الفصل ال١٩

2.9K 68 2
                                    

بعد عشرة ايام
تسند ظهرها للخلف تنظر من شباك السيارة الكبيرة التي تحملها مع أمها وأخيها في طريق سريع بجانبه البحر ، سحبت نفسا عميقا وعيناها تشع بسعادة اخفتها خلف نظارتها الشمسية لتتنهد بقوة وهي تفتح زجاج نافذتها فيرتطم الهواء القوي بملامحها ويبعثر شعرها فتشعر بقلبها يضخ السعادة الصافية لأوردتها
تلك السعادة التي تغمرها منذ الليلة البعيدة التي ارعبها فيها ثم غمرها بعاطفته المتدفقة كنهر وقت فيضانه
لن تنسى نظراته المرتعبة عليها هدير صوته الحاد حينها وهو يسألها : لماذا تركضين بهذه الطريقة ؟
حينها همست باسمه في صدمة تملكت منها قبل أن ترتعش وتفيض عينيها بدموع غزيرة أغرقت وجنتيها وجسدها كله ينتفض بخوف أصابها لتهمهم بتبعثر : ظننت أن أحدهم يتبعني .. ظننت أن هناك من يريد اذيتي ، اتبعت ببوح - هاتفتك لتأت لإنقاذي ولم أكن أعلم انك من تركض خلفي
اجهشت في بكاء حاد لتنتفض حينما ضمها إلى صدره بقوة يحتضنها بحنو ليربت على رأسها ويهمس بجوار اذنها : المعذرة .. لم أقصد أن اخيفك .. أنا آسف يا نور ، فقط تعجبت انك متجهة للخارج فاتبعتك .
أنهى حديثه ليقبل اذنها بقبلة خفيفة فارتعشت وهي ترفع عينيها تنظر إليه ليشتد احتضانه لها يلصقها بصدره وعيناه تغيم بمشاعر كثيرة مضطربة متضاربة انفرجت شفتاها عن لهاث حار وهي تشعر به يقربها منه أكثر يدفعها نحوه ويجبرها أن ترفع رأسها له ، انبأها حدسها بأنه يريد وصلها بقبلة تشكلت بعينيه ومد ثغره لينالها فهتفت اسمه برفض صدح بصوتها قبل أن تتبع بجدية : اتركني من فضلك أنا اصبحت بخير
ولدهشتها لم يحنق .. لم يغضب .. لم يستاء بل ابتسم بزهو ليهمس إليها بخفوت وفرحة غير مفهومة تحدد ملامحه : أتيت لك بالحلوى ، فقط انتظري ولا ترميها في وجهي الآن
شعرت بالخجل لتغمغم بخفوت : بل سأتناولها .
رد بمشاغبة : من على وجهي .
احتقن وجهها بقوة لتهتف بجدية : تأدب يا عاصم .
أومأ برأسه موافقة : سأفعل رغم أني سأمت الأدب .
تطلعت إليه قليلا : مهما حاولت ستظل كما أنت ، الطبع يغلب التطبع .
اقترب منها ثانية : هل ازعجتك يا نور ؟
تمتمت ببوح : بل أنا حزينة لأنك دفعتني لاصطدم بك وأنا التي لم أكن أريد أن أفعلها يوما .
اقترب أكثر ليحتضن وجهها بين كفيه ليرفعه له ليهمس بجدية : أنا آسف لأني ازعجتك .. آسف لأني اغضبتك .. آسف لأني احزنتك ، لن أفعلها ثانية ، ابتسمت ساخرة ليكمل بنزق - توقفي عن دفعي لحافة الجنون والغضب وأنا أعدك بأني لن أكررها ثانية .
هزت رأسها موافقة لتساله : أين الحلوى ؟
__بالداخل ، نظر إليها قليلا قبل أن يسألها بجدية - هل إذا تقدمت لخطبتك ستوافقين ؟
حينها شعرت بقلبها ينتفض بمشاعر شتى لم تستطع أن تدركها كلها ، ارتعشت خائفة وعيناها تطلع إليه بتساؤل .. بصدمة .. بذهول .. بريبة ، فأكمل بهدوء - ألم تخبريني أن اجرب معك البوح ، ها أنا أفعل أنا أريد الزواج منك يا ابنة عمي هل إذا أتيت بعائلتي وطلبتك من عمي ستوافقين ؟
ارتجفت كورقة شجر يابسة في مهب ريح عاتية لتهمهم إليه : ليس من اللائق أن تطلب يدي على قارعة الطريق يا عاصم .
ابتسم حينها ليقترب منها هامسا : إذا اعتراضك فقط على المكان .
لا تعلم لماذا شعرت بالخجل ممزوج بحرج عارم يعمها لتهمهم إليه وهي تتحرك مبتعدة : عمك بالقصر تستطيع أن تذهب إليه وقتما أردت .
خطت مبتعدة عنه لتقف رغم عنها وقلبها يحثها على النظر إليه لترتعش بفرحة غمرتها وقلبها يقفز فرحا حينما رأت ابتسامته المتسعة تشمل ملامحه وتطل من عمق حدقتيه لتخطو مسرعة نحو الداخل وتختفي عن نظره بقية الأمسية وهي تشعر بخجل غريب يحتوي كل حواسها .
ومنذ تلك الليلة وهي تتعامل مع عاصم جديد عنها .. عاصم حنون .. مراعي .. هادئ ومتملك لأبعد حد ، يدللها ويحنو عليها ولكنه لا يسمح لها بالابتعاد عنه ، يأتي إليها بحلواها المفضلة وينتظرها ليحتسي الشاي معها ، يمر على مكتبها وقت الظهيرة ليطمئن عليها ، ويعتمد عليها اعتمادًا كليا في العمل ، يحترم رأيها ويعمل بنصيحتها ورغم وجوده الدائم حولها إلا أنه لم يسمح لنفسه بملامستها حتى ولو عن طريق الخطأ وخاصة بعدما رفضه أبيها في حوار غير رسمي دار بينه وبين أبيها استمعت لبعض منه بطريقة عرضية وهو يقصه على أبيه ، فهو لم يخبرها بل أخفى عنها الأمر وكأنه لم يكن .
انتبهت من غيوم أفكارها على صوت رنين رسالة خاص به لتنظر إليها بلهفه وتبتسم بسعادة حينما وجدته يطمئن على وصولهم فتجيبه بأن أمامهم نصف ساعة ليحطوا رحالهم في الشاليهات الخاصة بآل الجمال .
__ متى ستأتي ؟ بعثتها إليه ليجيب سريعا - غدا بإذن الله .
أرسلت إليه : تصل سالما .
ليجيبها : سلمك الله ، هاتفيني حينما تصلين .
بللت شفتيها برقة لترسل إليه : سأفعل
انتفضت بخفة حينما همهمت إليها أمها بمكر : من تراسلين يا نور؟
أجلت حنجرتها لتجيب : أنه عاصم يطمئن على وصولنا .
عبس أدهم واعتدل بجلسته : من اين علم أن موعد سفرنا اليوم؟
ابتسمت نوران بتعجب : من أبيه بالطبع ، ثم إن عاصم يعرف كل شيء خاص بالقرى وهو من أبلغهم بموعد الوصول والسفر وكل هذا يا أدهم .
ابتسم أدهم ساخرا : نعم معك حق كيف نسيت أنه الباشمهندس العظيم المتحكم في كل الأمور .
عبست بعدم رضا لترمقه فاطمة بعتب فيشيح بعينيه بعيدا ويعود بجلسته المتراخية لتسالها فاطمة بجدية : متى سيأتي ؟!
تمتمت : في الغد يا أماه بإذن الله هو وعمار وأعتقد عائلة خالتي ليلى ، فخالتي منال وهنا وأولادها سيصلون اليوم .
تمتم أدهم باهتمام : متى ستأتي أميرة ؟
ابتسمت باتساع : اليوم مساءًا أحمد أصر أن ترافقه ،ابتسم أدهم لتكمل: عمو وليد وعمو خالد سيرافقونهم ، ولكن سيادة المستشار وسيادة الوزير غير معلوم موعد وصولهم .
ضحك أدهم بخفة : إجراءات أمنية .
أومأ ت موافقة لتكمل : أما عمر وعبد الرحمن سيصلون بعد غد دون ابداء أسباب وعائلة بلال بك وإيناس هانم سيأتون بعد يومين ومن المنتظر أن لا يمكثون طويلا .
تمتم أدهم بجدية : من الجيد أن عمتي إيمان والشباب أتوا معنا ، فعمو أحمد سيحضر أخر الأسبوع .
تمتمت : كنت أتمنى أن ترافقني جنى ولكنها رفضت وتحججت بالعمل .
زمت فاطمة شفتيها لتهمهم : لازالت غاضبة من عمك .
أجاب أدهم باندفاع : لا أرى شيء يسيء فيم يريد عمي يا ماما .
__ لم ننتقده يا أدهم ، فقط هي جنى من توجع قلبي .
أجابته فاطمة فأشار إليها أدهم بجدية : رغم حزني على حالها ولكني غير متفهم لموقفها توقعت أن مازن من يرفض رغبة أبيه ولم أفكر أبدا ان ترفض هي ، أكمل بجدية - اقنعيها أن تأتي مع أميرة يا نوران .
هزت رأسها نافية : لن ترضى لقد توسلت إليها أنا وأميرة ولكنها رفضت .
تنهدت فاطمة بقوة : حتى عاصم لم يقو عليها .
أجابت نوران : ستأتي يا ماما ستأتي سأتحدث إليها ثانية .
تمتمت فاطمة : لابد أن تأتي يا نوران فعمك يريدها أن تتعرف على من اختارها زوجة له .
نظرت إليها نوران مليا لتهمهم بصوت أبح : رغم أني اتفهم وجهة نظر عمي يا ماما ولكني أتخذ جانب جنى ، لم أتخيل يوما أن عمي سيتزوج ثانية ، أشعر بالألم كلما نظرت إلى جنى هذه الايام .
زفرت فاطمة بقوة : عمك يفعل هذا لصالح جنى يا نوران .
أومأت نوران بتفهم : أنا اعرف وهو معه حق ولكن الأمر صعب يا مامي لا تنكري .
تنهدت فاطمة : من الجيد أن عاصم احتوى ثورتها .
زمت نوران شفتيها لتغمغم بغيرة : عاصم فداء للجميع يا أماه .
جلجلت ضحكة فاطمة لتلكزها بمرفقها في رفق تهمهم إليها بخفوت قاصدة ألا يستمع اليها أدهم : هل هذه غيرة ؟
أشاحت نوران برأسها بعيدا لتؤثر الصمت فتبتسم فاطمة بمكر ، انتبهت نوران على رسالة اخرى أتتها فتتفحصها بلهفة لتتورد وجنتيها وتلمع عيناها بسعادة وهي تقرأها بدل المرة العديد من المرات قبل أن تضع الهاتف فوق صدرها وهي تعود للوراء بظهرها تركن رأسها وتنظر إلى السماء من نافذة سيارتها مستمتعة بالهواء الذي يداعب خصلاتها ووجنتيها .
***
وضع الهاتف على حافة مكتبه لا ينتظر ردها على رسالته ، يعود بظهره إلى الوراء ، يسند رأسه مفكرا في تعنت عمه معه ، عمه الذي حينما لمح له عن رغبته في اقترانه بابنته رفض التلميح من أوله و ابدل مجرى الحوار لأشياء تخص العمل و هو يحتفظ بوجهته الباردة و غضبه الساكن في عينيه.
زفر بقوة و هو يشعر بصداع فوري يصيبه من جراء التفكير في معضلته مع عمه ليبحث عن طريقة يصالحه بها حتى يستطيع الوصول إلى ابنته .. حلم حياته .. أمنيته التي ناجى ربه بها دائما و ها هو قارب على الوصول ..على الفوز ..على الامتلاك.
انتبه من أفكاره على دقات هادئة تصحبها وصول أبيه المبتسم بحنان يمنحه تحية الصباح فينهض واقفا ليرحب به.
هتف وليد و هو يجلس على الأريكة و يشير إليه بأن يجلس بدوره: أتيت لأرى إذ تحتاج شيء قبل سفرنا مساء.
رمقه عاصم بهدوء قبل أن يهمس : لا أقوى على الاستغناء يا بابا.
ابتسم وليد بمكر ، فاتبع عاصم بحنق : أنت سعيد بعذابي ، أليس كذلك؟
زفر وليد بقوة ليقترب منه : يا أحمق ، أنا ابيك يا ولد هل سأكون سعيدا لضيقك ، بالتأكيد لست سعيدا بعذابك و لكني سعيد لوصولك أخيرا لبر تستطيع منه النجاة.
أطبق عاصم فكيه لينظر إلى ابيه مليا قبل أن يسأله : هل تحدثت إلى عمي؟
ابتسم وليد بمكر و اسبل جفنيه ليجيب : أخبرتك أنني لن أفعل ، تريد طلب ابنة عمك للزواج ارتدي سترتك الرسمية و أخبرني هيا يا أبي و أنا سآتي معك و حينها إذا رفض عمك سيكون لي شأن آخر معه.
نفخ عاصم بقوة: لقد رفض تلميحي يا بابا . ماذا سيفعل حينما نذهب إليه ؟
نظر إليه وليد بجدية : لن يقو حينها على الرفض.
صاح بضيق : وإذا فعل؟
صمت وليد قليلا ليسأله: ما الذي يخيفك في رفض عمك يا عاصم؟
زم شفتيه ليرمق أبيه مليا قبل أن يهمس بخفوت: أمي.
سحب نفس عميق ليتبع: تخيل إذا ذهبنا وهي معنا ليرفض عمي الزيجة ، ماذا ستفعل؟! ومضت عينا وليد ليكمل عاصم ساخرا - ماذا تتوقع يا بابا ؟ ماذا ستفعل ياسمين هانم؟
رمقه وليد قليلا قبل ان يهتف : لن يرفض عمك يا عاصم ، لن يفعلها و ليس لأجلك ، بل لأجلي ، حرك عاصم رأسه دون اقتناع ليكمل وليد بمرح اشبع به صوته - فقط أخبرني ، ألا تقلق من رفض نوران؟
عبس عاصم باستنكار ليجيب بثقة : لا طبعا.
هتف وليد بمرح : يا ولد ، ما هذه الثقة ؟ ماذا حدث لتصل إليها؟ اقترب منه ليتبع مغمغما بعبث - أخبرني ، هل حدث بينكما أشياء غير لائقة فاعترفت لها بحبك ، لتبادلك هي الاعتراف.
عبس لينظر إلى أبيه بريبة : هل انت واثق من كونك أبي و من تتحدث عنها هي ابنة أخيك.
تأفف وليد بضيق : بل لست واثقا من كونك ابني، و يلقبك وائل بشبيهه ، أنت لم ترث ذرة من وقاحة وائل .. و لم ترث ذرة من عبثي.
اشاح عاصم بوجهه بعيدا ، ليكمل وليد بمكر: أم تخفي كل هذا مجمعا بداخلك يا عاصم و لا تظهره على الملأ.
أجاب بجدية : و لماذا اظهره على الملأ ؟ لا يهمني الملأ، يهمني هي وهي موافقة.
تشكل ثغر وليد بتسلية ليهمهم : حسنا على راحتك ستخبرني نوران إذا سألتها.
ماجت حدقتيه بغضب : سأقطع رقبتها إذا فعلت.
قهقه وليد ضاحكا ليرقص إليه حاجبيه : إذًا حدث شيء ، تورد رغم عنه ليكمل وليد بصيحة منتصرة - هكذا أثبت أنك ابني و وريث عمك على حق.
ضحك رغم عنه ليلكزه وليد في ركبته : أنطق يا غليظ.
تنهد عاصم بقوة ليهمهم بصوت ابح : لم يحدث شيء، للان فقط بعض مكالمات و أحاديث جانبية ، رقت نظراته و غامت بعشقه لها - أنها تتورد يا أبي.
حشرجت أنفاسه ليتبع : حينما تحمر وجنتيها تصبح أكثر فتنة .. أكثر حسن .. أكثر خطورة على قلبي ، رفع عينيه لأبيه - تحدث مع عمي يا أبي، لا أريد أن أفقد تعقلي قبل الأوان.
ربت وليد على ركبته: لن يحدث ، لا تقلق ، فقط استمتع بأيامك معها ، نوران لك يا عاصم و هذا وعدي لك.
***
تعالت صوت الموسيقى من حولها لتبتسم باتساع وهي تتنهد بقوة ، تحتسي قدح الشاي بلبن خاصتها وتستمع بصوت فيروز الشجي يدوي بأذنيها .. يتغلل إلى أوردتها .. يسري مع أنفاسها فتبتسم اكثر وتظهر غمازتيها بضوء أخاذ وهي تتذكر أيامها الجميلة ولياليها الرائقة معه ، لقد اثبت لها على مدار الكثير من الأيام أنه يستحق قربها .. يستحق وجودها .. يستحق ثقتها .. يستحق قلبها .
تنهده اخرى ودندنة خافتة صدرت منها وتحركت بكرسي مكتبها ذو العجلات فتلف من حول نفسها ، تندمج فتشدو بأريحية مع كلمات فيروز التي رسمته أمامها بابتسامته الهادئة .. ونظرات عيناه المحتوية .. وكلماته المتزنة وأفعاله المطمئنة .
تنهدت ثانية واغمضت عينيها تنفصل مع صوت فيروز عن واقعها وهي تدندن معها
حبيبي ندهلي قلي الشتي راح ... رجعت اليمامة زهر التفاح
وأنا على بابي الندي والصباح ... وبعيونك ربيعي نور وحلي
انا لحبيبي وحبيبي إلي .. يا عصفورة بيضا لا بقى تسالي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
انا لحبيبي وحبيبي الي
__ أنت من حليت أيامي وازهر ربيع عمري على يديك .
انتفضت بشهقة خفيفة فتعتدل جالسة بكرسيها تتورد وكأنها أمسكت بجرم اقترفته وتخفض عينيها لتهمس باسمه في لهاث خوف تملكها : عمر .
تنهد بقوة وهو ينتصب واقفا بعد أن كان منحنيا نحوها ليستلقي على الكرسي أمام مكتبها : دعيني أجلس أولا قبل أن تتفوهي باسمي ثانية فأسقط مغشيا علي جراء نطقك لحروف أسمي بطريقتك الخاصة .. نبرتك الشجية وغمازتيك تضيء بسعادة ، تلون مسامعي بألوان ربيعية زاهية .
احتقنت بقوة فغمغمت باسمه ثانية ليشدو مع فيروز بدوره
وندهلي حبيبي جيت بلا سؤال .. .. من نومي سرقني.. من راحة البال
انا على دربه .. ودربه ع الجمال .. .. ويا شمس المحبة حكايتنا اغزلي
انا لحبيبي وحبيبي الي ..فيروز
أخفضت عيناها بخجل فأكمل وهو يقترب بجسده منها عبر المكتب : أنا لحبيبي وحبيبي إلي ، اتبع بصوت خفيض - أرأيت لقد اتيت دون أن تدعوني حتي يا حبيبة .
تنهدت بقوة وهمهمت : توقف يا عمر ، فأنت تعلم أني لا أستطيع مجاراتك حينما تتحدث بهذه الطريقة .
ومضت عيناه بزرقة صافية : ومن أخبرك أني أريدك تجاريني ،
رفت بعينيها في حياء : ماذا تريد إذًا ؟
همهم بصوت ابح : أريدك تخجلين لأتأملك واشبع عيني منك وأنت موردة .. جميلة .. فاتنة .. تهربين بعينيك مني ، تبتسمين بخفر فيومضان غمازتيك فيسرقان دقات قلبي ويعبثان بنبضاته .
تضرج وجهها بحمرة قانية لتلهث بقوة قبل أن تهتف بجدية : أرجوك يا عمر توقف.
ابتسم واخفض عينيه ليهمس بمكر : بشرط .
هتفت سريعا : لا ، لن يحدث ما تريده .
ضحك بخفة : وما هو الذي أريده ؟
نظرت إليه بعتب فقهقه ضاحكا وهو يلتقط إشارتها لما كاد أن يحدث بينهما قبلا فيهمهم بمرح : إذًا سأشرب قدحك بم أنك لن تعدي لي قدح من الشاي بلبن .
نظرت إليه بتساؤل وريبة : فقط هذا ما تريده .
