دلفت إلى المطبخ لتخرج من الثلاجة الكبيرة طبق الفراولة المجهز للأكل فتحمله وتضعه على الطاولة تتناول بعضا من حباته دون اكتراث تشبع بها جوعها ، فهي منذ عادت من قصر عائلة والدتها بعد إفطار أول يوم رمضان وهي تفتقد لشهيتها إلى الطعام .. بل تفتقد روحها الصاخبة .. تحيا ببيت والدها كعابر سبيل لا تهتم بشيء ولا تحاول الاحتكاك بأحد ، رغم حديث والدها الطويل معها ومحاولة احتواءه لها وتهشيم الحاجز النفسي الوهمي المتزايد بينها وبين والدتها ولكنها لم تستجب ، هي تعشق أبيها تقدره وتحبه ولكنها لا تقوى على التغاضي عن أشياء كثيرة وتحمل تحكمات والدتها البغيضة ، ورغم رفضها للعودة إلا أنها لم تشأ أن تغضب أبيها فعادت لتعيش بغرفتها منطوية على نفسها.
تتحدث قليلا مع علي الغائب هو الآخر في دنيته بمفرده يتظاهر بوجهه البشوش وابتسامته الدافئة ويخبئ عن الجميع سره الذي تعلمه ويشتته بين رغبته ورغبة أمهما ، فهو موقن من رفض أمه إلي من تستكين إليها روحه ، ويريدها قلبه ، فتبتسم ساخرة وهي تفكر في أمها كيف ستتقبل اختيار علي ، ذاك الاختيار الذي موقنة هي –الأخرى - من رفض أمها له ، أمها الغاضبة منها والتي تخاصمها منذ تلك الليلة التي قصت بها خصلاتها .. أمها الرافضة كل شيء في دنياهم خوفا عليهم من ملاقاة ما لا يستطيعا مواجهته .. أمها المتملكة لهما والتي تتعامل معها هي وأخوها وكأنهما عرائس ماريونت تحركهما كما تشاء وترضى وهما ما عليهما إلا الموافقة .. الطاعة .. الخضوع.
زفرت بقوة وهي تبعد الطبق عنها تشعر بأنها فقدت شهيتها لتنهض واقفة تحمله وتضعه ثانية داخل الثلاجة وتغلقها لتتوقف على صوت والدتها الذي صدح متسائلًا : هكذا أكلت .. هذا هو سحورك اليوم يا ملك ؟
أغمضت عيناها لتستدير إلى والدتها تنظر إليها تقف بباب المطبخ ومن الواضح أنها كانت تراقبها منذ أن جلست فتجيب بهدوء : نعم يا ماما الحمد لله.
اتسعت عينا إيمان بصدمة : ستصومين على ذاك السحور ، تلك الحبات القليلة التي ستقويك وتؤازرك إلى أن تنهي اختبارك غدا ؟!
أجابتها بهدوء : نعم يا ماما لقد شبعت .
تمتمت إيمان : أنها ليست وجبة ، أنها بضعة حبات فراولة لا تسمن ولا تغني من جوع ، مطت ملك شفتيها برفض فأتبعت إيمان - حسنا اشربي كوب من اللبن ، تناولي كوب زبادي بالعسل كما تحبين ولكن هكذا ستقعين أرضا - بعد الشر عليك - في الغد حينما ينخفض ضغطك.
تمتمت ملك سريعًا وهي تحاول أن تنصرف من المطبخ حينما تحركت إيمان لتأتي إليها بأي من الأشياء التي تحدثت عنها : لا أريد يا ماما شكرا لك .
زمجرت إيمان باسمها في غضب لتهدر بحدة : أنت يا بنت قفي عندك أنا أتحدث معك .
تصلب جسدها بضيق لتستدير إلى والدتها ثانية لتبتسم في وجهها دون رضا : نعم يا ماما اؤمريني .
هتفت إيمان أمرة : تناولي الحليب أو الزبادي هيا .
رفعت ملك حاجبها باعتراض لتجيب ببساطة : لا أريد يا ماما شكرا لك .
زعقت إيمان بعصبية : أنا لا أسألك عن رأيك أنا ..
قاطعتها ملك بجدية وعيناها تومض بتحدي : تأمرينني ، أعلم وأدرك هذا جيدا يا ماما ولكن ما لا تدركيه حضرتك أني لم أعد الصغيرة ملك أنا كبرت ومن حقي أن أرفض أوامرك ، ومن حقي أن أقرر ما أريد تناوله أو لا .. من حقي أن اقرر شكلي .. ملابسي .. مظهري .. أصدقائي .. أحلامي .. طموحاتي .. ومستقبلي المهني أيضا .
شحبت ملامح إيمان لتهذر بعدم تصديق : ما معنى أنك كبرت ؟! لا لم تكبري يا ابنتي ومهما كبرت ستظلين ابنتي لن تكبري علي .
أخفضت ملك عيناها لتهمس : بالطبع يا ماما لن أكبر عليك ، ولكن اتخاذي لقراراتي .. تيسيري لحياتي .. وانتهاجي لطريق أخر غير ما تريديه أنت ليس معناه أني كبرت عليك ، فأنا أحيا كما يروق لي ليس كما يروق لك لأنها حياتي أنا وليست حياتك أنت وكونك أمي لا يمنحك الحق في تحريكي كما تريدين أو ارغامي لتحقيق أحلامك أنت ، أتبعت وهي تشد جسدها بشموخ - أنا كبرت يا ماما كبرت وأصبح لي وجهة نظري الخاصة وآرائي الخاصة وأسلوب حياتي الخاص واتفاقنا أو اختلافنا لا دخل له بكوني ابنتك وكونك أمي .
تطلعت إيمان إليها مصعوقة فابتسمت ملك برقة مفتعلة لتتبع بهدوء وهي تغادر بالفعل : لذا أنا شبعت ولا أريد المزيد من الطعام ، تصبحين على خير يا ماما .
ارتجفت إيمان بهلع امتلكها وهي تشعر بدمائها تثور .. ضغط دمائها يرتفع لتدور من حول نفسها وهي تهمهم كالمجاذيب : مالك ، أين أنت يا مالك ؟!
تحركت دون اتزان وهي تبحث عن هاتفها وهي تردد نفس الحديث لتتصل بزوجها الذي لم يعد للان من الخارج لتنهار حينما وجدت هاتفه مغلق وهي تجلس على أول كرسي قابلها ، وتبكي وكأنها فقدت غاليا .. تبكي وكأنها بلغت بموت أحدهم .. تبكي وتبكي وكأنها عادت لهذا اليوم الذي بُلغت فيه أنها لن تستطيع الإنجاب فانتحبت لأنها لن ترزق بأطفال يحبونها وتحبهم ، ليمر الزمن ويشاء الله أن ترزق بطفلين منحتهما حياتها كاملة أحبتهما كما لم تحب أم طفلاها ولكنها الآن تشعر بأنهما لا يحبانها بل ولا يهتمان لأمرها !!
***
توقفت عند باب الجناح الذي تشاركته معه قبل سافرهما .. جناحهما .. بل الجناح الذي أعده لهما ليتزوجا به .. فهي لم تشارك في إعداده .. لم تنتقي أثاثه .. لم تختار ألوان حوائطه .. بل لم تدلف إليه قبل ليلة زفافهما التي انتهت بأبشع طريقة من الممكن أن تؤول اليها ليلة زفاف إحداهن.
ارتعد جسدها حينما فتح الباب من خلفها ليدفعها بجدية وهو يهتف بتعجب : أدخلي يا اسيل ما بالك واقفة متسمرة هكذا ؟! أتبع وهو يدور من حولها ويجبرها على السير معه للداخل - هل أنت متعبة احملك واضعك بالفراش ؟!
حديثه عن السرير الذي شهد اغتصابه لها من قبل جعلها تنفر بسهولة لتهمس قبل أن تدرك ما تقوله : أريد أن أعود إلى غرفتي يا زيد.
استدار على عقبيه ينظر إليها بتفحص ليهمهم بعدم فهم : ماذا تقولين ؟! كيف تريدين العودة إلى غرفتك ؟!
تمتمت بتلعثم : أنا لا أشعر بالراحة هنا ، هناك ما يجثم فوق صدري في هذا الجناح ، أنا لا أحبه .
تمتمت أخر كلماتها بطفولية لم تعجبه ودلال شعر بأنه زائد عن حده ليهمس بجدية : ولكن هذا جناحنا سويا ، جناح زواجنا يا أسيل .
تمتمت برفض : نعم أعلم ولكني لا أطيق العيش فيه ، أتبعت بانفعال - بل أنا لا أطيق القصر بأكمله ، فالأجواء به أصبحت خانقة.
رمقها باستهجان لتتابع بمحاولة بائسة لاقناعه : ما رأيك لنأخذ بيت جديد لنا لعائلتنا ، نعيش فيه بمفردنا بحديقة كبيرة ليلهو فيها طفلنا .
اشتدا فكاه بقسوة : وأترك قصري ، لماذا ؟؟
تمتمت بضيق : أنه قصر عائلتنا يا زيد .
جمدت ملامحه ليقترب منها بهدوء هاتفًا بجبروت : بل قصري بمفردي ، كان قصر عائلتنا حينما كان جدنا موجود ، أما الآن فهو قصري بمفردي ، ليس هو فقط بل كل تركة جدي هي حقي وحدي بعدما اورثني إليها جدنا ، لذا هذا البيت يخصني وأنا لا أريد تركه ، لو يضايقك وجودك والديك ، أمنحهما بيتًا آخرا يسكنان فيه.
جحظت عيناها برعب لتهمس سريعًا : لا طبعا لا يضايقني وجودهما .
رفع حاجبه وهو يقف أمامها مباشرة يكتنف ذقنها بكفه يجبرها على النظر إليه : إذًا ما الأمر؟!
تنهدت بتعب تملك منها لتهمس بخفوت : لا شيء لا تهتم يا زيد
عبس بضيق ليزفر بقوة وهو يتركها : أنت تتدللين فقط لا غير .
هتفت بصياح باكي : بل أخبرك أن الجناح يضايقني ولكنك لا تستمع ، أتبعت بعاطفية طفولية - أريد أن أذهب لغرفتي أعود إليها ثانية .
زم شفتيه وهو بجاهد غضبه حتى لا يبطش بها : وأنا ؟! هل سابيت بغرفتي ونعود كما كنا أم ماذا ؟؟
أجابته بضيق : بل تعال وأمكث معي لن تكون المرة الأولي فأنت فعلتها مرارا من قبل
نظر إليها مليا وهو يتذكر حديث حماته الجاد عنها وهي تشرح له كيف ستكون حساسة .. عاطفية .. وهرموناتها متدفقة فالحمل يؤثر عليها كلها : حسنا تريدين أن تتركي الجناح لأنه يثير ضيقك موافق ولكن بشرطين.
انتبهت إليه وعيناها تضوي بأمل : أولا أن نمكث في غرفتي فهي أوسع كما تعلمين ،
انطفأ البريق في عينيها لتهمس بعدم اهتمام : والثاني ؟!
تمتم بجدية : تكون فترة مؤقتة إلى أن تنتهي فيها من تجديد الجناح على ذوقك وتحضرين أيضا غرفة الطفل والتي ستكون بدل غرفتك .
اتسعت عيناها بصدمة : ستستولى على غرفتي ؟!
تمتم ببساطة : بل سأمنحها لطفلنا فهي الأقرب لجناحنا هذا.
اختنق حلقها ووجمت فصمتت دون أن تنطق لتتحرك بساقين ثقيلتين تجاه الفراش الكبير لتستلقي من فوقه دون روح ودون أن تخلع ملابسها أو حتى حذائها ليسأل بتعجب : هل ستنامين ؟!
تمتمت بجدية : أشعر بالتعب أريد النوم .
مط شفتيه باستهجان ليهمس إليها وهو يتبعها يجلس إلى جوارها : ظننتك ستجلسين معي قليلا، فأنت منذ اكتشاف حملك وأنت تنامين كثيرا .
زفرت بقوة وهي توليه ظهرها وتتشبث بالغطاء من فوق جسدها : ألم تخبرك ماما أنه وحم.
تمتم سريعًا : نعم ، أتبع وهو يلامس كتفيها يحاول أن يضم جسدها إليه - ولكني اشتقت إليك .
تمتمت وهي تبتعد بجسدها : ولكني متعبة يا زيد .
أطبق فكيه بقوة لينتفض واقفًا : حسنا يا أسيل سامنحك الوقت حتى تصبحين بخير وحينها لنا حديث أخر.
ألقاها غاضبا لينصرف من الغرفة فتنكمش هي وتحتضن جسدها برقة تحنو على روحها وتهمس لنفسها تردد بيقين وهي تفرد كلها فوق بطنها : سنكون بخير.
***
يحدثها في الهاتف وهو مستلقى فوق فراشه يزم شفتيه بضيق يتملكه وهو يستمع إلى محاولاتها لإرضائه فهو غاضب بسبب رفضها الحضور وتناول السحور معهم والذي دعاها إليه بعدما حضرت نوران مع عاصم ، فتحججت بوالديها ورفضت أن تتركهما بمفرديهما ورغم أنه يتفهم سبب رفضها وخاصة مع غياب عادل الذي عاد اليوم ولكنه غادر بعد الفطور مباشرة للذهاب إلى المشفى وأسعد الذي مر عليهم خطفا كما أخبرته قبل أن يعود لبيته فبقيت هي مع خالته لتحاول أن تخرجها من الضيق الذي انتاباها بل أنه ساندها وبقى معهم قليلا بعدما حدثته عن نزق والدتها بسبب غياب أخويها ولكنه انصرف أخيرا حينما تأخر الوقت ورفض أن يمكث ليتسحر معهم متعللًا بعودة عاصم ومرضه ، عاصم الذي عاد مستندا على جسد نوران الهش وهو يجاهد حتى لا يقع في غيبوبة نتاج موجة الحمى التي ألمت به ، فاسعفه سريعًا ومنحه دواء سريع لتمكث نوران بجواره إلى أن انخفضت حرارته وبدأ في استعادة وعيه فيفكر بأن يدعوها لتتسحر معهم حتى تكتمل عائلته بوجودها .
انتبه على صوتها الهامس يناديه بدلال فأجابها بهدوء : نعم .
تمتمت بضيق : أخبرتك ألا تغضب وأن الأمر ليس بيدي ،
زم شفتيه ليغمغم بضيق : الليلة ليست بيدك واليوم قبل الماضي حينما طلبت منك أن ادعوك لنفطر خارجا ليس بيدك ومنذ أسبوع حينما أخبرتك أن تأتي وتفطري معنا هنا ليس بيدك و أول يوم رمضان ليس بيدك وكل مرة ترفضين شيئا تهمسين بنفس الكلمة أنه ليس بيدك ، أتبع سائلًا بحنق - بيد من إذًا يا يمنى ؟!
ارتفعا حاجبيها من هجومه المباغت لتهمس بصدمة : أنت غاضب بالفعل ؟!
هدر بجدية : نعم ، لأنك في كل مرة تتحججين بشيء ما حتى لا ترافقينني بمفردك وخاصة فيما يخص تجمعات عائلتي ، فأحببت أن أنبهك إذ لا تدركين أنت اصبحت تنتمي لي ولعائلتي وعليه هناك بعض من المجاملات الاجتماعية عليك القيام بها فما هو إلا مجرد ايام وشهور قليلة وتصبحين ببيتي فعليا.
رفعت حاجبها بعدم فهم لتهمس : أنا لا أتهرب من مجاملات عائلتكم يا عمار ولا أتهرب لأتواجد معك فقط بعض الأحيان الظروف لا تسمح بأن أترك أسرتي وأصحبك .
تمتم بجدية وصرامة تكسي ملامحه : لو لا تعي يا يمنى أنا أيضا أصبحت أسرتك .
عبست بضيق لتهمس : هل تريد الشجار من أجل لا شيء ؟!
هدر بعصبية تملكته : لا لا اريد الشجار ولكن أبلغك باعتراضي وغضبي يا يمنى فكونك تضعين وجودك معي في المرتبة الأقل من عائلتك أمر لا اقبله.
تمتمت بجدية : الأمر مختلف يا عمار وليس وجه مقارنة من الأصل .
هدر بضيق : يا ليتك أنت تعلمين أن الأمر مختلف وأن عليك الموازنة بيني وبين أسرتك وأن ما تفعلينه لأجلي ليس تقصيرا في حق والديك عليك.
خيم الصمت عليهما قليلا قبل أن يهمس بجدية : تصبحين على خير أراك غدا بإذن الله .
سكنت عيناها الصدمة لتهتف به : ستنام الآن ؟! همهم بالإيجاب فأتبعت - لن تتسحر ؟
اجاب باقتضاب : لا شهية لدي ، تصبحين على خير.
أغلقت الهاتف بعدما منحته التحية لتمط شفتيها في ضيق وهي تتحرك خارج غرفتها تدور من حول نفسها تفكر في مدى غضبه هذه المرة لترف بعينيها كثيرا بعدما استلقت فوق الكرسي الهزار الموضوع بجوار المدفأة لتتخذ قرارا سريعا بعد عدة اهتزازات فتتجه نحو غرفة والديها تطرق الباب تستأذنهما في الدخول.
***
تنهدت ياسمين بقوة لتهتف بنزق : انهض يا عمار لتجلس معانا على المائدة ، فلا تفوت السحور يا حبيبي ، عاصم بنفسه سيتحامل على مرضه وسينهض لأجل أن يكون معنا .
مط شفتيه وهو يضع الوسادة فوق رأسه : لست جائعا يا مامي.
زفرت ياسمين بنزق لتدفعه بضيق وهي تنهض من جواره تتفوه بحديث حانق لم يكترث به وهو يغمض عينيه مسيطرًا على غضبه الذي تمكن منه وجعله ينفجر بوجهها مثرثرا عن ضيقه منها بدلًا من أن يكون عونًا لها ، يدرك جيدا أهمية وجودها الليلة مع والدتها الحزينة بسبب غياب ولديها ولكنه لم يستطع التحكم في غيرته .. تملكه .. والبحث عن مكانته عندها ، فهذا الهاجس بأنها تقوى على الاستغناء عنه يؤرقه.
هذا الهاجس الذي يضرب أروقة عقله بأن وجوده في حياتها ليس هاما كأسرتها يضايقه .. وغيرته العارمة من حبها لأخويها يشتت عقله ويضرب معاقل تعقله ، أطبق فكيه بقوة وهو يتذكر أنه اليوم وصل لحدود تحمله حينما ذهب إليها ليجدها باكية رغم تحكمها في ملامحها وثباتها ولكنه أدرك حزنها وضيقها وعلم من بعض حديث متناثر من فمها أنها ليست بأقل ضيق من والدتها وإذ كان عودة عادل ومغادرته السريعة للبيت أثرت بها فمرور أسعد الخاطف هو ما أثار حزنها وابكاها بل إنها أخبرته حينما سألها عنه بشكل عرضي أنها غاضبة منه فهي لم تستطع أن تشبع من وجوده معها وأنه غادر سريعًا للذهاب إلى زوجته دون أن يهتم بأنه لم يبقى معهم بطريقة كافية تعوضهم عن غيابه الفترة الماضية.
انتفض عصب الغضب في فمه وهو يتذكر أنها دعت جنى لأول مرة بزوجته .. يتذكر وميض الغيرة التي التمع بعينيها على أخيها .. وضيقها الجلي من كونه فضل أخرى غيرها وأسرع بالذهاب إليها وتركها.
انتفض واقفًا والغيرة تحرق أوردته .. تسري مع دماءه فتلهب جسده وعقله يخبره أنها تحبه ولكنه ليس بمكانة أي من أخويها هو يأتي بعدهما دائما ، هو الذي من المفترض يكون أول اهتماماتها .. أغلى ما لديها .. وأقرب من أنفاسها وجوده يضمحل أمام شقيقاها رغم أنها تسانده أمام عادل وتهون عليه ما يفعله معه إلا أن الأمر مختلف مع أسعد كما كان دوما ، فأسعد يحتل مكانة لديها لا ينافسه فيها أحد .
اتجه إلى دورة المياه ليفتح الصنبور يضع رأسه المحترقة بعبث أفكاره المتقدة بغيرته أغلق صنبور المياه أخيرا بعدما شعر بالهدوء يعود إليه وروحه تسكن فيضع المنشفة فوق رأسه ويعود ليستلقي على فراشه ثانية دون أن يهتم بأبعاد منشفته الصغيرة عن وجهه .
طرق هادئ على الباب اجبره أن يغمض عيناه مدعيًا النوم حتى لا يستمع إلى محايلات والدته من جديد أو معاتبة والده أو الأسوء مواجهة عاصم الذي سينتبه دون حديث لضيقه الشديد الذي يتملكه .
همهمات كثيرة أمام باب غرفته تلاها اقتحام الغرفة بشكل فجائي وصوت وليد يصدح بمرح : تدخلين هكذا ، لا تنتظري أن يسمح لك أو لا بل تقتحمين عليه غرفته وتأمريه أن ينهض لاستقبالك .
لوى شفتيه بنزق وهو يفكر بأن أخر ما يحتاجه الآن دلال نوران واحتفاء أبيه بها ، ليتصلب جسده كاملا وتتسع عيناه بصدمة ضربت تلافيف عقله حينما صدح صوتها يهتف بحرج : ولكنه نائم يا عماه وهكذا سازعجه .
أجاب وليد سريعًا : ليحترق لا يهم فقط أنت لا تقفي أمام الباب تستأذنين كالأغراب .
ضحكت برقه لتهمس بخفوت وهي ترمقه بطرف عينها :سلمت يا عماه ولكني لا أريد إزعاجه ، من الواضح أنه غفى مرغما بعد يومه الطويل .
هتف وليد بجدية : نوقظه فأنت لا تأتين إلينا يوميا حتى ينام الآن طبيب المجانين .
تمسكت بوليد في عفوية وهي تهمهم بخفوت شديد : أرجوك يا عماه لا توقظه ، كنت أتمنى أن أتحدث إليه قبل نومه ولكن لا نصيب لي .
هم وليد بالحديث ليصدح صوته وهو يجلس بتلقائية : أنا لست نائما .
شهقت بخفوت بينما ارتفعا حاجبي وليد بدهشة لينظر إلى ولده الذي تعلق نظره بها فتوردت وهي تخفض بصرها هامسة : المعذرة ازعجناك .
أجاب بجدية : أبدا .
ران الصمت عليهم قليلا فهي لم تتقدم نحوه بل ظلت تتحاشى النظر إليه وهو لم يتحرك من مكانه بل ظل ساكنا وعيناه معلقة بها ووليد يقف بالمنتصف ينظر إلى كليهما كاتمًا لضحكاته قبل أن يهمس بتسلية واضحة وهو يدفع يمنى للأريكة الصغيرة المجاورة للباب : اجلسي يا موني وتحدثي مع عمار كما أردت إلى أن ندعوكما لتناول الطعام ، أتبع بمكر وهو يرمق ابنه بطرف عينه - فاعتقد أن بعد وجودك سيستعيد عمار بك شهيته للأكل .
استجابت بعفوية للجلوس قبل أن تنتفض واقفة وهي تدرك حديث زوج خالتها لتهمس بتلعثم : سانتظره خارجًا ليأتي ونتحدث سويًا .
هدر عمار بضيق وضح في صوته : ولماذا لا نتحدث هنا ؟
توقف وليد عن الخروج وهو يستدير لولده الذي انتفض واقفًا يزجره بعينيه دون صوت ليحدث يمنى التي همت باتباعه للخارج : هنا من خارجا لا فارق يا موني ، فهذا الباب سيظل مفتوحا وطبيب المجانين لا يجرؤ على فعل ما يثير ضيقك ، أتبع بجدية وهو يرمق ابنه بتحذير واضح - أليس كذلك يا عمار ؟
زم عمار شفتيه ليجيب من بين أسنانه : بالتأكيد يا بابا ويمنى تدرك ذلك جيدا .
أحتقن وجهها بقوة لتؤثر الصمت إلى أن انصرف وليد فترفع راسها تنظر إليه هاتفه بحنق : أنت تدري أني لا أحبذ التواجد معك بغرفتك يا عمار فهذا لا يصح
أطبق فكيه بقوة ليجيبها ببرود أتقنه : أنت من أتيت لغرفتي لست أنا من دعوتك.
تمتمت بضيق : عمو وليد من سحبني معه إلى هنا وأنا لم أشأ إغضابه .
هدر بغضب ومض بعينيه : تخافين اغضاب الجميع ما عداي ، فأنا لا يهم أغضب أو لا ، فلاحترق كما قال بابا لا يهم .
تمتمت سريعًا وهي تدرك غضبه القوي هذه المرة : بالطبع لا ، أنا يهمني ألا تغضب لذا أنا هنا، ببيتك ومعك أتيت لاصالحك ولكن هذا لا يعني أن أتواجد بغرفتك .
ألقتها وهي تتحرك للخارج ليوقفها حينما أطبق على مرفقها بقوة جذبها للداخل من جديد ليغلق الباب بكفه الأخر هادرا بصوت خافت : ولماذا لا تبقي بغرفتي ؟ لماذا لا تجلسي معي ؟ لماذا لا تتواجدين معي بمفردنا ؟ هل أنا غير موثوق به لهذه الدرجة يا يمنى ؟
تمتمت وهي تملص مرفقها منه بقوة : اتركني يا عمار من فضلك .
افلتها بسلاسة ليقف أمامها يواجهها بصلابة : هاك أنا تركتك ولكن لن تغادري غرفتي إلا حينما نتحدث .
تمتمت بعناد : هذا لا يليق ،
هدر بجنون تملكه : لماذا ؟! ألم يكن أسعد بك يصحب ابنة عمي لغرفته بل وكانت تبقى معه لتمريضه ؟!
تمتمت سريعًا : كانت زوجته .
انتفض جسده بغضب عنيف وهو يقترب منها بخطواته صائحا : وأنت الأخرى زوجتي ، أم لعلك نسيت عقد القران والبيت الذي أجهزه لإتمام زفافنا ؟!
رفت بعينيها وتراجعت خطواتها مرغمة : أمر أسعد مختلف ، اتسعت عيناه بصدمة جلية فأتبعت متداركة - أسعد كان مريضا يا عمار كانت حالته خاصة وجنى كانت تبقى إلى جواره لتمريضه ليس إلا .
صر على أسنانه ليهمس بفحيح مختنق : بل كان في تمام الصحة والعافية ولم يكن الأمر مختلفًا كما تظنين فأخيك لو كان أراد لكان أتمم زواجه حتى قبل الزفاف .
نظرت إليه باستنكار لتهتف بحدة وغضبها يعلو ملامحها : بالطبع لا ، ما هذا الذي تقوله ، أسعد لم ولن يفعلها فهذا ليس أسلوبه ولا طريقته .
ابتسم بسخرية والألم ينبض بنظراته : نعم أنت معك حق بغض النظر أني اثق بابنة عمي إلا أنك معك حق فالفارس دوما موثوق به وبأخلاقه ونزاهته ، الأمر فارق ومختلف بالفعل يا يمنى، أنت محقة .
أغمضت عيناها لتسحب نفسا عميقا قبل أن تسأله بعدم فهم : ما الأمر يا عمار ؟! ما بالك ؟! أخبرني ، فانا لست مقتنعة بأنك غاضب لأجل أني رفضت أن آتي للسحور معكم ، فها أنا هنا ولكنك لازلت غاضبا.
أشاح برأسه بعيدا لتزفر بقوة وتقترب منه بعفوية تحتضن وجهه برقه هامسه وهي تنظر له بعدما أصبحت قريبة للغاية منه : أخبرني ما الذي يضايقك ؟
رمقها مليا بعتاب جلي وضح بنظراته ليهمس بنبرة طفولية : أنت لا تحبينني يا يمنى .
انفرجت ملامحها بذهول لتبتسم رغمًا عنها هاتفه بعدم تصديق : هل تمزح ؟! ما هذا الذي تقوله ؟! ضوى الألم بعمق نظراته التي ترمقها بعتاب واضح فجمدت ملامحها لتتبع بصدمة - أنت لا تمزح يا عمار ، بعد كل هذا تشعر بأني لا أحبك .
أطبق فكيه ليغمغم بضيق : نعم تحبين أخويك عني ، تفضلينهم علي ، ارتفعا حاجبيها بدهشة فأكمل - نعم أنت لم تري مدى حزنك اليوم لعدم وجود عادل ولا غيرتك الجلية لأن أسعد تركك وعاد إلى زوجته .
شحب وجهها وهو يكمل بحنق : زوجته . دعوتي جنى بزوجته من بين أسنانك وغيرتك تومض بعينيك كأنها سرقت شقيقك منك لم تفكري بأنه أمر طبيعي أن يركض أخيك العائد بعد غياب طويل لزوجته فهو مشتاق لها ، ولم تشعري بالأفضلية لأنه مر عليكم قبل أن يهرع لحبيبته ، بل شعرت فقط بأن هناك دخيلة استولت على أسعد وأخذته منك .
اهتزت نظراتها لتهمهم بدفاع : طبيعي أن اشعر بالشوق لأخي وأحزن حينما لم أجلس معه كما يحلو لي عند عودته ، وطبيعي أن اشعر بالغيرة عليه ، أنا لا أغار من جنى بل أغار على أسعد، أغار لأن أولوياته اختلفت ولكني مدركة أن حقه أن يذهب لزوجته ويهرع إليها مشتاقا أيضا .
هدر بضيق : توقفي عن ترديد زوجته ، أنها جنى بحق الله يا يمنى ، جنى أختك التي تربت معك كما كنت تدعين دوما .
تمتمت سريعًا : وستظل أختي دائما باذن الله ، أنا لا اتفه من مكانتها بالعكس بل كونها زوجة أخي أزادها مكانة عندي .
رمقها مليا فنفخت بقوة لتتحدث بجدية : أنت لست ضائقا يا عمار لأمر جنى أنت تشعر بالغيرة من اهتمامي بأسعد .
هدر بغضب : نعم ، أنا أفعل ولا أنكر .
أغمضت عيناها لتتمسك باتزانها قليلا قبل أن تهمس متسائلة : وما الذي علي فعله في هذا الأمر ، أتوقف عن الاهتمام بأخي لأجل إرضائك .
أجابها بحزم : بل تقدرين مشاعري وغيرتي عليك يا يمنى .
ران الصمت عليهما قليلا قبل أن تهمس بجدية : حسنا سافعل ، أتبعت برقة وهي تحاول مراضاته - فقط لا تغضب .
رمقها مليا ليهمس أمرًا بتسلط : صالحيني .
ابتسامة رقيقة زينت ملامحها لتجيبه : هاك أنا أفعل .
هز رأسه بغضب وكلماته تتناثر بضيق : لا ليس هكذا ، صالحيني كما ينبغي عليك أن تفعلي ، توقفي عن تعنتك معي وأخبريني مدى أهميتي لك ، رددي على مسامعي كيف تحبينني وأغرقيني في طوفان عشقك لي ، دلليني وقبليني وادعوني بألفاظ التحبب الصادحة من عمق روحك واسكبي بداخل آتون روحي المشتعل سكينة وجودك معي فتسير بردًا وسلامًا داخل أضلعي ، أتبع بصوت أبح وهو يحتضن مرفقيها ليجذبها نحوه يضع رأسه برأسها - اجذبيني في دوامتك المهلكة .. أغرقيني في بحورك العميقة .. وأسكينني في قعر قلبك المظلم .. وأسجينني في زنزانة روحك المعتمة .. و امنحيني حبك كل يوم واهمسي لي بعشقك الجارف لي .. ولا تخرجيني ، أبدا لا تفعلي .
كتمت أنفاسها وهي تقيد إلى نظراته المشتعلة باخضرار طرد العسلي القاتم منها لتتنفس ببطء شديد لتهمس بخفوت وصوتها يحشرج : أتركني يا عمار .
احنى رأسه بميل طفيف لليسار ليهمس وعيناه تتعلق بثغرها المنفرج بلهاث بطيء : لن أفعل إلا حينما تخبريني .
تمتمت سريعا وهي تشعر بأنفاسها تختنق : بما ؟!
الصق طرف أنفه بوجنتها ليهمس قريبا من شامتها التي تزين فوق ثغرها : أنك تحبينني .
رفت بعينيها وهي تحاول السيطرة على قلبها الصراخ بمشاعرها المتدفقة نحوه : اتركني يا عمار .
شهقت بخفوت شديد وهي تشعر بثغره الذي مس شامتها بانفاسه اللاهبة ليهمس وهو يهم بتقبيلها : لن افعل إلا حينما تخبريني .
تمتمت وهي تبعد فمها عنه تجاهد حتى لا يحصل على قبلته التي يبتغيها : أنت تعلم .
راوغها برأسه ورغبته في تقبيلها تستبد به : اسمعيني .
حركت رأسها ثانية تحاول الإفلات منه فلم تعي أنه أدرك حركتها لتهم بالحديث عن رفضها الذي لم يأبه به بل ابتلعه كامل داخل فمه الذي امتلك شفتيها في قبلة عميقة مؤججة بعمق مشاعره التي أفلت صراحها بعد تماسك ضاق به فاطلق سراحه ليندفع قويا .. متملكا .. مفعما بعشقه لها الذي همس به من بين شفتيها التي تدللها بالكثير من القبلات المتتالية التي استولت على إدراكها فتركتها مغيبة .. طائعة .. لينة بين ذراعيه فيضمها إلى صدره يلصقها بجسده وهو يدور بها إلى أن الصقها بالباب القريب لينثر همساته .. قبلاته .. ولمساته التي طبعت فوق أطراف عنقها من الخلف ودللت خصلاتها التي تشابكت بين أصابعه وكأنه قصد أن يقيد كفيه في اطراف غابتها المنثورة بجنون حول وجهها الذي نثر أنفاسه على كل خلية به إلى أن توقف أخيرا حينما همست بخفوت وهي تستعيد جزء من إدراكها : توقف يا عمار أرجوك .
لهث بقوة وهو يركن رأسه في تجويف عنقها ليهمهم بخفوت بعد أن طبع قبلة رقيقة بجانب ترقوتها : سأفعل ، حتى إن لم تخبريني بم أريد سماعه .
ابتسمت وهي تشعر بوجهها يحتقن خجلا فتهمس بجدية حينما رفع رأسه متمالكا لثورة مشاعره فيرمقها بنظراته الشغوفة بها : لا تنظر لي .
كتم ضحكته لتومض التسلية بعينيه قبل أن يطيعها فيبتعد بجدية عنها : أمرك يا مهرتي .
اندثرت التسلية فجأة من فوق وجهه ليهمس بجدية وهو يدفعها أن تجلس ثانية على الأريكة القريبة ويفتح الباب على وسعه ليقف قريبا منه تحت نظراتها المتسائلة فيحرك شفتيه دون صوت : ماما .
...
أبعدت يده التي تحاول الإمساك به .. جذبها .. محاوطتها لإجبارها على الجلوس بجواره أو داخل أحضانه كما فعل منذ قليل وهي تزمجر باعتراض عاتب : توقف يا عاصم .
غمغم بعبث طفولي وآثار المرض صارخه فوق ملامحه : عاصم مريض ومتعب ويحتاج من يعتني به .
ضحكت برقه وهي تنظر إليه من مكان وقوفها جانب فراشه المستلقي فوقه فتضع له كمادات مثلجة فوق جبينه الساخن وهي تهمس :هاك أنا أفعل
رفع ذقنه قليلا ليلامس طرف ذقنها بشفتيه في قبلة عابرة : ليس هذا الاعتناء الذي أريده
انفلتت ضحكتها رغمًا عنها فتعالت بشكل ملحوظ ليهدر بخفوت غير راضيًا : توقفي عن الضحك سيأتي بابا الآن ليتفقد سبب ضحكاتك
تمتمت بمكر : وأنت لا تريده أن يأتي .
رفع كفه ليلامس جانب ذراعها من فوق مرفقها ليجذبها بجدية يجبرها على الجلوس بجواره هامسا وهو يميل نحوها يضع رأسه بحجرها : لا لا أريده أن يأتي .
مالت إليه لتقبل رأسه قبل أن تدفعه لوضع النوم العادي هامسه بشقاوة : ولكني أريد .
ضحك مرغما ليرفع كفه ويصفعها بخفة فتشهق وهي تنتفض مبتعدة لتهتف به في زمجرة غاضبة : تأدب وإلا سأخبر انطي ياسمين يا عاصم
غمغم بلا مبالاة وهو يغلق عيناه : أخبريها واخبري عمك الحبيب ولنرى ماذا سيفعلون لك ، أتبع بثقة وهو بين الاستيقاظ والصحو - أنت خاصتي ولا شأن لأحد بك .
...
تمتمت من بين أسنانها : ادعوا الفتاتان يا وليد ليساعدونني في وضع السحور .
تراقصت التسلية بعينيه ليقترب منها يقف خلفها ملتصقا بها هامسا بجوار أذنها : هاك أنا أساعدك.
تاففت بنزق واضح لتهمس بخفوت : أبتعد عني واذهب وآتي بالبنتين فهما أمانة في رقبتنا ووجودهما في غرف ولديك ليس لائقًا .
تمتم وهو يحاوط خصرها بذراعيه : أنهما زوجتيهما يا ياسمين وبابي الغرفتين مفتوح وأنا وأنت نقف كالحارسي الدرج متأهبان لأجلهما لذا دعيهما قليلا .
أدارت رأسها نصف دائرة لترمقه بضيق : هذا ليس لائقا ، وأنت تعلم حتى إن كانتا زوجتيهما.
نظر إليها من بين رموشه : أعلم ولكني أحب أن افرج عن الولدين قليلا يا ياسمين دعيهما يتنفسان يا حبيبتي ويشاغبان كما يحلو لهما وصدقيني لن يتطور الأمر لغير اللائق وخاصة وهما يدركان وجودك.
مطت شفتيها بعدم رضا ليكمل بخفوت - علام أنت خائفة ؟!! على ابنة أمير التي من الممكن أن تصيب ولدك بعاهة مستديمة إذا حاول أن يقترب منها أم على نوران -لا سمح الله - وعاصم مريض الفراش لا يقوى على الحركة .
تمتمت بضيق : قلقه على الاثنتين ، فولداك يشبهانك إذا أرادا شيئا سيفعلانه ولن يوقفهما أحد.
لعق شفته بحسية واضحة ليهمس : إذًا ما رأيك أنا الآخر أريد شيئا الآن .
اتسعت عيناها بصدمة لتغمغم باعتراض فيتبع بتسلية أنارت عيناه : ولن نترك موقع المناوبة ، المطبخ جميل وكثيراً شهد على ما أريده تطبيقيا .
انفرجت ملامحها بذهول لتشهق بعتاب وهي تمسك كفيه براحتيها في حزم : تأدب يا وليد الولاد هنا ، ثم نحن برمضان .
أبعد رأسه للخلف قليلا هاتفًا : ما له رمضان ، أنا لست صائما الآن .
ابتسمت بمشاغبة : اذهب وصلي القيام .
دفعها بجدية لتواجهه : صليت والحمد لله أريد أن أجاهد الآن بشكل مختلف ، كتمت ضحكتها بعرض صدره الذي ضمها إليه بقوة لتتعالى ضحكة نوران الآتية من الداخل فترفع ياسمين رأسها تنظر اليه بحنق فيتمتم من بين أسنانه - سامحك الله يا عاصم .
تمتمت وهي تبعده عنها : أنت و أولادك قليلين الحياء والأدب ، دفعته بعيدا وهي تتبع بغضب - ابتعد دعني أذهب وأرى المريض الذي يتعافى بوجود زوجته .
كتم ضحكته ليغمض عينيه بيأس مهمهما : سيتعافى الآن بزعقتك الشهيرة يا حبيبتي .
زفرت بحنق وهي تخطو بخطوات حازمة نحو غرفة ابنها البكري لتقف على بابها المفتوح على مصرعيه تنظر إلى عاصم النائم فوق فراشه ونوران تقف بجوار الفراش تبدل ضماد الحرارة الموضوع فوق رأسه وتهمس إليه ببعض كلمات هادئة وكأنها تواسيه قبل أن تجلس بجواره تلامس خصلاته وعيناها تطلع إليه بهيام ، تنهد عاصم وهو يحتضن كفها ليقبل باطنه هامسا : سأكون بخير لا تقلقي .
ابتسمت وعيناها تدمع لتحدثه بخفوت : لا استطيع أنا بالفعل قلقة يا عاصم ، عليك وعلى المؤسسة وعلى كل شيء .
قبلة أخرى وشمت باطن كفها قبل أن يهمس وهو يغمض عينيه يستريح برأسه للخلف : لا تقلقي ألا تثقي بي ؟
ضمت كفه بين كفيها لترفع إلى شفتيها وتقبله بعشق : بالطبع أثق أنا أثق بك أكثر من نفسي .
ضغط على كفها المتشابك مع كفه بلطف : إذًا توقفي عن القلق فقط استرد عافيتي وبعدها ستري ماذا أنا بفاعل .
ابتسمت وهمست : تقوم لي سالما يا قلب البرتقالة .
اتسعت ابتسامته لتومض عيناه بشقاوة انعكست على ملامحه وهو يهمهم بعدما انقلب على جانبه : بالمناسبة كيف حالها ؟! لم أرحب بها كما ينبغي .
شعرت به يسحب كفه من راحتها فتمسكت بها في قوة وهي تهمس بعتاب ضاحك : توقف لقد رحبت بها .
هز رأسه نافيا وهو يسيطر على ضحكاته : لا هذا كان سلام عابرا .
ملص كفه منها رغما عنها لتقفز واقفة وهي تشير إليه بحزم واهي : تأدب .
حاول الحركة وهو يضحك بقوة ليسعل رغما عنه ثم يتأوه وهو يعاود الاستلقاء ثانية مهمهما بتعب : حينما أشفي لنا حديث خاص يا برتقالتي .
تأففت بضيق وهي تعاود الجلوس بجانبه تتحدث بحزن اعتلى ملامحها : أنت متعب للغاية يا حبيبي .
فتح عينيه ليتطلع إليها بعدم تصديق قبل أن ينطق بهدوء : ردديها ثانية .
توردت لتهمس : لطالما دعوتك بها .
رفع كفه ليلامس طرف فكها ليبعد خصلاتها عن وجهها هامسا : اليوم رونقها .. نغمتها .. مذاقها مختلف ، أتبع بهمس ساخن وهو يجذبها بكفه الاخر فيقربها منه – اليوم شعرت بها مختلفة فهي نابعة من عمق قلبك .. روحك ..ومختلطة بانفاسك التي تذيبني .
تعلقت نظراتها بنظراته الآسرة ليحتضن رأسها من الخلف يدفعها إليه ناويا تقبيلها ليتوقف وهو ينتفض بفزع على صوت والدته التي زعقت بجدية : عاصم .
انتفضت نوران لتقفز واقفة وهي تهمهم بحرج : انطي .
رمقتها ياسمين بطرف عينها في عتاب قبل أن تميل رأسها فتنظر إلى ولدها الذي استند على مرفقه ليقوم بجسده قليلا لتهتف بجدية : هيا لنتسحر ، انهض يا عاصم حتى تأكل قليلا .
ابتسم وهو يسبل جفنيه فيتجاهل نظرات والدته الغاضبة قبل أن يجيبها : حالا يا ماما .
استدارت ياسمين على عقبيها وتهم بالابتعاد لتتوقف هادرة بحزم : نوران ، اتبعيني .
هتفت نوران سريعا : حاضر يا انطي .
...
تناهى إليها صوت ياسمين فكتمت ضحكتها واحنت رأسها بحرج تملكها لتعدل خصلاتها شعرها قبل أن تتحكم في فوضى مشاعرها التي نجح في بعثرتها ، فترفع رأسها أخيرا بثقة احتلت عيناها من جديد وصلابة سيطرت على فمها الضاحك فتتحدث بجدية وهي تنهض واقفة حينما شعرت بوجود ياسمين القريب للغاية : حسنا سأرحل أنا ، فقط أردت أن لا تنام غاضبا .
ارتفعا حاجباه بإعجاب ليجيبها بجدية : لا تقلقي ، أتبع بصوت خافت وهو يلتهمها بنظراته – فأنا لم أعد غاضبا .
ابتسامة ماكرة زينت ثغرها لتلكزه بمرفقها في بطنه بخفة وهي تمر من جواره لترفع عيناها إليه تهمس بمكر تعمدته : هذا جيد .
تحركت تفاحة آدم البارزة من عنقه في حركة ابتلاع واضحه ليمرر طرف لسانه على شفتيه : بل رائع .
ضحكة خافتة انسلت من بين شفتيها لتتحرك بخفة إلى الخارج فتنظر إلى ياسمين هاتفه بسرعة : سأرحل يا خالتي ، فأنا تحدثت مع عمار كما أردت ، المعذرة ازعجتكم .
تمتمت ياسمين سريعا : بالطبع لم تفعلي ، وأيضا لن ترحلي ، سنتسحر جميعا ، هيا تعالي لنضع الأطباق ، أومأت يمنى برأسها في طاعة لتدفعها ياسمين بلطف قبل أن تتوقف وتهتف بجدية وهي تغمض عيناها - نوران .
صدح صوت نوران بدلالها المعتاد والتي من الواضح أنها تسيطر على ضحكاتها : أتيه .
أتبعت كلمتها بخطوات سريعة تزامنت مع ضحكاتها الخافتة وهي تخرج من غرفة أخيه لتكح بخفة وهي تنظر لهم جميعا فيكتم هو ويمنى ضحكاتهما بينما نظرت إليها ياسمين بحنق مُزج بعتابها الذي وضح في نبرتها الحادة : هيا أمامي ، تحركت نوران لتسير بجوار يمنى تكتمان ضحكاتهما فتشير ياسمين إليه بجدية – أسند اخاك وآتي به ، هيا .
ضحك مرغما وهو يهز رأسه بالإيجاب ، يتجه إلى غرفة عاصم الذي وجده يجاهر لينهض واقفا فيهتف بضحكة متسلية وهو يقترب منه : دعني أسندك يا شقيق .
لوى عاصم شفتيه متبرما : تعال يا سي عمار أنت افضل من لا شيء ، تعالت ضحكات عمار ليزمجر عاصم بضيق – توقف يا ولد .
همهم عمار بمكر : هل أمسكت بكما الياسمينة ؟
صمت عاصم قليلا ليجيب بخفوت وشقاوته تزين عينيه : أينعم لذلك هي غاضبة .
انفجرا ضاحكان ليهمس عاصم بتساؤل ماكر : وأنتما ؟
تطلع اليه عمار ببراءة مفتعلة : نحن ؟ أتبع وهو يهز كتفيه – أنت تعلم المهرة لا تمنح ما لا تريد .
رمقه عاصم مليا وهو يعتدل بجسده ينظر إلى رقبة اخيه مليا قبل أن يهتف وهو يسحب تلك الشعرة التي التصقت به على ما يبدو : كنت سأصدقك بالفعل لولا هذه يا طبيب المجانين .
كح عمار بخفة ليلتقط تلك الخصلة البنية الطويلة من بين إصبعي أخيه هادرا بنزق : أتركها ليس من حقك ملامستها حتى ، ضحك عاصم بقوة ليكمل عمار وهو يضعها بحرص في جيب سترته – لا تضحك علي .
تمتم عاصم وهو يستند إليه من جديد : حسنا سأصمت عنك وأنت أصمت عني وخاصة في الخارج فالياسمينة تنتظر لتنفجر في وجهينا .
أومأ عمار برأسه موافقة ليهمس بخفوت ماكر : فقط لننهي هذا السحور سريعا حتى نترك وقتا لبابا لامتصاص انفجارها من منبعه .
تبادلا النظرات قبل أن تندفع ضحكاتهما صادحة من حولهما وهما يخرجان سويا نحو الطاولة التي جُهِزت لاجل السحور الذي اكتملت فيه العائلة .
***
ربتت على كتفه وهي تضع قدح الشاي ليهمس بضيق : طلبت القهوة يا لوما .
ابتسمت في وجه وحدثته بجدية : أعلم ولكني أريدك أن تغفو قليلا قبل الاختبار ، ثم يكفي قدحي القهوة اللذين شربتهما ، اشرب الشاي وانهي هذا الجزء ونام قليلا وسأوقظك بعد الفجر لتصلي وتكمل استذكارك .
تنهد بقوة وهز رأسه بطاعة وهو ينظر للجهاز اللوحي بين كفيه قبل أن يميل بنظره إلى هاتفه الموضوع أمامه يزم شفتيه قليلا مفكرا وهم بالتقاطه لتهتف لميا الواقفة بباب الغرفة لم تنصرف بعد : اهتم بمستقبلك يا مازن ، دراستك أهم من أي شيء آخر .
ضحك مرغما ليستدير اليها بجذعه هاتفا : لا تقلقي يا لوما ، أنا مهتم بمستقبلي وسآتي بتقديرات ممتازة إن شاء الله .
تمتمت بدعاء صادق : ربنا يوفقك يا حبيبي .
تمتم بضجر : كنت أريد الاتصال بجنى أو مراسلتها وخاصة إنها عادت إلى بيتها فجأة فكنت أريد الاطمئنان عليها .
عادت لتحدثه بجدية : حدثها في الصباح ، فالأن الوقت غير مناسب .
رمش بعينيه ليسألها بجدية : لماذا ؟ أعتقد أنهما يتسحران الآن ، أتبع بهدوء وهو يلتقط هاتفه بالفعل – سانتهز الفرصة لاتحمد لأسعد سلامته .
مطت شفتيها برفض لم تصرح به ليهمس بعد قليل بخيبة أمل : لم ترد ، ابتسمت بتردد ليكمل بتفكير – اتصل ثانية لعلهما نائمان فاوقظهما حتى لا يفوتهما موعد السحور.
همت بالرد ولكن صوت أحمد الجاد صدح من خلفهما : لا تفعل ، أتبع وهو يدلف إلى الغرفة – لا تشغل رأسك بشقيقتك وزوجها ، وإياك أن تهاتفها ثانية بعد منتصف الليل .
همهم بضجر : نحن برمضان يا بابا .
هدر أحمد بحزم : لا رمضان ولا غير رمضان ، شقيقتك الآن ليست متفرغة لنا مثل السابق ، وعليك أن تراعي ظروف حياتها وزوجها ،
هز كتفيه بلا مبالاة : ما باله أسعد ؟! لا أفهم ما شانه إذا حدثت شقيقتي الآن أو لا ؟!!
رمقه أحمد من بين رموشه ليجيبه ببساطة : له كل الشأن يا مازن ، وخاصة وأنه عاد اليوم فقط من عمله بعدما غاب عن زوجته مدة طويلة .
احتقن وجه مازن بالأحمر القاني ولمع الإدراك بعينيه ليهمس بضيق سيطر عليه : حسنا فهمت، لم أفكر هكذا .
تمتم أحمد بهدوء وهو يتحرك للخارج يشير إلى لميا برأسه أن تتحرك معه : بل عليك أن تفكر هكذا منذ الآن وصاعدا ، ثم ارحم لوما قليلا إنها لا تنام بسببك وبسبب استذكارك .
تمتم بسرعة وكأنه ينفي عنه التهمة : أنا أخبرتها من قبل أن تخلد إلى النوم ولكنها ترفض وتخبرني أنها تسهر لتقيم الليل وتقرأ القرآن وليس بسببي .
ابتسم أحمد وهو يجذب لمياء معه من كفها : حسنا أنهي ما تفعل ونام ودع هذه المسكينة تنام ولو قليلا .
أطرق بعينه ليهمس : تصبحان على خير .
تمتمت باعتراض واهي وهو يجذبها للخارج فتهمس بضيق فعلي : أنا لا أريد أن اتركه يا أحمد
رمقها بطرف عينه ولم يجبها إلى أن أصبحا بغرفة نومهما ليجيب بجدية : اتركيه يا لوما ، مازن عاقل وسيستذكر جيدا .
تمتمت سريعا : أنا أثق به بالطبع ولكني اجلس معه حتى إذا أراد شيئا .
مط شفتيه وهو يجلس على حافة الفراش يخلع حذاءه ليبدأ في تبديل ملابسه : تهتمي بم يريده مازن ، وماذا عني ؟
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف سريعا : ماذا عنك ؟! هل تريد شيئا ؟! هل أنت جائع ؟!
تنهد بقوة ليرفع رأسه إليها ينظر نحوها مطولا قبل أن يشير إليها أن تأتي وتجلس بجواره فتطيعه بعفوية أثارت ابتسامته لتهمس متسائلة : ما الأمر يا أحمد لقد أثرت قلقي ؟!
تنفس بعمق ليهمس إليها وهو يحتضن كفها القريب بين راحتيه : لا شيء ، فقط أردتك أن تستريحي قليلا ، فأنت تتعبين طوال اليوم ولا تنامين جيدا ، ابتلع غصة قوية تحكمت بحلقه وهو يتابع – أشعر بك قلقة على الدوام وكأنك مصابة بالأرق ،
شحب وجهها تدريجيا وخاصة حينما رفع عيناه ينظر إلى عمق عينيها مستطردا : فكرت قليلا ما سبب الأرق الذي أصابك أو ما سبب قلقك ولم أجد سوى أنك لا تستطيعن النوم جيدا بسببي ، فأحببت أن أسألك هل وجودي بالغرفة يضايقك ؟! أم ..
صمت لوهلة وهويراقب اضطراب نظراتها التي ومضت بنفي غير منطوق فأكمل بهدوء – إذًا هو كما استنتجت .
تمتمت بصوت محشرج وتلعثم انتابها : ما الذي استنتجته ؟!
تمتم بصوت ابح وهو يخفض عيناه عنها فلا تلتقط عتابه القوي لنفسه : أنك لا تقوين على النوم لأني ليس بجوارك ، كما أخبرتني من قبل .
انتفضت واقفة وهي تهمس بنفي حازم : لا استنتاجك ليس صحيح فأنا هكذا طبيعتي في رمضان ، لا استطيع النوم جيدا .
تنهد بقوة وانحنى للامام يضع مرفقيه فوق ركبتيه : وقبل رمضان يا لميا ، التفتت تنظر إليه باستهجان وقبل أن تنطق هتف هو متبعا – نعم أنا الاحظك ، وليس برغبتي أنا طبيب أم لعلك نسيت ، الطبيب عمله الأساسي الملاحظة والتنبأ .. الاستنتاج والتحليل والتفكير ، لم أقصد أن اتلصص عليك مثلا ، بل أنت وحالتك من أثرتما انتباهي .
ابتلعت الاختناق الذي تحكم في حلقها : أنا بخير يا أحمد ، لا تقلق علي .
تنهد بقوة لينهض واقفا يقترب منها بهدوء : حقا ؟ رمشت بعينيها كثيرا وتحاشت النظر إليه فاحتضن كتفيها براحيته ليقربها منه قليلا فتحافظ على عدم احتضانه لها بكفيها الذين فردتهما على صدره ليكمل هو بهدوء – هل تظني أني استطيع إلا أقلق عليك يا لميا ؟!
زفرت بقوة وهمست بتعب : نعم إذا أقنعت نفسك بكوني بخير .
تأملها قليلا ليهمس برفض : للاسف لست مقتنع فكلما نظرت إليك شعرت بمدى تقصيري في حقك .
تمتمت بضيق جلي ومض بعينيها : أنت لست مقصرا يا أحمد فبالله عليك توقف عن هذا الحديث ، أنا راضية وسعيدة بالحياة معك .. في بيتك .. وبجوار ولدك ، فلا تشغل رأسك بي ولا تفكر في حالي ، فقط ارضى بوجودي ، وتقبله .
همس بصدق : أنا أفعل ، فهذه الأيام الماضية فعلت .. رضيت .. وتقبلت بل واعتدت أيضا ،
هزت رأسها نافية : لا يا أحمد لم تفعل ، أنت فقط تتحرك نحوي لتخمد ندم روحك لأنك مقتنع أنك مقصر بحقي ليس إلا .
تمتم بجدية : لا يا لميا ، هذا ليس صحيح فأنا لم أعد نادما من زواجي منك ، بل تفهمت أن وجودك هام جدا لأجلي ولأجل ولدي ، ولأجل استقرار هذا البيت الذي سيستقبل ابنتي كلما غاب زوجها ، أنا رضيت بوجودك يا لميا وخاصة حينما اقتنعت أنك شيء ووفائي لزوجتي شيء أخر ، اعذريني إذ كنت صريحا معك وأخبرتك أني مهما حدث لن أنسى ولاء قط .. لن يخفق قلبي لغيرها قط .. وأن روحي للان تهفو إليها وتشتاق لوجودها ، سامحيني على خيانتي لك مع ذكرى حبيبتي الراحلة .. واغفري لي علة قلبي وسقم فؤادي ، ولكن اسمحي لي أن أخبرك أن هناك ما يجمعني بك .. يهديني إليك .. ويصلني بروحك ، نعم هو ليس حبا ولن يكون عشقا، ولكنه شعور جميل من ألفة ومودة ورحمة ، أريد أن استظل بهم في رفقتك وبجوارك ، فأنا كلما تطلعت إليك وأنت تظلين الجميع في رحاب جنتك ما عداي أشعر بأني مطرود .. منبوذ .. ومنفي بعيدا عنك .. عن واحتك التي استرحت بها بعد عناء سفر .. وارتويت بها بعد عطش كبير .. وألقيت فيها همومي وأثقالي فربتِ على روحي وأهديتني سكينة كنت أحتاجها .
نشجت ببكاء انهمر من عينيها فجأة ليضمها إلى صدره يربت على ظهرها بلطف : لا تبكي يا لميا أرجوك ، أنا آسف إذا بكيتك ولكن ..
صمت وهو لا يدرك ما الذي عليه قوله لتبتعد عنه بعد قليل هامسة وهي تمسح دموعها : لا عليك ، ولا تعتذر فأنت ليس عليك الاعتذار وليس عليك الشعور بالذنب وليس عليك طلب العفو والصفح والمغفرة ، أنت لم تخدعني يوما يا أحمد بل أخبرتني منذ البداية عن حبك لزوجتك ووفاءك لها وأنا تقبلت الزواج منك ولم أطلب أي شيء سوى المودة والرحمة لذا أنا أخبرك بكوني راضية وارددها لك لعلك تقتنع بها .
تمتم بضيق : ولكني حتى لم اعاملك بالمودة والرحمة يا لميا .
تمتمت برقة : كلنا نخطء ونصيب يا دكتور ، فلا تكن قاضي وجلاد معا ، ولو على السماح ، أنا مسامحة يا سيدي .
ضحك بخفة ليجذبها إليه يقبل رأسها بحنو ثم يضمها إلى صدره بقوة دون أن يقدم على أي فعل سوى احتضان جسدها الصغير المتشنج داخل صدره العريض إلى أن لانت عضلاتها وتركها التصلب فتتمسك باحتضانه وهي تشعر بالراحة تخيم عليها دفعها بعيدا قليلا ليتأمل ملامحها القريبة بتأني فيشعر بدفقات من الشوق تسري باوردته .. ظمأ لم يشعر به من قبل يسيطر على تفكيره وجسده يطالب بأشباع حاجة ملحة استثارها وجودها قريبة منه ليحنى عنقه دون تفكير ويلتقط شفتيها في قبلة جائعة انتفضت لها بعدم فهم وحينما همت بالاعتراض اسكتها بسيله الذي فاض من سده الذي أصبح هشا بعد زواجه منها ليغمرها بتوقه لها وهو يشعر باستجابتها إليه رغم حيائها الذي اعتلى ملامحها ليهمس بخفوت بجوار أذنها وهو يدفعها لتستلقي الى جواره : دعيني أخبرك كم اشتاق إليك وكم أرتاح واستكين معك .
***
تجلس فوق فراش زوجها بغرفة نومه البعيدة والكبيرة قليلا عن بقية غرف إخوته ، تبتسم برقة وهي تتذكر مناوشات عمر وعبدالرحمن له اليوم وتذكيره بأنه دوما كان يستحوذ على كل شيء تحت مظلة كونه البكري ، حتى هنا رغم دلال والدهم لها إلا أن يظل هو ذو السلطات الكبرى والنفوذ الأوسع والغرفة الأكبر.
كتمت ضحكتها مرغمه وهي تستند بظهرها إلى الخلف تريحه إلى الوسادات الكثيرة التي وضعها من خلفها بعدما قررا المبيت هنا ببيت عائلته مستغل وجود عمر وحبيبه وأيضا وجود هنا التي أتت لتقيم معهم بقية أيام رمضان فتيم مسافر وهي كالعادة تأتي بأطفالها للمكوث مع والديها في حالة سفره ، وحينما سألها عن رأيها وافقت دون تردد وهي تسعد باجتماع العائلة ومشاكسات الجميع .
ورغم الضحكات التي تعالت والأصوات الصاخبة والأجواء العائلية الممتعة إلا أنها تشعر بأن هناك ما يخفيه .. يقلقه ويضج مضجعه.
تحركت بثقل لتنهض وتتجه نحو غرفة ملابسه تقف وتنظر إلى نفسها في المرآة ببطنها المنتفخ والجامب سوت المخصصة للحوامل بقماشها الغامق الثقيل و البلوزة الصوفية التي ترتديها من الأسفل ذات الرقبة العالية لتتساءل بضيق وهي تعي الآن أنها لم تجلب أي شيء لترتديه : كيف ستنام بهذه الملابس ؟
زفرت بضيق قبل ان تنظر من حولها وتبتسم بمكر وهي تقلب في ملابسه القديمة المتراصة أمامها لتتسع ابتسامتها وعيناها تتعلق على سترة صوفية تخصه تتذكرها هي جيدا وتتذكر عشقها العارم بخيوطها الناعمة ولونها الحليبي الرائق وخطوط الأزرق السماوي الرفيعة المتراصة بتوازي طولي أنيق ، فجذبتها بجدية قبل أن تبدا بخلع ملابسها كلها ما عدا الداخلية منها لترتديها بطريقة مبتكرة أحبتها بعدما اغلقت أزرارها الأمامية لتنثر خصلاتها المموجة حول وجهها وتعود إلى الغرفة ثانية .
توقفت خطواتها وهي تنظر إليه مستلقي فوق الفراش بطريقة عرضية لتهتف بتعجب : تركتهم وأتيت .
ابتسم بمكر دون أن ينظر اليها مهمهما : عمر من تركنا وذهب للنوم ، متعللًا باستيقاظه المبكر، أتبع بشقاوة - رغم أنه مفضوح فشوقه لزوجته كان جليا وخاصة بعدما حدثته وأخبرته أنها ستخلد إلى النوم.
ضحكت برقة لتهمس إليه وهي تقترب من مكان جلوسه :توقف عن مشاكسته يا أحمد كاد أن يختنق ضحكًا اليوم على السحور بسببك .
تعالت ضحكاته وهو يتذكر مشاكسته لأخيه حينما علم بخبر حمل زوجته بعد ما يكاد يقارب الشهر وتعليقاته غير البريئة التي رماه بها عرضيا بعيدا عن زوجته ليهمس بتسلية : أنه يستحق ، من ينظر إليه لا يصدق أن كل هذه الأشياء مخزنة بداخله .
ابتسمت بخفة لتهمس : هو بالفعل يستحق ، يستحق السعادة التي يحيا بها ، وحبيبة أيضا تستحق أسعدهما الله وبارك لهما وأتم لهما رزقهما بطفلهم على خير .
هتف ضاحكا وهو يعتدل بجلسته : أنا أتوقع أن يرزق بأربع أطفال دفعة واحدة فعمر غير مؤتمن من بعد زواجه .
ضحكت رغمًا عنها بيشاركها الضحك قبل أن يتوقف وعيناه تقع عليها أخيرا ، فتتسع بذهول ونظراته تمشطها من قدميها الحافيتين .. ساقيها العاريتان إلى أخر فخذيها بامتلائهما الجديد والواضح جليا .. حافة سترتة التي تحدد أول وركيها منفلت اول أزرارها حتى تقوى على استيعاب بطنها المنتفخ والتي برزت أمامها وأخيرا ذراعها وكتفها ونحرها ذو النصف العاري لأنها اثرت إلا ترتدي ذراع السترة الآخر وتركته متهدلا ، ازدرد لعابه ببطء شديد وهو يتوه في خصلاتها المنثورة حول ملامحها في فوضى محببة ليرفع كفه دون حديث يمده لها قبل أن يجذبها إليه يجلسها فوق ساقيه بعدما طبع الأربع قبلات خاصته فوق بطنها ليهمس بصوته الأجش : هل قررت أن تفقديني عقلي الليلة يا أميرتي ؟!
هزت كتفها العاري بنفي لتجيبه وهي ترفع ذراعيها تحيط عنقه بهما في دلال وهي تعتدل بحضنه : أبدا ، فقط لم نكن ننتوي المبيت هنا لذا لم آتي بأي من ملابسي وبالطبع لن أنام بملابسي فبدلتها واستعرت إحدى ستراتك ، فأنا أحب هذه السترة .
همهم بأنفاس ساخنة وهو ينظر إليها بشقاوة : وأنا الآخر أصبحت أحبها .
ضحكت برقة قبل أن تنظر له بتدقيق وتسال بهدوء جاد : ما بالك يا أحمد ؟ أنت من بداية رمضان ليس بطبيعي ، ورغم أنك توقفت عن حمل سلاحك الخاص إلا أني اشعر بك حزينا .. مهموما .. ضائقا وهناك ما يشغل بالك وتفكر به ، صمتت لتتابع بعد وهلة – هناك ما تخبئه عني .
ابتسم بتعب ليهمس بخفوت : لا أخبئ عليك شيء ، أنه لأمر قديم وأنت تعرفيني ولكني فقط أشعر ببعض من الإحباط .
رمقته بتعجب لتسال باهتمام : لماذا ؟!
زم شفتيه قليلا ليدفعها أن تنهض من فوق ساقيه ليعتدل نائما ثم يجذبها فتنام إلى جواره ليضمها إلى صدره قبل أن يثرثر وهو يلاعب خصلاتها بشرود : تذكرين أمر أخي الذي أخبرتك عنه ؟ عبست قليلا لتهمهم بالإيجاب فيتبع باختناق – تأكدنا كونه أخي بالفعل .
رفعت رأسها تنظر إليه : كيف ألم يكن أخيك ؟!
تنهد بقوة : كان هناك شك أنه كاذب ولكن ... صمت قليلا ليتبع هامسا بضيق – للأسف لم يكن كاذب بل كان صادقا في كونه ابن باسم سليمان .
تنهدت بقوة قبل أن ترفع جسدها فوق مرفقها تنظر إليه وتسأله : هذا ما يحزنك ؟
رمقها بتعجب من هدوئها : هل ترينه أمر عادي ليس علي الحزن لأجله ؟
تمتمت بهدوء : بالطبع هو أمر ليس عاديا ولكن هل نستطيع أن نفعل حياله شيئًا ؟!!
ران الصمت عليهم قليلا ليهز رأسه نافيا : لا ، للأسف لا ، ولكن .
قاطعته بجدية : دون لكن يا أحمد المرء لا ينتقي أبويه أو اخوته ، ثم أعده ابتلاء وادعو الله أن يخلصك منه .
تمتم سريعًا : يارب .
وجمت لوهلة قبل أن تنطق بتفكير : ألم تشعر نحوه بأي عاطفة يا أحمد ؟
تشكل النفور على ملامحه ليهدر برفض : بالطبع لا ، أنه عدوي .. حاول قتل أخي وأبي .
تمتمت بتعجب : ولكنه أخيك ، نظر إليها باستنكار فأكملت بمنطقية - وأنت تأكدت من ذلك يا أحمد كونه أخيك لا يثير حتى شفقتك إليه ؟
هز رأسه نافيا وأشاح بعيدا في رفض فتنهدت بقوة لتثرثر إليه بعفوية : دعنا نترك أمر القتل والعداوة جانبا يا أحمد وأخبرني ، إذا كان هذا الرجل أو الشاب تربى بطريقة عاديه بين ايوه وأمه ، أو حتى ببيت اونكل خالد .. مثلك
نقطتها ببطء وخفوت وهي تراقب انتفاض فمه بعصبية لتكمل بجدية : هل تظن أنه سيكبر ليصبح عدوك .. يحاول قتلك أو قتل عبد الرحمن أو حتى أن يتعرض لاونكل خالد ؟ هل تظن أنه كان سيكبر ليصبح اسمه موشيه .. أم كان سيسمى بموسى ويكون أخ كبير لك كما أنت لإخوتك ؟!!
هدر برفض : ولكنه ليس كذلك يا أميرة ، بل هو كبر على كرهي .. كره عنه وعائلته .. بل كره الجميع ورفضنا ومحاولته الحثيثة لإيذائنا ، لذا صعب أن أتقبله أو اتفهم موقفه .
زفرت بقوة وهي تستلقي على الفراش : من رأيي هو الآخر مظلوم فهو لم يختار مكان نشاته ولا أسلوب تربيته ولا ما كبر ليصبح عليه ،
تمتم بجدية : ولكنه اختار يا أميرة ، عندما كبر اختار أن يظل على كراهيته .. أن يتخذنا أعداء له ويسعى للانتقام منا ، نعم هو لم يختار نشأته ولكنه اختار طريقه .
ابتسمت برقة : حسنا هذا سبب حتى لا تحزن يا أحمد ، ل لأنه بينما اختار طريق الكراهية ، أنت أخترت طريق الصواب والصدق وحاوطت اخوتك وقمت برعاية عائلتك وهذا ما يميزك ، اختيارك يا أحمد وليس جيناتك أو نسبك أو أصلك .
ابتسم بتفهم وهو يدرك مقصدها ليهمس بخفوت : كنت أعلم دوما أنك تشبهين نولا دوما رددتها تامي على مسامعي فكنت أنظر إليك ولا أجد أي شيء فيك يشبهها ولكن الليلة وبعد نقاشك الجاد معي توصلت لمكمن الشبه يا ميرا ، فماما الوحيدة القادرة على إقناعي فأنا أدركت مدى قدرتها في الإقناع أن بعد كل مناقشة طويلة أخرج منها خاسرا وها أنا أخسر أمامك يا أميرتي .
ضحكت برقة لتهمس وهي تلامس طرف ذقنه : بل معي دوما كسبان يا أحمد ،
قبل أطراف أصابعها ليهمس : أنا كسبان بوجودك معي وبجواري يا أميرتي .
تنهدت بقوة لتهمس إليه : وأنا آمنة في ظلك ومعك وبجوار قلبك الذهبي يا أحمد
تمتم بأنفاس لاهثة وعيناه تتعلق بها : اشتقت إليك يا أميرة ، بل مِتُ شوقا يا حبيبتي .
اتسعت ابتسامتها لترفع ذراعيها تتعلق برقبته تتلقى قبلاته وتبادله تقبيلا لتهمس بخفوت ضاحك حينما توله بها : فقط تذكر أني حامل .
ضحك بخفة ليغمز لها بشقاوة : لا تخافِ سأكون مراعيا .
***
يحدثها من خلال هاتفه عن طريق اتصال مرئي بخاصية ثلاثية الأبعاد ، فتقوى على رؤيته بوضوح وخاصة مع ابتعاد الهاتف عنه فهو يجهز مكان لينام به في الملحق بعدما ترك غرفته المجاورة لغرفة أخيه ، سألت بتعجب وهي تنظر إليه تراقبه وهو يعدل الوسادات وفرش ملاءة السرير : لا أفهم إلى الآن لماذا تركت غرفتك فهي منفصلة عن غرفة عمر لأني أتذكر أني حينما زرتك كانت غرفة فردية .
ابتسم واسبل جفنيه ليهمس بجدية : نعم هي غرفة منفصلة ولكنها متصلة مع غرفة عمر ، أتبع وهو يفرد الأغطية ويتأكد من نظام التدفئة – فقط شعرت بالحرج أن أبيت في الغرفة المجاورة لهما ، لا أفهم لماذا ولكني شعرت بأني سأكون متطفل عليهما .
عبست بتعجب لتتمتم بعدم فهم : لا أفهم ولكن على راحتك فقط يهمني الا تمرض فالجو باردا الليلة .
اقترب ليحمل الهاتف فيكون أقرب إليها بملامحه ليهمس بمشاكسة وعيناه تومض بتسلية : لن تدفئينني ؟
ابتسمت ووجنتاها تتوردان لتهمهم بعتاب : عبد الرحمن .
تافف بعدم رضا ليهمس بانفعال : ليس هذه ، بل الثانية .
ضحكت برقة لتهمس بخفوت وهي تخفض نظرها عنه : عبده .
تمتم بتسلية وضحكته تتجسد فوق ملامحه : أموت يا هووووه ، أحلى عبده في العالم .
تعالت ضحكاتها رغما عنها لتتحكم بها وهي تهمس بخفوت : بابا سيأتي ويضبطني متلبسة وأنا أتحدث إليك في هذا الوقت المتأخر .
ضحك بخفة وهو يستلقى في فراشه : وليس أي حديث أنه حديثا مرئيا يا روكا ، نعم أنا لا أرى غير صفحة وجهك وياقة منامتك المحتشمة المغلقة إلى حدود رقبتك ولكنه اتصال مرئيا .
عبست بتفكير لتنظر إلى منامتها وتهمس بعدم فهم : ما بالها منامتي ؟!
تمتم بشقاوة : رائعة ، أنا احب اللون الأزرق الغامق بالمناسبة .
تمتمت بعفوية : أعلم .
لوى شفتيه بإحباط : ولكنها مغلقة يا روكا ، وأنا زوجك يا حبيبتي لا ضير من أن ترتدي اشياء أخرى غير هذه المنامات المحبطة .
جمدت ملامحها قليلا لتجيب بجدية صارمة : أولا أنت لم تصبح زوجي بعد ، أغمض عينيه بضيق وهم بالحديث لتتبع فلا تمنحه الفرصة لحديثه المكرر بكونه زوجها فهما عقد قرانهما وانتهى الأمر وأنه لن يتركها أبدا – وأعلم كل حديثك ومقتنعة به وأثق بك تمام الثقة يا عبد الرحمن ولكني لا استطيع أن أكون غير ما تعودت .. تربيت .. وأمنت .
هز رأسه بتفهم وعيناه تبتسم بفخر لتكمل بخفوت وبنبرة طبيعية : ولكن أعدك حينما تصبح زوجي بالفعل ، لن ترى أيًا من تلك المنامات المحبطة كما تسميها .
ازدرد لعابه ببطء وعيناه تتعلق بملامحها المبتسمة بمكر أنثوي لا يظهر كثيرا ليهمس بصوت أبح وعيناه تومض بالازرق الغني : ماذا سأرى إذًا ؟
همست بخفوت وعيناها تشرق بابتسامتها : سترى ما لم تراه في حياتك بأكملها .
سيطر على لهاثه ليكز على شفته بقوة قبل أن ينطق بنبرة متسلية ماكرة : أنت تلعبين بالنار يا رقية وتتعمدين اشعالي يا ابنة المنصوري عندما أكون بعيدا .
ابتسمت بشقاوة : ولكنك غدا ستكون قريب .
قهقه بخفوت ليهمس بتساؤل ماكر : اشتقت إلي ؟
تنهدت وهي تغوص بفراشها : كثيرا .
تنفس بعمق يسيطر على خفقاته الهادرة : إذًا تخلصي من خديجة على قدر المستطاع لأقوى على تبديد بعضا من اشتياقنا سويا .
تنهدت وعيناها تومض بعشقها له لتهمس بجدية : حسنا سأفعل ولكن أترك كل هذه الامور جانبا وطمئني عليك .
غاص هو الآخر بين اغطيته : أنا بخير يا حبيبتي ، لا تقلقي والحمد لله قاربنا على الانتهاء وحينها ساحدد موعد الزفاف فهذا هو ما يعطلنا الآن عن إتمام زفافنا .
تمتمت بخفة : وفقك الله يا حبيبي .
أغمض عينيه وهو يستنشق كلمتها التي لا تدعوه بها كثيرا ليهمس بأنفاس لاهثة : يا الله يا رقية ، حينما تدعونني بها أشعر بأني ملكت العالم وما فيه .
أجابته بصدق وهي تتأمل ملامحه مليا : وانت عندما تكون جواري أشعر بأني – الأخرى – ملكت العالم وما فيه .
فتح عينيه لينظر إليها مليا يتبادل الحديث معها بعينيه قبل أن يكح بخفة ويهمس بجدية ورزانة تمسك بها : سأغلق الخط الآن فأنا وصلت لحدودي القصوى في ضبط النفس وما بعدها سادخره لهذه الأيام التي تعديني بها دون منامتك المحبطة حينما تكوني بين ذراعي ومعي بجوار قلبي .
أخفضت عيناها لتهمس بخفوت وابتسامة راضية ترسم فوق ثغرها : تصبح على خير يا عبده .
تمتم بصوت أبح : وأنت من أهل الخير يا عيون وقلب عبده ، أراكِ غدا سآتي قرب المغرب حتى لا أخسر صيام اليوم .
ضحكت برقة لتؤثر الصمت قليلا قبل أن تهمس بشوق : سانتظرك ، أراك على خير .
تمتم قبلما يغلق الاتصال : بإذن الله يا حبيبتي .
وضع الهاتف جانبا ليرفع ذراعيه فوق رأسه ويغمض عينيه مستعيدا ملامحها ليبتسم بسعادة وهو يغلق عينيه يستجيب للنعاس وهو مطمئن راضي هانئ إلى جوارها ومعها .
***
يجلس أمامه بغطرسة يضيق بها ولكنه يلتزم معه بالتعليمات التي أصدرها سعادة المستشار الذي أكد على عدم التعرض إليه نهائيا وخاصة بطريقته الخاصة المعروفة عنه لجعل من أمامه ينطق بكل ما يخبئه ، يتنفس بعمق وهو يحاول أن يلتزم بالهدوء مرغما وخاصة أنه تحذير أمير الأخير إليه فهو لم يمنع نفسه من التعرض إلى هذا القذر وليس مرة واحدة بل أكثر من مرة وخاصة مع استفزاز هذا الجالس أمامه ينظر إليه بنظراته الخبيثة وابتسامته المتهكمة وحديثه السخيف عن كونه سيخرج أن أجلا أو عاجلا ، انتبه إلى سؤال علاء الذي تجاهله الآخر ببرود وهو يرمقه باستخفاف مقصود فيهدر بجدية : أجب السؤال يا سيد موسى .
ابتسامة مستفزة رسمت ثغره ليجيب بخفة : متيقن أنت من أمر موسى هذا ، رمقه بترقب فأتبع الآخر بابتسامة ساخرة وهو يقترب من حافة الطاولة بجسده يشير بلا مبالاة - ألا يأتيك هاجسا – مثلا - أني أخدعكم مثلا ؟
تحرك من وقفته البعيدة ليدلف إلى داخل دائرة الضوء ليجيبه وهو يقف فوقه يشرف عليه بعدما فرد كلا كفيه فوق الطاولة : بل راسي به كل أنواع الهواجس يا موسى ، ما تتخيله وما لا تتخيله .
اخفض بصره بطريقة ماكرة ليجيبه بهدوء : ولكنك موقن من أني انتمى لآل سليمان .
رمقه حسن قليلا ليهمس : لا ، ارتفع حاجب موشيه بتعجب ليكمل حسن بعفوية قصدها – رغم أن المنطق .. العقل .. والإثباتات تؤكد عكس هذا ، ولكن أنا أثق بحدسي وحدسي يخبرني أنك لا تنتمي لهم ، بل لا تنتمي لنا ، أنت لا يمكن أن تكون تحمل دماء هذه العائلة أبدا .
مط موسى شفتيه بقرف : نعم أنا أوافقك فأنا ارقى أن أحمل دمائهم القذرة وأوصم بعار انتمائي لهم .
أطبق حسن فكيه ليهمس ساخرا : هم الآخرون سيصلون شكرا لله لأن من مثلك لا يحمل دمائهم.
ضحكة قصيرة ساخرة أشعلت عينا حسن بكره واضح ليكح علاء بخفة منبها حسن من التمادي معه قبل أن يعود بابتسامته المعهودة لموسى ويهتف بجدية : سيد موسى لماذا لا نصل لاتفاق وسط يرضي الطرفين ؟
عاد موسى بجسده ليرتكن إلى ظهر الكرسي المقيد إليه مجيبا باستخفاف : لأن لا يوجد إتفاق وسطي بيننا يا عزيزي ، كل هذا الهراء عن الاتفاقات الوسطية المُرضية للطرفين لا يثيرني .. كل هذا الحديث المخادع عن السلام المقر بيننا ما هو إلا حديث يثرثر به أمام الإعلام ، مجرد مسرحية هزلية وأنت وأنا نعلم هذا ، ما بيننا لن يزول ولن ينمحي إلا حينما نتسيدكم كما ينبغي أن يكون .
قبض علاء كفيه متحكما في غضبه وهو يسمع صرير أسنان حسن ليسأل بهدوء : ولماذا لا يكون العكس ؟
رمقه موسى باستهجان لينطق بإيمان قوي نبع من داخله : لأن الله وعدنا بالعظمة .. القوة .. والسلطة ، نحن شعبه المختار أما أنتم ، صمت قليلا ليتبع بقرف - لا تصلحون لدور الأسياد فأنتم أقرب للعبيد من أي شيء آخر .
اشتعل الغضب بعيني علاء ليقفز حسن ليكون في لحظة بجوار موسى فيقبض على رأسه من الخلف هادرا بصرامة وهو يجبره على الانحناء ليضرب جبينه بقوة في طرف الطاولة بطريقة متتالية وهو يهدر من بين أسنانه : هاك تصرفات العبيد يا حقير ، بم إن تعاملنا كأسياد لم يرق لك .
هدر علاء الذي قفز واقفا : أتركه يا حسن .
ألقاها بجدية وهو يدفع حسن بعيدا ينظر إليه بلوم صارخ وخاصة مع اندفاع الدماء من جبهة موسى الضاحك بتسلية ، نظر علاء إليه معاتبا فرفع رأسه بجبروت وهو يستدير ليجلس كالطود أمام الآخر هاتفا بجدية وعيناه تومض بشرار الغضب والصدق يعتلي ملامحه : حسنا يا سيد موسى بم أنك الآن في دور العبد ونحن السادة ، أظن أن عليك الإجابة عن الأسئلة حتى تتجنب عقاب ساداتك ، جابهه موسى بتحدي ليكمل حسن بهدوء شديد ونبرة خفيضة مهددة - وإلا أقسم بالله العلي العظيم أني سأفصل رأسك هذا عن جسدك دون أن أطرف بجفني فانا ليس لدي ما أخاف عليه ، ولا منه سوى الله عز وجل ،
رف جفن موسى رفتين متتالتين والدماء تقطر من جبهته تغرق نصف وجهه فابتسم حسن بثقة انه وصل لإخافته ليكمل بجدية : هلا استكملنا التحقيقات يا علاء بك ؟
رمق علاء الوضع أمامه مليا قبل أن يخفي ابتسامة كادت أن تقفز على شفتيه ليكرر سؤاله لموسى الذي تردد لوهلة في الإجابة ليرمقه حسن بحاجب مرتفع فيهمس باقتضاب مجيبا تحت أنظار حسن المتسليه والوامضة بذكاء مخيف .
***
خطى للخارج بعدما أنهى الاختبار قبل الوقت المحدد بمدة ضئيلة أغضبته من نفسه وهو الذي للمرة الأولى يعاني هكذا في أداء اختباراته ولكنه ليس متعجبًا فالبارحة لم يقوى على استذكار دروسه جيدا بسبب موجة الغضب التي انتابته والتي لم يجد لها سببًا سوى ما رآه مصادفة حينما مر على شقيقته البارحة في جامعتها ليعود بها.
وحينما وقف ينتظر قدوم ملك انتبه على صوت ضحكات يعرفها جيدا فالتفت نحو مصدر الصوت ليجدها هي تقف مع آخرين يشاكسانها فتتعالى ضحكاتها هكذا بنهار رمضان !!
أدار عيناه عليها سريعًا لتتسع بصدمة وهو ينظر إلى بنطلونها الصوفي بلونه البني الفاتح الملتصق بساقيها وقميصها الأبيض القطني المحدد لمفاتنها وأخيرا تلك السترة الصوفية التي لا فائدة منها والتي بالكاد موضوعة فوق كتفيها تخفي ظهرها ولكنها أظهرت جذعها من الإمام بل وحددته أيضا متعلقة بذراعيها فتهدلت بشكل ما منحها جاذبية تجذب الأنظار وخاصة مع خصلاتها السوداء المنفوشة بتمويجات غجرية كثيفة تميزها دائما.
حينها أطبق فكيه بقوة واخفض بصره عنها وهم بالمغادرة لينتظر شقيقته بعيدا ولكنها انتبهت إليه فركضت نحوه وهي تناديه بصوت عال أثار انتباه من لم ينتبه .
ورغم زجره لها .. مشاجرته معها .. وزعقته الخشنة بها إلا أنها لم تيأس من مصالحته بل ظلت الليلة الماضية كلها تراسله لتحصل على رضاه دون أن تدرك بأن كل رسالة كانت تؤجج غضبه اكثر.
زفر بقوة وهو يقترب من ابن خاله الذي يقف مستندا على مقدمة سيارته ومن الواضح أنه بانتظاره ينظر إليه باهتمام قبل أن يسأله بجدية : ما بالك يا علي ؟
رمق أدهم بطرف عينه ليهمس من بين أسنانه : لا شيء أنا بخير .
نظر إليه أدهم باهتمام : لا أشعر بذلك يا ابن عمتي ، حسنا دعنا منك ماذا فعلت في الاختبار ؟
تمتم بضيق : جيد ، من الجيد أننا انتهينا فأنا اريد الراحة والنوم بطبيعية .
عبس أدهم بتفكير ليهتف بمرح : منذ متى تضيق بالاختبارات والمذاكرة ، فأنت الألفا ، عجبت لك يا زمن !!
هم بالرد عليه ولكنه توقف وعيناه تتسع بغضب جلي كسى ملامحه وهو ينظر إليها تقترب منهما لتهتف بتحية نزقة لأدهم كعادتها فيبتسم أدهم ويشيح بعينيه بعيدًا قبل أن تلتفت إليه بحزن سكن عيناها وتهتف باهتمام : كيف حالك ؟ أخبرني أنك بخير وأنك جاوبت جيدا في اختبارك .
رمقها ببرود تعمده ليهمس من بين أسنانه : أتيت رغم أني حذرتك ألا تفعلي .
مطت شفتيها باغواء أنثوي غير متعمد لتجيب بعفوية : ماذا افعل في قلبي الذي أجبرني أن آتي لأطمئن عليك يا لولو ؟ ارتجف فمه بغضب لتهمس متابعة وهي تقترب منه فيتراجع للخلف محذرا بعينيه - لا تغضب وأخبرني ماذا فعلت بالاختبار ؟
غمغم بضيق وهو يبتعد ناويا الانصراف : لا شأن لك .
امتلات حدقتيها بالدموع لتمط شفتيها بطفولية مهمهمة باختناق : علي من فضلك توقف عما تفعل .
تنفس بعمق والتفت إليها ثانية ليقترب منها يدفعها دون أن يلامسها ليبتعدوا عن أدهم الذي يراقبهما من تحت نظارته الشمسية هادرا بحزم : بل توقفي أنت .. توقفي عن كل ما تفعلينه ويغضبني .. توقفي عن معاندتي ومطاردتي وعن إثارة غضبي وضيقي .. توقفي عن الضحك بصوت عال .. مشاكستك لكل من هب ودب .. وملابسك التي تكشف أكثر ما تخفي .
تنهد بقوة ليهمس وهو يخفض رأسه فلا ينظر إلى دموعها التي بدأت في السقوط : توقفي عن إنجاح ما بيننا يا مي ، فالفشل دوما سيحاوطنا ويكون رفيقنا .
رفعت كفها لتتمسك بساعده ليرمقها بضيق وهو يبتعد عنها : توقفي .
تمتمت بصوتها الأبح : أنا أحبك يا علي وأنت تعلم .
رف بعينيه ليهمس معترفا : وانا معجب بك وأنت تعلمين ولكن الأمر لا يستقيم بيننا ، أنت من عالم وأنا من آخر أفكارنا مختلفة طريقتنا مختلفة .
تمتمت بغيظ وعناد : نحن من نفس العالم يا علي ومن نفس الطبقة وأبي صديق خالك وشريكه.
تمتم بضيق : ولكنك لا تحملين مواصفات فتاتي التي تريد .
رفعت رأسها بحدة وعيناها تومض بغيرة عميقة لتمسح دموعها بكفيها هاتفة بغضب : أنت كاذب يا علي ، تكذب على نفسك قبل أن تكذب علي ، ما تحمله - إلي - بداخلك أكبر كثيرا من الإعجاب ولكنك ترفض أن تعترف به ، أنت خائف أن تعترف لنفسك قبل أي شخص آخر أنك تحبني ولكنك تفعل .
ارتجف فكه بضيق تملكه فأكملت بجدية : في كل مرة تشعربالغيرة علي تتاكد فيها أنك تحبني .. في كل مرة تنظر لي وتتمعن بي كما لم تفعل مع إحداهن قط تتاكد من أنك تحبني .. في كل مرة تحدثني فتشعر بالسعادة تتدفق في اوردتك تتاكد أنك تحبني ، ولكنك خائف من الاعتراف بذلك الحب ، خائف من المجتمع والناس ومن نظرتهم لي رغم أنك متيقن من داخلك أني لست مثلما يظنون ولكنك أضعف من أن تدافع عني وعن اختيارك لي .
هدر بقوة وعيناه تتسع بغضب : أنا لست ضعيفا يا مي وأنت تعلمين هذا جيدا .
ازدردت خنقتها لتهمس بحزن والألم يسكن نظراتها : أعلم ولكنك لا تستطيع المواجهة يا علي، أشاح بعينيه بعيدا لتتابع بصوت مختنق - عامة أنا آسفة أني اثقلت عليك بمجيئي كنت أريد الاطمئنان عليك ، أراك على خير .
همت بالرحيل فهمس باسمها يستوقفها فاطاعته ليهمس بحنو يغمره رغمًا عنه لأجلها : لا تغادري وأنت غاضبة .
ابتسامة متهكمة زينت ثغرها : أنا بخير فقط أردت أن أصالحك قبل أن أسافر فأنا سأذهب لماما في العيد .
اهتزت حدقتيه برفض ليهمس : ستسافرين ؟!
أومأت برأسها إيجابا ليهمس بضيق : حسنا تعودين بالسلامة ، سأحدثك لأطمئن على سلامة وصولك فكما أعتقد أنت تسافري بمفردك .
أومأت برأسها إيجابا ليبتسم في وجهها هامسا : أعتني بنفسك يا مي .
سألته بأمل داعب نظراتها : لأجلك .
تنهد بقوة ليهمس بعتاب : لأجل نفسك يا مي فأنت تستحقين أن تهتمي بنفسك لأجل نفسك .. لأجل مي .
ابتسمت لتومأ برأسها إيجابا وتشير إليه بالوداع : أراك على خير .
تمتم بعفوية : لا إله إلا الله .
ابتسامتها التي أشرقت بعينيها أسعدته لتهمس برقة : محمد رسول الله .
راقبها وهي تبتعد ليستدير فيقابله أدهم الذي رفع نظارته فوق رأسه يرمقه بابتسامة مستفزة ليهمهم بضيق : أكرمني بسكاتك لو سمحت .
انطلقت ضحكة أدهم مجلجلة ليمازح متعمدا : لماذا يا لولو ؟! أنا أدهم حبيبك .
أشار إليه علي بضيق ليقهقه أدهم من جديد فيزمجر علي غاضبا قبل أن يسيطر أدهم على ضحكاته هاتفًا بنبرة مهتمة : حسنا سأصمت ولكن أريد أن أسألك سؤال يا علي واجبني بوضوح ، التفت إليه علي باهتمام فأتبع أدهم - أنت تحبها أليس كذاك ؟
تنفس علي بقوة : لا أعلم ، فقط ما ينتابني بجوارها لا أدرك ماهيته .
رمقه أدهم مليا قبل أن يهمس بجدية : أنت تدرك بالطبع يا علي أن صيتها ليس حقيقا وأن ما يتداول عنها منذ أيام المدرسة ما هو إلا بعضا من أحاديث نميمة وشائعات ليس أساس لها وتدرك جيدا أنها لو كانت كم يطلقون عليها كنت أنا أول من عرفت .
انتفض علي بغضب ليكمل أدهم بهدوء : لا تغضب يا علي أنا أخبرك بأمر أنا واثق منه مي ليست كما يقولون ، نعم هي متحررة قليلا .. منفتحه قليلا .. تحب الضحك والمرح قليلا ، ولكنها ليست سيئة السمعة ، هي فقط تفعل ما يحلو لها ، ولعلمك أنا حاولت أن اصادقها من قبل ولكنها رفضت ،التفت إليه علي بذهول ليكمل أدهم بثرثرة عفوية - حينما أتت إلى المدرسة وبدأ الجميع يثرثر عنها أثارت انتباهي وأنا كما تعلم أحب كل الفتيات بكل أنواعهم ، لذا حاولت مصادقتها ولكنها رفضت بصريح القول وأخبرتني أني ليس من نوعها المفضل بل عاملتني بنزق كما تفعل للان ، فأنا بالنسبة إليها شاب عابث لا يروق لها .
زفر علي بقوة بينما أكمل أدهم : لذا وجب علي أن أخبرك أنها عادية فقط أسلوب حياتها مربك قليلا .
تمتم علي بجدية : أنا أعلم يا أدهم أعلم ، أنا أكثر من يعلم ولكنها لا تتوقف .. لا تمل ، أنا أتحدث كثيرا ولكنها لا تصغي .
عبس أدهم بجدية : ستفعل ولكن مع الوقت ، ليكمل وهو يغمره بشقاوة - أنها تحبك وستسعى لإرضائك .
هز علي رأسه بضيق وهم بالحديث لكنه توقف وهو ينظر لابن خاله الآخر الذي أقبل عليهم بعبوس نادرا ما يعتلي ملامحه انتبه أدهم لوصول مازن ليهتف بدهشة : ما بالك أنت الآخر ؟! هل أصابكما نيزك اليوم اغضبكما أم ماذا حدث ؟!
نظر مازن لعلي الدين : ما الذي يغضبك ؟
هتف أدهم بجدية : اترك ما يغضب علي جانبا وأخبرنا ما بالك ؟ لماذا أنت عابس هكذا ؟
زم مازن شفتيه بقوة قبل أن ينطق بضيق شديد تملكه : تشاجرت مع خديجة .
ارتفعا حاجبي علي بدهشة ليلوى أدهم شفتيه بنزق ليهمهم : تشاجرت وخديجة أيضا ، من الواضح أنه أمر كبير .
زفر مازن بقوة بعدما صر على أسنانه فدفعه أدهم بجدية إلى السيارة ليشير إلى علي بالركوب : هيا لنتحدث ونحن بالسيارة وخاصة وأننا سنمر على الفتيات لنخرج جميعا .
تمتم مازن بنزق : خديجة لن تأتي .
تمتم أدهم بعبث : ومي أيضا ، أم ستدعوها يا علي ؟ رف علي بعينيه ليلكزه أدهم بشقاوة ناصحا – من رأي ادعوها الفتاة ستسافر لتقضي العيد واجازة منتصف العام مع والدتها وستعض أناملك حينها ندما وشوقا يا ابن العمة .
ابتسم علي مرغما وخاصة حينما أكمل أدهم بمزاح وهو ينطلق بالسيارة : ومن الممكن أن تعد من سويسرا لا تتذكرك أساسا بعدما ترى الكثير من المشعين هناك .
انفلتت ضحكة علي الذي داعب هاتفه ليراسلها فيشاركه أدهم الضحك قبل أن يهتف بمازن العابس : ماذا حدث يا عم مازن أخبرنا ؟ ولماذا لن تصحبنا خديجة هانم في فطارنا الجماعي هذه المرة ؟
تمتم مازن من بين أسنانه : لا أعلم لماذا لن تأتي فأنا غضبت وتركتها وغادرت دون أن أسمع أسبابها العظيمة .
التفت علي إليه باهتمام لينظر أدهم من خلال المرآة نحوه ليهتف بتفكير : إذًا المشاجرة ليست بسبب رفضها لصحبتنا ؟
هز مازن رأسه نافيا بغضب ومض بعينيه ليتبادل علي وأدهم النظرات قبل أن يساله علي : إذًا ما السبب ؟
أطبق مازن فكيه بغضب وغيرته تكسي نظراته ليهمس من بين أسنانه : ابن عمتها ولا خالها هذا لا أعرف بالضبط .
تمتما الاثنين في نفس الوقت : محمود .
تمتم مازن بسبة خافتة قبل أن يهدر بزعيق أثار صدمتهما : نعم هو سيادة القبطان الذي أوصلها صباحا لأنها استيقظت متأخرة ولولا صنيعه الجبار لكان فاتها الاختبار وحينما غضبت وأعلنت عن اعتراضي وضيقي لأنها ركبت معه السيارة أخبرتني بأنه ليس من حقي.
تطلع إليه علي بإشفاق ليرمقه أدهم من خلال المرآة قليلا قبل أن ينطق بجدية : خديجة لم تخطأ يا مازن .
اتسعت عينا مازن بجنون ليتمتم علي بهدوء : أدهم .
فصاح أدهم بجدية : لا تزجرني يا علي ، فأنا لن اصمت ، أخبرني يا مازن لماذا غضبت لكونها أخبرتك أنه ليس من حقك الغضب ، فهي محقة ولا أفهم ما سبب غضبك من الأساس
هدر مازن بقوة : اصمت يا أدهم من فضلك .
صاح أدهم ح بزعقة خشنة : لا لن افعل وكن منطقيا مرة واحدة في هذا الأمر الذي لا تتعامل معه باندفاع غريب دون عقلك أو رزانتك أو منطقيتك المعتادة ، بل أنت تعصب عيناك قاصدا وتركض كثور هائج دون أن ترتكن إلى حدود المنطق والتعقل لذا يا مازن إذ لم تواجه نفسك الآن بم يحدث سترتطم بحائط كبير قوي سيهشمك دون جهد يذكر .
تمتم علي ثانية باسمه وهو يراقب ملامح مازن المنغلقة بحزن وألم ومض بعينيه فيكمل أدهم بهدوء – أرجوك أفق يا مازن ، فخديجة لا تبادلك مشاعرك .. خديجة لم تعدك بشيء .. خديجة ليست مشغولة بك ، وأنت تستحق أكثر من مجرد انشغال يا ابن عمي .
أشاح مازن برأسه لينظر من نافذة السيارة بجواره وهو يشعر بالاختناق يسيطر على حلقه يستعيد عقله حديثها المرح الحماسي عم حدث لها صباحا .. عن معروف ابن عمتها الذي قابلها بالصدفة وهي تركض مهرولة على السلم نتيجة تأخيرها في الاستيقاظ فلم يتوانى لدقيقة واحدة عن الركض معها بل وإيصالها في وقت قياسي وهو يهدأها طوال الطريق ، ويخبرها أن تثق به فهي معه وعليه ستلحق باختبارها ، يستعيد شعوره القوي بالغيرة وغضبه الشديد الذي سرى بأوردته ليجد نفسه فجأة يزعق بها في عصبية أنها كيف تفعل ؟! كيف ارتضت أن تركب الى جوار هذا الغبي الذي تجرأ و أهانها على مرأى ومسمع من الجميع ليُصدم عندما هتفت في وجهه بصياح حاد تمنعه عن الحديث عن محمود بأسلوب غير لائق وحينما اعترض وأعلن عن غضبه من فعلتها صفعته بكلمتها الحادة وهي تخبره بثبات " أن لا شأن له بها وبتصرفاتها !!
حينها صمت .. بل اختنق بلسانه وهو ينظر إليها بصدمة تملكته لتهتف أخيرا باستياء أنها لن ترافقهم في الفطور فيستدير على عقبيه ويغادر دون سؤالها أو الحديث معها بل إنه انصرف دون أن يلقي عليها التحية ، انصرف عنها .. غادرها .. وتركها من خلفه وهو يشعر بقلبه يحترق .. جوفه يختنق .. قلبه ينتفض .. وعقله يردد عليه بحسم أن عليه أن يبتعد .
ترقرقت الدموع بعينيه فلسعت ماقي عينيه ليتنفس بقوة متحكما باختناقه .. مسيطرا على بعثرته وزلزلة روحه ليمسح وجهه بكفيه وتلك الدمعة الوحيدة المتمردة التي علقت بجانب عينه وهو يتمسك بأمل واهي بثه إليه قلبه الذي يتمزق منذ أن تركها ويخبره أن ما حدث اليوم ما هو إلا فورة غضب !!
***
يقف أمام مقدمة سيارته يشبك كفيه ببعضهما وهو ينظر إلى مدخل الشركة العالمية التي تعمل بها ، يراقب الخارجين بصمت ونظره يترقب لالتقاط خروجها الذي أتى سريعا فيسبل جفنيه وهو يجبر نفسه على عدم النظر إليها ثم يعتدل بوقفته لينبهها لوجوده الذي فاجئها على ما يبدو فتوقفت بمفاجاة قبل أن تتحرك نحوه بخطوات سريعة تنظر إليه بدهشة : عادل ، أنت هنا؟! متى عدت ؟!
ابتسم برقة وأومأ برأسه مجيبا : مرحبا يا لارا ، عدت البارحة وانهيت نوبتي في المشفى وأتيت لاصحبك لنفطر سويا .
رفت بعينيها بعدم فهم لتتمتم بمفاجأة : اليوم ؟!!
أومأ برأسه إيجابا قبل أن يسأل بهدوء : إلا لو لديك ارتباطات أخرى ، سأعود إلى البيت .
تمتمت سريعا : لا بالطبع لا ليس لدي اية ارتباطات ولكني بملابس العمل و.. صمتت لتهمس مستدركة الحديث – فقط امنحني الوقت لأبدل ملابسي وأرافقك .
رمقها قليلا لينظر إلى الطاقم العملي الذي ترتديه بنطلونها القماشي ذو اللون الأسود قصير قليلا فيظهر حزام حذائها ذو الكعب العالي الذين يزينان كاحليها بلونه الأخضر الفاتح وكنزتها الصوفية ذات الرقبة العالية والطويلة قليلا فتصل الى حدي جيب بنطلونها بألوان متدرجة بين الأخضر الفاتح والعسلي الرائق بأكمام تغطي ذراعيها إلى ما بعد مرفقيها ما عدا كتفيها الظاهران منها ، سترتها القيمة والتي تحملها فوق ساعدها بلونها الأخضر الزيتوني والمتماثل مع لون حقيبتها الجلدية الفخمة التي تحملها ، تغاضى عن النظر إلى شعرها الملموم في كعكة أنيقة فوقية وعن النظر إلى زينة وجهها الهادئة والتي تضفي بريقا خاصا على ملامحها ليهمس بعدم اهتمام : أرى أنك لا تحتاجين لتبديل ملابسك فهكذا جيد .
تلجلجت لتهمس بعفوية : نعم جيد للعمل ولكن ليس لموعد معك .
رفع حاجبه بتعجب ووميض إعجاب ضوى بعينيه سرعان ما اندثر ليهمس بجدية : إذًا انتقائك لملابسك سيختلف حينما يكون الأمر منوط بي .
ابتسمت برقة لترفع عيناها بنظراتها الوامضة باخضرار غني : بالطبع ، يكفي أن أكون معك لأكون كلي مختلفة .
ابتسم بمكر واسبل عينيه ليهمس بخفوت وهو يجاهد ألا يضحك : حسنا دفاع مقبول ، لنعود إلى بيتك أولا حتى أرى انتقائك الخاص لي .
ابتسمت برقة وأنوثة ماكرة احتلت نظراتها لتهمس بخفوت تعمدت أن يكون مثير : سيروق لك أنا متأكدة .
تمتم بهدوء وهو يشرف عليها بطوله الفارع : لن يكون عاريا .
تمتمت بذكاء : بل في غاية الاحتشام ، نحن برمضان .
ابتسم ابتسامة جانبية نادرا ما ترتسم على ثغره ليهمس بمكر : ولن يكون مغريا .
توقفت عن الحركة بعدما همت للذهاب إلى سيارتها الواقفة قريبا منهما لتهمس بخفوت : لا أعدك بهذا ، فهو سيكون مغريا بعينيك لأني من ارتديه .
اتسعت ابتسامته ليشير إليها بغرور اعتلى ملامحه : وجهة نظر تُحترم .
ضحكت برقة لتهمس : إذًا لنتحرك حتى استعد دون أن نتأخر .
أومأ براسه وهو يشير إليها برأسه أن تتقدمه ليراقبها بعينيه إلى أن استقلت سيارتها ليبتسم بمكر وعيناه تومض بغموض أخفاه خلف جفنيه قبل أن يتحرك بدوره لينطلق بسيارته خلفها وهو يهمس بخفوت : تعديل جيد في الأسلوب يا لارا هانم ، سأستمتع بالمباراة كثيرا بل وبالفوز أيضا .
***
__ مساء الخير . هتف بها في جدية شديدة لتقفز واقفة وهي تراه للمرة الأولى يخطو من أمامها من هذا الطريق الذي ياتي منه البقية دونا عنه ، فهو له ممر خاص ومصعد خاص وكل شيء خاص به ولم لا أليس رئيس مجلس إدارة المؤسسة والمدير التنفيذي الخاص بها .
همست بتلعثم ووجنتاها تتحتقنان خجلا وعيناها تتعلق به في توله واضح لتسرع وتتبعه : مساء النور يا باشمهندس ، حمد لله على سلامتك .
دلف الى مكتبه بعنجهيته الموروثة لتشعر بخافقها يكاد أن يقفز خارج أضلعها حينما أجاب ببسمة فاترة : سلمك الله يا حسناء .
تمتمت سريعا وهي تخطو إلى منتصف الغرفة : المؤسسة أنارت اليوم بوجود سعادتك ، فوجودك يعني لنا الكثير ، رمشت بعينيها كثيرا لتخفض بصرها حينما تطلع إليها بعدما وقف خلف مكتبه فتتبع هامسة بحياء جلي – فجميعنا اشتاقنا إليك .
ارتفاع طفيف في حاجبيه أثار حرجها أكثر لتهمس بخفوت : حالا سآتي لحضرتك بالشاي .
تمتم بجدية وهو يجلس على كرسيه الوثير : بالليمون من فضلك يا حسناء فأنا متعب قليلا .
شهقت بوجل واقتربت منه بخطوات سريعة تهتف باهتمام : كف الله الشر على حضرتك ما بك ؟
تمتم بخفوت وهو يسبل جفنيه : أُصبت بالأنفلونزا
تمتمت بسرعة : الف سلامة على حضرتك ، لماذا أتيت إذًا ؟!
همس بخفة ضاحكة : لأراك ، ارتدت خطواتها للخلف بتبعثر وهي تنظر بعدم تصديق ليضحك بخفة متبعا – بالطبع للعمل يا حسناء ، هيا اذهبي وأتي بالشاي بالليمون من فضلك وآتي بجهازي اللوحي أيضا لأباشر سير العمل .
توقفت خطواتها وهمت بالإجابة ليتبع بصوت قوي واضح : أعتقد أنه معك ، أليس كذلك ؟
اهتزت حدقتاها وقرأ الكذب بعينيها فانتظرها بصبر وهو يرمقها بتفحص أن تلقي على مسامعه كذبتها الموقن منها هو لتهمس سريعا وفي صوت أبح يشي بعدم صدقه : لا ليس معي ، حضرتك تركته لأحمد بك وكان هو أو نوران هانم من يستخدماه .
مط شفتيه بتفكير ليهمهم بتعجب أتقنه : حقا ؟! ولكن أحمد أخبرني أنه تركه لك .
هزت كتفاها برفض لتجيب بسرعة وهي تخفض عيناها عنه : لا لم يحدث ، بل تركه هنا على المكتب وانصرف وأنا اتبعته ومن ظلت متواجدة نوران هانم ، أظن أنها من أخذته ، تنفست بسرعة لتهمس متبعة – تستطيع سؤالها عنه .
لوى شفتيه بنزق : لا .. رفعت عيناها إليه سريعا ليتبع وهو يرمقها بحذر – لا استطيع سؤالها عنه فأنا وهي متخاصمان .
ابتسمت بسعادة ولهفتها تنبض بصوتها : حقا ؟! رفع نظره إليها لتهمس بتلعثم ووجهها يحتقن بقوة – لماذا ؟! كف الله الشر .
كتم ضحكة أنارت عيناه ليؤثر الصمت فتتابع وهي تتقدم منه : لذا لا ترتدي خاتمك ، هل فسختما الخطبة ؟!
رفع كفه بدهشة أتقن صدقها ليهمس بضيق افتعله : اهتمي بشؤونك يا حسناء وبعملك .
أومأت سريعا : آسفة فقط أردت الاطمئنان عليك .
تمتم بجدية : أنا بخير لا تقلقي ، ابتسمت برقة وهمت بالخروج من المكتب ليدعوها فتتوقف مرغمة ليهتف بها – اطلبي من كنزي أن تتحدث إليها وتسألها عن الجهاز لعلها أخذته بالفعل .
اتسعت ابتسامتها لتومئ برأسها في طاعة قبل أن تخرج وتغلق الباب من خلفها لتغيم عيناه بغضب سمح له بالسيطرة عليه لتتجمد ملامحه وتقسو عيناه قبل أن يتمتم بخفوت من بين أسنانه : غبية .
***
ليلة العيد ...
يجلس بمنتصف فراشه ، بعدما انتقلوا إلى غرفته ليبدأ في إعداد الجناح ثانية تحت إشرافها هذه المرة – ورغم أنه اطاعها ونفذ لها ما أرادت إلا أنها لا تشعر بالفرحة كما يريد فاعادة تصميم غرفتها يضيقها ويثير حزنها وهي ترى الغرفة التي قضت بها عمرها بأكمله تهدم لتصبح غرفة أخرى حتى إن كانت تخص طفلها !!
ترمقه بطرف عينها منهمك على بعض الأشياء التي تخص عمله ، ينظر إلى ساعة يده من الحين للآخر وهو يتنفس بعمق ثم يتحدث بهدوء في هاتفه حديث سريع غامض لم تفهمه لتعبس بضيق وهي تنتبه إلى زعقته الخافتة رغم خشونتها : بل أنه الموعد الأنسب ، نفذ الليلة.
استدارت برأسها إليه بعدما وضعت الكعكة المحلاة بالسكر " كعك العيد " التي كانت تتناولها بهدوء في الطبق الذي يجاورها لتنهض واقفة تتحرك نحوه تنظر إليه بتساؤل صامت وعيناها تومض بحيرتها وترقبها إلى الغضب الساكن في عينيه والذي صدح بصوته : لماذا تنظرين لي هكذا ؟
انتفضت بخوف لتهمس بتلعثم : لا شيء يا زيد فقط متعجبة غضبك ولا أفهم سببه .
زم شفتيه بضيق وهدر بجدية : حقا لا تعلمين لماذا أنا غاضبا ؟
هزت رأسها نافية ليرمقها بطرف عينه ليهدر بقرف : انظري إلى نفسك يا أسيل لتعلمي لماذا أنا غاضبا ،
أخفضت عيناها لنفسها تنظر إلى قميص نومها القطني الجديد والذي ارتدته في تقليد تتبعه ليلة العيد بعدما حصلت على حمامها لتهمس بعدم فهم : ما بالي ؟!
تمتم بعنف مكبوت : هل هكذا تستقبلين ليلة العيد وأنتِ امرأة متزوجة عليها أن ترضي زوجها؟ ابتسم ساخرا وأتبع – كنت تفعلين أكثر من ذلك حينما كنا في حكم المخطوبين ، بل كنت تتفنين في إثارتي حينها .
اقشعر جسدها لترفع كفها تداعب مؤخرة عنقها بتوتر تملكها لتهمس بخفوت : تعلم أني متعبة من الحمل و..
قاطعها وهو ينتفض واقفا ليصرخ في وجهها : لا تتحججين بالحمل فأنت بخير ، لقد سألت الطبيبة البارحة وفترة الخوف انقضت بالفعل فأنت أتممت الثلاث أشهر الأولى .
ارتجفت وهي تبتعد عنه بنفور شعرته لتهمس باضطراب : ولكني أشعر بالتعب .
قبض على مرفقها ليديرها إليه عنوة ليقبض على فكها بعنف يجبرها أن تنظر إليه : وأنا أريد زوجتي ، ولا تراهني على طولة صبري وحلمي معك يا أسيل .
انهمرت دموعها رغما عنها لتهمس بتلعثم : أنا لا أكذب عليك أنا أشعر بالفعل أني متعبة .
افلتها وهو يدفعها بخشونة فكادت أن تقع لولا أنها وازنت نفسها ليهمهم بقرف : فقط لا تغضبين حينما أذهب لأخرى غيرك فتمنحني ما أريد .
تصلبت ملامحها لتتوقف دموعها عن الانهمار لتهمس بصوت مختنق : أنت لطالما فعلت هذا يا زيد ، حتى حينما كنا متحابان وكنت اتفنن في إثارتك كما تشدقت منذ قليل ، كنت تخونني ، هذا هو طبعك يا زيد والأمر ليس عائدا لي .
اتسعت عيناه بجنون ليهمس بهدير خافت : ماذا تقصدين ؟!
تمتمت بتهور وغضبها يعمي خوفها .. قهرها منه يتزايد فيغلب انصياعها .. وألمها يفتت تعقلها : أقصد أن تفعل ما تريد يا زيد فليس فارقًا معي .
اشتعل الجنون بعينيه فيرتعد جسدها بخوف ارغمتها عليه غريزتها التي حثتها على الهرب من أمامه فاستجابت واستدارت تنوي الهرب نحو الخارج ولكنه كان أسرع منها حينما قبض عليها لف ذراعه حول خصرها ليحملها غير أبها بركلات قدميها ولا بصرخات رفضها التي تصاعدت ليلقيها بقوة على الفراش فتصرخ بقوة تعلن عن رفضها الذي أخرسه بصفعة قوية أفقدتها جزء من وعيها الذي عاد كاملا وهو يشق قميص نومها إلى نصفين هادرا بجانب أذنها في فحيح أثار رعبها وهو ينتهكها من جديد : لا يهم أنت وما يفرق معك لا تهما ، وأنا حينما أريدك سأمتلكك كاملة حتى لو رغما عنك .
***
تستلقي في حوض الاستحمام العريض تستمع برائحة اللافندر ورغوة الصابون التي تغطي كامل جسدها تركن رأسها للخلف وتحاول أن تصفي ذهنها وتنحي أفكارها السلبية كما أخبرتها الاستشارية البارحة ، فالبارحة كانت أخر جلسة لها مع الاستشارية التي أبلغتها أنها أصبحت بخير ولا تحتاج إليها إلا لو طرأ أي أمر جديد عليها ، وخاصة بعدما أخبرتها باستجابتها الجلية إليه .. بذوبانها التام معه .. ورغبتها التي أصبحت متزايدة في قربه، لتهنئها السيدة الأكبر سنا وتهمس إليها بأن عليها أن تخبره بما تشعره نحوه .
أغمضت عيناها وفكرت كيف تفعل .. كيف عليها أن تخبره .. كيف عليها أن تبلغه باشتياقها الجلي له ، لوت شفتيها باحباط تملكها لوهلة قبل أن تنفض رأسها وتحاول الاسترخاء وتفكر بأنه مر الكثير من الوقت ولكنه لم يتبعها كعادته وأنها ليست المرة الأولى التي لا يتبعها فيها بل منذ أن عاد من سفرته وهو يمنع عنها جلسات الاستحمام الذي كان يحرص على تواجده معها فيها منذ زيارتهما الأولى للاستشارية التي أخبرتهما بضرورتها لحالتها ليسارع هو بالتنفيذ في ثاني يوم زيارتهما لينتظرها أن تدلف إلى الداخل تتبع تعليمات الطبيبة التي أخبرتها بضرورة استرخائها وحينما انسجمت بالفعل وتراخت عضلاتها بسبب الحمام الساخن الذي بدأت في الاستمتاع به والذي لم يستمر حينما شعرت بباب دورة المياه يفتح فتشهق بخفة وتعتدل بسرعة حينما طل عليها من الخارج !!
حينها شهقت بقوة وهي تحاول أن تتحرك بسرعة فتخفي جسدها عنه لتتكوم على نفسها أخيرا فتلصق ركبتيها بصدرها وتحيطهما بذراعيها تتمسك بهما قويا وهي تتأكد من كون جسدها مغطى برغوة كثيفة من الصابون فلا تظهر مفاتنها .. تختلج أنفاسها وهي ترفع وجهها المحتقن خجلا إليه بنظرة متسائلة لتهمس أخيرا بصوت محشرج حينما وقف قريبا من المسبح يطل عليها من علو : أسعد ماذا تفعل ؟! إذ لم تدرك أنا استحم هنا !!
عبس بتفكير وهو يدير نظراته عليها بجدية ملامحه ثابتة لا أثر للمزاح .. الشقاوة .. أو المشاغبة فيها لينطق أخيرا بهدوء : أليست هذه جلسة الاسترخاء التي أوصت بها الطبيبة ؟
أومأت برأسها إيجابا ليهز رأسه بتفهم قبل أن يهمس : حسنا .
شهقة أخرى عالية حينما بدأ في خلع ملابسه لتنظر أمامها تجبر نفسها على النظر بعيدا عنه لتهمس إليه بارتياع : أسعد أرجوك ماذا تفعل ؟!
أجاب ببساطة وهو يدلف بقدميه إلى داخل حوض الاستحمام : اشاركك كما أوصت الطبيبة ، أتبع بعدما جلس خلفها فلف ساعده القوي حول خصرها ليجبرها ان تستلقي فوق صدره وبين ساقيه - أولم تفعل البارحة ؟! أم خانتني ذاكرتي ؟!
ارتجفت بخجل بين ذراعيه لتهمهم باسمه في صوت أبح مكتوم ببكاء قادم ليهمس إليها وهو يقبل طرف أذنها : هشش ، اهدأي الاستشارية أوصت بأن تتخلصي من الخجل وعدم الارتياح معي .
ارتعد جسدها ثانية حينما بدأ في تحريك المياه من حولها بكفيه فتهمس : لا أستطيع .
قبلة أخرى حطت على طرف رقبتها : فقط اهدأي .
تمتمت بخفر : أسعد .
تنهد بقوة وهو يضمها إلى صدره بلطف : إلى الآن أنا التزم بتعليمات الاستشارية التي أوصت بوقت لطيف نتشاركه دون التوغل في المناطق الخطرة ، أتبع بشقاوة تعمدها - أسعد أخرى وسأضرب بتعليمات السيدة عرض الحائط وأدلف إلى المناطق الخطرة بكل أريحية فلطالما تعاملت مع الخطر وهو حي .
ضحكت رغما عنها ليبتسم بحنان وهو يحرك كفيه على طول ذراعيها يمررهما بخفة ولطف بتكرار بطيء ليهمس بجانب أذنها : ثم أنا فكرت بأن نسبح سويا هنا لأننا لم نستطع السفر إلى الخارج .
تمتمت باستنكار وجسدها يتشنج من جديد : وهل السباحة هذه الأيام تكون دون ملابس ؟!
قبلة ثقيلة وشم بها التقاء كتفها بعنقها : بين الأزواج نعم .
استدارت بوجهها نصف استداره تنظر إليه من طرف عينها لتبتسم مرغمة وهو يقابلها بنظراته الوامضة بشقاوة جديدة عليه لتضحك بخفة وتتحرك بعشوائية حينما دغدغها بأطراف أصابعه في جنبها لتصرخ وهي تتحكم في كفيه الذين لامساها بطريقه مقصودة : أسعد .
نظر إليها ببراءة : ماذا فعلت ؟! ابتسم بمكر وهو يتابع - أنا ادغدغك فقط جربت أن أكتشف أمر غيرتك على الطبيعة .
تمسكت بكفيه قويا وهي تعاود الاستلقاء بصدره حينما سحبها ثانية لتهمس بخجل : لا تتسرع الأمور .
همس بخفوت جانب أذنها وهو يحتضن كفيها براحتيه : الملامسة كانت من ضمن توصيات الطبيبة وأشياء أخرى أيضا ، حرك رأسه قليلا لينظر إليها هامسا بتوعد - أستطيع أن أعيدها على مسامعك لو أردت .
شهقت بقوة لتنقلب فتواجهه بوجهها تضع كفيها فوق فمه لتغلقه بعد أن تركت كفيه ليضحك بصوت مكتوم وعيناه تومض بمكر لم تستوعبه إلى أن احتضنها بكفيه ليقربها منه كثيرا هامسا بخفوت متوعدا : أنت من أتيت لي لست أنا من سعيت إليك .
شهقة عاليه ندت عنها ابتلع بقيتها بشفتيه اللتين التهمتا ثغرها وهو يدفعها أن تجلس فوق ساقيه يضمها بقوة إلى صدره وهو يغمرها بقبلات كثيرة غيبت وعيها.
انتفض جسدها تحت وطأة الذكرى التي أعيدت في عقلها حية .. قوية .. صاخبة فاحتقن وجهها بقوة واختنق جسدها شوقا إليه ، رمشت كثيرا وعقها يعيد عليها الكثير والكثير من المرات الماضية التي غمرها بها دون أن يقربها فعليا ، فهو يحتويها .. يضمها .. يلامسها .. يداعبها فيدعها منتشيه .. راضية .. هانئة ، دون ألم أو خوف ، ودون أن يكبح جماح نفسه معها فيفعل كل شيء إلا هذا الأمر الذي يؤلمها ، فيصدع جدار خوفها بعشقه المتدفق دوما .
غمرت جسدها في مياه حوض الاستحمام المستلقية بداخله مرة أخيرة قبل أن تقرر الخروج منه فهي سئمت انتظارها له ، لقد تأخر اليوم – أيضا - في الدخول لها ، فهو دوما يتبعها بعد دخولها بعشر دقائق يتركها تنهي بهم استحمامها وكأنه يعد الوقت للانضمام لها
ارتدت مئزر الاستحمام لتتحرك نحو غرفة الملابس وتتوقف أمام صوان ملابسها لتنتقي شيء خاص دون سبب إلا أنها تريد أن تمتعه بوجودها ، حتى وإن لم يقربها إلا بنفس طريقته التي اعتادت عليها الأيام الماضية ولكنها تريد أن تشعر بتأثير اختلافها جليا على روحه ، تنهدت بقوة وهي تتزين بتعمد بعدما ارتدت قميص نوم بلون أحمر قاني قصير وعار فتحثه ولو بطريقة غير مباشرة على وصالها .
سحبت نفسا عميقا ودلفت إلى الغرفة لتجده مستلقيا على فراشهما ومن الواضح أنه ينتظرها يرتدي سروال منامته فقط ويظهر صدره العار بعضلاته النافرة والتي تثيرها حتى لو أنكرت ، توردت وهي تشعر برغبة قوية في ملامسة جسده العار فتهمس متسائلة بصوت محشرج صدح بعتابها وهي تقترب منه : لم تنضم إلي اليوم ؟!
ابتسم بمكر ليهمهم وهو يفتح ذراعيه لها في إشارة لأن تسكن حضنه كالعادة : رأيت أن أترك لك فرصة كاملة تعتني فيها بنفسك لأجلي ، ابتسمت بخجل ليجذبها ويجلسها بحضنه يقبل أذنها ويهمس بخفوت - هل فعلت ؟!
لامست جانب فكه بسبابتها : ماذا ترى ؟
سحب نفسا عميقا فتتشبع رئتيه برائحتها الخلابة وكفيه تعيد اكتشاف جسدها من جديد : أرى أنك اليوم راغبة .
تأوهت باسمه قبل أن تغمغم بصوت أبح وبعفوية صادقة أطارت تعلقه : اشتاق وصالك .
انقلب بها لتصبح أسفله وهو يقبل شفتيها برقة ، يتذوق رحيقها بلطف ويهمس : وأنا أموت شوقا يا جنتي .
ضمها إلى صدره دون أن ينبس بحرف يدير أنامله على ملامح وجهها وكأنه يرسمها من جديد يتحسس شفتيها .. وجنتيها ليقترب مقبلا عينيها ، رجفت بين ذراعيه ليهمس وهو يضمها إليه بقوة : أخيرا أنت هنا معي وبين ذراعي ، راغبة في وصالي الذي أموت شوقا له .
سحب أنفاسها من بين شفتيها فيمتلئ صدره بعبيرها ليغمغم وهو يلتصق بها : لا أستطيع التصديق .
همهمت باسمه في خجل طغى على حواسها ليبدأ باكتشافها بطريقته الخاصة ويغيبها معه في عالم ضمهما سويا ، لم تعد تشعر بشيء إلا أنفاسه التي تلامس كل خليه في جسدها وانامله التي تطبع بصماته عليها ، قبلاته الشغوف التي أضاعت تعقلها وحملتها في هودج حصين احتواها به داخل جسده الذي غيم عليها كلها ارتجفت ودفعته في كتفيه برقة واعتراض واهي انفلت من بين شفتيها فقبض على كفيها ليبعدهما للخلف بكفيه في لطف قبل أن يهمس بأذنها في زفير حارق : لا تجفلي .
انتفضت وهي تصدر تأوه خافت ليحتوي رعدتها بضمة متفهمة قبل أن يضغط كتفيها بذراعيه اللذين ضمتاها إليه فترتعد وتتأوه مرة أخرى ، ليغمغم بثقل : فقط مرة أخرى ، ليتبع أمرا – انظري إلى .
فتحت عيناها لتكتم شهقتها وهي ترى نيرانه تندلع في حدقتيه المعتمين فتضاء بنور أخاذ تأوهت تلك المرة بصوت أعلى فضمها إلى صدره بحنو :أهدأي .
انسابت دمعة وحيدة من عينها فالتقطها بشفتيه ثم قبل شفتيها وهو يدفعها إلى الحركة معه يتحكم في جسدها بذراعيه الملتفين حول كتفيها فيهدهد جسدها هامسا بين كل حركة وأخرى: أحبك
***
توقف بجانب سيارة الترحيلات يراقب عملية النقل الحتمية التي أجبروا عليها لنقله في مكان آمن بعيد عن مبنى الأمن في العاصمة ليهتم بادق التفاصيل بنفسه ليتوقف وهو يلتقط قدوم حسن ذو الوجه العابس فيتحرك نحوه بخطوات سريعة هامسا بعتاب : ما الذي أتى بك يا حسن ؟! ألن تكف عن عنادك ؟!
زفر حسن بقوة ليهدر بخشونة : لم استطع ألا آتي يا علاء .
تمتم علاء بضجر : أنت لا تنصاع للأوامر ثانية يا علاء وأمير باشا اكتفى بوقفك المرة الماضية ولم يحولك للتحقيق ولكن بتمردك هذا سيفعلها دون أن يرف بجفنيه ، فيكفي أن بسببك هذا الحقير ينقل لمكان أخر .
زمجر حسن بضيق ليهتف بنزق : لا تنكر أنه استجاب للتحقيق بعدما فعلت به ما فعلت .
• هدر علاء بغضب : نعم فعل ولكن هاك هو يطير من بين أيدينا ليمسك القضية فريق أخر من الجهاز فنحن وصفنا بعدم ضبط النفس يا حسن بك .
تمتم حسن بضيق : حسنا يا علاء أعدك أني لن تتدخل ولكني سأراقب الأمر من بعيد ، فأنا قلبي غير مطمئن لنقله هذا .
هز علاء رأسه بيأس ليبتعد عنه بخطوات سريعة وهو يهمهم بكلمات لم يستمع إليها الذي عاد إلى سيارته يراقب الأمر من داخلها في ترقب يتملكه وحدسه يخبره بأن هناك ما سيحدث الليلة.
يدق على مقود السيارة برتابة وهو يراقب بعينيه الصقرتين دخول الآخر عربة الترحيلات الحديثة ليراقب الحراسة المكثفة التي تسير من حولها بعدما استقر علاء والضباط الآخرون في السيارات ليتحرك الموكب فيتبعهم بدوره ولكنه يتاخر عنهم بمسافة كافية تمنحه مراقبة أكثر من جيدة للوضع ككل وخاصة بعدما أطلق إحدى الطائرات الالكترونية التي تحمل كاميرا لنقل ما يحدث باجسفلها ، طائرة موصوله بتكنولوجيا سيارته فيراقب الأمر من كل الاتجاهات .
زفر بقوة بعدما قطعوا ثلثي المسافة بين مبنى الأمن ومبنى السجن الحربي الذي سيحبس فيه موسى بناء على التعليمات الجديدة ليهمهم بجدية : فات الكثير لم يتبق سوى القليل .
لينقلب كل شيء فجأة حينما اقتحمتا شاحنتان ضخمتان الطريق فيقطعا طريق الموكب ويفصلا سيارة الترحيلات عن بقية السيارات تحت إطلاق مكثف للاعيرة النارية انهمرت فوق رؤوس الجميع ، هدأ من سرعة سيارته ليبدأ في تبادل اطلاق النار مع بقية فرقته التي اصطفت سريعا لتلقي الهجوم الكاسح عليهم ليصرخ حينما انضم إلى البقية آمرًا : سيارة الترحيلات لا تغفلوا عنها .
اصطف الكثيرون ليحموا السيارة التي تتعرض لإطلاق نار مكثف لتفكيك أمانها الإلكتروني والذي بالفعل حدث حينما ومضت السيارة فجأة لتنطفئ نهائيا فينفتح الباب تلقائيا ليصرخ حسن بقهر : لا تدعوه يهرب .
تحرك البعض منهم لتبزغ شاحنة ثالثة أمامهم الكترونية كما توقع مزودة بمدفع رشاش سريع الطلقات لا يتوقف عن إطلاق النيران التي قصفتهم من كل جانب ليصرخ أحدهم مرددا الرسالة التي اطلقوها في أول الهجوم بإرسال مدد إليهم ليتحرك هو وعلاء غير ابهين بالاعيرة النارية التي تنثر من حولهم فيصوب علاء إلى المدفع الذي لا يتوقف يحاول إصابته ، بينما يهرع هو إلى الحقير الذي بزغ من السيارة كملك متوج يبتسم ساخرا وينظر إليه شامتا فيصوب نحوه ويطلق النار أكثر من مرة فلم يصبه إلا الأخيرة منهم التي استقرت بظهره من الخلف والتي اصابته حينما استدار ليدلف إلى السيارة التي انطلقت به هاربا هم باللحاق به لينتبه على صيحة أحدهم باسم علاء فيلتفت بأعين متسعة في صدمة وهو ينظر إلى علاء الواقع مصابا ومسجى بدماءه فيصوب بمهارة نحو المدفع الذي توقف أخيرا عن إطلاق الرصاص ليسرع الى صديقه الذي تمسك به هاتفا في لوعة : علا انهض إياك أن تفعلها .
ابتسم علاء وعيناه تغرب مهمهما : البنات يا حسن ، وصيتك البنات .
زأر حسن بقوة مزمجرا بقهر .. غضب .. احباط تملك منه فيسقط واقعا مع جسد صديقه الذي ارتخى بين ذراعيه .
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...