الفصل ال٣٧

2.5K 62 0
                                    

يقف بالشرفة ينظر الى القمر المكتمل ينير السماء بنوره القوي يحاول أن يبحث عن هدوء روحه يعود إلى مزاحه الدائم يبحث عن مزاجه اللامبالي فلا يجده ، بل يشعر باختناق يداهمه وعقله يردد عليه أن الآخر فاز بها وانتصر .
رجف فكه بغضب وهو يتنفس ببطء طاردا غضبه .. غيرته ليقبض بكفه على قماش الستارة السميك بجانبه وظهره يتصلب بعنفوان وهو يغرق أكثر في خسارة مُنيَّ بها رغم إدراكه لها منذ صباه !!
__ كنت تحبها ؟!
انتفض جسده برفض سطع بعينيه وصوت أبيه يخترق سمعه ليلتفت نصف التفاته فيرمق أبيه الجالس على كرسي جانبي موضوع أمام مكتبه يضع ساقا فوق أخرى ليجيب ببرود تمسك به : من هي ؟
نهض بلال من مجلسه ليقف بجانبه بوقفة تماثل وقفة ولده ليهتف بجدية : من عُقِد قرانها  الليلة ؟!
أطبق كفه على قماش الستارة أكثر ليعم الصمت عليهما قليلا قبل أن يجيب بهدوء : لا.
التفت بلال إليه بتعجب ليبتسم سليم ساخرا : أنت متعجب من إجاباتي ؟!!
رمقه بلال بتفحص منتظرا أن يكمل حديثه فيزفر سليم أنفاسه كاملة قبل أن يتابع بهدوء : لا أنكر تعلقي بها من الصغر لقد وعيت عليها كجزء من حياتي ، كانت الأخت التي رُزِقت بها قبل شقيقتي جاذبيتها الكبيرة وتعاملها الأريحي معنا جميعا جعلها أقرب إلينا ، كانت دوما الأقرب لي من حبيبة أستطيع التفاهم معها الحديث .. الحوار ، حبيبة كانت تثير حميتي وحمايتي ، أما هي فتثير عقلي وحماسي ، لم أحبها بالشكل المتعارف عليه لا ، لم يكن حبا .
صمت قليلا ليكمل بهدوء : ولكن مكانتها أعلى من الأخت وأقل من مرتبة الحبيبة ، مط شفتيه ليصرح بجدية وعبوس طفيف يداعب جبينه - ولن أنكر أيضا أن شعوري نحوها كان سيتغير لو لم تتعلق به من صغرها 
ومضت عيناه بغضب ليتابع بحرقة : فهي تعلقت ومنحت قلبها لمن لا يستحقها .
اختنق صوته مهمهمًا بخفوت : كنت أدرك منذ الصغر مدى تعلقها به ورغم ذلك صُدِمت حينما تجسد الأمر أمامي حيا .. بثا مباشرا في تلك الليلة حينما تركها وسافر .. خذلها وهرب ، لمعت عيناه بقهر - شهدت على انهيارها .. بكائها .. انكسارها .. تبعثرها ..و تهشم روحها .
ابتسم ساخرا وهو يدير رأسه لأبيه : لأجد نفسي أول من وقف بجوارها حينما احتاجت لوجودي ، أتبع بهمهمة هازئة - كنت نعم الأخ .. السند كما احتاجتني وكما كنت في حياتها دوما
تنهد بلال بقوة وعيناه تلمع بمواساة لولده ليسأله باختناق : إذًا كان هو العائق بينكما ؟
ضحك سليم ساخرا وهز رأسه نافيا : لا الأمر ليس منوط بعمار يا بّابّا ، هو أو أي آخر غيره لا فارق لدي ، الأمر كان منوطا بها بيمنى بابنة عمتي التي كانت السبب الرئيسي  في عدم اقترابي منها فهي لم تراني سوى أخ وسند ، قلبها لم يشعر بي و تعلق بآخر غيري فمنحته روحها دون تفكير وأنا كنت سرابا .. خيالا .. وظلا لم يتشكل سوى بصورة أخ وصديق  .
رمقه بلال بحيرة ليمط شفتيه بتفكير سائلا : لماذا لم تحاول سرقة قلبها حينما اختفى من حياتها يا سليم؟
رمقه سليم بنظرة مشفقة قبل أن يبتسم ساخرا : لأني لست هذا الرجل الذي يقبل بقلب ليس هو أول غازي له ، ليس الرجل الذي يقبل بأن قلب أنثاه دق لآخر غيره من قبله يا أبتاه ، من ستكون حبيبتي .. زوجتي .. نصفي الآخر لابد أن يكون قلبها ارض عذراء لم يطأها آخر من قبلي
اتسعت عينا بلال بصدمة لينظر إليه سليم يواجهه ويتحداه بنظراته هاتفا بمرح مفتعل : هل صدمتك يا بّابّا ، هل لأول مرة تعرف وتدرك مدى الشبه بيني وبينك .. هل أنت فخور بي الآن وأنت تكتشف إلى أي مدى أنا أشبهك ؟ ضحك هازئا - أرأيت يا أبي لقد تركت كل صفاتك الشكلية لإرث روحك مهما أبيت ألا أشبهك كبرت لأجد أنني مثلك .
رف بلال بعينيه فابتسم سليم ليثرثر إليه بجدية : لا أنكر أني تحكمت في الكثير من صفاتك غير الجيدة والتي لم ترقني منذ الصغر ولكن هذه الصفة بالتحديد لم أستطع أن أتخلص منها .. أبدلها .. أو اتحكم بها ،
تنهد سليم بإنهاك قوي وهو يبوح بكل ما بداخله لأبيه في لحظة نادرة لم تحدث بينهما من قبل : لقد حاولت منذ أن كنت صبيا يا بابا .. وجاهدت نفسي حتى لا أغدو مثلك ، فأنا لا أريد أن أكبر لأصبح غاضبا .. غيورا .. نزقا ، ولكن بعد مرور سنوات متتالية ، اكتشفت أني استطعت تهذيب معظم صفاتي وليست كلها ، اكتشفت أني أشبهك جوهريا يا بابا رغم كل محاولاتي أن لا اماثلك ولكن ما باليد حيلة جيناتك قهرتني وأفسدت محاولاتي .
جف حلق بلال تماما وهو يشعر باختناق مؤلم يقبض على قلبه ليسأله محاولا تبديد ثِقل حديث وحيده عليه : والفتاة التي أتت اليوم تمتلك هذه الصفات التي تبحث عنها .
ارتدت رأس سليم للوراء ليهمس متسائلا : أنت تقصد جيجي ؟!
تمتم بلال وملامحه تلين بابتسامة أبوية : اسمها جيجي ؟ أتبع بتفكير – أشعر باني لمحتها من قبل ولكن ..
هز رأسه بحيرة ليبتسم سليم ساخرا : أنها أنجي صباحي يا بّابّا من المؤكد أنك  تدرك من هي ؟
رفع بلال حاجبيه ليسأله بعدم تصديق : أنجي صباحي مالكة شركة الإنتاج ؟! أومأ سليم برأسه ليكمل بلال بتعجب – تحبك أنت ؟!
لم يتمالك سليم نفسه ليضحك مرغما متسائلا : ما بالك تقولها هكذا وكأني لا أستحق أن تحبني أنجي هانم صباحي !!
استدرك بلال على الفور : لا يا بني لم أقصد فقط متعجب ، إذ بينكما وفاق لماذا لا ترتبط بها ؟ 
ارتعش فك سليم ليهمس بصوت أجش وعيناه تعتم بغموض أثار ريبة أبيه  : رغم أنها تحبني وصرحت لي بحبها إلا أن ..
ضرب بقبضته فوق موضع قلبه : هذا مقفل بقفل صدأ لا أجد مفتاحه يا أبي .
نظر بلال إليه بحيرة  ليسأله بادراك : ولكن يا سليم الفتاة ..
صمت بلال والتعجب يكلل هامته ليضحك سليم بخفة هامسا : لا يمكن أن يرفضها أحدا .
هز بلال رأسه ليتمتم بعفوية مضحكة : أنها كما يقول عادل صاروخ ، أتبع باستنكار - فكيف بالله عليك لم تتأثر بها ؟ 
قهقه سليم ضاحكا ليهتف ببهجة تملكته : لا أصدق أنك من تقول هذا يا بابا ، أين ماما لتستمع إليك وتدرك أن زوجها نظر للفتاة وقيمها أيضا .
عبس بلال بضيق لحظي ليهدر فيه : تأدب يا ولد لم أنظر لها بهذه الطريقة أبدًا ،
شاكسه سليم : كيف نظرت إذًا ؟!
ضحك بلال مرغما ليجيبه بمكر : نظرت لأرى زوجة ولدي . بهتت ملامح سليم والصدمة تستقر بعينيه ليتبع بلال دون أن يدرك الذهول الذي ألمّ بوحيدة – باعتبار ما سمعت من الأحاديث المتناثرة أنها الفتاة التي أتت معك لتتحمد لابن عمتك السلامة وتلتقي بالعائلة .
رفع بلال نظره لسليم الذي ابتسم بتوتر : لقد فكرت حينها أنها لو لم تكن بذات أهمية لما أتيت بها لتجمع عائلي خاص كهذا .
ابتسم سليم بعصبية وأومأ برأسه موافقا ليكمل بلال : نعم أنا غاضب منك لأنك تجاهلت أن تعرفها علي بل علينا جميعا واكتفيت بتعريفها على السيدات ولكن لا بأس سأتعرف عليها في زفاف أسعد إذا أتيت بها حينها ، فاقترانكما في الظهور سويا يشي بمشروع ارتباط وشيك .
زفر سليم بقوة ليغمغم : نعم معك حق يا بابا .
صمت بلال وهو ينظر إليه مفكرا قبل أن يسأل بجدية : ولكنك لا زلت مترددا وحائرا في قرار ارتباطك بها يا سليم أليس كذلك ؟
اهتزت حدقتي سليم بحيرة قبل أن يجيب : لا أعرف ، رمقه بلال بنظرة أن لا يراوغ في الحديث فأكمل سليم بنزق – لا أنكر أني منجذب إليها بشدة ولكن قلبي ..
صمت دون حيلة فربت بلال على كتفه بمؤازرة : من رأيي امنح نفسك فرصة معها فالفتاة مناسبة لك اجتماعياً وكما تقول أنها تحبك إذًا ما المانع في أن ترتبط بها لعلها تجد مفتاح قفل قلبك الصدأ
ابتسم سليم وهو يسبل جفنيه صامتا ليكمل بلال : هذه نصيحتي وأنت بالطبع تدرك جيدا ما تفعله ، أتبع وهو يربت على كتف ولده بمحبة – أنا أثق بك يا سليم .
انفرجت ملامح سليم بذهول امتزج بفرحة عينيه قبل أن يبتسم باختناق داهمه لينحني محتضنًا أبيه الذي ضمه بخشونة وهو يربت على ظهره بقوة هامسا بمساندة شعر بأن ولده يحتاجها : امنح نفسك فرصة كاملة يا سليم فأنت تستحق .
ابتسم سليم وأومأ برأسه موافقا ليتابع بلال بضحكة خافتة : بالمناسبة ، هل تذوقت طعام عمر اليوم ؟
عبس سليم بعدم فهم ليكمل بلال شارحا بمرح : أتيت اليوم من الخارج لأجده بالمطبخ يعد الفاهيتا بدلا من حبيبة ، تعجبت من كونه يقف ويطهو الطعام بتلك الأريحية ولكني تفهمت حينما اكتشفت أنه غار من كون شقيقتك تطهو لأجل أسعد  فأقنعها بأنه سيطهو الطعام بدلا منها ليريحها ، أتبع بلال بضحكة خافتة – الغريب أن حبيبة لم تكتشف غيرته عليها .
رمقه سليم بطرف عينه ليجيبه بمشاكسة تعمدها : وكيف ستدرك وتكتشف يا بابا وهي لا تتعرف على هذا النوع من الغيرة ؟
انتبه بلال لحديث ولده استدار إليه سائلا : ماذا تقصد ؟
تنهد سليم بقوة : حبيبة ما تعرفه عن الغيرة هو صراخ حضرتك ومشاجراتك الدائمة مع أمي من أين تدرك أن هناك غيرة هادئة .. صامتة كغيرة عمر .
وجمت ملامح بلال ليجيب بعناد : إنه خواجة كابيه لذا انفعالاته باردة .
حك سليم رأسه من الخلف مؤثرا الصمت ولكن غير متحكما في ضحكته التي اتسعت رغما عنه ليلكزه بلال بمرفقه في جنبه بغيظ : أنا المخطئ الذي أتحدث معك .
قهقه سليم ضاحكا ليتبع خطوات أبيه الذي غادر حانقا يشاغبه بتعمد : فقط انتظر يا بّابّا أنا أمزح معك .
أشاح بلال بوجهه في غضب ليدفع سليم عنه حينما حاول احتضانه ليقهقه سليم بمرح محاولا استرضاء أبيه الذي دلف إلى غرفته واغلق الباب بوجهه هادرا بحنق : قليل الأدب .
عض سليم شفته السفلية ليتمتم معاتبا نفسه وهو يحك رأسه من الخلف : ازدتها عليه يا غبي ، ليكتم ضحكة كادت أن تجلجل من حلقه وهو يغمغم – ولكنه يستحق .
تحرك عائدا إلى غرفته ليرن هاتفه مبددا ضحكاته التي كانت تصدح داخل روحه وهو ينظر لصورتها تومض بشاشة هاتفه .. ملامحها الجميلة تزينها ونظراتها الماكرة رغم براءة ملامحها وروحها تدعوانه لفقد ثباته وتعقله .
تنفس بعمق وهو يغلق الاتصال مقررا عدم إجابتها قبل أن يدلف إلى غرفته ناويا النوم فلديه عمل هام باكرا .
***
يهرع بخطواته المتجاورة لخطوات أبيه الفزع والذي لم يقوى على السكينة منذ أن علموا بالخبر فحجزا على أول طائرة قادمة لدبي للاطمئنان على عمه الذي رقد مريضا بالمشفى بعدما وجدته زوجته واقعا أرضا صبيحة أول البارحة.
توجها بعد أن سأل إحدى الممرضات عن رقم غرفة عمه لتدلهما فيسيران بخطوات متلاحقة نحوها ليدق الباب قبل أن يدفعه ليدلف أبيه قبله هاتفا بجزع حينما صدح صوت زوجة عمه سامحة لهما بالدخول : يحيى ما بالك يا أخي ؟ما الذي حدث يا دعاء ؟
ابتسمت زوجة عمه بلطف في وجه أبيه الشاحب والذي اقترب من أخيه غير آبها لأحد سواه ليتقدم نحوه نبيل يصافحه بود وترحاب استقبله به ليسأله حسام بجدية : ما الأمر يا نبيل ماذا حدث لعمي ؟
رتب نبيل على كتفه : الأمر بسيط بإذن الله استرح فقط واهدأ .
رفع عيناه لينظر نحو عمه الذي يهدأ من روع أبيه المحتضن كف أخيه القريب بين راحتيه يستمع باهتمام لما حدث ليحيى الذي يقص عليه بهدوء ما ألم به .
اقترب بخطوات بطيئة ليهمس بصوت محشرج : الف سلامة عليك يا عماه .
ابتسم يحيى بحنو ليهمس وهو يشير إليه بالاقتراب فيدنو حسام منه يجلس بالكرسي القريب مستمعًا إلى عمه الذي همس له : اشتقت إليك يا ولد ، لو كنت أعلم أن مرضي سيأتي بك وبابيك لكنت مرضت منذ زمن .
رد حسام سريعا : الف بعد الشر عليك يا عماه أنا أترك الدنيا كلها لأجلك حتى تكن سليما وبخير.
صدحت ضحكة يحيى السعيدة تلاها سؤاله المهتم : هل أتيتما بمفردكما ؟ أين نادر وسارة ؟
أجابه حسام بهدوء : سيصلان في الغد بإذن الله فقط لم نجد سوى تذكرتان على طائرة اليوم .
هتفت دعاء برزانة : أتعبت نفسك دون داع يا حاتم ، ولم تستمع إلي .
عبس برفض : هل كنت تريدينني أنتظر هناك إلى أن تأتوا إلينا ؟!
ابتسم نبيل برزانة ليهتف وهو يجلس بجوار والدته : كنا سنأتي بأخر الأسبوع يا عماه فبابا سيحتاج لإجراء جراحة خاصة والأفضل أن يقوم بها في الوطن .
تبادل حاتم وحسام النظرات قبل أن يلتفت حاتم نحو يحيى ويسأله بجدية : ما الأمر يا يحيى ؟! ما الذي تعاني منه بالضبط ؟!
ابتسم يحيى بهدوء وعيناه تلمع بالرضا ليهمس : الأطباء اكتشفوا أن لدي ورم يضغط على المخ ، للأسف أهملته فتضخم والآن لابد أن يستأصلوه .
ارتجفا جفني حسام بعدم تصديق ليشحب وجه حاتم تلقائيا مغمغمًا برفض : أخبرني أنك تمزح يا يحيى ، هز رأسه مستنكرا - لا لن يحدث لك هذا ، أنت لا ..
قاطعه يحيى بضغطه من راحته فوق كفيه : الأمر بسيط ولكني أحتاج لجراح مخ وأعصاب ماهر حتى لا تضرر مراكز الأعصاب بمخي حين الاستئصال . المشفى هنا جيدة وكل شيء ولكني فكرت أن لو لا قدر الله وحدث لي شيئا أريد أن أكون معكم في وسط عائلتي .
تمسك بكف حاتم ليكمل بصوتًا متهدجا : أريدك أن تكون بجوار دعاء والفتيات يا حاتم أريد ان يكونا زين ونبيل بين أخويهما وفي رعايتك .
نهنهت دعاء في البكاء رغما عنها فيسرع نبيل لها يحتضن جسدها يقربها منه ويهدأها بينما انتفض حاتم بجزع وهو الذي عاش عمره بأكمله لم يراها تبكي من قبل فيعاود النظر لأخيه ثم يرفع عينيه لابنه ذو الملامح الجامدة سوى عينيه اللتين تأثرتا بم يمر عمه به ليهمس بثبات أخيرا بعدما قاوم اختناق حلقه : بإذن الله الأمر بسيط يا عمي ، وأعتقد أنك لن تجد افضل من المشفى التي يعمل بها عادل الخيّال لتعالج بها إذا لم يقم عادل نفسه بالجراحة .
نهض واقفا بصلابة مكملًا بثبات - فقط امنحوني بعض من الوقت لأتحدث مع عادل وأرسل إليه تقارير عمي الطبية .
التفت إلى نبيل يسأله بهدوء : هل معك نسخة من التقارير يا نبيل ؟
نهض نبيل بدوره مجيبا : بالطبع .
ابتسم حسام بثبات يُحسد عليه : حسنا أرسلها لي لأقوم بإرسالها لعادل قبل أن أتواصل معه .
تحركا سويا لطرف الغرفة البعيد المقارب للنافذة الواسعة ليبدأ حسام بمراسلة عادل بعدما هاتفه وأخبره عن الأمر .