أومأ برأسه في براءة شكلت ملامحه لتتحرك من خلف مكتبها نحو الطاولة الجانبية فيدير عينيه عليها يتأملها من أخمص قدميها بحذائها البناتي الخفيف الأرضي فتظهر قامتها الصغيرة دون أي استطاله كانت تنالها مع احذيتها العالية ، بنطلون عملي بلون الكاكاو ورغم اتساعه يظهر منحنياتها الأنثوية بشكل خلاب ، بلوزة صيفية بيضاء بأكمام ، ضيقة إلى حد ما بأزرار و كشكاش يحيط ازرارها اللؤلؤية ، سحب نفسا عميقا وهو يتأملها من زاوية جانبية تُظهر ملامح أنوثتها بطريقة جلية ، فيتذكر تعبير مصري أصيل اطلقته مربيته العزيزة عليها حينما رأتها لأول مرة وهي تشعر بفخر وحبور لأجله وهي تصفها كالبطة ، سيطر على ضحكته وعيناه تتعلق بها ليهمهم بداخله " إنها لأحلى بطة رأيتها بحياتي " سحب نفسا عميقا قبل أن يرسم ابتسامة هادئة ويسالها بهدوء: هل طاقمك العملي هذا قطعتين أم قطعة واحدة يا حبيبة؟
عبست بعدم فهم وهي تصب المياه الساخنة بالقدح لتهمس : أي طاقم ؟
أشار برأسه : البنطلون هل هو منفردا أم له ستره تماثله ؟
تمتمت بهدوء وهي لا تدرك مقصده : لا ليس لديه سترة ، عبس بضيق فأكملت بتساؤل - هل بمظهري شيء خاطئ ؟
تمتم بجدية : أبدا ولكني متعجب فقط ، فأنت دوما ترتدين ملابسك بطريقة محددة وهذا الطاقم لا يشبه أطقم العمل خاصتك .
نظرت إلى نفسها مليا لتهمس بجدية : أنت تشعر بالغرابة لأنه ليس من انتقائي ، تطلع إليها بعدم فهم لتهز كتفيها - إنه انتقاء نوران ، تجولنا قليلا منذ يومين وهي من صممت على شراءه لي .
هز رأسه بتفهم : نوران ، الآن اتضحت الرؤية .
ضحكت حبيبة برقة وناولته قدح الشاي بلبن : ارتديت عليه سترة قطنية عملية خاصة به ولكني خلعتها حينما وصلت إلى المكتب شعرت أن لا فائدة لها .
وضع القدح من بين كفيه ليهمس بجدية : بل لها فائدة يا حبيبة ، البلوزة ضيقة إلى حد ما وقصيرة فتظهر أنثويتك بشكل ملفت للغاية .
ضمت ذراعيها أمامها لتخطو بارتباك نحو كرسي مكتبها لتجلس عليه ثانية : سأرتدي السترة ثانية .
رمقها بطرف عينه في نظرة مميزة فتتحاشى النظر إليه قبل ان تغمغم : توقف عن النظر لي يا عمر .
أجاب ساخرا : حرام علي النظر وبقية البشر الذين رأوك اليوم حلال عليهم .
غمغمت بحرج : لم يراني أحد دون سترة .
هز كتفيه : حسنا هذا لا يدعو أن اتوقف عن النظر إليك ، غمغمت باسمه في ضيق ليتحدث بجدية - أرتدي سترتك وهيا بنا .
نظرت إليه بتساؤل : إلى أين ؟
تنهد بقوة لينهض واقفا : فقط هيا معي .
نهضت واقفة لتأتي بسترتها ترتديها فيمد لها مرفقه فتبتسم برقة وهي تلتقط إشارته التي اعتادت عليها الأيام الماضية فتعلق كفيها في ساعده تسير إلى جانبه ليضمها من خصرها اليه في خلسه وهما يدلفان إلى المصعد الفارغ فتلكزه بخفة وهي تقف بعيدا عنه ليضحك بمرح ويلتزم بمكانه البعيد عنها ويتوعدها بتفكه : إن غدا لناظره لقريب يا حبيبة .
***
دلف إلى الغرفة بعد أن طرق الباب طرقة واحدة ليسأل بجدية : هل وجدت شيئا يا رقية ؟
زفرت بقوة : للأسف لا ، لازلت أبحث ، اتبعت وهي تتأمل الشاشة أمامها - الغريب أن الكاميرا لم تكن موضوعه بشكل صحيح ، وأنا لا استطيع إلى الآن أن اتوصل هل تم العبث بها أم التقني هو من لم يتقن عمله جيدا؟
جلس على الكرسي المجاور لكرسيها ليبحث بجدية في بعض الملفات المصورة : ألا نستطيع أن نبحث بتاريخ الحدث ؟
تحدثت بعملية : أنا بالفعل ابحث في تاريخ اليوم والساعة الذي أخبرتني به ولكن هناك شيئا خاطئا يا عبد الرحمن ، فالمكان في هذا الوقت فارغا ، اتبعت بحيرة - بل إن الكاميرا لا تظهر سوى وجود عادل وهو يقف أمام جنى وهي منهارة من البكاء ، وقبل هذا الحدث لا يوجد شيئا .
تمتمت بتفكير : وكأن الكاميرا .
اتبع بجدية وعيناه تومض بتفكير : تم تفريغها أو مسح ما صُوِر قبل وجود عادل وجنى .
تمتمت بحيرة : حتى جنى وهي مغشي عليها قبل وقوف عادل ليس لها وجود .
تنفس بعمق : من نبحث عنه له وجود في المشفى منذ مدة ،ولديه صلاحيات كثيرة .
نظرت إليه بحيرة لتساله بصوت أظهر خوفها : من الذي يستهدف جنى ، ومن الذي يريد اذيتها ؟
ابتسم بحنان ليلامس كفها بعفوية يريد طمأنتها : لا تخافي يا رقية ، لن يؤذيكن أحدا ، أكمل بهدوء - سنجده بإذن الله .
ابتسمت لتعض شفتها بتوتر ، تحرك كفها من تحت يده هامسة بجدية : يدك يا عبد الرحمن .
رفع حاجبيه بدهشة ليبتسم معتذرا : لم أقصد أحببت طمأنتك فقط لا اكثر .
توردت لتخفض بصرها فيكح بخفة ويهتف بها : شاي أخضر أم أعد لك القهوة .
تمتمت وهي تعاود النظر إلى الشاشة أمامها : قهوة .
صب قدحين من القهوة ليأتي بعلبة حرارية يضعها بينهما ليهتف بمرح حينما ناولها قدح القهوة : تذوقي كعك العسل الساخن ستحبينه ، نولا أرسلته مخصوصا لك .
ابتسمت واحتست بعض من قدح قهوتها ليبتعد الى الخلف يسند ظهره إلى مكتب أخر موضوع بجانب الغرفة يعقد أحد ساعديه أمام صدره ويحمل قدح قهوته بكفه الآخر ، يتأملها ويشعر بوجودها القريب يهيمن عليه فيمنحه شعورا رائعا بمذاق قهوة غني لم يذقه من قبل .
غمغمت بانبهار : الكعك رائع ، رفعت عيناها اليه - لم تؤكل منه .
تمتم وعيناه تشع بزرقتها الغنية : سأفعل .
اقترب ليقف بجوارها دون أن يزيح عينيه من عليها قبل أن يسأل بعفوية : هل لون شعرك طبيعي يا رقية ؟
تصلب جسدها ونظرت إليه بعدم فهم فاتبع مغمغما وهو يحمل واحدة من الكعك يتناولها بهدوء ليجلس إلى كرسيه المجاور لها : إن لونه اسود بلمعة غنية فتوقعت أنك تصبغينه أو شيء من هذا القبيل .
زمت شفتيها لينتصب جسده بتوتر وهو يترقب جوابها لتهمهم أخيرا بصوت خفيض : بل لونه الطبيعي .
__ وااااو . هتف بمرح ليتبع- رائع لم اتخيل أبدا أن هناك فتاة مصرية تحمل هذا اللون ، فاللون الأسود خاص باللاتينيات و الهنود .
عبست باستياء لترد بفظاظة : أنت من لا تختلط بالمصريات بطريقة كافية يا باشمهندس ، لوت شفتيها بحنق - وحتى من تختلط بهن بضعة من المتصنعات .
ابتسم رغم عنه ليقترب منها بكرسيه هامسا : ها أنا احاول الاقتراب من غير المتصنعات ولكنهن يرفضن الاقتراب .
رمشت بعينيها لتهمهم بخفوت : طريقة الاقتراب غير صحيحة .
سحب نفسا عميقا ليهمس وهو يدير عينيه على ملامحها : أخبريني بالطريقة الصحيحة وأعدك أني سأنفذ على الفور .
افتر ثغرها عن ابتسامة منعتها بصلابة : ابحث عن طريقتك بنفسك .
ابتسم بتلاعب وأثر الصمت ، فتنظر أمامها مدعية الجدية ليهمس بعد قليل وعيناه تلمع بامتنان صادق : شكرا يا رقية .
التفتت إليه بسرعة : علام ؟
همس بصوت ابح وعيناه تلتقط عيناها في نظرة طويلة : على وجودك .
توردت رغم عنها ، وأشاحت بعينيها عنه بصعوبة لتهمس بخفوت : بل الشكر لك أنت يا باشمهندس .
اقترب قليلا ليضع مرفقه على طرف المكتب ، يسألها بجدية : علام ؟
التفتت إليه لتجيب بصدق : على ثقتك .
ابتسم باتساع ليغمغم وهو يلتقط قطعة أخرى من الكعك يمنحها لها ثم يلتقط واحده أخرى يقضمها برقي ثم يهمهم بعدما ابتلع ما في فمه : سأخبر أمي أنه أعجبك .
تمتمت بعفوية وهي تنظر إلى الشاشة ثانية : بل اخبرها أنه رائع وقبلها بالنيابة عني .
أجاب بمكر مرح : كيف سأفعل ؟ عبست بعدم فهم ليتبع بمشاكسة - أنت تريدين مني تقبيل أمي بالنيابة عنك .
أومأت برأسها في تفهم ليكمل بنبرة مرحة : كيف سأقبلها وأنت لم تقبليني ؟
جمدت ملامحها وعيناها تتشكل بغضب التقطه بسهولة ليقهقه ضاحكا ويرفع يديه مستسلما : أنا أمزح معك يا آنسة رقية .
أعادت خصلات شعرها خلف اذنها لتعتدل بجلستها تهتف بحدة : أذهب لعملك يا باشمهندس وحينما أجد شيئا سأخبرك .
ابتسم بمكر لينهض واقفا ثم أومأ برأسه موافقا : أمرك يا آنسة رقية .
هم بالحركة ليتوقف قبل أن ينحني ثانية نحوها فتتراجع بجسدها وهي تنظر إليه بعدم فهم فابتسم بمكر والتقط كعكة أخرى فعبست بحدة لتتسع ابتسامته ثم يمأ لها مغادرا لانت ملامحها تدريجيا بعد مغادرته لتبتسم بخجل قبل أن تداعب خصلاتها بأطراف أصابعها وعيناها تتغلغل بثقة و بسعادة غمرتها .
***
تجلس باستراحة الأطباء بجسد متشنج و نظرات جامدة ، أصبحت تقضي أوقاتها بالعمل بعد أن نحت خوفها من المكان وخاصة بعدما تضاعفت أعداد أفراد الأمن وحينما سألت عادل عن السبب أخبرها أنها شركة أمن حديثة تعاقدت معها المشفى.
ابتسمت ساخرة و هي تفكر أنها لم تعد تأبه بشيء .. لم تعد تهتم ، فمن كان يداعبها كحلم جميل اندثر من مخيلتها بل تحول إلى كابوس كلما فكرت في كونه سيذهب لأخرى غيرها ، و من آمنت به طوال عمرها بكونه ملاك أثبت لها أنه بشريا من الدرجة الأولى ، فأبيها الحبيب يريد الزواج !!
دمعت عيناها رغم عنها و هي تتذكر هذه الليلة التي كانت تقضيها منتحبة كالعادة منذ حفل مولد آسيا ، هذا الحفل الذي صارحها فيه بابتعاد جادي بل و حرص على التنفيذ. من حينها و هي تحيا بآلية.. دون روح .. و تفتقر إلى الهمه ، ليأتيها ابيها بعدها بأربع ليال كاملة ليخبرها عن رغبته في الزواج من أخرى غير والدتها!!
أغمضت عيناها و اغتص حلقها و الذكري تعاد على رأسها حية .. ثقيلة .. قوية.. قاسية.
حينما دلف أبيها إلى غرفتها بابتسامته الهادئة ثم جلوسه أمامها على الفراش ، يطمئن عليها كعادته فتحاول أن تهديه راحة لا تمتلكها ليهمس بخفوت وهو يتحاشى النظر إليها : جيد أني وجدتك مستيقظة ، أريد الحديث معك بأمر هام يخصني .
نظرت إليه بفضول : تفضل يا بابا .
حينها همس بجدية : أنا قررت الزواج .
رمشت بعينيها وهي لا تستوعب حديث أبيها الذي يصرح به للمرة الأولى منذ وفاة أمها سألته دون فهم : ماذا تقول يا بابا ، أنا لا افهم ؟!
صمت أحمد قليلا ليعيد حديثه بنبرة هادئة : لقد قابلت امرأة جميلة ذات خلق ومن عائلة محترمة جدا وأريد الزواج بها .
ارتجف جسدها رغم عنها لتسأل باستنكار : تريد الزواج ، الآن بعد كل هذا العمر ؟!
رد احمد بتفكه : لم اشيب بعد يا جانو ، لازلت في عقدي الخامس وصحتي جيدة .
تمتمت رغم عنها : وماما .
جمدت ملامح وجهه لينطق بصعوبة : رحمها الله واسكنها فسيح جناته ، ماذا بها ؟
هزت رأسها برفض : لا أفهم .
نظر إليها أحمد بجدية : ما الذي لا تفهمينه يا ابنتي ؟
أكمل بهدوء : أنا رجل أريد الزواج على سنة الله ورسوله وخاصة أنك واخيك كبرتما وما هي إلا سنوات قليلة وكل منكما سيكون له أسرة تخصه وعالم يدور له وتتركاني بمفردي
هتفت على الفور : أنا لن أتركك ، سأظل معك ، لن أتزوج وسأبقى معك ومع مازن .
رفع حاجبيه بتعجب ليجيبها بهدوء : ستتزوجين يوما يا جانو وحتى إن لم تفعلي أنا اتزوج لأني أريد الزواج .
تساقطت دموعها رغم عنها ورددت بطفولية : وماما ؟
اطرق رأسه ليغمغم بصوت مليء بالشجن : ستظل بقلبي وعقلي وذكرياتي ولكني أريد شريكة لآخر أيامي اتكئ عليها وتظللنا المودة والرحمة .
تمتمت بطفولية : أنا لا أفهم ، لا أفهم كيف ستتزوج وأنت تحب أمي ؟!
ضيق عينيه وكأنها أهدته الفرصة التي يتهيأ لها ليجيب بصوت جاد : الرجل مختلف عن المرأة يا جنى ، فهو يقو على الزواج والعيش والحياة مع امرأة حتى لو يعشق غيرها ، ربنا خلقنا هكذا نستطيع أن نحب ونعشق ولكن إذ اضطرتنا الظروف وفرقتنا عن من نحب نتزوج بأخرى وتستمر حياتنا ، الرجل لا يوقف حياته على أحد ،
طل الهلع من نظراتها ليكمل بصوت حان : نعم لا يكون في قمة سعادته .. نعم لا يلمس أطراف السماء بيديه ولكنه يسعد ويهنأ ويتوقف عن حب من ملكت قلبه ويتكيف ويحيا مع من أصبحت شريكة حياته .
سحب نفسا عميقا وتجاهل صدمتها ليكمل : ما أردت اخبارك به أن والدتك رحمة الله عليها لن يمس مكانتها أحدا ولن يحمل قلبي مشاعر إلا لها ، سأتزوج لأنني أريد مشاركة وسكينه وود ورحمة أما العشق والحب فهما انطويا مع امك رحمها الله .
نهض واقفا ليكمل : أردت اخبارك لأني أريدك أن تقابليها وتتعرفي عليها في الأيام القادمة قبل أن يستكمل مازن اختباراته
انتفضت وهي تشعر بابيها يضم رأسها إلى صدره يقبل هامتها ويبتعد مغادرا غرفتها يخلفها من وراءه وحيدة .
و ها هي جالسة تفكر فيم تفعل .. كيف ستتقبل .. وكيف ستتكيف ، مع امرأة لا تريدها وأبيها يريد منها مقابلتها وهي تكرهها ، فهي لا تستطع رؤيتها بل و تبغضها فهي لا تريد بديلا لوالدتها.
دمعت عيناها ثانية لتتساقط دموعها رغم عنها وانفها يحمر جراء انفاسها المقهورة لتفكر بأنها ستخسر أبيها جراء تلك الزيجة التي يصر عليها بعدما خسرته هو الآخر ، فهو ابتعد .. تركها وذهب ، لينتفض قلبها بقوة لتهز رأسها بنفي : لن ادعه يذهب ، سأذهب معه ، أنا أحتاج إليه ، تمسكت بهاتفها لتأتي بصورته لتنظر إليه بقلب راجف وعقل يشتعل باحتياجها إليه فتضغط على صورته دون وعي حقيقي لتهاتفه .
وضعت الهاتف على اذنها ليأتيها رنين متواصل كاد أن ينقطع ليجيب صوته الهادئ أخيرا يتخلله بعض من اللهاث فتهتف إليه في حزن تملكها ونشيج بكائها يصدح من بين نبراتها : أسعد أنا أحتاجك ، أين أنت ؟ أنا أحتاجك إلى جواري.
تمتم بجدية وهو يبتعد عن أصدقاءه يسيطر على قلبه الذي انتفض لأجلها : اهدئي يا جنى واخبريني هل أنت بخير ؟
تمتمت بصوت باكي : نعم أنا بخير فقط أريدك إلى جانبي .. معي .
سحب نفسا عميقا ليسالها باتزان : أين أنت ؟
تمتمت بصوت مختنق : في المشفى .
تنهد بقوة : حسنا سامر عليك ليلا .
هتفت بتلقائية : بل الآن أريدك معي الآن .
ارتفع حاجبيه بدهشة ليغمغم : لا أستطيع أنا بالعمل
عبست بتساؤل : أين أنت ؟
تمتم بجدية : في أكاديمية إعداد القادة .
تمتمت : أنا آسفة .. لم ..
قاطعها : لا عليك يا جنى ، فقط انتظريني سآتي لك .
إجابته بضيق : إلى أين أذهب ليس لي مكانا أذهب إليه ستجدني بالمشفى فأنا لا أغادرها هذه الأيام إلا نادرا .
عبس بتعجب وهم بسؤالها قبل أن يسمع اسمه بصوت جهوري عائد لأحد زملاءه فيهمس : حسنا سنتحدث حينما نتقابل .
***
اصدر صفيرا طويلا ليهتف : come on wassiem .
نبح الكلب بصوت عال ليركض نحوه فتتبعه تلك الممسكة بسلساله الفخم تركض بدورها لتحاول حكم سيطرتها على الكلب الذي اندفع نحو سيده ليهتف أدهم : اتركيه يا جود ، اتركيه .
أفلتت السلسال ليعدو الكلب نحوه بسرعة وتتمالك هي خطواتها لتعدل هندامها وتجذب وشاحها على رأسها فتخفي مقدمة شعرها الذي تهدل حول وجهها ليعبس علي الدين بتعجب مهمها : من هذه ؟
هتف أدهم بأريحية : إنها جود ، أشار إليها بالاقتراب - تعالي يا جود.
التفت إلى علي الدين : هذا علي الدين عليوة ابن عمتي إيمان .
أشار إليها : وهذه جود .
أومأ علي الدين إليها بالتحية فتبتسم بخفر وهي تمأ برأسها أيضا فيهتف أدهم : ما رأيك بالمكان يا جود ؟
ابتسمت برقة : جميل .
غمز أدهم إليها وهو يربت على رأس وسيم بحنو : هل تستطيعين السباحة ؟
رجفا جفنيها لتنظر إليه بتساؤل فيتبع - فهذا الشاب يحب السباحة وأخاف أن يجرك خلفه فيغرقك في البحر ولا يستطيع أحدا منا انقاذك .
اخفضت عيناها ثانية لتهمهم : بل استطيع السباحة .
أومأ رأسه بخفة : جيد ، هل لديك رداء للسباحة أم ات لك بواحد .
لكزه علي لينظر إليه بعتب وخاصة مع توتر وقفتها لتجيبه بصوت ابح : أنا أنزل إلى البحر بملابسي يا بك .
رفع حاجبيه بدهشة ليهمس بتعجب : بملابسك .. كيف ؟!!
