آخر أيام العيد- ليلًا
تستلقى بين ذراعيه أمام النار الذي أشعلها منذ قليل للتدفئة بعدما جمع بعض من الحطب و أعد الشاي بطريقة قديمة للغاية وهو يعدها بأن مذاق الشاي هذا سيكون مختلفًا وبالفعل كان معه حق فإنه كان ذو مذاق مميز للغاية ، فلا تدرك السبب في تميزه - إلى الآن - هل طريقة إعداده أم الأجواء التي احتسته فيها ؟!
تنفست بعمق وهي تعدل من وضع رأسها النائمة على صدره ليشدد من ذراعيه حولها فتهمس بتساؤل : هل تعد الشاي هكذا في عملك ؟!
حرك كفه ليحتضن كفها الخارج من الغطاء الثقيل الذي يدثرهما سويًا في جانب من المزرعة ليس مسكون بأحد بل هو عبارة عن أرض فارغة يستخدمونها لترويض الخيول البرية ففكر أن يخيما بها بعدما آتيا على صهوة فرسه الخاص فيتناولا الطعام ويثرثران أمام النيران ، حرك جسده المسنود على الحقيبة الضخمة من خلفه ليعدل من وضعه ويضمها إلى صدره اكثر : في عملي لا يكون الوضع هكذا ولكن نعم نعد الشاي بهذه الطريقة.
حركت رأسها ترمقه بطرف عينها : كيف لا يكون الوضع هكذا ؟!!
ابتسم بخفه : لا أكون نائمًا ، بل اجلس متحفزًا ومترقبًا وعيناي متيقظة حتى إن غفوت
انتفضت من بين ذراعيه بمفاجأة فتستقيم جالسه قليلًا لتنظر إليه بعينين متسعتين بذهول : كيف تغفو وعيناك مفتوحة ؟!
ضحك بخفة : لا أعلم ولكن الخطر يكسب الانسان صفات كثيرة حتى يستطيع التصدي له .
اهتزت حدقتيها بخوف لتفرد كفها على صدره وتعاود الاتكاء إلى جسده وهي تقابله هذه المرة هامسة برجاء : كن حذرًا لأجلي ، ابتسم برزانة يبث لها الأمان فأكملت بخفوت وهي تركن ذقنها لكفها المفرود فوق قلبه وعيناها تقابل نظراته - لا أصدق أنها الليلة الأخيرة لنا هنا وسنعود للبيت والعاصمة والعمل من جديد .
ابتسمت رغم حزن عيناها : ستغادر بعد زفاف سليم ،
أومأ برأسه موافقًا : نعم وسنعود مبكرًا غدًا لأكون بجواره من الصباح .
تمتمت بتفهم : أعلم لا حرمكما الله من بعض .
تمتم بخفوت وهو يقبل جبينها ثانية : وحفظك لي يا جنتي .
تنفس بعمق ليضمها إليه سائلًا : نعود الآن ؟! نظرت إليه برفض وهي تبرم شفتيها بطفولية فاتبع ضاحكًا - أخاف أن تمرضين .
تمتمت بخفوت : لا أشعر بالبرد بعدما أشعلت النار وتدثرنا بالغطاء ، رمقها من بين رموشه فاتبعت ببسمة مشاكسة - وبالطبع مكوثي داخل ذراعيك منحني الكثير من الدفء .
همس بلا مبالاة افتعلها : اتريدين امنحك المزيد من الدفء ؟! رمقته بعتاب و وجنتاها تتوردان فأكمل ببساطة - إذا أردت أنت فقط لن أمانع ؟!
ضحكت ومرغت وجهها في صدره بحركة مشاكسة لتهمس : نحن في العراء يا أسعد .
همس بصوت أجش : نعود للاسطبل إذًا ؟!
ضحكت برقة ليغمزها بعينه : لا تنكري أنها راقت لك .
احتقن وجهها بالأحمر القاني وهي لا تستطيع الإنكار ليكمل بخفة قاصد استفزازاها : لقد أصبحت عادة يومية بيننا الأيام القليلة الماضية
همهمت بخفوت حيي :توقف يا أسعد.
تحرك ليجلس ويجبرها على الجلوس هاتفًا بمرح : اليوم لا يعد خلاف العادة فنحن لم نعد للآن.
اشاحت بوجهها بعيدًا ليجذبها نحوه يجبرها أن تنظر إليه فتابع بخفوت : ولكن أنا أريد العودة للغرفة ، احتضن وجهها بين كفيه - اشتقت إليك كثيرًا اليوم .
غمغمت وهي تسقط بأسر نظراته الوامضة بموجة شوق عارمة ستجرفهما سويًا : طوال اليوم وأنا معك يا أسعد .
تنفس بعمق هامسًا وهو يقترب منها يقبل جانب ثغرها : أعلم ولكني لم أحصل عليك كما أريد .
انتفض قلبها بخفة وجسدها يرتخي تحت قبلاته التي انتثرت فوق جانب وجهها نزولًا إلى عنقها الذي وشمه بأنفاسه الساخنة المتلاحقة لتشهق بخفة رافضة وهي تحاول أن تسيطر على يده التي داعبت سحاب معطفها الثقيل لتتسلل داخل قميصها القطني فتهمس اسمه بعتاب وتحثه أن ينتظر ليغمغم قبلما يلتقط شفتيها في قبلة تائقة : لن انتظر ، لا أريد ولا أقوى على الانتظار إلى أن نعود .
ارتجف جسدها رغمًا عنه حينما شعرت بالهواء بارد يتسرب إلى جسدها الساخن فهمست : الهواء باردًا .
فيهمس بخفوت وهو يميلها أسفله يحاصرها بجسده ويحتضنها به : لن ادع الهواء يمر إليك ، فأنت معي و داخل حصن أماني .
اضطربت أنفاسها وهي تشعر بهجومه العاطفي يزداد حسية و وتيرته ترتفع فتستسلم لهذا المد الفجائي الذي جرفهما سويا فتتوحد بشعورها معه فلا تحس بأي شيء آخر سواه وكانها انفصلت عن واقعها لتحيا بغيمة أحلامه الرائعة.
***
تململت في الفراش لتعبس بتعجب حينما شعرت به مستيقظًا إلى جوارها فتحاول النهوض وهي تلامس ظهر الفراش بكفها في مكان ما ليسري ضوء خفيف أكد لها انه مستيقظ بالفعل فتهمس باسمه في تساؤل قلق : أحمد ما بالك ؟! لماذا مستيقظ للآن ؟!
رفت بعينيها وهي تطلع إلى شاشة هاتفها تتأكد من الوقت لتهمس بحيرة : لقد أصبحنا فجرًا وأنت لم تنم للآن ، وهذه الليلة الثالثة على التوالي التي لا تنام بها ، ما الأمر ؟!
استدار اليها بملامحه المغلقة لتتسع عيناها بصدمة وهي تتبين سلاحه الذي يحمله بكفه ارتجفت هلعًا سكن عيناها قبل أن تهمس برعب : ما الأمر يا أحمد ؟!
زفر انفاسه كاملة ليسألها بهدوء وصوت خفيض اقشعر له بدنها : هل إذا طلبت منك أن نعود للمكوث عند أبيك سترفضين ؟!
هزت رأسها نافية لتهمس : أبدًا لن أرفض ، ولكني سأسأل لماذا ؟!
اغمض عينيه بتعب تملكه : أنا خائف عليكم يا أميرة فهلا ارحتني و ارحت قلبي؟!
جلست كما استطاعت لتقترب منه تحتضن وجهه بين كفيها تجذبه نحوها هامسه بخفوت : سأفعل كل شيء يا أحمد لأجل أن أريح قلبك حتى لو طلبت مني أن أضحي بنفسي فداك سأفعل .
انتفض قلبه ليهتف بخوف وهو يضمها إليه : ألف بعد الشر عليك ، حفظك الله لي ولأولادنا وحفظكم لي جميعكم ، أنا دونك أموت يا أميرة .
تمتمت سريعًا وهي تقبل جانب ثغره تحتضنه بقوة : بعد الشر عنك يا حبيبي ، ألا تريد إخباري ؟!
تغضن جبينه بالحزن : بلى سأفعل ولكن حينما افهم أنا أولًا ، فأنا لا أعرف شيئًا كل ما مرره دادي لي أن الأمور تعقدت و أصبحنا جميعنا مهددين كالسابق وأكثر ، وطلب مني أن امكث معهم كما فعل من عمر أو نذهب عند والدك ، ففضلت قصر الجمال هناك سيحمونك وتامي ستراعيك وأنا سأذهب لأكون بجانب والدي وعائلتي .
تمتمت بجدية : بل سنذهب سويًا يا أحمد لن أتركك أبدًا .
تمتم بنفاذ صبر : افهمي يا أميرة من فضلك .
عاندته بالقول : لن أفعل ، فمكان ما ستكون أنت سأبقى أنا ، إذا اردتني أن امكث بقصر آل الجمال لتبقى معي كالمرة الماضية سأفعل ، إذا أردت أن تمكث بفيلا اونكل خالد سأفعل أيضًا ،
احتضنت كفيه براحتيها لتضغطهما بلطف : نحن الاثنان لن نفترق بإذن الله إلى أن نصبح خمس.
ابتسم مرغمًا ليتمتم : يأتون سالمين بإذن الله .
تمتمت مؤمنة على دعاءه لتخلص كفه من سلاحه في رقة فيزمجر رافضًا فرتبت على كفه هاتفه : فقط اتركه ونم قليلًا يا أحمد .
همس بصوت محشرج : لا أستطيع النوم .
مطت شفتيها وهي تجذبه إليها بعدما اضطجعت على الوسادات الكثيرة التي تستند إليها فتضع رأسه بحضنها وتلامس خصلاته وهي تهمس إليه : فقط نم قليلًا وهاك أنا سأحرسنا جميعًا .
همهم باعتراض من بين تثاؤبه : لا أريد .
تمتمت وهي مستمرة بملاعبه شعره : فقط ضع رأسك ولا تنام ، ضمني إليك وظل متيقظًا معي ولكن ضعها واسترح يا أحمد .
هم بالاعتراض ثانية ولكن وسن النوم اختطفه في غيمة وردية من النوم خيمت على عقله لتبتسم برقة وتقبل جبينه القريب هامسة حينما انتظمت أنفاسه نائمًا : تصبح على خير يا حبيبي.
قابلها أنفاسه الهادئة التي ترتطم بجسدها فتربت على رأسه وتضمه أكثر و كأنه طفلها ليس زوجها لتغمض عينيها هي الأخرى وتخلد إلى نوم هادئ وثابت كوجوده بين ذراعيها .
***
اليوم التالي
يجلس بجوار الفراش يتأمل ملامح صاحبه .. صديقه .. و زميل عمله الغائب عن وعيه منذ أن خرج من غرفة العمليات ليستفيق قليلًا قبل أن يغرق ثانية في غيبوبة مؤقته فيطمئن من الأطباء أنه سيستفيق قريبًا وخاصة وأنه يتماثل للشفاء .
تنهد بقوة لينتبه على أزيز هاتفه الذي يعلن عن اتصال جديد لا يعلم كم عدده منها .. ابنة خاله و زوجة صديقه والتي منعها من زيارته ، بعدما زارته أول مرة و انهارت في بكاء حاد وكادت أن تفقد وعيها خوفا على زوجها لولا حديثه وطمأنته لها فيعيدها للبيت بعدما انتهت زيارتها ويؤمرها ألا تعود لزيارة علاء إلا حينما يتماثل للشفاء وخاصة مع هلع الفتيات اللائي شعرن بوالدتهن فانهالن عليها بأسئلة كثيرة كانت معظمها عن أبيهن فأسكتهن وأخبرهن أنه غائب في مهمة عمل تخصه بمفرده وأنه سيعود إليهن قريبًا
أجابها بخفوت و ثرثر لها عن حالة زوجها وطمأنها عليه ليهتف بها في نفاذ صبر دومًا كان من شيمه أنه سيصوره لها كما يفعل ليطمئنها عليه.
اغلق الهاتف بعدما منحها الكثير من الأيمان اقسمها لها بأن علاء بخير ويقسم عليها الكثير حتى لا تأتي وتمتثل له قبل أن يحملها سلامه للفتيات فيستدير على همهمة مختنقة بصوت صديقه المحشرج الذي همس ساخرًا : يفقدونك عقلك أليس كذلك ؟! تصلب جسده ليستدير سريعًا على عقبيه ينظر إليه بصدمة تملكته فيلهث بمفاجأة انقلب إلى لهاج بالحمد والشكر لله قبل أن يندفع نحوه هاتفًا بزمجرة غاضبة و سبة نابية أجبرت الآخر على الضحك المتألم قبل أن يتأوه بصوت مرتفع وحسن يحتضنه بقوة صائحًا : أيها الغبي كدت أن اموت خوفًا عليك.
ترك علاء سريعًا وهو يهتف باعتذار صادق : المعذرة يا علاء أنا آسف فقط من حماسي لعودتك ، يا الله أنت هنا حقًا .
ابتسم علاء في وجهه ببشاشة : اشتقت إلى غلاظتك يا رجل .
ضحك حسن مرغمًا ليهتف باختناق : وأنا اشتقت إليك كنت سأجن إذا حدث لك شيئًا .
تنهد علاء بقوة ليغمض عينيه أنا بخير يا صديق لا تقلق .
اتسعت عينا حسن ليهتف بجدية : الطبيب سأتي بالطبيب ، اندفع ليغادر قبل أن يتوقف ويهتف به في حزم أمرًا بغطرسة - إياك والذهاب لأي مكان إلى أن أعود .
ضحك علاء مرغمًا ليتأوه بخفوت و حسن يندفع مغادرًا يصيح بضرورة وجود الطبيب الآن فصديقه عاد إليه من جديد.
***
يدور من حولها يلملم أشيائهم من غرفته القديمة التي مكثا فيها الأيام الماضية بأكملها إلا ذاك اليوم الذي اصر فيه والدها أن تمضيه معهم فأصر هو في نهايته أن يعود لبيت عائلته في ظل دهشتها وتعجبها أنهما لا يعودان إلى بيتهما ولكنها استجابت في صمت وانتظرت أن يخبرها عم يحدث معه وخاصة في ذاك التوتر الذي ألم به وبتؤامه الذي اعتذر بلباقة لحميه عن عدم حضوره لتجمع العائلة في العيد ، زفر بقوة وهو يقر بسوء الوضع الذي أخبرهم به والدهم في سابقة لم تحدث من قبل فيحدثهم بجدية عم يمر به عبد الرحمن والتهديد الصريح للجميع فيشعر بالقلق ولكنه لا يقوى على عدم الذهاب اليوم لبيت عائلتها ولا حضور حفل رفاف شقيقها الذي طمأنهم عنه أمير أنه سيكون مؤمنًا جيدًا فلا يخشوا شيئًا.
تنفس بعمق وهو يدور للمرة الأخيرة ينظر من حوله لعله لا يكون نسى شيئًا فيقع أسير نظراتها المتسائلة بعتاب لم تنطق به بل ابتسمت برقة : هل تخشى أن تكون نسيت شيء يا عمر ؟! رف بعينيه ليومئ برأسه موافقًا فاتبعت بجدية – لا أفهم ما سبب الخشية إذا كنا سنعود إلى هنا بعد انتهاء الزفاف ، إلا إذا كنا سنعود لبيتنا أخيرًا ؟!
توترت ابتسامته ليسأل باهتمام وهو يخطو إليها يجلس مجاورًا لها في الأريكة التي تحتلها : هل حدث شيء ضايقك يا حبيبة ؟! أحدهم أزعجك ؟! ماما اغضبتك ؟!
زفرت الاختناق الذي يصحبها وهزت رأسها نافية : أبدًا ، بل سعدت بالأيام الماضية التي قضيتها مع عائلتك و والدتك ترعاني وهنا تستفسر عن أخباري وتقص علي حكايتها الجميلة ولكن .. توترت ابتسامته فأكملت - لا أنكر أني اشتقت لمنزلنا يا عمر وخاصة أني لا أفهم سبب مكوثنا هنا.
احنى رأسه ليغمض عينيه مسيطرًا على مشاعره قبل أن يهمس بجدية وهو يحتضن كفيها : إذا طلبت منك أن لا تسألي أو تطالبي بأي تفسيرات الآن ستتقبلين الأمر و تمتثلين يا حبيبة .
قلبت كفيها لتحتضن كفيه بدوره تضغطهما بلطف قبل أن تهمس إليه وهي تطمئنه بعينيها : بالطبع سأفعل ، ابتسم وعيناه تنبض بالخوف فأكملت - لا تعتل همًا يا عمر أنا معك و بجوارك دومًا .
تنفس بعمق ليجذبها إلى صدره يضمها باحتياج اندفع بأوردته ويقبل جبينها هامسًا بصدق : لا حرمني الله منك يا بطتي ، فقط اهتمي بنفسك لأجلي وعلى قدر المستطاع لا تبتعدي عني .
رتبت على قلبه لتهمس بجدية : لا تقلق أنا معك وبجانبك .
نهض واقفًا : حسنا سأذهب إلى عبد الرحمن إلى أن تبدلي ملابسك لنذهب إلى بيت عائلتك
أومأت برأسها ليخطو إلى الخارج متجهًا لملحق الحديقة ناويًا الحديث مع أخيه الذي يشعر بأنه يعزل نفسه عن الجميع غارقًا في عالمه الخاص .
طرق باب المحلق الخارجي ليدلف دون انتظار فيعبس بتعجب ونظره يسقط على أخيه الجالس باعتدال أمام حاسوبه و مع شيء صغير يعمل عليه كما يبدو فيسأله بجدية : ماذا تفعل يا عبده؟!
رفع عبد الرحمن رأسه إليه قبل أن يعاود النظر لشاشة الحاسوب امامه : لدي عمل هام علي انجازه .
تنفس عمر وتحرك نحوه ليسأله : يخص الجهاز .
أومأ عبد الرحمن : نعم أنا أعدل المعلومات التي افسدتها فيما سبق .
ارتفعا حاجبي عمر بدهشة ليغمغم باهتمام : ولماذا افسدتها من قبل ؟!
جمدت ملامح عبد الرحمن ليغمغم باختناق ظهر بصوته : حتى يمنحها أحمد لموسى .
ردد عمر بغضب نادرًا ما يظهر عليه : موشيه يا عبد الرحمن ، وسيظل موشيه إلى أبد الدهر .
ترك عبد الرحمن ما بيده و زفر حانقًا ليتمتم ببوح : أنا فقط لا استطع أن اتأقلم مع الفكرة يا عمر ، كنت افضل أن يكون لا يقربنا عن أن يكون ابن عمنا وأخو أخينا .
رف عمر بجفنيه قبل أن يهمهم بحزن : أنا حزين على أحمد ومشفق عليه ، أحمد عانى كثيرًا و لازال يتحمل يا عبد الرحمن وسيتحمل ما سيحدث فيم بعد .
ران الصمت عليهما قليلًا ليسأل عبد الرحمن بجدية : هل تظن أنه سيحزن عليه إذا أصابه شيء يا عمر ؟!
عبس عمر لينظر إليه هادرًا باستنكار : بالطبع لا .
مط عبد الرحمن شفتيه : بالأخير هو أخوه الأكبر .
رمقه عمر قليلًا لينطق بثبات : هل ستحزن أنت ؟! رمقه عبد الرحمن برفض فأكمل عمر ببساطة – بالأخير هو ابن عمنا الأكبر .
تمتم عبد الرحمن بضيق : الأمر مختلف يا عمر .
أجابه عمر بصرامة : نعم أعلم ، مثلما هو مختلف عند أحمد يا عبد الرحمن ، الأمر لدينا كلنا مختلف ، وإذا تريد أن تتساءل فعليك أن تسأل دادي ما مدى تأثير الأمر عليه ، فموشيه يعد ابن أخوه وله عليه حق أن يهتم به حتى إن كان ابن أخ طالح بدلًا من التفكير في أحمد ومشاعره الظاهرة بوضوح ولا تقبل الشك ، تنفس عبد الرحمن بقوة ليبتسم عمر في وجه تؤامه ويتابع بلطف - لا تفقد إيمانك بكبيرنا يا باشمهندس وكان متيقنًا أن أحمد سيفدينا بروحه إذا استطاع.
تنهد عبد الرحمن وغمغم بصدق : أعلم فقط الأمر مربك وازداد عبثًا حينما هرب موشيه ولا نقوى - للآن - على معرفة مكانه .
__ سيصلون له لا تقلق ، عمو أمير لن يترك الأمر هكذا ، غمغم عمر بجدية قبل أن يتابع – سأتركك تنهي ما تفعل واذهب بحبيبة لبيت عائلتها .
أومأ عبد الرحمن بتفهم ليهتف به : اهتم بها واعتني بنفسك يا عمر وانتبه .
أشار إليه عمر مودعًا : لا تقلق أراك على خير وبالتوفيق في عملك .
تنفس عبد الرحمن بقوة وهو يراقب مغادرة عمر ليغمض عينيه يسيطر على أعصابه قبل أن يعاود العمل من جديد بجدية وجهد متحاشيًا التفكير .. القلق .. الغضب ، متجنبًا التفكير في أنه لا يقوى على التصرف بأريحية ولا الخروج من البيت إلا حينما تصدر الأوامر فهو مُحَدد إقامته في البيت الأمر الذي يثير جنونه.
اطبق فكيه بغضب وعروقه تنفر بضيق سرعان ما انحسر حينما رن هاتفه فطلت عليه بوجهها الصبوح ليبتسم مرغمًا ويقبل الاتصال وهو يهتف بلهفة : في موعدك تمامًا يا رقية .
اتسعت ابتسامتها لتهتف : شعرت أني أشتاق إليك .
أجاب بعد تنهيدة طويلة : وأنا مت شوقًا يا رقية .
تمتمت بخجل ظهر بصوتها الأبح : أخبرني كيف حالك ؟!
تحرك ليستلقي على الأريكة هاتفًا بتعب : سأخبرك فأنا أريد أن اثرثر معك كثيرًا .
أجابته ببسمة رقيقة وهمس بلغة انجليزية راقية : و أنا كلي لك يا عبده .
***
جلست بسيارتها التي صفتها في مرآب المؤسسة تراسله بكلمات كثيرة تحمل غضبها منه ليهدأها برسائله المطمئنة ويذكرها باتفاقهما سويًا ، ويحثها على الصبر والتروي حتى يظفرا بما يريداه ويعيد لها حقها ويستعيد كل شيء دون خسائر جمة .
زمت شفتيها بضيق تملك منها لتتنفس بعمق مرات عديدة متتالية وهي تتذكر حديثه الهادئ والمقنع رغم غضبها منه " تذكري يا نوران ، حسناء البوابة التي ستمررنا لعمق خطته ، لابد أن نقنعها بأن الخلاف بيننا قوي وانفصالنا حتمي ، لابد أن تعود وتطمع بي لتبيع الآخر حينما اشير إليها بالقرب الذي كان مستحيلًا فيم قبل لها "
اختنق حلقها وغيرتها تومض بزيتونيتها لتزأر بغضب في روحها المعلقة به والتي تتخيل اقتراب أخرى منه فتتماسك مرغمه وهي تردد على نفسها : اهدأي يا نوران .. اهدأي وكوني ذكية ، عليك مساندته و خداع الحقيرة الواهمه بأنها تستطيع الاستيلاء عليه .
ترجلت بعصبية من سيارتها لتصفع الباب بقوة هاتفه : بعينها ، ساقتلع عيناها قبل أن تنظر إليه ، ولكن لنظفر من الحقير الآخر أولًا كما يريد وبعدها سأنتقم من تلك الحسناء على راحتي .
خطت بخطوات متلاحقة وهي تستقبل رسالته الأخيرة التي يخبرها من خلالها أنه حان الوقت لوجودها فتسحب نفسًا عميقًا وهي تستقل المصعد الذي حملها للطابق الذي يقع فيه مكتبه لتعدل من هيئتها في مرآته قبل أن تخطو للخارج برأس شامخ وخيلاء ملكة تستحق العرش وعيناها تومض بغضب لم تحاول التحكم فيه وهي تهمهم : تريدها أن تصدق يا عاصم ، ستفعل وستقع في الفخ .
اندفعت إلى الداخل بحدة لتفتح الباب دون أن تطرقه ، تنظر بكره لحسناء الواقفه بقربه والتي اقتربت أكثر منه في حركة ادركتها بسهولة وهي تناظرها بتشفي يحتل نظراتها ، رفعت حاجبها باعتداد وعيناها تبرق بموجة غضب ستجرف كل ما يعيق طريقها ،لكنها تحكمت في نفسها بضراوة وكتفت ساعديها أمام صدرها قبل أن ترمقها بتعالى تعمدته وعلى أثره اكفهرت ملامح حسناء واخفضت رأسها بجبن أثار ابتسامة نوران المتوعدة ، قبل أن تنظر نحوه وهو الذي لم يرفع رأسه لها ، لم يهتم بها ولا بدخولها العاصف بتعمد تدركه ولكنه اغضبها رغم عنها ، أنهى تفحص الجهاز اللوحي أمامه قبل أن يناوله إلى حسناء التي همست برقة مائعة : أتريد شيئًا يا سيدي ؟!
ترك قلمه الإلكتروني ليضجع للخلف ويتمتم بجدية : أشكرك .
انصرفت حسناء بهدوء فتحركت هي بحنق وصفعت الباب خلفها قبل أن تستدير إليه وتعاود وقفتها من جديد تنظر إليه بصمت.
ابتسم بمكر وهو يرفع كفيه خلف رأسه ليمط جسده بإرهاق ويتحدث ببرود لم ينعكس بتسلية عينيه : ما الأمر الجلل الذي دفعك لزيارة مكتبي المتواضع ؟!
ابتسمت ساخرة : لم أصدق أنك هنا حينما علمت ، اتبعت بعدما تحركت بخيلاء لتقف على بعد خطوات من حافة مكتبه الأخرى - وأتيت لأعلم ، لماذا تزوجتني ؟!
ومضت عيناه ليسبل جفنيه مخفيًا شغفه بهما لينطق بهدوء : متى تزوجتك ؟! لا أذكر أني فعلت، اتسعت عيناها بعدم تصديق فيعاود هو جلوسه باعتدال ويقترب من حافة مكتبه بجسده يبثها بعينيه هدوء شعر بأنها تحتاجه – لا زالنا بمرحلة عقد القران .
طحنت ضروسها لتهتف بسخرية : من الجيد أنك تذكر أن قراننا عُقد منذ أشهر ، وحدد زفافنا منذ شهر كامل بعدها سافرت حضرتك واهملتني لم تحاول الاتصال بي .. محادثتي .. حتى زيارتي .. أو رؤيتي في تجمعات العائلة بعدما عدت .
سألها بتهكم وهو ينهض واقفًا يتحرك بهدوء مقتربًا منها : أهذا ما أتى بك اليوم ؟! هل تفتقدينني ؟!
ضربت الأرض بقدمها وهي تمنع نفسها أن تغرس اظافرها في وجهه المبتسم بمكر أثار جنونها : بل جئت أسألك لماذا تزوجتني ؟!
توقف أمامها لترفع رأسها وتنظر إليه بغضب لمع بحدقتيها الماكرتين فيهمس باستخفاف قبلما يداعب شيء ما بساعته الحديثة وهو يرمق الشاشة الصغيرة التي تنقل إليه ما يحدث بخارج مكتبه بينما يجيب ببرود أرادت لطم وجهه عليه : تسرعت ، وبعد تفكير عميق قضيت الأيام الماضية غارقًا فيه ، اعتقد أني آسف لهذا القرار المتهور.
تراجعت للخلف ووجهها يمتقع بصدمة جحظت لها عيناها فيزجرها بعينيه وهو يذكرها بالاتفاق فيما بينهما لتتحاشى النظر إليه وعيناها تحتقن بدموعها المتحجرة فيداعب شاشة ساعته التي انبعث منها ضوء أزرق يعكس الغرفة الخاريجة والتي نقلت إليه حسناء التي غادرت بخطوات متسارعة فيهمس بخفوت وصوته يختنق بالغضب : لقد غادرت اعتقد أنها ذهبت لتبلغه بآخر المستجدات ، برمت شفتيها بحزن طفولي وعبوسها يزداد فهمس بجدية متبعًا - نوران لا تغضبي الآن وتفسدي كل شيء نسعى إليه وخاصة وأنت تدركين أن كل هذا هراء .
عقدت ساعديها بضيق لتهمس حانقة : أعلم ولكني غاضبة ،
ابتسم بمكر وجذبها من ساعديها بعدما أبعدهما عن بعض ، يستند لمكتبه بالخلف بجسده ويجذبها نحوه هامسًا بخفوت مسلي : أنت غيورة .
مطت شفتيها وهي تدفعه بكفيها في صدره تحاول أن تملص رسغيها من كفيه : نعم ولا أنكر ، اتبعت بوميض برق بعينيها – كيف تسمح لها أن تقترب منك هكذا ؟! كيف تمنحها أملًا ليس لها ولن يكون أبدًا ؟! كيف تنصفها علي حتى لو بالخداع .
جف حلقه وهو يفكر ماذا كانت ستفعل إذا رأت ما حدث أول ما وصل اليوم للمكتب وكيف استقبلته حسناء وكأنه حبيبها الغائب عنها ، كيف اهتمت به دون خشية كانت مقرة بينهما من قبل وكيف هو منحها الكثير من الأمل اضطر إليه لأجل نجاح خطته التي شاركت معه في اعدادها ولكنه رغم أنه ألمح إليها بما سيفعله مع الأخرى التي لا تطيقها إلا أنها لا تقوى على السيطرة على غيرتها الجلية التي تكسو ملامحها الآن ، والتي تشي بمدى رغبتها في قتل حسناء بقلب مرتاح .
انتبه من افكاره على همستها باسمه فنظر إليها متسائلًا فسألت بتردد انغمس بحروفها : هل تتوقع أنها ستخبره ؟!
اطبق فكيه وعيناه تغيم بقسوة ليهمس بصوت خفيض : نعم ستفعل .
تنفست بعمق لتهمس بتردد : هل تعلم أسبابه فيما فعل أو ما يريد ؟! هل ما يفعله لأجل ما حدث قديمًا ؟! هل ينتقم مني ؟!
أجاب بصوت أخافها : بل مني !!
تمتمت بعدم فهم : منك ؟! رجف فكه بغضب ازاد توترها ولكنها لم تتراجع بل أكملت تساؤلاتها – هل أخبرتني عم فعلته به قديمًا ؟!
رفع عيناه فتراجعت خطواتها مرغمه للخلف وهي تجابهه نظراته الوامضة باحتراق اخافها ولكنه لم يمنحها الفرصة بل أوقفها بساعده القوي الذي التف حول خصرها و أعادها إليه من جديد بخشونة فارتطمت بصدره العريض ليهمس بفحيح وعيناه تشرد عنها : نفيته .
انتفضت بخفة ليكمل بهدوء لم ينعكس بعينيه اللتين اوشتا لها بمدى سيطرته على نفسه حتى لا يخيفها أكثر : لم يكن ليستقر الأمر بوجوده .
اختنق حلقها لتهمس باضطراب : هل أنت من تسببت في فصله من الخدمة ؟!
اسبل جفنيه ولم يجب فظنت أنه لن يفعل ليجيب أخيرًا : ليس بطريقة مباشرة ، فيكفي أن يشاع عن ضابط الحراسات أنه يراود فتيات العائلات عن نفسهن لينقل لمكان آخر وينفى بعيدًا ، فلم يحتمل وقدم استقالته ،
سيطرت على خوفها .. ترددها .. وذعرها وخاصة بعدما فردت كفيها على صدره فشعرت بقلبه يخفق بعنف لتسأل بخفوت وهي تحثه على الإدلاء بكل شيء يثقل كاهله : لذا سافر للخارج ؟!
ران الصمت عليهما قليلًا ليهمس باختناق : خاله أجبره على السفر ، فخاله لم يجرؤ يومًا رغم مكانته أن يقف متصديًا لنا .
اتسعت عيناها بصدمة لتهمس دون وعي : بابا يدرك ذلك ، يعلم ما فعلته .. هل ساعدك ؟! أم هو من فعلها ؟!
ابتسامة ساخرة شكلت ثغره وملامحه تنحت بقسوة لم تراها من قبل ليهمس بلا مبالاة : أبوك لا يعلم شيئًا ، أو حينها لم يكن يعلم شيئًا ، ارتعد جسدها تحت وطاة نظراته الثقيلة ليكمل ببرود - فحينما سألني بعد عدة أشهر عن الأمر أخبرته ذُهل وهو يرى وجه آخر لم يكن يدركه في ،
صمت ليتبع باختناق : وجه لم أكن أملكه بالفعل من قبل ولكني اكتسبته بعدما تجمد خافقي واخفيته خلف رداء كرامتي الصلد .
انهمرت دموعها رغم عنها لتهمس باختناق : أنا من تسببت في كل هذا
قاطعها بجدية : لا ، نظرت إليه بذهول فأكمل بجدية – طبعًا كنت أحد الأسباب ولكن هذا لم يكن السبب الرئيسي لما فعلته به ، أنا كنت انتقم منه ليس لأجلك .
ابتسامة ساخرة شكلت ثغره وهو يفلتها بعيدًا فيتحرك ليقف أمام نافذة مكتبه الزجاجية ينظر إلى الظلام في الخارج ليهمس باختناق نضح بنبراته : فهو فعليًا لم يقترف أي شيء خاطئ في حقك، ولا حق العائلة ، أولاها ظهره ليكمل وعيناه تشرد بعيدًا – ولكني كنت انتقم منه لأجل نفسي ، انتقم لأجل كرامتي .. وانتقم لأجل أنه الشاب الذي فضلته علي .. انتقم لأنك نظرت إليه ولم ..
صمت وهو يشعر بذراعيها يحتضنانه من الخلف تضمه إليها بمواساة حقيقية وتضع مقدمة جبينها بين كتفيه ليشعر ببكائها دون أن يسمعه ، بكائها الذي ظهر في همستها المختنقة : آسفة .
تنهد بقوة ليهمس بخفوت وتهكم مرير يمر بصوته : ليس عليك الأسف يا نوران ، فأنت لم تخطأي بمفردك ، وإن كنت أخطأت مرة فأنا أخطأت عشرات المرات وتعثرت في طريقي إليك مئات العثرات ، أنا السبب يا نوران لست أنت .
شهقات بكائها المتتالية والتي تزامنت مع كفها الذي يربت على قلبه بترتيبات حانية ازالا ثقل محنته ليهمس بخفوت وهو يجذبها من إحدى ذراعيها فيأتي بها أمامه ليضمها إلى صدره يقبل جبينها بعدما زفر أنفاسه المختنقة بأكملها : توقفي عن البكاء يا نوران .
غمغمت من بين بكائها : توقف أنت عن ترديد اسمي هكذا .
ضحك مرغمًا ليحتضن وجهها بين كفيه هامسًا : كيف تريدينني انطقه إذًا ؟!
رمقته من بين رموشها في نظرة مغوية فطرية لا تدرك مدى تاثيرها عليه لتجيب بدلال طفولي : أنت تعلم .
تنهد بعمق : أنا لا أعلم شيئًا سوى أني أريد معاقبتك لسنوات قادمة .
اتسعت عيناها بدهشة لتردد مستنكرة : معاقبتي ؟!!
أومأ بعينيه قبل أن يجيبها بغطرسة : نعم لأنك استطعت خداعي .. مراوغتي .. الكذب علي ، لم تظهري لي رحمة كابن عمك أو شفقة لأني أدللك ، بل عاندت وتعنت حتى أوشكت أن أصدق أنك تكرهينني .
ابتعدت عنه في ردة فعل غريزية لتصيح ساخرة تكتف ساعديها : دللتني .. وأنت من اوشكت أن تصدق ، وأنا ماذا كان حالي ؟! هل كان من المفترض علي أن أعلم بخبايا روحك دون أن تلمح لي أو تمنحني أي اشارة عن شعورك نحوي، والآن تحاسبني على تعنتي معك ، كل ما فعلته معك كان ليس إلا ردود لأفعالك يا ابن عمي .
زم شفتيه بضيق ليهدر فيها بخفوت : اخفضي صوتك ، ثم أفعالي كانت بسببك يا مدللة ، زمجرت باسمه غير راضية فيجذبها نحوه ثانية أمرًا - حسنًا توقفي عن الزمجرة هكذا فنحن الاثنان أخطأنا .
تمتمت غير راضية : بل أنت السبب يا عاصم ، لست أنا .. أنت من ابتعدت وتركتني بل اوهمتني أنك تكرهني ..
قاطع حديثها حينما احنى رأسه إليها يطبق على شفتيها في التهام منتقم فانتفض جسدها الذي ضغطه نحو صدره في خشونه وكأنه تعمد ايلامها حاولت أن تدفعه بعيدًا أو تنطق باسمه ليتركها ولكنه لم يفعل بل ازاد من قوة احتضانه لها كلما حاولت الفكاك من أسره المفاجئ لها ، حاولت التخلص بجدية ولكنه لم يترك لها الفرصة بل جمد حركتها بإحدى ذراعيه الذي التف حول خصرها فاعتصر جسدها الهش وضغطه إلى صدره الذي التقاها بترحاب شتت رفضها ، وكفه الآخر يضغط رأسها حتى لا تفلت من بين انيابه ، تاوهت من بين شفتيه في رقة أضاعت المتبقي من تعقله فضمها إليه بشوق ولهفه ، وقبلته التي تحولت إلى شغف أضاع رهبتها فاستجابت له بطواعية خلبت لبه . انتفضت بعد قليل حينما تركها تتنفس بقوة لتشهق بألم جراء يده التي صفعتها فتتسع عيناها بذهول : هل جننت ؟!
رمقها بتوعد ليتمتم بهدوء أخافها : لم ترى شيئًا إلى الآن يا ابنة العم ، لو كنت زوجتي لما تركتك تستطيعين الجلوس لعدة أيام بسبب ما فعلته بي على مدار السنوات الماضية ،
انتفضت على إثر صفعة أخرى ليتحكم هو بجسدها جيدًا حتى لا تنفلت من بين ذراعيه : احمدي الله أنني لن اضعك فوق ركبتي و ادبتك كما يحدث مع الصغار حتى لا تشكين مرة أخرى ولو في خيالك من فحوى مشاعري لك .
تمتمت باسمه لتصرخ تلك المرة حينما صفعها لثالث مرة : توقف .
ابتسامة ماكرة تسللت من بين شفتيه ليهمس بتوعد : لن أفعل و إلا سيحدث ما لا يحمد عقباه ، لهثت أنفاسها بذهول وهي لا تعي ماذا يحدث معه فأكمل بخفوت وهو يفلتها بجدية – اذهبي يا نوران فأنا بالكاد اتماسك حتى لا أنالك .
همهمت بصدمة : هل ذهب عقلك ؟!
رمش بعينيه ليهتف بخفوت حاد : نعم ذهب حينما أحببتك ، منذ صغرك أدور من حولك أدللك واعتني بك ، وأنت قالب من الصخر وعقل أحمق وبصيرة معدومة ، والآن غاضبة لأني غاضب منك أخاصمك لأجل غلطتك فتوقفت عن زيارتك أو رؤيتك ، توقفت عن نثر غزلي فوق مسامعك و توقفت عن القيام بدور العاشق كما اعتدت مني ، فلتعلمين أن هذا الدور انتهى وأنا سئمت من لعبه ، وخاصة بعدما أدركت أن هناك من ستعوضني عن عمري الذي قضيته لأجلك .
عبست دون فهم وعيناها تعكس تشتتها ليرمقها بزجرة وهو يحرك معصمه أمامها بعدما شعر بأزيزه الخافت والذي أخبره بوجود أحدهم في الخارج فزفرت بقوة لتصيح بغضب حقيقي وخاصة بعدما تذكرت الأخرى التي انقلب حديثهما بسببها فقاطعه فلم تقوى على الرد عليه كما ينبغي : سأذهب لأبي وأخبره عم فعلت .
ابتسم بسخرية : افعلي ما يحلو لك فأنت – للآن - زوجتي ومن حقي أن أفعل ما اشاء بك .
تمتمت بغل طفولي : سترى وسأنتقم منك على ما فعلته الآن .
تحرك باتجاهها لتبتعد عنه بخطوات سريعة فيبتسم بمكر وعيناه تومض بتسليته فتتوعده ليهتف بعبث : بالمناسبة استعدي فزواجنا سيتم في موعده ، رغم أني لا أرغب في ذلك ولكني لن اغامر بتقسيم العائلة وعليه نحن الاثنان سنمتثل لصالح العائلة يا ابنة عمي .
صاحت برفض مفتعل : بابي لن يوافق حينما أخبره أني لا أريدك .
مط شفتيه بلا مبالاة : كما تريدين يا نوران وعن نفسي لا يهمني اقامة الزفاف من عدمه فأنا حينما أريد ساصحبك بحقيبة ملابسك إلى بيتي ، ليكمل وهو يقترب منها بتؤدة وعيناه ترمقها بتوعد ذكوري— لأحصل منك حسابي كاملًا ، قبل أن ارتبط بالأخرى التي ستنير أيامي بوجودها .
انتفضت بجدية هذه المرة وهي تتوعده بعينيها اللتين امتلأتا بدموعها لتنصرف بخطوات متلاحقة فكتم ضيقه بداخله وغضبه من نفسه ليلامس شفتيه بخفة ويتنهد بقوة وهو يضع كفه فوق قلبه : أهدأ وتماسك حتى لا تتبع مدللتك الغاضبة لتراضيها فينهار كل شيء .
اغمض عينيه وتحرك ثانية لينظر من الشرفة للخارج فيدق الباب بدقات يدرك جيدًا هوية صاحبتها ليستدير مبتسمًا برزانة فتهتف حسناء بصوت باكي : عاصم بك ، أريد الحديث معك .
اتسعت ابتسامته ليومض الظفر بعينيه ولكنه يجيب بهدوء ونبرة رخيمة تعمدها : أنا كلي لك .. اتسعت عيناها بلهفة فأكمل مصححًا – كلي أذان صاغية يا حسناء ، تفضلي .
***
جلست بجوار جسده المستلقي غارقًا في نوم عميق من الواضح أنه يهرب إليه منذ أن عادوا من التجمع العائلي فهو لا يستجيب للخروج برفقة الشباب ولم يتحرك ساكنًا من غرفته بل يقضي أيامه نائمًا وكأنه يهرب من مشاعره .. عواطفه واستنتاج عقله الذي دله أخيرًا إلى حقيقة الأمر ، وأن الآنسة خديجة لا تأبه به ولا تهتم لأمره.
تنفست بعمق لتربت على كتفه بيد حانيه وهي تهمهم باسمه في خفوت : مازن ، استيقظ يا بني، انهض يا حبيبي
لقد قارب المغرب على الأذان وأنت لم تنهض بعد من نومك .
رف بجفنيه ليفتحهما أخيرًا فتتسع عيناها باندهاش حقيقي وهي تدرك أنه لم يكن نائمًا ليبتسم في وجهها قبل أن يشيح بنظره بعيدًا مهمهمًا بصوت خشن : سأنهض الآن .
تابعت تحركه بعيدًا عنها لينهض من الجانب الآخر للفراش يوليها ظهره و كأنه يهرب من وجودها حوله لتسأله بصوت طبيعي قدر استطاعتها وهي تحاول أن تمنحه طمأنينة بجوارها : هل ستستعد لنحضر الزفاف سويًا ؟
عبس بتعجب ليستدير نصف استدارة إليها يتساءل بعدم فهم : الزفاف ؟!
أومأت برأسها : نعم زفاف سليم ، نحن مدعون إليه إذا تتذكر ، و ابن عمك هاتف أحمد منذ قليل يخبره أنه يحاول الوصول إليك ولكنه لا يستطع لأنك تغلق هاتفك وكل وسائل التواصل خاصتك وأنه يريدك أن تستعد للزفاف.
زفر انفاسه ليهمس بهدوء : لن اذهب ، لا تربطني علاقة وثيقة بيني وبينه ولا أفهم لماذا علينا الحضور ؟!
أجابته بتروي : لأننا أنسبائهم ، العريس ابن خال زوج شقيقتك مثلًا.
تمتم باختناق : لا أرى أن وجودي هام ، تستطيعان الذهاب دوني .
رفعت عيناها لتسأله بجدية : إذًا لن تذهب لأجل أسعد ولن تذهب لأجل آسيا أيضًا على ما اعتقد أنها صديقتك وأنت تحرص على صداقتها رغم أنها تكبرك .
ابتسامه متوترة ناوشت ثغره ليجيب : سأعتذر منها وهي ستقدر وتعذرني .
مطت شفتيها لتهمس بإحباط : إذًا علي أن اترك أحمد يذهب بمفرده ، سأبلغه حتى لا ينتظرني .
استدار إليها سريعًا ليسألها : لماذا ؟!
هزت كتفيها دون معرفة قبل أن تجيبه : ظننتك ستشجعني على الذهاب ولكنك لن تذهب وأنا لن أتركك بمفردك.
رمقها باستهجان ليهتف بضجر : لماذا ؟! هل أنا طفل صغير ستمكثين إلى جواره يا ماما ؟!
تمتمت سريعًا وهي تلتقط غضبه المخفي : بالطبع لا ، اتبعت تهادنه - لم أقصد يا مازن .
لينفخ بقوة : إذًا لتذهبي من فضلك مع زوجك فهو الآخر يحتاج لزوجته إلى جواره.
سحبت نفسًا عميقًا واقتربت منه بتؤدة لتسأله بحنو : وأنت ؟!
ازدرد لعابه ببطء ليجيب بصوت مختنق : سأكون بخير لا تقلقي .
ابتسمت لتضمه إلى صدرها بحنان و دعم شعرت بأنه يحتاجه لتهمس إليه بخفوت : فقط أردتك أن تعلم أني هنا إذا احتجت لأن تبوح .. تثرثر .. أو حتى تصرخ معترضًا ، ابتعدت عن صدره لتحتضن وجنتاه بكفيها - أنا هنا .. بجوارك .. و معك .
ابتسامة مزجت بألم عينيه ليهمهم بتفهم : أعلم .
ربتت على وجنته من جديد قبل أن تبتعد عنه ببطء ألم قلبها لتتساقط دموعها وهي تغادر غرفته لتتجه نحو غرفتها وهي تبكي بصوت خافت تمنعه قدر استطاعتها حتى لا يستمع إليها فتزيد من غضبه الذي يكبته .. حزنه الذي يخزنه .. وإحباطه الذي ألم به .
انتفض من مجلسه على دخولها المنهار الى الغرفة ليعتدل بجلسته قبل أن ينتفض نحوها يسأل برهبة تملكته : ماذا حدث ؟! لماذا تبكي ؟! هل حور بخير ؟! هل أنت بخير ؟!
نهنهت وهي تجلس على طرف الفراش تكتم فمها بكفها وتهز رأسها نافية على كل سؤال يلقيه على مسامعها ليهتف بجدية - بالله عليك يا لميا اخبريني ما الأمر ؟!
كفكفت دموعها لترفع بصرها إليه هامسه بصوت أبح : مازن يا أحمد ، قلبي يؤلمني كلما نظرت إليه.
غامت عيناه بحزن دفين آن له الظهور ليغمغم بجدية وصلابة : هو من فعل بنفسه ذلك يا لميا ، هو من اقترف الخطأ بحق نفسه .. هو من سار في طريق ليس له .. هو من فرط في كرامته .. قلبه .. مشاعره باندفاع وتهور عليه أن يتحمل نتيجته الآن .
تساقطت دموعها من جديد لتهمس : ولكنه يتألم .. يتوجع .. روحه تتعذب يا أحمد ، أرجوك ساعده .
أغمض عينيه ليجيبها باختناق: لا أستطيع لا أحد منا يقوى على مساعدته يا لميا ، هو من يقوى على ذلك ، هو فقط من يستطيع أن ينتشل نفسه من دوامة الأسى التي يغرق نفسه بها
تمسكت بساعده القريب في رجاء لم يغفله : ساعده يا أحمد بالله عليك إنه يحتاجك .. يحتاج وجودك بجواره .. ويحتاج أن تمد له ذراعك ليتعلق بها لعله يخرج سالمًا من دوامته .
تنهد و ابتسم بحنان وهو يتأمل ملامحها الجزعة لاجل ولده : سأفعل ، فقط امنحه الفترة الكافية ليدرك صدمته ويتأقلم معها .
انهمرت دموعها من جديد وهي تهمهم : أنا لا أقوى على الصمت و الانتظار .
أجاب بجدية وحزم : لابد أن نفعل ، لابد أن يكون قراره نابعًا من داخله يا لمياء و إلا سيعاود لنفس الطريق
رفت برموشها المبللة ليبتسم داعمًا : توقفي عن البكاء ، سيكون بخير لا تقلقي نظرت إليه بعدم فهم لتسأل : وكأنك موقن من كونه سيصبح بخير
أجاب بتأكيد : بالطبع موقن من ذلك ، فبالأخير هو يحمل جينات الجمال وإذ لم يقوى على الوقوف من جديد سأرسله لوائل يتصرف معه .
اتسعت عيناها باستنكار لتهتف بجزع : لا طبعًا ، لا نريد خدمات سيادته .
تعالت ضحكته مرغمًا ليهتف : يا الله سأخبره أنك تعترضين على صفات جنابه السامية .
عبست بضيق لتتورد بخجل قبل أن تهمس : لا أقصد ولكن شقيقك يا أحمد مختلف تمامًا عنك ، إنه ..
اشارت بكفيها دون أن تستطع أن تنتقي كلمات تعبر بها عن مشاعرها فهمس بخفوت مشاكسًا : صدقيني لن تجدي صفات مهذبة تليق به ، احتقن وجهها وهي تستدير إليه بمفاجأة فأتبع - أستطيع مساعدتك بالمناسبة
رمقته بطرف عينها ليهتف بصراحة : لنبدأ بأنه مغرور .. عنجهي .. متكبر .. وعنيد و وقح .
كتمت ضحكتها لتهمس بخفوت : بالطبع لم أكن سأصفه هكذا .
رمقها بتسلية : حقًا ؟! كيف كنتي ستصفينه إذًا ؟!
هزت كتفيها دون معرفة لتهمهم : لا أنكر أني اتفق معك في صفة أو اثنين ولكن هذه صراحة تعد تحت مظلة الوقاحة يا أحمد .
قهقه ضاحكًا ليهتف بها وهو ينهض واقفًا : لعلمك لو سألت وائل سيقر بكونه كل ما سردته عليك ، أتبع وهو يتجه نحو دورة المياه - فهو يفتخر بصفاته السامية .
نظرت إليه باستنكار لتصمت دون رد قبل أن يهتف بها : هيا استعدي من فضلك حتى نذهب للزفاف .
أومأت برأسها لتهتف بجدية : بالمناسبة مازن لن يأتي .
تنفس بعمق ليمأ برأسه متفهمًا : اتركيه على راحته يا لميا وحينما يستعيد نفسه سأتحدث معه.
تنهدت بقوة ونهضت لترتب احتياجاتهما تستعد للزفاف كما يريد وهي تدرك أن فكرها سيظل معلقًا بمن تركته خلفها .. بولدها الذي أتى من رحم قلبها فاحتضنته حواسها واقترنت به مشاعرها فلا تقوى إلا أن تتوحد معه فيبكي قلبها حزنًا على الأسى المخزن بداخله و الذي يكاد أن يغرقه ببطء ويبتلعه في غياهب بؤسه.
***
دلف خلفها من باب البيت بعدما ودعا بعض من الأصدقاء الذين قاموا بزفهم إلى بيتهم مع عائلته ما عدا حبيبة التي تحججت بتعب حملها وعادل الذي ودعه بالقاعة وأخبره أن عليه الذهاب رأسًا لمشفاه وخالها .. ممثل عائلتها الوحيد الذي وصل اليوم من روما وسيغادر في الغد حتى دون أن يمر بها و من كان وكيلها اليوم في عقد القران الذي عقد أمام الناس ليضيف توثيق زواجه منها بالمحكمة في لبنان وتصبح زوجته تبعًا للقوانين هنا في وطنهما ، تنفس بعمق و رمق ظهرها وهي تقف من الواضح أنها في انتظاره ليقترب منها يضمها من خصرها إلى صدره يطبع قبلة عميقة فوق وشم اسمه الذي من الواضح أنها جددته بنفس المكان والظاهر أسفل خصلاتها التي حررتها من طرحة الزفاف في وقت سابق وهي تراقصه بحماس وسعادة أثارت فرحته لأجلها ليهمس بخفوت : مبارك يا جيجي .
ابتسمت برقة واستدارت إليه برأسها لتقبل وجنته بخفه وتهمس : بارك الله فيك يا سليم .
سألها باهتمام لمع بعينيه : سعيدة ؟! هل أعجبك الزفاف ؟!
اتسعت ابتسامتها وعيناها تضيء بفرحتها : جدًا كان رائعًا .
ابتسامته التي تعشقها رسمت على ثغره ليهمس مغازلًا : أنت من منحته روعته يا عزيزتي .
احنى عنقه ليقبل ثغرها وهو يلصقها به يضمها إلى صدره وقبل أن يبدأ في اجتياحها بكفيه الذين تمسكت بهما وهي تهمهم برفض وتدفعه بعيدًا عنها فيعبس بتعجب لتبتسم برقة هامسة بجدية : انتظر يا سليم من فضلك .
رمقها بتساؤل وهمهم بمزاح : ماذا انتظر إنها ليلة الزفاف وأنا اشتاقك كثيرًا فمنذ أكثر من عشرة أيام لم نلتقي لانشغالنا بأمور الزفاف.
ابتسمت بتوتر وهمست : نعم أعلم ولكن ..
عبس بعدم فهم لتكمل بهمهمة مبعثرة - لن نستطيع اليوم أيضًا .
سألها بغباء خيم على عقله : لن نستطيع ماذا ؟!
توردت لتهمس بخفوت وهي تنظر إليه بعتاب : لن نستطيع أن ..
صمتت لتعض شفتيها قبل أن تتبع بخفوت شديد وبلغة انجليزية سريعة : it’s my period .
ارتفعا حاجبيه بصدمة ألمت به ليهمس بعد وهلة : اوووه ، فهمت ، ابتعد قليلًا ليكمل برزانة - أعتذر لم أفكر هكذا ، لم أتوقع .
احنت رأسها : أنا آسفة .
تنفس بعمق ليهمس سريعًا وهو يعاود اقترابه منها : إطلاقًا لا تعتذري ، إن هذا الأمر ليس بيدك ، أتبع وهو يمنحها ابتسامته العريضة - أنا متفهم بالطبع .
ابتسمت بتوتر ليحتضن وجهها يرفعه نحوه ينظر إليها بلطف قبل أن يقبل جبينها بلباقة ثم ينحني فجاة ليحملها بين ذراعيه ، انتفضت بخفة ليضحك هاتفًا : حتى إن لم نلتقي الليلة ، لقد وعدتك أن أحملك بعد الزفاف إلى فراشنا وهاك أنا أفعل .
احتضنت عنقه وهي تبتسم برقة وعيناها تشي بحبها إليه فيكمل بمزاح : ثم هذا الأمر جيد يوكد لنا أننا آمنين ولكن بعد هذه الليلة لا يهم سواء أخذت الجرعات أم لا لن اهتم فما كان يجعلني مترقبًا انتهى واليوم بداية حياتنا سويًا يا انجي .
تخشب جسدها بين ذراعيه لينزلها ويجلسها على حرف الفراش ثم يجاورها مكملًا - اليوم بداية حياتنا الفعلية أنت زوجتي العزيزة و أم أطفالي فيما بعد بإذن الله ، وعليه سأرعاك و اهتم بك .. اراعيك و اقدرك .. وأعلي من شأنك واحميك .. اساندك و ادعمك ، في مقابل أن تحبينني .. تحفظين اسمي وسمعتي .. وتمنحيني دفئك وثقتك وتقديرك لي ولشخصي ، سنصبح واحداً فلا أسرار تحول بيننا ولا ماضي يقيد حياتنا ، منذ الليلة أنا ملك وأنت ملكي يا انجي فحافظي علي لأحافظ عليك .
ابتسمت واهتزت حدقتيها بتوتر سيطر عليها للحظات قليلة لتخمده في مهده ثم تتسع ابتسامتها لتحتضنه بقوة وتهمس بخفوت : سأظل ملك لك يا سليم ، وأنت ستظلي ملكي .. لي .. خاصتي .. زوجي ولن افرط فيك أبدًا.
***
تجلس أمام مرآتها تزيل بقايا زينتها بهدوء وتروي وتلك الابتسامة التي تلمع على ثغرها تزينه منذ منتصف العرس .. ذاك العرس الذي ذهبت إليه وهي مترددة من حضوره .. مترقبة لوقعه عليها وهي ترى آخرًا حلمت به يكون من نصيبها يقترن بأخرى ولكنها آزرت نفسها و دعمتها ابنة خالها وهي توكد عليها حضورًا براقًا يخطف الأبصار ، وهذا بالفعل ما حدث رغم احتشام فستانها الطويل والذي غطى جسدها كاملا ولكن تفصيلته التي اتخذت شكل جسد عروس البحر منحتها طولًا ولونه البنفسجي الشاحب بلمعة براقة منحتها ألقًا رغم صدره المغلق وكميه الذين كسا ذراعيها لأخرهما ، دون فتحة واحدة و دون أن تظهر سنتيمترا من جسدها ولكن -كما أخبرتها نوران- أن انسدال الفستان على جسدها وتحديده لمفاتنها جعلها أكثر جاذبية و إبهارًا دفعت عاصم أن يمدحها بصدمة تملكته وأثارت غيرة نوران التي رمقته بطرف عينها فمنحها اعتذارًا لائقًا علنيًا وهو يقبل جبينها ويهتف بها أنها الأجمل دومًا
ولكن ليس هذا ما أثار ابتسامتها ولا منحها سعادتها ، بل إن ما أسعدها حقًا هي تخطيها لأمر سليم فهي لم تشعر بالحزن و هي تنظر نحوه يجلس بجوار عروسه ولم ينتفض قلبها ألمًا لأنه يقترن بأخرى غيرها ، بالعكس لقد كانت منشغلة بالآخر الذي يشاكسها متعمدًا ومتخفيًا و كأن حديثه معها سرًا حربيًا لابد من الحفاظ عليه ، ضحكت بخفة وهي تستعيد جملته حينما سألته عن سبب حديثه معها هامسًا ومتخفيًا عن الأنظار فيخبرها ببساطة أنه يحافظ على رقبته و رغم عدم فهمها للأمر ولا تفهمها إلا أنها ضحكت مليء شدقيها ضحكة عالية دفعته للابتعاد عنها بخطوات سريعة وكأنه يهرب من القبض عليه متلبسًا بالجرم المشهود ، ولكنها لم تقتنع بابتعاده فسعت للحديث معه أكثر من مرة و رغم تحاشيه للأمر إلا أنه استجاب لها أخيرًا بل و راقصها بخفة واندفاع لم تشعره ضمن خصاله حينما انضمت لحلقة الرقص التي كانت مشتعلة بسبب سليم وأصدقاءه وأقاربه ، ولكنه بالفعل لم يكن يراقصها لأنه يريد ذلك بل لأنه أراد دفعها للخارج بعيدًا عن حلقة الرقص وقاعة الحفل ، بل هي وجدت نفسها فجاة بحديقة الفندق الرائعة وهو يرمقها بضيق ويسأل بصوت الرخيم ونبرته المهذبة : ماذا تفعلين يا ملك ؟!
حينها نظرت إليه بتشوش أجادته لتهمس بخفوت و وجنتاها تتوردان بعفوية : ماذا أفعل ؟! لا شيء ، كنت ارقص
رمقها مليًا ليسألها ببطء متعمد : لماذا ؟!
هزت كتفاها برقة : آسيا جذبتني لأرقص معها وأنا فعلت .
تفحصها بدقة فاحتقن وجهها لتهمس ببراءة : هل أنت غاضب ؟! عبس بعدم فهم فأكملت وهي تتطلع إليه بعينيها - من رقصي .
هز رأسه نافيًا ليجيب : لا ولكن ظننتك ..
صمت لتبتسم بخفة وتهمس : ماذا أرقص لأجل إثارة إعجاب أحدهم .
ضحك بخفة : لا ، حقيقة رقص الصغار هذا لا يثير إعجاب أحدًا ، فأنت كطفلة تريد مواكبة الكبار ، رفعت حاجبها بضيق ليكمل بخفة - ولكن اعتقد بعض من التمارين ستأتي بثمارها فالأساس موجود يا ابنة عابد .
اشاحت بوجهها بعيدًا وهي تكتف ساعديها بغضب فلوى شفتيه ساخرًا : من الواضح أني اغضبتك .
هتفت حينها بضجر : نعم فعلت .
تحرك بخفة ليقف في دائرة ابصارها هامسًا : حسنا إذا أخبرتك أن راقني فستانك هذه المرة ، و أن فستان أميرة البحار هذا يليق بك ستظلين غاضبة . ازدردت لعابها وهي تستعيد خفقات قلبها التي دوت بقوة و وجهها الذي احتقن بالأحمر القاني فرأته جليًا بالمرآة وعيناها ترف بوجل أحاطها وهي تستشعر صدق كلماته لتجيبه بجدية رسمت ملامحها : لا سأخبرك أنك تجاوزت حدود المسموح في الحديث بيننا يا دكتور.
ليبتسم بخفة ويهمس بغموض : ألا تعد هذه مغازلة بريئة تتقبلينها لأجل عيناي ؟
فأجابته بكبرياء تمسكت به وغرور داعبها : بالطبع لا ، فأنا لا اهتم بك لاهتم لأجل عيناك .
كتم ضحكة شعرت بها ستصدح من حلقه ليسألها بمكر : حقًا يا ملك ؟!
فتهز كتفيها ثانية وتخطو عائدة للداخل دون رد بعدما رفعت طرف فستانها فأدركت نظرته التي حطت فوق أول ساقيها الذين زينا بحذاء من المخمل فضي أضاء قدميها فتبتسم بمكر وثغرها يلمع بانتصار تجدد وهي تنظر نحو انعكاس صورتها في المرآة لتهمس بيقين لنفسها : ما رأيك بالارنبة الصغيرة يا أبيه ؟! هل استطاعت أن تشغل عقلك و تخدعك أم لا ؟!
***
بعد أسبوعين
يتململ بكرسيه .. يصر على أسنانه بطريقة ملحوظة فصوت أسنانه يكاد أن يزأر به حتى يكف عن الإطباق عليها .. ينظر إلى ساعته فيزداد غضبه وهو انتظر أكثر من ساعتين للقاء من طلب مقابلته بعدما حدث في المشفى ، يومها انتهت موجة جنونه على وصول دورية أمن رفيعة المستوى انهت الشجار دون تدخل أمنى صريح وأبلغه كبيرهم أن يكف عن المشاكل فالوضع هكذا أصبح فوضوي أكثر من اللازم ، لذا التزم الهدوء التكتيكي وخاصة مع وقوف عمه محايدًا و ناقدًا إليه بل وغاضبًا عليه فيما فعله بابنته ، ولكنه لم يكن يدرك أن الهدوء الذي تلى أيام المشفى كان الهدوء الذي يسبق العاصفة فبعد أربعة أيام تم استدعاءه للتحقيق فيما نسب إليه من جريمة عنف منزلي ضد زوجته ، حينها هاج وماج وكاد أن يهدم القصر على ما فيه ولكن محاميه حاول تهدئته والتحكم في نوبة غضبه وهو يشرح له الأمر كاملًا ويخبره أنه يحمد الله على نجاته من تهمة الاغتصاب رغم ورودها في تقرير الطبيب ولكن لأن السيدة اسيل زوجته لم يستطيعوا توجيه التهم إليه حينها سأله عن أمر الطفل فأخبره المحامي أن هذا أمر آخر عليه أن يشكر حسن حظه فالطفل لم يجهض ولذا هم لديهم أمل بالصلح فالقضاة اغلبهم يميلون للتصالح بين الزوجين إذا ما وجد أطفال بينهم.
ولكن الأمر لم يتوقف عند تحقيق واستدعاء نيابة بل إن العاصفة الحقيقية هبت حينما بدأ الإعلام تداول القضية وتناثرت الإشاعات عنه وعن عنفه المنزلي ضد زوجته بل واشتعلت السوشيال ميديا بالأخبار الأكثر منها مفبركة ولكنها متواجدة ومتناثرة ليحاول محاميه إيقاف النشر مرتين ولكنه لم يقوى ، ورغم أن الفريق الإعلامي الخاص بشركاته حاول مجابهة الانتشار إلا أنه لم يستطع بل هو شخصيًا حاول بعلاقته أن يصدر أمر لمنع النشر في القضية والذي اصبح كنوع من التشهير به وباسم عائلته ومكانته في المجتمع الذي أصبح ينظر إليه باحتقار كونه الهمجي الذي ضرب زوجته الرقيقة ولكنه لم يفلح ليشعر بعقله يشت وجنونه يزداد خاصة مع عدم تمكنه من الوصول إليها أو معرفة مكانها فالآخر يخفيها عنه ويمنعه عنها ، الآخر الذي طلب مقابلته رغم صدمته من الطلب إلا أنه أتى ليجعله ينتظر ويؤجج غضبه عليه أكثر وأكثر .
صدح صوت مديرة مكتب الآخر صادحًا برقة : زيد بك ، هادي باشا ينتظرك الآن .
حرك قدميه بتوتر ملحوظ لينهض واقفًا باعتداد ويخطو إلى داخل مكتب الآخر الفخم يتطلع بنقمة من حوله إلى أن وقع نظره على الآخر الذي جلس بسلطوية وهيبة شعر بها مرغمًا وخاصة حينما وقع بصره على القطعة الخشبية بهية الصنع والمظهر واسم الآخر منقوش بأحرف عربية فخمة ومطليه بماء الذهب " هادي الغمري "
عدوه رغم عدم إعلان العداوة .. وكابوس حياته الذي يحيى فيه الآن .. غريمه رغم فارق السن والمكانة ولكن كلاهما يعلم جيدًا مدى كره كلًا منهما للآخر ، فهادي رغم أنه ليس النقي الذي يتغنى بنقاء سيرته إلا أنه محبوب للجميع ولديه سيرة حسنة رغم أعماله المتخفية في نفس مجال تجارتهما والتي يعلمها زيد جيدا ولكن لجوء هادي وتعاونه مع الحكومة هو ما يمنحه صك مغفرة معلن في حين أنه يتخفى جيدًا ويخفي آثاره بعناية حتى لا يسقط سقوطًا مدويًا.
رفع هادي رأسه بايباء لينطق بجدية وابتسامة متكلفة أجبر نفسه عليها على ما يبدو : زيد بك أنرت مكتبي .
تقدم زيد منه ليتوقف أمام المكتب الذي لم ينهض هادي عنه لاستقباله ولا مصافحته ولا الترحيب به وهو يهتف بصوت مختنق : مرحبًا بك يا باشا ، ازدرد لعابه بغضب يسكن عينيه - حضرتك طلبتني .
غمغم هادي دون اهتمام حقيقي : اها نعم اجلس يا زيد .
مط زيد شفتيه بضيق ليمتثل لأمره مرغمًا وهو يشد جسده باعتدال وغطرسه فيرمقه هادي بطرف عينه قبل أن يهتف بهدوء : صدقًا لست أنا من طلبك ، السيدة زوجتك طلبت مقابلتك رغم رفضي للأمر .
طحن زيد ضروسه ليكمل هادي ببطء متعمدًا استفزازه - ولكنها أصرت فهي تريد الحديث معك ، لا أعلم فحوى حديثها الذي ستوجهه لك ولكن احببت أن أنبهك إذا حدث وتجاوزت معاها لن ترى خيرًا ثانية يا زيد .
انتفض عصب الغضب بوجه زيد فأكمل هادي مستطردًا : واعتقد أن الايام الماضية كانت خير دليل على صحة قولي لذا يا زيد استمع إلي جيدًا وخذ حذرك يا بني فأنا لا ألقي الكلام جزافًا ، إذا حدث وتطاولت بأي شكل على أسيل هانم ستواجهني أنا شخصيًا .
رجف جفنيه بغضب استعر بعينيه ليواجهه هادي بنظراته الساكنة بغموض وتهديد صريح مزجا ببنيتيه ليكمل بصوت بارد - ونصيحتي لك عليك الموافقة على كل ما تريده الهانم والامتثال إليه بل وطاعته حتى لا تجد نفسك ملقى بالسجن وليس لأجل أنك ضربت زوجتك أو اغتصبتها ، وهذا الأمر الذي لا يعرفه الكثير - لكن لأجل اشياء أخرى تلف حبل المشنقة حول عنقك يا زيد بك أنت الأدرى بها .
انتفض زيد بذعر سكن عيناه وملامحه تشحب ببطء ليضطجع هادي بكرسيه قبل أن يهمهم : سكوتي عنك ليس نابع عن عدم معرفتي يا زيد ولكنه صمت الصبور فاحذر حينما ينفذ صبري فهو قارب بالفعل على النفاذ .
ازدرد زيد لعابه ليهز رأسه بتشنج فيبتسم هادي ببرود قبل أن يخبره وهو يشير إليه بالانصراف : سأبلغك بالموعد الذي ستحدده السيدة اسيل وحينها سيأتي إليك رجالي ليصحبوك بمفردك ،
أومأ زيد برأسه وهو ينظر إليه بغضب حارق ليهم بالانصراف بالفعل ليوقفه هادي حينما نطق بجدية : يا زيد ، توقف واستدار إليه ليتبع هادي بجدية - لا تحاول أن تلتف من حولي وتذهب إلى سيادته وإلا حينها ستكون حفرت قبرك بيدك فما اعلمه كثيرًا جدًا ولن يكون في صالحك حينما أخبر سيادته عنه .
احتقن وجهه وهو يشعر بخنقته تزداد فيمأ برأسه الذي انحنى بتلقائيته وهو يشعر بالذل يمتطي عنقه وخاصة مع تورطه هذه الأيام في هذا الموقف الشائك الذي لا يقوى على التصرف فيه ، خرج من المكتب وهو يفُك أزرار قميصه الأمامية لعله يستطيع الحصول على الهواء وعقله يزأر بالغضب وهو يبحث عن حل في أزمته التي تكالبت عليه ليصرخ بقوة حينما دلف إلى سيارته ويضرب مقودها بقهر تملكه وهو يشعر بأنه سقط ولن ينهض ثانية.
***
يقف أمام نافذة شرفة مكتبه ينظر للخارج إلى الظلام الذي عم الاجواء من حوله يعد الدقائق لملاقاة الآخر الذي ينتظر زيارته بثبات يخيم عليه ، وينتظر نتيجة وجوده هنا في مكتبه أمام حسناء التي اصبحت طوع يده بعدما قضى الأيام الماضية وفي ظل غياب نوران بالتقرب إليها في تؤده أتت بثمارها على ما يبدو ، زفر أنفاسه بقوة وهو يفكر في نوران وما يلم بها هذه الأيام فهي نزقة .. عصبية .. وضائقة على الدوام ، وهو يدرك حجم غضبها وخاصة وهي بعيدة عنه تخاصمه لأنها تعلم بقرار نفسها ما يفعله على خلاف عادته بالأخرى التي إذا منح لغضبه فرصة واحدة أن يصدح على تصرفاته سيبطش بها ولكنه يتحمل حتى يستعيد ما استولت عليه حسناء ويدرك ابعاد خطة الآخر الذي يتربص به ، ولكن كل ما تفعله نوران سينتهي حينما ينهي هو خطته ، بل يعلم جيدًا كيف عليه أن يمحيه من جذوره بعدما يتخلص منهما و ينتقم أيضًا ، فقط هو الوقت ما يقلقه ولكن خلاف ذلك هو متحكم في الخيوط كلها ويقوى على اداراتها لصالحه .
دق الباب فانتبه لوصول زائره فاستدار وهو يواجه من طل من الباب بطوله الفارع ابتسامته الساخرة وعيناه الوامضة بغضب دفين يخرج من عمق كرهه له ، ابتسم عاصم بتهكم ليهتف بترحاب مزيف : مرحبًا يا سيد أسامة ، أنرت المؤسسة بوجودك .
لوى أسامة شفتيه بابتسامة هازئة : المؤسسة منورة بوجودك يا كبير آل الجمال .
تمتم عاصم بعفوية مصححًا : القادم ، عبس أسامة بتساؤل فأتبع عاصم بثرثرة تظهر طبيعية – الكبير القادم ، فعمي منحه الله الصحة والعافية لازال موجود بارك الله في عمره .
قهقه أسامة بخفة وهو يجلس عندما أشار إليه عاصم بالجلوس على احدى الكرسيين المقابلين لمكتبه : حقًا ؟! ضيق عاصم عينيه فأكمل أسامة بغل – لطالما كنت الكبير يا عاصم حتى في ظل وجود عمك سيادة الوزير الذي كنت تتحكم فيه بسلاسة ولازلت .
أمال عاصم رأسه قليلًا مفكرًا : هل تظن ؟!
رمقه أسامة بغل : ألا تظن أنت ؟!
هز عاصم رأسه ببرود : لا أعلم حقًا ولكن كل شيء جائز ، وخاصة أن عمي يحبني كثيرًا وأنا أملك حظوة عنده .
غمغم أسامة باختناق : لذا يمنحك مدللته بطيب خاطر .
قست عينا عاصم ليرفع نظراته إليه يرمقه بغضب : اعتقد لأجل هذا أيضًا .
اتكأ أسامة للخلف ليهتف بهدوء : بظنك ماذا سيفعل عمك حينما يعلم أنك تخون ابنته ؟!
رف جفن عاصم ليهمهم باستهزاء : أخون ابنته ؟! ما هذا الهراء يا أسامة ؟!
ابتسامة ثعلبية رسمت فوق ثغر أسامة ليلوح برقاقة الكترونية موضوعة داخل حافظة انيقة : الهراء هذا موثق يا عاصم بك ، أخبرني كيف سيكون رأي عمك بل رأي العائلة كلها حينما يذاع فيديوهات ومقاطع صوتية لخيانة بكري الجمال الذي على وشك الزواج بابنة عمه ؟! أتبع متهكمًا – كم أنت جبار يا عاصم ، تخونها و أنتما تستعدان للزفاف يا رجل كنت انتظرت إلى ما بعد الزفاف على الأقل ؟!
اغتم وجه عاصم ليهمس بجدية دون مراوغة : ماذا تريد ؟!
افتعل أسامة التفكير ليهمهم بخفوت : لا شيء ، سوى أن أرد لك الصفعة يا عاصم بك ، ومثلما حرمتني من كل شيء ، سأحرمك أنا من الشيء الوحيد الذي أردته طوال عمرك ، فإذا تغاضى عمك عن أفعالك نوران لن تفعل .. لن تقبل بأن تتزوج من خائنًا مثلك .
اضطجع عاصم للخلف ليرمقه مليًا قبل أن يهمس : هل هذا حقًا ما تريده يا أسامة ؟! أن تخرب علي زيجتي هذا هو هدفك ، أم هناك هدف مخفي تلصقه بهذه الأمنية بعيدة المنال ؟!
هتف أسامة بحنق : ليست بعيدة المنال يا عاصم بك ، فقط انتظر إلى أن تصل المقاطع لنور و حينها نتحدث .
انتفض فك عاصم بغضب ليهمس من بين أسنانه : نوران هانم لا تدعني اصحح لك الاسم ثانية.
ضحك أسامة بخفة وهم بالحديث ليصدح صوت رنين هاتف عاصم فأشار إليه أسامة برأسه : اعتقد أن نوران هانم تتصل بك يا عاصم ،
قبض عاصم كفيه لينظر إلى هاتفه الذي يومض بصورتها الضاحكة ليغلق الرنين قبل أن يزفر بقوة : دعك من نوران وعمي وحسناء أيضًا ، أليست حسناء من تعاونك ؟! بالتأكيد لن تأتي بهذه الاشياء التي معك دون تعاون كامل منها .
صمت أسامة و رمقه بتحدي ليتابع عاصم سائلًا – هل منحتك جهازي اللوحي أيضًا ؟!
ضيق أسامة عينيه ليتابع عاصم بخفة : ألم تدرك الآن أنه ليس بذي قيمة يا اسامة ؟! فأنا أوقفت تخصيصه منذ كنت بدبي .
تنفس بعمق و أتبع وهو يقترب بجسده من حافة مكتبه – وهذا يعود بنا للأمر الآخر ، فأنت لم تخطط لأجل أمر عمي والخيانة وهذه الأشياء التافهة ، لقد أصبحت رجل أعمال ذائع الصيت لذا من المؤكد أنك تريد شيئًا سوى أن تفقدني حلمي القديم .
اختنق حلق أسامة ليسأله عاصم وعيناه تومض بمكر : هل تريد استعادة مكانتك مثلًا ؟! أن تعود للوطن مثلًا ؟! ماذا تريد يا أسامة ولنكن واضحين سويًا ؟!
تمتم أسامة بثبات : أريد كل شيء .
مط عاصم شفتيه مفكرًا : حسنا لنرى الأمر كصفقة تستحق الدراسة ، فنحن بالأخير رجلي اعمال ناضجين ، أنت تهددني بهراء لا صحة له ولا قيمة بالمناسبة فعمي لن يصدق ونوران أيضًا لن تفعل .
انتفض أسامة وجلس باعتدال وهم بالحديث فأشار إليه عاصم ببرود : فقط اهدأ لتستوعب الأمر كاملًا يا سيد أسامة ، فهذا الهراء المفتعل الذي تمتلكه كان الطريق الذي رسمته لك فسرت أنت به كتابع لا يدرك أغراض سيده ،
قفز أسامة واقفًا وعيناه تشتعل بغضب ليكمل عاصم وهو يضطجع بجلسته للخلف يضع ساقًا فوق أخرى وهو يتكأ بكرسيه الوثير : أما الأمر الآخر وهو الجهاز الذي لا قيمة له الآن فهو أصبح زينة حتى لا تقوى على استعماله ، فالفترة الماضية بأكملها كانت الأشياء التي تطلع عليها سيادتك اشياء تمويهيه عبثية أنا من أرسلها عليه ، ضحك بخفة وسخريته تحضر بقوة – أنت لا تدرك أن صديقي المقرب مهندس عبقري ، نعم هو يعمل بهندسة الماكينات ولكنه يمتلك حسًا رائعًا في التكنولوجيا .
تنفس عاصم بعمق ليهمس ببرود : لذا أنت لا تمتلك شيئًا تقايضني عليه يا سيد أسامة ، وصفقتك تعتبر خاسرة ، اكفهر وجه أسامة والغضب يكسو ملامحه ليكمل عاصم – ولكن دعني أخبرك بما امتلكه أنا .
لهث أسامة بتتابع ليشير إليه عاصم بهدوء : اجلس يا سيد أسامة دعني أحدثك عن سفرتي إلى دبي ، إنها بلد رائعة ، اعتقد أنك تدرك ذلك فأنت قضيت اعوامك الماضية هناك .
اهتزت نظرات أسامة فأكمل عاصم بتشفي واضح : وأنا أُشرف على ملتقى المعمارين بدبي التقيت بامرأة رائعة ومعمارية ناجحة سمعت عنها كثيرًا ولكن مقابلتها كانت شرف لي حقًا اهنئك يا رجل على هذه السيدة العظيمة .
امتقع وجه أسامة ليغمغم باختناق : قابلت بلقيس ؟!
ومض المكر بعيني عاصم : بالطبع ألم تخبرك؟! اكفهر وجه أسامة و اذنيه تشتعلان فأكمل عاصم ببرود - لقد استقبلتني بحسن ضيافة رائع اشعرتني بأني في وسط عائلتي حينما دعتني ببيت المضيف عند أبوها الشيخ الذي رحب بي كثيرًا وحينما قمت بدعوتهما رحبت بلقيس هانم كثيرًا بزيارة مصر بلد زوجها وأبو أولادها.
شحب وجه أسامة تدريجيًا وعاصم يسأله بهدوء : أخبرني ماذا ستفعل بلقيس هانم حينما تعلم أنك تركتها وتركت طفليك وأتيت لتنتقم من أجل قصة قديمة من المفترض أنها انتهت يا سيد أسامة ؟! ليتابع ساخرًا – بل ماذا سيفعل أبوها الشيخ حينما يعلم أنك تزج بأمواله وأعماله في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل ؟!
اضطجع عاصم مستريحًا وهمس : ماذا سيفعلان وماذا سيفعل خالك حينما تتسبب في خسارة وشيكة سأمنيك بها حينما اسحب العرض الذي قدمته لمؤسسة غالي لتعمل على مشروع جديد في الاسكندرية الجديدة ، ذاك العرض الذي ابتهج له خالك وكأنه سينقذه من كارثة أوشك على السقوط بها ، أو لعله سقط بالفعل بسببك .
لهث أسامة بانفعال مكبوت ليتمتم بكره ومض بعينيه : أنت ..
فيقترب عاصم برأسه ويهمس بفحيح متجبر : أنا كبير آل الجمال يا أسامة ، أنا عاصم الجمال خسرت كثيرًا حينما ظننت أنك تستطيع مجابهتي أو الوقوف أمامي ، لم تتعلم شيئًا من المرة الماضية لذا خسرت أيضًا هذه المرة لأنك لم تدرك حجمك الطبيعي فإرثك من آل غالي و زواجك من السيدة بلقيس لن يمنحاك أبدًا ما ولدت أنا عليه .
نهض عاصم واقفًا ليفرد ذراعيه على وسعهما : كل هذا .. كل ما تراه ورثته أنا بولادتي وكبرته لأني استحققته ، أنا الكبير بالاستحقاق والفطرة والولادة يا أسامة فأنا الحفيد البكري للعائلة العريقة و ليس طفل ولد دون أب و ربته صديقة والدته المرحومة .
انتفض أسامة واقفًا وهو يشعر بإهانته تصفعه بقوة فيقترب عاصم منه وعيناه تومض بغل : ظننت قديمًا أنك تستطيع مصاهرة الوزير كونك أصبحت ضابط شرطة وخالك من أعيان الاسكندرية ، هل ظننت حقًا أن عمي أو أنا أو أي فرد من آل الجمال سيمنحك مدللتهم .. درتهم الغالية .. جوهرتهم التي يخفونها داخل اضلعهم ، حتى إن كان عمي وافق وهي حاربت لأجلك لم أكن سأمنحها لك قط ،
ابتسامة ساخرة لمعت على ثغر أسامة ليهمهم بتهكم : للآن لم تدرك يا عاصم ، تعالت ضحكاته الهازئة ليكمل – أنا اتعجب منك يا رجل ، عقلك فذ وتملك دهاء الثعالب وتقف عند هذا الأمر ولا تدركه حقًا ؟!
ضيق عاصم عيناه ليجابهه أسامة بسخرية ومضت بعينيه ليتمتم متعمدًا مضايقته : حقًا دعني استمتع باللحظة وأنت لا تدرك شيء ولا تلتف من حولي لأجله ، أكمل وهو يقترب من عاصم يحنى رأسه لينظر إليه من علٍ بسيط منحه له فارق طوليهما – شيء أنا الوحيد الذي أدركه على ما يبدو فجوهرتك المخفية بأضلعك لم تطلعك عليه أبدًا .
اختنق حلق عاصم وومض الغضب عينيه ليغمغم بصوت حانق : ماذا تقصد ؟!
هز أسامة رأسه بخفة متهكمًا : لا شيء اسأل مدللتك من ستصبح زوجتك ألن تتمما الزفاف في موعده ؟!
رفع عاصم رأسه بشموخ ليهمس بجدية : بالطبع .
تنفس أسامة بقوة : لعلني سأحضر ، أنا وعائلتي هل تعرفت على طفلي أم لم تقابلهما ببيت المضيفة ؟!
رمقه عاصم مليًا ليهز رأسه نافيًا فيكمل أسامة ببسمة مبتهجة : إذًا لم ترى جاسم ولا نور..
اتسعت عينا عاصم بعاصفة أوشكت على الهبوب حينما تباطئ أسامة لينطق أخيرًا - نورهان طفلتي ، لعلمك والدتها من اسميتها ، فبالأخير أنا لم أقوى على التمسك بوهم .
انحنى نحو عاصم ليهمس إليه بفحيح ساخر : فيا كبير آل الجمال صغيرتك تلاعب بنا سويًا ، وما كنت أنا إلا بيدق زجت بي بينكما لتثير غيرتك ، لذا أنا هنا لأريك كم كنت غبيًا و أضعت الكثير من عمركما دون سبب .
اختنق حلق عاصم وشعر بروحه تنتفض بضيق عارم ليهمهم : حسنًا وماذا تريد الآن يا سيد أسامة ؟!
نفخ أسامة بقوة : اعتقد أننا متعادلان ، أنت لا تريد أن تخسر زيجتك ولا أعمالك و أنا الآخر لا أريد الخسارة ، تعاونًا مفيد يا عاصم أليس كذلك ؟!
رمقه عاصم قليلًا ليهز رأسه : حسنًا ولكن بشرط .
ابتسم أسامة : حسناء أليس كذلك ؟!
أومأ عاصم برأسه ليهمهم : لقد علمت حينما لم تأت للعمل اليوم أنك قادم لزيارتي .
همهم أسامة بسخرية : سأسلمها لك ولكن بعد اتفاق عمل يليق بي كوريث غالي .
هز عاصم رأسه بتفهم : لنتفق ولكن بعد الزفاف بإذن الله .
أومأ أسامة برأسه ومنحه تلك الحافظة التي يحملها : أعلم أن كلمتك وعد .
اوما عاصم براسه ليتبع أسامة – أراك قريبًا ، رمقه عاصم بتساؤل – سنحضر الزفاف أنا والعائلة .
ابتسامة طفيفة ناوشت ثغر عاصم وهم بالرد عليه ليقاطعهما دخول نوران الغاضب والتي صاحت بجدية حينما أدركت وجوده : ماذا تفعل هنا ؟! ألم أخبرك أن وجودك غير مرغوب فيه؟!
استدارا إليها لتلمع عينا أسامة بوهج التقطه عاصم بسهولة فيشعر بأوردته تحترق حينما أجابها أسامة بنبرة لينة : وأنا أخبرتك يا عزيزتي أني سأتي لمدير المؤسسة التنفيذي واتناقش معه فرفضك غير مبرر لي
شمخت برأسها في عنفوان : لا يهم أن تقتنع أو لا أنا رفضت عرض العمل ولتعلم الأمر شخصي بحت فأنا لا أريد أن أراك ثانية ولا أريد أن أعمل معك وعليه المؤسسة لن تتعاون مع مؤسستك أو شركتك انتهينا .
تأملها قليلًا ليومئ برأسه متفهمًا وعيناه تغيم بحزن مزج بسخريته التي صدحت في سؤاله إلى عاصم الذي استدار إليه : هل هذا رأيك يا عاصم بك ؟!
رفع عاصم رأسه لينظر إليها مليًا فتلاقت نظراتها بعينيه اللتين لم تمنحاها جوابًا شافيًا ليجيب بعدما تحرك إليها ليجاور وقفتها : لا قول بعد قول نوران هانم فيما يخص عمل المؤسسة .
ابتسامة ماكرة رُسمت على ثغر أسامة بينما هي استدارت تنظر إليه بعتاب ومض بزيتونيتها فيبتسم بلطف قبل أن يعود بعينيه لأسامة الذي هز رأسه بإشارة سرت بينهما فيمأ عاصم بعينيه ليهتف أسامة بجدية : حسنًا على راحتكما ، اعتذر عن الازعاج اراكما على خير.
لم تلتفت نحو الآخر بل ظل بصرها محدق بعاصم الذي لم يرافقه للباب بل ظل يجاورها منتظرًا إلى أن انصرف الآخر واغلق الباب من خلفه ليجذبها إليه يحتضنها بقوة فتدفعه بعيدا في نزق وهي تهمهم بسخط : ابتعد عني يا عاصم من فضلك ، ابتعد أنا لا اطيق احتضانك لي الآن .
لم يمنحها حرية الابتعاد بل ضمها إلى صدره بقوة و أجبرها على السكون بين ذراعيه فأجهشت في بكاء حاد اغرق مقدمة قميصه ليتنفس بعمق وهو يضمها بلين .. حنان .. ويربت على ظهرها يهدأها مهمهمًا بخفوت : توقفي عن البكاء يا نوران ، من فضلك توقفي ، أنا لا أفهم ما سبب بكائك من الأصل ؟!
نهنهت لتصيح فيه وهي تدفعه ليبتعد عنها فيتمسك بها ويجبرها أن تسير بجواره : حقًا لا تعلم، لقد رأيتك معها .
اجلسها على الاريكة محتفظًا بها بين ذراعيه بعدما جاورها ليخفض بصره هامسًا بمهادنة : ماذا رأيت بالصور يا نوران ؟! إنها مجرد أحاديث فارغة وأنت تدركين سببها .
شمخت برأسها في تعنت : أعلم ولكن أن أرى شيء آخر ،
رمقها بعتاب فأكملت باختناق ودموعها تنهمر من جديد – كنت تغازلها بعينيك ، تمنحها أملًا بكونك ستصبح لها .
نفخ ببطء ليجيبها : كنت اخدعها حتى أتخلص من ذاك الحقير الذي كان كشوكة في خاصري وأنا لا أدرك سبب وجوده من جديد ولا ما الذي يريده ؟!
كتفت ساعديها لتهمس بحنق : وأدركت ؟!!
أومأ برأسه إيجابًا لتنظر إليه بترقب وخوفها يحتل ملامحها لتهمس بتشكك : أنت لم تصدقه يا عاصم أليس كذلك ؟!
اخفض عيناه وتنفس بعمق ليهمس : أصدق ماذا ؟! نظرت إليه بحيرة وتردد فأكمل ببساطة – ما أخبرني به جانب من الحكاية التي لا اعرف للآن أبعادها كاملة .
انتفضت واقفة لتهتف بحرقة : إنه كاذب أيا ما كان أخبرك به فهو كاذب به إنه يريد تفريقنا .
رفع نظره إليها ليهمس بهدوء : وهذا أمر غريب يا نوران ، ما السبب الذي يدفعه لفعل ذلك ؟! أنا أدرك أنه ينتقم مني ولكن للآن سبب انتقامه منك !!
اجفلت ليتشنج جسدها قبل أن تبتعد عنه في خطوات واسعة فيتبعها ليوقفها بقبضته التي جذبتها من مرفقها ليديرها إليه ينظر إليها بجدية سائلًا : لماذا ينتقم منك يا نوران ؟!
نظرت إليه بعينيها الباكية لتهمس بصوت محشرج : لأني لم أحبه يومًا .. لم أميل إليه .. ولم اهتم لأمره ، كان مجرد وسيلة لاظفر بمن تمنيته طوال عمري ولكن .. اختنق حلقها لتطفر دموعها من شواطئ عينيها فتشيح بهما بعيدًا وهي تتبع – أنا لم أفعل ..
سكنت ملامحه بصدمة فأكملت بصوت أبح : لم اذهب ..اتبعت بحشرجة و خزي اعتلى هامتها - هذا لم يكن بيته .
لترفع عيناها تنظر إلى عمق عينيه : أنا من اوهمتك بكل هذا وأنا افكر أنك إذا أتيت سأخبرك .. إذا صعدت خلفي سأبوح لك .. إذا شعرت بأن مكانتي عندك أكبر من البقية سأعترف لك بمشاعري ، ثقلت أنفاسه لتغمغم بعتاب قوي - ولكنك خذلتني فأنت لم تصعد رغم أنك أتيت .. لم تتبعني رغم أنك تهتم .. ولم تغفر لي رغم أنك تعشقني .
اختلجت أنفاسها بموجة بكاء قوية ودموعها تنهمر فوق وجنتاها تتابع ببؤس : لقد راهنت نفسي عليك أكثر من مرة وفي كل مرة خذلتني وهاك أنت الآن تخذلني بعد كل ما مررنا به بعدما أخبرتك مرارًا وتكرارًا أني أحبك بعد أن سلمتك مقاليد نفسي وهوى قلبي ، في آخر الأمر تصدق بعض حديث أجوف أخبرك به آخر حقير تعلم جيدًا أنه يريد فراقنا .
حركت كفها لتخلع خاتمه من كفها الأيمن : ولكن هذه المرة فراق بيننا يا عاصم ، فأنت رغم كل شيء لم تغفر ولن تفعل ولن تنسى ستظل متذكرًا أني ذهبت لآخر بيته حتى وإن لم يكن هذا صحيحًا ، ولن تتذكر أبدًا أني فعلت هذا لأجلك لأجل أن اجبرك على البوح بما تحمله لي داخل قلبك ، فأنا منذ صغري .. طفولتي .. وصباي أحبك .. تقربت منه لأجلك وتصرفت برعونة لأجلك وأنت غبي أحمق لا تحس ولا تفهم .
جذبها إلى صدره يضمها إليه فهدرت ببكاء اوجع قلبه : ابتعد عني ، انا لا أحبك .. لا اطيقك .. أنا اكرهك .. ابتعد
ألقت آخر كلماتها وهي تضرب صدره القريب منها بقبضتيها فيضمها إليه أكثر هامسًا : افعلي ما تريدين ولكني لن أبتعد ، أتبع وهو يضمها أكثر يزرعها فوق ضلوعه مغمغمًا - لا تحبيني ولا تطيقني واكرهيني كما تشائين ولكني لن ابتعد.
نهنهت في بكاء حاد بصدره ليهمس وهو يضمها أكثر إلى صدره : و لعلمك أنا صدقته لانه اخبرني الحقيقة ، ابتعدت عنه قليلا تنظر له باستنكار فأكمل بخفوت – هو الآخر أدرك أنه كان وسيلتك لأجل الوصول إلي لذا كان ينتقم منا سويًا .
رفت بعينيها ليكمل : لم اشكك بك يا نوران ولم أصدق آخر غريب عني لأني أصدقك ، أصدق حبك الوامض لي بعيني وأصدق قلبي المتوله بحبك ، احتضن وجهها بكفيه وهمس : أنا أحبك يا نوران
نهنهت في بكاء من جديد لتهمس بصوت ابح باك : و أنا أحبك أحبك يا عاصم فلا تبتعد عني ولا تستمع لي فأنا لا أقوى على العيش دونك
ابتسم بشجن وحلقه يختنق بقوة ليضمها أكثر ويلصقها بصدره : استكيني داخل قلبي وأبكي كما تريدين فأنا هنا ولا نية لي في الابتعاد ثانية فحياتي دونك كابوس حي يسير على قدمين .
ابتسمت من بين بكائها لتهمس بضجر وهي تحاول أن تتملص من بين ذراعيه : حسنًا ابتعد قليلًا فانا لا أقوى على التنفس وأنت تخنقني هكذا باحتضانك لي .
احنى رأسه نحوها لتتلاقى نظراتهما حينما رفعت وجهها الذي يحتضنه بين كفيه فيهمهم أمام شفتيها وهو يلتهم تفاصيل وجهها بنظراته : حقًا تريديني أن ابتعد ؟!
ومضت عيناها لترفع كفاها بعفوية تفردهما على صدره وتستند بجسدها إلى جسده هامسه بخفوت وهي تسقط في أسر نظراته التائقة : ماذا تريد أنت ؟!
ثقلت أنفاسه وهو يدير عينيه على شفتيها المغويتين ليهمهم بصوت أبح : قبليني .
ابتسمت بمكر لتهمهم وهي تقابل نظراته بإغواء فطري وكفها يلامس نبضاته ، لتهمهم وهي تقترب بوجهها أكثر منه : هل هذا كل ما تريد ؟!
لهثت وهي تشعر بكفيه يحاوطان خصرها فيدفعها أكثر إليه يلصقها بصدره قبل أن تبدأ راحتيه في الحركة على طول عمودها الفقري ليهمهم : فقط نفذي ما طلبت .
رفعت رأسها قليلا لتقبل جانب ثغره بقبلة بطيئة .. هادئة اشعلت حواف قلبه واضمرت نيران شوقه بسائر جسده ، شهقت بخفة وهي تشعر بكفيه تقبضان عليها من الخلف وهو يسند جسدها الى جسده ، شفتيه ابتلعت باقي شهقتها في قبلة صهرت مشاعرها بتدفق مشاعره البركاني الذي انفجر دون سابق إنذار حاولت التملص قليلًا ولكنه اطبق ذراعيه .. جسده .. شفتيه حولها ليحاصرها بقوة مشاعره فيغمرها معه لتتعلق برقبته تلقائيًا عندما شعرت به يرفعها من مؤخرتها ليحملها فتلف ساقيها حول خصره كيفما سمحت تنورتها الواسعة قليلا ، تمسكت بكتفيه وهي تتلقى قبلاته التي لم تتوقف منذ أن اطبق على شفتيها لتتأوه بخفوت وهي تشعر بشفتيه تلامس جانب عنقها فتحني رقبتها راغبة في المزيد ترتشف احتياجه لها على مهل ، وتشعر بمذاقه في جوفها تتقبل لمساته المحمومة فتشتعل بنيران رغبته التي باتت جليه بها ، تستمع إلى همساته فتتفتح زهور انوثتها على مشاعره المتدفقة بعد كبت طويل عانيا منه سويًا .
همهمت دون وعي : أحبك عاصم .
فيتأوه برد فعل قوي وهو يعاود الإطباق على شفتيها بقبلة طويلة اغرقتهما سويًا فلم يشعرا بشيء إلا لهاث أنفاسهما المتعالي ودقات باب مكتبه المتتالية والتي أعادتهما للواقع بعد وقت لم يستطيعا تحديده .
طرق الباب ثانية وصوت قوي يناديه من الخارج ، اتسعت عيناها بخوف تلقائي ليتصلب جسده بجدية وهو يحاول السيطرة على لهاث أنفاسه ليجيب ولكنه لم يقوى فكانت هي أول من نطق بصوت مرتعش متساءل وكأنها لا تريد تصديق أذنيها : بابي ؟!!
اغمض عينيه في إجابة واضحة لتكتم شهقتها براحتها وجسدها يرتجف بحرج وخجل دفعا الابتسامة لشفتيه قبل أن يهمس لها وهو ينهض من فوقها : اذهبي إلى دورة المياه واعدلي ملابسك .
هزت رأسها بالموافقة لتنتبه اخيرا أنها نائمة فوق مكتبه وساقيها مدلاه فلا تصل للأرض ، جذبها من ساعديها ليجلسها وهو يبتعد قليلًا فتجذب تنورتها المرتفعة لتخفي ساقيها وتضم طرفي بلوزتها بكفها ساعدها على الوقوف بعد أن اغلق قميصه المفتوح وعدل هندامه وهو يعيد ترتيب بنطلونه وشكله ليضمها إلى صدره مطمئنًا فتنهدت بقوة وابتعدت عنه لتختفي بخطوات سريعة من أمام ناظريه ليتنفس بعمق قبل أن يكح مجليًا حلقه بخفه بعد أن أغلقت باب دورة المياه خلفها فيتجه إلى الباب بعد أن اطمئن على دخولها ، فيتناهى إليه صوت عمه الهادئ يسأل كنزي الجالسة بالخارج : أنت متأكدة أنه بالداخل يا آنسة .
فتجيب كنزي بعفوية : نعم و الآنسة نوران معه .
تمتم بسبه خافتة وهو يطبق فكيه ليفتح الباب بحركة سريعة ويهتف بصوت جاهد أن يكون طبيعيًا وهو يرحب بوائل : تفضل يا عماه .
تحاشى النظر إلى عيون عمه ولكنه شعر بابتسامته الماكرة ونظراته التي مشطت الغرفة بحثا عن ابنته والذي هتف بتلاعب : هل اعطلك عن شيء ما ؟!
تحرك عاصم بخطوات واسعة وكأنه يتحاشى التواجد في نطاق ضيق بجوار عمه ليهمهم : لا أبدًا ، تفضل يا عمي .
رفع نظره أخيرًا الى عمه الواقف أمامه يضع كفيه بجيب بنطلونه الرسمي وعيناه تتحرك بالغرفة بعبوس طفيف داعب محياه قبل أن تومض عيناه بخبث وهو ينظر إلى باب دورة المياه المغلق ليهتف بمشاكسة : كنت ابحث عن نوران حتى أعيدها للبيت معي فتلك الفتاة الجالسة بالخارج أخبرتني أنها هنا بعدما هاتفتني فاطمة وهي تهتف بذعر عن خروج نوران السريع وهي غاضبة ، ران الصمت عليهما قبل أن يتابع وائل بخفة – ألا تعرف أين هي ؟!
مط عاصم شفتيه قليلًا قبل أن يجيب بهدوء : بلى اعرف إنها هنا يا عمي ، رفع وائل حاجبة ليتابع عاصم بجدية – ولكن لا تشغل رأسك يا عمي فأنا سأوصلها للبيت .
رمقه وائل بجدية ليشير إليه بالجلوس على كرسي مكتبه ويجلس هو الآخر بالكرسي الجانبي : إنها مسافة طويلة يا عاصم أن تقطعها فقط لايصال نوران إنه لمجهود لا لزوم له .
تمتم عاصم بعفوية : ليست طويلة ثم أنا ذاهب للقصر عامة لأرى آخر تجهيزات الجناح وما الذي ينقصه .
مقه وائل قليلًا قبل أن يسأله بجدية : افهم من حديثك أنك استقريت أخيرًا ورتبت امورك كلها ومستعد للزفاف ؟!
أجاب عاصم وهو ينظر إليه بجدية : بالطبع يا عماه ، أنا مستعد بعدما تخلصت من كل الأمور العالقة ، صمت قليلًا قبل أن يهتف بصراحة – لا تقلق يا عمي فما عاد شيء يحل بيني وبين نوران
هز وائل رأسه بتفهم لينهض واقفًا فينهض عاصم بدوره ويقترب منه حينما تحرك عمه : حسنا سأنصرف أنا .
_ إلى اللقاء عماه .
توقف وائل قبل أن يغادر فعليًا فتصلب جسد عاصم وخاصة عندما رمق وائل جانب فك عاصم بجدية ليمرر طرف سبابته عليه فيرفع عاصم يده ليلامس جانب وجهه وعمه يهمهم وهو ينظر إلى طرف سبابته : ظننت أن أحمر الشفاة هذه الأيام مختلف فلا يترك أثرًا خلفه .
احتقن وجه عاصم بقوة وهو يهرب بنظراته من عيني عمه ليهمهم يحاول الشرح : عمي أنا .
قبض وائل على تلابيبه ليقربه منه وهو يهتف بجدية وعيناه تلمع بالغضب : أتعلم لولا أني أرسلت الدعوات والزفاف اصبح معلنًا لكنت حرمتك منها نهائيًا .
سيطر عاصم على أعصابه ليرفع عيناه ينظر لعمه هامسًا بهدوء متحديًا: لا تستطيع ، لا أحد يستطيع الآن أن يحرمني من نوران يا عماه ، نوران زوجتي وكل هذه الاشياء والتجهيزات والزفاف نفسه يعد شكليات لا أكثر .
نفضه وائل بعيدًا ليبتسم باتساع قبل أن يهمس بفخر: أنت هكذا ولدي بالفعل ، مبارك تخلصت من جينات وليد نهائيًا ، ضحك عاصم مرغمًا ليتبع وائل بخفة - لو أجبت بأي طريقة أخرى لكنت أجبرتك أن تتركها .
هز عاصم رأسه بيأس ليهمهم وائل : فقط توقفا عن الفضائح بالمكتب فتلك الفتاة بالخارج أوشكت أن تخبرني عم يحدث بينكما في الداخل .
احنى عاصم عنقه بحرج ليتابع وائل بخفوت وهو يقترب من الباب مهمهمًا بوقاحة : السيارة مفيدة أيضًا والطريق طويل ، ولكن حذار الرادار وكاميرات مراقبة الشوارع ، لا نريد صوركما تزين جرائد الفضائح .
لم يتمالك عاصم أن يمنع ضحكته التي انطلقت بقوة ليهدر وائل به في افتعال : توقف يا ولد ، تعالت ضحكات عاصم أكثر ليتبع وائل بصدق – انا سعيد للغاية يا عاصم ، فليست ابنتي فقط من تتزوج ، إنه فرح بكري وابنتي ، أنا فرحتي مضاعفة بكما .
لمعت حدقتي عاصم بفرحة حقيقية والحبور يمتلكه ليندفع نحو عمه معانقًا وهو يهمس : شكرًا لك يا عمي ، شكرًا لأنك منحتني حلمي واهديتني إياه مجسدًا .
ابتسم وائل بشجن كسى ملامحه ليهتف بمرح مفتعل وهو يدفع عاصم بعيدًا ينظر نحوه بجدية : إنه حلمي أنا الآخر أيها الأحمق ، لطالما حلمت أن ازوجك من ابنتي لأني أعلم جيدًا معدنك الداخلي فقط يا عاصم ..
قاطعه عاصم سريعًا : لا تقلق يا عماه ، نوران بعيني لا تقلق أبدًا .
أبعده وائل عنه قليلًا ليهمس بجدية : ستصونها .. وتحميها .. وتحبها يا عاصم ؟!
همهم عاصم بصدق ومض بعينيه : سأعشقها فالحب لا يكفي أمام نوران يا عماه .
ابتسم وائل ليعبس بجدية افتعلها وهو يسيطر على قلبه الذي خفق بفرحة سرت باوردته : احترم نفسك يا ولد ، ضحك عاصم رغم عنه فيربت وائل على كتفه - وهي الأخرى تحبك حتى إن انكرت .. كابرت .. و ادعت عكس هذا ، الغبية مدلهه بحبك ولكنها الصفات الوراثية للأسف .
نظر عاصم إليه بدهشة ليؤثر الصمت بعدما كان سيخبر عمه بأنها اعترفت إليه بحبها ، فيتبع وائل بعد أن تنهد بقوة : اورثتكما أنتما الاثنين الكبر هي وراثيًا و أنت عن طريق تربيتي لك و بعضًا من الوراثة أيضًا .ضغط على كتف ابن أخيه لينصحه بصدق - توقف عن العناد والتردد والحيرة والكبرياء المقيت واغتنم فرصتك كاملة يا عاصم، فأنت تستحق السعادة التي تخيم عليك الآن .
تمتم بوعد : سأفعل .
هتف وائل بجدية وهو يغادر بالفعل : و أنا سأنصرف فنوران لن تخرج من دورة المياة طالما تواجدت .
اخفض عاصم رأسه ليشير إليه وائل بالوداع فيراقب انصرافه ليغلق الباب خلفه قبل أن يتجه نحو دورة المياه يطرق بابها بطرقة واحدة ليفتحه ويطل برأسه في ترقب : لقد انصرف .
تنهدت بارتياح لتهمس وهي تخرج من مخبئها : هل أدرك وجودي ؟!
آثر الصمت قبل أن يقترب منها ليجذبها نحوه هامسًا باهتمام وهو يجلس على الأريكة ويرغمها أن تجلس فوق ساقيه : لازلت غاضبة مني ؟! ابتسمت برقة وهي ترف بعينيها بعيدًا عنه تهز رأسها نافية فيتبع بشقاوة تعمدها – أشعر بأنك لازلت غاضبة لذا أريد أن اصالحك .
ضحكت بخفة وهي تدفعه بعيدًا عنها تريد الوقوف : لست غاضبة .
تمسك بها بثبات قبل أن يبتسم بخفة ليرفع وجهها إليه بعدما احتضن ذقنها بأطراف أصابعه : ولكني أريد مصالحتك و اعتذر منك عن كل ما فعلت ، أريد أن نبدأ من جديد يا نوران دون أي شوائب ماضية أو أثر يحول بيننا ، أكمل وهو ينظر لعمق عينيها يحتضن وجهها بكفيه - ما حدث اتنسى وانتهى ، الآن نحن سويًا وهذا يكفي ، همس كلمته الأخيرة وهو يلتقط شفتيها في قبلة طويلة أودع فيها كل شوقه .. لهفته .. وتوقه لها الذي تأجج الايام الماضية لتتمسك بكتفيه بعد قليل وتعتدل بجلستها لتواجهه قبل أن تبادله تقبيله بلهفة .. شوق .. وتوق سرى بينهما ليدفعها بعيدًا عنه بعد قليل هاتفًا - اشتقت اليك يا برتقالي.
انتفض جسدها بعد قليل على صفعته التي أتت حانية فلكزته في كتفيه وهي تهم بالنهوض مغمغمة بسباب كثير فيتمسك ببقائها فوق ساقيه لا يمنحها حرية الحركة هاتفًا : اهدأي يا مجنونة ،
تمتمت وهي تتملص من أسر ذراعيه : أنت وقح وقليل الأدب .
ضحك بخفة ليغمزها بشقاوة : قصدت أن اغضبك فبهذه الطريقة التي كنا عليها كنت سأتمم زواجنا الآن هنا على أريكة مكتبي وأنا وعدت عمي أن أنتظر للزفاف.
رمقته من بين رموشها : ومتى الزفاف ؟!
تنهد بقوة ليجيبها : في موعده يا حبيبتي .
اقتربت منه لتحتضنه بقوة تعانق رقبته وتضم نفسها إليه : اشتقت إليك يا عاصم .
احتضنها بقوة ويعاود تقبيلها : وأنا يا روح عاصم موت شوقًا.
غمغمت باسمه من بين شفتيه وهو يطبق كفيه عليها بقوة لينهي قبلته لها ليهمس بصوت محشرج : من الأفضل أن تبتعدي عني الآن يا نور ، فالأمر يخرج عن سيطرتي حقًا .
انتفضت بخجل داهمها لتقفز واقفة وتتحرك فعليًا بخطوات جاده بعيدًا عنه تدلف داخل مكتبها ليهتف بجدية قبل أن تغلق الباب الفاصل بين مكتبيهما : استعدي سننصرف بعد قليل .
اغلقت الباب دون رد ليتنهد بقوة ثم يتجه إلى دورة المياه بخطوات واسعة ينحني فوق المغسلة ويفتح المياه فوق رأسه حتى شعر بالبرودة تزحف إليه من جديد . رفع رأسه ينظر إلى نفسه بالمرآة يجفف شعره و وجهه فيتذكر إشارة عمه إلى جانب عنقه فيهم بمسح أثارها ليقفزا حاجبيه بتعجب وهو يرى بشرته لا تحمل أي أثر لأحمر شفاهها فينفجر ضاحكًا وهو يهز رأسه بيأس من عمه الماكر المتلاعب ليغمغم : آه منك يا عماه .
***
زفاف عاصم
يقف بمفرده في آخر السلم من فوق يشعر برهبة جلية تتملكه وهو ينتظرها ، لا يصدق للآن أن أخيرًا الليلة ستكون له .. مليكته وامرأته وحبيبته التي ستجاوره بقية عمره، شد طرفي سترته وهو يستقيم بجسده في اعتداد وموسيقى القيثارات الراقية تدوي من حوله بأغنية قديمة اقترحها عليه سليم و أسمعه إياها وهما يضعان فقرات الزفاف وأخبره أنها تناسب الأغاني الأخرى التي اختارها عاصم بذوق قديم قليلًا وفخم كثيرًا فيوافق عليها فورًا وهو يشعر بأنها ستناسب اطلالتها التي خطفت قلبه بالفعل و أجبرته أن يدق ثلاث دقات مختلفة حينما وقع بصره عليها تتأبط ذراع عمه و تخطو صاعدة السلم وهي تخفض وجهها فلا يظهر من رأسها سوى تاجها البلوري وطرحتها اللامعة تضوي بكرات لؤلؤية فخمة ، سحب نفسًا عميقًا وهو ينظر لحذائها الكريستالي الذي يظهر من حافة تنورة فستانها الواسعة والتي تضوي بلمعة لؤلؤية تناسب طرحتها والتي تحملها بكفها الأخرى لتقوى على الصعود ليزفر أنفاسه ببطء شديد عندما توقف عمه أمامه فتتعلق نظراته بها فيحاول أن يلتقط ملامحها المختفية خلف طرحتها المضوية ليبتسم بإتساع وهو يلتقط فستانها المغلق الفخم والذي لا يشبه ذاك الذي اشتراه ولكنه أعجبه بياقته العالية رغم صدره التل المفتوح ولكنه بحدود رقيقة فتخفي مفاتنها بشكل راق له ، انتبه من تأمله على صوت عمه الذي هدر فيه بخفوت : اعتدل يا ولد .
ليكتم ضحكته ويلتفت نحوه بصعوبة ليصافحه فيضمه وائل إلى صدره يربت على كتفه ويقبله يبارك له بسعادة حقيقية ليهمس إليه : إياك ان تضايقها يومًا .
تمتم وعيناه تعود إليها : على رقبتي يا عماه .
فيضحك وائل مرغمًا : سأكسرها لك ذات يوم بإذن الله .
ضحك عاصم بخفة ليستدير إليها فيتفحصها بعينيه انتفض بفزع على صوت وائل الذي صدح من خلفه : تأدب ، أسمعت ؟!
تعالت ضحكاته ليهمهم بخفوت : افزعتني يا عماه ، ربت وائل على كتفه وهو يضحك بخفة ليتابع بخفوت عندما وقف أمامها – لا أعدك أني سأفعل ولكني سأحاول .
لامس طرف طرحتها من الأسفل ليعيدها للخلف وهو يكتم انفاسه يتطلع بانبهار إلى ملامحها المزينة باتقان ليزفرها باكملها فوق جبينها الذي طبع فوقه قبلة عميقة هامسًا : نوراني الغالية مبارك علينا يا حبيبتي .
توردت مرغمة لتنظر إليه بعينيها هامسة : أنت هنا حقًا ؟!
فيجيب مشاكسًا وهو يتحكم في اختناق حلقه : و ارتدي التوكسيدو أيضًا .
ضحكت برقة لترفع ذراعيها حول عنقه هامسة : احضني يا عاصم .
استجاب بعفوية وهو يضمها إلى صدره بقوة لتتعالى الصافرات و اضواء الكاميرات الكثيرة التي تلتقط صورهم ليفلتها أخيرًا مرغمًا فتتأبط ذراعه ليقفا متجاوران يمنحا الجمع من الصحفين صور خاصة بحفل الزفاف الاسطوري المنتظر إلى أن تعالى صوت الدفوف التقليدي معلنًا عن الزفة المصرية فيتحركان سويًا نحو القاعة المخملية الذي يقام بها العرس .
***
يخطو بأناقة إلى قاعة الفندق الضخمة ينظر من حوله لأناقتها و رقيها المفرط وكأنها تعلن بفخامتها عن مكانة من يقام زفافهما فيها الليلة .
ابتسم بلباقة وهو يستمع إلى همس امرأته المعبر عن رقي المكان وفخامة الديكورات ليهمس بجدية مجيبها : تشبه صاحبي الزفاف ، أنت بالطبع تدركين مكانة آل الجمال ومن يتزوج كبيرها القادم من ابنة عمه .
تمتمت بخفوت وهي تضغط على ساعده المعلقة به : بالطبع أدرك أنسيت أني عضوة في الجمعية الخيرية التي تديرها فاطمة هانم .
أومأ رأسه بتفهم لينتبه على صوت وائل الذي صدح مرحبًا وهو يقترب منه فيتقدم هو نحوه بخطوات واسعة قاطعًا الطريق نحو هاتفًا بود : وائل باشا ، مبارك زواج ابنتك .
تمتم وائل وهو يصافحه بترحاب : هادي باشا انرتنا بحضورك ، اتبع وهو يومئ برأسه للمرأة بجواره - شرفتنا يا هانم .
أومأت السيدة برقة وهي تبارك له قبل أن تقترب فاطمة بأناقة ترحب بهم وتحتفي بزوجته لترشدها إلى مكان جلوسهما ليشير إليه وائل بهدوء : تفضل يا باشا .
ضحك هادي بخفة ومشاكسة : بل أنت الباشا يا باشا .
ضحك وائل بأريحية ليسأله : بمفردك كالعادة لماذا لم تأت بالأولاد ؟!
أجابه هادي بجدية : أكبرهم متمردًا لا يحضر الأعراس والفتاة صغيرة وأنا تعلم قاعدة النوم مبكرًا سارية كحد السيف في البيت فجولي لا تتراجع عن قواعدها .
أومأ وائل متفهمًا : نعم لدي واحدة مثلها .
تمتم هادي بمشاكسة : كلهن متماثلات .
ابتسم وائل واثر الصمت ليسأله عادي بجدية : لم يحضر بعد ؟! هز وائل رأسه نافيًا ليتبع هادي سائلًا - هل تتوقع حضوره ؟!
التفت وائل اليه : من المفترض أن يفعل ولكن من الممكن أن يتجنب الظهور بعد الفضيحة الأخيرة ، الموجة كانت عالية وقاسية عليه .
ابتسم هادي بمكر ليسبل جفنيه ليتمتم وائل بحبور تملكه : أنت جيد يا هادي نظرتي بك لم تخيب أبدًا .
اتسعت ابتسامته الماكرة ليهمهم : تربيتك وتحت نظرك يا باشا .
ضحك وائل : لا تتواضع لقد تفوقت على جميع الأساتذة .
أومأ هادي بعينيه : بتوجيهات سيادتك .
ابتسم وائل ليسأله بجدية : كيف أوقفت قرار منع النشر لثلاث مرات يا هادي ؟!
مط هادي شفتيه ليجيب ببراءة : لم أفعل فالقرار لم يصدر من الأصل لأوقفه ، قهقه وائل ضاحكًا فيكمل هادي- من الصعب أن تثق كثيرًا بقدراتك وأنت تعلم أن هناك من أكبر وأقوى يا وائل باشا ، وهذا الزيد لم يتعلم جيدًا .
زفر وائل بقوة ليهمهم : إنه دون تربية ولا أخلاق يا هادي ، وكتلة من الغرور سائرة على قدمين .
تمتم هادي بضيق : إنه مريض أنت لم ترى الفتاة ، أليس كذلك ؟! هز وائل رأسه نافيًا ليتبع هادي باختناق - أنا رأيتها من قبل في إحدى حفلات عبد المعز كانت زهرة ربيعية جميلة ولكنه قضى عليها .
استدار إليه وائل يرمقه بصمت قبل أن يهتف بصوت خشن : هادي أنت ؟!!
قاطعه سريعًا : لا أبدًا إنها شابة صغيرة وأنا بضعف عمرها ثم لازالت زوجته وتحمل طفله ، اتبع هامسًا بعدما التفت من حوله - ثم لا تفكر في مثل هذه الأمور فمجرد التفكير يثير حاسة جولي السادسة و أحيا في جحيم غير معلن .
ضحك وائل بخفة ليهتف : إذًا تساعدها كناية به ؟!
سحب هادي نفسًا عميقًا ليهتف بهدوء : و رد جميل لعائلة درية هانم .
ربت وائل على كتفه بفخر : أنت جيد مهما تحدث الناس عنك يا هادي أنا فخور بك وبمنطقك في العمل .
تمتم هادي بفخر : هذا شرف لي يا وائل باشا ، أتبع سائلًا - بالمناسبة أين ولدك أريد أن أتعرف به عن قرب فأنا قابلته مرة واحدة في الحزب ولفت نظري وهو يتحدث في اجتماع الشباب ، كان رائع ويمتلك الكثير من المقومات .
أشار وائل لأدهم الواقف قريبًا منهما عند طاولة عائلته فيهرع أدهم نحوه ليهتف وائل - هاك هو ، أدهم ، تابع وائل وهو يشير لهادي - هادي باشا الغمري
تمتم أدهم سريعًا وهو يصافح هادي بترحاب : بالطبع أعرفه شرفتنا يا باشا .
صافحه هادي بحفاوة ليتمتم بجدية : هذا الشبل من ذاك الأسد يا وائل باشا ، اتسعت ابتسامة أدهم لتومض عينا وائل بفخر حينما هتف هادي بجدية - أتمنى أن يكبر رامي و أراه مثلك .
هتف أدهم سريعًا : شرف لي يا باشا .
تمتم هادي بجدية : إذا سمحت لي يا وائل باشا ، سأصحب أدهم معي للشرفة أريد التدخين و الحديث معه قليلًا.
أومأ وائل برأسه ليشير إليه أدهم له أن يتقدمه ويسير معه ليلتفت إلى ابيه فيمنحه وائل هزة رأسه راضية فيمتلئ صدره بالثقة وهو يخطو مجاورًا لهادي الذي بدأ في الثرثرة معه بالفعل.
***
بعد مضي ساعة ونصف ..
تأفف بضجر ليهمهم باختناق : ألن تنتهي هذه الموسيقى المثيرة للنوم يا أدهم ؟!
ضحك أدهم بخفة ليجيبه : ستنتهي الآن ، فقط إنها اجواء مخصصة لوجود الصحفيين ، والذين سيتم طردهم الآن .
صدح صوت منسق الزفاف بكلمات هادئة لبقة تدعو الصحفيين والمصورين لمغادرة القاعة بهدوء ولطف وتتمنى لهم ليلة سعيدة هانئة ، ليشير إليه أدهم : أرأيت ، مثلما أخبرتك .
غمغم زين بعدم فهم : لا أفهم لماذا سينصرفون ؟!
تمتم أدهم بخفة : هذه فكرتي بالمناسبة ، فأنا شعرت بأننا سنكون مقيدين إذا ظلوا في الزفاف ، بكاميراتهم و اضوائهم وعقولهم الواعية ، ونحن نريد أن نفرح دون أن نكون على مرأى ومسمع العالم ، لذا أخبرت عاصم أن يمنحهم ما يريدونه في سبيل أن يغادروا بعد بداية الزفاف ليصبح بعد مغادرتهم الزفاف ملكنا .
ضحك زين بخفة ليغمغم بمكر : لماذا أشعر أنك أعددت لكارثة لذا فكرت كيف تتخلص من الصحفيين والمصورين حتى لا ينقلب الزفاف لفضيحة سائرة على قدمين ؟! قهقه أدهم ضاحكًا ليشير برأسه في حركة غير مفهومة فيتبع زين – ولكن جميعنا نحمل هواتف وأجهزة نستطيع التقاط الصور .
اقترب أدهم منه ليهمس بفحيح هادئ : من سيفعل سنقاضيه ؟! ارتفعا حاجبي زين بتعجب ليكمل أدهم بفخر وغطرسة – مرحبًا بك ، ابتسم فأنت في عالم الجمال يا رجل .
ابتسم زين بخفة ليهتف : إذًا سنرقص ، أومأ أدهم ليجيبه – أنا أحضرت شيئًا سيروقك للغاية و لكنه سيصل في النصف الثاني من الفرح .
عبس زين وهو يرمقه بريبة فيضحك أدهم بمكر ليهز رأسه بيأس قبل أن يعبس بتعجب وصوت الموسيقى يصدح من حوله ليهمهم بتساؤل لأدهم المجاور له : هل هذا فرانك سيناترا ؟!
ابتسم ادهم ليجيب متهكمًا وهو ينظر لشقيقته التي تجاهد للرقص بهذا الفستان الضخم الفخم المغلق بشكل مبالغ فيه بجوار عاصم الذي يراقصها بخطوات هادئة : ماذا تنتظر من صاحب الأقداح الخزفية ؟! بالطبع إنه سيناترا .
***
تحرك بخطوات هادئة بجوارها يمنحها مساحة كافية لتنورة الفستان المنتفخ بشكل كبير ليراقصها بخطوات كلاسيكية عادية وهو يردد بمشاكسة مع سيناترا
You're just too good to be true
I can't take my eyes off of you
You'd be like heaven to touch
I wanna hold you so much
لتبتسم بإتساع وهو يديرها من حول نفسها فيميلها لينهض بها قبل أن يدور بها من حوله ليتلقاها ثانية فيضمها إلى صدره قبل أن يبعدها فتضحك بمكر وهي تبتعد عنه بخطوات واسعة والمكان يظلم تقريبًا سوى من اضاءة خفيفة لا تبيح الرؤية قبل أن تعاود في مناطق مختلفة مع الموسيقى التي اختلفت بصوت صادح صاخب وهو يقف مترقبًا ظهورها من جديد ليكتم أنفاسه وهي تقترب تدور من حول نفسها بخطوات راقصة بمظهر جديد والفستان المغلق المنتفخ تبدد من فوقها وما تبقى منه تنورة قصيرة مترامية الأطراف تصل لمنتصف ساقيها و صدر حريري دون اكتاف رغم الأكمام الحريرية الواسعة التي تظهر ذراعيها والمزخرفان بلآلئ ماسية لامعة ليزفر أنفاسه كلها حينما دارت من حول نفسها كحورية مبهرة فيتطلع إلى ظهر الفستان الذي عبارة عن خطين عريضين من الألئ اللامعة أولهما عند كتفيها والآخر بعد منتصف ظهرها لتقترب وتتعلق برقبته كما متفق عليه فيه الرقصة التي انقلبت لصخب تزامن مع الصيحات العالية والشهقات التي صحبت ظهورها الجديد فيتوعدها بعينيه ويراقبها بخطوات متماثلة وهما يسيران سويا بحركات راقصة تناسب صوت سيناترا الذي يدوي بقوى
I love you baby and if it's quite all right,
I need you baby to warm the lonely nights
I love you baby trust in me when I say
Oh pretty baby don't bring me down I pray
Oh pretty baby now that I found you, stay
ليديرها ويميل بها وهو يسند جسدها إلى ساقه ويميل بجسده معها ليلتقط شفتيها في قبلة هادئة فدوت الصافرات من حوله وهو يعاود الوقوف بها ثانية ليتابعا رقصتهما وسناترا يشدو
And let me love you baby, let me love you
***
__اووه ، ألقاها أحمد بتهكم مرح وهو يقف بجوار الكبار والذي ران عليهم الصمت فجاة حينما صدموا بتبدل فستان نوران ليكمل هاتفًا بخفة حينما قبل عاصم نوران - من رأيي أن ننهي الزفاف على هذه الأغنية يا عماه فلا أحد يدري ماذا سيحدث بعد قليل
تعالت ضحكات وليد ليهمهم خالد باسمه في عتاب و وائل يلتفت إليه يرمقه بفكين مطبقين فيتابع باستفزاز : إذا كانت هذه الرقصة الافتتاحية لا نضمن بقية برنامج الزفاف .
زم وائل شفتيه وهم بالرد عليه ليصمت والصيحات تتعالى من جديد عند الجزء الصاخب من الأغنية فيعاود النظر إلى ابنته التي ترقص بأريحية ملتصقة بجسد عاصم الذي يدور بها في رقص منسجم دون أن يبعدها عن ذراعيه ليلفها من حوله وهو يقربها منه مرتين متتاليتين فيرقصا متواجهين إلى أن أدراها ليحملها بين ذراعيه جالسة فتضع ساقا فوق أخرى وهو يدور بها في دورات متتالية وسيناترا ينهي الاغنية
And let me love you baby, let me love you
فتتعالى الصافرات من جديد وعاصم ينزلها محتضنًا ليقبلها بقبلة تائقة أجبرته أن ينتفض من مكانه ليتحرك نحوهما فيتبعه وليد هاتفًا بضجر : انتظر يا وائل لا تكن نكد يا رجل.
توقف وفاطمة تقترب منه تقف أمامه تنظر إليه بطرف عينها لتسأل وليد بهدوء وهي تمنعه من المرور : ماذا يحدث يا وليد ؟! أين تذهبان ؟!
كتم وليد ضحكته التي تراقصت في عينيه ليهز كتفيه ويهمهم بصوت مختنق بالمرح : اسألي زوجك ؟!
ابتسمت باتساع وهي تلامس عضد وائل بترتيبه حانية وتسأله بمكر ومض بعينيها : أين تذهب يا معالي الوزير ؟!
أشاح بوجهه بعيدًا لتشير لوليد برأسها فيومئ متفهمًا قبل أن يبتعد عنهما وهو يراقب أخيه حتى ينقض عليه في الوقت المناسب يمنعه عن البطش بولده الذي تخلى عن الحياء على ما يبدو !!
لوت شفتيها لتنظر إليه تغمغم باسمه قبل أن تسأله بوضوح : هل كنت ذاهب لعاصم حتى توبخه على تقبيله لزوجته ؟! رف جفنه بعصبية فاتبعت بتشدق ساخر - أعلم أحدهم قبل زوجته إلى أنّتْ مطالبة للهواء وهو يستلمها من زوج شقيقتها .
ارتدت رأسه إليها في حده فابتسمت عاتبة : هل تدرك من هو ؟!
أطبق فكيه لينطق من بينهما : هذا شيء آخر !!
ارتفعا حاجبيها بدهشة لتهمهم ساخرة : حقًا ؟! وكيف ذلك ؟!
زفر بقوة ليغمغم بضجر : فاطمة ، رفعت رأسها بشموخ وجابهته بتحدي فأكمل بجدية - حسنًا ماذا تريدين ؟!
ابتسمت بلطف لتهادنه وتلف كفها حول ساعده تحتضنه برقه : تعال لنجلس و اترك وليد يتحدث إلى عاصم عم يضايقك ، فقط لا تذهب أنت وتقم بإرهابه الآن ، اتبعت بمشاكسة متعمدة - لا نريد أي تاثير سيء على الولد الليلة .
اغمض عينيه ليتشنج جسده أسفل راحتها هاتفًا بغضب : فاطمة .
ضحكت برقة وهي تدفعه ليسير إلى جوارها بعدما أشارت إلى وليد برأسها : حسنا أعتذر كنت أمزح معك ، فقط تعال و تذكر و أنت تنظر إليه أنه عاصم ، تمتمت وعيناها تغيم بحنان - البكري يا وائل .
شرد نظره نحو عاصم الذي يحتضن ابنته داخل صدره بحنان ومن الواضح أنه يعاتبها على شيء ما فيتشكل ثغره بابتسامة سعيدة فخورة بولده الذي يقترن بابنته محققًا إليه حلم ظن في وقت ما أنه لن يتحقق.
***
بعد ثلث الزفاف الأول ...
توقفت الموسيقى الصاخبة وفقرة أحد الفنانين تنتهي والعروس تغادر القاعة في فاصل بسيط وبعض الاطعمة تقدم والعصائر التي يدور بها السقاه من حولهم ليعبس بتعجب وهو يسأل عادل الواقف بجواره : ماذا يحدث ؟! أين اختفت العروس ؟!
هز عادل راسه بعدم معرفة ليهتف بجدية : ولكن أفضل أنها اختفت حتى استطيع المباركة لعاصم .
هتف عز الدين : خذني معك .
أشار إليه عادل بجدية : تعال .
تحركا سويًا ليقتربا من عاصم فيبارك إليه بخفة بينما احتضنه عادل بقوة وهو يمازحه بخفة و وقاحة فتتناثر الضحكات فيما بينهما ليضحك مرغما وهو يلكز عادل بعتاب قبل أن تتعلق عيناه بها رغم عنه فيتوقف عن الضحك قبل أن يستأذنهما وهو يقرر العودة لطاولة تاركًا المجال لعادل وعاصم يتحدثا على راحتهما ، و عيناه رغمًا عنه تتعلق بها فيشعر بحلقه يجف وهو مبهورًا بها .. ماخوذًا بجمالها فيدور ليتناول كأس من العصير الطازج يحتسيه ببطء وهو يراقبها من بعيد تبتسم برقة وملامحها الجميلة تجذبه رغم أنها ليست منمقة ولا ملونة بل هي سمراء نيلية جميلة تشبه تماثيل الأجداد .. الملكات .. بجمالهن الفرعوني المشبع بحضارة وأناقة تعلو هامتها المرتفعة بشموخ مصري يعلن عن وجودها بوضوح ، رغم أن شقيقاتها كما عرف يفوقونها جمالًا بملامح وجهيهما المنمقة الصغيرة وبشرتهما الفاتحة وأعينهم الملونة إلا أنها مختلفة ببهاء يجذب نظره رغمًا عنه ، فهي ليست المرة الأولى التي يلتقيها وليست المرة الأولى التي يلاقي صعوبة في ابعاد نظره عنها .
تنهد بقوة وهو يترقب لحركتها لينتهز الفرصة ويتبعها إذا ابتعدت عن اخواها وعائلتها فتأتيه سريعًا وهي تنهض واقفة وتخطو بعيدًا عن الطاولة التي تجمعها بعائلتها الكبيرة الصاخبة فيهم باتباعها قبل أن يتوقف عن كف زوجة ابيه الصغير التي تمسكت بساعده وهي تهمس بخفة : أين تذهب يا عز ؟!
التفت إليها مدهوشًا ليهمهم بسرعة وبصره يتحرك سريعًا ليدرك مكانها الذي ذهبت إليه : سأتي بالطعام .
ابتسمت إيناس بمكر لتهمس : حقًا ؟! همهمت بمكر – ليس عليك الذهاب اشر لأي من النُدل هنا وهم سيأتونك بم تريد .
رف بجفنه ليصمت بحرج فاتبعت وهي ترمقه بنظرة ثاقبة : ظننتك ستتبع تالية فأحببت أن أوفر عليك الطريق وأخبرك انها ستأتي بعد قليل فأنا طلبت منها الانضمام إلينا قليلًا.
اتسعت عيناه بدهشة ليهمس بمفاجأة : حقًا ؟! لماذا ؟!
ضحكت برقة لتجيبه بوضح : لأني لاحظت نظراتك المنجذبة إليها وليست المرة الأولى بل لقد كانت رقبتك تدور على ملف زنبرك ونحن بالمزرعة وتنظر إليها كلما تحركت .
اخفض رأسه بحرج داهمه ليتمتم بخجل : حقًا ، أنا لا أعلم ماذا أصابني ولكني منجذب إليها .
تنهدت بقوة : أنا أرى هذا ولكن أريد أن استوضح منك شيئا ، هل هذا الانجذاب عاديًا أم ؟!
هز رأسه بحيرة : لا اعرف فأنا لم امر بهذا الأمر من قبل ، نظرت إليه بمفاجأة فأتبع - بالطبع أعجبت ببعض من الفتيات من قبل وحاولت مصادقتهن ولكن ما أشعره هذه المرة مختلف .
تمتمت بعفوية : أنا أيضًا أشعر بأن نظرتك مختلفة ولكن وجب علي تنبيهك الفتاة من عائلة تعد من معارفنا المقربون و ذات أصل طيب و أخلاق عالية لا اعتقد أنها تعترف بالمصادقة كنوع من التسلية .
هتف بسرعة : بالطبع لا إذا حدث وفاق فأنا أنوي الارتباط بها .
اتسعت ابتسامه بسعادة حقيقية لتجذبه إليها فتشنج غير متوقعًا ليتخلص من تصلبه وهو يشعر بضمتها الحانية التي أدهشته وهي تهمس بحماس : وفقك الله يا عز .
ضحك بخفة لتغمز إليه بعينها وهي تبعده عنها مهمهمة : هاك عروستنا قادمة انضم إلى الطاولة حتى تستطيع التعرف عليها وهي أيضًا تلاحظ وجودك .
أومأ برأسه موافقًا قبل أن تهتف إيناس : تالية ، تعالي يا عزيزتي .
اقتربت بخطوات مترددة تبتسم بخجل وتخفض نظرها أرضًا في حياء أحكم قيده على روحه لينتبه إلى ايناس التي اتبعت بصوت هادئ : هذا هو عز الدين ابني عبست تالية بعدم فهم وهي تنقل نظرها بينهما فتضحك إيناس وتكمل - ابن آدم ولكنه كميرو لا فارق بينهما ،
أشارت إليه : عز الدين هذه هي تالية الألفي الابنة الكبرى للباشمهندس يحيى الألفي أخو عمك حاتم .
مد كفه ليصافحها فاستجابت برقة فيهمس وعيناه تتعلق بها : تشرفنا ، سعيد بمعرفتك .
ابتسمت فومضت وجنتها المتوردة بغمازتها وهي تجيبه بصوت حيي : أنا الأسعد .
لتهتف إيناس بجدية : لنجلس ونتحدث قليلًا .
***
صوت الموسيقى يدوي من جديد والقاعة تظلم لتضيء بإحدى جوانبها بقعة ضوء كبيرة مسلطة على نوران التي طلت عليهم من فوق باطلالة جديدة وفستان مختلف بلون سكري لامع وتنورة منفوشة مزخرفة بشكل مبهر وصدر مغلق بالتل بعد أن حدد القماش الثقيل نهديها بشكل ملفت وكمان يرسمان انسياب ذراعيها بشكل جميل والتي تقف فوق قاعدة خشبية عريضة بقائمتين عريضين في شيء يشبه الأرجوحة مزينة بالكثير من الشرائط اللامعة والورود وهي تتمايل على الموسيقى السريعة والارجوحة تتحرك بها في خفة فتنزلق ببطء نحو منتصف ساحة الرقص الذي توقف عاصم الذي تخلص من سترته ليظهر بالسترة الداخلية وقميصه الذي أعاد كميه للخلف وصوت نادر يشدو بفرحة لمعت بصوته
إنت اللي بين إيديك بدأت أعيش .. حبيت سنيني بيك علشان بحبك
خليت حياتي جنة من مافيش .. خليتني انام وأقوم أقول بحبك
لتتوقف الارجوحة على ارتفاع بسيط عن الأرض فيقترب عاصم منها يتلقفها بين ذراعيه يدور بها وهي تحتضنه ليدور بها دورتين كاملتين قبل أن ينزلها ليراقصها بتناغم على صوت نادر الذي دوى على ايقاع سريع
قدام الناس
أنا وإنت بقينا لبعض الليلة خلاص .. اصل انت يا قلبي في قلبي غير الناس
و يا واخد روحي وعيني الليلة أنا جيت
وبقول حبيت
أشار نادر للجميع ليشاركوهم الرقص الذي كان أكثر مرحًا .. صخبا .. وحركة ، ليديرها عاصم يحتفظ بها بين ذراعيه يلصق ظهرها بصدره وهو يهمس إليها وهما يتحركان سويًا : هذا أجمل من الآخر .
ضحكت بخفة : حقًا ؟!
أدارها إليه ليتمايل معها : مغلق وجميل لو استثنيت منطقة الصدر .
تعالت ضحكتها وهي تقترب منه تهز كتفيها في دلال وتشاكسه بملامحها فيجذبها من ساعديها يضمها إلى صدره هامسًا بصوت أجش : ماذا أفعل الآن بعد تحذيرات عمك العزيز والذي سببها عمي العزيز ؟
ضحكت بخفة لتهمس باغواء : لا تهتم بأي تحذيرات أنا اليوم ملك لك أنت وفقط ، لفت ذراعيها على عنقه لتهمس متابعة مع صوت نادر الذي شدى باحساس رائع
وياك نسيت حبيبي عمري كام .. ونسيت حاجات كتير عشان بحبك
بقى شيء طبيعي بينا في الكلام .. بين كل كلمتين بقول بحبك
همست بخفوت وهي ترمقه بعينيها : أحبك يا عاصم .
لم يقوى على منع نفسه من التقاط شفتيها في قبلة طويلة وهو يحملها من الخلف كما اعتاد فتتمسك به وهما يدوران من حول نفسيهما فتنطلق الصافرات والصيحات الشبابية الصاخبة ونادر ينهي اغنيته بضحكة متسعة وخاصة مع ثرثرة الشباب الصاخبة
قدام الناس
أنا وإنت بقينا لبعض الليلة خلاص .. اصل انت يا قلبي في قلبي غير الناس
و يا واخد روحي وعيني الليلة أنا جيت
وبقول حبيت
قدام الناس – حماقي
انتهت الاغنية وهو ينزلها أرضًا ليظل محتفظا بها داخل صدره وساحة الرقص تعج بالشباب من الجنسين حولهما وخاصة شقيقه الذي جذب يمنى لتجاوره بعدما كانت تجلس بعيدًا رافضة للرقص ولكن وجود نادر دفعها للمجيء و أولاد عمومته جميعهم حتى جنى التي تركها أسعد على غير العادة لتجذب نوران بعيدًا عنه عندما صدحت موسيقى أغنية أخرى تخص نادر ولكن بلحن شرقي هذه المرة لتتعال ضحكاته هذه المرة حينما استمع إلى صوت أحمد الذي هتف بنزق : أميرة من فضلك .
فتهز أميرة كتفيها بلا مبالاة وهي تقترب من نوران ببطنها المنتفخ تحتضنها وهي تهتف بتحدي : لن أترك شقيقتي ، ولا تخف لن ألد .
ليجيبها عاصم بخفة : أنا خائف ، أرجوك لا تلدي الليلة .
تعالت الضحكات من حولهم ليهتف أحمد : سأنادي عمك ليستمع إليك .
همهم عاصم مجيبًا : عمي فقد الأمل .
جذبه أحمد ليرقص بدائرة شبابية خاصة بهم : أنت أيها الوقح الصغير ، هو راض عنك رغم غيرته .
ضحك عاصم ليشير إلى أسعد الذي اقترب بخطوات رزينة ليحتضنه بأخوة يبارك له ليشير برأسه نافيًا رافضًا بلطف الرقص معهم وصوت نادر الذي يشاكس الفتيات بأغنيته بعدما جذب عاصم نحوه قليلًا يريده أن يشدو معه
ده بكلمة منه بنسى الدنيا كلها .. وعشان عيونه مستعد اهدها
اول ما شفته وابتسم قلبي انتهى .. ده عيونه تسحر والبلاد تتفات لها
دورت ملقتش في جماله تصدقوا .. طب هاتوا من الحلوين مثل ونطبقه
دي مش مجاملة مش كلام بذوقه .. لو عدى جنب الوردة اتحدى تفرقوا
***
تنحى جانبًا بعيدًا بعدما جذب عاصم بعيدًا عنهم وهو الذي كان يراقصهم ليشاكس نادر الفتيات بأغنيته وخاصة حينما طلب من عاصم أن يشدو مرددًا لنوران فيستجيب عاصم دون معرفة حقيقية فيبتسم بخفة قبل أن تضيق عيناه بمكر وهو يتطلع إليها تتمايل بخفة أمام نادر الذي استجاب إليها بعفوية وهو يكمل شدو اغنيته التي تليق بها كما انبهه عقله إلى كلماتها :
بوصف بس عيونه على يومين .. يبقى الباقي عايزله ولا سنين
ليه بيلوموني ليه .. اه لو ييجوا يشوفوه
لون السما في عينيه .. اما القمر دة اخوه
دة ملاك وماكنش بينا .. بالصدفة نزلوه
واعمل هه اعمل ايه
اعمل ايه – حماقي
فيشاكسها نادر بملامحه فتتعالى ضحكاتها لترمقه بطرف عينها تتأكد من كونه يراقبها فيبتسم بغموض سكن عيناه قبل أن يشير إليها برأسه في ايماءة خفيفة وكأنه يحيها فترفع رأسها بشموخ أثار ضحكاته التي دوت بعمق روحه فتحكم بها حتى لا تصدر بصخب عالي فتلفت إليه الأنظار وخاصة والده الذي أصبح يجلس على صفيح ساخن وخاصة مع تهربه الدائم منه !!
تنفس بقوة وهو يتحرك مبتعدًا عن حلقة الرقص يراهن نفسه أنها ستتبعه .. بل يدرك جيدًا أنها ستفعل وخاصة وهو الذي ابتعد عنها منذ بداية الزفاف بل لم يمنحها التحية حتى قاصدًا ومتعمدًا اثارة تفكيرها ليأتي بها إليه متأكدًا من حدسه الذي يراوده منذ يوم العيد في المزرعة وطريقتها المختلفة معه كليًا .
التقط كأس من العصير في طريقة ليخطو نحو ركن متخفي بإحدى أعمدة القاعة الضخمة متحريًا عدم الرؤية لتومض عيناه بظفر ملأ أوردته حينما اقتربت منه بخفة تفتعل مرورًا ليس عفويًا من جانبه لتتوقف عن السير وتنظر إليه بافتعال جلي : اوه دكتور عادل ، أنت هنا يا ابية ؟!
لامس طرف الكاس بشفتيه ليضحك بخفة مجيبًا باستفزاز تعمده : بل هناك .
عبست حنق طفولي : تسخر مني
أجابها بوضوح دون مواربة : بل أنت من تفعلين من كلينا .
اضطربت ملامحها لتهمس بعدم فهم مفتعل : ماذا تقصد ؟!
تنفس بعمق و أشاح برأسه بعيدًا ليسألها بجدية : لا شيء ، لا تهتمي بحديثي يا ملك .
شدت جسدها بكبرياء : كيف لا اهتم و أنا اشعر بك تتهمني بشيء لا أفهمه .
استدار برأسه ينظر إليها قبل أن يتحرك مقتربًا منها يشرف عليها من علٍ فيظهر فارق الطول بينهما واضحًا رغم ارتدائها لحذاء ذو كعب عال يصل للأثنى عشر سنتيمترًا : بل تفهمين ما اقصده جيدًا ، فلا تستخف بي ولا بعقلي أبدًا يا صغيرة .
هتفت بضجر : أنا لست صغيرة فتوقف عن ترديدها على مسامعي .
رمقها من بين رموشه ليهمس : تصرفاتك هي التي تجبرني على منادتك بها ، عبست بغضب ومض بعينيها فأكمل - هل ظننت حقًا أني سأبتلع الطعم وانشغل بك يا ملك ؟! حقا ظننت أني لن أدرك مقصدك .. ومعنى تصرفاتك .. وما ترمين إليه ؟! شحب وجهها على الفور ليكمل وهو ينظر إلى داخل عينيها – حقا ظننت أني لن ألاحظ تغييرك معي ؟!
شد جسده ليقف باعتدال هامسًا بزفرة قوية : لقد التقطت الأمر منذ بدايته ولكني لم اشأ أن أفسد عليك مخططك !!
اختنق حلقها لتسأله برعونة : لماذا ؟!
ابتسم بلطف ليجيب بوضوح : لعدة أسباب ، أولهم أني انتشيت غرورًا كون فتاة جميلة مثلك تريد لفت نظري حتى و أنا أدرك أنك تريدين الانتقام مني لأني اخفتك أكثر من مرة ، امتقع وجهها ليتبع سائلًا ببسمة مرحة – أليس هذا سببك ؟!
رفت بجفنها لتشيح بعينيها بعيدًا بعدما هزت رأسها ايجابا فيكمل ببسمة هادئة : ثانيًا أني آثرت الصمت وأنا أشعر بأن انشغالك في مخططك هذا يمنحك الهاء تحتاجينه للتخلص من بقية حيرتك في مشاعرك المضطربة .
التفت إليه سريعا تنظر إليه بذهول فيتبع بهدوء – شعرت بأن من واجبي أن أساعدك يا ملك .
كتمت أنفاسها رغمًا عنها وهي تطلع إليه ليصمتا قليلًا لتهمس أخيرًا بصوت أبح خجول : هل هناك ثالثًا ؟!
ضحك بخفة ليومئ برأسه : نعم ، ولكنه سببًا يخصني أنا لا دخل لك فيه ، وهو السبب أنني واجهتك اليوم ؟!
تنفست بعمق وسألته بعينيها : لقد شعرت بخوف طفيف أن تنقلب اللعبة الى حقيقة فلم أشأ أن نتعلق سويًا بشيء لن يحدث .
تمتمت ببرود : لم يكن ليحدث .
هز رأسه دون جواب شافي ليتمتم أخيرًا : ممكن ، أتبع بعملية - ولكن نسبة الحدوث من عدمه متساوية فأثرت أن نفترق ونحن أصدقاء .
نظرت له بانبهار طفيف ومض بعينيها فأكمل بخفة : هل تقبلين بصداقتي يا ملك ؟!
ابتسمت برقة لتساله بمشاكسة شقية : على شرط ، نظر إليها باستفهام فأكملت – تتوقف عن اخافتي أو مناداتي بالصغيرة .
ضحك بخفة : موافق على الاثنين ولكن على شرط ، رفعت رأسها بشموخ فأكمل بجدية – أن تلجئي لي عندما تشعرين بأنك محتاجة للمساعدة ، في أي وقت ستجديني بجوارك ومعك .
ابتسمت برقة لتهمس بخفوت : اشكرك يا عادل .
اتسعت ابتسامته ليسألها بخفة : أين ذهبت ابيه ؟!
تعالت ضحكاتها لتجيبه بخفة : ذهبت مع يا صغيرة في مركب واحد .
فيجيبها بمرح : لن يعودا بإذن الله .
خطت بعيدًا عنه لتنظر إليه باستفهام وهي تسأله : لن تأتي ؟!
تمتم بخفوت وعيناه تومض بسعادة : اذهبي وأنا سأتبعك بعد قليل .
ابتسمت برقة وأومأت إليه برأسها وهي تعود إلى الصخب من جديد وحلقة الرقص التي اشتعلت برقص الشباب الصغار مع فرقة راقصات اجنبيات ذائعين الصيت مع فرقة نسائية من ثلاث فتيات معروفات ومن الواضح أنهن صديقات لأدهم فهو و زين توسطا الفقرة التي قدمت بغرور طاووسي ذكوري مهيب .
***
يحتسي بعض من العصير ليهدأ من أنفاسه المتسارعة نتيجة رقصه الصاخب مع مجموعة الفتيات اللائي أتى بهن ليقدمن فقرة صاخبة في عرس شقيقته ، يكتم ضحكته وهو يقف بعيدًا يراقب ابن عمه الذي يحاول أن يتحاشى تلك الفتاة المعجبة به والتي تكاد تلتصق به فيتجنب التقاط إشارات مازن الذي يطلب مساعدته وهو لا يدرك أنه السبب الرئيسي في ملاحقة الفتاة له .
أولاه ظهره وهو يتلذذ بعصير الكرز المركز الذي يحتسيه ليتوقف عن البلع وعيناه تتوقف عليها وهي تجاور الآخر الذي يثرثر إليها بابتسامة هادئة وابتسامتها ترتسم على شفتيها وجنتاها متوردة وعيناها لا تقع على الآخر بل شاردة بعيدًا و كأنها تتجنب الوقوع في أسر نظراته ذات الوهج الأخضر .
ابتلع ما تبقى من العصير في حلقه وهم بأن يستدير لكن جسده تصلب وهي تلوح له فيستجيب بإيماءة خفيفة غير مشجعة ، هم بالابتعاد لكن ندائها العالي وتحركها نحوه وهي تجذب الآخر معها أجبراه على الوقوف ساكنًا ينتظر اقترابهما.
لتتوقف أخيرًا أمامه وهي تهتف : أدهم هذا زياد ، التفتت نحو من تتأبط ذراعه - زياد هذا أدهم.
ابتسم بلباقة وصافحه بجدية : سعيد بمقابلتك .
أجابه زياد بهدوء : أنا الأسعد ، آسيا أخبرتني عن كونك صديقها المقرب .
رف جفنه بخفة ليجيب بهدوء : آسيا أقرب من أن تكون صديقتي ، أتبع وهو يرمق آسيا - آسيا تعد إحدى أخواتي ، ابتسامتها التي اتسعت أجبرته على الابتسام ليهمس بجدية وهو يدير عينيه إلى الآخر متبعًا - أنا الآخر أخبرتني عنك ، اتمنى لكما التوفيق .
لوهله شردت عينا زياد نحوها وهي تبتسم برقة وعيناها تومض برمادية مشرقة ليجيبه دون وعي بصوت مليء بتوقه الشديد لمن تجاوره هامسًا بعربية مطعمة بلكنة امريكية صريحة : إن شاء الله قريبًا .
فيبتسم أدهم وهو يشد جسده بشموخ : سعيد لأجلكما .
ابتسمت آسيا لتجيب برقة : العقبى لك .
أومأ برأسه قبل أن يستأذنه زياد برأسه ويدفعها للابتعاد عنه وهو يهمس بخفة بجوار أذنها : لنرقص يا آسيا .
أومأت برأسها وهي تستمع إلى الموسيقى الهادئة المسيطرة التي عادت لتسيطر على الزفاف من جديد لتهتف لأدهم : بعد إذنك يا دومي ، ضيق عينيه فكحت بخفة و أتبعت بمشاكسة - يا أدهم بك .
أومأ برأسه متفهمًا ليراقبهما بعينيه التي تلونت بقساوة مزجت بألم لا يريد الشعور به فيطبق على فكيه بقوة قبل أن يلقي ما تبقى في الكاس بحلقه ، يبلعه جبرًا وهو يرغم حنقه المختنق على الشعور بطبيعية افتقدها وهو يتأملها تراقص الآخر الذي احتضنها بين ذراعيه برسمية من الواضح أنها أقرتها بينهما .
__ هل أنت بخير ؟!
صوت عمه الذي صدح بجواره انبهه لوجوده فالتفت ينظر إليه ليجيب بمرح مفتعل : بألف خير، أتبع بتعجب اتقنه - ما الذي سيجعلني ليس بخير ؟!
رمقه وليد بطرف عينه ليحرك رأسه بحركة متسائلة : خطوبة آسيا مثلًا .
عبوس طفيف اعتلى جبين أدهم ليهمس ساخرًا : وما علاقتي بهذا الأمر ؟!
رمقه وليد مليًا ليهمهم : لا أعلم أنا من يسأل .
تنفس أدهم بعمق قبل أن يثرثر بمرح اسبغه على صوته : أنا بخير يا عماه بالعكس أنا سعيد لأجلها و لأجل عرس الليلة فأخيرًا تتزوج شقيقتي المدللة على كبير عائلتنا ، بغض النظر أنه قام بطردنا جميعًا من القصر إلا أني سعيد لأجلهما، صمت قليلًا قبل أن يتابع وعيناه تقع على نوران وعاصم اللذان يرقصا سويًا - بل يكفيني أن أنظر نحوهما لأشعر بموجة سعادة تغمرني بقوة وتغرقني داخلها .
ران الصمت عليهما قليلًا قبل أن يهمس وليد أخيرًا : لعلمك لقد تحدثت مع أمير عنك ، ارتدت رأس أدهم بحده نحوه و جحظت عيناه بتساؤل أغلق حلقه فلم يقوى على النطق به ليغمغم وليد بضيق لاح بعينيه - آسيا من تقبل به ، آسيا من تريده .
لكمة ساحقة ضربت مجرى تنفسه فشعر باختناق ثقيل زعزع تماسكه ولكنه تصلب بشموخ جلب عليه ليهمهم بصوت وشى بألمه رغمًا عنه : أعلم ، لقد أخبرتني عنه .
غامت عينا وليد بحنان فهم بالحديث ليشير أدهم يوقفه قبل أن يسأل : لماذا فعلت يا عمي ؟!
أجاب وليد وهو يقترب منه يضغط على كتفه بلطف : اعتذر ما كان علي ذلك ولكني .. صمت ليتابع بحنق - ظننت أني أوفر عليك مشقة وألم عانيت منه قديمًا .
ابتسم ادهم ساخرًا ليهمهم : وهل ظننت ابتعادي هو غباء مني مثلًا ، رمقه وليد بتساؤل فأكمل بمنطقية - إنه هروب يا عماه ، فما أشعره لا يقابله أي شيء منها ، لو فقط ألمحت لي لكنت ملكت قلبها ودنياها وأنا أكثر من قادر على ذلك ولكن هي لا تقبل بي وأنا مستعد أن ازهق روحي ولا أتخلى عن كرامتي لأجل أي شيء ،
تنفس بعمق ليزفر بقوة : ليس أنا من يضحي بنفسه وكرامته ، ليس أنا هذا الرجل ومن لا تقدر أني بشخصي نظرت إليها لا تستحق أن أعيد النظر في أمرها ، فأنا أدهم الجمال يا عماه ومن لا يدرك قيمتي لا يستحق مشاعري أو قلبي .
اتسعت عينا وليد بصدمة ليردف أدهم بجدية : فأرجوك يا عماه لا تفعل هكذا ثانية ، أنا أقدر مشاعرك نحوي .. وطيبتك التي دفعتك للتوسط لي لدى سيادة المستشار ولكن كل هذا دون فائدة ، فابنتهم لا تقبل بي وأنا لن اخطو نحوها ولن انتظر كطفل صغير ينظر أمير باشا الخيّال و ولديه وبقية العائلة في أمري من عدمه ، فأنا لن أصغر نفسي هكذا أبدًا وعليه الأمر مرفوض جملة وتفصيلًا من الجانبين .
عبس وليد ليغمغم : ولكنك ..
هز ادهم رأسه نافيًا : لا يا عماه ، أنا لم .. ولن .. ، آسيا أختي وستظل هكذا .
اهتزت حدقتي وليد بحيرة قبل أن يهمس بيأس : انت تفوق وائل غرورًا وتنافس عاصم كبرياء و تضع لنفسك مكانة تليق بحفيد عاصم الكبير يا ولد ، و رغم أني اشعر بكونك مجنونًا إلا إني فخور بك .
اتسعت ابتسامة أدهم ليهمس بجدية : و أنا أشكرك يا عماه ، عبس وليد فأكمل مجيبًا - لكونك اهتممت بأمري .
رمقه وليد معاتبًا ليدفعه بلطف في كتفه : اغرب عن وجهي يا ولد .
ضحك أدهم بخفة ليهتف بمرح : سأفعل ، سأذهب لمراقصة شقيقتي الذي سيختطفها ولدك بعد الزفاف وسيمنعها عنها.
عبس وليد دون رضا : بالطبع لن يفعل .
أجابه أدهم بتهكم مرح : بالطبع سيفعل يا عمي وإلا سيهدم بابا الزيجة أو يحول بينهما وبين الإنجاب.
قهقه وليد ضاحكًا رغمًا عنه ليهتف به وهو يدفعه بجدية : أنت وقح يا ولد .
هز أدهم كتفيه بخفة : من شابه أباه يا عماه .
هز وليد رأسه بيأس وهو يراقبه يبتعد نحو عاصم ونوران التي اتسعت ابتسامتها وهي تراه يخطو نحوها والموسيقى تعزف لحن غربي قديم قليلًا فيتأمله وهو يجذب نوران نحوه بعدما استأذن عاصم وصوت مايكل ببلو يشدو بذاك اللحن المحبب على مر العصور وهو يغني sway.
***
الثلث الأخير من الزفاف ...
خفتت الاضاءة من حولهما فهمست بخفوت وهي تميل نحوه : اعتقد أن العروس ترتدي فستانها الأخير ، رفع حاجباه بتعجب لتكمل وهي تحتضن ساعده القريب منها بكفيها – كم احببت اجواء الزفاف يا هادي ، لدرجة أني تمينت أن ازوج رامي أو أعيد زفافنا .
ضحك بخفة ليهمس إليها بخفوت : رامي إنه في الرابعة عشر يا جولي ،ولكن نستطيع أن نعيد زفافنا .
لمعت عيناها بفرحة عارمة لتسأله بذهول : حقًا يا هادي ؟!
أومأ براسه ليجيبها ساخرًا : بالطبع ، تطلعت إليه بسعادة فأكمل بمرح – كل ما عليك هو أن ترتدي فستان زفافنا وأنا سأعيد عليك ليلتنا الأولى بكامل تفاصيلها .
دفعت ساعده بعيدًا لتبتعد عنه ترفع رأسها بحنق كسى ملامحها : أنا المخطئة من تحدثت معك وصدقتك .
قهقه ضاحكًا بخفوت ليجذبها من كفها القريب نحوه من جديد هاتفًا بشقاوة : أمزح معك .
رمقته بطرف عينها في ضيق رقيق ليكمل – حسنًا لا ترتدي الفستان ارتدي غلالة النوم التي كانت بعد الفستان ، تعلمين أني اقدرها كثيرًا وتأثيرها علي رغم مرور السنوات عالمي ففي كل مرة تكون السبب في طفل جديد .
دفعته بعيدًا وهي تسيطر على ابتسامتها بصعوبة : أنت لا تفكر إلا بمثل هذه الاشياء .
غمز بعينه في مشاكسة : لماذا تنطقيها هكذا دون رضا ؟! ألا تروقك هذه الاشياء ؟!
أشاحت بوجهها بعيدا فأكمل بخفة : إذًا لا تشتاقين لطفل أخير لعلها تأتي فتاة فتكن شقيقة لسلمى .
اتسعت عيناها بصدمة لتهمس بجدية حازمة : بالطبع لا اشتاق لطفل جديد يا هادي ، يكفي ما رزقنا به الله .
همس بمهادنة : بارك الله فيهم ولكن إنهم ثلاث صبيان و فتاة يا جولي ، وسلمى تشكو دومًا من عدم وجود فتاة تلاعبها .
نظرت إليه بحنق : ابنتك مدللة اكثر من اللازم وأنا لن أتي بطفل جديد لأجل عيناها ، وخاصة و أنا لا نضمن أن يأتي ذكرًا .
همس ببساطة : حينها نأتي بطفل آخر لعله يأتي فتاة .
اتسعت عيناها بصدمة لتزفر بقوة وهي تنهض واقفة : سأذهب لدورة المياة فأنا لن اناقش هذا الأمر .
ضحك بخفة وهي تبتعد عنه لتندثر الابتسامة عن شفتيه وهو يرمق الآخر الواقف بعيدًا وحيدًا في طاولة فردية ليشير برأسه لأحد رجاله الجالسين من خلفه ليهمهم إليه ببعض كلمات فيومئ الآخر بتفهم وهو يشير لأحد الرجال فيذهب إلى زيد الذي استمع إلى الحديث وهو يطبق فكيه ليومئ بالتحية قبل أن ينهض واقفًا ويقترب من هادي الذي ابتسم بترحيب مرغم عليه ليشير إليه بالجلوس وهو يسأله بتهكم : أنت بمفردك على غير العادة ؟!
مط زيد شفتيه ليهمهم بتهكم : زوجتي غاضبة علي و والدها يساندها .
اتسعت عينا هادي بصدمة مفتعلة ليسأله بتشفي واضح : أوه حقًا ، حتى عمك غاضبًا منك ؟!
رمقه زيد بغل ليجيب ساخرًا : أولا تعرف ؟! أحدهم هدده ليرفع عني غطاءه ويمنع دعمه لي .
رمقه هادي قليلًا قبل أن يهمس بجدية : أو لعله غضب لأجل ابنته التي اذقتها الجحيم يا بك ، ألم تفكر في هذا السبب ؟!
اشاح زيد برأسه بعيدًا فيكمل هادي بجدية : بمناسبة ذكر زوجتك ، استعد في الغد سيأتي رجالي ليصحبوك لتقابلها .
افتر ثغر زيد عن بسمة هازئة : هل رضيت عني أخيرًا ؟!
نظر إليه هادي مليًا ليجيب ببرود : لا ، لم تفعل ، فنتيجة المقابلة هي ما سيحسم الأمر يا زيد ، لو رضيت السيدة أسيل أعدك أن تكون بمأمن عن بطشي بك وإذا لم ترضى صدقني سأحيل حياتك جحيمًا لن تدرك متى تفتح ابوابه ومتى ستغلق .
اختنق حلق زيد وعيناه تومض بغضب مستعر ليبتسم هادي بخفة : تستطيع أن تبارك لعاصم بك ، فها هو ظهر أخيرًا دون عروسه التي من المؤكد سرعان ما ستظهر .
تمتم زيد باختناق : لقد باركت له .
أومأ هادي برأسه ليتمتم ببرود : إذًا تستطيع الانصراف إذا أردت فأنا موقن أن آل الجمال لن يحزنوا إذا غادرت مبكرًا قليلًا .
انتفض فك زيد بغضب كسى ملامحه وعيناه تومض بجنون فيلتفت إليه هادي ببرود يرمقه من بين رموشه بتحدي رزين ليغمغم زيد بفحيح متوعد : أراك على خير يا باشا .
ليبتسم هادي برزانة ويجيبه : بإذن الله يا بك .
انتفض زيد واقفًا ليغادر الزفاف بخطوات متسارعة والآخر يراقبه بعينين مترقبتين ليشير لرجله الأمين فيهمهم إليه بخفوت : لا تغفلوا عنه هذه الفترة أبدًا .
أومأ الرجل ليجيب بهدوء : أمرك يا باشا .
***
وقف ينتظرها في ثبات وهي تطل باطلالتها الأخيرة ترتدي الفستان الذي ابتاعه لها ، رغم أنه مكشوف قليلًا ولكنه لم يقوى على عدم شراءه وهو يتخيلها به ، بقماشه الأبيض ولمعته الفضية .. بفخامته وتطريزه الأنيق الذي يضوي على بشرتها البرونزية والتي ومضت بزينة ثقيلة وتسريحة شعر ملكية راقت له مع هذا التاج الملكي وتنورته المنفوشة بذيل طويل و واسع اضفى عليها هالة من الفخامة يعشقها .
تحرك نحوها بعدما ابدل سترته هو الآخر بسترة بيضاء أظهرت اناقته ليجذبها من ذراعها ويتحركا نحو كعكة الزفاف الضخمة ليقطعها سويًا وبعدما اطعمها برقة ألبسها خاتم ثنائي ماسي جديد وهو يهمس بخفة : هذا خاتم الزفاف يا نوران ، هذا هديتي لك لبداية حياتنا .
اتسعت ابتسامتها فبدأت الموسيقى تعلو بلحن هادئ بطيء وهو يرفع كفها إلى شفتيه يطبع قبلة فوق خاتم زواجه الذي يزين بنصرها الأيسر لتتعلق برقبته فيحملها بسعادة فاضت منهما قبل أن يهديها قبلة كانت هي من بدأتها حينما لامست طرف ثغره بشقاوة اعتداها منها ، تعالت الصافرات من حولهم مع صيحات كثيرة لم يلقيا لها بالًا ، ليضمها إليه يدفعها بلطف أن تسير معه إلى أن توسطا حلقة الرقص يحيها برأسه في أناقة فتستقبل تحيته بشموخ وعيناها تزدان بمكر أنثوي رجفا جفينه إليه وتعالت خفقاته طربًا وهو يشعر بأنه موصول بها ، ضمها إليه لينسابا سويًا في رقصة هادئة على الأغنية التي صدحت من حولهما ليهمهم في أذنها مع كلماتها بعشق تجلى بعينيه وكأنه حفظ الأغنية من قبل فيصبها في أذنيها الآن ممتلكًا بها روحها إلى ما تبقى من عمرها
اوعديني
إوعديني لو زعلتي مرة مني تعرفيني
لو جرحتك غصب عني تحسسيني
ماتشليش جواكي حاجة تحكي ليا كل حاجة
لما هفهم هبقا أحسن صدقيني
إوعديني لو نسيت يا حبيبتي نفسي تفوقيني
لو خدتني الدنيا منك ترجعيني
لو في لحظة زاد غروري إشتكي لومي وثوري
بس إوعي في يوم تروحي وتسيبيني
دار بها ليلفها فيحتضنها من ظهرها إليه يلامس وجنتها بخده ويهمهم بجانب أذنها بعد أن اثقلها بقبلة ساخنه شغوف وهو يتبع بخفوت أسر نبضاتها :
انتي قلبي .. انتي روحي .. انتي عيني
حد عايز اعيش معاه لاخر سنيني
انتي بالنسبة لي مش حب في حياتي
انتي كل حياتي فعلا افهميني
أدارها مرة أخرى يبعدها عن صدره بم يتيح إليه طول ساعده ، يراقصها بجاذبية .. بأناقة .. بخطوات مدروسة متناغمة فيشكلا سويًا لوحة فنية مبهجة للناظرين ومثيرة حقد الحاسدين وخاصة حينما التقط الحاضرين حولهما بأنه يردد عليها كلمات الأغنية - التي من الواضح انتقاها بعناية شديدة - وهو يناظر عمق عينيها فيبوح بم يدور بخلده لها
إوعديني لو في يوم الخوف ملكني تطمنيني
لو ذكائي في مرة خاني تفهميني
لما أقسى في يوم تحني وأما أغلط غصب عني
قبل ما أغلط غلطة تانية تلحقيني
إوعديني لو يبيعني الكون بحالة تشتريني
تبقي أقرب ليا مني تكمليني
تبقي أختي تبقي أمي تجري فيا جوة دمي
لما أكون تعبان تضمي وتداويني
اوعديني – رامي جمال
دارا سويًا في لفات متداخلة وهو يضمها أكثر إلى صدره ليرتفع صوته شدوًا مع الأغنية وهو يضع جبينه بجبينها فتلتمع عيناها بدموع كثيرة تأبى أن تبكي فتفسد فرحتهما سويًا وهي تعض شفتيها بعدم تصديق ، لتفلت من كفه وهو يديرها حول نفسها فتتمايل بحركات أنثوية اشعلت عقله وقلبه معًا ، أشارت إليه بعد أن ابتعدت قليلًا أن يأتي لها ليقف صامدًا رافعًا رأسه بشموخ وهو يرمقها بطرف عينه في عتب ، تعالت ضحكاتها قبل أن تخطو نحوه من جديد لتقفز وتتعلق برقبته فيحملها ويدور بها وهو يمتلك شفتيها بقبلة طويلة أثارت صيحات الشباب وصافرتهم وصوت أحمد الذي جذبه من عمق تأثره بها وهو يهتف : اقسم بالله هذا ليس عدلًا .
تعالت الضحكات لينزلها أرضًا يحتفظ بها قريبة من قلبه يسند ذقنه إلى رأسها المدفونة بعنقه يحاول السيطرة على خفقات قلبه التي تتسارع وكأنه كان يعدو بسباق حاسم ليتنهد بقوة عندما لامست رقبته بطرف شفتيها فيضحك بخفة هامسًا : ستتسببين أن ارتكب فضيحة علنية و معاليه سيقتلني بسببك اليوم .
تعلقت في رقبته بتملك : لن يستطع أن يلمسك ، أنا أحبك يا عاصم أحبك .
تعالت أنفاسه بشكل ملحوظ ليهمهم : توقفي الآن وانتظري إلى أن نذهب إلى بيتنا ، اتبع وهو يعض شفته بتوعد وبريق عيناه يضوي بسخاء – سأخذ حقي منك كاملًا يا نوران .
ارتعدت رغم عنها وهي تخطأ في تفسير نظراته ولكنه لم ينتبه لها بسبب انخراطه في الحديث مع أحمد الذي اقترب منهما !!
هتف أحمد بقهر وهو يحط كفه فوق كتفه بخشونة : الأغنية انتهت يا باشمهندس ، أترك لي ابنة خالتي لأراقصها .
ضحك عاصم ليهتف مغيظًا : اذهب و أرقص مع زوجتك يا نسيب .
مط أحمد شفتيه بتبرم : للأسف لا استطيع فهي متعبة ولولا أن العرس لا يصح تفويته لم أكن لأت بها ، ولكن من الجيد أني أتيت لأرى التسيب الذي يحدث هنا فلا يمنعه عمك المحترم الذي راقص عروسي ليلة زفافنا أكثر مني .
تعالت ضحكات عاصم ليكمل أحمد بغضب : وأنت يا قليلة الحياء ، تقبليه أمام الجميع دون خجل ولا تهتمي بأبيك ولا اعمامك ولا حتى أولاد خالتك ،
اتبع بصوت نادم : ألا تتعلمين من شقيقتك إلى الآن امسك يدها أمام أبيك ترمقني بحدة وتهتف بنبرة ممطوطة " أحمد " وكأني ارتكبت جناية .
تعالت ضحكات عاصم لتتعلق نوران بكتفه تخرج لسانها في حركة مغيظة : إنه زوجي وأنا أحبه ، واصرح بها عاليًا ولا يهمني أحد
هتف أحمد بمشاكسة : تعال اسمع يا سيادة الوزير ، هتف عاصم من بين ضحكاته – توقف يا أحمد ، سيأتي ويتشاجر معي أنا .
رمقه أحمد بغيظ : أحسن ، أنا أريده أن يفعلها من الأساس ، لماذا يتشاجر معي على الدوام وأنت تفعل ما لم أفكر في فعله ولا يتحدث معك ، هل هذا بسبب أنك ابن أخيه ؟!
هم عاصم بالرد ليصدح صوت وائل القوي : بل ابني ، هو ابني .
انتفض عاصم ليقف معتدلًا يبعدها عن جسده قليلًا يبتسم بامتنان لعمه الذي وقف بجواره يضع كفيه في جيب بنطلونه كعادته لتخفض هي رأسها متحاشية النظر لأبيها و وجنتيها تتوردان فيهمهم أحمد لها بخفوت : أين صراحتك يا ابنة الخالة ؟!
زمجرت وهي تدفع ساعده ليهتف متبعًا بمشاكسة : هو ابنك ، وأنا ابن البطة السوداء .
ضحك وائل بخفة : بل ابن منال .
تعالت ضحكات عاصم وأحمد يرمق وائل بطرف عينه : هكذا إذًا ؟! سأخبر أمي .
هم بالتحرك ليتمسك به عاصم ويهتف : توقف يا رجل ، والدتك لا تتفاهم .
ابتسم وائل برزانة وهو يقابل أحمد بنظراته الذي هتف بجدية مفتعلة : لأجلك فقط يا عاصم .
ابتسم وائل بمكر : إذًا لأجل عاصم فقط .
ضحك أحمد بخفة : بل لأجل كل شيء يا عماه .
هز وائل رأسه بتفهم ليهتف بجدية : هل تركتما لي فتاتي اراقصها قبل أن ينتهي الزفاف ؟!
رفع أحمد كفيه غير ممانع ليكح عاصم بخفة : بالطبع يا عمي ، تفضل ، هم بالابتعاد ليتبع قبلما يبتعد - رقصة واحدة يا عمي بعد اذنك ، وتذكر أنها اصبحت لي.
تعالت ضحكات أحمد الذي لم يبتعد عنهما ليدفع وائل عاصم بخشونة : ابتعد يا ابن .. صمت قليلًا ليكمل بغل – يا ابن وليد ولا تدفعني أن اعود بها إلى البيت واحرمك منها نهائيًا ، أقسم بالله لا ادعك حتى ترى طرف ثوبها .
كتمت ضحكتها وعاصم يقف يناظره وابتسامته تتراقص بعينيه ليهمس بأناقة ومشاكسة : لا تستطع يا عماه سبق السيف العزل يا سيادة الوزير إنها خاصتي .
اشار وائل لأحمد : خذه من هنا أفضل لك وله .
بهت أحمد ليهتف بصدمة : ما لي أنا ، الأمر لا يخصني .
تعالت ضحكات عاصم ليدفعه أحمد بمشاغبة : ابتعد يا بني ، سيأتي الوبال فوق رأسي بسببك أنت وعمك ، اتركه يراقصها وحينما ينتهي الزفاف اختطفها واهرب .
تمتم عاصم بهدوء : سأفعل فأنا سأوصي بانتهاء هذا الزفاف الآن .
***
دلفت إلى الغرفة الرئيسية بجناحهما بعدما وصلا لقصر عائلتها فتترك بقية العائلة بالخارج وتتسحب هي مختفية بداخل غرفة النوم وهي تشعر بالرهبة تمتكلها وحديثه يعاد في اذنيها فلا يقوى عقلها على إدراك مقصده لتقترب بخطوات متعثره في ذيل فستانها بعدما خلعت حذائها العالي عن قدميها فترفع تنورة الفستان لتخطو بحرية على الارض الرخامية الباردة ، لتتوقف أمام الفراش الذي لم تراه من قبل وعيناها تتسع بصدمة وعقلها يستعيد هذه الذكرى القريبة للغاية حينما كان يباشر تجهيز جناحهما فأمسك بها في غرفتها ذات مرة كما يفعل كلما استطاع فيبادلها القبلات ويهمس إليها بشوقه الذي قارب على الانفجار ليحدثها حينها عن غرفة النوم التي لم تتأخر في انتقائها .
كتمت أنفاسها وهي تستعيد صوته الاجش وهو يتمتم إليها يحتضن خصرها ويقربها منه بخفة وهي تحاول أن تتملص منه لتبتعد عنه فيبقيها إلى جواره : الجناح اصبح معدًا ينقصنا فقط غرفة النوم .
هزت كتفها بدلال لتهمس إليه : حسنًا أنت الذي لم يبتاعها ابتعت كل شيء ما عداها
همس وهو يزفر ببطء فوق بشرة وجنتها فتبتسم وتخفض وجهها شاعرة بالدغدغة : لاني أريدها أن تكون مميزة .
عبست بتعجب وسألته : كيف مميزة ألن تكن كبقية غرف النوم ؟! أتبعت بتعجب - فراش ومرآة زينة وأريكة وكرسيي وطاولة صغيرة !!
كز على شفته بتمهل ليقربها إليه أكثر مسيطرًا على تملصها بعيدًا عنه : نعم ولكن كل شيء فيها سيكون مميزًا ، تنهد بقوة وهمس متبعًا - هل لديك تصور معينًا لها أم اخلق أنا تصوري الخاص ؟!
هزت كتفيها لتثرثر بعفوية : امم اعتقد أني طالما حلمت بغرفة لا تكن على الطراز الحديث بل أريدها فخمة وكبيرة ، صمتت لتبتسم برقة وتهمس - أتعلم كنت أحب النوم كثيرًا في فراش نانا فالفراش واسع و كبير بأعمدته فخمة الطراز وستائره .
ارتفعا حاجبيه بتعجب ليهمس بجدية وهو يعتدل بوقفته : تريدين غرفة على الطراز القديم وفراش واسع عالي بأعمدة وستائر
همهمت بضحكة خافتة : ولونه أبيض أيضًا .
ابتسم بخفة وعيناه تومض بتوق لم تفهمه : يعجبني تصورك للغاية ويسهل علي كثيرًا ما كنت أفكر فيه .
عبست بتعجب : وما هو الذي تفكر فيه ؟!
اجاب بهدوء : كيف كنت سأضع المرآة في سقف الغرفة العالي ؟! نظرت إليه بعدم فهم فأتبع - الآن أستطيع لصقها في سقف الفراش .
تمتمت بتعجب : ما دخل المرآة بالفراش إنها توضع بغرفة الملابس ؟!
كتم ابتسامته ليهمس بخفوت وأنفاسه تعاود الاشتعال : بل توضع أمام الفراش بجانبه فوقه لتمنحنا رؤية كاملة.
ابتعدت قليلًا برأسها لتسأله بعدم فهم : رؤية إلام ؟! ما الذي سنراه ونحن نائمان ؟!
ومضت عيناه ببريق أثار دمائها : سنرى الكثير يا برتقالتي .
خيم الغباء على ملامحها قبل أن تومض عيناها بإدراك وخاصة حينما التقطت بسمته الشقية تنير عينيه لتدفعه في صدره بكلتا كفيها لتهتف بحنق : أنت وقح يا عاصم ، ضحك بخفه لتتبع وجسدها يتشنج برفض لاحتضانه - ابتعد عني .
تعالت ضحكاته ليسيطر على كفيها ويجذبها نحوه بلطف : فقط توقفي واهدئي لماذا غضبت الآن ؟!
احتقن وجهها : اخجلتني حقًا هذه المرة ، عبست لتتبع بتلعثم - لم اتخيل أبدًا أن تصل لهذه الدرجة من الوقاحة .
ابتسم ونظر إليها بعتاب : أنت زوجتي إن لم اتواقح معك مع من سأتواقح ، اتبع بمنطقية - ثم أنا امنحك أنت متعة الرؤية يا نور ، صدقيني ستشكرينني عليها لاحقًا .
دفعته بغلظة في كتفيه لتهتف بحنق : لا شكرًا لك لا أريد عطاياك الرائعة .
قهقه ضاحكًا : أنا أريد .
تملصت من احتضانه لها لتعبس بحنق : سأخبر بابا عنك وعن وقاحتك.
تعالت ضحكاته ليهتف بمرح : عمي سيهنئني على الفكرة الرائعة التي لم تراوده من قبل.
رمقته بغضب وابتعدت عنه وهي تتمتم بكلمات لم يلتقطها جيدا ولكنه شعر بها مسبات كثيرة خنقتها بداخلها وهي تهرب منه بعدما اخجلها بقوة هذه المرة
لتنطلق ضحكاته مدوية حينما صفعت باب الغرفة الملحقة بغرفتها في وجهه بقوة !!
زفرت أنفاسها كاملة وهي تعود بعينيها الى ذاك الفراش الذي ينطبق مع تخيلها الذي أخبرته عنه لتقترب بخفة وهي تشعر بالترقب يمتلكها لتحنى رأسها قليلًا وتنظر بداخله من بين الستائر البيضاء الحريرية لتشهق وجسدها يتصلب وهي تلتقط وجود المرآة المعلقة بسقف الفراش بوضوح .
***
زفر أنفاسه بقوة و اغلق باب الجناح من خلفه بعدما استمع بصبر إلى حديث والده الذي أصر أن يثرثر به فوق أذنيه وهو ينصحه بأن يتروى ويقدر خجل ابنة عمه ، عمه الذي تنحى صامتًا بل إنه لم يصعد معهم ولا بعدهم ، بل اصطحبتهم فاطمة التي شاكست والدته التي اوصته بنوران على غير العادة فتهمهم فاطمة بكلمات كثيرة أثارت ضحكته و زمجرة والدته غير الراضية والتي هتفت إليها بعتاب : الفتاة خائفة يا فاطمة .
لتربت فاطمة على ساعده بحنان : عاصم سيقوى على احتوائها يا ياسمين ، لتتبع وهي تنظر إليه بفخر – أنا أثق به .
تنفس بعمق وخطى بخطوات واسعة اتجاه غرفة نومهما التي ستجمعهما الليلة سويًا ليفتح الباب ببطء ويقف بمدخله يتطلع إليها يرمش بعينيه وهو يشعر بنور هالتها البيضاء التي تومض من حولها يغشي بصره يكتم أنفاسه ويسيطر على خفقاته التي دون بضجيج صاخب انبعث من داخل روحه ، زفر ببطء واقترب منها بتؤدة حتى لا يجفلها ، هم بأن يحتضن كتفيها براحتيه ولكنها تحركت مبتعده عنه عندما انتبهت لاقترابه فشخص بصرها وراقبت حركته بخوف اعتلى ملامحها ، عبس بتعجب ولكنه ابتسم بحنو ليقترب منها ثانية فتجفل وتنتفض مبتعده إلى الوراء وهي تهمهم بوجل : ابتعد عني .
رفع حاجبيه بذهول ليسأل بصدمة : خائفة مني يا نور ؟!
ارتجفت أمام عيناه و أومأت برأسها إيجابًا قبل أن تهمهم بصوت أبح : لن تصفعني أليس كذلك؟!
انفرجت ملامحه بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكًا فتصيح بعصبية وجسدها يتشنج بخوف : توقف عن الاستهزاء بي.
همت بالابتعاد ليحاوطها بذراعيه ويجذبها إليه يرغمها على الاستكانة بصدره وهو يهمس إليها بصوته الابح : لا أقو على الاستهزاء بك ولكن لا أفهم لماذا أتى على رأسك أني سأصفعك ،
توردت وازدردت لعابها ببطء لتهمس بحرج : لأنك توعدتني في الزفاف يا عاصم و أخبرتني أنك ستحصل حقك مني كاملًا
تنهد بقوة قبل أن يقبل رأسها ليزرعها بين تلافيف صدره : ولم يأت على رأسك إلا أمر الصفع هذا ؟!
عبست بتعجب لتسأل بعفوية : أهناك أمرًا آخرًا ؟!
فأجاب وابتسامة ماكرة تشق ثغره :هناك الكثير من الأشياء .
نظرت إليه بعدم فهم فتابع بحنو وهو يحتضن ذقنها براحته يحاوط خصرها بكفه الآخر ويضمها إلى صدره وهو يهمهم متبعًا - مثلًا أني أريد أن ألاعب خصلات شعرك بين أصابعي ، قارن قوله بفعله بعدما خلصها من طرحتها بخفة و أزال تاجها ليلقيهما أرضًا لترتعش برقة بين ذراعيه فتتعالى أنفاسه وهو يتابع - أن أقبل وجنتيك إلى أن اشبع .. و أن انهل من رحيق شفتيك إلى أن ارتوي
حاولت الابتعاد فأبقاها بقرب قلبه وهو يهمس بجانب أذنها : أن أضمك إلى صدري إلى أن تذوبين داخل حناياه وتسكنين ضلوعي وتلوذين بنفسك إلي وتتوحدين معي ، فأكون أنا مرفأك ..شاطئك .. أمانك .
أجابت بعفوية وهي تحس بجسدها ينصهر و وجهها يتلون بالأحمر القاني : أنت أماني الدائم يا عاصم لطالما كنت أنت وستظل أنت ،
زفر أنفاسه الساخنة فالهبت وجنتيها اللتين توردتا تحت وطأة نظراته الغائمة برغبة وصالها فتتلمس طريقها وهي تضم جسدها إليه فيحتضنها بقوة ويلصقها بأضلعه ، يلامس ظهرها باصابع محمومة تؤكد له وجودها بين ذراعيه هنا معه وبقربه ، شهقت بخجل وإدراك يزحف إلى عقلها حينما قبض بكفيه عليها من الخلف فتهمهم بذهول : عاصم أنت وقح
قهقه ضاحكًا وهو يدفعها إلى الفراش من خلفهما بعدما سقط فستانها الذي خلعه عنها أرضًا يوشم ملامحها بشفتيه في قبلات كثيرة نثرها فوق تفاصيلها قبل أن يعض طرف أذنها بخفه هامسًا فيها : لم تري شيئًا بعد يا زوجتي .
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...