تمتم يحيى وهو يشعر بأخيه يفقد رباطة جأشه : اهدأ يا حاتم سيكون كل شيء بخير.
اهتزت حدقتي حاتم بتبعثر فأكمل يحيى بود : الفتيات اشتقن إليك كثيرا سيفرحن بك وبوجودك معنا اليوم .
نظر إليه حاتم بتساؤل فابتسم يحيى بألم : لا تخف يا أخي أنا معك .
انهمرت دموع حاتم من بين جفنيه وهو يرتمي بحضن يحيى الذي احتضنه يربت على ظهره هامسا بجدية : توقف يا حاتم لا تفزعني عليك .
رفع حاتم رأسه ليهتف به : لا أقوى على التخيل فقط يا أخي ، أتبع باختناق وهو يحاول السيطرة على دموعه - أنت لست أخي فقط يا يحيى أنت كل شيء .
اقترب حسام مزمجرا بجدية : اهدأ يا بابا من فضلك ، التفت إليه حاتم وهم بان يزجره ليتمتم حسام من بين أسنانه بضيق - أنت تصعب الأمر فزوجة عمي ستنهار بسببك وهي التي تكاد أن تصلب طولها أرجوك سيطر على نفسك قليلا  .
مسح حاتم وجهه بعدما نظر لدعاء التي عاد نبيل يحتضنها ليخفف عنها فيهمس بصوت أبح : حسنا أيها الرجل الآلي سأفعل توقف عن ترديد الأوامر فوق أذني وكأني أنا ولدك وليس العكس
زفر حسام بقوة : المعذرة يا بابا .
هم بالحديث ليصدح صوت هاتفه فيهتف بجدية : أنه عادل ، سأستقبل الاتصال وآت ثانية .
هرع نبيل معه : سآتي معك يا حسام.
هتف يحيى بجدية بعدما انصرفا الولدين : أغسلي وجهك يا دعاء وتماسكي فالفتيات قاربن على الوصول ، ليتابع وهو ينظر لأخيه -لم نخبر الفتيات يا حاتم فلأجلي تماسك قليلا حتى لا تثير فزعهن .
أومأ حاتم براسه متفهما ليحتضن كف أخيه بين راحتيه ثانية : لا تقلق سأكون بخير طالما أنت بخير .
عبس بتعجب وهو يعود إلى الغرفة بجوار ابن عمه يلتقط صوت ضحكات مرحة تخيم على الجلسة بالداخل فيدلف بخطوات متزنة لينظر الى بنات عمه اللائي وصلن على ما يبدو والصغير زين الذي هتف بمرح : حسام .
ابتسم حسام بود للشاب الذي اندفع نحوه معانقا هاتفا باشتياقه له لتتبعه الصغيرة عالية تتعلق برقبته تقبل وجنتيه وتتحمد سلامته لتأتي بالأخير تالية تصافحه بمودة وتتبادل معه أطراف الحديث في حين تلكأت الوسطى بينهم " غالية"  لتمأ في الأخير برأسها وابتسامة مقتضبة وهمس مرحب بوجوده .
فتزجرها والدتها بعينيها لتتحرك مبتعدة عن مجاله وتتخفى في والده الذي فتح ذراعيه على وسعهما ليضمها ويدللها بطريقة أثارت ابتسامتها.
تنفس بعمق وأغمض عينيه وابتسم لزوجة عمه مطمئنا فهزت رأسها بتفهم وابتسامة ممتنة لمعت على ثغرها ليجذبه صوت تالية التي تسأله عن نادر ووالدته فيجيبها بهدوء ولطف انتبه من حديثه مع ابنة عمه على اقتحام أحدهم الغرفة شاب يقاربه سنا وسيم بطريقة مثيرة للغيظ هاتفا بمرح صاخب : دخيلك يا غالية ، تعالي لتصفي لهذا المأفون الطريق فهو لا يفهم مني شيئا .
عبس بضيق وابنة عمه تستجيب ببسمة رقيقة وتتبع الآخر للشرفة فيسأل بحنق تملكه : من هذا يا نبيل ومع من ستتحدث غالية في الهاتف .
التفت إليه نبيل متعجبا ليسأله بهدوء وصوت خافت : هل نسيته أنه عزيز ؟
عبس حسام بتفكير ليكمل نبيل وهو يقترب منه : ابن صديق بابا قريب خالي أيمن ، عبد العزيز نصرالله
تجهمت ملامح حسام بضيق ليسأل بحدة : ومع من تتحدث أختك الكريمة على الهاتف ؟
ابتسم نبيل برزانة : أنه تيمور ابن خالي
تمتم حسام من بين أسنانه : هل أخبرتهم عن حالة عمي ؟
هز نبيل رأسه نافيا : بل تحدثنا أنها وعكة صحية ستمر على خير
تمتم حسام بدعاء : بإذن الله ستمر على خير سأذهب لأهاتف نادر وأخبره أن لا يحضروا وخاصة أننا سنغادر بعد غد جميعا بإذن الله
تنهد نبيل بقوة ليجيب بجدية : لن نغادر جميعا فالفتيات وزين لديهم دراسة وعمل فلن يقوا على المجيء معنا بعد غد ولكنهم سيصلوا بعد عشر أيام
اتسعت عينا حسام باستنكار ليسأل ابن عمه بضيق : سيظلون بمفردهم ؟
هز نبيل رأسه بعدم فهم : معهم زين.
رفع حسام حاجبه برفض : زين أنه صغير يا نبيل .
ابتسم نبيل وهو ينظر لأخيه الذي يفوقهم عرضا وطولا بجسده مفتول العضلات : إن وزنه يفوقنا سويا يا حسام .
تمتم حسام من بين أسنانه : ماذا سيفعلن بوزنه ؟
ضحك نبيل بروح مرحة : أقصد أنه يستطيع الدفاع عنهن وخاصة وهو بطل ملاكمة عالمي ، هز حسام رأسه بتفهم ليكمل نبيل - وتالية ستكون المسئولة في غياب ماما كما اعتدنا .
مط حسام شفتيه بعدم رضا ولكنه لم يشأ أن يعترض فتساءل بحنق : وهل ابن خالك وقريبك سيظلون معهم ؟
كتم نبيل ضحكته ليجيبه : عائلة خالي جميعها انتقلوا إلى الضيعة ولكن من قدم منهم تيمور وزينب مع خالي وزوجته وعزيز رافقهم بدلا من والديه المسافرين لأمريكا
هم حسام بالحديث ليطبق فكيه بقوة وهو يستمع إلى ضحكات غالية التي دلفت وبجوارها ذاك العزيز المرح بحديثه الصاخب وملامحه الجميلة وابتسامته التي تنير وجهه بطريقة أثارت استفزازه . صر على أسنانه فأصدرت صوتا طفيفا التقطه نبيل المجاور له فهتف بجدية وصوت حاني : غالية أخفضى  صوتك قليلا فنحن بالمشفى يا حبيبتي .
رفعت عينيها بنزق لتلوي شفتيها برفض وهي تخطو فتجاور عالية بالجلوس ويتبعها عزيز الذي يثرثر بحديث لم يلتقط معظمه ولكن شقاوة الآخر وعيناه اللتان تبرقان بسعادة موجهه لبنات عمه ضايقته فانتفض واقفا وهو يهمهم بصوت مختنق : سأحدث نادر وأتى يا نبيل بينما تخبر والدتك بالترتيبات .
أومأ نبيل موافقا وهو ينتقل ليجلس بجوار والديه يتحدث معهما فينضم إليهم حاتم لينصت إلى ما يقوله نبيل بجدية وهدوء بينما غادر في خطوات سريعة وهو يهاتف أخيه غير مدركا لمن اتبعته بخطوات هادئة غير متسارعة ولكن عيناها تتابعاه لتعرف مكانه دون أن يدرك أنها تسير خلفه.
***
ينهب الأرض بعجلات دراجته البخارية الحديثة يجري بها فوق الارض الملساء يزمجر موتورها بصوت يشق السكون من حولهما وخاصة حينما دفع بقدمه ليزيد من سرعتهم فتتمسك بظهره اكثر تلصق وجنتها فوقه وهي تستمتع بخصلاتها الطويلة التي تتطاير من حولها والهواء الذي يرتطم بوجنتيها فيزيد من سعادتها
انتبهت من سكونها الذي تستمتع به على صوته الذي صدح وهو يدير رأسه بنصف التفاته يهتف بها : ذكريني أن أشكر الدراجة لاحقا .
رغم إدراكها لمقصده إلا أنها سألته بعدم فهم مفتعل : لماذا ؟!بسمة ماكرة زينت شفتيه ليجيب بصوت أبح مشاكس : لأنها من أغرتني وأقنعتني أن استخدمها بدلا من السيارة التي لم أكن لأحظى فيها باقترابك المهلك هذا .
ابتعدت للخلف لتدفعه بلطف في ظهره قبل أن تصيح بصوت ضاحك : تأدب .
هدر باستنكار : لماذا أصبحت زوجتي ، أتبع بنبرة تذوب عشقا وهو يلتفت نحوها بنصف وجهه : عقد قرانا البارحة يا مونتي وأصبحت حلالي ،
ليكمل بهتاف ضاحك : حلال الله اكبر .
ضحكت رغما عنها قبل أن تعبس بافتعال لتدفعه بغلظة : ما هذا هل تستعد للذبح ؟
أجابها بحبور تملك منه : الذبح كلمة قليلة لا تصف الكثير منا سأفعله بك .
اختفى المرح من عينيها فشعر بجسدها الذي تصلب متحفزا ليكمل بمشاكسة - ولكن ليس الآن بعد الزفاف إن شاء الله .
لانت ملامحها تدريجيا لتشب بجسدها قليلا تركن ذقنها فوق كتفه لتسأله بهدوء : إلى أين نذهب يا عمار ؟
ابتسامته تتسع فتظهر غمازته القريبة ليجيبها بهدوء : لدى عمي شاليه قريب من هنا استأذنته ان استخدمه فوافق ، وبعث بطباخ وسفرجي ومدبرة منزل أيضا من البارحة ليكونوا في استقبالنا ويعدوا لنا الشاليه ، حتى احتفل بك بالطريقة التي تليق يا موني .
رفت بعينيها ليكمل مثرثرًا : أتعلمين حينما أخبرت عمي أني أريد مكانا خاصا أعده لك لأجل الاحتفال بعقد قراننا معك بمفردي وأني استأذنه في ذاك الشاليه لأنه يعد الأقرب للعاصمة ضحك بخفة وأخبرني أني أشبه بالفعل وعاصم لا يرمي الحديث جزافا ، فهو بنفسه احتفل بعقد قرانه على تامي هناك .
أجابته باهتمام : حقا ؟ لا أستبعد أن يكون نظم لها احتفالا رائعا إنه يعشقها .
حرك كتفه للخلف ليلمسها به في خفه : في هذه أيضا أنا أشبهه .
نظرت له ببسمة مشاكسة : تعشق تامي ؟
ليجيبها دون تردد : بل أعشقك يا مونتي .
ألقاها ودفع بقدمه اكثر ليزيد من سرعة الدراجة التي انطلقت مسرعة وسط ضحكاتها التي صدحت من حوله .
سألته بصوت مرتفع قليلا  بعد قليل : هل اقتربنا ؟
نظر إلى ساعته التي تحدد له مسار طريقه ليجيبها بهدوء : اقتربنا للغاية .
رفعت جسدها لتقف فتنظر من فوق رأسه للمكان الذي تشير إليه ساعته الوامضة فيبتسم باتساع قبل أن يهتف بها  : لا تتحركي يا موني .
عبست بعدم فهم لتبتسم تدريجيا حينما التقطت أنه يصورهما بتقنيه خاصة - ليست منتشرة - بساعته الرقمية التي التقطت صورتهما بشكل مجسم احبته فهتفت : أريد ان أنظر لها بعدما صورت .
انسل بدراجته لطريق جانبي خاص لمدخل قرية كبيرة من الواضح أن شاليه عمه بها وهو يجيبها : حينما نصل سأريك إياها بعدما نتصور مئات مثلها على الشاطئ .
أومأت برأسها موافقة غافلة عن كونه لا يراها فتتبع سائلة بمكر فطن إليه دون أن ينظر لها : هل الشاليه يضم شاطئ خاص به ؟خ
مط شفتيه ليجيب بتفكير مدعي : أعتقد هذا .عبس بتعجب مفتعل – لماذا ؟
آثرت الصمت قليلا بينما يمران من البوابة الكبيرة بعدما داعبها عمار ببطاقة ممغنطة فينظر لساعته قليلا وهو يدور بدراجته التي تهادت بسرعة منخفضة وكأنهما كادا أن يصلان وهي تنظر من حولها ببهجة حقيقية لتقفز واقفة أرضا حينما توقف أمام شاليه أرضي بتصميم قديم قليلا ولكن شكله الخارجي أكثر من جيد فتهمهم وهي تحمل حقيبتها فوق كتفيها والتي أوصاها أن تحملها معها في مراسلاتهما التي لم تنقطع من  البارحة : فكرت أن أسبح لو الشاطئ خاص وفارغ من الناس ، فأنا أتيت بسترة السباحة الخاصة بي .
تحرك بخفه  صاعدا درجات السلم القليلة المؤدية لباب الشاليه بعدما أوقف دراجته وحمل حقيبة ظهره بدوره فيفتح الباب ويدخلان سويا سائلا بهدوء : تلك السترة التي رأيتها بمسبح النادي من قبل ؟
أومأت برأسها إيجابا فيشير إليها أن تدلف من أمامه ليباغتها بخفة وهو يحاوط خصرها بساعده القوي فيضمها إليه من خصرها يحتضنها ويلاصقها بجسده مستغلا مفاجأتها وخاصة بعدما ضم جذعها بذراعه الآخر مكبلا ذراعيها بجوارها لتزمجر بنزق فيهدأها بهمسه الخافت بجوار أذنها وهو يستنشق رائحتها قبل أن يقبل طرف أذنها مهمهما : هل تريدين إتمام الزفاف يا مونتي ؟
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف باستنكار : هل جننت يا عمار ؟  اتبعت وهي تحرك جسدها تريد أن تتملص من أسره – اتركني .
ضحك بخفة وإجابة : سأفعل ، ولكن أجيبِ .
هدرت بجدية : بالطبع لا .
فك ذراعيه على الفور ليطلق سراحها فتستدير تواجهه بغضب وهي تحول شعرها المتناثر بصخب من حولها إلى جانب وجهها مزمجره بضيق : ما هذا الجنون يا عمار ؟
رمقها من بين رموشه ليقترب منها بتؤدة مجيبا : لتعلمي أنك حينما تثيرين جنوني سأقابله بجنون كما لم تتوقعي يا يمنى .
ضيقت عينيها مفتعلة عدم الفهم فابتسم وهو يرمقها بطرف عينه لتسأل بتلعثم : هل تقصد أمر السباحة ؟
ضحك بخفة وهو يقترب منها أكثر يقبض على ساعديها فيجذبها إليه هامسا : أنا أريد الالتزام بكل قواعد الرقي والأدب ولكن حينما أنت تثيري خيالي الصاخب بك من الأساس وترددين أمامي أنك تريدين ارتداء سترة السباحة أمامي ، ماذا تتوقعين أن أفعل يا موني ؟
أسبلت جفنيها لتهمس بعدم معرفة : ظننت الأمر عاديا .
رفع حاجبيه بتساؤل ليجيبها بتفكه : حقا ؟
أجابته بلا مبالاة وهي تبتعد عنه قليلا فلا يمنحها فرصة الابتعاد : ليست المرة الأولى التي تراني بسترة السباحة .
أجاب على الفور وهو يقربها اكثر يجبرها أن تنظر إليه : ولكنها المرة الأولى وأنت زوجتي ، أتبع بهمس أجش – زوجتي التي أتوق إليها منذ الأزل فأصبحت أخيرا خاصتي .
ابتسمت برقة وعيناها تومضان بحديث قررت أنها لن تنطقه مثيرة عذابه بمشاغبة التقطها فضحك مرغما وهو يفلتها هاتفا : اذهبي وانعشي نفسك وبدلي ملابسك لو أردتِ حينما أنظر للقوم الذين بالأسفل وأحثهم على تحضير الفطور .
همت بالابتعاد فيقبض على كفها حينما تحركت ليجذبها منه إليه فترتطم بصدره ليضمها بقوة مقبلا جبينها ثم يركن جبهته له هامسا وهو يأسرها في اخضرار عينيه العسلي : لن أقوى على منحك متعة السباحة ولكني سأمنحك فطورا رائعا على الشاطئ .
ضحكت بعذوبة لتمأ برأسها موافقة : وأنا راضية .
لعق شفتيه بسرعة ليهمس وهو يضمها أكثر إلى صدره : هل مسموح لي بأن .. ؟!
ضاع صوته في حشرجة أنفاسه اللاهثة وعيناه تتسمر عند شامتها التي تزين ثغرها الضاحك فارق بجفنيها ووجهها يتورد تلقائيا قبل أن تجيبه بهزة نافية من رأسها فيلملم بعثرته وخصلاتها برقي هاتفا بجدية وهو يبتعد بجسده للخلف : حسنا ، هيا اذهبي ولا تتأخري ، أتبع وهو يشير بالاتجاه الآخر عير الذي سيسلكه - الغرفة بأخر الرواق .
تحركت بخطوات هادئة تحت أنظاره المراقبة ليزفر أنفاسه كاملة بعدما اختفت من أمامه فيغمض عينيه مرددا لعقله : سألتزم بقوانينها ، متبعا بحده معنفًا لنفسه – لن أستجيب لتهورك ولن أقع في فخ مشاكستها .
توقف قبل أن يخطو نحو درجات السلم الصغيرة التي تؤدي للمطبخ : سأحترم نفسي ووالدها الذي منحني ثقته وابنته ، وساحيا معها كل ما أردته ولكني تركته وقررت هاربا .
سحب نفسا عميقا قبل أن ينطق بقرار : سأنجح معها هذه المرة ، ولن أخذلها من جديد .   