توردت لتشيح بعينيها بعيدا ليلكزه علي ثانية وينظر إليه بلوم فيتابع بدهشة - انتظر لافهم كيف تفعلها .. كيف تنزل إلى المياه فلا تشعر بها على جسدها .. لا تلامس جلدها .. ولا تتغلغل إلى مسامها
زجره علي بحدة : توقف يا أدهم اتبع مهمهما وهو يشير إليه على جود التي تحول وجهها لثمرة طماطم ناضجة - ألا ترى الفتاة تكاد تذوي خجلا .
نظر إلى علي الدين ليهمس بصدمة : لماذا ؟!
اطبق علي الدين فكيه ليلتفت أدهم إلى جود - ما الذي يخجلك يا جود أنا أتحدث معك بتلقائية ؟
تمتمت وهي تخفض رأسها : لا شيء يا بك ، أعذراني .
ألقتها وهمت بالابتعاد ليهتف بها : إذًا لن تنزلي إلى البحر ، سواء بملابسك أو دونها ؟
شهقت بخجل وهي تداري فمها بكفها ليلكزه علي الدين بقوة هذه المرة صائحا : احترم نفسك يا أدهم .
تأوه أدهم ليكتم ضحكاته على ملامح جود المصدومة ليشير إليها علي : لا تغضبي يا جود ، أنه يمزح معك .
رجفا جفنيها ليقترب أدهم منها هامسا بشقاوة : جود لا تغضب مني ، هي تعلم مكانتها عندي وتعلم أني امزح معها لذا لا تغضب ، أليس كذلك يا جود ؟
تثاقلت أنفاسها لتُكتم داخل رئتيها حينما رفعت نظرها فاعتقل حدقتيها بنظراته الوامضة بمشاكسة فهمست بحرج : حاشا لله أن أغضب منك يا سيدي ادهم بك .
لعق شفتيه وعيناه تومض بمكر : أموت في سيدي أدهم بك .
سحبه علي الدين من قفاه ليزجره بحدة هذه المرة : توقف يا أدهم بالله عليك .
اتبع بحدة - اذهبي يا جود من فضلك ، ونحن اسفان على هذه التصرفات الصبيانية .
قهقه ضاحكا لتهرول جود بخطوات واسعة تبتعد عنهما ليدفعه علي بقوة في صدره : أنت وقح وقليل الحياء .
تعالت ضحكاته ليهتف بمرح : ماذا فعلت ؟
رمقه علي الدين قليلا قبل أن يحدثه بهدوء : لا تتلاعب بالفتاة يا أدهم .
بهتت ملامحه ليهتف سريعا : والله أبدا أنا أمزح معها وهي تعلم .
نظر علي إلى عمق عينيه : ولكنك لا تعلم تأثير مزاحك عليها ، إنها فتاة صغيرة لا تستطيع أن تقف بوجهك ولا تقو على مجاراتك ارفق بها .
اهتزت حدقتي أدهم بعدم فهم ليهتف : تقف بوجهي ، لماذا ؟! أنا لن اقترب منها من الأساس لتقف بوجهي ولا أريدها أن تجاريني ، اتبع بجدية - إنها الخادمة يا علي .
تحرك ليقف بوجه ابن عمته ليكمل بحنق : هل ساترك كل الفتيات من حولي وأذهب إلى الخادمة ؟
سحب علي الدين نفسا طويلا ليتحدث بعقلانية : من الممكن أن تفعل في ذلة نفس وسوسة شيطان يا أدهم ، كونها خادمة لا يعيبها ولا هناك فارق بينها وبين أي فتاة أخرى ، ولكن ما يعيب أن تستغل أنت ظروفها لصالحك فتشعر بالهيمنة على شخصها وحياتها .
عبس أدهم بغضب ليبتسم علي الدين في وجهه برزانة : اسمع يا أدهم لا اشكك بك ولا بأخلاقك ، رغم كل ما تفعله وتلك الهالة العابثة التي تحيط نفسك بها أنت بداخلك طيب .. شهم .. ورجل يعتمد عليه ، تنهد علي بقوة وربنا على كتفه - ابتعد عن هذه الفتاة ، فهي منبهرة بك .
اتسعت حدقتيه بدهشة وردد : منبهرة بي ؟!
أومأ علي الدين بالإيجاب : نعم إنه انبهار أولي فمن مثلك لا تراه كثيرا ، أنت شاب غني وسيم ومشاكس ، الله منحك مغناطيس يجذب الإناث اليك وهي ليست استثناء ، ولكن عليك أن تبق مشاعرها حيالك في حيز الانبهار فلا تدفعها أن تتعلق بك ، فكسر القلوب ليس سهلا يا أدهم .
ابتسم أدهم بتعجب والدهشة تشكل ملامحه ليهمس ساخرا : أوصلت الأمر للقلوب يا علي .
نفخ علي بقوة : لا أتحدث عنك بل عنها ، فكر جيدا فيم اقول دون أن ترفضه بتعنت كعادتك .
اطبق أدهم فكيه ليشيح بعيدا قبل أن يهتف به : هل ستأتي معي للسباحة ؟
رمقه علي بتعجب : ات إلى اين ؟!
تمتم أدهم وهو يخلع قميصه القطني من رأسه : سأذهب إلى الشاطئ الآخر
عبس علي بعدم فهم: ما عيب الشاطئ هنا ؟!
لوى أدهم شفتيه : فارغ .
ابتسم علي وهز رأسه بيأس : لا اذهب بمفردك ، فأنا أريد النوم .
رمقه ادهم بضيق فاتبع : أسأل مازن من الممكن أن يذهب معك .
همهم أدهم ساخرا : لا أعتقد ، فمازن بك متعلق بالهاتف ، اتبع وهو يجذب وسيم من سلساله - سأذهب لأراه .
***
ناولته طبق الطعام ليضعه بجواره دون شهية فربتت على كتفه لتقربه منها تضمه إليها فيبتسم ويضع رأسه على كتفها لتهمس إليه بخفوت : هل أنت غاضب من أبيك ؟
ابتسم ورفع عينيه إليها ليهز رأسه نافيا : لا يا عمتي ، بالعكس أنا سعيد لأجله ، فأبي لم يبخل علي يوما ولم يدخر جهدا لاسعادي يوما ،لماذا أقف أنا الآن بطريق سعادته ؟
ربتت على وجنته لتحدثه بحنان : هذا تفكير العقل ، ولكن مشاعرك هل تتفق مع هذا التفكير ، رمش بعينيه فاتبعت بهدوء - أخبرني عم تشعر يا مازن ، ولا تخجل ، هل أنت حزين ؟
اعتدل جالسا ليبوح : لا يا عمتي ، لست حزينا كجنى ، فجنى تبكي على ذكريات حية عن أمي ، أما أنا لم أرى أمي من الأساس لم أشعر بها لم أحيا معها ، لا اعرفها إلا من خلال الصور والأشياء التي تقصونها علي ، لم أرى أمي أبدا إلا حينما تطل من عيني أبي وهو يحكي عنها بصوت محشرج شجنا وعيناه تلمع بسعادة حين ذكراها . التفت إلى عمته يسألها بجدية : هل سيتوقف عن الحديث عنها حينما يتزوج بتلك السيدة التي حدثني عنها ؟
دمعت عينا إيمان بحنان لتضمه إلى صدرها تربت على ظهره برقة : بل سيظل يتذكر والدتك طوال عمره يا مازن ، دفعته بعيدا قليلا لتضم وجهه بين كفيها وتهمس اليه - أمك حب عمره ورفيقة دربه لن ينساها أبدا ، ولكنه يريد رفيقه لآخر أيامه ألا يحق له؟!
ابتسم مازن بلطف : بل يحق له يا عمتي أنا موافق على قراره وادعمه وحينما تأتي جنى سأتحدث اليها ، هي فقط مصدومة ولكن حينما تختفي آثار صدمتها ستوافق وستسعد لسعادة أبي .
تمتمت إيمان بخفوت : لو تعلم شقيقتك أنه يفعل كل هذا لأجلها لم تكن لتُصدم قط .
عبس بتساؤل لتربت على وجنته بلطف : فقط تناول طعامك وانهض لتنضم إلى أدهم وعلي الدين إنهما يجلسان بالحديقة الخاصة بفيلا عمك فأنا لا أحبذ جلوسك بمفردك.
هز رأسه موافقا ليرن هاتفه فيلتفت اليه بسرعة قبل أن يقفز واقفا : سأجيب الهاتف واعود إليك يا عمتي .
ابتسمت إيمي بحنو لتهتف بنبرة مميزة : من المتصل ؟
اتسعت ابتسامته ليؤثر عدم الرد وهو يبتعد عنه عمته مسافة كافية قبل أن يجيب بلهفة : يا صباح الفل ، هل استيقظت أخيرا ؟!
تثاءبت برقة : صباح النور ، نعم وجدت ثلاث اتصالات منك ، هل وصلتوا أم ليس بعد ؟
همهم بضحكة خافتة : اعتذر إن كنت ازعجتك ، سلمك الله ، نعم وصلنا منذ قليل ، اتبع بمرح - المكان جميل والبحر رائع فقط ينقصني وجودك ، اتسعت ابتسامته ليهمهم متبعا : سأخبر أبي أن يقنع عمي محمود أن تأتوا لزيارتنا .
ضحكت بخفة لتهمهم بصوت ابح : لماذا إن شاء الله ؟
هز رأسه بمشاكسة : فقط هكذا أريدكم معنا دون سبب .
انقلبت في الفراش بدلال : ليس هناك شيء دون سبب يا مزون .
تعالت ضحكاته ليلوي شفتيه بإحباط حينما استمع إلى صوت والدتها يناديها فتهمهم إليه : سأنهض لأرى ماذا تريد ديدي هانم .
همهم بجدية : حسنا ، اذهبي لترى ماذا تريد والدتك وحينما تنتهي من كل الأشياء التي تشغلك هاتفيني ، سأنتظرك .
شعر بحركتها لتنهض واقفة وتسأله باهتمام : أخبرني أولا هل أنت بخير الآن ؟
صمت قليلا ليتنهد بقوة : نعم أنا بخير لا تقلقي ، همت بالحديث ولكن صوت والدتها صدح من جديد فتابع بجدية - حينما تهاتفيني ثانية سأثرثر إليك ،
تمتمت : حسنا يا مازن سانهي كل شيء واهاتفك ، إلى اللقاء .
اغلق الهاتف ليتنهد بقوة : إلى اللقاء يا ديجا .
انتبه على صوت صفير خافت : هل انتهيت يا روميو ؟
استدار على عقبيه لينظر إلى ابن عمه الواقف أمامه بجذع عار وشورت كاكي قصير ملتصق بفخذيه ليضحك بخفة : أين ملابسك يا دومي ؟
هتف أدهم بجدية : أريد أن اسبح وعلي لا يريد فأتيت لأرى هل ستأتي معي أن أذهب بمفردي ؟
عبس مازن بتعجب ليشير إلى البحر أمامها : ألن تسبح هنا ؟!
هز أدهم رأسه ليقترب منه بجدية : بالطبع لا سأذهب إلى البحر الأخر .
نظر إليه مازن بعدم فهم : لماذا ؟
زفر أدهم بقوة : ما فائدة السباحة بمفردي اخبرني ؟
هز مازن رأسه متفهما : آها تفهمت وجهة نظرك ، أشار إليه متابعا - لا لن أذهب معك ، اذهب بمفردك صحبتك السلامة .
هز أدهم رأسه متفهما : حسنا ابلغ سلامي لديجا حينما تتصل ثانية ، أراك ليلا يا ابن العم .
قفز أدهم فوق عجلة كهربائية ضخمة ذات دفع رباعي بعد أن وضع وسيم في سله معلقة بها من الأمام ليهتف به مازن : أدهم ، نظر إليه أدهم بتساؤل ليغمغم مازن - اعتني بنفسك يا ابن العم .
أدار أدهم الموتور الكهربائي ليبتسم بمكر : لا تقلق علي يا مزون ، أراك على خير .
راقبه مازن باهتمام وهو يبتعد بسرعة لينتبه على سؤال نوران التي هتفت : أين يذهب أدهم ؟!
التفت إليها مازن بابتسامة لبقة : ذهب إلى السباحة ،
لوت شفتيها بنزق : غبي .
ضحك مازن ليقترب منها بعفوية : اتعلمين من أفضل الأشياء التي حدثت هو وجودك معنا منذ البداية .
شاكسته بملامحها : استمر وسأصدقك .
وضع كفيه على قلبه : كسرت قلبي يا مدللة ، هل كذبت عليك يوما ؟
هزت رأسها نافية : على الاطلاق لذا أتيت لأتحدث معك ، أنت بخير ؟
سحب نفسا عميقا ليشير إليها بأن تسير معه فتفعل ليسير بجوار أمواج البحر التي تداعب أقدامها الحافية : نعم أنا بخير ، لست سعيدا ولا حزينا ، أشعر ببعض التشتت فقط لأجل التوقيت ولكن أكثر من ذلك لا أشعر بشيء ،
ابتسمت برقة ليتابع ببوح : أنظر إلى جنى واحزن لبكائها وحزنها ولكني لا أستطيع أن احزن مثلها فقط اتوتر لأن الحال ليس كما المعتاد أريد أن اغفو واستيقظ ليعود كل شيء كما هو ، جنى سعيدة مبتسمة وأبي يحنو عليها ويضماني الإثنين بحضنهما ولكن الآن أنا ..
صمت ليتوقف عن السير ينظر إليها ويهمس خفوت : أنا خائف .
ابتسمت برقة لتهمهم : أنت رائع .
ضحك رغم عنه : إنها مجاملة افتخر بها يا ابنة عمي .
زفرت بقوة لتتحدث بجدية : ما تحسه طبيعي يا زوما ، فلا تخف سيعود كل شيء إلى طبيعته وأفضل .
أومأ برأسه : اعرف ولذا أنا أنتظر فجنى لن تظل غاضبة من أبي لبقية العمر بل ستعود إليه أنها مسالة وقت فقط ، اتبع وهو يقترب منها - لذا أريد أن تسدي لي خدمة ، هاتفيها يا نور ودعيها تأتي إلى هنا سيساعدها تغيير المكان على التفكير والوصول إلى نتيجة بدلا من التخبط الذي يكتنفها .
أومأت له برأسها : سأفعل لا تقلق ، وهي ستأتي أنا موقنة من ذلك .
ابتسم بامتنان لها قبل أن يسألها بخفوت : هل لي أن أسأل عن شيء لا يخصني ؟
اقتربت منه لتهمس بطريقة مماثلة : بالطبع تفضل .
رمقها من بين رموشه باهتمام : ما بالك هذه الأيام أشعر بك مختلفة ، توردت بعفوية لتتسع ابتسامته بمرح- هكذا إذًا ، أنا محق .
غمغمت : توقف يا ولد .
قهقه ضاحكا : إذا وصلنا لتوقف يا ولد ، إذًا أنا محق .
زجرته بنظراتها ليرن هاتفها بنغمة مميزة لتغمغم وهي تبتعد عنه : لن أشغل رأسي بمزاحك .
هتف بمرح : ونغمة مميزة أيضا ، أنا بكل تأكيد محق يا نور .
أشارت له بكفها لتستقبل اتصاله بلهفه فيأتيها صوته مغمغما بكلمات كثيرة تعلن عن نزقه من ابتعادها فتتسع ابتسامتها وتنبض نظراتها بسعادة اشتاقت إليها لتتخفي بمكان مختفي لتستطيع محادثته على راحتها .
***
يتحرك بأريحية بين المعروضات ينتقي بعض من الملابس التي يحتاجها لأجل السفرة التي سيذهب إليها غدا ، رن هاتفه بإشعار أخر يصل إليه لينظر إليه ، عبس بضيق و حرك أنامله على شاشة الهاتف ليأتي بالإشعار الذي أخرج إليه صورتها التي شاركتها على صفحتها الشخصية للتو .
اتسعت عيناه بصدمة وهو يدير عينيه على الصورة من اخمص قدميها بحذائها الاسود اللامع بكعبه العال ، يزين ساقها اليسرى المرفوعة للأعلى قليلا عن ساقها الأخرى خلخال ذهبي خفيف ترتدي فستان عملي مغلق من الأمام كميه يصلا قبل مرفقيها بلون رمل الصحراء يصل لمنتصف ركبتيها وازيح للخلف بسبب وقفتها الغير عاديه ، شعرها منسدل فيصل بخصلاته الطويل لآخر ظهرها ، وهي تنظر إلى شاشة هاتفها الذي تحمله بكفها المرتفع بعدما اثنت ساعدها المعلق به حقيبتها الكبيرة لتتصور فتنعكس صورتها غير واضحة الملامح في المرآة الواقفة أمامها لتكتب فوق صورتها بالإنجليزية " shopping " .
اطبق فكيه وعيناه تتابع التعليقات التي توالت على صورتها بطريقة مكثفة معظمها من فتيات صديقات لها أو معجبات بها فهي غدت الصحفية اللامعة التي يتابع اخبارها الكثيرون .
لينتفض جسده دون وعي وهو يقرأ هذا التعليق الذي حفر بعقله بسبب صاحبه الذي كتب بعفوية " دائما متألقة "
ارتجفتا حدقتيه وهو يعود إلى تلك الليلة التي لم يستطع أن يمنع نفسه من الدوران حولها ليقتنص فرصة كانت فيها وحيدة فيسألها دون مواربة وبصوت حاد : ما قصة زياد معك ؟
نظرت له بدهشة ورددت : زياد ؟! ما باله ؟!
__ أريد أن أعلم علاقتك به ، من هو ولماذا يحوم من حولك ؟
رفعت حاجبها بسخرية : وما شانك ؟
زمجر : يمنى توقفي عن اثاره غيرتي وغيظي ،
ضحكت هازئة : غيرتك ، ولماذا تغار ؟ لست بأخي ، ولا أبي .. لست زوجي وبالتأكيد لست حبيبي ، الغيرة لا يوجد لها مجال بيننا يا عمار ،
اقترب خطوة منها ليهمس بغل : بل حبيبك ، مهما انكرت ، سيظل قلبك هذا مملوكا لي ،
نظرت له بتحدي وهمست بفحيح ساخر : إذا كان هكذا كنت اقتلعته ورميته على الطريق ، قلبي لا يحب خائنا لعهد .. ووعد .. وبيت تربى به فتسلى بأبنة من رباه حينما كبر
رمش بعينيه قبل أن يهتف بجدية : لا تتهربي من إجابة السؤال ، وأخبرني ما شان زياد بك ؟!
مطت شفتيها بتلذذ أنثوي فتعلقت عيناه بهما وهما مضمومتان كحبة كرز آن قطافها لتبتسم بمكر فيرفع نظره إلى عينيها لتهمس بتسلية : أتعلم اكتشفت حينما كبرت أن من الرائع أن يكون لديك معجبين كُثر ، يحومون من حولك ويطلبون رضاك ، يتحملون دلالك ويجيبون أوامرك ، يعاملونك كملك متوج على قلوبهم وينتظرون منك إشارة رضا ،
اقتربت منه برأسها في حركة مرحة : علمت الآن لما كنت تصادق الكثير من الفتيات، إنه شعور رائع يا رجل
اتسعت عيناه بغضب اهوج ، ليطبق كفه على مرفقها ويضغط عليه بقسوة : هل جننت يا ابنة الأمير ؟!
ازاحت يده من فوق يدها ببساطة لتهتف بجدية : لا تضع إصبعك علي مرة اخرى وإلا أخبرت أسعد ، وأنت تعلم ماذا أسعد بفاعل بك ،
__ بل أنا من سيخبر أسعد بهذا الهراء الذي تسمعيني إياه ، هل جننت يا يمنى ؟
تمتمت برقة : بل عقلت ، لا أعلم ما الذي اغضبك بالضبط ، فأنا أتحدث معك كصديق للعائلة ، كفتاة يأتي لها عشرات العرسان يوميا ، جميعهم يخطبون ودي ، ويريدونني أكمل لهم حيواتهم
وضعت طرف سبابتها بجانب شفتيها واكملت بحيرة : أنا بالفعل محتارة وأمي لا تنفك أن تسألني عن رأيي ولا أعلم ما السبيل لذلك ، سأقبل بزياد فهو الأقرب لي إلى الآن .
حينها أطبق على ساعدها بقوة ليهتف بسخرية : لن يحصل عليك غيري يا يمنى ، فأنا تقدمت إليك رسميا وعليه لن يقو أحدا على الاقتراب منك .
ابتسم ساخرا : فلا يخطب المرء على خطبة أخيه يا ابنة الأمير .
ارتجفتا حدقتيها بتوتر شملها ليتركها مبتعدا بعد أن حرص على اغراقها في التفكير الذي اعتلى هامتها .
نفض رأسه وهو يعاود النظر إلى صورتها ، يدقق بالمكان الذي تقف فيه ليدور من حول نفسه لينظر إلى واجهة المتجر المقابل إليه وينظر إلى الصورة ثانية لتومض عيناه بمكر وهو يتحرك بخطوات واسعة نحوها .
أبدى اهتمامه بالمعروضات حينما دلف إلى المتجر وعيناه تبحث عنها لتلمع بظفر حينما وقعت عليها تقف عند المعروضات الرياضية ، تحرك بخفة من حول المكان وهو يفكر في أن من الرائع مقابلتها بالصدفة لتدور من حول نفسها مرة أخرى لتلتقط وجوده بعبوس طفيف داعب محياها ليتظاهر هو بالنظر إلى بعض القمصان القطنية أمامه .
توترت وقفتها ليرفع عينيه مفتعل الدهشة قبل أن يقترب منها بهدوء : مرحبا يا ابنة الخالة
ابتسمت بلباقة : مرحبا بك
سألها بهدوء : تتسوقين ؟
هزت رأسها بالإيجاب فيتبع : أنا الآخر أفعل لأجل سفرة غدا .
عبس بتعجب : ظننتك ستغادرين اليوم برفقة خالتي .
زمت شفتيها لتهمس بصوت ابح : لا سأسافر غدا مع عادل ، كان لدي بعض الأعمال انهيتها اليوم .
هتف بتشجيع : وفقك الله .
سالته : وأنت ؟
عبس بتعجب : ألا تعلمين ؟ أنا وعاصم سنغادر في الغد مع عادل .
بهتت ملامحها لتعبس باستنكار : لم يخبرني عادل .
ضحك بخفة : ها أنا أخبرك ، تشكلت ملامحها برفض ليبتسم بلباقة هاتفا - هل تريدين المساعدة ؟
رجفا جفنيها لتهمهم : أشكرك ، فأنا انتظر وصول حبيبة فهي أخبرتني أنها قادمة .
هز رأسه بتفهم : حسنا إذا أردت شيء أخبريني ستجدينني في الجوار ، اتبع وهو يمأ لها بالتحية - عمت مساء يا ابنة خالتي .
ابتسمت وهي تراقب خطواته المبتعدة ليرجفا جفنيها وهي تتذكر أخر ليلة عيد مولد آسيا حينما وقف أمام جلستهم العائلية وكأنه فقد أخر ما تبقى من صبره ليعلن بوضوح عن رغبته في الحديث معها مستأذنا من أبيها ان يسمح له بالحديث معها .
حينها نظرت إليه بدهشه و تساؤل لمع بمقلتيها ، أهداها نظرة غاضبة فتلكأت بحركتها في رفض تعمدته ولكن أبيها أومأ لها بالموافقة وهو يبتسم بمكر تفطن إليه جيدا فذهبت معه صاغرة وتساؤل لمع بمقلتيها ، أشار اليها أن تسير بجواره نحو جلسة منفردة تقع بعيدا عن الأعين قليلا فتتبعه على مضض، توقفت بضجر حينما سحب الكرسي ليشير إليها بالجلوس فتفعل وهي تزفر بعصبية ، تتحاشى النظر إليه وخاصة مع احمرار خديها ليقول بتهذيب حينما جلس أمامها : ات لك بشيء تشربيه ؟
تمتمت بحنق : لسنا في موعدا بحق الله يا عمار ، أخبرني بم تريد لأعود إلى عائلتي .
جلس أمامها ليريح ساعديه على الطاولة أمامها يشبك كفيه في بعضهما ليهمهم بأريحية : بل نحن بموعد وبعلم والدك أيضا فهو منحني موافقته على الجلسة معك والحديث اليك .
أطبقت فكيها في حركة تشبه شقيقها الواقف جانبا ينظر إليه دون رضا فيتجاهله عمار ولا يهتم بشيء لتنطق بجدية : هلا تحدثت عما تريد ؟
زفر أنفاسه ببطء ليرفع عينيه إليها متأملا ملامحها ببطء قبل أن يعتقل نظراتها بمقلتيه اللتين غامتين بلون قاتم : هلا منحتني فرصة ثانية يا يمنى .. هلا منحتني قربك .. صداقتك .. قرابتك من جديد ، هلا منحتني حبك .. قلبك .. روحك من جديد ، هلا منحت لنفسك فرصة واحدة لتستمعي لي ؟
اشاحت برأسها بعيدا لتسأل بعد صمت قليل : هل تتوقع أن ما ستخبرني به سيجعلني اسامحك .. أغفر لك .. امحنك عفوي .. رضاي .. قلبي .
قاطعها بجدية : لا تستطيعي منحي ما هو لي يا يمنى ، أخرجي قلبك من الأمر فأنا سبق وحصلت عليه .
ابتسمت بألم : يا لغرورك وصفاقتك .
رجفا جفنيه ليتمتم : لا أقصد أن أكون صفيق ولكننا نتحدث بصراحة دون مواربة ، لذا أردت أن نتفق على بعض نقاط ، أنت تحبيني ورغم ما حدث بيننا لم تقوي على أنت ، لازال قلبك ملك لي .
اغتص حلقها وهي تنظر إليه مليا لتهمس ببطء وصوت مختنق : نعم لا أنكر أن قلبي لازال ملك لك ، ولكن ثقتي .. أماني .. حياتي ليس ملك لأحد سواي .
نهضت واقفة لتهمهم بجدية : أنت طلبت فرصة امنحها لك وها أنا أخبرك رفضي ، فأنا توقفت عن المنح ، رفعت رأسها بشموخ لتهمس متابعة - وأنت لست مطالب بأي شيء نحوي ، فتوقف عن كل ما تفعله لأنه دون فائدة .
اتبعت وهي تدير رأسها تنظر إليه من علو : نصيحتي إليك ألا تهدر كرامتك أكثر يا عمار ، فكل ما تفعله دون فائدة ، لقد كُسِر ما بيننا وما كُسر بالماضي صعب إصلاحه بالحاضر
نهض واقفا بدوره ليتحرك فيواجها بتحدي : بل نستطيع إصلاحه ..لن يعود كما كان شكلا ولكن نستطيع أن نجعل مضمونه أقوى ، أن ننظر إلى الندبة التي تركها لنتذكر كم تألمنا .. توجعنا بالماضي فنتفادى بالمستقبل أن نحصل على الألم .. أو الوجع ، اتبع وهو ينظر إلى عمق عينيها - حتى النبات الذابل يا يمنى حينما تهتمين به - من جديد - ينمو من أوراقه المتساقطة .
رجف قلبها ولكنها ظلت صامدة أمامه ليتبع : ولكنك محقة من الأفضل أن لا أهدر كرامتي أكثر وأن أتوقف عن الدوران حولك ، أعتذر إن ضايقتك بوجودي
ابتسم بألم ليهمهم بخفوت : سأتوقف عن الظهور أمامك .. محاولة الاعتذار منك .. نيل صفحك ومغفرتك ..
اتبع سائلا بتهكم : هل أسافر ثانية لأريحك مني ؟
تمتمت بانفعال : لم أقل ذلك ولم اطلب منك أن تفعل ، أنت من تسارع إلى الهرب حينما لا تحصل على ما تريد ، اتبعت وهي تقترب منه بغضب - كالمرة الماضية فضلت الهرب على الوقوف والمواجهة .
رجف جفنه ليتمتم من بين أسنانه : بل وقفت .. واجهت .. واعترفت لأخيك بكل شيء، دافعت عنك ولكنه كان كثور هائج لم يعي ما أخبره به .
ترقرقت الدموع بعينيها : تركتني بمفردي .
تمتم بصوت مختنق كصوتها : كنت أنا الآخر بمفردي .. كنت وحيدا .. منفيا دونك .. دون عائلتي ، لم أجد من يواسيني .. يضمني .. يحتضنني .. ويرعاني .
هتفت بحرقة قلب : فعلت هذا بنفسك ، لم يطلب منك أحدا أن تكون بمفردك .. أنت من أخترت الإبتعاد عن القرب .. اخترت برودة وحدتك على دفء العائلة .. أخترت جحيم منفاك على جنة الوطن
أجاب بشجاعة : اخترت خطأ ودفعت ثمن اختياري غاليا .
هزت رأسها نافية : لم تسدده كاملا بعد .
ابتسم رغم عنه بتهكم : أخبرتك أن تمنحيني الفرصة لأسدد ما تبقى منه ولكنك رفضت.
أجابت بهدوء : لأن مهما دفعت لن توفي حقي عندك سيكون ثمنا بخس لا أريده ، فبئسا لهذا الثمن الذي يأتي بعد فوات وقته واوانه .
هزت رأسها دون أمل : مهما فعلت الآن أو قلت لن يغير من الأمر شيئا لذا أنا أخبرك أن تتوقف .
نظر إليها مطولا لينطق أخيرا بجمود : سأفعل ، اتبع بطبيعية - أشكرك على وقتك يا آنسة ، سررت بالحديث معك .
أجفلت لوهله قبل أن تجيب بطبيعية تماثل طبيعته التي أثارت تعجبها : لا شكر على واجب يا ابن الخالة .
حياها برأسه : إذًا أراك على خير ، عمت مساءا .
همست بخفوت وقلبها يختض بقوة : تصبح على خير .
أجاب وهو يتحرك باتجاه مخرج الحديقة : وأنت من أهل الخير يا يمنى .
تسارعت أنفاسها وهي تراقب مغادرته لتشعر بقلبها يئن وجعا وهو يختفي من أمام ناظريها لتشعر بنفس ألمها الذي هشم قلبها حينما سافر المرة الماضية !!
ومن حينها وهو لا يتقرب منها وحينما تقابله مصادفة يتبادل معها حديثا عاديا وكأنه غريبا قابلته للتو ، ارتجفت وهي تنظر إليه يغادر فتشعر بنفس الشعور فيختض قلبها وتختنق روحها وهي تراه يبتعد كدائم عهده
فترفع رأسها بشموخ تحدث قلبها بصرامة أن هذا ما تريد .. وتبغى وعليه سيطيع ويخضع لتعنتها .. تزمتها .. وصلابتها .
التفتت تنظر إلى المعروضات من جديد لترفع عينيها لوهلة فيرتفع حاجبيها بتعجب لينتفض قلبها فرحا وهي تراه مقبل عليها ثانية يبتسم باتساع فيتشتت تركيزها لبرهة قبل أن تبتسم رغما عنها وهي ترى عمر المجاور إليه والذي يهتف بسعادة : من الجيد أني قابلتك قبل أن تغادر يا عمار .
تحكمت في ضحكتها لتقابل حبيبة التي أقبلت عليها لتصافحها فتحتضنها بترحيب لتصافح عمر الذي أخبرها بمرح : لقد أخبرته أن يتسوق معنا بدلا من وجوده بمفرده .
ابتسمت لتمأ برأسها فيتحرك عمر بعيدا قليلا وهو يشير إلى حبيبة بصوت مرح : أنظري يا بيبا هذا رائع .
اتبعته حبيبة ليقف بجوارها ليهمهم بعد أن كح بخفة : اتمنى أن لا يزعجك وجودي .
رفعت نظراتها إليه : لا أبدا ، تصرف على راحتك .
هز رأسه بتفهم ليصدح صوت عمر من جديد مناديا عليه فيتحرك نحوه لتتقدم حبيبة نحوها فتثرثران سويا وهما تدوران حول المعروضات .
***
صف سيارته تحت البناية الواقع بها منزلها لينظر أمامه بشرود ويعود لهذا اليوم الذي اتخذ فيه هذا القرار المصيري الذي لم يفكر فيه من قبل ولكن لصالح ابنته سيفعل ، بل مستعد أن يفعل المستحيل لأجل ابنته العنيدة .. الحمقاء والتي لم تخرج من عباءة طفولتها للآن
يتذكر ليلة حفل مولد آسيا وكيف كانت ترتجف بين كفيه وهو يعالج جرح كفها ، ولكنه لا يقو على علاج جروح روحها ، لا يستطيع أن يهديها إلى طريق تسلكه ولا يقو على اجبارها ، فهو في وقت ما التقط إشارة أسعد بالنفي وتجهمه البادي على ملامحه ليعلم أنها رفضت الشاب الذي يعشقها ثانية ، كاد أن يفقد عقله وهو يفكر في أمرها وخاصة حينما كان يستمع إلى بكاءها الصامت ليلا ويشعر بنحيب روحها صباحا
فيفكر ويفكر دون أن يهتدي الى بر أمان يقو على إنقاذها منه ليرن هاتفه في اليوم الرابع برقم هاتف من نساها مع أحداث يومه العادية ليجدها تصرخ في اذنه أن ينجدها فحور مرضت ثانية
زفر بقوة وهو يرتجل من سيارته ينظر إلى البناية متوسطة الحجم ليخطو إلى الداخل ليعترف بانه بعدما أنقذ مربيتها من نوبة ضغط مرتفع كادت أن تودي بها إلى الموت لم يجد على لسانه سوى عرض الزواج رماها به في وجهها دون حسبان أو تفكير وخاصة حينما اختلط عليه الوجهان فهيأ إليه أن وجها الباكي بنظراتها التائهة سوى وجه جنى الفزع ودموعها التي ملأت وجنتيها على مدار الليالي الفائتة لتقابله هي بصدمة أدت إلى طرده من بيتها هذه الليلة ، ولكنه لم يتراجع بل قرر أن يتقدم إليها رسميا بعد أن أخبر ابنته أنه سيتزوجها ، ابنته التي صدمت .. انتحب ..رفضت ..شجبت .. احتدت وابتعدت ، فلم يعيرها اهتمامه قاصدا كي تلجئ إلى الآخر ، من تلتجئ إليه دوما وهي في اضعف حالاتها ، رغم أنها لم تفعل إلى الآن ولكنه موقن أنها ستذهب إليه وهو يريدها أن تفعل، لذا رغم غضبها منه ومخاصمتها له وذهابها للمكوث عند عمها في القصر إلا أنه لم يتراجع بل سيسير في الطريق لآخره وسيدفعها دفعا أن تتزوج من أسعد الواقف منتظرا إشارة منه ليهجم وينهي الأمر من أساسه .
ابتسم رغم عنه ليسحب نفسا عميقا حينما تذكر أنها قابلته تلك المرة بعبوس طفيف وكادت أن ترفض دخوله لبيتها إلا أنها لم تستطع وكأن أخلاقها وتربيتها لا تسمح لها بأن تفعل ، ضحك بخفة وهو يتذكر أن كل عبوس داعبها اختفى وعيناها تلمع بسعادة طفولية حينما قدم إليها الورد وهو يعتذر إليها عم فعله المرة الماضية فتتورد وتخفض بصرها وهي تشير إليه بأن يستريح وكأن البيت بيته
ليكرر عرضه ثانية بطريقة أفضل وبأسلوب متزن اكثر لتتشنج بجلستها ويعتلي الرفض هامتها فيقاطع رفضها باتزان ويمهلها مدة للتفكير وها هو اليوم ينتظر ردها . ***
رن جرس الباب فيتوتر جسدها وهمت بالنهوض من أمام المرآة لتهمهم إليها حور بحنو وهي تربت على كتفيها : لا تجزعي يا حبيبتي أكملي زينتك وأنا سأفتح الباب .
توردت فابتسمت مربيتها وقبلت أعلى رأسها : استمعي إليه يا ابنتي دون خوف هو رجل محترم لا يملك وقت للمزاح ، وإذا أراد الزواج بعد كل هذه المدة من وفاة زوجته فمن المؤكد أن له أسبابه .
رفعت عيناها بتساؤل لتربت مربيتها على كتفيها ثانية : أنه فرصة جيدة لك لا تضيعيها ولا تفكري في الناس وحديثها فكري في صالحك لا أريدك أن تكوني وحيدة من بعدي وهو يعتمد عليه وسأكون مطمئنة عليك إن قابلت وجه الكريم وأنت معه
تحركت مربيتها بخطوات بطيئة للخارج وخاصة حينما عاود جرس الباب إلى الرنين لتسحب نفسا عميقا وهي تنظر إلى نفسها فترتجف خوفها وحدقتيها ترتعش بتوتر تملكها ليأتيها صوته الهادئ بحنو يختص به حور وهو يرد على ترحيبها به فيسألها عن صحتها ويهتم بها ويشاكسها أيضاً ليطلب قهوته في الأخير كالمعتاد وصوته يغيب فتستنتج أنه ذهب إلى صالون بيتها ليجلس على الكرسي الذي يقع بصدارته
تنهدت بقوة وهي تنهض واقفة لتتحرك إلى الخارج فتقابل حور التي تحمل الصينية الفارغة خارجه من غرفة الصالون وتهم بإغلاق الباب لتهمهم إليها : اتركيه يا دادة.
أومأت اليها حور بتفهم لتشير إليها بعينيها فتمأ بتفهم وهي تدلف إلى غرفة الصالون ليضع قدح قهوته وينهض واقفا لاستقبالها همهمت بصوت خافت : مرحبا يا دكتور أحمد .
ابتسم برزانة و أومأ لها برأسه : اعتذر أني اتيت متأخرا عن موعدي فقط اتت لي حالة حرجة بالمشفى فلم أستطع المغادرة إلا حينما اطمأننت عليها .
ابتسمت وأشارت إليه بالجلوس لتجلس أمامه : لا عليك ، اتبعت - تفضل قهوتك .
ابتسم وهو يتناول قدح قهوته ليهمهم : إنها لأفضل قهوة احتسيتها بحياتي ، حور رائعة في إعدادها ، أكمل بشجن - تذكرني بتلك التي كانت تعدها والدتي رحمة الله عليها .
رددت معه : رحمة الله عليها تعيش وتتذكر يا بك .
__ عشتِ يا هانم ، أنهى قهوته ليضع القدح على الطاولة ويستقيم بجلسته لينظر إليها بتساؤل قبل أن يهمهم - أنا أنتظر ردكم يا هانم .
عم الصمت عليهما قليلا قبل أن تنظر إليه مليا وتتحدث بجدية واتزان : هل أستطيع أن أسأل عن السبب ؟
عبس بتعجب فاتبعت بابتسامة رزينة : بالطبع تفكر أني مجنونة فمن مثلي لا يحق لها أن تسأل عن السبب وراء عرضك للزواج ، بل من المفترض أن اتيه فرحا وارقص طربا ، فسليل القصور يريد الزواج مني ، أنا العانس التي لم يسبق الزواج لها
اضطربت جلسته ليقاطعها متحدثا بجدية : أولا أنت من حقك أن تسألي كما تريدين ، وأنا من واجبي أن اجيبك عن كل ما تسالين ، ثانيا أنا ارفض هذا اللقب الذي تلصقينه بك ، ثالثا عدم زواجك من قبل لا يعد وصمة لتنطقيها بهذه الطريقة ، أكمل بنبرة حانية وعيناه تومض ببريق خاص - بل هي ميزة في رأيي .
احتقنتا وجنتاها بقوة لترمش بعينيها قبل أن تهمس بصوت محشرج : لازلت انتظر إجابتك .
تنهد بقوة وجلس مستريحا ليجيبها بهدوء : سأجيبك بالطبع ، وسأكون واضحا وصريحا يا آنسة لمياء ، فأنا لست بصغير في السن ولست بشاب لوحني الهوى فتقدمت إليك ، بل أنا رجلا كبيرا سبق لي الزواج ومعي بنت وولد اصغرهما يعد بالجامعة ، لا أنكر أن هناك قبول من ناحيتي نحوك وأني حينما فكرت في الأمر ظهرت أنت أمامي وكأنها اشارة من رب العالمين ينبهني فيها للقدر الذي جمعنا أكثر من مرة سويا ، وخاصة أني كلما نظرت إليك رأيت ابنتي بين ملامحك ، فاشعر بأني أريد رعايتك .. الاهتمام بك .. وأن اشملك بحمايتي ، ولكن كل هذا لا يعني أني اشعر نحوك بمشاعر خاصة ، فقلبي لا يدخل بالأمر بل عقلي هو من طلب مني أن اقترن بك ، فأنا أريد رفيقة لآخر أيامي بعد أن تتزوج الفتاة وينشغل الشاب بعالمه ، لا أريد أن ابقى وحيدا في ليالي كثيرة ستأتي ، لا أريد أن استجدي وجود أولادي من حولي ، لا أريد أن اثقل عاتق ابنتي واشغلها معي ، أريدها أن تحلق بعيدا تهتم بنفسها وبمن ستتزوج منه وتنشئ عائلتها وتنخرط في عالمها ، وجودي وحيدا سيعقيها على الأقل نفسيا وأنا أريدها أن تتحرر من مسئوليتها نحوي .
صمت ليتابع بعد برهة : جنى فعلت لأجلي الكثير وحان الوقت لأمنحها حريتها وافك قيدها .
ابتسمت برقة وعيناها تدمع تأثرا فيكمل بهدوء وعيناه تشرد بعيدا : تزوجت المرة الماضية عن حب ، حب نمى معي منذ نعومة أظافري وبعده توقعت أني لن أقوى على الزواج ثانية ، لطالما حثتني شقيقتي على الزواج وخاصة أن مازن كان صغيرا ولكني لم اقدر أن ات بزوجة تحتل مكان حبيبتي ، ولكن الآن سأفعلها ليس من احلي بل من أجل ابنتي ، لابد أن تتحرر جنى من عبئي عليها ومسئوليتها نحوي وتقترن بالشاب الذي يعشقها ويريد الزواج منها ولا تفعل كالمرة الماضية .
رجفا جفنيها لتهمس : ماذا حدث المرة الماضية ؟
هز رأسه بعدم معرفة : لا أعلم بالضبط ولكني أتوقع أنها أبعدت الشاب العاشق لها لأجل أسباب كثيرة غير معلنة وقضت أفضل سنوات عمرها في بؤس لأجل أفكار تافهة ومعتقدات بالية .
عم الصمت قليلا لتهمس بهدوء : المفترض أن أرفض بعد هذه الإجابة ،أن اتمسك أنا الأخرى بوهم الحب والرومانسية ولا أقبل تصريحك بحب زوجتك الأولى رحمة الله عليها وأن لا اتزوج منك فما شأني بأمور ابنتك أو ما تفعله أنت لأجلها .
رفع نظره يتأملها مليا وينتظر اجابتها بثبات لتتبع : ولكني أقبل ، لكل الأسباب التي قلتها أقبل ، فأنت إنسان صادق .. نزيه .. ومحب لعائلتك ، وأنا لا أريد أكثر من هذا لا أريد اكثر من مودة ورحمة تجمعني بك ،
صمتت قليلا لتهتف بجدية : أنا أقبل الزواج منك يا أحمد بك .
اتسعت ابتسامته ونظر إليها بامتنان لتصدح صوت زغرودة متقطعة من فم حور التي اقبلت عليهما لتهتف بفرحة عارمة : مبارك يا ابنتي ، مبارك يا حبيبتي .
احتقن وجهها بقوة لتهمهم بخجل : أرجوك يا دادة توقفي .
زغردت حور من جديد غير مهتمة بحديثها لتقبل إليه تهنأه فيضحك بخفة ويقبل رأس حور بسعادة : مبارك علي وجودكم معي يا دادة .
زغردت حور ثانية ليقترب منها بتؤدة ليهتف : حسنا لأجل هذه المناسبة السعيدة سأطلب منك شيء وأتمنى من كل قلبي أن تقبليه .
اختفت ابتسامتها وهي تنظر إليه بفضول : أريدك أن تقبلي بدعوتي إليك لقضاء يومين في الساحل مع عائلتي إنها متجمعة هناك وستكون فرصة رائعة لتتعرفي عليهم جميعا.
توترت لتنظر إلى حور فيتابع : سيكون لكما مكانكما الخاص أنت وحور لا تقلقي ، فقط أريدك بمحيط عائلتي يا لميا .
نظرت إلى حور بتساؤل فأمات إليها برأسها موافقة لتهز رأسها بدورها إيجابا فيبتسم بسعادة ليتحدث بهدوء : إذًا سأمر عليك بعد غد لنذهب سويا ، فمازن ذهب اليوم وجنى ستأتي معنا بإذن الله .
تمتمت حور : على بركة الله ، اجلس يا ولدي ساعد إليك العشاء .
هتف بأريحية : لا داع يا دادة .
غادرت حور دون أن تهتم بحديثه تخطو بسعادة انتقلت إليه فضحك بخفة واقترب منها بعفوية ليهمس : سعيد بموافقتك .
ابتسمت لتهمهم إليه وهي تشير إليه بالجلوس فيشاركها الأريكة هذه المرة لتساله : مع من سافر مازن ؟
تمتم بخفوت : مع عمته ليكمل بصوت أجش - وكما أتمنى ستأتي جنى معنا .
نظرت إليه مليا لتساله بجدية : هل هناك ما يجب أن أعرفه ؟
ابتسم بحنان : لا تخافي سأخبرك بأي شيء يستدعي أن تعرفيه .
تأملته قليلا قبل أن تتحدث بثبات : قبل أن يتم أي شيء يا دكتور أريد أن أتأكد من موافقة ابنتك على زواجك بي .
اخفض عينيه ليهز رأسه بتفهم : دون شك يا لميا لا داع للقلق ستقبل بك جنى وسيحبك مازن أنا متأكد ، اتبع وهو يقترب منها - فقط توقفي عن قول دكتور هذه تشعرني بالغربة .
رمشت بعينيها لتهمهم : مع الوقت سأعتاد .
غمغم بتسلية وهو يراقب توردها وحيائها : اسمي سهل جدا ، أنه أحمد .
ضحكت وهي تشيح بعينيها بعيدا : بإذن الله سأعتاد عليه .
سحب نفسا عميقا وهو يشعر بالسعادة تخيم على روحه ليهتف وهو ينهض واقفا : حسنا سأذهب أنا .
نهضت بدورها : لا ، لا يصح ستغضب حور وتلومني إذا غادرت دون عشاء .
تمتم وهو يتحرك ليغادر غرفة الصالون : مرة أخرى بإذن الله ، اتبعته لتهتف بعفوية -انتظر يا أحمد من فضلك .
استدار على عقبيه لينظر إليها من علو تومض عيناه بمشاكسة فتهمهم بحرج : فقط انتظر حتى لا تغضب حور .
همهم بخفوت : سأنتظر ولكن لأجل هذه الأحمد التي خرجت منك بعفوية وكأنك تنطقيها طوال عمرك .
همهمت بخجل : فقط ابقى ، أومأ برأسه - سأبقى .
***
جلس أمامها يفرد ذراعيه ليسند معصميه على طرف الطاولة ينظر إليها مليا قبل أن يهمس بجدية : تناولي طعامك يا جنى .
نظرت إلى الطعام الذي أتى به لها دون رغبة فعلية منها لتهز رأسها نافية : لا أريد ، لا أشعر بالاشتهاء لأي شيء .
شردت ببصرها بعيدا لتهمهم بصوت مختنق : أشعر بأني منهكة أريد الوصول لآخر الطريق ، اتبعت وهي تنظر إليه بعينين خاويتين - أريد الموت .
انتفض فكيه بحركة عصبية ليهتف بحدة : أقسم بالله إن لم تتناولين طعامك وتتحدثين باعتدال لتري مني وجه لم تتخيلي أبدا أن امتلكه .
بكت بطفولية أحرقت تعقله ليهدر بها في خفوت : لماذا تبكين الآن ؟ ما الذي حدث ؟ لا أرى ما يسيء فيم يريد أبيك ولا أرى ما يدعو للبؤس الذي تغرقين نفسك فيه .
رفعت عيناها إليه تتوسل إليه بأن يحنو عليها ليرمقها بغضب ارتجفت رغم عنها بسببه لتهمهم: حقا لا ترى سببا للبؤس الذي اغرقني ، أبي يريد الزواج على أمي ، دون أن يعترض طريقه أحد ، مازن صامت ومكتئب رغم أنه لا يبدي ذلك ولا يتحدث بشيء .
صمتت لتتبع بصياح مختنق : وأنت تبتعد عني بتعنت لم تقابلني به من قبل.
سحب نفسا عميقا ليجيبها بهدوء جاد : هل أنت مجنونة ؟!
نظرت إليه بدهشة ليتبع بجدية : أبيك سيتزوج على أمك ؟!! جنى والدتك متوفية هل تفهمين الفارق ؟!
غمغمت بضيق : لم يحبها كما ينبغي ليحيا على ذكراها .
أجاب بعصبية : بل عاش على ذكراها نصف عمرك بأكمله وأكثر .
صاحت بقهر : إذًا لماذا الآن ؟! ما الذي حدث دفعه للزواج من أخرى وجلب زوجة أب لي ولأخي .
سحب نفسا عميقا ليهمس بجدية : أخبريني يا جنى هل إذا أخبرتك الآن أني أريد الزواج بك هل سترفضين لأجل أبيك أم ستقبلين ؟!
انتفضت ووجهها يتورد بعفوية لتغمغم : لن تفعل بالطبع .
رفع حاجبيه بتعجب قبل أن يهمهم بهدوء : أنا امنحك مثال فقط اجيبِ .
همهمت : لا أريد الزواج .
عبس بغضب : توقفي عن المراوغة ، هل ستبقين طوال حياتك بجوار أبيك وأخيك ؟
هتفت بسرعة : نعم لقد أخبرته أني سأبقى بجواره ولكنه أصر على الزواج.
ابتسم ساخرا : بالطبع لابد أن يصر على الزواج ، أنه يتزوج لأجل أن يحررك من اوهامك واشباحك وافكارك الغبية التي تسيطر على عقلك وفكرك .
رمشت بعينيها لتهمس بحدة : أفكاري الغبية .
هدر بجدية : نعم كل أفكارك غبية ، أبيك لا يتزوج على أمك فامك رحمها الله وغفر لها ماتت منذ كنت بعمر الخامسة عشر ، أخيك لا يعاني كما يهيأ لك عقلك ، بل هو متفهم لرغبة أبيك أن يمضي بقية حياته مع احداهن ترعاه وتوده بعد أن ينصرف كلا منكما لحياته . وأنا لا اتعنت معك بل أحافظ على حدودي التي رسمتها أنت بيديك
ارتجفت رغم عنها لتهمس بتلعثم : لم أرسم أي حدود بيننا .
ابتسم ساخرا : أليس الصداقة لها حدود يا دكتورة ؟!
رجفا جفنيها لتهمس : وأين أنت يا صديقي ؟
ابتسم ساخرا : ها أنا ذا يا جنى ، حينما احتجت لي أتيت إليك .
دمعت عيناها لتشيح بهما بعيدا عنه ليزفر بقوة ويقترب بجسده من الطاولة ليهمهم بخفوت آمر : تناولي طعامك يا جنى ، هزت رأسها نافية ليكمل بتسلية - هل تريدني أن اطعمك بنفسي ؟
زمت شفتيها برفض طفولي ليبتسم رغم عنه فيهمهم بمكر : هيا يا جنى لا تدفعينني أن اتجاوز حدود صداقتنا.
انتفضت بخفة لتلتقط شوكتها تحاول أن تتناول بعض من الخضروات المطهوة على البخار كما تحب لتضع الشوكة مرة أخرى دون أن تؤكل لتهمس بصوت باكي : لا أريد أن اؤكل يا أسعد لا تجبرني أرجوك .
سحب نفسا عميقا ليزفره ببطء قبل أن يبدأ في تناول طعامه بهدوء ولا مبالاة فعبست بضيق تملك منها وهي تراقب ضحكته المرسومة على شفتيه بطريقة استفزتها لتهتف بعصبية : أريد العودة للمشفى .
همت بالنهوض ليهدر بجدية : إياك والحركة ، اتبع بأمر صريح - اجلسي وتناولي طعامك يا جنى واهدئي لنستطيع التحدث سويا .
ارتجفت وهي تنظر إليه برهبة فيمأ إليها بأن تستجيب لتعود إليه ثانية تعقد ساعديها أمام صدرها في ضيق ألم بها ليبتسم بلباقة : تناولي طعامك وسنتحدث ثانية ولكني لن اتناقش معك إلا حينما تبدأ بتناول الطعام
لفت رأسها بعيدا عنه ليلتقط بعضا من طعامه فيقرب شوكته من ثغرها فتبعد رأسها للوراء مغمغمه برفض : توقف يا أسعد .
استجاب إليها ليتناول ما بشوكته في هدوء ليردد أمرا : كلي .
تلاعبت بطعامها ليراقبها من بين رموشه :هل أخبرك عمو أحمد عمن اختارها زوجة له ؟!
انتفضا كفيها بعصبية لتغمغم : لا لم يفعل ولكنه سيفعل عم قريب ، لقد أخبر عمو وائل أنه سيدعوها لتمضي يومين معنا بالساحل فتتعرف علينا أقرب ونحن نتعرف عليها ، تحشرج صوتها بالبكاء - ستأتي مع مربيتها فهي وحيدة لا أهل لها .
هز رأسه متفهما : اذا ليست قريبة لكم ، لم يخبرك كيف تعرف عليها أو أين قابلها ؟! مطت شفتيها لتغمغم بصوت ابح - أنا لا أتحدث معه ، وامكث هذه الأيام بقصر جدي .
اتسعت عيناه بصدمة ليغمغم بعصبية : تخاصمين أبيك وتتركين له البيت لأجل أنه أراد الزواج ، عبس بصدمة - هل أنت أنانية لهذه الدرجة يا جنى ؟!
أطبق فكيه بغضب نمى إليه : لا أصدق ، أنا لا أصدق أنك بكل هذه الأنانية يا جنى ، أنت لا تفكرين إلا فيم تريدين ، لا تهتمين سوى بم تشائين ، لم تفكري يوما أن أبيك كان يحق له الزواج منذ أن ماتت والدتك ولكنه لم يفعل ، أثقل كاهله بفتاة مراهقة وطفل رضيع لأجل ألا يأت لكما بزوجة اب ، لم يفعل كما يفعل غيره من الرجال ، بل رباكما بمفرده لأجلكما ، ولأجلك أنت خاصة ، لأجل ألا يأت إليك بأخرى تشاركك فيه، لأجل ألا يعكر صفو ذكرى والدتك معه أمامك ، لأجل أن يحافظ على مشاعرك وألا يثير ضيقك ، وبعد كل هذا أنت تصادرين حقه في زيجة طبيعية ليقضي بقية أيامه مع امرأة ترعاه وتخاف عليه وتوده ويمنحه السكينة والطمأنينة حينما تتركيه أنت واخيك ؟!!
هتفت بعصبية : ومن أخبره بأننا سنتركه ، أنا سأظل معه .
زفر بقوة لينظر إلى عمق عينيها : هو لا يريدك إلى جواره يا جنى ، بل يريدك أن تذهبي إلى حال سبيلك تتزوجي وتكوني أسرة وتأتين بأطفال يملئون حياتك وحياته .
ارتجفت بخوف طل من عينيها قبل أن تغمغم : لازال الوقت مبكرا ، ضغط فكيه سويا قبل أن يهمس بهدوء - ولكن ما سمعته من عمو أحمد أن هناك عريس تقدم إليك ، طبيب زميل لك في المشفى وكان زميل دراسة أيضا ، أليس كذلك ؟!
رجفا جفنيها وهي تتورد بحرج لتغمغم : لم أقبل به .
__ حقا ؟! تساءل بدهشة ليكمل بسخرية - لماذا ؟! ما أعرفه أنه يكبرك بأربع سنوات أليس فارق السن مناسب لك .
اتبع باستهزاء صدر بصوته جليا : آها نسيت المقاييس الرسمية عندك خمس سنوات فارق بينك وبين من تتزوجيه ، إذًا هو خارج التصنيف .
تحشرج صوتها : توقف يا أسعد أرجوك .
زفر بقوة لينظر بعيدا قبل أن يتحدث بهدوء : إذ لم تقبلي بهذا الطبيب ستفعلين في وقت لاحق بأخر غير باهر ، اتبع بتساؤل غير مهتم - أليس اسمه باهر ؟
نظرت إليه بصدمة لتهتف بعدم فهم : من أين عرفت ؟
غمغم بجدية : لا يهم ، ولكن ما يهم إن اليوم باهر مرفوض بعد غد سيكون هناك آخرا غيره يريد الزواج منك، يوما ما ستقبلين بأحدهم يا جنى فلا تستكثرين على أبيك أن ينتقي من تشاركه حياته القادمة .
نظرت إليه مليا لتساله بعصبية لم تستطع التحكم فيه : وأنت يا أسعد ؟ تساءل ببراءة - ماذا بي ؟
تمتمت باختناق : موافق على زواجي من باهر أو أي شخص آخر غيره ؟
ابتسم ساخرا ليرفع عينيه : وما لي أنا بهذا الأمر ؟
شحبت ملامحها بصدمة لتغمغم : كيف ليس لك علاقة بالأمر ؟!
هز كتفيه ببساطة : هل تطلبين رأيي في شخص باهر ، أم في أمر الزواج عامة ؟!
هتفت بعصبية : في كل شيء يا حضرة الضابط .
ابتسم بتسلية ومضت بعينيه ليغمغم وهو يبتلع بعضا من طعامه : إذا أردت يمكنني أن اجلس مع باهر واخبرك عن رأيي فيه ، أكمل وهو يرتشف بعضا من الماء - وإذا أردت أن استعلم لك عنه أيضاً سأفعل .
اتسعت عيناها بغضب لتهدر بعصبية : أريد أن أعود للمنزل .
سألها ببراءة : هل حدث ما ضايقك ؟!
غمغمت باسمه في ضيق لتتبع بعصبية : أريد أن أعود لأبي ، فبعد حديثك الممتع اكتشفت أنه على حق لذا سأذهب إليه وأقبل كفيه واعتذر منه وأخبره أن يتزوج كما يريد ، بل سأستقبل زوجته المختارة بالأحضان .
رفع حاجبيه بدهشة ليكمل إليها مغمغما بضحكة تحكم بها في صعوبة : هل ستوافقين على الزواج من باهر أيضا ؟!
انتفضت واقفة لتهتف بعصبية : أريد العودة للبيت لأستطيع اللحاق بأحمد وأميرة لأسافر معهما .
هز رأسه بتفهم : هذا أمر جيد ، نهض بدوره ليسالها وهو يسير إلى جوارها - أبيك سيلحق بك ؟
غمغمت باختناق عاودها : لا أعلم لم أتحدث اليه بعد ، اتبعت بتساؤل لم تستطع أن تمنع نفسها عنه - هل ستأتي ؟
زفر بقوة : بالطبع فقط لدي يومين اقضيهم في الأكاديمية وسألحق بكم .
وقف بجوار سيارته ليسالها ببرود : ألن تدعي باهر لتتعرفي عليه عن قرب ؟!
احتقن وجهها بقوة لتغمغم بعصبية : أسعد ات لي بسيارة أجرة أريد أن أعود إلى البيت
سأل بتعجب : لا تريدين مني أن أوصلك للبيت ؟
هتفت بعصبية : لا أريد منك شيئا .
هز كتفيه لينطق ببرود : حسنا على راحتك ، سأهاتف احدى سيارات الأجرة لتوصلك إلى المنزل
بهتت ملامحها ورأسها ترتد للوراء تتراجع بخطواتها في بعثرة آلمت قلبه ليبتسم بحنو لم يحاول التحكم به ليمد كفه إليها هامسا بحنو أمر : تعالي يا جنى ، سأوصلك للمكان الذي تريدين ،
دمعت عيناها لتشيح برأسها بعيدا ليردد اسمها بهدوء فتنظر إليه بعتاب فاض من مقلتيها ليمأ لها بعينيه أن تستجب فتطيعه دون أن تمسك كفه ولكنها تحركت بشموخ لداخل السيارة فيجلس أمام المقود سائلا : إلى أين يا جنى ؟
هتفت بصوت باك : أريد أبي ، أريد الذهاب لأبي .
أدار محرك السيارة لينطلق بها فتغرق هي في بكاء صامت شعر به ولكنه التزم الصمت وتحكم في حنانه المتدفق إليها ليتركها وحيدة .. باكية .. بائسة تحيا بوسط أحزانها .
***
تنظر إلى خالتها التي ترتب بعض الحافظات الحرارية فتبتسم برقة : هل تريدين مساعدة يا خالتي ؟!
ابتسمت منال برقة : لا يا حبيبة خالتك ، اذهبي إلى زوجك واخبريه أن يأتي ليحمل هذه الأشياء بمؤخرة السيارة .
أومأت برأسها وهي تتنفس بعمق تتجه نحو زوجها الواقف عند السيارة يرتب الحقائب بها لتهمس بخفوت : أحمد خالتو تريد منك أن تذهب إليها لتأت ببعض الأشياء التي ستأخذها معها .
زفر بضجر : ألن تنتهي أمي من حمل الأشياء ؟!
اتته ضحكة خالد الخافتة ليجيبه من أمام السيارة : توقف حتى لا تستمع إليك .
تحرك لينظر إليه : ألا نستطيع الاستعانة بتأثيرك عليها يا خواجة لتتوقف عن جلب الأشياء معها ؟ هز خالد رأسه نافيا ليتابع أحمد بتساؤل - هل تركت ماما شيئا بالبيت لم تحمله معها ؟
قهقه خالد ضاحكا ليشير إلى أميرة : تعالي يا أميرة هنا حتى إذا أتت حماتك واستمتعت إليه لا تخرج غضبها عليك ، اتركيه بمفرده يتلقى عقاب امه .
همت بالحركة نحو خالد ليتمسك بها بقربه : أميرة لن تبتعد عني ، ستبقى معي لنتلقى عقاب ماما سويا أليس كذلك ؟
ابتسمت برقة فجذبها من خصرها إليه لتدفعه بعتب في صدره وتهم بالابتعاد : توقف يا أحمد أبيك هنا .
رجف فكه ليبتسم هاتفا بتفكه : إنه عمي وليس بابي .
عبست بتعجب تنظر إليه بتساؤل عم يقوله فيهتف خالد بجدية : ماذا تقول يا أحمد ؟
تمتمت أميرة سريعا وهي تنظر إليه بعدم فهم : لا شيء يا عماه إنه يمزح معي ليس أكثر .
تحرك خالد نحوهما ليقف في مواجهة ربيبه ينظر إليه بتفحص فيبتسم أحمد مهمهما بخفوت : كنت أمزح مع أميرة .
راقبه خالد بانتظار ليتمتم بحشرجة : يا دادي .
رمقه خالد بثبات ليهمس بهدوء : اذهبي إلى خالتك يا أميرة ، لعلها تريد منك شيئا .
توترت حدقتيها فابتسم أحمد إليها مطمئنا ليتحاشى النظر إلى عيني خالد القاتمة ليهمهم مبتسما بمرح زائف : ماذا حدث يا خواجة ، إنها مجرد كلمة القيتها بمرح لزوجتي ليس بشيء هام .
ابتسم خالد ببرود : حقا ؟!عبس أحمد بتعجب : بالطبع ، يا دادي ، أنا فقط كنت أمزح مع أميرة لتتوقف عن الخجل الغير مبرر .
سحب خالد نفسا عميقا لينظر إليه دون مواربة : بل خجل زوجتك مبررا ولكن أنت من تقلب موازين الكون لأجل فكرة مخبئة في رأسك لا يعلمها سواك .
زفر بقوة : إنها زوجتي يا ابي وأنا لا أفعل ما يشين ، ولا أفهم ما الخطأ في أن اضمها إلي أو أمزح معها في وجودكم .
هز خالد رأسه في يأس : لا فائدة من النقاش معك ، فقط احترم حيائها وخجلها واحترم وجود الكبار منا .
أشاح أحمد بعينيه بعيدا ليتابع خالد بجدية وثبات : وتذكر دوما يا بني ، أنا أباك من رباك وأستطيع بسهولة النفاذ إلى داخلك ولكن أمنحك الفرصة كاملة لتأتي بمفردك دون أن اجبرك .
رجفا جفنيه لينظر إلى خالد بتساؤل فيبتسم خالد ببرود : فكر بتروي وتفهم حديثي جيدا وإذا أدركت ما قصدت ستجدني في انتظارك .
راقب خطوات خالد المبتعدة لزم شفتيه بضيق ويغمض عينيه متمتما : تبا لي ولغبائي.
نفخ بقوة وعاود ما يفعل قبل أن ينتبه على هذرة صاخبة حلت عليهم فجأة ليبتسم إلى سيارة زوج شقيقته التي وقفت بباحة منزل عائلته يصدح منها أغاني عالية باللهجة الشامية ليقفز أبن شقيقته من السيارة يعدو نحوه ليفتح له ذراعيه على وسعهما ليتلقفه يضمه إليه بقوة : اشتقت إليك يا ولد ،
فيهتف خالد بقوة : وأنا الآخر يا خالو .
اتسعت ابتسامته ليتلقى ابنة اخته بترحاب مضاعف يقبل رأسها ويحتضنها بحنو جم قبل أن يحي مريم التي وصلت معهم برأسه في ترحاب وهو يضم أبناء شقيقته بتملك ليصدح صوت هنا هاتفة : احتضنت الطفلين وأنا لا .
تعالت ضحكاته ليقترب من شقيقته يضمها إليه يقبل رأسها قبل أن يصافح تيم الذي تبادل معه الحديث بأريحية وشقاوة عمت على الحديث الذي شاركت فيه هنا بمشاغبات كثيرة وهي تقف من خلف زجاج نافذة الصالون تراقبهم عن كثب وتشعر بغصتها تتكاثف بحلقها ، تتأمل عودته إلى ابنة شقيقته ليحتضنها ثانية يضمها إلى صدره ويسأل عن أحوالها باهتمام يشاكس الصبي بمداعبات رجولية تخصهما سويا لنبض قلبها بألم وعقلها يتساءل عن سبب رفضه للإنجاب فهو رائع مع اطفال شقيقته ، بل إنه رائع مع الأطفال الغريبة اللائي يقابلونهم بالمصادفة في الخارج ، دمعت عيناها وهي تتذكر أنها ظنت قبلا أنه لا يقو على الإنجاب لتستغل مرة كان يفحص بها الفحص الدوري المعتاد والذي تطلبه المؤسسة كل فترة زمنية محددة لتطلب من جنى مساعدتها والتي فعلت دون تأخير وخاصة أنه يجري الفحوصات اللازمة في المشفى خاصتهم لتزيد جنى بضعة اختبارات يجريها المعمل لتأتي لها بنتائجه ، يومها بكت كما لم تبكي من قبل حتى تلك الأيام التي كان يمنعها أبيها عنه لم تبكي حينها مثلما بكت يومها وهي تتأكد أنه سليم ، تتأكد أنه بخير ، تتأكد أن ليس لديه أي مانع من الإنجاب !!
كما رددتها عليها الطبيبة التي ذهبت إليها بنتائج التحاليل فيم بعد لتجري بعض من الفحوصات هي الأخرى لتخبرها الطبيبة إنهما سليمان معافان وإذا أرادت الإنجاب لا يمنعها أي شيء سوى القدر ومشيئة الله ، ومن حينها وهي تحاول أن تحمل طفله ولكن من الواضح أن القدر ومشيئة الله لم تأت بعد .
زفرت بقوة وهي تنظر إليه من جديد لتنتفض بخفة على كف زوج خالتها الذي ربت على كتفها ليسالها بهدوء : أنت بخير يا ابنتي ؟!
التفتت إليه بعيني دامعة لتتسع عينا خالد بصدمة لتهز رأسها نافية وهي تتمتم : لا يا عماه لست بخير .
***
جلست أمام ابنة خالها التي خلعت حذائها من قدميها لتهمس بتعب : قدماي لا أشعر بهما يا يمنى ، كتمت يمنى ضحكاتها لتتبع حبيبة بتأفف - لا أفهم كيف صمدت كل هذه المدة وأنت ترتدين هذا الحذاء ذو الكعب العال
تمتمت يمنى : لم اقض وقتا طويلا .
تأوهت حبيبة وهي تضع ساقا فوق أخرى : أنا ساقاي تؤلماني فأنا منذ الصباح اتسوق مع عمر لقد دعاني إلى الغذاء وظللنا نتسوق إلى أن هاتفتني كنت سأرفض أن ات إليك ولكنه هلل مرحا وهو يستمع أنك هنا ليهتف بأنه يريد المجيئ إلى التسوق ، اتبعت وهي تحرك ظهرها بألم لا أفهم ما كل هذه الأشياء التي يشتريها ؟!
ضحكت يمنى رغم عنها لتتبع حبيبة : انه شره في التسوق يا موني ويبتاع كل ما يعجبه ويعجبني وحينما حاولت أن أدفع ثمن مشترياتي زجرني بحدة لم يتبعها معي من قبل .
تعالت ضحكات يمنى لتعبس حبيبة بضجر فترقص إليها يمنى حاجبيها هاتفا بمشاكسة : ألم تفكري أنه يتسوق لأجل الزواج ؟!
توردت حبيبة لتخفض عينيها بحرج : بالفعل هو يفعل.
اتسعت ابتسامة يمنى لتغمغم حبيبة : لقد أخبرني بذلك حينما اعترضت على بعض الملابس الشتوية التي ابتاعها لي وله فأخبرني بمنتهى الأريحية أن نولا أخبرته أن عليه أن يبتاع ملابس لأجل زواجه ، ضحكت يمنى بخفة لتتبع حبيبة بنقمة - وهو ينفذ أوامر والدته .
رمقتها يمنى قليلا قبل أن تهمهم : اسمعي يا حبيبة طريقتك في الحديث عن استماعه إلى كلام والدته ليست صحيحة وما يفعله عمر ليس بهذه الطريقة التي تلمحين إليها
اتبعت يمنى بجدية : خالتي منال تؤثر في حياة أولادها ولكن ليست بهذه الطريقة وما يفعله عمر ليس لأنه يستمع إلى كلام والدته بل لأنه يريد أن يبتاع الملابس التي تنتقيها أنت له ويريد أيضا أن ينبهك بأنه يستعد لزواجكما .
بهتت ملامح حبيبة لتكمل يمنى بجدية : فليس هناك ما يمنع الآن من إتمام الزواج واقامة العرس يا حبيبة ، أم هناك ؟!
هزت حبيبة رأسها نافية لتبلل شفتيها برقة : أعلم وأدرك ما تقولينه ولكني كلما فكرت في الأمر أشعر بخوف غير طبيعي يتملكني .
ابتسمت يمنى برقة : إنه لأمر طبيعي يا ابنة خالي فأنت مقبلة على بداية جديدة ..على حياة في بيت جديد بعيدا عن عائلتك .. عن أهلك ، مع شخص مهما تعرفت عليه عن قرب لازال يخفي داخل شخصيته شيء لن تدركيه أبدا سوى بالمعاشرة والحياة اليومية والاحتكاك سويا .
هزت حبيبة رأسها بتفهم لتتابع يمنى : الخوف أمر طبيعي فقط لا تدعيه يمتلكك ويتملك منك .
تنفست حبيبة بعمق لترفع عيناها إلى ابنة عمتها تبتسم إليها برزانة قبل أن تهمس : هل لي أن أسأل عن أمر ما ؟!
ابتسمت يمنى باتساع : عمار أليس كذلك ؟!
اومأت حبيبة برأسها : أشعر أنه مختلف ، يتحاشى الاقتراب منك والتحدث إليك وأنت الأخرى تتصرفين وكأنه ليس معنا ، هل حدث شيئا ما بينكما يا يمنى ؟!
رمشت يمنى بعينيها لتهمهم بصوت أبح : لا لم يحدث ، بل عدنا إلى قواعدنا سالمين .
عبست حبيبة بعدم فهم لتغمغم : عدتم إلى قواعدكم سالمين ، اتبعت بضحكة ساخرة - ومنذ متى وهذه قواعدكم يا يمنى ؟!
رفعت يمنى عينيها بعدم فهم لتتابع حبيبة : اعذريني ولكن أنت وعمار كنتما دائما كالقط والفار تتشاجران تثرثران ، يشاكسك فتغيظيه ، تثيرين ضيقه فيحتد عليك فتتشاجران من جديد ثم تعودان ثانية تثرثران ، أنت وعمار دوما كنتما تندمجان في عالمكما الخاص ولا تسمحان لأحد بالاقتراب منه ، بل كنتما تطردان أي أحدا يحاول الاقتراب من محيطكما وخاصة هو ، كان يبعد أي أحدا يحاول الاقتراب منك لطالما تشاجر مع حسام وسليم حتى لا يقتربان منك ، ابتسمت حبيبة بمكر أنثوي - وللآن لازال يغار عليك منهما .
تخضبتا وجنتا يمنى بحمرة قانية لتهمس باسم ابنة خالها بخفوت لتتبع حبيبة : لن اصمت يا يمنى ، سأقول ما رأيته ، عمار كاد أن ينفجر غضبا يوم مولد آسيا مما فعله سليم ، وحينما وصل لأقصى حدود احتماله أعلن عن ملكيته لك بتزكية من الأمير نفسه .
اتبعت حبيبة بجدية : ولكن ما أراه الآن غير متفق مع ما رأيته يومها ، لذا أسأل هل حدث شيء بينكما ؟!
سحبت يمنى نفسا عميقا لتهمس بخفوت : عمار تقدم للزواج مني يا حبيبة ولكني رفضته .
شهقت حبيبة وعيناها تتسع بصدمة لتهتف بحدة : هل جننت يا يمنى ؟!
نظرت يمنى حولها لتهمس بحدة : اخفضي صوتك يا حبيبة من فضلك هو فقط تحدث مع أبي وأخبرني وأنا أجبته بالرفض ، عبست حبيبة بعدم فهم لتكمل يمنى شارحة - لم يأت بعائلته وهكذا بل أخبر أبي وأخبرني أنه تحدث مع أبي ولكني أجبته بالرفض .
تمتمت حبيبة وهي تقترب منها بحدة : لهذا أسألك هل أنت مجنونة ، أم ماذا ؟!
عبست يمنى بضيق لتهم حبيبة بالحديث ولكنها التقطت اقتراب عمر وعمار منهما لتغمغم بعصبية : لنا حديث آخر ولكن حينما نكون بمفردنا .
زمت يمنى شفتيها برفض لتشيح بعينيها بعيدا ليقتربا الشابين منهما يضع كلا منهما ما يحمله ليهتف عمر بمرح : أتيت إليك يا بيبا بالسيزر سلاد التي طلبتها وأتيت إليك بشطيرتين من الفراخ المشوية .
هتفت حبيبة برفض : لا أريد أن اتناول الطعام يا عمر.
هز رأسه رافضا وهو يقرب منها الطعام : بل ستفعلين أنت تدورين معي طوال النهار ولم نتناول الطعام منذ الغذاء .
عضت شفتها لتهمهم بجانب اذنه: لا سأكتفي بالسلطة فأنا اتبع نظام غذائي للمحافظة على الوزن .
عبس عمر لينظر إليها بصدمة : نظام غذائي ، ومحافظة على الوزن ، ومن أخبرك أني موافق على النظام الغذائي أو أن تحافظين على وزنك مثاليا ؟! اتبع وهو يقترب منها بخفة - أنا أحبك وأنت بطة هكذا يا بطتي .
لكزته بعتاب : تأدب يا عمر .
ضحك بخفة ليهمهم إليها بمكر : لم أقل شيئا بعد ، اتبع وهو يقرب منها الطعام - فقط تناولي طعامك كله حتى نذهب ونبتاع الآيس كريم هناك متجر للمثلجات سيعجبك جدا.
هتفت بصدمة : مثلجات ؟!
فشاكسها بملامحه : أينعم سأعوضك عن الوزن الذي فقدته معي اليوم.
كتمت يمنى ضحكتها لتلف رأسها بعيدا عنهما فتبتسم بتوتر حينما وجدته ينظر إليها ليهمس : أتيت اليك بطعامك المفضل ، نظرت إلى الحقيبة الورقية أمامها فاتبع - اتمنى أن لا تكوني تتبعين نظام غذائيا محددا .
ابتسمت رغم عنها لتجيب بأريحية : لا ، أنا لا اتبع نظاما غذائيا فأنا أقوم بتماريني الرياضية دوريا .
تمتم : أعلم ، قرب طعامه منها ليهتف - تذوقي أيضا هذا سيعجبك .
عبست بتساؤل فهمهم وهو يتناول طعامه بالفعل : أنه نوع من الطعام الآسيوي سيعجبك .
ترددت فقدم لها عصايتين خشبيتين ليشير إليها بأن تؤكل فتحاول لتنفلت منها قطع الخضروات ليضحك ويقترب منها بخفة هامسا : انظري يا مونتي ، حرك العصايتين أمامها لتما برأسها في تفهم لتعيد حركته بسلاسة فيهتف بحبور - رائع
تناولت بعضا من الطعام بمهارة فاتبع : لطالما كنت سريعة التعلم وماهرة به
تحاشت النظر إليه لتهمس بهدوء حينما سألها عن رأيها : انه جيد .
همس بجدية وهو يقرب طبق الطعام منها : إذا أردته سأتركه لك وات بغيره .
هزت رأسها نافية : لا شكرا لك ، بحثت بالحقيبة الورقية لتهمس بجدية : ما ثمن الطعام يا عمار ؟
احتقن وجهه بقوة ليغص بطعامه ناظرا إليها بحدة قبل أن يتمتم : احترمي نفسك يا ابنة خالتي وتناولِ طعامك بصمت من فضلك .
همت بالحديث ليزجرها بعينيه في غضب تملكه لتزم شفتيها بضيق وتتحاشى النظر إليه فيهدر بها في حدة : تناولي طعامك ، عبست بضيق ليتبع بصوت هدأ غضبه - تناولي الطعام يا يمنى من فضلك .
القى كلماته بهدوء وهو يخرج إليها الطعام من حافظته الورقية ليهدهدها بخفوت : هيا يا ابنة خالتي تناولي طعامك قبل أن يبرد .
لوت شفتيها بنزق ولكنها بدأت في تناول الطعام فعليا ، فيبتسم قبل أن ينشأ حديث ثرثر فيه مع عمر لتشترك حبيبة فيه لتشاركهم أخيرا الحديث بنبرة مرحة منغمسة في الطعام الذي تناولته بتلذذ وهي تشاركهم جلستهم فيشعر - أخيرا - أنها بجواره ليتنفس بعمق شاعرا بوجودها الذي اشتاق إليه والذي لم يحس به منذ وقت طويل
***
يتحرك بتوتر في كرسيه لينسل بسيارته إلى الطريق الجانبي وهو ينظر إليها عن طريق المرآة الأمامية فيجدها تغمض عينيها تدعي النوم كما تفعل منذ أن بدأ رحلتهم ، تنفس بعمق وهو ينظر إليها ثانية ويفكر لماذا اختارت المقعد الخلفي ولم تركب إلى جواره كعادتها وخاصة أن والدته اصرت أن تجلس بالخلف هاتفه بأنها تريد أن تدلل طوال السفر ، فابتسمت حينها وهمست أنها ستشارك امه الدلال وتركب إلى جوارها بينما جواره خالد في عفوية وهو يهمهم إلى امه أن تتدلل هي وابنة شقيقتها كما تحبا فهما خلقا للدلال فقط .
انتبه من افكاره ونظراته المنصبة عليها إلى صوت خالد الهادئ يزجره بلطف أن ينتبه إلى الطريق فنظر أمامه ليهمهم إليه خالد بجدية : سأقود أنا المتبقي من الطريق .
هتف بسرعة : لا يا بابا ، لا تتعب نفسك سأنتبه لا عليك .
ابتسم خالد واخفض بصره ليهمهم إليه : حسنا توقف في الاستراحة وأخبر زوج أختك وعمك وليد أننا فعلنا .
هز رأسه بتفهم وهو يصف سيارته في مكان صف السيارات الخاص لتنتبه والدته فيهتف خالد بهدوء : هيا يا مدللات انزلن فانا سأدعوكم على العشاء .
استجابت إليه منال الذي فتح لها باب السيارة برقي كعادته فتتمسك بطرف سترته الكتانية الفاتحة لترفع جسدها على أطراف أصابعها لتقبل جانب ذقنه : لا حرمنا الله منك .
ابتسم بعشق تغلغل في عروقه على مر الزمن ليضمها إلى صدره همت بأن تلتفت لتدعو أميرة فيشير إليها خالد بعينيه وهو يضمها إليه اكثر ليدفعها بلطف أن تسير معه قبل أن يرفع رأسه الى ابنه الذي أنهى محادثة زوج اخته ليهتف إليه : سأتحدث أنا إلى وليد .
أومأ احمد رأسه بتفهم ليبتسم بتوتر وهو يلتقط ايماءة عيني خالد التي حطت على أميرة قبل أن يتحرك صاحبا منال معه ، زفر أحمد بقوة وهو ينظر إليها من خلال نافذة السيارة المغلقة عليها فيجدها مغمضة العينين وكأنها نائمة فعليا فيلتف حول السيارة ليدلف إليها من الباب الآخر هامسا باسمها في خفوت ، مقتربا منها بهدوء قبل أن يلثم وجنتها بخفة فتنتفض جالسة ، تنظر إليه بحدة وجسدها يتخشب برفض وصله جيدا فتتسع عيناه بصدمة ليهمس بعدم فهم : ما بالك يا حبيبتي ؟!
رفعت رأسها بشموخ لتغمغم وهي تعيد ترتيب خصلاتها : لا شيء أنا بخير .
رمقها بتفحص قبل أن يهمهم ببطء : أشعر أنك غاضبة ، هل فعلت ما ازعجك ؟!
أشاحت برأسها بعيدا عنه لتكتم تنهيدتها الحارقة التي كادت أن تخرجها في وجهه لتهمس ببطء : لا يا أحمد ، أنت تصرفت على سجيتك ولكني أحرجت بسبب وجود عمو خالد .
عبس بعدم فهم ليهمس بتلعثم : أنت تقصدي حينما ..
قاطعته : نعم ، فانا لم أعد اتحمل أن تخجلني هكذا على الملأ .
اهتزت حدقتيه بخوف أخفاه خلف جفنيه اللذين اخفضهما ليهمهم بخفوت : اعتذر أني صرحت بشوقي إليك على الملأ يا أميرة ، اعدك أني لن افعلها ثانية .
تحكمت في دموع اغرقت مآقي عينيها لتهمهم بصوت مختنق : لا عليك ، لست غاضبة لهذا الحد .
القتها لتنهمر دموعها في صمت فاغمض عينيه ليجذبها نحوه يضمها إلى صدره بحنو سائلا : ما بالك يا أميرتي ؟ أخبريني هل ازعجتك ماما ؟ هل ضايقتك هنا أو أي من طفليها ؟ ما الذي احزنك ؟
همهمت بنحيب : لا شيء .. لا شيء .
ضمها أكثر إليه ليهدهدها بحنان يغمرها باحتضانه القوي ويقبل رأسها بحنو : حسنا اهدئي يا أميرتي ، وتوقفي عن البكاء فأنا لا احتمل دموعك .
تمسكت بقميصه في رجاء لم يفهم معناه ليضمها إليه اكثر وهو يقبل جبينها .. عينيها .. وجنتيها .. انفها ، قبل أن يحنو رأسه إليها فيقبل شفتيها بعاطفة .. بحب .. بتوق .. وبعشق تملكه ليهتف من بين أنفاسها : آسف لو ازعجتك .. اغضبتك .. احزنتك ، أنا آسف ولكن اعلمي أن كل ما افعله لأني أحبك .. اعشقك .. مجنون ومتيم بك ، رفع رأسها لينظر إلى عمق عينيها - أنا لا أقو على العيش دونك يا أميرة ، أنت عمري . حياتي .. غايتي .
انهى كلماته بين ثغرها الذي امتص رحيقه بلهفة اججت لهيبها حينما علقت ذراعيها حول عنقه لتضمه إليها أكثر قبل أن ينتفضا سويا على نقر رقيق فوق زجاج النافذة فيلتفت سريعا لينظر إلى ملامح وليد المعاتبة وضحكته اللطيفة والتي تخفي خلفها غضب طفيف لمع بعينيه وهو يهتف من بين أسنانه : أين أباك يا فياض المشاعر ؟
اخفضت رأسها ليكح أحمد بحرج : ذهب إلى المطعم يا عماه .
رمقه بنظرة حادة قبل أن يهتف به : حسنا سأذهب إليه ، توقف قبل أن يبتعد عنه - ألن تأتي أنت الآخر ؟
هتف أحمد بصوت أجش : سأفعل .
رمقه وليد قليلا قبل أن يزجره بسخرية : من الأفضل ان تفعل ، فزجاج النافذة يظهر ما يحدث بالداخل إن كنت لا تعلم .
أومأ برأسه متفهما : أعلم يا عماه ، أعلم .
حرك رأسه لينظر إلى ابنة اخيه المنكمشة خلف ظهر زوجها ، تتمسك بظهر قميصه من الخلف وتخفي وجهها فيه كطفلة تتهرب من معاقبة ذويها ، ليهز رأسه في عدم فهم وهو يبتعد عنهما نحو سيارته ليتحدث إلى ياسمين الجالسة بالداخل : هيا يا جاسي ، فخالد ومنال ينتظرانا بالداخل .
تحركت لتنزل من السيارة تسأله باهتمام : مع من كنت تتحدث اذا ؟!
اغلق السيارة ليشير إليها أن تسير بجواره : أنه أحمد .
نظرت إليه بتساؤل فغمغم : هذا الولد يثير تساؤلاتي واوشك على اثارة غضبي .
رفعت ياسمين حاجبيها بدهشة : غضبك ؟!
نفخ بقوة : نعم ، أشعر بالحيرة كلما رأيت تمسكه القوي بأميرة .
هتفت ياسمين بطبيعية : إنه يحبها ، هو فقط مشاعره جياشه ووقح كحميه .
ضحك وليد بخفة : دوما تذكرين وائل بكل خير .
هزت كتفها : هل اتبلى عليه ؟ هز وليد رأسه نافيا لتومض عيناه بإدراك لحظي - بل أنت محقة يا ياسمين أحمد يشبه وائل كثيرا .
نظرت إليه بتعجب : كيف لم تلاحظ هذا ؟ إنه متعلق بأميرة مثلما وائل كان ولازال متعلق بفاطمة .
زم شفتيه بتفكير ليهمهم : ولكن وائل كان لديه أسباب كثيرة لتعلقه بفاطمة ، ما أسباب تعلق أحمد التام بأميرة ؟
هتفت ياسمين بتعجب : لأنه يحبها .
رفع نظره إليها قليلا : الأمر يتعدى الحب يا ياسمين .
عبست بعدم فهم ليكمل بجدية : هناك ما يدفع أحمد للتعلق بأميرة هكذا ، هناك سببا كبيرا أيضاً .
هزت رأسها بتفكير : من الممكن أن يكون رفض وائل إليه في أول الأمر هو ما أدى إلى تمسكه الشديد بها .
حرك رأسه : ممكن ، وممكن أن يكن لديه دافع قوي لا يعرفه أحدا منا .
نظرت إليه قليلا قبل أن تهمس : هل تلمح لعدم إنجابها ، أم أن هناك شيئا أخر ؟
زفر بقوة ليغمغم حينما التقط وجود خالد ومنال : لا أعلم ولكن من الجائز جدا أن يكون هذا سببه .
همت بالرد عليه ليشير إليها بعينيه : خالد ومنال .
فابتسمت برقة وهما يقتربان من الطاولة التي يجلس عليها الآخران فينضما لهما قبل أن ينضم اليهم أسرة هنا الصاخبة بحديثها الغزير وضوضاء صغارها .
***
أنهوا طعامهم لتنهض واقفة : من يريد القهوة ؟
رفع رأسه ليهتف بجدية : اجلسي يا يمنى .
اتبع عمر بمساندة : لن تذهبا للإتيان باي شيء ونحن موجودان .
عبست يمنى بغرابة فأكمل عمر : نحن نحترم وندعم استقلالكما. . شخصيتكما .. ووجودكما ولكن لن تذهبا لأي مكان ونحن هنا .
جلست ثانية : لأول مرة اكتشف أنك شرقي حتى النخاع يا عمر بك .
تمتم عمر بجدية : لا تحاولي إيقاعي مع حبيبة يا يمنى ولكني سأخبرك أمرا ما ، اتبع وهو يقترب منها عبر الطاولة - أنا صعيدي
ضحك عمار ليربت على كتف عمر : عاش يا أبو الصعيدي .
التفت عمر لحبيبة : هل لديك اعتراض يا حبيبة هانم ؟
ضحكت حبيبة بخفة واحنت رأسها بطاعة افتعلتها : وهل لي قول بعد قولك يا عمر بك
ضجت ضحكاتهم لتهتف يمنى : بعتي استقلاليتك لأجل عمر بك يا حبيبة .
هتفت حبيبة بمشاكسة : بل لأجل عيون عمر بك ابيع العالم كله .
قهقه عمر ضاحكا ليهتف من بين ضحكاته : لا أعلم لماذا اشعر باني سأرى اليوم ما لم أراه من قبل في حياتي .
هتف عمار بمشاكسة : أنا الآخر أعتقد ذلك ، انها تمنحك وضعك أمامنا فقط ليس أكثر
هز عمر رأسه ليشاكسها : لا تعلم أنت يا دكتور عمار حينما تنقلب حبيبة هانم إلى الوجه الآخر أنا أرى النجوم في عز الظهر
نظرت إليه حبيبة بصدمة : هكذا إذا يا عمر .
أشار إليها عمر : ارايت يا عمار لم تنتظر لتنصرف ، ضحك عمار لينهض عمر واقفا متبعا - هيا بنا لنذهب إلى مقهي قريب يقدم قهوة ستعدل مزاج الأستاذة ونبتاع الآيس كريم لبطتي .
لكزته بمرفقها : تأدب يا عمر .
ضحك وهو يقربها منه ليدفعها بخفة من خصرها فتلتفت إليه تزجره بعينيها ليضحك بخفة وهو يحمل حقائبهم ليسيرا سويا .
وقف منتظرا أن تتحرك لتحمل حقائب مشترياتها همس بجدية : ألا تريدين المساعدة؟
تمتمت بجدية : شكرا لك .
سحب نفسا عميقا ليقف أمامها يعيق حركتها ،هاتفا بجدية : اسمعي يا ابنة خالتي ، طالما تواجدت معك احترمي وجودي واحترمي القرابة بيننا لا تعرضينا لمواقف محرجة بسبب تصرفات لا أهميه لها .
رفعت نظراتها إليه بتساؤل فيكمل : أعتقد أنك حينما تحرجينني تحرجين نفسك معي فلا داعي لكل هذا ، أنت لا تريدين قربي وأنا احترمت رغبتك ولم اتجاوز أبدا من حينها وأعتقد أن من حقي عليك ومن حق قرابتي لك أن تحترمي وجودي حينما أتواجد معك .
اشاحت بعينيها بعيدا ليسأل بهدوء : هل فهمت يا يمنى ؟!
اومأت برأسها في تفهم ليبتسم باتزان : جيد .
أشار إليها بأن تتقدمه : حسنا تفضلي واتركي الحقيبتين الثقيلتين لأحملهما يكفيك حقيبتك تلك التي تشبه الصندوق .
ضحكت رغم عنها لينظر إليها بتساؤل وهو يحمل الحقيبتين التي تركتهما بالفعل لتهمهم : أمي تكرهها وتشبها كما فعلت أنت للتو .
ابتسم بدوره ليسأل بجدية : هل رأتك خالتي وأنت تغادري البيت اليوم ؟
عبست لتهز رأسها إيجابا فيرفع حاجبيها بتعجب فسألته بدهشة : لماذا ؟!
أجاب بعفوية : تعجبت أنها تركتك تغادري البيت بهذا الفستان
همهمت بحدة : ما به الفستان ؟
أطبق فكيه ليهمهم بضيق : أنه قصير.. رفعت حاجبها بتعجب فاتبع : أريد ان أعلم هل كنت هكذا بالعمل ؟ه
ابتسمت رغم عنها لتجيب بمكر أنثوي : لا لم أذهب اليوم نزلت من البيت بغرض التسوق ، اتبعت بعفوية - فانا لا أذهب هكذا للعمل
زفر براحة : أفضل .
سحبت نفسا عميقا لتغمغم وهي تتجه نحو متجر يقع بطريقهما : هلا انتظرت قليلا سأرى هذا الفستان ؟!
اتبع وهو يدلف خلفها : أعتقد الجامب سوت منه سيكون أفضل .
التفتت إليه تنظر إليه بتعجب فأكمل : فهو فضفاض ومغلق ايضا من الأمام .
التفتت إليه تبتسم برقة : ولكنه ليس مناسب ، فأنا أريد الفستان لأني سأرتديه فوق رداء السباحة فلا أريده أن يعقني
جمدت ملامحه ليهتف بجدية : أخرجي من المتجر يا يمنى ، هيا معي .
ابتسمت لتهمهم بدلال لم تقصده : انتظر يا عمار سأبتاع الفستان وخف ايضا يتماشى معه
رفع حاجبه ليسألها : وهل ابتعت رداء السباحة أم لا ؟
ضحكت بخفة : نعم فعلت .
اقترب وهو يطبق فكيه : أخرجي امامي يا يمنى ، وإياك ان أراك ترتدين رداء السباحة هذا هناك ، اسمعت؟
تمتمت بخفوت وهي تتحرك للخارج بالفعل : كيف سأسبح إذًا ؟!
تمتم بغضب : إن شاء الله عنك ما سبحت يا ابنة الأمير ، ضحكت برقة ليتبع بحدة - سعيدة لأنك اغضبتني ؟
توقفت عن الضحك وسحبت نفسا عميقا لتجيب بهدوء : ليس لك حق في الغضب يا عمار .
رمقها قليلا قبل أن يهمهم بصوت محشرج وهو يقف أمامها فلا يسمح لها بالابتعاد عنه : بل لي كل الحق حتى لو لم تعترفين بحقي هذا يا يمنى .
عم الصمت عليهما يتبادلان النظرات تشمخ أمامه بعنفوان فيحتد بتملك يزأر به بقوة دون تراجع ليصدح صوت حبيبة القريب : يمنى أين ذهبت ؟
ابتسمت برقة وهي تسبل اهدابها قبل أن تجيب ابنة خالها : أنا هنا .
رمقتهما حبيبة ليهتف عمر بمرح : حسنا هيا بنا .
***
دلف إلى بيته بعد أن قضى السهرة في بيت زوجته المستقبلية ليزفر براحة نفسية لم يشعر بها منذ وقت طويل ، تحرك بخطوات هادئة متجها نحو غرفته ليتوقف وهو ينظر إلى غرفة ابنته المضيئة بضوء باهت آت من الباب الموارب قليلا فيتجه نحوها بخطوات بطيئة يدفع الباب بحذر وهو ينظر إلى ابنته الجالسة على حافة فراشها بجوار حقيبة متوسطة الحجم مفتوحة بها ملابسها
وقف فلم يدلف إليها فترفع رأسها إليه بعينين دامعتين ونظرات لامعة بعتاب قوي فيهمس ساخرا : أتيت لتأخذي بقية ملابسك
رجفا جفنيها وقابلته بالصمت قليلا قبل أن تهمس بصوت محشرج : أتيت لأحضر حقيبتي فأنا سأسافر غدا مع عاصم وعمار .
هز رأسه متفهما : جيد ، ستذهبين مع ابني عمك .
أومأ ت برأسها إيجابا : حسنا هل تحتاجين لأي شيء ؟! هزت رأسها نافية فهمهم وهو يستدير ليبتعد عنها - تصبحين على خير
هتفت بنشيج باكي : بابا
توقف وقلبه يرق لأجلها فاستدار إليها من جديد ليتراجع جسده إلى الوراء بنفضة اجتاحته حينما اندفعت نحوه تتعلق برقبته تبكي بنحيب ونشيج آلم قلبه فاحتضنها بحنو كعادته ليربت على رأسها بحنان هامسا : توقفي يا جنى توقفي يا حبيبتي لا تبكي وتوجعي قلبي ، توقفي يا ابنتي
نهنهت ببكاء خافت : أنا آسفة أرجوك لا تغضب مني .
زفر بقوة ليربت على ظهرها بلطف : لست غاضبا يا حبيبتي .
دفعها بلطف ليجلسها على الأريكة بغرفتها ويجلس إلى جوارها : اهدئي يا جنى وتوقفي عن البكاء من فضلك .
سيطرت على دموعها بصعوبة لتمسح وجهها بكفيها فيربت على ظهرها بحنو لتهمس بجدية : أنا اعتذر يا أبي فقط خانني التفكير و.. صمتت قليلا - لست متقبلة لفكرة زواجك نهائيا ولا أستطيع أن أكذب حيال شعوري معك .
هم بالحديث فقاطعته : أعلم كل ما ستقوله ، قلته لنفسي من قبل وقاله لي أسعد اليوم ولكني لا أستطيع يا ابي ، لا أستطيع .
صمت قليلا ليهتف : أعلم انك لست متقبلة للفكرة ولكن ألا استحق منك المحاولة يا جنى ؟! ألا استحق أن تجبرين نفسك على التقبل والتأقلم مع ما أريده أنا ؟
جرت دموعها على وجنتيها من جديد لتغمغم بصوت مختنق : بل تستحق أن افديك بحياتي يا أبي .
ربت على رأسها ليهمهم : لا أريدك أن تضحي بحياتك لأجلي يا حبيبتي ، بل أريدك أن تظفري بحياتك ، أنا احررك من قيدك الذى التزمت به من صغرك يا جنى ، ها أنا اخبرك بأني سأكون سعيدا فاسعدي أنت الأخرى واظفري بحياتك يا ابنتي .
ابتسمت بألم لتهمهم : من التي اخترتها يا أبي لتحل محل والدتي ؟!
رجفا جفنيه ليهمهم بصوت ابح : لا علاقة لها بوالدتك يا جنى ، فامك لن يحلها محلها أحدا .
تمتمت باختناق : هل أعرفها ؟
أجاب بهدوء : لا ، أنت رأيتها مرة بمكتبي ولكنك لا تعرفيها ، أتمنى أن أن تتعرفي عليها وتقتربي منها فهي الأخرى تستحق أن ترحبي بها .
ازدردت لعابها بجفاء لتشيح برأسها بعيدا لتسأله بحشرجة : هل أنا أنانية يا أبي ؟ عبس بتعجب فأكملت أسعد يرى أني أنانية لأني رفضت أمر زواجك ، هل أنا أنانية فعلا ؟
ابتسم أحمد بحنان ليربت على رأسها : لا يا حبيبتي ، أنت لست كذلك ما تشعرين به طبيعي وأنا اتفهمه .
رجفا جفنيها وانفاسها تتوالى بنحيب توقف عن الهطول مع دموعها التي توقفت ليسالها أحمد باهتمام : هل قابلت أسعد اليوم ؟
ازدردت لعابها ليرجف جفنيها : نعم هل هناك شيء ما بخصوص مقابلتي لأسعد ؟
ابتسم برزانة : لا ، ولكن أعتقد أن عريسك لن يقبل بهذا الأمر بعدما ترتبطا
انتفضت بهلع مرددة : عريسي .. نرتبط ، لم أوافق يا ابي .
ابتسم أحمد : أعلم أنا لا أتحدث عن باهر ، أنا أتحدث عامة ، أي زوج يا حبيبتي لن يقبل بصداقتك لأسعد ، صمت ليتبع بجدية - حتى لن يقبل بصداقتك لعاصم .
هتفت بحدة : لن اتزوج يا بابا فتوقف عن الحديث بهذا الأمر .
رمقها أحمد مليا : لماذا يا جنى ؟! ما سبب هذا الرفض الصريح والمستميت في عدم رغبتك في الزواج ، إنها ليست المرة الأولى أن ترفضي بها عريس يتقدم إليك ، بل إنك دوما ترفضينهم سواء علمت بهم أم لم أعلم ، تطلع إليها قليلا - هل هناك أحدا لا أعرفه ؟
انتفضت بخفة لتهمهم بتلعثم : ما هذا الحديث يا أبي ؟ ارتجفت رغم عنها - لا طبعا ..
ارتعشت كفيها ليقبض عليهما براحتيه هامسا بأمر جاد : انظري إلي يا جنى ، هل أنت مرتبطة عاطفيا ؟
رفعت رأسها تنظر إليه فتهتز حدقتيها قبل أن تنهمر دموعها ببكاء غزير لترتمي في حضنه فيضمها إليه بحنان يهدهدها بأبوة هاتفا بحزم : اشش اهدأي وتوقفي عن البكاء لنستطيع الحديث سويا يا ابنتي ، فقد حان وقت الحديث
***
تأففت بضيق وهي تنظر إلى شاشة هاتفها بعبوس داعب ملامحها لتهتف بحدة : عمر هلا اوصلتني مع حبيبة فعادل بك منشغل بمرضاه وسيقضي ليلته بالمشفى حتى يستطيع أن يحصل على إجازته الأيام القادمة .
ضحكت حبيبة ليهتف عمر : بالطبع يا يمنى أنت تؤمري .
أطبق فكيه بغضب يتنامى بداخله بسبب ابتعادها عنه فمنذ أن كانا بالمتجر وهي تتجنبه .. تتحاشاه .. تنأى عنه وتحرمه وجودها ، و كأنهما عادا إلى نقطة الصفر من جديد هتف بجدية : بل أذهب أنت يا عمر وأنا سأعيد يمنى إلى البيت ، اكمل وهو يرمقها بحدة - فأنا اقرب إليها منك .
عبس عمر بريبة ليهمهم : ولماذا تشغل نفسك وتتعب نفسك بإيصال يمنى يا عمار ، أنا ذاهب هناك على أي حال فأنا سأعيد حبيبة إلى البيت الواقع بجوار بيت يمنى .
أطبق عمار فكيه وهو يرمقها بحدة : ليس هناك تعب ، أنا فداء ابنة الخالة.
مطت شفتيها وهمت بالرد ليصدح هاتفها برنين فتبتسم بمكر وتجيب بهدوء : مرحبا يا أسعد .
أدارت ظهرها لهم : نعم لقد انتهيت وكنت أنتظر عادل ليعيدني ولكنه لن يقو على المجيء فسأعود مع عمر وحبيبة .
شهقت بصدمة حينما انسحب الهاتف من يدها ليضعه على اذنه هاتفا بحدة: مرحبا يا أسعد كيف حالك ؟
أتاه صوت أسعد الهادئ : بخير الحمد لله ، مرحبا بك كيف حالك أنت ؟ صمت قليلا ليسأل بجدية - أنت مع يمنى ؟
ازدرد عمار لعابه بهدوء ليهتف بجدية : كنت اتسوق وقابلت عمر صدفه فانضممت لهم ، وسأعيدها للمنزل الآن .
اكمل وهو يستدير ينظر إليها بحدة : فليس من اللائق أن تعود مع عمر وأنا موجود .
هتفت حينها بحدة : عمر سيعيد خطيبته التي تكون ابنة خالي بالمناسبة .
صاح بدوره : حتى إن كان زوج ابنة خالك ، أظل أنا الاقرب اليك .
زمجر حينما اتته ضحكة أسعد الخافتة ليصيح : أحببت ان ابلغك أنها ستعود معي إلى اللقاء ، اتبع قبل أن يناولها الهاتف - شقيقتك معك.
رمقته بتحدي وهي تضع الهاتف فوق اذنها ليأتيها صوت أسعد الهادئ : يمنى ؟
ازدردت لعابها وعيناها تنضح بعاصفة اوشكت على الهبوب فتجيب اخاها بهدوء : أنا معك .
هتف أسعد بجدية : عودي معه يا موني ، انغلق حلقها ليتابع أسعد - اجذبي وارخي يا شقيقتي ، وحالة عمار الآن تحتاج للارتخاء فلو عاندته أكثر سيهاتف بابا وماما ليحصل على ما يريد .
انفلتت أنفاسها لتهمهم بصوت ابح : حسنا يا أسعد ، لن أتأخر .
اغلقت الهاتف ولم ترمش بعينيها لوهلة بل ظلت تطلع إليه بتحدي وهامتها تعلو بكبرياء ليبتسم بهدوء قبل أن يهتف بعمر : اذهب أنت يا عمر ، يمنى ستعود معي .
نقل عمر- الصامت برزانة كعادته - نظراته بينهما لينظر إلى حبيبه بتساؤل فتمأ برأسها إيجابا ثم تجذبه معها : حسنا يا موني ألقاك بالمنزل .
توقف عمر فلم يتحرك مع حبيبة مشيرا إليها برفض ليرفع نظره إلى يمنى هاتفا بجدية : ماذا ستفعلين يا موني ؟
ابتسمت بمكر لتحيد بعينيها إلى عمر مجيبة : أذهب يا عمر ، سأعود مع ابن الخالة .
هز عمر رأسه بتفهم ليكتم ابتسامة كادت أن تنزق على شفتيه قبل أن يهتف بجدية : حسنا ، تصبحون على خير .
جذب حبيبة من كفها معه ليبتعدا عنهما مهمها إليها : عمار سيرى ليلة سوداء على رأسه .
كتمت حبيبة ضحكتها لتماثله في طريقة حديثه : أينعم ، فيمنى لا تأتي بالعناد وفرض السيطرة أبدا .
تنهدت بقوة وهي تدلف إلى السيارة فتجاوره بأريحية - ولكن بعض الأوقات اشفق عليه فيمنى ند قوي وعقل لا يستهان به ، وهو يحبها كما هو واضح للعيان .
التفت إليها دون أن يدير السيارة هاتفا بمكر ضاحك : امم ، أنت تشفقين عليه .. تتنهدين لأجله .. وترين كما هو واضح أنه يحبها .
ابتسمت رغم عنها وهي تنظر إلى عيناه اللامعتان بتسليته : نعم ، هل لديك اعتراض يا سي عمر بك .
قهقه ضاحكا : أبدا يا حبيبة هانم ولكن لدي تساؤل ، صمت قليلا ليقترب منها بخفة هامسا بصوت اجش - ألا تشفقين علي يا بطتي ؟
رمشت بعينيها ووجهها يتورد بحمرة خجل قانية فتهمس بخفوت ورقة : لماذا أشفق عليك ؟
همهم وهو يقترب أكثر منها : اليوم أنا وحيد ، أمي وأبي غادرا وتركونني مع هذا الكائن المسمى بتؤامي ، لا أملك أحدا يهتم بي ولا يعتني .
شهقت بخجل حينما شعرت بذراعيه تلتفان من حولها فيجذبها إليه أكثر وهو يتابع : ألا تهتمين أنت وتراعينني يا بطتي ؟
جف حلقها وهي تقع في حدقتيه الوامضتين بلون أزرق صاف كسماء صافية في صباح مشرق فتهمهم بصوت اجش : كيف افعلها ؟
همس وانفاسه تختلط بأنفاسها : فقط عانقي أنفاسي .
فقدت التركيز والفهم وعقلها يرتبك مع تشتيته لها باحتضانه .. كلماته .. وعيناه اللتان ترسلا الكثير من الإشارات تخطئ في تفسيرها فعقلها لا يدركها : كيف لا أفهم ؟!!
لهث بتوق : إذًا دعيني أشرح لك .
هم بتقبيلها كما أراد وتمنى منذ أن اقترن بها ليصدح هاتفها بصوت رنين عال فتنتفض برفض وهي تدفعه بعيدا عنها هاتفة بخوف حقيقي لمع بعينيها : بّابّا .
غمغم بعدم فهم وهو يحاول أن يظل متمسكا بها : ماذا به ؟
دفعته بجدية تلك المرة : إنه على الهاتف .
زم شفتيه بضيق ليعود إلى كرسيه يلهث بعنف وغضب تملكه لتجيب هاتفها بتوتر : مرحبا يا بابا ، أنا عائدة الآن ، لست بمفردي أنا مع عمر .
استمع إلى صوت بلال الغاضب يهدر : الساعة اقتربت على منتصف الليل يا حبيبة .
همت بالرد ولكنه سحب الهاتف من يدها يسيطر على أنفاسه المتلاحقة بجبروت ويستمع إلى حميه الغاضب على ما يبدو فيهتف أخيرا : مساء الخير يا عماه .
صمت بلال قليلا قبل أن يهتف بجدية : عودا الآن يا عمر ولنا حديث عندما تصل بإذن الله ، فأنا اريدك .
سحب نفسا عميقا قبل أن يجيب بأدب : سأفعل يا عماه ، أراك قريبا .
أغلق الهاتف ليمنحه إليها فتلتقطه منه بكفي مرتعشين هامسة : سيغضب ابي كثيرا ، لقد تأخرنا .
رمقها بجانب عينه ليحدثها بهدوء بعدما أدار سيارته لينطلق بها : لا تخافي ولا تجزعي يا حبيبة ، أنا معك وبجوارك .
انتفض جسدها لتهمس بصوت هش : لا أريده أن يغضب ، أنا احب أبي كثيرا ولا أحب أن اغضبه .
تأملها بجانب عينه : سأعتذر منه واراضيه حتى لا يغضب منك يا بطتي فقط لا تخافي أنت .
رفعت نظراتها إليه لتساله ببراءة : حقا ستفعل ؟
التفت إليها يرمقها بنظرة سريعة سائلا بدهشة : ماذا سأفعل ؟
تمتمت بشرود : ستحتمل غضب أبي وتعتذر منه أيضا ، سترضيه وترتضي قوانينه لأجلي ؟
التفت إليها ليهمس بوعد : سأفعل كل شيء وأي شيء لأجلك يا حبيبة ، أكمل بصوت هادي واثق مليء بالوعود - فأنت بطتي .. حبيبتي .
***
تحركت بخطوات واسعة إلى جواره ليشير إليها أن تتجه نحو سيارته الرياضية القابعة أمامهما فتقف تنظر إليها بتعجب قبل أن تسأل بجدية : ألم تبدلها للان ؟!
ابتسم بمكر وفتح إليها باب السيارة بعدما وضع الحقائب الكثيرة في مؤخرة سيارته : بلى فعلت ، إنها الأحدث من طرازها .
رفعت حاجبيها بدهشة : ولكنها تشبه الأخرى كثيرا .
اقترب منها وهو يقبض على إطار الباب بكفيه : أنا انتقيتها تشبه الأخرى كثيرا ، فأنا أعشق الأخرى لو تتذكرين .
التفتت تنظر إلى وجهه القريب منها لتهمس بهدوء : أنت تحاول محاربة الزمن يا عمار ، تريد أن تعيد كل شيء إلى الوراء ولا تريد الإقرار بأن هذا مستحيل .
أشار إليها بأن تدلف إلى الداخل ليغلق الباب بعدها ثم يدور فيستقل مقعده يدير السيارة منطلقا بها قبل أن يجيبها بهدوء : من أخبرك أني أريد محاربة الزمن يا موني ، أو اعادته ؟!
التفتت إليه بكليتها لتسأله بجدية : ماذا تريد اذا ؟
التف إليها ينظر اليها لوهلة قبل أن يعيد بصره إلى الطريق أمامه : أريد صنع زمن جديد يضمنا سويا من جديد .
هزت رأسها بيأس لتهمهم ضاحكة : على رأي الست يا عمار ، اكملت بدندنة خافتة وصوت يائس رغم قوته - عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان أرجع يا زمان .
صمت قليلا ليهتف بها : أكملي الغناء .
عبست بعدم فهم ليكمل بصوت شجي : وهات لي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان
ردد المقطع على مسامعها ثلاث مرات فشاركته الغناء بصوتها القوي ليتجلى معها بصوته منمق النبرات :
تفيد بأيه .. إيه يا ندم يا ندم يا ندم
وتعمل إيه .. إيه يا عتاب
طالت ليالي ليالي .. اه ليالي الألم
واتفرقوا الأحباب .. اتفرقوا
صمتت ليكمل وهو ينظر إليها برجاء لمع باخضرار عينيه الذي طغى على العسلي فيهما :
وكفاية بقى تعذيب وشقى .. وكفاية بقى تعذيب وشقى
ودموع في فراق .. ودموع في لقى
صمت وهو يناجيها بعينيه وانفاسه اللاهثة لتبتسم بمرارة نضحت بحروف صوتها الذي خفتت قوته بعتاب تجلى بين حروفها وانظار أشاحت بها بعيدا عنه :
تعتب عليا ليه .. أنا بأيديا إيه
أنا بأيديا إيه .. أييييه
فات المعاد .. فات .. فات المعاد .
أطبق فكيه بقوة قبل أن يهتف بجدية غير قابلة للتفاوض : لم يحن المعاد بعد يا ابنة الأمير .
أشاحت بوجهها نحو النافذة لتكتم ابتسامتها على قدر ما استطاعت وهي تقرر تجاهله إلى أن يصلا للبيت .
***
رمشت بعينيها لتنفرج ملامحها بسعادة تشكلت على ثغرها لتهمس : أتيت ؟!
لامس خصلاتها البنية بوهج الكراميل المفروشة على الوسادة من حولها : بالطبع فأنا لا أقوى على النوم دونك يا حوريتي
تمطائت بسعادة لتهمهم: ظننتك ستأتي بعد غد ، كما أخبرتني .
اقترب برأسه منها : لم أقو على الصمود دونك ، القصر موحش دونكم ، فأتيت .
فتحت عيناها لتبتسم برقة : اشتقت إليك .
لامس ارنبة أنفها بأنفه : وأنا الآخر ، اتبع بعدما لعق شفتيه وعيناها تومض ببريق خاص بها - اشتقت لك برداء السباحة الاحمر .
جلجلت ضحكتها لتغمز بطرف عينها في شقاوة : تريد النزول إلى البحر الآن ؟!
هز رأسه نافيا : بل سنكتفي بحوض الاستحمام
انطلقت ضحكتها المائعة ليشاركها ضحكها قبل أن يدفعها بلطف : هيا انهضي فأنا أريد الحصول على حمام دافئ ، اقترب يقبل ثغرها بتوق - دافئ جدا
انطلقت ضحكتها مرة أخرى لتهم بالنهوض قبل أن ينفتح الباب فجأة فتنكمش ثانية تحت مفرش الفراش الخفيف حينما هتف أدهم بتعجب : مع من تضحكين يا مامي ؟
زمجر وائل بحدة وهو يشيح بذراعه : أنت أيها الحمار ، هل تدلف إلى الغرف دون أن تطرق بابها ؟
ارتفع حاجبي أدهم بدهشة قبل أن يهمهم : لم أعلم أنك موجود ، متى أتيت ؟
هتف وائل بحدة : موجود أو لا ، لا يحق لك أن تدلف إلى الغرفة دون أن تطرق الباب
لوى أدهم شفتيه ليغمغم بحرج وهو يخفض رأسه : المعذرة يا بابي ، لم أقصد ، أتيت اطمئن على أمي فأنا تعجبت حينما أسمعت إلى صوت ضحكاتها .
أجاب وائل ساخرا : من الممكن أن تضحك معي في الهاتف يا رئيس العسس ، كتمت فاطمة ضحكتها ليزمجر وائل متابعا - هيا تفضل إلى غرفتك .
زفر أدهم : حمد لله على سلامتك يا بابا .
نهض وائل واقفا ليتبعه بخطوات حانقة : سلمك الله يا روح بابا .
اغلق الباب خلفه بقوة لينظر أدهم إلى الباب بدهشة وقبل أن يتحرك أتته نوران التي تسال بتعجب : هل مامي من كانت تضحك هكذا ؟
رمقها أدهم من بين رموشه : نعم .
عبست نوران لتسأل بتعجب : بمفردها؟
لوى أدهم شفتيه ليغمغم بنزق : بل مع أبيك .
اتسعت عيناها بفرحة : بابي ، تحركت لتدلف إلى الغرفة فقبض على ساعدها - انتظري ، من الواضح أنه لا يريد المقاطعة .
تمتمت بعدم فهم : مقاطعة ماذا ؟!
قبل أن يجيبها أدهم همس صوته بنبرة عابثة في سماعة اذنها الصغيرة : ادلفي إليهم يا نوران ، لا يصح أن لا ترحبي بوصول أبيك
تمتمت بعفوية : معك حق .
نظر إليها أدهم بعدم فهم : معي حق في ماذا ؟!!
رمشت بعينيها لتهمهم : لا أتحدث إليك
نظر إليها بعدم فهم لينظر حولهما : مع من تتحدثين إذًا ؟!
عضت شفتها لتهمهم : أتحدث مع نفسي ، أذهب يا أدهم لترى ماذا كنت بفاعل واتركني بمفردي .
عبس أدهم بريبة قبل أن يهز رأسه بتعجب ويتحرك مبتعدا ، أتاها صوته سائلا بهدوء : لماذا لم تخبريه أني معك على الهاتف ؟
تمتمت بحيرة : لا أعلم بدى اخباره ليس سهلا .
ابتسم عاصم بتفكير وهو يضجع على فراشه لتتابع حينما عم الصمت عليهما : انتظر سأرحب بوصول أبي ونتابع حديثنا .
اعتدل ليهدر بجدية : لا تفعلي .
توقفت ولم تطرق الباب كما كانت تنوي ليكمل : اتركيه ورحبي به في الصباح ، ثم لا تتركيني الآن ، سأنام بعد قليل حتى أقوى على القيادة غدا .
__ حسنا ، لن أتركك وهيا استعد إلى النوم حتى تحصل على قسط مناسب من النوم ، اتبعت وهي تدلف إلى غرفتها - متى ستغادر صباحا؟
همهم بكسل : في الثامنة بإذن الله
مطت شفتيها بطفولية لتساله بغيرة لم تستطع التحكم بها : لم تخبرني كيف اقنعت جنى بالقدوم معكم؟
ابتسم بمكر : تحدثت معها.
ردت بدهشة : يا سلام ، ولكنك لم تقنعها من قبل ماذا حدث هذه المرة ؟!
اتسعت ابتسامته ليغمغم بتفكه : قلت لها لأجل خاطري يا جنى فاستجابت على الفور
اطبقت فكيها بقوة : هكذا إذا ، أخبرتها أن لأجل خاطرك فهي استجابت على الفور .
كتم ضحكته ليهمس : هل عندك شك ؟
زفرت بحدة : بالطبع لا وهل يقوى أحدا على عدم الاستجابة إليك ، تصبح على خير يا عاصم بك .
تمتم بخفة : لم نكمل حديثنا .
أجابت بغضب : لقد اكتفيت من الحديث .
صمت قليلا قبل أن يزفر بقوة : حسنا على راحتك
رجفا جفنيها : هكذا إذًا ؟!
تنفس بعمق : أنت من تريدين إنهاء الحديث، صمتت ليتابع : وتمنيت لي ليلة سعيدة أيضا
اثرت الصمت فأكمل : كيف ستكون سعيدة وأنت غاضبة هكذا بالله عليك؟!
استكانت بفراشها لتهمس بخفوت : وماذا أن كنت غاضبة ، ماذا سيحدث إلى ليلتك ؟!
همس بصوت أجش : ستكون ليلة سيئة للغاية لأنك نمت وأنت غاضبة ، أرتجف قلبها وهي تتورد تلقائيا فهمس متبعا : هلا إذا طلبت منك أن تحولي الإتصال إلى مرئيا ستوافقين ؟!
غمغمت بصوت أبح : نعم فقط أخبرني عن السبب؟
لوى شفتيه ليجيب بعنجهية: دون سبب ، فقط هكذا ، هل ستفعلين ؟
تمتمت : لا فأنا أرتدي ملابس النوم
كز على شفتيه ليهمهم بصوت أبح وعيناه تومض بتوق : وما هي ملابس النوم ؟ أخبريني .
ابتسمت بمكر أنثوي لتهمهم : تأدب يا عاصم ، ضحك بخفة فأكملت - ما رأيك أن ابعث إليك صورتي ؟
لعق شفتيه ليهمهم بعبث : بملابس النوم ؟
ضحكت برقة : قصدت صورة وجهي فمن الواضح أنك اشتقت الي .
تنهد بقوة ليغمغم : حسنا سأقبل بالصورة إلى أن ات إليك غدا .
عضت شفتها : تصبح على خير يا عاصم .
همس باهتمام : لست غاضبة
هزت رأسها نافية : لا ،
فأجاب بحنو : وأنت من أهل الخير ،اغلق الهاتف ليتابع -يا قلب عاصم .
استلقى جيدا في فراشه وعيناه تومض بتفكير قبل أن يصدح هاتفه برنة رسالة قصيرة فيستقبلها بلهفة وعيناه تومض بشغف لملامحها الناعسة بابتسامتها المغوية بفطرتها فيملئ عينيه بها قبل أن يضع الهاتف بجواره فيظل ينظر إلى صورتها إلي أن غفت عيناه
***
رنين هاتفه المتواصل أقلق نومه فعبس بغضب وهو يستلقي على وجهه يضع الوسادة فوق رأسه، ليعاود الهاتف الرنين من جديد فيزمجر بحدة و هو يرفع رأسه لينظر إلى الهاتف ، انفرجت ملامحه بصدمة انقلبت إلى خوف فاعتدل واجابها بلهفة تملكته : مرحبا يا رقية ، هل أنت بخير؟
ابتسمت لتهمهم : الحمد لله ، ألا اهاتفك إلا لوجود كارثة لا سمح الله ؟!
حك رأسه قليلا ليهتف بحرج: لم أقصد و لكني تعجبت من اتصالك الآن.
عبست بتعجب قبل أن ترد بحرج: اوه المعذرة، لم أنظر إلى الساعة قبل أن اتصل بك، فأنا استغرقت في فحص الكاميرات و لم أنتبه إلى مرور الوقت.
استنفر جسده ليهتف بحدة : أنت لازلت في المستشفى؟
أجابت بعفوية : لا طبعا ، لقد غادرت في موعدي و لكني أخذت نسخه من محتوى الكاميرات لأستمر في البحث.
همهم و هو يعاود الاستلقاء على فراشه : هذا تعب عليك يا روكا.
تمتمت : أنا بخير لا تقلق ، صمتت لتتبع - فقط أريد أن نصل إلى هويته لأشعر بالراحة.
سحب نفسا عميقا ليهمس لها بصوت حان: إياك أن تخافي يا رقية، لا تخافي أبدا .
ضحكت برقة : أخاف و أنت هنا يا باشمهندس، لا يجوز.
اتسعت ابتسامته لتومض عيناه بزرقة غنية ، لتكح بخفة قبل أن تتابع : لقد هاتفتك لأخبرك أني وجدت شيء ما.
ومض الاهتمام بعينيه ،فاتبعت : من الممكن ألا يكون هاما و لكني آثرت أن اخبرك.
تحفز مخه و هي تثرثر إليه :لقد رأيت تحرك شخص ما في كاميرا أخرى، كان يخطو نحو الاستقبال ، و أعتقد أنه كان يراقب عادل أو هذا ما هيأ لي.
غامت عيناه بالأسود القاتم ليسألها بوضوح : من هو؟
لوت شفتيها : لم يظهر وجهه للكاميرا و لكن هيئته واضحه ،من الممكن أن تتعرف عليه أنت و عادل.
صمتت قليلا لتزفر بقوة: فهو طبيب بالمشفى!!

رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن