيه وهي تهمس باسمه في نبرة مغوية لم تقصدها ولكنها أضاعت المتبقي من تعقله ليهمهم بحشرجة وهو يلتحم معها بقوة : لطالما حلمت بك هنا بين ذراعي تتوحدين معي وتكملين النقص بي ، لطالما تخيلتك وأنت قادمة نحوي بهذا الرداء لتمنحيني كل ما أريد دون عناء ، لطالما تخيلتك وحلمت حتى أصبحت هاجسي الذي أحيا لأحقق كل خيالاتي معه
تعالت أنفاسه بقوة ليهمهم بها فيلفح جلدها بسخونته : اهتفي بها يا نور وأنت هنا بين ذراعي .. ملكي .. خاصتي .. نوري
تأوهت باسمه لتهمس له وهي تجذبها اكثر إليها : احبك يا عاصم .. احبك .. أعشقك .. وأريدك.
***
دفنت أنفها في صدره تتحاشى ضوء الشمس الساقط على صفحة وجهها لتهمهم : أغلق الستائر يا عاصم فالضوء يضايقني .
تأملها مليا وهو يتفحص ملامحها يدير عينيه على كل خلية بوجهها قبل أن يهمس : ولكنه لا يضايقني ، بل يبهجني وأنا أراك هكذا تشعين ضياء تزينين به فراشي .
ابتسمت بإغواء وهي تتحرك فتتوسد صدره بساعديها تضع ذقنها فوق ظهر كفيها وتنظر إليه لتساله بنبرة أبحه مميزة تعلن عن مكنونات روحها العاشقة له : أخبرني عن بقية أحلامك وخيالاتك .
ابتسم بمكر وهو يسبل أهدابه : دعي كل شيء بوقته يا نور .
تعض شفتها السفلية من الداخل لتسأله بنبرة دلال تعلم جيدا تأثيرها عليه : هل لازلت تمتلك أحلام تخص هذا المكان ؟!
تمتم بمكر ثعلب : هناك الكثير ،
اتسعت عيناها بتأثر فيسحبها إليه من ساعديها ينومها فوق صدره يتوغل داخل عينيها وهي ملتصقه به : سأشمك بي في كل مكان يا نور فلا تستطيعي أن تهربي من ذكرياتك معي ، حتى الأحلام التي لم تكن تزورني سأحققها مسبقا فلا تأتيني كحلم بل تأتي كحقيقة واقعة .
همست بحشرجة : الجديد اتركه سنحققه سويا، فأنا أسأل عن أحلامك القديمة فهي التي تخبرني مدى تأثرك بي وبوجودي من حولك .
زفر بقوة وهو يضمها إليه اكثر يكبلها بساعديه القويتين الملفوفتين حول جذعها : لم يمر يوم دون أن أتأثر بك ولكن كانت هناك جولات حاسمة تنتهي بي تحت المياه الباردة لأتخلص منها
تعالت ضحكاتها الرنانة فيلتهم شفتيها في قبلات عديدة لتدفعه برقة ليتوقف فتسترد أنفاسها قبل أن تهمهم إليه : كم عدد جولاتك ؟!
ضيق عينيه ليظهر التفكير على ملامحه قبل أن يهمس : خمس أو ست .
داعبت وجهه بطرف سبابتها لتهمس : حققت منهما اثنين .
فيجيب بمشاغبة : قابلين للإعادة رغم انتصاري الساحق بهما .
رنت ضحكتها المائعة فتزيد من رغبته العارمة في وصالها لتهمهم وهي تحاول السيطرة على كفيه اللذين بدءا في إعادة اكتشاف جسدها : بغض النظر عن الإعادة هل هناك جولة حقيقة أخرى تخص المكان هنا .
غامت عيناه بذكرى خرجت من عمق روحه ليهمس : أتذكرين أخر مرة كنا بها هنا ، ذاك اليوم الذي وقفت فيه تعدين صوص الشكولاتة لأجل الكعكة التي صنعتها ماما ، ضيقت عيناها بتركيز ليلمع الإدراك فيهما وهو يكمل - ترتدين شورتا ابيضًا قصيرا للغاية يحدد أعلى فخذيك وقميص مقلم بخطوط زرقاء عريضة مربوطا حول خصرك ، مفتوح من الأمام فيظهر أول نحرك والذي كان مزينا
قاطعته بجدية وعيناها تلمع بصدمة : بسلسال الفراشة البيضاء خاصتي والتي كانت هديتك لعيد مولدي السادس عشر ، اتسعت عيناها بذهول وهي تتبع - هذا الطاقم لم أجده بعد آخر مرة كنت هنا سويا ، والسلسال أيضا لقد بكيت عليه لمدة يومان كاملان .
انتفضت جالسة فوق جسده النائم : هل سرقت أشيائي يا عاصم ؟!
اسبل أهدابه وهو يرفع ذراعيه يضعهما خلف رأسه ليسندها إليهما فيقابل نظراتها المتسائلة يضحك بخفة ويهمس : وعدت نفسي يومها أن لا ترتدي هذه إلا معي ، وحينما بعثت بها إلى التنظيف وأتت ثانية التقطتها من العاملة دون أن تبالي بها ،
غامت عيناه ليهمهم بأنفاس ثائرة : أما السلسال خلعته عن رقبتك يومها حينما لامستك وأنت لم تشعرين بي ، عض شفته باستمتاع تجلى بحدقتيه فأنارهما وهو يكمل بتشدق - كنت متوله بي على ما يبدو!!
ضربت صدره بكفيها ليضحك وهو يلتقطهما براحتيه فيجذبها إليه من جديد صرخت بإثارة حينما حاوط جسدها بساعديه فيضمها بقوة إليه يقبل أذنها بتوق وهو يهمهم : هذه المرة سأستمتع بمذاق صوص الشكولاتة الخاص جدا في كل ركن في المطبخ وبكل إناء أشعلتني به يوما
***
بعد شهر ونصف ...
رن هاتفه رنات متتالية فابتسم وهو يستقبل اتصالها المرئي ليهتف بحبور : صباح الخير يا حبيبة عبده ، كيف أصبحت اليوم ؟
اتسعت ابتسامتها لتومض غمازتيها فتنير وجنتاها لتجيبه : أنا بخير والحمد لله ، أنت كيف حالك، مستعد ليومك الكبير ؟
تنفس بعمق ليزفر أنفاسه ببطء قبل أن يهمس بتوتر تملكه رغما عنه : أنا بخير ومستعد وبإذن الله سيكتب لنا الله النجاح .
تحدثت بدعم : إن شاء الله يا حبيبي ، أنا فخورة بك كثيرا يا عبد الرحمن وسعيدة أني سأكون حاضرة معك اليوم .
تمتم بحبور : وأنا سعيد للغاية بوجودك معي وبجانبي يا رقية ، دعمك لي الأيام الماضية فرق معي كثيرا .
توردت لتجيبه بصوتها الأبح : هذا دوري في حياتك يا عبده .
ابتسم بتسلية ليهمس إليها بشقاوة : كم أتمنى أن أتمم هذا الدور ونتزوج ولكن هانت اليوم سينتهي الانتظار ونبدأ في العد التنازلي.
احتقن وجهها بالأحمر القاني لتهمهم بخجل سيطر عليها : حسنا سأتركك حتى لا اعطلك ونتقابل عصرا في المؤتمر بإذن الله .
أجابها بلطف مراعيا خجلها الذي يتزايد كلما اقترب موعد زواجهما : حسنا أراك على خير .
تمتمت برقة : على خير لا إله إلا الله يا عبده .
همهم وعيناه تومض بزرقة غنية : محمد رسول الله .
أغلق الهاتف ليرتب اشياءه من جديد ليرتب أفكاره من جديد وهو يستعد لليوم الذي انتظره كثيرا
***
خطى بخطوات سريعة متلاحقة ليدلف الى غرفة داخلية يؤدي التحية العسكرية ليهتف بصوت متزن : المكان مؤمَن بالكامل يا سيدي ، لقد اشرفت على تأمينه بنفسي .
أومأ أمير بتفهم ليهتف بجدية : جيد يا علاء ، فقط لا تغفلوا أبدا عن آل الخواجة اليوم .
هتف حسن بجدية : ودكتور عادل يا باشا .
رف أمير بعينيه ليهتف بجدية : لا تقلق على عادل ، أنا أثق به ، ثم أن الخطر الرئيسي يحف عبد الرحمن ، فهو من استطاع ترجمة أفكار عادل لشيء حقيقي سيفيد الوطن .
تبادلا علاء وحسن النظرات ليهتف علاء بجدية : سنحمي الكل برقابنا يا سيدي .
ابتسم أمير بفخر : أنا أثق بكم يا شباب ، سأترككم لأحضر المؤتمر ، أتبع وهو يرمق حسن من بين رموشه – التزموا بالأوامر ، واتخذوا تدابيركم وحذركم .
شد الجميع جسده في التحية ليسترخوا بوقفتهم بعد مغادرته بالفعل فيهتف حسن : هيا يا شباب، فالمؤتمر ستبدأ فعاليته بالانطلاق .
***
يقف بوسط أخويه بجوار والده وأمام حميه وشقيق زوجته التي تقف في المنتصف بينهما، يستقبل تهانيهم ويتأمل فخرهم به ، بعدما أنهى حديثه الخاص جدًا مع أحد مسئولي الدولة رفيعين المستوى الذي افتخر به وبعادل واخبرهم أن مشروعهما العلمي الذي وضع بأوائل المشروعات العلمية التي ستنفذ في خطة الحكومة ، يستقبل ابتسامتها .. وميض عيناها الفخور به .. وحديث يتلألأ بحدقتيها هو الوحيد الذي يدركه ، فيهتف بجدية بعدما انتهى صخب الحديث المتناثر من الجميع : دكتور محمود ، هل سمحت لي باصطحاب رقية لادعوها على الغذاء كنوع من الاحتفال ؟!
ابتسم محمود ليوما براسه : بالطبع يا بني ، اليوم حقك أن تطلب أي شيء تريده وأنا علي التنفيذ .
اتسعت ابتسامة عبد الرحمن ليسأل بمشاكسة : حقا ؟! أي شيء ؟!
ضحك محمود وهو يلتقط مزحته ليهتف بجدية : إلا هذا طلب زفافكما اقترب فلا ضير من بعض الانتظار يا باشمهندس .
توردت أمام عينيه فهتف بجدية : وهل لي غير الانتظار يا عماه ؟! أتبع بجدية – عامة سأصحب رقية واعيدها مبكرا فلا تقلق ،
أكمل وهو ينتقل ليقف بجوارها : رقية آمنة معي .
ربت محمود على ساعده وهو يصافحه برجولة : أنا أثق بك يا عبد الرحمن وإلا ما كنت منحتها لك بأول الامر .
أومأ عبد الرحمن برأسه ليهتف محمود بعدما تبادل بعض الحديث مع ابنته : حسنا سأغادر أنا مع محمد
ودع حميه وولده ليحتضن كفها براحته ليهتف بابيه واخويه : ابلغا نولا أني سآتي ليلا لاحتفل معها ولكني الآن سأذهب مع رقية .
تبادلا عمر وأحمد النظرات ليهتف خالد بجدية : اذهب يا بني وأسعد برفقة عروسك ولا تشغل رأسك بنولا انا سأتحدث معها .
أومأ برأسه ليجذب رقية نحو سيارته مبتعدا عن الجميع فتمتمت رقية قبل أن تدلف إلى السيارة : هل ستغضب نولا إذ لم تعد لها الآن ؟!
هز رأسه نافيا : لا ولكني لم اخبرها صباحا أني سأتناول الطعام خارجا ، وصدقا لم أكن مخططا للأمر ولكنها فرحة النجاح على ما يبدو .
تمتمت بسعادة : يارب دائما فرح وسعيد يا عبده .
توقف ليجذبها إليه بدلال : أموت انا في عبده .
كتمت ضحكتها بظهر كفها ليدفعها برفق نحو السيارة : هيا ادلفي بدلا من أن ارتكب فضيحة في الطريق العام .
استجابت اليه لتدلف بالفعل إلى المقعد الأمامي المجاور للسائق وتستريح به فيدور حول سيارته يخلع سترته الرسمية ليلقيها بالأريكة الخلفية هي وحقيبته التي تحمل كل شيء ، ليتوقف قبل أن يغادر على عادل الذي أشار إليه ليقترب بخطوات سريعة هاتفا : جيد أني لحقت بك قبل أن تغادر .
عبس باستفهام فهتف عادل : لدينا موعد في رئاسة الوزراء غدا في العاشرة لا تتأخر .
أومأ عبد الرحمن برأسه ليجيبه : حسنا سأفعل ،
رتب عادل على كتفه : حسنا اذهب حتى لا اعطلك ونتقابل غدا بإذن الله .
صافحه عبد الرحمن ليدور عادل على عقبيه ثم يتوقف ثانية بعدما ابتعد قليلا عن عبد الرحمن وعيناه تضيق وهو يتطلع إلى الضوء الفسفوري الذي انعكس على سطح هاتفه لتتسع عيناه بصدمة تملكت منه لثواني وهو ينظر لذاك الشخص البعيد المتخفي على أحد الأسقف البعيدة ليصرخ بقوة باسم عبد الرحمن وهو يركض إليه يشير إليه بان ينخفض ولكن عبد الرحمن تطلع إليه بعدم فهم تحول إلى صدمة حينما قفز عادل نحوه ليحتضنه بجسده الضخم بالنسبة إليه ويسقطا أرضا سويا بعدما جحظت عينا عادل بألم كتمه بداخله في وسط ذهول عبد الرحمن الذي اتسعت عيناه بعدم ادراك وهو يشعر بجسد عادل الثقيل يجثم من فوقه فيهتف بعدم فهم وهو يهز جسد عادل بقوة مناديا باسمه ليكتم أنفاسه وهو يشعر بالدماء التي اغرقت صدره فيلامس عادل ليتأكد من اصابته حينما نظر إلى الدماء التي لطخت كفيه .
![](https://img.wattpad.com/cover/312427769-288-k227902.jpg)
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romansaيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...