***
خطت إلى داخل المنزل تنظر من حولها تتأمل البيت الذي ضمها في أروقته الأشهر الماضية ، تتنهد بألم يكتنف قلبها وهي تتذكر دخولها إليه عروس بروح مقبلة على الحياة رغم كبر سنها ولكنها كانت مقبلة على حياتها .. مرحبة بمسئولياتها .. وقانعة بم منحه لها من أسرة فات عليها وقتها لتؤسسها وتنشئها فأتى هو برزق واسع وفير واغدقها بحلمها القديم الذي كادت أن تفقد بريقه ورونقه فحمدت الله وشكرته ورضيت بم أعطى ووافقت على زيجة وهي تدرك أن قلب زوجها لن يكون يوما ملكها ولكنها لم تهتم ، فهي ليست الصغيرة التي تبحث عن عشق مجنون ولا حب احمق ، رغم روحها العذراء وبراءتها الفطرية إلا  أن نضج سنواتها أخبرها أن تقترن برجل راقي سيحافظ على ميثاق ارتباطهما .. سيحنو عليها في أخر أيامها .. ويعاملها بم يرضي الله أفضل من غيره من الممكن أن يعشقها ولكنه لن يراعيها كأحمد .. ابن الأصول .. سليل القصور .. والعاشق الوفي لزوجته الراحلة
دمعت عيناها رغم عنها وحلقها يختنق بغصة مؤلمة فينهرها عقلها وهو يعيد عليها حديثها يهدر بها " كنت تعلمين فهو أخبرك ، لم يستطع أن يخلع خاتمها من بنصره وأنتِ وافقت وتفهمت فما الأمر الجلل الذي يجعلك -الان- تبكي .. تحزني .. تتألمي ، سحبت نفسا عميقا تهدأ من لوعة قلبها لتهمس دون وعي لنفسها لا أبكي لأنه يعشق زوجته  ، فأنا لم أراهن على قلبه لأني أعلم أنها مراهنة خاسرة ، ولم أكن لأطمح يوما أن يساويني في مقداري بها أو مكانتي بها فأنا أدرك جيدا أن هذا مستحيل ولكن خلطه بيني وبينها أوجعني رغما عني .. آلمني .. وحطم جسر اتصال كان بيننا ، أبكي لأني اشعر بكوني أفقده ، فأنا لا أقوى على الاستمرار هكذا ، ولكني لا أقوى على الرحيل أيضا ، أنا مشتتة بعد عمر طويل محتاره ومتخبطة ولا أجد مرسى أضع عليه سفينتي .
—هل أتيت يا لميا ؟
صدح صوت مربيتها ينتشلها من أمواج أفكارها المتلاطمة فمسحت وجهها بكفيها شدت جسدها بصلابة اكتسبتها على مدار عمرها و تحركت بخطوات ثقيلة نحو غرفة من ربتها .. كبرتها .. وكانت أماً بقلبها وروحها لتجيبها بهدوء : نعم يا دادة عدت الآن .
رمقتها مربيتها بطرف عينها لتشير إليها أن تأتي وتجلس بجوارها فاستجابت بطواعية وهي تخلع حذائها وتنضم إلى حوار بجوارها تدس نفسها بحضنها الواسع لتضمها حور بحنان أثار أوجاعها لتسألها حور دون مواربة كعادتها : هل أجريت التحليل ؟
أومأت برأسها ايجابا لتنظر إليها حور بتساؤل غير منطوق فهزت رأسها نافية  في إجابة صرحت بها : لست حاملا يا دادة هل كان لديك أمل ؟
تغضن جبين حور بإحباط لتضمها إلى صدرها بحنان : قدر الله وما شاء فعل يا حبيبتي ، صمتت قليلا لتتابع - جيد ليطمئن قلب الدكتور .
رجفت لمياء بين ذراعيها وهي تكتم بكائها بداخلها تتذكر انتفاضتها البارحة رفضها لاحتضانه .. هروبها منه .. وامتناعها عن الحديث معه بل هي قضت ليلتها بجوار حور التي أدركت كل شيء حينما استيقظت فزعة على صوته الصارخ وتأكدت من مشاجرتهما حينما لجأت إليها لتبتعد عنه ، رغم أنها لم تظهر شيئا أمام جنى حتى لا تفسد فرحتها بسلامة عريسها ولا تقلق مازن وتشغله معهما فاختباراته النصف دراسية اقتربت موعدها ، فتحججت بوعكتها الصحية واعتذرت عن الذهاب معهم بعدما أرسلت إلى ليلى اعتذارها التي تقبلته الأخرى بنفس راضية ودعت لها بالعافية.
لتنهض اليوم وهي تقرر بأنها ستقطع شكًا بيقين في حدسه الذي قلب كيانها .. أخافها .. أزعجها .. صدمها ولكنها لا تنكر أنه أثار سعادة خفية كادت أن تندثر من روحها ، فهي منذ سنوات أقنعت نفسها أنها لن تكون أُمًا ، لن تأتي بطفل يكن نتاج رحمها .. وقنعت في الأشهر الماضية بأمومة متأخرة لولده الذي يحنو عليها ويراعيها كأم بديلة يقدرها ويحترمها ، لكن حدسه الذي رماه في وجهها بعملية مقيته أيقظت حلم قديم من مهجعه وأثار شوق دفين كان توارى بين ظلال سنواتها ورغم استنكار عقلها إلا أن روحها هفت .. ونفسها اشتاقت .. وقلبها تراقص بين وهم جائز أن يكون حقيقة واقعة ، لتأتي نتيجة تحليل دمها بسلبية أفاقتها وقتلت وهمها ثم دفنت حلمها نهائيا والطبيبة تخبرها بأن هذه الأعراض التي تعاني منها أعراض انقطاع دائم وزوال تام لخصوبتها وسبب وجودها
تمتمت بحسرة تشبعت بها نبراتها : وأين هو الدكتور يا حور ؟ حينما يعود سأخبره .
عبست حور بتعجب متساءل : ألم يعد البارحة
التوى ثغر لميا هازئا : لا لم يعد بل أوصل ولديه البارحة وذهب لعمله وقضى ليلته فيه
ربتت حور على كتفها بمواساة : أنه معذور يا ابنتي أمر زوجته رحمة الله عليها ترك أثرا بداخله .
ابتسمت ساخرة : أعلم يا حور وأدرك جيدا ما يمر به .
أعادت حور تربيتها على كتفها : سيهدأ حينما تخبريه أن أمر الحمل هذا ليس صحيح .
رفعت عيناها ونظراتها تشي بمدى وجعها : أحمد ليس غاضب من أمر حملي يا دادة ، أحمد غاضب من نفسه لأنه تزوجني.
انتفضت حور باستنكار لتهتف بحنق : نعم ، كيف؟! لتتبع بغضب - ما هذا الهراء يا لمياء يا ابنتي ؟!
أخفضت لميا بصرها بإشفاق على عجوزها التي أحبت أحمد كولدها فأكملت حور وهي تسوق لها مبررات كلتاهما تدرك كم هي واهية : لا يا حبيبتي لا تفكرين هكذا ، هل كل رجل تشاجر مع زوجته يكون غاضب لأنه تزوج منها .
تنفست حور وهي تكمل : البارحة استثناء يا لميا يا حبيبتي فدكتور أحمد كان خائف عليك ، والخوف يدفع المرء لفعل وقول اشياء غير صحيحة أو حقيقية .
ارتعش فكها باختناق داهمها لتتمتم بألم : بل كان خائفا على زوجته التي رحلت يا دادة .
عضت حور طرف شفتها وهي تلتزم صمت دام قليلا قبل أن تهمس : لا تقفي للرجل على الواحدة يا لميا ، اسمائكم متشابهة وهو كان غاضب وخائف من الممكن أن يكون اخطأ دون قصد .
ابتسمت من بين دموعها لتؤثر الصمت وهي تدفن رأسها في حضن حور الذي ضمها بقوة وهي تربت على كتفها مهدهده قبل أن تبدأ بالبسملة وقراءة القران على رأسها لتقيها من شر العين والنفس وتدعي لها بصلاح أحوالها
صوت رنين متقطع صدح من هاتفها ينم عن وصول عدة رسائل أتته متوالية فتنبهت من بين أمواج يأسها لتنظر إلى هاتفها فتبتسم وقلبها يتدفق بأمومة حرمت من أن تكون أتت من داخل رحمها ولكنها تجسدت فيه بكمال حلم قديم راود عين خيالها فينتشلها من حزنها وهو يرسل لها أنه يريد أن يتناول غذاء دسما من إعدادها .
تنهدت بقوة وهمت بالنهوض فتنظر لها حور متسائلة فتمسح وجهها بكفيها وتحيبها : سأنهض لأعد طعام الغذاء فمازن سيأتي مبكرا اليوم .
رمقتها حور بتعجب فهمست بجدية وهي تستعيد رباطة جأشها : مازن وجنى خارج ما يحدث بيني وبين أحمد يا حور ، لن أرجعنا في المنتصف ولا أريدها أن يعلما بأي شيء ، دعي الفتاة تفرح بعرسها والولد يستذكر لاختياراته الوشيكة ، زفرت بقوة وعيناه تومض ببريق عسلي قوي – أما أنا وأحمد فنحن أكثر من قادران على حل أمورنا بهدوء ونضج يا دادة .
ألقت حديثها ثم خطت للخارج ومربيتها تشيعها بعينيها في نظرات فخورة وابتسامة سعيدة ناوشت ثغرها قبل أن تضحك بخفة وتهمهم : ابنتي غضبت فلك الله يا سليل القصور .
***
— صباح الخير
ألقتها بنعومة وهي تدلف الى  مكتبه ذو الباب المفتوح ليرفع وجهه ينظر إليها بوجوم يزين محياه الوسيم قبل أن ينظر لساعته مؤثرا الصمت فتبتسم برقة وتبدل حديثها - حسنا مساء الخير ، هل مسموح لي بالدخول ؟
نظر إليها وهي تقترب من مكتبه وتحتل أحد الكرسيين الموضوعين أمام مكتبه ليتمتم ساخرا : أرى أنك جلست .
مطت شفتيها قبل أن تهمس بصوت منغم : أنت غاضب إذًا ؟
رف برموشه الطويلة ذات النهايات البنية مرتين متتاليتين بحركة أثيره تثير إعجابها ليهمس باقتضاب : هل توقعت شيء أخر يا أنجي ؟
همت بأن تنهض ليؤمرها بحدة خافتة من بين أسنانه - إلى أين ستذهبين ؟ من فضلك التزمي بمقعدك يا أنجي هانم ولا تنسي أبدا أننا في مكتبي ذو الباب المفتوح .
بهتت ملامحها لتغمغم بتلعثم اخنق حلقها : كنت سأصالحك فأنا لم أتوقع أن تكون غاضبا لهذه الدرجة .
ترك ما بيده ليرفع رأسه عاليا يقبض كفيه بقوة هادرا بخفوت : بل أنا غاضب أكثر من هذه الدرجة يا أنجي ، للان لا أدرك سبب أن تتجاهلي رفضي لحضورك العشاء ، لقد أخبرتني برغبتك وأنا رفضت بوضوح وصراحة وقول نهائي قاطع ورغم كل هذا فاجأتني بوجودك ولم تكتفي بأنك دلفت إلى حديقة البيت وتحمدت لأسعد سلامته بل صممت أن تتعرفي على والدتي وتقبلت دعوة عمتي وأمضيت الأمسية معنا ،
صمت قليلا ليسألها بجدية : هل تتوقعين أن كل هذا سيدفعني أن أفعل شيئا لا أريده ؟
ازدردت لعابها بقوة لتهمس بحزن ومض بعينيها : ولماذا لا تريده ؟
ضرب على سطح مكتبه بحدة : لأنه ليس وقته ، لقد تحدثنا كثيرا عن هذا الأمر من قبل وبكل مرة أخبرك أنه لم يحن الوقت المناسب يا أنجي .
اغرورقت عيناها بدموع كثيفة لتشيح بهما بعيدا قبل أن تنهض واقفة تهمهم : حسنا أنا أعتذر ، لن أفرض نفسي عليك ولا على عائلتك من جديد.
زفر بقوة ليوقفها قبل أن تغادر : أنتظري ، توقفت بالفعل لتدور على عقبيها تنظر إليه بعتاب جعل اختناقه يزداد ليسألها بصوت أجش - هل أتيت فقط تصالحينني ؟
تنفست بعمق لتمأ برأسها إيجابا وتجيب : و لأحدثك عن مدى سعادتي البارحة ، عائلتك رائعة يا سليم لم أحلم يوما بأن انتمي لعائلة مثلها.
تحركت نحوه في بطء أنثوي يميزها لتتابع بصوت أبح بعاطفة قوية : أنا أحبك يا سليم وأنت تدرك هذا منذ كنا سويا بالجامعة ، ولكنك لم تخطو نحوي أبداً ، تمنيت أن تحبني مثلما أحبك وتمنيت أن تنشا بيننا قصة حب قوية تكون حديث الجامعة ولكنك اكتفيت بالصداقة وأنا لم أستطع سوى أن أرفض كل من تقدموا للزواج بي رغم رغبة بابا رحمة الله عليه في زواجي ليطمئن علي قبل موته
ارتجفت عضلة فكه فعضت شفتها لتوقف سيل حديثها ازدردت لعابها ببطء وهي تقترب منه أكثر - وبعدما توفى والدي حصلت على حريتي من جديد انغمست في الشركة والعمل وكيفية الحفاظ على ارثي ، لم أسعى نحوك يوما إلى أن تقاطعت طرقنا وظهرت أمامي بلبنان ،
تنهدت برقة لتسأله بعتاب : هل تذكر ؟
أغمض عينيه وعقله يعيد عليه تلك الذكرى التي ليست ببعيدة حينما قابلها صدفة في زيارته الأخيرة للبنان لم يصدق عينيه حينما رآها وهي الأخرى بهتت حين رؤيته لوهلة قبل أن تتأكد أنه هو لتندفع نحوه تحتضنه وتتعلق برقبته وتخبره بمدى شوقها إليه ، ذُهِل .. صُدِم .. وتفاجئ ولكنه ابتسم في وجهها بحنين سرى بأوردته ليمد سفرته التي كانت مقرر أنها ستكون يومان فقط لأجل العمل الخاص بمنصبه كمدير تسويقي ومالي خاص بشركة الإنتاج إلى عشرة أيام كاملة  قضاها بجوارها .. معها .. في صحبتها ولكنه لم يقوى على رد نفسه عنها وحينما شعر بمقاومته على وشك الانهيار  تزوجا قبل أن يعودا إلى مصر ،زواج لم يفعل للان فهو تراجع عن إتمام زواجه منها رغبةً في اخبار عائلته بهذا الفعل الذي أقدم عليه في غفلة منه ولكن أتى أمر أسعد وأوقف كل شيء والآن هو حائرا فلا يقوى على اخبارهم ولا يقوى على التراجع عن فعلته !!
همهمت باسمه في استجداء كره نفسه بسببه ليفتح عينيه يرف برموشه في عفوية فتبتسم بوله وتهمس بوضوح : أحب رفة عينيك هذه ، أتبعت وهي تقترب منه أكثر - بل أستطيع أن اجزم بأني لو عشت بقية عمري أتأمل برموشك وحركة عينيك لن أمل أبدًا
بسمة رزينة ناوشت ثغره ليزفر بقوة وهو ينهض واقفا يقترب منها بتؤدة يسألها بصوت أجش ويقترب منها هدير قلبها يتعالى وأنفاسه تتلاحق وهو يدير عينيه ملامح وجهها القريب : تحبينني لهذه الدرجة
فردت كفيها على صدره لتجيب دون تفكير : بل أكثر يا سليم .
نطقتها بطريقة صحيحة فابتسم بتوتر وهو يتذكر من كانت تناديه بنفس الطريقة فكان يشاكسها بأريحية وأخوة لينتبه لمن تقف تكاد تلتصق به هامسة : هلا قبلت دعوتي لك على العشاء اليوم ، واعتبره مصالحة مني على عصيان أوامرك .
أومأ برأسه موافقا ليجيبها بلطف : ابلغيني بالمكان وسآتي أو أمر عليك كما تحبين .
ابتسمت برقة لتهمس بخفوت : بل ستأتي وأنت تمر علي .
عبس بعدم فهم لتتسع ابتسامتها قبل أن تشد حسدها للأعلى قليلا تقبل وجنته وهي تهمس بخفوت : فالدعوة ستكون بمنزلي ، أتبعت وهي تقابله بوجهها تنظر لعمق عينيه - سأنتظرك فلا تتأخر عن الثامنة .رمقها من بين رموشه مليا قبل أن يهمس بصوته الأجش : أعتقد أن من عشرتنا سويا أنت تدركين أن ما ترمين إليه لن يحدث إلا حينما أقرر أنا .
تخضبتا وجنتاها بحمرة قانية لتهمس بتلعثم : لم أقصد ما ظننته يا سليم كل ما قصدته أنك متحفظ على مقابلتنا سويا في الخارج فأحببت أن نكون مرتاحان ونحن معا ففكرت أن أدعوك ببيتي .
ابتسم بمكر ليجيب بهدوء وهو يضمها من خصرها إليه يرد لها قبلتها ببطء : من الآن سنظهر سويا لتمهد لعائلتي أمر ارتباطنا .
اتسعت ابتسامتها وعيناها تومض بفرحة لم تحاول إخفائها لتعقد ساعديها حول عنقه وتمد جسدها لتقبل جانب ثغره بعشق تفجر بمقلتيها هامسة : أحبك يا سليم .
انتفض جسده في ردة فعل قوية أحكمت تلابيبها حول حواسه وهم بأن يجيبها لينتبها سويا على طرق حاد على باب المكتب المفتوح وصوت حبيبة النزق يهدر باسمه في عدم تصديق ظهر على ملامحها المصدومة وعيناها المتسعة وتساؤلاتها الكثيرة التي تتابعت بمقلتيها لتخطو للداخل تبتسم بتشنج ظاهري وهي ترحب بالثانية التي ابتسمت بترحاب حقيقي : مرحبا يا آنسة انجي .. صمتت قليلا لتتبع بطريقة مميزة - أم أقُل سيدة أنجي.
انتفضت أنجي بمفاجأة ليغمغم سليم بعتاب كلل نبراته : مرحبا يا حبيبة ، آنسة أنجي أتت لتزورني ونتحدث ببعض الأشياء التي تخص التعاون المشترك القادم بيننا .
ابتسمت حبيبة وهي تشيح بعينيها بعيدا لتهمهم باختناق : حسنا أعتذر فعلى ما يبدو قاطعت حديثكما .
تمتمت أنجي بود : لا عليك بل أنا سعيدة برؤيتك اليوم .
ابتسمت حبيبة بلباقة عملية ولم تخطو نحوها برفض ظهر جليا في جسدها المتخشب  : أنا الأسعد .
همت أنجي بالحديث ولكن حبيبة لم تمنحها الفرصة لتكمل - حسنا يا سليم حينما تنتهي من عملك أريد أن أتحدث معك .
أومأت برأسها لأنجي وهتفت وهي تغادر بالفعل : بعد اذنكم.
اتبع خطوات أخته المغادرة ليغلق الباب من خلفها قبل أن يعود لتلك الواجمة والحزن كسى ملامحها فتهمس باختناق : شقيقتك تكرهني . ابتسم بلطف قبل أن يجذبها إليه يوقفها قريبا منه يحتضن وجنتها براحته : حبيبة مصدومة فقط من الواضح أنها رانك وأنت تقبلين وجنتي .
شحبت ملامحها لتسأله بخفر : إذًا ماذا ستفعل ؟
هز كتفيه بلا مبالاة : سأخبرها .
تبدل حزنها لسعادة ليلوى شفتيه ليسكن الغموض عينيه هامسا : عن صداقتنا سويا تمهيدا لخبر ارتباطنا .
ارتعش ثغرها بإحباط لتمأ برأسها متفهمة فيقبل جبينها هامسا : هيا اذهبي لعملك وأنا سأمر عليك ليلا في الثامنة ودعي امر المكان لي ، غمز بعينه في شقاوة جعلت هيامها به يخيم على عقلها - سيعجبك أنا واثق
ضحكت برقة وسارت بجواره وهو يوصلها للباب فيودعها قبل أو ينتبها سويا على نادر الواقف أمامها يهمس بجدية : مساء الخير عليكما.
ابتسمت بحفاوة وهي تصافح نادر الذي رحب بها بحماس فيتبادلان بعض من الحديث قبل أن تستأذن مغادرة فيؤثر نادر الصمت إلى أن اختفت من أمام عينيه ثم يستدير لابن خاله ينظر إليه بتساؤل غير منطوق تحاشاه سليم بثبات إلى أن هتف بجدية : جيد أنك أتيت يا نادر أريد أن أتناقش معك خطة التسويق للشهر القادم .
زم نادر شفتيه وهم بالحديث ليقاطعه سليم بإشارة من يده هاتفا بجدية : لن نتحدث سوى في العمل .
ابتسم نادر بشقاوة : أحببت أن اطمئن عليك .
أجابه سليم بهدوء وهو يرمقه بتوعد : أنا بخير
ضحك نادر ليرفع كفيه باستسلام : يارب دوما يا سليم بك ، فقط عليك التحدث مع حبيبة
أشار إليه سليم بأن يجلس : سأفعل ولكن الآن ركز معي فأنا أريد استشارتك .
أومأ نادر وهو يستلقي على الكرسي : اؤمرني يا ابن خالي .
***
زمت شفتيها وهي تستمع إلى ضحكات عمر التي تثير غيظها أكثر فتهتف بتبرم : أرجوك توقف يا عمر ، أنا لا أفهم للان ما الذي يضحكك ؟
تحكم في ضحكاته ليهمس بمشاغبة : لا شيء ، فقط تخيلتك وأنت تحمرين غضبا وتقفزين كالأطفال كعادتك حينما تغضبي .
اتسعت عيناها بصدمة لتنطق بغيظ  وهي تدق الأرض بقدمها تسأله بحنق طفولي يثير ضحكاته : أنا أغضب كالأطفال ؟!!
تعالت ضحكاته اكثر ليجيب ببساطة : أينعم ، هاك أنت تدقين الأرض بقدمك أليست هذه الحركة تنتمي لغضب الأطفال  ، أخفضت رأسها وهي تعي للمرة الأولى أنها بالفعل أقدمت على هذا الفعل الطفولي ليتابع بمرح – وإياك أن تنكري .
احتقن وجهها خجلا وهي تلوي شفتيها بحنق وهي تهمس : لا أنكر ، فقط تفاجأت ، قهقه ضاحكا فتزمجر بعتاب – توقف يا عمر فلا تغضبني أكثر مما أنا بالفعل .
تحكم في ضحكاته ليسألها وهو يخطو خارج سيارته بعدما وصل إلى ساحة الجامعة : وما الذي يغضبك من الأصل يا حبيبة ؟
برمت شفتيها لتجيبه بحنق : تلك العلقة التي تطارد أخي ، أنها .. صمتت لتتبع محاولة أن تصف ما تشعره – أنها تدور من حوله يا عمر .
مط شفتيه ليناقشها بتروي : حسنا وما الأمر إذ دارت من حوله ، هل سليم غر ساذج ستوقع به ؟
تمتمت بضيق وهي تخطو نحو نافذة مكتبها تنظر للشارع أسفل مكان عملها : جميعكم أمام النساء ساذجون كما تقول عمتي ليلى .
كتم ضحكته التي كادت أن تجلجل من حوله وهو يعي أنه أصبح داخل الحرم الجامعي فيحتقن وجهه بحمرة قانية وهو يجيب بمشاغبة : لولا حبيبتي ، وماذا تقول عمتك ليلى أيضا ؟
عضت شفتها السفلية بخجل لتهمهم بعفوية : تقول أن السيدة الواعية تحافظ على زوجها وبيتها .
قهقه بخفوت كما استطاع ليجيبها بتفكه : وأنت لماذا لا تسيري على نصائح لولا حبيبة قلبي ، ألا تريدين الحفاظ علي ؟
بهتت ملامحها لتسأله بعدم فهم وعيناها تضيق بشك : هل هناك امرأة تدور من حولك ؟
فيجيبها بمكر مشاكسا : لا تسألي عن الأخريات بل اسأليني عمن أدور انا من حولها وحينها سأجيبك بأن هناك فتاة جميلة .. ناعمة .. شقية رغم خجلها ، أدور من حولها حتى كدت أن افقد وعيي من كثرة الدوران ، أخبرها يوميا بأنني اريد الاستيقاظ على رؤية الستائر الصفراء بغرفة نومي ولكنها تراوغني لدرجة أني أصبحت أنام أحلم بالستائر وهذا ضرر جسيم على صحتي .
ضحكت برقة لتضع راحتها فوق فمها هاتفة بدلال غير متعمد : توقف يا عمر .
أغمض عينيه مخفيا هيامه بها ليسألها بجدية : سأفعل ولكن أريد منك إجابة واضحة وصريحة إلى متى سننتظر ، اسعد الذي كان سببا في تأجيل زفافنا سيتزوج أخر الشهر ، ما الذي يجبرنا الآن على الانتظار .
رفت بعينيها كثيرا فيكمل وهو يدلف إلى مكتبه امنحيني موعدا وأنا سأتوقف عن الحديث في هذا الأمر .
هزت كتفها بحركتها العفوية – بمعنى لا أعرف - والتي لا يراها ولكنه استنتجها فكز علو طرف شفته السفلية من الداخل هامسا بيأس : حركتك هذه لا تساعد .
اتسعت عيناها بذهول قبل أن تتأكد من كون اتصالهما غير مرئي ليجيبها دون سؤال : استنتجت ردك حينما صمت يا حبيبة فأنا لا أراك وإلا لكنت قدمت إليك وألغيت محاضراتي اليوم .
ضحكت برقة ووجهها يحتقن بخجل قبل أن تجيب : لا تلغي المحاضرات ولا تأتي ، لأني سأنتظرك ليلا تمر علينا بالبيت .
عبس بتعجب وهم بالسؤال فتجيب بهدوء جاد : سأحدد مع بابا موعدا أخبره أنك ستزورنا لتحديد موعد الزفاف .
أجاب بسعادة لونت نبراته : سأكون عندكم في تمام الثامنة .
__ونحن سننتظرك ، ألقتها بهدوء لتعاود سؤاله باهتمام – لم تجب في أمر سليم يا عمر .
  ومضت عيناه بتفكير ماكر : من رأيي لا تتدخلي يا حبيبة وانتظري أعتقد أن سليم سيأتي ويتحدث معك فيم رأيته بمكتبه .
أجابته بسرعة : ولكنه لا يدرك أني رأيته .
أجاب بجدية : ممكن ولكن أعتقد انه سيستنتج أنك رايتهما ، أتبع سائلا بعدما وضع حقيبته فوق مكتبه ليتحرك بخفة نحو طاولة المشروبات يعد مشروبه المفضل : ألا تأتي وتحتسب معي الشاي باللبن ؟
أجابته وعيناها تلمع بسعادة : بل أعد قدحي واحتسيه بدلا مني وفي المساء سنشربه سويا .
تنهد بقوة ليغمغم اليها : اشتقت إليك .
توردت لتجيبه بعفوية : وأنا الأخرى ولكن هيا اذهب واشرب الشاي وتحضر لإلقاء محاضراتك وفي المساء سنلتقي .
لوى شفتيه ليهمس متضررا : نعم سنلتقي ولكنه ببيتكم وأبيك سيكون حاضرا .
ضحكت وآثرت الصمت فيتابع – حسنا هيا سأتركك لعملك وكما أخبرتك ، أتركي سليم يأتي بنفسه  ليتحدث معك ، ولا تدعي غيرتك عليه تحركك .
اهتزت حدقتيها بومضة خوف سريعة فأكمل بهدوء : بالطبع شعرت بغيرتك على أخيك وبصراحة حقدت عليه كثيرا فأنت لم تغاري علي من قبل .
ابتسمت بسخرية لتجيبه بمشاكسة تقلده : هذا من حسن حظك .
ضحك بخفة ليجيبها وهو يرتشف قدحه بهدوء : بل في هذا حظي سيئا .
تحركت لتعود إلى كرسيها : موعد محاضرتك اقترب ، سأتركك لتستعد .
تمتم وهو يجلس بدوره على كرسيه : أراك قريبا يا حبيبتي .
تمتمت : لا تتأخر ليلا .
فيجيب بمشاكسة : لا أقوى على ذلك .
تمتمت مودعة فأجابها ليغلق الاتصال ويشد جسده أمام حاسوبه ينظر إليه منغمسا في عمله قبل أن يدق الباب فيرفع رأسه ج داعيا من بالخارج للدخول ليعبس وجهه تلقائيا حينما دلفت جومانة تهتف بتحية الصباح وتتقدم لتجلس أمامه هامسه : اشتقنا إليك يا دكتور عمر .
***
خطى برزانة داخل صالون بيته يبتسم بترحاب وحفاوة تألقت بزرقاويتيه هاتفا : لم أصدق حينما أخبرتني منال أنك هنا ، أنرت بيتنا المتواضع يا سيادة المستشار .
نهض أمير ليضمه إلى صدره بأخوة : ماذا نفعل إذًا بم أنك تقاطعنا يا خواجة ، نأتي اليك بنفسنا لنصالحك ونراضيك .
قهقه خالد ضاحكا ليجيبه بجدية : لست غاضبا لتصالحني وتراضيني يا أمير .
رمقه أمير وهما يجلسان متجاوران : يا خالد ، إلا أعرفك جيدا حتى لا أدرك متى أنت غاضب ومتى تكون سعيدا .
ابتسم خالد ليحدثه بجدية : أنا غاضب بالفعل ولكن ليس منك .
نظر إليه أمير بثبات منتظرا أن يكمل حديثه الذي لم يتأخر بل أتبع على الفور - أنا غاضب من ابني لذا اعاقبه .
ابتسم أمير بمكر ليهمهم :لذا لم تأتي لتجمع أسعد وعقد قران عمار .
أجاب خالد بعتاب : أولا لم يكن عقد قران ما فهمته أنه مجرد تلبيس للخواتم وتفاجأت حينما أخبرتني منال بعدما عادت أنك عقدت قران المهرة على ابن وليد .
ضحك أمير بخفة ليهمس بمشاغبة تعمدها : ماذا نفعل بسيادة الوزير وطلباته ودلاله علينا ، لقد اقنعني في الجلسة أن نعقد قرانهما وانا لم أشأ أن أغضبه .
ابتسم خالد بتهكم ليطبق فكيه بغضب مفتعل : اه من سيادة الوزير وأفعال سيادة الوزير ، سأقتل سيادة الوزير ذات يوم وارتاح منه.
قهقه أمير بقوة ليشير إلى خالد على فمه : اهدأ يا خواجة حتى لا يستمع إليك أحدهم فيدعي أنك تهاجم رؤوس الدولة .
هز خالد رأسه بيأس ليجيب ساخرا : وائل أصبح من رؤوس الدولة الآن ، حسنا سكتنا .
تعالت ضحكات أمير أعلى من ذي قبل ليسأله بمرح : ألازلت محتفظا بذكرياته السيئة يا خالد ؟
زفر خالد بقوة : لا والله بل اتناساها أولا بأول وإلا لما سأستطيع العيش بجواره ولكن كلما أعفو واصفح يقفز لي كعفريت العلبة من جديد يذكرني بمساؤه كلها .
همهم أمير بدفاع : لم يفعل لك شيئا هذه المرة يا خالد ، فلا تظلمه .
جمدت ملامح خالد قليلا قبل أن يجيب بثبات : بل فعل يا أمير ، أحمد يستقوى به ويعاند أمامي ويناطحني بسببه .
أجاب أمير بجدية : أنه يساعد ابنك كما كان سيساعد عاصم أو أسعد أو أيًا ممن تربوا أمامنا جميعا ، يفعل كما كنت تفعل أو أنا سأفعل حينما نجد أن أحدهم في مأزق
عبس خالد برفض ليجيب هازئا : ومنذ متى هذا الحنان المتدفق من سيادته ، أتبع ببرود إنجليزي اختفى من زرقاويتيه الغاضبتين - أخبرني يا أمير منذ متى هو وأحمد على وفاق .. منذ متى يدعم أحمد بهذا الشكل ويساعده بل ويظهر له حنانًا وحبًا .
اسبل أمير جفنيه : صدقني لديه أسبابه الخاصة ، عبس خالد بتساؤل حانق فاتبع أمير - غير مسموح لي بقولها فهي تخص وائل بمفرده إذا أراد سيخبرك .
أشاح خالد برأسه بعيدا : لا أريده أن يخبرني شيئا يا أمير ، هو حر فيم يفعله وأنا حر في عقابي لابني .
رمقه أمير قليلا ليسأل : لازلت غاضبا من الولد يا خالد ؟!!
اعتمت حدقتيه بسواد حزين ليجيب بصوت حشرج : لا يهم يا أمير ، لا يهم ، فما فائدة الغضب الآن ، فمن ربيته وكبرته شكك بي وبأخلاقي وصدق حفنة من الكاذبين دون أن يسألني أو يتحدث معي .
تنهد أمير بقوة : هون عليك يا خالد لقد كان صغير وهم استطاعوا التأثير عليه .
استدار خالد برأسه ليسال أمير بجدية : لماذا ؟! ما الذي فعلوه ليؤثروا فيه بتلك الطريقة ؟! أتبع ببوح - رأسي سيشت من كثرة التفكير وأنا لا أقوى على استيعاب أن أحمد اهتز و انقلب كيانه
رفع عينيه المصدومتان إلى أمير مرددا دون تفكير أو ادعاء أي قوة : انقلب علي يا أمير ، وابتعد عني .
بسمة ماكرة ناوشت ثغر أمير الذي أخفض بصره فيضيق خالد عينيه قبل أن يسأله بصدمة : لا تخبرني أن ابتعاده كانت أوامركم .
تنهد أمير بقوة ليربت على ركبة خالد : اهدأ ا خالد .
رمقه خالد بعتاب فهتف أمير : الأمر كله تبع الخطة الموضوعة يا خالد ، كان لابد لهم أن يدركوا مدى تأثيرهم عليه وأنه بالفعل صدقهم
تمتم خالد بسرعة : لماذا ؟
أشار أمير برأسه في حركة مائله وأجابه دون مواربة : حتى يلجؤوا إليه فيم بعد فندرك بسهولة خطواتهم القادمة .
اتسعت عينا خالد بصدمة ليهمهم بصوت أبح : أحمد من حينها وهو يعمل معكم .
أومأ أمير بعينيه : ولا زال يعمل يا خالد ، أتبع أمير بتعجب - ظننتك أدركت الأمر حينما كنت عندي ، أم غضبك شوش رؤيتك يا خواجة ؟!
هز خالد رأسه باستنكار : بل لم أفكر في هذا الجانب نهائيا
عبس أمير وسأله بترقب : فيم فكرت إذًا ؟
رفع حدقتيه الوامضتين ببريق أزرق غني : في سبب تطويقهم له هده المرة .
نظر إليه أمير بتساؤل ولكنه آثر الصمت فأكمل خالد بجدية ولكنته الإنجليزية تسيطر على نبراته - فتوصلت أنهم لا يسعون خلفه وليست هذه المرة فقط بل تلك المرة التي حاولوا فيها توريطه وأنقذه وائل ،
غمغم بجدية ويقينه يزداد : أحمد لا يمثل لهم أهمية قصوى وخاصة أنهم فشلوا في تجنيده كما أرادوا وبالتأكيد يدركون من حينها أنه سيلجأ إليكم وخاصة بمصاهرته لسيادة الوزير وصداقتي لك .صمت قليلا وعينا أمير تومض بفخر وإعجاب ليكمل بثقة : هدفهم ليس أحمد يا أمير ولا أنا كما أخبروه أنهم يريدون قتلي ، أتبع وهو يرفع عينيه هامسا بثبات وقلبه ينتفض وجلا - أنهم يسعون خلف عبد الرحمن     أشار أمير برأسه نافيا ليطمئنه بالقول : لا تخف عليه ، ولا تقلق عيننا عليه ونؤمنه جيدا.
***
استمع إلى مديرة مكتبه التي دلفت إلى الداخل تخبره بعدما أذن لها بالدخول أن هناك من ينتظره بالخارج ، عبس بتساؤل فتمتمت بتلعثم : لقد أخبرني أنه أخوك .
اتسعت عيناه بذعر لتهتز حدقتيه برفض وعدم تصديق تبخر حينما طل الآخر متجسداً ككابوس أطبق فوق روحه فسيطر على مجرى تنفسه الذي شعر به يضيق أكثر خاصم حينما هتف الآخر بترحاب : أخي الحبيب ، اشتقت إليك .
انتفض واقفا هادرا باستنكار وعدم ترحاب احتلا ملامحه : ماذا تفعل هنا ؟! هل جننت ؟!
رمقه موشيه بتعجب ليسأله بعتاب : هل هذه مقابلة تقابلني بها يا أخي ؟
انتفض أحمد بحنق وهو يقترب منه يهدر بعنف تجسد بحركة جسده : توقف عن ترديد هذا الأمر هنا .
مط موشيه شفتيه بلا مبالاة ليهتف أحمد بمديرة مكتبه أن تخرج ولا تدع أحداً يقاطع جلسته فيراقبها موشيه بترقب قبل أن يسأل ببرود وهو يجلس بأريحية : هل تستعر من أخوتي يا أحمد ؟ هدر أحمد : توقف عن التحدث من فضلك وأخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا ؟!
اضطجع موشيه للخلف ليضع ساقا فوق أخرى هامسا بتوعد : هل نسيت اتفاقنا يا أحمد ؟! لقد كان بيننا اتفاق أريد المعلومات التي لدى أخيك في حين أن امنحك عفوي عن أسرتك الكريمة كلها ، حتى أبيك .. أو عمك لا فارق لدي سأعفو عنهم وتتركهم دون أن أخذ روح أحدهم .
ابتسم أحمد ساخرا : تتحدث وكأنك ملك الموت يا موشيه .
ابتسامة منتشيه لمعت بعينيه ليغمغم بخبث : ما أدراك أني ليس بهو ؟!
اختنق حلق أحمد لينظر إليه من بين رموشه فيتابع موشيه بصوت بارد كالصقيع ملون بتهديد صريح - ولتعلم أن أي تهرب من ناحيتك ، سيكون ردة فعله عظيم من ناحيتي ،
أطبق أحمد فكيه بقوة فيكمل موشيه بلا مبالاة : أنت رجل ينتظر أطفاله الآن فلا تغامر بنفسك لأجل أحدهم يا ابن أبي .
اهتزت وقفة أحمد ليجلس على كرسي مكتبه بصدمة ألمت به وهو ينظر إليه بحدقتين متسعتين مهتزتين بعدم تصديق أكده الآخر ببسمة هازئة أرسلت القشعريرة بجسد أحمد الذي تجمد بخوف تحكم في أوصاله
***
ينظر من خلال مرآة سيارته الأمامية إلى تلك السيارة السوداء التي تتبعه منذ أن عاد أخيه ، والذي يعلم جيدا أنها تحرسه فهو ليس بساذج حتى يقوى على ربط الخيوط ببعضها ، أخيه على ما يبدو متورطا بشيء يخصه لذا منعوه أن يزوره ، ولذا أبيه غاضب ، لقد استنتج الأمر ببساطة حينما التزم أبيه الصمت الغاضب بينما اعتزلهم أحمد ، هناك شيء مريب بينهما شيء خاص به ، شيء يدركه حدسه ولكن لا يستوعبه عقله ، لقد حاول أن يتحدث مع أحمد ويستفهم منه ولكن مراوغة أخيه للإجابة أثارت ضيقه .. غضبه .. شكوكه والتي نفاها سريعا فأخيه لا يمكن أن يؤذيه ولكن إذا كان أحمد ليس متورطا في أذيته ما الأمر الذي أغضب أباهم منه إلى هذا الحد !!
زفر بقوة وهو يصف سيارته في المرأب الخاص بالمؤسسة وهو يحرص ان يلتقط إمكانية دخول سيارة الحراسة خلفه أو لا ، فتومض زرقاويتيه وابتسامه ساخرة تزين شفتيه وهو يترجل من سيارته بهدوء حينما تأكد من مكوث السيارة خارجا .
تحرك بخطوات حازمة ليستقل المصعد بخفه ويهم بأن يضغط زر رقم الطابق الخاص بمكتب أخيه ليعبس بترقب وهو ينظر لذاك الكف الرجالي الذي أوقف باب المصعد عن الإغلاق قبل أن يدلف هذا الرجل الذي استقل معه المصعد مبتسما باستفزاز شعره متعمدا
ولكنه لم يبالي بينما هم بضغط زر المصعد برقم الطابق الخاص بالمدراء ليزاحمه كف الرجل الذي أراد بدوره أن يضغط أزرار المصعد فيسجل المصعد الرقمين سويا ليتوقف عن الحركة قبل أن يصدح صوتا الآلي  ناطقا بالعربية يخبرهم أن هناك خطئا بالمصعد وأنه سيتوقف لمدة دقيقتان قبل إعادة التشغيل ثانية ، ثم تدار قطعة موسيقية هادئة تدوي من حولهما .
أطبق عبد الرحمن فكيه بضيق قبل أن ينظر لساعة معصمه الفخمة بنفاذ صبر فيدوي الصوت الآلي من جديد بتعداد عكسي كتنبيه لإعادة تشغيل المصعد فيمد عبد الرحمن كفه ليضغط زر المصعد في نفس اللحظة التي مد الاخر كفه ليضغط زر اخر فيقبض عبدالرحمن على معصمه بقوة وهو يدفعه للخلف في غضب قابله الآخر بهدوء وهو يدير كف عبد الرحمن ليملص رسغه من بين أنامل عبد الرحمن القوية قبل أن يرفع ساعده بسرعة ويضغط به على عنق عبد الرحمن وهو يدفعه بكفه الأخر في صدره بغلطة فيلصقه بجدار المصعد خلفه.
ومضت عينا عبد الرحمن بغضب ناري وهم بدفعه بكامل قوته ليهمس الرجل بصوت ساخر أثار استفزازه أكثر : أش ، اهدأ يا ابن الخواجة ولا تغضب .
توقف عبد الرحمن عن الحركة ليسأل بصوت خشن وهو يدفع ساعده من فوق عنقه : أبتعد عني ، استجاب الآخر وهو يزيل ساعده من فوق عنق عبد الرحمن الذي أتبع بغضب - من أنت وكيف تجرؤ على معاملتي هكذا ؟
مط الآخر شفتيه ليجيب وهو يبتعد عنه قليلا للخلف : هل هناك نسخ أخرى منكم أم انتم ثلاثة فقط ؟
عبس عبد الرحمن بتفكير سرعان ما تحول لإدراك فومضت زرقاويتيه بغضب أنارهما قبل أن يقترب بسرعة يقبض على تلابيب الآخر هاتفا من بين أسنانه بجنون : ما لك بي وبإخوتي ؟ دفعه ليلصقه بالجدار الآخر للمصعد دون أدنى مقاومة من الآخر ليهدر بعنف أوشى به تصلب جسده : أنطق من أنت ؟
ابتسامة مستفزة ناوشت ثغر الرجل الذي نظر باستهانة لعبد الرحمن الذي زمجر غاضبا ورفع قبضته ليلكمه في فكه فيهتف حسن بصوت آمر : إياك أن تفعل ، فأنت لا تريد التورط في ضرب من هو مثلي.
عبس عبد الرحمن باستنكار لينفض حسن قبضتيه عن تلابيبه فيبتعد عبد الرحمن بجسده المتأهب وعيناه اللتان اعتمتا بتفكير تحول لغموض فحجبتا أفكاره عن حسن الذي أجابه دون سؤال : أنا ضابط من الجهاز الذي تعمل لديه .
شد عبد الرحمن جسده بأنفه ليجيبه ببرود إنجليزي استحضره بثبات : لا أفهم عما تتحدث .
انفرجت ملامح الآخر بابتسامة ساخرة صدحت بصوته : حقًا ؟ لم يجبه عبد الرحمن الذي وقف غير مباليا به ليضغط زر المصعد وكأن لم يحدث بينهما شيئا فيتابع حسن سائلا بينما أوقف المصعد متعمدا ليرمقه عبد الرحمن بثبات وصبر - هل تصعد لزيارة أخيك ؟
تجاهله عبد الرحمن فيبتسم حسن باستهانة متعمدا مضايقته قبل أن يهمس : أخبره أن حسن يبلغه تحياته .
عبس عبد الرحمن وهو ينظر لظهر الآخر الذي أعاد تشغيل المصعد ولكن بعدما ضغط زر النزول من جديد ليصمت إلى أن توقف المصعد بالأسفل فيهتف بأريحية وهو يغادره : سنتقابل ثانية يا ابن الخواجة فكن مستعد لملاقاتي المرة القادمة ، أشار إليه بتهكم - عمت صباحا يا باشمهندس.
أطبق عبد الرحمن فكيه بقوة وهو يتابع هذا الرجل الذي تركه وغادر فيضغط على زر المصعد من جديد وهو يشعر بأعصابه أنها أصبحت على المحك بسبب ذاك الغليظ الذي لا يعرفه .
توقف المصعد ليخطو خارجا بخطوات سريعة متلاحقة نحو مكتب أخيه فلا ينتظر أن تأذن له مديرة مكتبه بالدخول بل يدق الباب بنفاذ صبر ليدلف إلى الداخل على الفور هاتفا بانزعاج أعتلى محياه : أحمد أريد الحديث معك .
عبس بتعجب وهو ينظر لذاك الجالس أمام مكتب أخيه ملامحه تبدو مألوفة وابتسامته منفرة ، لينقل نظره نحو أحمد الذي يبدو مذهولا .. خائفا .. متفاجئا من وجوده هنا أمامه في هذه اللحظة ، ليهمس بصوت أبح وهو ينهض واقفا مقتربا منه : ماذا تفعل هنا ؟
عبس عبد الرحمن لاستقبال أخيه غير المتوقع ليتمتم بجدية : أتيت لأراك وأتحدث معك .
هم أحمد بالحديث ليصدح صوت الاخر الجالس في الخلف هاتفا ببرود ولكنة اجنبية تدمغ حروفه : إنه من حسن حظي أن اقابلك هنا يا باشمهندس عبد الرحمن ، رغم أنها مفاجأة غير متوقعة ولكنها لأجمل مفاجأة.
نظر إليه عبد الرحمن بريبة ثم نقل نظره لأخيه الذي اهتزت حدقتيه بخوف غريزي قبل أن يقترب منه بهدوء مرحبا فيضمه إلى صدره بقوة هامسا : لا تأبه به ، أنا معك .
ومضت عينا عيد الرحمن ببريق أدراك ضرب عقله فيضم أحمد إلى صدره هامسا بخفوت شديد : حسن يبلغك تحياته .
زفرة راحة انطلقت من حلق أحمد قبل أن يتحدث الآخر بهدوء وهو ينهض واقفا : الن تعرفه علي يا أحمد ؟
أغمض أحمد عينيه يحث نفسه على الصبر والهدوء ليهتف عبد الرحمن الذي شد على عضد أخيه مؤازرا قبل أن يجاور أخيه ليصبحا كالبنيان المرصوص أمام الآخر الذي نهض واقفا : مرحبا بك ، أعذرني اقتحمت جلستكما .
ابتسم الآخر ببرود ليمط شفتيه : على الإطلاق ، بل كنت اتحرق شوقا لمقابلتك ، أتبع وهو يرمق أحمد الذي ضيق عينيه متوعدا فلم يأبه موشيه وهو يتابع - فقط أحمد هو من يقف عثرة في طريق معرفتنا .
تمتم عبد الرحمن بعدم رضا : عثرة ؟!
لتجمد ملامحه فيستدرك موشيه قوله : لا أقصد معناها السيء ، قصدت أنه من يؤجل لقائنا .
تنفس عبد الرحمن بقوة ليجيب بجدية : وهاك أنا ذا ، ولكني لم أتعرف عليك للان .
أجابه موشيه بمسكنه وهو يلوي رقبته بعتاب : أنتظر من أخي أن يعرفنا سويا ، انتفض جسد أحمد برفض ليدور عبد الرحمن برأسه ناظرا لأحمد بتساؤل فيجيبه أحمد برجاء استقر بنظراته فيتبع موشيه - ولكنه لا يريد ، إنه لا يعترف بإخوتي له .
أشاح أحمد بنظراته بعيدا عن نظرات عبد الرحمن فاكمل موشيه وهو يقترب منهما سويا سائلا باستهانة : أخبرني يا أبو حميد ، هل عبد الرحمن يكون أخي أيضا ، أم أنت فقط من يربطني به رباط دم ونسب ؟
ارتعش فك أحمد بغضب ليسأل عبد الرحمن ببرود وعدم فهم افتعله : لا أفهم ماذا تقصد بإخوتكما ؟!
— أووه ، نطقها موشيه بافتعال ليكمل - المعذرة ، لم أعرفك بنفسي ، كنت انتظر أن يفعلها أحمد ولكنه من الواضح أنه غاضبا مني .
هم أحمد بالابتعاد ليستوقفه كف عبد الرحمن الذي قبض على ساعده يحثه ألا يبرح جانبه ليبتسم الآخر بشماته استفزت عبد الرحمن ولكنه تحكم في انفعالاته فيقابل الآخر بنظرات زجاجية معتمة والذي هتف بفخر : أنا موشيه ، اخو أحمد الأكبر من أبينا باسم ، أتبع ونظراته تومض بخبث منفر - موشيه بنيامين رحوم .
ضحك عبد الرحمن بعدم تصديق وسخريته تتجلى بضحكاته التي صدحت أكثر ليهتف باستنكار : يا رجل تريد أن تمزح معي فلتعد لي مقلبا أفضل من ذاك قليلا .نظر إليه موشيه باستنكار بينما لاحت الابتسامة على وجه أحمد ليتابع عبد الرحمن باستنكار - هل من المفترض أن أصدق هذا الهراء الذي تتفوه به ؟! ولنفترض أني صدقت وأنك صادق ، ما المفترض أن أفعل اغضب من اخي لأن أخيه اسمه موشيه ،
هم عبد الرحمن بأن يتحرك مقتربا ليتأهب جسد أحمد بدفاع غريزي فيطمئنه عبد الرحمن بضغطه لطيفه فوق ساعده قبل أن يتبع وهو يمد كفه للآخر في نية مصافحة : تشرفت بمعرفتك يا موشيه ، أخبرني يا اخو أخي ، هل هذه المرة الأولى التي تزور فيها مصر ؟
رمقه موشيه ببرود وهو يضيق عينيه بتفكير : لا ليست المرة الأولى ، ابتسم من بين أسنانه واكمل بنبرة حملت توعدا وهو يقترب من الباب وكأنه يستعد للرحيل - ولن تكون الأخيرة .
أجاب عبد الرحمن بلا مبالاة : حسنا سنتقابل ثانية يا موشيه ، أتبع بعجرفة انجليزية – أعذرني أن كنت انتهيت من الحديث مع أحمد فأنا أريده بأمر خاص .
التفت ينظر لأخيه الذي هتف بثبات : بل السيد موشيه كان مغادرا قبل أن تصل يا عبد الرحمن .
ارتعش فك موشيه بغضب سيطر عليه قبل أن يمأ برأسه محييًا ليبتعد عبد الرحمن بعفوية عن أحمد للذي وقف مقابلا لموشيه متماثلان في الطول ومتقاربان في الشكل ليهمس موشيه بهدوء بارد : لا تنسى ما تحدثنا بشأنه يا أحمد .
أجابه أحمد وهو يرفع رأسه بعنفوان : لا تقلق لن أنسى قط يا ابن أبي .
ابتسامة صفراء زينت ثغر الآخر الذي تحرك للخارج فيغلق أحمد الباب خلفه متنفسا بعمق ليرفع عينيه إلى أخيه الذي ينظر إليه بترقب قبل أن يندفع نحوه يحتضنه بقوة فيضمه أحمد بلهفه مهمهما : اشتقت إليك يا أخي .
رفع عبد الرحمن عينيه لأخيه يسأله باهتمام حقيقي : ماذا يحدث يا أحمد ؟
سحب أحمد نفسا عميقا ليربت على كتف أخيه قبل أن يدفعه أن يجاوره ليجلسا سويا : تعال سأخبرك.
***
طرقت الباب طرقتين متتاليتين قبل أن تدلف بهدوء : آنسة نوران وصل هذا  البريد الإلكتروني للتو .
رفعت رأسها لتنظر إلى كنزي التي اقتربت تناولها الجهاز اللوحي فتقرأ السطور سريعا قبل أن تجيب بجدية : هذا جيد ، إنهم يريدون إجراء مقابلة عمل ، أتبعت وهي تعيد الجهاز لكنزي - حددي موعدا معهم ، موعدا قريب يا كنزي لنقوى على تحديد هل سنتعاون سويا أم لا ؟
أومأت كنزي برأسها موافقة لتبتسم برقة وهي تلتقط وقوف عاصم بالباب الفاصل بين الغرفتين في ظل عدم انتباه نوران التي عاودت النظر لعملها فتلتقط إشارة عاصم فتمأ بالموافقة وهي تخطو للخارج.
خطى للداخل برزانة ليسأل بجدية : من هؤلاء الذين تمنحينهم موعدا يا مديرنا التسويقي الهمام؟
رفعت رأسها تبتسم بترحاب وهي تخلع النظارة الطبية الخفيفة عن عينيها : متى أتيت ألم تكن بالخارج تحضر اجتماع رجال الأعمال الذي لغيت فطورنا سويا من أجله ؟
رمقها مليا ليهمس بصوته الأجش دون أن يهتم بإجابة سؤالها : ضعي النظارة ثانية .
عبست بتعجب لتهمهم وهي تضع النظارة على المكتب بعناد : لماذا ؟ أن مظهري بها سيئا .
أشار إليها بعينيه ليطلب بنفاذ صبر : فقط ضعيها ، أنا أريد أن أراك بمظهرك السيء .
ضيقت عيناها لتهز رأسها بنفسي صارم : لا لن أفعل ، أتبعت وهي تبتسم بمكر - فأنا أبداً لن أظهر أمامك بمظهر سيئا.
نفخ بقوة : لم أشكو لك .
رفعت حاجبيها وكتفت ساعديها برفض : أعلم وعلى الرغم من ذلك لن أفعل .
ضيق عينيه بتوعد فضحكت بخفه لتحدثه بمشاكسة : الن تتوقف عن المراوغة يا عاصم ؟
هز رأسه نافيا ليجيب بغطرسة : لا أراوغ ، أنت من تريدين تصديق اشياء لا وجود لها سوى بعقلك .
عقدت ساعديها هاتفه باستنكار : يا سلام .
أومأ براسه ليجيب : نعم مثلما أنك تخافين أن تنهضي من مقعدك خوفا مني وأنت تقنعين نفسك بأني مهووس بك وهذا شيء خاطئ بالكلية .
رفعت حاجبها برفض لتجيبه : إذًا أنت لست مهووسا بي ، هز رأسه إيجابا فتتابع - وأن نهضت الآن وسرت من جوارك لن تجذبني نحوك وتجلسني بحضنك .
أجاب بلا مبالاة : بالطبع لن أفعل.
رمقته بطرف عينها ليتبع - تستطيعين التجربة إذا أحببت .
ابتسمت بمكر لتجيبه : لن أفعل شكرا لك .
اسبل جفنيه لينهض واقفا : حسنا على راحتك ، تحرك نحو الباب ثانية وهو يتبع بدون اهتمام - بالمناسبة أتيت لادعوك على الغذاء تعويضا بدلا من الإفطار الذي أضعته علي بسبب هذا الإجتماع الثقيل الذي أصابني بصداع من كثرة الابتسام اللبق والمجاملات التي تنتهي والصفقات التي تتطاير في الأجواء .
قفزت واقفة تهتف بمرح : حقا ؟
هز كتفيه ليجيبها ببرود : نعم ولكن من الواضح أنك مشغولة .
رمقته بعتاب وهي تقترب منه بإغواء فطري هامسه باسمه في دلال طفولي فيقابلها بابتسامة ماكرة وعيناه تومض بمشاغبة : أرى أنك نهضت من فوق كرسيك .
ضحكت برقه وهي تقترب منه تلامس صدره براحتيها وتندس بين ذراعيه الذين ارتفعتا تلقائيا لتضماها الى حضنه وهي تجيبه : وإذا أردت سأرتدي النظارة أيضا .
ضحك بخفة ليسألها بعدم فهم افتعله : هل أنت جائعة لهذا الحد ؟
تنهدت بقوة : بل اشتقت إليك ، المكان يفقد رونقه في غيابك يا عاصم .
أدار عينيه على ثغرها المنفرج بلهاث ساخن يضرب عنقه وجانب فكه ليزفر ببطء كامل أنفاسه قبل أن يبعدها عنه قليلا هامسا : حسنا هيا بنا حتى لا نتأخر ، فهذا المطعم مواعيده صارمة ، أخاف أن نتأخر فيمنحون طاولتنا لاثنين أخريين .
ابتسمت برقة وأومأت بحماس : حسنا انا مستعدة فقط عليك أن تعلم باني سأقضي ليلتي اليوم مع أميرة فهي طلبت مني أن أكون إلى جوارها.
عبس باهتمام : هل هي بخير ؟
أومأت نوران براسها : نعم لا تقلق .
رمقها قليلا فاتبعت دون أن يسأل - حالها مع احمد كما هو ولكن هي بخير والأطفال أيضا .
زفر عاصم بقوة ليهمهم : أحمد حاله ليس بجيد وما تفعله أميرة به يسيء من حالته أكثر.
نظرت إليه بصدمة لتجيبه بحدة : ماذا تريدها أن تفعل يا عاصم أن تقبل بوجوده طالما عاد ، أتبعت بعنفوان - يكفي أنها تقبل بوجوده في البيت امرأة أخرى كانت طردته من البيت فهو من غادر وتركها في الاساس .
اتسعت عينا عاصم بصدمة ليهمس بجدية وهو يعود بخطواته إليها : تطرده ؟! انه بيته يا نوران ، ليتابع سائلا بعدم تصديق - ثم أنت من تتحدثين عن أحمد بهذه الطريقة يا نوران ، إنه ابيه أحمد الذي كنت تتعلقين في رقبته وتثيرين غيرتي به .
رفعت رأسها بشموخ وكبر ذكره بعمه لتجيب بصوت مختنق : نعم هو ابيه أحمد والذي سيظل محتفظا بمكانته عندي ولكنها شقيقتي يا عاصم . شقيقتي التي كانت تبكيه ليلا طول فترة غيابه .. شقيقتي التي انطفأت لمعة عيناها وحدد الألم ملامحها بسبب أنه تركها وغادر .. أضاع عليها فرحتها بأطفالها وأحزنها بفراقه لها.
سحب نفسا عميقا ليجيب بدفاع : من المؤكد أنه كان رغما عنه يا نوران .
زمجرت نوران بغضب لتجيبه بحدة : يا الله أنا لا أفهمك لا أنت ولا أبي ولا حتى أدهم ، هل تؤازرونه لأنه رجل مثلكم ، أم لأن مقداره يفوق مقدار أميرة عندكم ؟
هدر فيها بحدة : توقفي يا نوران ولا تهذي ، لا أحد يماثل أميرة مكانه في قلوبنا ولا مقدار في حيواتنا فقط أنتن من لا تدركن كيف يكون وجع الرجال لذا لا تستطيعين رؤية الألم الذي يعانيه أحمد أسفل وجهته الهادئة وخطواته الرزينة.
تنهد بقوة ليكمل بجدية : أحمد يعاني يا نوران ولكن أنتن لا تفقهن حجم معاناته
زمت شفتيها باعتراض ولكنها آثرت الصمت حتى لا يتشاجرا كلما تناقشا بهذا الأمر كالعادة فيهتف بجدية :  هل تقبلين بدعوة الغذاء أم أذهب بمفردي ؟
ابتسمت برقه لتجيبه بدلال لم تتعمده : بل سآتي معك .
أشار إليها برأسه : حسنا هيا حتى لا نتأخر.
***
انتفض واقفا بهلع انتابه حينما دق الباب فسمح لمن بالخارج بالدخول ليفاجئ بوجود شقيقه أمامه فيهتف بفزع : وائل أنت بخير ؟!
ابتسم وائل برزانة وهو يخطو للداخل : مساء الخير .
هرع أحمد إليه : مساء النور ، لماذا أتيت ؟! هل أنت بخير ؟! هل تعاني من شيء ما ؟!
ربت وائل على كتفه باطمئنان حاول ان يمنحه له : اهدأ يا أخي ، أنا بخير والحمد لله ، توقف عن الفزع يا أحمد ، نظر إليه أحمد باستهجان فأتبع وائل -  لا تخف يا شقيق أنا بخير ولكنه موعد الكشف الدوري الخاص بي .
زفر أحمد أنفاسه بقوة ليهتف بعتاب : أفزعتني عليك يا وائل.
ضحك وائل بخفة ليشاكسه بلطف : أصبح قلبك خفيف يا دكتور ، هل تتعامل هكذا مع مرضاك ؟
ابتسم أحمد وهز رأسه بيأس : لا فائدة فيك ، أنت لن تتغير مهما حدث ومهما كبرت .
دفعه وائل بمشاغبة أخوية : أنا لن أكبر قط يا طبيب ،
ضحك أحمد ليشير إلى شقيقه بالجلوس على الأريكة الموضوع بجوار مكتبه فيكمل وائل باهتمام -اخبرني يا أحمد كيف حالك ؟ هل أنت بخير ؟
رمقه أحمد بعدم فهم ليجيبه : المفترض أن أسألك أنا وأطمئن على كشفك الدوري ، ولكن أولا ً أجلس ودعني اضايفك قبل أن أطلب نتائجك لأطمئن عليك
جلس وائل بغطرسته الفطرية ليضع ساقا فوق أخرى قبل أن يجيبه بكبر : أنا بخير يا ولد ونتائجي ستكون أفضل من شباب هذه الأيام .
رفع أحمد عينيه للسقف وهو يقهقه بخفوت ليسأل أخيه بمشاكسة : وهذا بشهادة من ؟
أشار إليه وائل برأسه : فاطمة تشهد بالعشرة .
قهقه أحمد مرغما ليعاتبه بالقول بعدما طلب إليهما القهوة فيعود ليجاور أخيه جلوسا : رغم أنها صديقتي ولكني أخجل أن أسألها في أشيائها الخاصة .
اسبل وائل جفنيه ليهمس بمكر : وبم أنها صديقتك ، لماذا تتجنبها هذه الأيام ؟
بهتت ملامح أحمد ليجيب بسرعة : بالطبع لا أفعل ، أتبع باستنكار - هل شكتني إليك فاطمة ؟
ابتسم وائل بمكر ليهز رأسه نافيا : بل أخبرتني أنك بمأزق لا تبوح به لأحد .
شحبت ملامح أحمد تدريجيا ليهم بالنفي فيرمقه وائل ليتابع بهدوء : أحمد يا ابن عاصم الجمال لا تراوغني وأخبرني ما بالك ؟
ما الذي يؤرقك ويشغل تفكيرك
لانت ملامح أحمد مرغما ليهمهم بشجن : رحمة الله عليها كانت دوما تخبرني أني أشبهه حين الغضب مهما حاولت أن لا أفعل أعود إلى قواعده سالما وأعود لأكون ابن عاصم الجمال .
سكن الحزن عينيه ليرفع نظراته لشقيقه متابعا بتساؤل مختنق - أخبرني يا من اشبه الناس بأبينا ، هل حينما تغضب تكون فظا  .. غليظ القلب .. وغبي ؟
لوى وائل شفتيه ليهمس ضاحكا : أكون مرعبا كما تخبرني فاطمة .. وغبي هذه كلمة قليلة على ما يتلبسني من جنون حين غضبي ، أتبع بمهادنة وهو يرمي طرف خيط لأخيه يريد منه أن يتمسك به ليجذبه منه لعله يقص له ما يحدث معه - ولكن لما تسأل يا شبيه النعامة ، طوال عمرك لا تغضب لهذه الدرجة التي تنصهر فيها خلايا مخك فتصبح غبيا أو تتقد فيها مشاعرك فتصير غليظ القلب ولا تشتعل غيرتك فتصبح فظا جلفا أحمقا كل همه أن يخفي غيرته داخل رداء غضبه حتى لا يعترف بمكنون مشاعره فيراوغ احساسه وشعوره مانعا نفسه من الإقرار بأهمية شريكه.
شحب وجه أحمد بقوة وعيناه تتسع بعدم فهم ليردد بتساؤل : أهمية شريكه ؟!!
أومأ وائل برأسه إيجابا ليسأل بوضوح ودون مواربة : هل أغضبت لمياء هانم يا أحمد ؟
هل كنت فظا غليظ القلب معها ؟ هل ضايقت السيدة التي تركت بيت أهلها لتقترن بك وتقوم برعايتك ، تصبح سيدة لمنزلك وأم لأولادك وتضمها إلى كنفك فجرحتها بدلاً من أن تقوم برعايتها وتدليلها ؟
همهم احمد بصوت مختنق : هل أخبرتك ؟
اتسعت عينا وائل باهتمام واعتدل جالسا قبل ان يسأل بجدية : ماذا فعلت يا أحمد ؟ ابتسم أحمد بألم ليهمهم بخزي : فعلت كل شيء يا وائل ، كنت أنانيا .. فظا .. غليظا .. وقمت بجرحها جرحا لا أظن أنها ستشفي منه قريبا .
اقترب وائل منه يربت على ركبته يؤازره ويدعمه ليسأل بحيرة : ماذا حدث يا أحمد ؟ أخبرني يا أخي .
رفع أحمد عينيه ليهمس باختناق : لمياء حامل .
ارتفعا حاجبي وائل بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكا فتجلجل صوت ضحكاته من حولهما ليطبق أحمد فكيه بغضب وهو يلكزه في ركبته بضيق : أنا الغبي الذي أخبرتك.
قهقه وائل من جديد ليهم أحمد بان يقف ليتمسك به وائل في جدية هاتفا بتفكه : انتظر فقط يا أحمد ، أجلس ولا تحنق كالأطفال واصبر .
زفر احمد بضيق وهو يقابل نظرات وائل المتسلية والذي هتف بضحكة مكتومة : هل ما قلته حقيقيا ؟ أتبع بمشاكسة احتلت ملامحه حينما أطبق أحمد فكيه بغيظ - هل تأكدت من كونك ستصبح بابا ؟
زمجر أحمد بعدم رضا فأكمل وائل : وأنا من كنت أظن أنك ..
هدر أحمد باسمه في غضب فتعالت ضحكاته من جديد لينهض أحمد واقفا وهو يدفعه بعيدا عنه حينما حاول التمسك به ليسيطر وائل على ضحكاته وهو يرفع كفيه بمهادنة : حسنا ، تعال واجلس سنتحدث ، رمقه أحمد بطرف عينه فأتبع بوعد - لن أضحك ، أوعدك .
تنفس أحمد بقوة ليدق باب مكتبه فيسمح بالدخول ليدلف العامل بفناجين القهوة ليضعهما على الطاولة الصغيرة أمام وائل فينتظر أحمد إلى أن انصرف العامل فعاد ليجلس بجوار وائل يناوله فنجانه فيهتف وائل بحبور : مبارك يا شقيق ، لقد سعدت بهذا الخبر غير المنطقي والخارق للطبيعة ولكني سعيد للغاية به .
عبس أحمد بضيق فتابع وائل باستنكار - أنت لست سعيد يا أحمد .
هدر أحمد باختناق : بالله عليك يا وائل هل هذا شيء يفرح لأكون سعيد به ؟
أجاب وائل بعفوية : نعم إنه خبر سعيد ستكون بابا من جديد وسيأتي إليكم طفل جديد ينضم لآل الجمّال ، ستأتي باخ أو أخت لأولادك يا أحمد .
اختنق أحمد ليهمهم بصوت محشرج : وسأفقد زوجتي التي ستهب لابني الحياة وتضحي بنفسها لأجلي ولأجله ، اتسعت عينا وائل بصدمة بينما تابع أحمد دون وعي _وأنا لن أحتمل فقد جديد .
رف وائل بعينيه اللتين تطلعتا لأخيه برهبة خنقته ليهمس بصوت أجش : هل أخبرت لميا بحديثك هذا يا أحمد؟
رمش أحمد بعينيه كثير قبل أن يهمس بخفوت شديد والندم يحتل نبراته : وطلبت منها إجهاضه ، أتبع مختنقا - لقد اسمعتها الحديث الذي كان المفترض علي أن أخبر ولاء به يا وائل .
اتسعت عينا وائل بارتياع وخاصة حينما أكمل شقيقه ببوح يمزق روحه : بل أني تماديت ودعوتها باسم حبيبتي التي تركتني خلفها ورحلت عني بسبب أن تهديني طفلا لم أطلبه منها أبدًا .
لاح الغضب بعمق عيني وائل ولكنه تحكم به قلبه الذي لان لأجل أخيه فسأله بهدوء : لم تعد للبيت من حينها ، هل قضيت ليلتك هنا ؟ 
ازدرد أحمد لعابه وخفض رأسه دون رد ولكن حركته كانت أبلغ من أي رد ليربت وائل على ساقه هاتفا بهدوء ورزانة : انهض يا أحمد وتعالى معي ، أنت تحتاج للحديث .. البوح ، تعال سنقضي أمسيتنا سويا ولا تعتل هما لكل شيء حل .
استجاب أحمد إليه بتعب ليسأل وائل جدية : أنت واثق من أمر الحمل هذا يا أحمد ؟
هز أحمد رأسه دون معرفة فيربت وائل على كتفه وهو يدفعه أن يسير معه : حسنا هيا بنا .
تخطو بسرعة نحو مكتب والدها وهي تراسله على الهاتف تعده بأنها ستأتي إليه بعدما تنتهي مناوبتها تتورد بخجل يداهمها من صراحته في التعبير وغزله الذي يتلون بجراءة جديدة على علاقتهما لتضحك بخفة وهي تشعر بالسخونة تجري في أوردتها جراء أخر كلمات أرسلها لها
همت بأن تطرق باب المكتب ولكنها توقفت لأجل أن تخبره بأنها ستتحدث مع أبيها قليلا قبل أن تعود لحديثها معه وتبتعد قليلا تنهي مراسلاتهما سويا قبل أن تعود وتفتح الباب دون طرقه على غير عادتها فتبتسم بترحاب لوجود عمها الحبيب ترحاب تحول لصدمة سكنت عينيها وهي تستمع إلى جزء من حديث أبيها فلم تفقه إليه بأكمله ولكنه أثار شجنها لوالدتها الراحلة فتتراجع بخطواتها للخلف تغلق الباب من جديد قبل أن تهرول بسرعة وهي تراسله تخبره أنها ستأتي إليه على الفور !!
***
يقف بنافذة غرفة مكتب أبيه ينتظر حضورها بعدما راسلها صباحا كالمعتاد بينهما فيشاكسها ليطلب منها أن تمر عليه ليلاً لأشياء قليلة يريد مناقشتها معها تخص تنفيذ الصفقة التي وقِعت بين مؤسسة عائلته والشركة متعددة الجنسيات التي تعمل لحسابها ، سحب نفسا عميقا وعقله يفور ثانية وهو يستعيد الليلة الماضية بأكملها فيطبق فكيه بقسوة اشتدت بحدقتيه ، قسوة تبددت حينما أتاه صوت سامر  والذي طلب منه مساعدته كمدير لمكتبه فقبل الشاب برضا وأصبح معاونا له يخبره بوصولها
أغمض عينيه وسحب نفسا عميقا ملئ به رئتيه قبل أن يفتحهما وملامحه تتبدل بلين لم يكن مستقرا بداخله نحوها ولكنه أظهر إليها ودا وابتسامه مرحبة حينما طلت عليه بكامل زينتها كما المعتاد .. تبتسم بغنج .. ترف بعينيها في إغواء وتقترب منه بتؤدة مغرية هامسه وهي تنحني نحوه تقبل وجنتيه : إشتقت إليك.
ضمها إلى صدره بأريحية ليبتسم بشقاوة : وأنا الآخر يا عزيزتي .
ابتسمت وهو يضمها من خصرها إليه يدفعها بلطف ليجلسها إلى الأريكة قبل أن يجاورها يسألها بلطف وهو يدفع خصلاتها للخلف في اقتراب لم يفعله من قبل: ماذا تشربين يا حلوتي؟
ابتسمت بتعجب وهي تنظر لكفه التي تداعب وجنتها بأنامله فتضحك برقة وتردد اسمه في تساؤل مندهش فينظر إليها من خلف رموشه السوداء الطويلة هامسا بخفوت أبح وهو يقترب منها اكثر : اشتقت إليك يا بوسي .
ابتعدت للخلف وجسدها يتصلب بتوتر وهي ترمقه بعدم فهم فيتابع بندم أجاده : لن أخفي عليك أني تضايقت البارحة حينما تركتك تصعدين بمفردك بعدما رفضت دعوتك على القهوة ، أدار نظره على ثغرها الشهي بنظرات تائقة لمست روحها : لذا أردت أن أدعوك أنا على قهوتي .
ضحكت برقة وهي تداعب شفتها السفلية بطرف لسانها في حركة مغرية تعلم تأثيرها جيدا على بني جنسه فتتعالى أنفاسه بشكل ملحوظ ليهم أن يلتقط ثغرها بشفتيه فتبتعد للوراء بصدمة ألمت بها فيحتجزها ذراع الأريكة العريض من خلفها وهي تناظره بصدمة متسائلة عن سبب تبدله وهو الذي لم يفعلها من قبل فيبادلها نظراتها بنظرات غير مبالية ليسألها بدهشة : ما بالك يا بسمة ؟! هل تفاجأت مما أريد فعله ؟! أتبع ساخرا وغطرسته تحضر بقوة - لا تخبرينني أنك صدمت لأني أريد تقبيلك فأنا ظننت أنك على علم بم سيحدث بيننا في مرحلة ما من علاقتنا .
احتقن وجهها بحرج لتكح بخفة مجلية حلقها لتهمس باختناق أحكم قبضته على صوتها : لا لم أقصد ذلك فقط تفاجأت فأنت دوما تكون رافضا للاقتراب .
رفع حاجبيه بتعجب ليهمس هازئا : ولا زلت ، ولكن اقتراب عن اقتراب يفرق .
نظرت إليه بحيرة متمتمة : عفوًا ، لا أفهم .
لعق شفتيه بحسية اشعلتها دون أن تدري إلام يرمي بأفعاله : أنت تريدين اقتراب يصل بي لضياع ، وأنا افضل اقتراب متوازن أحافظ فيه على عقلي وقلبي ولكن سأمنحك ما تريدين .. صمت وهو يدير عينيه عليها بطريقة جريئة لم يفعلها من قبل قبل أن يهمس بصوت خشن وكأنه أتى من أعماقه - سأمنحك نفسي .
ارتعد جسدها وعيناها تنظران إليه بحيرة وترقب لمع برماديتيها ليبتسم بمكر وهو ينهض واقفا يدير إليها ظهره هاتفا بتساؤل جاد : ها ما رأيك يا بسمة هانم ؟
نهضت بدورها وهي تشعر بالبعثرة تكتنف روحها .. والتلعثم يحيق بحروفها فتهمهم : لا أفهم ماذا تريد يا أدهم ؟!
هز كتفيه وهو يستدير إليها من جديد : يا إما أحصل على كل شيء .. يا إما لا شيء يا بسمة ؟!!
مط شفتيه دون اهتمام فعلي قبل أن ينطق بلا مبالاة : فكري جيدا قبل أن تجيبي يا بوسي .
صمتت بمفاجأة اكتنفتها قبل أن يبتسم بعملية ليحدثها بجدية ألجمت صوتها : هلا جلسنا لنتناقش بالعمل ؟
ارتدت بجسدها للخلف قبل أن تستجمع شتات نفسها الذي نجح في بعثرتها لتجيبه بثبات تمسكت به : بالطبع يا أدهم بك ،أنا تحت أمرك .
غمز إليها بطرف عينه مهمهما بوقاحة : تذكري أنك أنت من قلتها بنفسك .
سيطرت على ابتسامتها التي ناوشت ملامحها بصعوبة ليشير إليها بذراعه فتسير أمامه نحو مكتبه فلم يقترب منها كما اعتادت منه على الأيام الماضية قبل أن يطلب سامر بجهاز أتصال داخلي : سيد سامر إنضم إلينا من فضلك ، أتبع وهو يشير إليها بلباقة - استريحي يا سيدة بسمة .
اختلجت أنفاسها لتبتسم بتوتر لم تستطع السيطرة عليه ليقترب سامر منهما فيهتف به أدهم الذي احتل كرسي أبيه الوثير : هلا أخبرت بسمة هانم عم أخبرتني به يا سامر .
أجاب سامر : بالطبع يا سيدي.
***
رمقها مليا بطرف عينه يراقب شحوب ملامحها .. اهتزاز حدقتيها بتوتر تخفيه عنه .. ابتسامتها المرتعشة .. وكفيها الباردتين رغم أنه لا يلامسهما ولكنه يشعر بتلك البرودة التي تزحف إلى أوصالها فتسيطر عليها ، كتم أنفاسه الحارقة واحتفظ بقلقة داخله ليقترب منها بجلسته في الكرسي الخرزان المجاور لكرسيها في حديقة بيتهم ، مد كفه ليلامس بظهر سبابته كفها القريب فيستولى على انتباهها استدارت إليه بنظره حائرة استقرت حينما لانت نظراته بحنان واحتواء شعر أنها تحتاجهما فابتسمت برقة ليهمس لها : جنتي شاردة بعيدة عني .
ضحكت برقة وتوردت : بل أنا معك .
جذبها من كفها فاقتربت منه ليرفع كفه يحتضن وجنتها براحته يلامسها بحنو قبل أن يهمس : تخفين علي يا جنة ؟
أمالت رأسها فتلصق وجنتها براحته أكثر : أنا لا أستطيع أن أخفي عنك شيئا .
تنهد بقوة ليحتضن وجنتها الأخرى براحته الثانية ويسألها : إذًا ما الامر ؟
ابتسمت وأخفضت عيناها لتهمس : لا شيء فقط إرهاق العمل .
تأملها مليا يناظرها بحيرة فتتحاشى النظر لعمق عينيه فطبق فكيه قليلا متمسكا بصبره قلل أن يهادنها بالقول : أخبريني عن يومك المرهق إذًا .
وكأنه منحها بطاقة إلهاء اكثر من جيدة فاستغلتها وهي تثرثر بعفوية عن طرائف يومها قبل أن تهتف بضحكة شقية : هل عاد عادل ؟
عبس بتعجب من سؤالها عن أخيه وهز رأسه نافيا فتتسع ابتسامتها فيسأل باهتمام : لماذا ؟!
أجابته بمكر : حينما يعود اسأله عن كيف كانت ليلته في الطوارئ ؟
عقد أسعد حاجبيه وحثها بنظراته على الحديث فأكملت بخفوت ووجنتيها تتوردان فتكتم ضحكاتها بكفها قبل أن تتابع – عادل اليوم كان حديث المشفى بسبب الفتاة التي احتضنته في الطوارئ .
ارتفعا حاجبي أسعد وردد بتعجب : احتضنته ؟!
أومأت إيجابا وهمت بالحديث ولكن صوت عادل الذي صدح بالتحية أوقفها فتشير بضحكة مكتومة لأسعد الجالس مجاور لها حينما طل أخيه عليهما ليمأ براسه في تحية مقتضبة وعبوس محياه لا يقبل الجدال ، شاكسته بأريحية بعد أن غمزت لأسعد بشقاوة : يا مرحبا يا دكتور عادل ، كيف حالك اليوم ؟
عبس عادل بتعجب لينظر لها دون فهم مجيبا : بخير ألم نلتقي صباحا في المشفى وسألت عن أحوالي ، أتبع سائلا وهو ينظر لتوأمه الذي اسبل جفنيه وضحكة ماكرة ترسم شفتيه قبل أن ينقل نظره لها ثانية - ما الأمر ؟!
أجابته والتسلية ترسم ملامحها : لا شيء أخبرنا أنت ما أخر مغامراتك اليوم ؟
ضحكة كتمها أسعد داخل حلقه وكأن مرحها المفتعل انتقل إليه بدوره أو أنه أراد مشاركتها لعبتها كما كان يفعل وهو صغير فيبدد حزنها بالمشاركة والقرب منها لينتبه لأخيه الذي ردد بتعجب : مغامراتي ؟!
ضيقت جنى عيناها بمشاكسة : اها ، ألم يحدث لك شيء ما تريد أن تقصه لنا ، ازداد عبوس عادل بعدم فهم لتكمل بنبرة ممطوطة ماكرة - مثل الفتاة التي قفزت البارحة لتتعلق برقبتك .
جمدت ملامح عادل ليشحب وجهه تدريجيا ويهم بأن يسألها كيف عرفت ولكن صوت والدته التي صدح بشهقة عالية ولطمة صدر اتبعتها بصياح مصدوم : من هذا الذي تتعلق الفتيات برقبته ؟!
أغمض عادل عينيه بصدمة بينما رفع اسعد عينيه بسرعة يراقب ما يحدث بترقب لتكتم جنى فمها براحتها بعد أن عضت شفتها السفلية في اعتذار استقر بعينيها فتتابع ليلى التي اقتربت منهم تصيح بحدة : نعم يا سي عادل ، هل تذهب لتعالج المرضى أم لتتعلق الفتيات في رقبتك ؟! حاول أن يشرح ولكن ليلى لم تمنحه الفرصة وهي تكمل بحنق - هكذا يا ابن أمير أوصلت لهذه الدرجة لأن تتعلق الفتيات في رقبتك على الملأ ؟
زمجر باختناق : الأمر ليس كذلك يا ماما
لكزته ليلى في كتفه بقوة ليكتم تأوهه ويطبق فكيه وينظر لجنى بتوعد حينما هدرت ليلى : هذه أخره تربيتي لك تحتضن الفتيات وتعلقهن في رقبتك أمام الناس .
زمجر بدفاع : يا ماما لم أفعل والله .
عبست ليلى لتحاول جنى إنقاذ ما يمكن إنقاذه فتهتف مدافعه : هو لم يفعل شيئا يا خالتي الفتاة من قفزت وتعلقت في رقبته
أدار راسه ينظر إليها بصدمة لتهتف ليلى : يا سلام قفزت وتعلقت برقبتك وأنت مثل الحائط لم تدفعها عنك ، استدار ينظر لأمه محاولا إفهامها لكن ليلى صرخت بتوعد - هل تعرفها يا ولد أم أنت سبيل لكل فتاة تمر عليك تتعلق برقبتك ؟!
همهم باختناق :بالطبع أعرفها يا ماما ، أنها صديقتي من أيام المدرسة أتت مع والدها المريض وكانت تحت تأثير صدمة مرض أبيها فتصرفت بعفوية .
زمجرت ليلى دون رضا : عفوية ، هل قلة الحياء الآن أصبحت عفوية هذه التصرفات تعد من قلة التربية والأدب ؟
أشاح بوجهه بعيدا مؤثرا الصمت لتتحرك ليلى مبتعدة قبل أن تقترب ثانية تسأله بجدية : هل بينكما شيء يا عادل ؟
رف عادل بعينيه كثيرا ناظرا لوالدته بصدمة فيجيب دون تفكير : أنها صديقتي من المدرسة يا ماما
لكزته مرة أخرى لتسأله بحدة : لا تراوغ يا ولد حينما أسألك تجيب هل بينكما شيء ؟
كتم أسعد ضحكته لتخفي جنى وجهها بين كفيها فيجيب بعد أن أدرك مقصد والدته : يا ماما لم أرها منذ سنوات كثيرة الفتاة فعليا كانت مصدومة لذا تصرفت بعفوية .
لوت ليلى شفتيها بحنق لتهمهم وهي تبتعد عن جلستهم : قال عفوية قال ، بنات أخر زمن .
زفر حانقا واغمض عينيه مطبقا فكيه مفكرا أن هذا ما كان ينقصه والدته التي لن تصمت قبل أن تعلم كل شيء يخص التي لا يريد أن يذكُرها بينه وبين نفسه ، لا يريد أن يتذكر لقاءه القريب بها ولا حديثه معها لا يريد أن يتذكر اعتذارها ولا ندمها الذي أعتم اخضرار عيناها ولا لمسة أناملها لكفه القريب والتي أسرت الدماء في عروقه من جديد .
انتبه من أفكاره على صوت جنى التي هتفت باعتذار صادق فهم بالرد عليها ليقاطعها أسعد بجدية : لماذا تعتذري له ؟ أتبع باستفزاز قصده - أنه يستحق ما ستفعله به ماما الأيام القادمة .
رمقه عادل من بين رموشه ليجيبه بحدة متهكما : لماذا أنا لم أفعل شيئا لتعاقبني ماما عنه ، أتبع ساخرا - ثم لم أرى ماما تفعل شيئا لك حينما تعلقت جنى بظهرك خوفا من السلطعون  .
توردت جنى واخفضت رأسها بحرج ليرفع أسعد حاجبه مجيبا بتسلية : لأنها ببساطة لم تعرف بالأمر ، ثم أنت بنفسك قلتها لقد التجأت لي خوفا ما سبب التجاء تلك الفتاة إليك .
أطبق فكيه وعيناه تلمع بغضب ليتابع أسعد بإدراك : أنت تعرفها أليس كذلك ؟ اقترب من أخيه ينظر إلى عمق عينيه وهم بسؤاله ليقاطعه اقتراب ليلى من جديد التي تخطو بسرعة غير معتادة في حركتها المعروفة تقف أمام عادل لتسأله بجدية : أنت يا ولد ، أخبرني عن هذه الفتاة .
نظر لها عادل بصدمة ليجيب بعناد بعدما أدرك مقصدها : أخبرتك يا ماما
هزت ليلى رأسها بنفي لتسحب كرسيا تجلس مجاورة له : لا لم تخبرني شيئا أتبعت بجدية - هيا تحدث عنها وأجبني ما اسمها .. سنها .. ما مدى علاقتك بها ؟
اهتزت حدقتيه بجنون لينظر لأخيه طالبا دعمه فيهم أسعد بالتدخل ولكن أمه تسأله بحدة : هل هي جميلة ؟
ارتفعا حاجبيه بصدمة تملكته ليكتم أسعد ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه لتجيب جنى بعفوية : قمر يا خالتي
حينها انتفض واقفا ليصيح بعدم تصديق : يا الله يا جنى .
وضعت جنى كفيها فوق فمها بعد أن عضت شفتها ثانية باعتذار ليصيح أسعد بجدية بعد أن رماها بنظرة لائمة  : لا شأن لك بها .
نظر إليه عادل بحنق : لا والله .
هتف أسعد بمشاكسة  : نعم والله .
هم بالصراخ ليصدح صوت ليلى عاليا : نعم لا شأن لك بها دعها تتحدث وتخبرني عن فضائحك التي لا أعرفها .
نظر لجنى بتوعد فتكتم جنى ضحكتها ووجهها يحتقن بقوة وتختنق بأنفاسها ليهتف أسعد بمرح وهو يربت على ظهرها بحنو : لا تتوعد امرأتي يا طبيب العقول أسمعت حتى لو بعينيك .
زفر بقوة وهو يشيح بعيدا لتصرخ ليلى بحنق : تتوعد الفتاة وهي جالسة بجوار زوجها وأنا جالسة في المنتصف يا عادل ، هل جننت ؟
هتف عادل بقوة : يا الله يا ماما لم أفعل شيئا .
رفعت ليلى حاجبها دون اقتناع لتشير إليه وكأنه عاد طفل صغير : حسنا اجلس وأخبرني ، استجاب مرغما ليكتم حنقه بداخله لتتابع بهدوء - هل الفتاة جميلة ؟
تنفس بعمق ليجيب بهدوء تمسك به : ما فائدة السؤال يا ماما ؟
تمتمت : فقط أخبرني .
أجاب بتذمر : عادية .
رفعت ليلى حاجبها دون اقتناع لتلتفت إلى جنى وتسألها بعينيها فتخفض جنى نظرها تتحاشى نظرات ليلى التي هتفت اسمها بجدية لتنظر لأسعد تطلب دعمه وخاصة أن عادل عيناه توسعت برفض فتهتف ليلى بحنق : لا تنظري لهما وتحدثي معي ،
ازدردت جنى لعابها بتوتر لتسألها ليلى : هل تلك الفتاة جميلة يا جنى؟
أجابت جنى هامسة : لم أراها يا خالتي .
تمتمت ليلى بجدية : بنت يا جنى ، لم تريها ، كيف عرفت أنها قمر إذًا ؟!
نظرت لأسعد الكاتم لضحكاته تستنجد به فتهتف ليلى من جديد : لا تنظري لهما أنا أسألك جاوبيني .
عضت جنى شفتها بطفولية لتهمس بصوت مكتوم : سمعت حديث الممرضات يا خالتي
أصدر عادل صوتا مزمجرا معترضا لتصيح ليلى : ولك عين تزمجر أيضا ، أصبحت حديث الممرضات يا ابن الخيال ، حينما يأتي أبيك لي حديث أخر  معه .
انفرجت ملامح عادل بذهول في حين صدحت ضحكة أسعد مجلجلة من حولهم ليهتف عادل باختناق : ماما .
هدرت ليلى بحزم : هل تزجرني يا ولد ؟
زفر عادل بقوة : لم أقصد يا ماما ولكن من فضلك .
أشاحت ليلى بكفها رافضة : لا فضلي ولا فضلك ، لا أريد أن أسمع صوتا من أي منكما ،
كتم أسعد ضحكته وهو ينظر إليها باعتراض فأكملت - نعم وأنت الاخر يا حضرة الضابط أريد أن اتحدث مع زوجة ابني فلا أريد أن تتدخلا بيننا .
أتبعت آمرة : بماذا كانت تتحدث الممرضات يا جنى ؟
ضحكت جنى لتهتف بجدية : أولا ً سأخبرك لماذا تحدثن الممرضات عن الأمر يا خالتي
ابتسمت بود وهي تنظر لعادل لتكمل : أنهن يخشون عادل ، فهو يخيفهن ، عادل لا يمزح بالعمل بل هو حاد الطباع .. نزق ولا يولي لأي فتاة تعمل بجواره اهتماما ، حتى من تحاول التقرب منه يا خالتي لا يأبه لأمرها ، لذا حينما احتضنته تلك الفتاة تعجبن من الأمر وتداولوه عن الفتاة القمر التي استطاعت اختراق حدود عادل الخيال والقفز للتعلق برقبته .
أتبعت بجدية : ولشهادة الحق كلهن أجمعن أن عادل لم يحتضنها
رف بجفنيه وهو ينظر لجنى التي اتبعت : بل هن كن يتحسرن على حالهن فإذا كان لم يهتز عادل الخيال للقمر التي تعلقت برقبته فهل سينظر لإحداهن ، وجميعهن تأكدن الآن أن لا أمل لهن معه وأنه الرجل الحديدي بالفعل .
ابتسم عادل ساخرا  لتلمع عينا ليلى بفخر ومض سريعا لتسيطر عليه وعلى اختناق حلقها بسعادة هامسة بصوت أبح : إذًا ما شكل هذه القمر يا زوجة البكري ؟
تمتم عادل بيأس  : لا فائدة .
ضحك أسعد ليهتف بمرح : أخبريها يا جنى .
كتمت جنى ضحكتها لتهمس بصوت مقلدة الفتاة التي استمعت إليها : شقراء جميلة قصيرة قفزت لتتعلق برقبته وهي تبكي بعينيها الخضراء الساهية وتهتف بنحيب "بابا يا عادل ما به بابا يا عادل " .
صفق عادل كفيه ببعضهما في حين انطلقت ضحكة أسعد مدوية لتضحك ليلى مرغمة وخاصة حينما أتبعت جنى : لتكمل الممرضة التي تقص الحكاية بغيظ لم أكن أصدقكن أنه بلا مشاعر ولكني اليوم صدقت أنه بلا قلب فهو لم يهتز .. لم يتحرك .. حتى ذراعيه لم يرتفعا ليربت على ظهرها مهدئا بل ظل كالصنم إلى أن ابتعدت ثانية تبكي ليهتف بالدكتورة سهى " أن تأتي لها بكوب ماء " ثم أصدرت صوتا ممتعضا وأعتقد أنها كانت تسبك في سرها يا عادل .
جلجلت ضحكة أسعد من جديد ليهدر عادل بحنق : وأنت استمعت لكل هذا وصمت .
اقتربت بأريحية تقرها صداقتهما : هل تعرف أني هكذا ، أتبعت بغمزة شقية - منحتهم جزاء ثلاث أيام كاملة لأنهم يثرثرن بوقت العمل .
أومأ برأسه استحسانا وهو يرفع إبهامه بحركة تدل على إعجابه : جيد ، هذا هو العمل .
لوت ليلى شفتيها بضيق لتهتف به : هذا هو ما يهمك ، العمل ؟
نفخ عادل بقوة وأسعد يقهقه ضاحكا فيتهكم عليه عادل : عشنا واستمعنا لصوت ضحكاتك يا حضرة القائد يا من كنت تبتسم بالأعياد والمناسبات الرسمية
تمتمت ليلى وهي تلكزه في كتفه : سمي الرحمن على أخيك فليعيش ويضحك ولا يحرمنا الله من صوت ضحكاته أبدا .
تمتم هو وجنى بصدق : اللهم أمين.
هتفت ليلى : إذًا أخبرني هل خرج والد صديقتك من المشفى أم لازال هناك .
عبس عادل بعدم فهم ليجيب : بل لازال هناك لماذا يا ماما ؟
أجابت ليلى بهدوء ورقة : بم أنها صديقتك إذًا الزيارة واجبة يا بني .
نظر لها بصدمة ليغمغم بعدم فهم : زيارة من التي واجبة ؟!
صدحت ضحكة أسعد وجنى التي شاركته الضحك بنعومة فتهتف ليلى وهي تنهض واقفة : زيارة والد صديقتك يا عادل .
نظر في إثرها ليلتفت إلى أخيه الضاحك فينظر إليه بتساؤل ليجيب أسعد من بين ضحكاته : ماما وضعت الأمر برأسها وانتهى أمرك يا شقيق .
عبس عادل برفض ليصدح صوت ليلى التي طلت عليهم من جديد : هل ثرثرت الممرضة عن اسمها يا جنى ؟
اخفض أسعد رأسه بعدما أشار لأخيه بعينيه أنه أخبره فكتمت جنى ضحكتها بكفيها على وجه عادل الغاضب بعدما أجابتها : لا يا خالتي
ليهتف عادل دون أن تسأله : اسمها لارا يا ماما ..
ارتفعت عينا أسعد لأخيه مرددًا اسمها بتساؤل ليشيح عادل برأسه بعيدا لتلتفت جنى لأسعد ترمقه بعدم فهم وتساؤل لينتبهوا جميعا على صوت عمار الذي ألقى التحية عليهم ليقترب نحوهم هاتفا بعدم فهم : من هذا الذي تتعلق الفتيات في رقبته ؟
انفجرا أسعد وجنى ضاحكان ليغمض عادل عينيه وخاصة حينما أتبع عمار بتفكه : ليس من عادتكما يا ابني الأمير أن تتعلق الفتيات في رقابكم ماذا حدث ومن انحرف فيكما ؟
أتبع بعدما صافح أسعد بمودة : بأول الأمر ظننت انها تتحدث عنك وعن ابنة عمي العزيزة ولكن مسار الحديث ليس عليكما
سأله عادل بجدية : كيف عرفت هذا الامر ؟
أجاب عمار بتلقائية : خالتي تقص لأحدهم في الهاتف .
زمجر عادل دون رضا : يا الله.
فيهتف أسعد بمرح : ماما فضحتك يا عادل وانتهى الأمر .
هتف عمار بذهول : أنت من تتعلق الفتيات في رقبتك ؟! أتبع بتسلية بعدما نظر من حوله - ألسنا أصدقاء وأولاد خالة وختمنا علاقتنا بالمصاهرة لماذا لم تخبرني لآتي معك ؟
زفر عادل بضيق : الأمر لا ينقصك يا عمار
بينما رمقه أسعد بتوعد لتهتف جنى : سأخبر موني لتذهب معكما .
انتفض عمار ينظر خلفه ليهمس من بين أسنانه : أنا أمزح يا ابنة العم .
زجرته جنى : تأدب من الأفضل لك.
اسبل أسعد جفنيه ليسأل عمار بجدية : دون مزاح حقا ما الأمر يا عادل من تلك الفتاة التي اخترقت حدودك ؟ أتبع باهتمام - هل هي جميلة ؟!
أجابت جنى بثرثرة ضاحكة : قمر يا عمار ، شقراء وعينيها خضراء أيضا .
ارتفعا حاجبي عمار بدهشة لينظر له بذهول قبل أن يسأل بجدية : أنت من يتحدثن عنه أن الفتاة تعلقت برقبته في الطوارئ.
وضع عادل كفيه فوق رأسه ليتابع عمار ممازحا : يا نذل ولا تدعوني لأشاهد حتى دون تدخل .
همست جنى من بين أسنانها حينما اقتربت عليهم يمنى : أنت من سنشاهدك الآن ويمنى تفصل رأسك عن جسدك .
رمقها عمار بتوعد : أنها مزحة بريئة .
تمتم عادل بغيظ : لنخبر يمنى ولندعها تقرر وخاصة أنه اليوم التالي لعقد القران يا ابن خالتي .
زم عمار شفتيه ليزجرهما سويا دون صوت وخاصة مع اقتراب موني التي هتفت بتساؤل : ما الأمر يا عادل ماما تتحدث مع بابا عنك وهي غاضبة .
زفر عادل بقوة وانتفض واقفا : سأذهب لأرى ماما .
استدارت يمنى تنظر لهم : ما الأمر ؟
ضحك عمار بخفة ليؤثر أسعد الصمت قبل أن يهتف : أعدي القهوة لنا يا موني .
تمتمت جنى بجدية : لم يصرح الطبيب بعد بالقهوة يا أسعد .
ربت على كفها ليهتف عمار بمرح : أنه يطلبها لأجلي .
أومأت برأسها في تفهم فيبتسم أسعد سائلا بمكر : هل كان اليوم لطيفا ؟
ابتسامة واسعة فرحة زينت ملامح عمار ليمأ برأسه دون صوت فيبتسم أسعد بمرح : مبارك علينا مصاهرتك يا صديق .
أجاب عمار بخفة : لا حرمني الله منك يا أخي .
ابتسم أسعد بتفهم قبل أن ينهض واقفا ببطء : سأذهب لأتناول أدويتي وأنت أشرب قهوتك في حدود الأدب .
ضحك عمار ليهتف بتفكه : بالتأكيد في حدود الأدب فنحن بالحديقة .
رمقه أسعد بطرف عينه لتحتقن أذنيه بقوة مغمغما بضيق وهو ينهض ليسانده : امسح ذاكرتك القديمة هذه ، فالأمر الآن مختلف .
أجابه أسعد برزانة : أتمنى .
هم عمار بالسير معه ليهتف أسعد بجدية : لا أنا سأذهب بمفردي ، توقف ليدعوا جنى أن تجاوره هاتفا - أنسيت الدواء يا دكتورة ، لدي موعد حقنة لابد أن اؤخذها وعادل لن يكون متفرغا لي .
ضحك عمار بمرح ليهمهم إليه بخفوت : خذ حقنتك بأدب .
ابتسم أسعد : وحتى أن كان دون أدب أنها زوجتي يا طبيب المجانين .
ربت عمار على كتفه : وموني أيضا زوجتي ، جمدت ملامح أسعد فيتبع عمار بمشاكسة - أنا أثق بك يا فارس .
ابتسم أسعد ليربت على كتفه هامسا : أنا الآخر أثق بك .
ألقاها وهو يسير ببطء تجاوره جنى التي أسندت خصره فعانق كتفيها بذراعه دون أن يحملها ثقل جسده ولكنه يمنحها شعورا بمساعدته ومساندته كما تحب ليختفيا بالداخل لتدلف بعد قليل يمنى بفناجين القهوة لتسأل بجدية وعبوس طفيف يداعب محياها : أين ذهبوا ؟
تحرك نحوها ليحمل الصينية من بين كفيها ليضعها فوق الطاولة قبل أن يحدثها بمشاكسة : تركونا بمفردنا يا جميل .
رمقته بطرف عينها لتهمهم ببسمة رائقة : تأدب يا ابن خالتي .
ضحك بخفة ليهمس وهو يجذبها من كفها يجلسها يجلس على الكرسي الأخر : أموت أنا بخالتي .
ضحكة شقية انطلقت من حلقها لتكتمها بثبات وهي تقاوم احتقان وجنتاها ولكنه التقطه بنظراته المشاكسة التي تغازلها دون صوت .
***
تقف تحضر إليه حقنته فوق الكومود الموضوع بجانب فراشه لتنتبه بعدما انتهت أنه يغلق الباب عليهما فتهتف ببلاهة : لماذا أغلقت الباب يا أسعد ؟
تحرك بخطوات بطيئة ليجيبها بمكر تخلل نبراته : لم أعتاد تبديل ملابسي والباب مفتوح
شحب وجهها لتتمتم بتوتر : ولماذا تبدل ملابسك ؟
اقترب منها كثيرا ليخلع قميصه القطني من فوق رأسه فيغدو عار الصدر امامها هامسا بلا مبالاة : لأني سأتناول الدواء واخلد إلى النوم .
رمشت بعينيها كثيرا لتهم بالحركة بعيدا عنه بعدما وضعت الحقنة جانبا : أرتدي قميصك يا أسعد .
نظر لها بدهشة : الن تعطينني الحقنة ؟!
تحاشت النظر إلى صدره العار بعضلاته النافرة والتي ازدادت نفورا بسبب تمريناته الكثيرة التي يقوم بها وفقدان الوزن الذي خسره في غيبوبته التي آفاق منها مؤخرا ، تمتمت باختناق والخجل يداهمها : بل سأفعل ولكن وأنت مرتدي لقميصك .
سألها بجدية بعدما اقترب منها للغاية : كيف من فوق القميص ؟
ضحكت برقه حينما أحاط خصرها بكفيه ليقربها منه فتحاول أن تتحاشى ملامسته وهي تغمغم : توقف يا أسعد
احنى عنقه ليلتقط ثغرها ولكنها مانعت فاستجاب بعدما رمقها بعتاب لتهمس : هذا لا يصح .
شاكسها بأنفه الذي ضرب طرف أنفها : بل يصح أنت زوجتي .
هزت رأسها نافية : هذا مجرد عقد قران .
راوغها لينال قبلته وهو يهمس : حسنا لذا مسموح لي بالقبلات .
ضحكت برقة وتمنعت لتهمهم : اجلس من فضلك لاحقن ذراعك .
حاولت التملص من بين ذراعيه ولكنه احتفظ بها قريبة منه ليسألها : ما بالك يا جنى ؟
رمشا جفناها بسرعة قبل أن تجيب بتوتر : لا شيء ، فقط خائفة أن يأتي أحدهم فيكون مظهرنا غير لائق
رمقها من بين رموشه مؤثرا الصمت يمنحها فرصة أن تأتي بمفردها لتخبره بكل ما يموج بداخلها ليهمهم صوت مختنق وإحباط داهمه : سأتركك ولكن بشرط ، نظرت له بتساؤل فأتبع - تقبلينني فيم بعدها ثم تستلقين جواري إلى أن اخلد إلى النوم
ناظرته بلوم فهمس مبررا : تعلمين أن الحقنة تجبرني على النوم في وقت قليل لذا لا خوف مني
ابتسمت برقة لتهمس بجدية : سأقبلك قبلة واحدة فقط  ، أومأ برأسه إيجاباً فأكملت بتأكيد - وعد يا ابن الأمير .
تمتم بجدية وهو يسبل جفنيه: أنت ستقبلينني قبلة واحدة فقط
أومأت  برأسها موافقة لتدفعه بلطف : حسنا اجلس لاحقن ذراعك .
استجاب بهدوء ليحرك ذراعه كما تريد قبل أن تحقنه بخفة ليهمهم بخفوت : أريد أن أعلم هل تسحرين الحقنة كما تفعلين بي ؟ نظرت له بعدم فهم بعدما انتهت ليتابع بشرح - عادل يده خفيفة ولكني أشعر بها دوما أما أنت فلا .
ابتسمت برقة لتساعده في ارتداء قميصه ثانية هامسه بحياء : مجاملة مقبولة يا حضرة الضابط
ابتسم بمكر ليجذبها من خصرها يوقعها بحضنه : أنا أتحدث بصدق
شهقت بخفة لتهمهم وهي تحاول أن تتملص منه : حسنا أصدقك اتركني يا أسعد .
أجابها بجدية وهو يتحكم في جسدها بسهولة : أنت وعدتني .
تمتمت ووجهها يحتقن بقوة : حسنا أتركني
دفعها لتستلقي بجانبه على الفراش  بعدما رمي جسده للخلف ليظل متمسكا بها مرددا : لا تراجع يا دكتورة فأنت وعدتني .
برمت شفتيها بغضب طفولي ليعبس بتعجب من غضبها فيسألها بجدية : ما بالك يا جنى ؟! لآخر مرة أسألك .
همست بتساؤل عابس: تلك الفتاة التي احتضنت عادل هل كانت زميلتك أنت أيضا ؟
عبس بتعجب ليجيب : لا إنها صديقة لعادل فقط.
توترت نظراتها لتسأله بخفوت : إذًا أنت لا تعرفها ، لم تراها من قبل .
هز رأسه نافيا وهو يتساءل عن السبب : لم ألتقي بها من قبل .
سألت وجسدها ينتفض بغيرة جلية ومضت بعينيها : إذًا لماذا رددت اسمها بهذه الطريقة وأنت تتبادل النظرات مع عادل ؟
ارتفعا حاجبيه وبسمة رائقة تشكل ثغره ليجيبها برزانة : هذا أمر يخص عادل بمفرده و لا يخول لي الحديث عنه .
زمت شفتيها لتسأله بحنق : وأنت ؟
ضحك بخفة ليسألها بوضوح : هل هذه الرائحة الرائعة تسمى الغيرة يا جنتي ؟
رفعت رأسها بأنفة وهي تجلس لتركن جسدها على مرفقها : أليس من حقي ؟
ضحك بمرح : بل هذا الحق حصريا لك ، أتبع وهو يلامس خصلاتها - أخبريني بماذا وعدتك المرة الماضية أني سأفعل إذا شعرت بغيرتك ؟
توردت لتشيح بعينيها تصمت بتعمد فيهمس بصوت أبح : سأكتفي هذه المرة بتقبيل شفتيك التي أخبرتني عن غيرتك .
تمتمت : لا أغار .
ابتسم ذاهلاً بافتعال : حقا ؟!
أومأت برأسها لترف بجفنيها حينما رمقها بتسلية قبل أن ترفع كفها تلامس جانب وجهه ثم تغمض عيناها وتقترب منه لتقبل جانب ثغره فيتنهد بقوة و يلتقط ثغرها في قبلة محمومة أنستهما الزمن قليلا قبل أن يتركها سامحا لها بحرية التنفس وهو يقبل جبنيها بعدما ضمها إلى صدره وربت على ظهرها بحنان: أنا أعشقك يا جنتي .
تنهدت بقوة وهي تضمه إلى صدرها حينما شعرت برأسه يثقل لتهمس بخفوت جانب أذنه : وأنا أحبك يا سيادة القائد .
قبلت جبينه لتسحب جسدها من أسره تنهض واقفة وتدثره بغطاء خفيف قبل أن تغادر الغرفة تغلق الباب خلفها فتلحظ عادل الذي يتحرك بسرعة متجها نحو باب البيت حاولت أن تتبعه ليختفي دون أن تلحق به فتقف عابسة تفكر فيم حدث جعل عادل يغادر مسرعا هكذا.
***
يصعد سلم بيته بتعب يلم به ، وإنهاك يكتنف روحه ، حديثه مع أخيه رغم أنه أراحه فردة فعل عبد الرحمن المتفهمة والداعمة أبهجت قلبه وأسكنت آلامه ولكن تهديد الآخر الذي لم ينفك أن يداهم عقله كقوات غاشمة أفقده ثباته ، تنهد بقوة وهو يشعر بالتيه يتجذر أكثر بعمق روحه وهو يخطو نحو غرفة نومه فيدعو الله أن تكون نائمة حتى يقو على أن يجاورها ويضمها إليه فتسكن روحه المهتاجة .. ويهدأ قلبه المتألم .. ويتوقف الرعب المتدفق في أوردته .
زفر أنفاسه الكاملة بقوة وهو يدلف إلى غرفته فتتوقف حركته وهو ينظر اليها تقف بمنتصف الغرفة ترتدي ملابسها وكأنها تستعد للخروج وبجوارها حقيبة ملابس صغيرة حملتها السيدة التي تعمل لديهم وتغادر الغرفة قبل أن تغلق الباب من خلفها.
ازدرد لعابه بموجة ألم اجتاحت حلقه ليسأل بجدية وحزم : هل أنت ذاهبة لأي مكان يا زوجتي العزيزة ؟
ابتسمت أميرة برقة وهي تداعب خصلاتها بكفها وكفها الآخر يستريح فوق بطنها المنتفخ والظاهر من خلف طيات فستانها الوردي القماشي الثقيل الواسع والطويل المنسدل فوق جسدها فيخفيه تماما ، بصدره المربع الضيق والذي يخفي صدرها المنتفخ بسبب حملها من خلفه ، دون أكمام فيظهر عن ذراعيها السمراوين الجميلين ، جذبت سترة بيضاء صوفيه قبل أن تجيبه بجدية ونبرة لا تقبل النقاش : سأذهب لأمكث ببيت خالتي .
عقد حاجبيه بعدم فهم فأتبعت وهي تقترب منه - والدتك ، لقد دعتني لأمكث معهم بضعة أيام قبل أن أعرج على فيلا والدي التي بالعاصمة حتى أكون بالقرب من جنى التي تستعد لزفافها
سحب نفسا عميقا ليسألها ببرود : وهل قررت كل هذا بمفردك ، دون أن تخبرينني ؟
أجابته بلا مبالاة : هاك أنا أخبرك .
أطبق فكيه بقوة ليسأل بعصبية تملكته : وستذهبين في هذا الليل بمفردك يا أميرة .
تخطته نحو باب الغرفة لتجيبه : بل ستمر علي نوران وتذهب بي .
أغمض عينيه ليهمهم باختناق باسمها يستوقفها فاستجابت ليهتف بها : أبقي في بيتك يا أميرة وإذا كان وجودي من يثقل عليك سا..
أوقفته بإشارة من يدها : لا لست أغادر لأجلك يا أحمد ، استدار إليها يرمقها بعتاب قوي فتكمل - أنا أغادر فعليا بأن جنى تحتاجني
تنفست بعمق وثرثرت له : جنى وحيدة يا أحمد وهذا الوقت الذي تحتاج الجميع بجانبها فيه .
صمتت قليلا لتكمل - فإذا سمحت لي أنا أريد أن أكون بجوارها .
أومأ برأسه وهو يبتلع غصته المؤلمة : حسنا يا أميرة على راحتك .
ابتسمت برقة لتهمس إليه : لقد أوصيت الدادة أن تعتني بك في فترة غيابي ، أراك على خير .
ابتسم ساخرا : الن تودعيني قبل أن تغادري ؟!ط
استدارت تواجهه بشموخ لتهتف بجدية : إلى اللقاء يا أحمد ، أتمنى المرة القادمة حينما أراك تكون وصلت إلى قرار ما بشأننا ، بسمة لبقة رسمت ثغرها - تصبح على خير .
احنى عنقه بعدما أغلقت الباب خلفها اختناقه يزداد وآلامه تتكالب عليه ليطبق فكيه .. يصر على  أسنانه .. يقاوم صراعه الذي يكاد أن يفتك به ولكنه يصرعه بثبات استجلبه من بقايا روحه المبعثرة ليقف من جديد بشموخ .. بكبر .. بعنفوان ومض بمقلتيه وعقله يخبره أنه أصبح وحيد دونها .. لقد فقد خسر أمانه في بعدها بعدما فقد جداره الحامي المتمثل في أبيه .
كاد أن يتأوه بقوة يصرخ بصوت عالي ولكنه قهر نفسه وهو يتماسك قبل أن يدلف إلى دورة المياه فيحصل على حمامه لعله يهدأ من بركانه الذي قارب على انفجار وشيك سيهدم كل ما بناه على مدار السنوات الماضية !!
***
دلفت إلى شقتها الفاخرة التي استأجرتها لأجل مكوثها هنا في هذه البلد غير المعتادة عليها ولكنه العمل الذي يبقيها كما هو العمل الذي أبعدها من قبل توقفت عن الحركة وهي تنظر لهذا الجسد الواقف ينظر من الشرفة الزجاجية الواسعة والتي تمثل واجهة الشقة من الخارج ابتلعت لعابها بتوتر داهمها وهي تقترب منه فيهمس بصوته الأجش : حمد لله على سلامتك يا بوسي .
ارتعدت بخوف حينما استدار ينظر إليها فيتأهب رجاله بجدية أخافتها لتهتف بثبات : أنرت بيتي يا زيد باشا .
أشار اليها بكفه ان تقترب فاستجابت بطواعية وهي تعلم أنه يزورها لأجل أن يعرف أخبار الآخر الذي أثار قلقها الذي اخفته بداخلها وهي تخبر الآخر بكل شيء.
***
يسرع بخطواته نحو الغرفة التي تضم والدها .. يشعر بقلبه يرتج بصدره قلقا على المريض الذي يقربها .. يدور عقله بتفكير في حالها وخاصة بعدما علم من مساعدته التي أبلغته أن الحالة تدهورت فجأة ودون سابق إنذار ،  فيستقبله أحد الأطباء المشاركين بطاقمه يبلغه عن كامل المستجدات والإجراءات التي اتخذت لأجل إنقاذ حياة المريض الذي يحاولون إنقاذه من تدهور دماغي قد يؤدي به الى سكته دماغية ليرتدي معطفه الأبيض بسرعة وهو يكد أن يصل  إلى  الغرفة فيلتقط وقفتها المرتعبة بعينيه .. يرمق ارتعاش شفتيها بالبكاء .. ويختنق حاقه بدموعها المنهمرة فوق وجنتيها .. ليغمز عينيه لوهلة وهو يستعد للدخول إلى الغرفة ليفتح الباب هاتفا بتواجده فيصدم بصوت الجهاز الذي تعالى صفارته العالية غير المتقطعة تعلن عن حالة الوفاة التي تخص المريض الذي همد جسده ليصدح صوت الطبيبة المساعدة تعلن وقت الوفاة فيتجمد جسده وبؤبؤ عينيه يتسع بغضب سكن نفسه لينتفض من حالة الجمود التي اكتنفته على صوت صرختها العالية التي صدحت مر حوله فيستدير على عقبيه ليلتقطها بسرعة قبل أن تقع أرضاً مغشيً عليها !!
***

رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن