بعد مضي ثلاثة أشهر
تحرك من جوارها بهدوء يخطو بحذر نحو غرفة أطفاله الواسعة والمجهزة للثلاث بتصميم رائع يقسم الغرفة إلى ثلاث أجزاء جزئين اليمين واليسار بلونهما الأزرق الفاتح والجزء الأوسط باللون الوردي المبهج وكأن الغرفة وتصميمها يعلن عن تميزها وتتوجها ملكة على قلوب الجميع ، تنفس بعمق وهو يقترب من فراشها بستائره الوردية وقلبه يتضخم بعشقه لها لا يصدق للآن أنه مر ثلاثة أشهر كامله على وصولهم .. وجودهم .. ودفئها الذي ملئ قلبه وحياته ، بل إن ذاك الخبر الذي أثلج صدره حينما وصله عن قضاء الحقير حتفه ضاعف من فرحته بهم ليعود إلى منزل جده ويعده لاستقبالهم هم وأميرته في تلك الفترة التي قضتها أميرة عند تامي بالفيلا القريبة من منزل عائلته مفضلين أن يمنحوا عاصم ونوران وقتهما بالقصر كما كان مقررًا .
تلفت من حوله يتأكد من نوم أميره ليعض شفته بخفة وهو يرفع الستارة الوردية ليهمهم بخفوت شديد حينما وجدها مستيقظة : حبيبة بابا ونبض قلبه المتجسد متى استيقظت ؟ أنا غاضب منك لأنك لم توقظيني معك وأنا من ظننتك نائمة ؟
ابتسامة طفلته أبهرته فتلمع عيناه بخفة وهو يمد كفيه ليحملها بلطف هامسا بعدما قبل وجنتها .. رقبتها .. وجبينها : ألم نتفق أن توقظيني حينما تستيقظين لأقضي معك الوقت قبل أن يستيقظا زوج المشاغبين .
ابتسامة ابنته تتسع وتبدأ في المناغاة بأصوات طفولية غير مفهومة ليشير إليها بصوت خفيض : اش .. اش أخفضى صوتك حتى لا يستيقظا وهيا بنا نبدل ملابسنا ونأكل ونلعب سويًا.
استدار ليغادر فيتوقف على أميرة الواقفة بباب الغرفة تهمس بلطف : أتت من أخذت مكاني يا أحمد بك .
ضحك بخفة ليجيبها وهو يقترب منها يقبل جبينها : أبدا ، ولكني لم أشأ أن اوقظك مبكرا فأنا أعلم معاناتك معهما طوال اليوم .
تنهدت بقوة وسألته بعتاب : وهل نظرت إلى الولدين لعلهما يكونا استيقظا ؟
احتقن وجهه حرجا ليهمهم بسرعة : نائمان فتارا دوما تستيقظ أبكر منهما ، رمقته بطرف عينها لائمة ليتبع وهو يغادر بعدما قبل وجنتها - استريحي قليلا إلى أن يستيقظا وأنا سأهتم بها
هزت رأسها بيأس لتخطو إلى داخل الغرفة تطمئن على ولديها النائمين بالفعل قبل أن تعود إلى فراشها فتبتسم مرغمه وهي تستمع إلى دندنته الرائقة لابنته ودلاله المتزايد لها فتكتم ضحكتها وهي تتذكر مشاكسات عاصم له وشجاره الدائم مع أدهم حتى لا يحملها والضيق الذي يتلبسه حينما يزورهم أبوها أو حماها فالاثنان يهتمان بالفتاة ويدللانها عن الولدين اللذين يغرقا في دلال الجدات لهما وكيف لا والاثنان آتيا خليطًا بين أحمد ووالدها فورثا بشرة أحمد الحنطية وعيناه العسلية لتتشكل ملامحهما تدريجيا ويصبحان أكثر شبهًا به ولكن مع علامة وائل الجمال المميزة كما يقول خالد دوما ألا وهي أنفه الشامخة وخصلات شعره السوداء الفاحمة الحريرية كخصلات أخيها المميزة
تنهدت بقوة وهي تعود بجسدها للخلف وتبتسم برقة وهي تحمد الله على نعمته التي أنعمها عليها بعدما كادت أن تيأس وهي في تلك الغرفة الباردة وعلى فراش المشفى القاسي متعبة .. منهكة .. ومتألمة من مخاضها الذي استمر ساعات طويلة أتوا أخيرا لتنسى كل تعبها ويتبخر المها في الهواء ويستقر قلبها برؤيتهم وهم يوضعون بحضنها ، ابتسمت برضا وحمدت الله والنعاس يداعب أجفانها فتستجيب رغمًا عنها ليتعالى صراخ قوي جهوري ايقظ عقلها على الفور فتغمض عينيها وهي تدرك بان من يصيح هذا وكان العالم ملك يمينه هو فارس طفلها الذي يتميز ببنية أكبر من تؤامه وابنتها ذو الصوت الأعلى والنزق المستمر والبكاء العالي.
فسليمان حينما يبكي لا يصرخ بقوة هكذا بل هو أقل أطفالها بكاء .. هو الاهدئ .. والأصغر فبنيته صغيرة نسبيا عن أخوته .. والأرق في كل شيء ليس متطلبا كفارس ولا مدللا كتارا .
انتهبت على صوت أحمد الضجر : ها قد استيقظ ولدك القبضاي كما يلقبه تيم ، لا أفهم هل يبكي لأجل ان يعلن عن استيقاظه أم يتشاجر معنا فجرا .
ضحكت رغمًا عنها لتهتف به وهي تنظر له يحمل ابنته : ليس ولدي بمفردي ، كما دللت ابنتك وبدلت لها ملابسها ومنحتها رضعتها ، اهتم بولدك مثلها .
عبس بضيق وهو يتحرك نحوها ليناولها تارا التي رفرفت بذراعيها وناغت والدتها بحبور : سأفعل ولكن إذا استغثت بك أنقذيني .
ضحكت برقة وهتفت به : لا تقلق ستجدني في ظهرك ولكن اهتم به سريعًا قبل أن يوقظ سولي
تمتم وهو يتجه بالفعل لغرفة الأطفال : سولي هذا ونعم الولد لا يبكي ولا يصرخ ولا يتدلل بل هو مسكين في نفسه هكذا ، سيكبر ويكون رزين كعبد الرحمن فهو يذكرني به في طفولته .
تمتمت بخفوت وهي تلاعب ابنتها بملامحها : بل أنا أشعر بأنه يشبه أونكل خالد وخاصة بتلك الابتسامة الماكرة ونظراته الغامضة .
قهقه ضاحكا ليهتف بمرح : سأخبر دادي أنك وصفتيه بكونه ماكر وغامض أيضاً .
هتفت سريعا : كنت أتحدث عن سيلمان ليس عن أونكل خالد ، طل عليها ثانية وهو يحمل ولده بيده يربت على ظهره كي يكف عن البكاء : يا أميرة .
ضحكت برقة ليعبس باختناق داهمه قبل أن يهتف بها : انهضي واهتمي بولدك هذا فأنا لا أقوى على تحمل رائحته وامنحيني ابنتي الرائعة .
عبست بضيق وهتفت : يا سلام ابنتك رائعة وولدي رائحته مقرفة ؟!! أومأ برأسه لتهتف به - هي الأخرى تكون رائحتها مقرفة .
عبس باستنكار وهو يحمل ابنته وابتسامته تتسع : بل رائحتها مسكية .. حبيبة أبوها.
داعب رقبة ابنته بطرف أنفه في سعادة وابتسامات تارا ومناغاتها ترتفع ليصدح صوت أميرة من الداخل حينما بدأ بكاء سليمان يصدح من حولها : أحمد اترك تارا في مقعدها واذهب لسولي فهو يبكي .
زم شفتيه وهو يشاكس تارا بملامحه : أخواك هذان مفسدان للبهجة يا حبيبتي ، أجلسها بمقعدها المرتفع ليدير إليها لعبتها المفضلة والمدلاة فوقها ليتبع هامسا - انتظريني و سآتي لك ثانية قبل أن أذهب للعمل يا قلب بابا.
صدح صوت أميرة ثانية : أحمد .
ليهتف بضجر : يا الله ، هاك أنا ذاهب .
***
تخطو بخطوات سريعة وهي تنظر كل ثانيتين نحو ساعة معصمها العادية .. تزدرد لعابها أن تتأخر عن موعد دوامها .. وتلهث بعنف وهي تتذكر مديرها العجوز والذي يتفنن في مضايقتها، رغم قلبه الطيب وملامحه الحانية وتقديره الأبوي للجميع إلا أنه غير متساهلًا ولا يغفر عدم الانضباط ولا التباطىء بالعمل ، وهي تمتلك سيرة حسنة محمودة بين زملائها ومنذ عملها في قسم الأرشيف المركزي للمؤسسة وتدرجها الوظيفي الذي ارتقته سريعًا لحسن تصرفها وذكاءها المشهود لها إلا أن مديرها المباشر لا يمنح لكل هذا تقديرا اية استثناءات إذا أخطأت أو تأخرت كاليوم .
دلفت المصعد بسرعة قبل أن يغلق على من فيه لتقف ملتصقة بالباب الأمامي وهي تتأكد من وضع قميصها الأبيض الرسمي وتنورتها الواسعة الطويلة بألوانها الصيفية الزاهية لتعدل من خصلاتها السوداء الفاحمة الطويلة التي تبعثرت من ركضها ثم تحمل حقيبتها الجلدية بوضع معتدل بلونها البني والتي تماثل حذاءها البناتي الأرضي الذي لا يمنحها طولا فوق طول جسدها الأهيف.
تنفست بعمق وهي تهدأ من خوفها وتنظر بترقب منتظرة رقم الطابق الذي تعمل به وهي تتماسك بثبات لتزفر بقوة وهي تندفع للخارج من جديد حينما وقف المصعد بالطابق المخصص لقسمها فتسرع بخطواتها دون ركض هذه المرة لتتوقف بصدمة تملكتها وهي تستمع إلى هذا الصوت الذي لا يمكن أن تغفله واقف بمنتصف الغرفة الكبيرة التي تضمها هي وزملائها في سابقة لم تحدث من قبل ويقف بجواره مديرها متعرق من خوفه وخاصة مع ملامح الآخر الغاضبة وضيقه الواضح في جسده المشدود .
اتسعت عيناها وهي تركض فوق تفاصيله التي تبدلت ..يرتجف فمها بابتسامة رُسِمت بحنين تدفق إلى أوردتها فاغتال تماسكها وعيناها تدمع وروحها ترجف وهي تشعر بالشوق يغمر حواسها فكادت أن تخطو نحوه .. تقترب منه .. وتنظر إلى ملامحه التي ازدادت نضجًا .. وسامة .. و رجولة عن قرب لينتفض قلبها وجلا وتنتفض روحها فزعا وهي تتذكر تحذيره لها فتتراجع خطواتها بتلقائية وتعود بجسدها للخلف وقلبها الذي كان يقفز طربًا لرؤيته توقف عن الخفق وهي تعي مقدار الخسارة التي ستمنى بها عائلتها إذا قابلته .. خسارتها لعملها .. لمصدر رزقها .. وكيانها الذي أصبح أهم عندها من قلبها فتعود من حيث أتت وخاصة حينما تحرك هو ومديرها بعده يثرثران بحديث كثير لم تقوى على فهم ماهيته لتختفي بالحائط القريب تمنعه عن رؤيتها ولكنها ظلت تراقبه بعينيها المتعلقتين به إلى أن اختفى من أمامها كحلم مر سريعًا في غفوة ألمت بعقلها والذي استيقظ حالًا على زعقة مديرها الذي كان يصيح بها سائلًا عن سبب وقوفها هكذا قبل أن يتبع أمرًا أن تتبعه حتى ينجزا العمل الذي طلبه المدير التسويقي الجديد للفرع المالي لمؤسسة الجمال.
***
عبس بضيق وهو ينظر إلى فنجان الشاي الموضوع أمامه بجانب الفطور الصحي المعد فوق الطاولة ليسأل بجدية وهو يشعر بها تتحرك من خلفه تضع بقية الاطباق على الطاولة : ما هذا يا لمياء ؟!
ابتسمت ورتبت على كتفه بود : شاي الكاموميل ، فأنت رفضت أن أعد إليك الشاي باللبن .
مط شفتيه بضيق ليهتف بهدوء : نعم رفضته وطلبت منك إعداد القهوة .
ابتسمت برقة ورمقته بنظرتها العملية الحازمة : تعلم أن القهوة ممنوعة يا أحمد ، بناء على أوامر الطبيب وليست أوامرى ، وعليه تناول فطورك واحتسي الشاي حتى تتناول ادويتك قبل أن تغادر ، أم لن تذهب للمشفى اليوم ؟
ازداد عبوسه فذكرها بولده حينما يغضب بشكل طفولي متمردا رافضا الطاعة فيأتي قوله مؤكدا حدسها حينما زمجر بعصبية : أوامر الطبيب وأنا ماذا أعمل ميكانيكي سيارات ؟!! أنا الآخر طبيب وأخبرتك أني أريد القهوة .
رمقته مليا لتهمس : بل أنت أفضل الأطباء كلهم ولكنك جراح مخ وأعصاب يا أحمد لا تفقه في أمور القلب أم أنك جراح مخ وقلب معًا .
ابتسامة مشاكسة زينت ملامحه وهو يجيبها : جراح مخ وقلب وجراح عام إذا أردت يا مس لوما .
ضحكت بخفة و وجنتاها تتوردان وقلبها يلهث شكرا لله أن الأزمة الصحية التي مر بها انتهت سالمة فهي لا تقوى على تصديق أنه عاد إليها ثانية بعدما كادت أن تفقده فحينما فقد وعيه في حضنها تلك الليلة صرخت إلى أن أيقظت مازن وأتت بطاقم الأطباء الذي هرع لنجدته وهم يهمهمون أن قلبه توقف ، وكأن ذكرى وفاة زوجته كانت أشد وطأة عليه من الحدث نفسه .. وكأن قلبه الذي ذهب معها المرة الماضية ابى أن يخفق ثانية بعدما تذكر فقدانها .. وكأن قلبه الذي انفطر على ولده حزنًا واختض لومًا وتباطء ألما قرر أن يتوقف معلنا انتهاء رحلته .
حينها فزعت وعقلها لا يدرك ماذا يحدث .. روحها تتألم وقلبها يخفق بجنون رافضا رحيله .. دموعها تنهمر وبكاءها يزداد وجسدها يختض حتى كادت أن تقع أرضًا ولكنه لم يتركها تفعل " ولدها " عوض الله لها رغم مرضه .. وهن جسده .. وروحه المهتاجة ألمًا حماها بكفيه اللذين قبضتا على ذراعيها ليجذبها إلى صدره وهو يهمس بأنفاس متلاحقة : اهدأي سيكون بخير ، سيعود لأجلي ، لن يحدث له شيئا.
رفت بعينيها كثيرا وهي تتذكر وقوفهما سويا من خلف الزجاج الذي التصقت به وكأنها تريد الدخول للبقاء بجواره وجسد مازن الواقف خلفها كداعم لوهنها يضمها باحتياج شعرته وهما يراقبان جسد أحمد الذي يهتز تحت صعقات كهربائية يتخذها الطبيب لإنقاذه ولإجبار قلبه على معاودة الخفقان.
صدمة .. اثنان .. ثلاثة ، جسده ينتفض أمامهما والطبيب يعاود تدليك قلبه ، دموعها تشوش رويتها وتشعر بخافق من يقف خلفها يتباطأ قلقا على أبيه ، أنفاسه مكتومة فلم تعد تشعر بها وكفاه يتراخيان وكأنه سيفقد الحياة إذا فقدها أبوه ليزفران بقوة حينما صدح الجهاز القلبي بصوت أعلن عن نبضات خافتة عادت لجسد أحمد الملقى أمامهم على الطاولة نبض خافت ولكنه موجود .. نبض عاد وجسد بُعِثت فيه الحياة من جديد وكأنها معجزة إلهية ليس لها تفسير كما أخبرها الطبيب فإلى الآن لا أحد يدرك لماذا توقف قلبه عن الخفقان ولا لماذا عاد ولكن ما يهم في الأخير أنه عاد ولكن كلاهما لم يعود ، فهي أصبحت متوترة دوما .. خائفة وقلقه عليه بطريقة نزقة .
ومازن ..مازن أيضا عاد كما لم يكن قبلًا فالولد المنطوي .. المهذب ..المرح أصبح اخر غير الذي كان موجود.
وعلى ذكره انتبهت إلى صوته الذي صدح من خلفها هازئا : هل أعاود أدراجي واترككما على راحتكما ، أم أستطيع تناول الفطور معكما ؟!
ابتسمت برقة ليهتف أحمد بجدية : بل تعالى فأنا أريد الحديث معك .
كحت بخفة وهمت بالنهوض ليتمسك أحمد ببقائها ويشير إليها بعينيه فتهمس بخفوت : حتى تتحدثا على راحتكما .
اسبل أحمد جفنيه رافضا ليضغط على رسغها ثانية فيجبرها على الجلوس ومازن يتطلع إليهما بنظرات مبهمة عاكسة لا تشي بم يعتمل بداخله ، ابتسم أحمد وهو ينظر الى ولده الذي رمقه باستفهام فيسأله بهدوء : هل حقا تطوعت للعمل في أشهر الصيف في تلك المنظمة التي تحمي الحيوانات من الانقراض ؟
اهتزت حدقتي لمياء بعدم فهم ليبتسم مازن ساخرا : هل هناك ما يعيب في العمل التطوعي يا بابا ؟
رد أحمد ببطء : لا بالطبع لا ولكن أنت تدرك أن هذا العمل سيلتهم اجازة الصيف كلها فتلك المنظمة تسافر خارجا لمناطق غير آمنة ويقضون أيامهم في الغابات .
هتف مازن بمرح مفتعل : نعم أنه تخييم من نوع أخر .
رمقه أحمد مليا لتنطق هي بصوت مبعثر : مهلا هل ما أفهمه صحيحا ؟ أتبعت و هي تنظر لمازن الذي أخفض بصره متحاشيًا نظراتها - أنت تريد السفر والابتعاد ، تريد أن تذهب لأماكن مجهولة لإنقاذ الحيوانات والاعتناء بهم ؟
أومأ برأسه إيجاباً وهو لا يضع عيناه بعينيها فأكملت بسؤال متلهف مبعثر : لماذا ؟
ابتسم مازن ساخرا لينهض يدير جهاز القهوة السريعة التي ترفض هي تحضيرها ليقف بجواره قبل أن يجيب : نعم أريد وسأفعل ولماذا لأني أحتاج أن أعرف أكثر ، فرصة السفر مع هذه المنظمة لا تتكرر كثيرا من الجيد أنهم قبلوا بي فهم لا يقبلون بأي شخص ، فقط تبقت المقابلة الشخصية ولكن موعدها اليوم سأذهب إليها قبيل الاحتفال بعمار وإذا قبلوا بي سأسافر في خلال أسبوعين .
اعتلت الصدمة ملامحها لتهدر بعدم فهم : تسافر إلى أين ؟!
مط شفتيه وهو يلتقط قدح كبير خاص به بدأ يستعمله مؤخرا ليصب القهوة فيه على مهل يتناولها دون سكر ثم يجيبها : أعتقد المحطة الأولى جنوب أفريقيا ومنها سننطلق إلى عمق الغابات ، ليست معي تفاصيل إلى الآن .
اتسعت عيناها بصدمة ليهتف أحمد : هكذا قررت السفر والذهاب وكل شيء دون أن تخبرنا .
ارتفع رأس مازن بشموخ صدح بنبراته : ولماذا أخبركم هل أنا صغير لأفعل ؟
هدر أحمد بحزم : أنت لم تتم السن القانوني يا مازن تعلم ..
قاطع أبيه بجدية : أنك تستطيع منعي ، حسنا إذا أردت فافعل يا بابا لن أستطيع أن أمنعك وخاصة إذا كنت ترى أني صغير لتلك الدرجة .
سحب أحمد نفسًا عميقًا ليهتف به : لا ، لا أرى أنك صغير ولا أريد أن أمنعك ولكن أريد سببا منطقيا لما تفعله وتريد أن تفعله.
رفع عيناه لينظر لأبيه مليا قبل أن ينطق بجدية : أريد أن أغادر يا بابا ، أريد أن أرى عالما آخرا وناس آخرون وأتعرف على الكثير لن أراه وأنا بجانبك ، لن أراه وأنا في حضن لميا التي تعتني بي كثيرا وكأني طفل صغير ، أريد أن أرى الأشياء من منظوري الخاص دون نصائح أدهم أو دعم علي ، أريد أن ابتعد وأبحث عن نفسي بعيدا عن أي عوامل تخص العائلة وما يخصها ، أريد أن أكون مازن فقط ليس مازن ابن أحمد الجمال اللطيم الذي يشفق عليه الجميع
شحب وجه أحمد تدريجيا ليصدح صوتها وهي تجد نفسها تنطق دون وعي : وأنا ؟! أنا لم تفكر بي ؟!! لم تفكر بما سيحدث لي وأنت لست هنا ؟! كيف سأنام وأنا قلقة وقلبي مفطور عليك ، لا أعلم إذ كنت جائع .. عطشان .. مريض .. أم من حولك خطر لا تستطيع صده ؟! أنا محتني من حساباتك يا مازن ؟!!
أخفض بصره ليتنهد بقوة هاتفًا بعد وهلة دون أن يرفع نظره لها : لا تقلقي يا لوما ، سأكون بخير ، فأنا لم أعد طفلا صغيرا ، أصبحت رجلا كبيرا أستطيع الاعتماد على نفسي ومواجهة الصعاب أيضاً ، فقط أنت لا تقلقي .
اهتزت حدقتيها بعدم تصديق ووجهها يشحب بخوف دموعها تجمعت بعينيها فيخفض رأسه متحاشيا النظر نحوها قبل أن يكمل بجدية وصلابة آلمت قلبها : حسنا بعد إذنكما لدي موعد علي اللحاق به .
ألقاها بسرعة وغادر المطبخ يخلفهما من وراءه دون أن ينظر نحوهما لتستدير نحو أحمد تنظر إليه باستفهام هامسة دون تصديق : سيتركنا حقا ؟!
ابتسم أحمد دون رد ليجيبها بعد وهلة بصوت مختنق : يريد الوصول لبر آمن يا لمياء ومن رأيي أن نتركه فرفضنا سيزيد من عناده وتصميمه .
تمتمت وهي تضع كفها فوق قلبها : أعلم ولكن لا أستطيع لا أستطيع التقبل بما يريده ، اختنق حلقها وأكملت بحزن ألم بها - ولا أستطيع أيضا أن امنعه ، فبالأخير أنا ..
صمتت وصوتها يختنق لتنهمر الدموع من عينيها وهي تقر أخيرًا : أنا لست بأمه وهو لا يدين لي بشيء وليس لي حق عليه .
ألقتها بألم اعتصر قلبه ولكنه صمت لا يعلم بما يجيبها لترتجف شفتاها بحزن فتكتم شهقة بكائها بصلابة وهي تنهض لتغادر المطبخ تتركه وحيدا عيناه شاردة ويفكر في أمر ولده الذي أصبح مستعصيًا عليه في الآونة الأخيرة ، يعلم جيدا ما يفعله ويدرك مقصده ، مُمزع هو بين قلبه الخائف على وحيده وعقله الداعم لتحرر الصغير وتركه يطير ليصبح قويا يفرد جناحاه ويحلق بعيدا ويعتني بنفسه بمفرده ، يفهم كل هذا ويستوعبه ولكنه لا يقوى على إقناع لمياء به ولا يقوى على منعه لأجلها ، تنهد بقوة وهو ينهض واقفًا يقرر الذهاب خلفها ليراضيها على حسب ما يستطيع ويخفف عنها شعورها .
***
انهى ارتداء ملابسه ليتفقد رسائله وبريده الإلكتروني وهو ينتظر خروجها من دورة المياه بعدما نهضت بعبوس يزين ملامحها لم يراه من أول زواجهما ، ولكنها اليوم مختلفة .. متوترة .. ضائقة دون أن يفهم سبب لضيقها ، وها هي مختفية منذ النصف ساعة داخل دورة المياه وهو يجلس ينتظرها حتى يستفهم عما يحدث معها ، عبس وهو ينظر إلى ساعته مرة أخرى قبل ان ينهض متجها لدورة المياه يطرق بابها برزانة كعادته ثم يهتف بقلق بدا ينتابه : نوران افتحي الباب بدأت أقلق عليك ، ثم منذ متى تغلقين باب دورة المياه عليك وأنت بالداخل ؟!
نظر إلى ساعة معصمه الفخمة ليعدل من سترته الرسمية قبل أن يدق الباب من جديد هاتفًا بعبث : نور ، أخرجي أو أخبريني ماذا تفعلين كل هذا الوقت بالداخل ؟! أتبع بعبث سيطر على ملامحه - هل تستحمين ؟ حسنًا افتحي أستطيع أن أتأخر قليلا حتى اشاركك حمامك .
ركن ظهره إلى باب دورة المياه ليهتف بصوت أعلى : هيا افتحي يا نور .. افتحي يا حبيبتي سأتأخر لأجلك كما طلبت مني حينما ايقظتك أن لا أذهب للعمل وأظل معك إلى أن أذهب مع عمار إلى منزله .
استمع إلى مزلاج الباب يفتح ليبتعد وهو يبتسم بتسلية فيبدأ بالتخلص من حذاءه ويتبعه بخلع سترته وساعته ليستدير هاتفًا بمرح : جيد أنك فتحت قبل أن ... صمت وهو يتطلع إليها بصدمة قبل أن يهتف بهلع - ما بالك ؟! لماذا تبكين ؟!
أدار عيناه عليها ينظر إلى قميص نومها الحريري ومئزرها عليه الذي لم تبدله ليعبس بتعجب ويسأل باهتمام وهو يقترب منها يجذبها من مرفقها بلطف وهو ينظر لآثار دموعها : لماذا تبكين ؟! أنت بخير ، هل حدث شيء ؟!!
غمغمت باختناق : بل لم يحدث شيء .
عبس بتعجب وهو ينظر إليها بريبة ليجذبها معه ويتجه نحو الكرسي الهزاز العصري الكبير الموضوع بجانب شرفتهما ، ليجلس ثم يحملها ويجلسها فوق ساقيه يضمها إلى صدره يقبل جبينها وهو يعيد خصلاتها للخلف فتجهش في بكاء عالي صدمه لينتفض قلقا هاتفًا : الآن ستخبرينني سبب بكاءك يا بنت الوزير ، فأنا لا أقوى على تحمل بكاءك بهذه الطريقة أبدًا.
تمسكت بصدره لتمرغ أنفها في حافة قميصه الخفيف قبل أن تهمس بنهنهة طفولية : النتيجة سلبية .
ضيق عينيه بعدم فهم ليردد باستفهام : النتيجة سلبية ، نتيجة ماذا ؟
نهنهت أكثر وهي تحاول أن تتوقف عن البكاء : my pregnancy test was negative .
ارتفعا حاجبيه بدهشة ليهمس بعدم فهم : هل كان هناك اختبار حمل من الأصل ؟
زمت شفتيها لتنطق بقهر : أنه الثالث على التوالي ، أتبعت سائلة وهي تبتعد عنه تجلس بظهر مستقيم - لماذا لا أحمل ونحن متزوجان منذ ثلاثة أشهر ؟
رمقها مليا ليهمهم بمزاح : لماذا اشعر بكونه اتهام مبطن يا ابنة عمي ، هل تتهمينني بالتقصير مثلا؟
توقفت عن البكاء لتنظر له بانزعاج وتهتف زاعقة : بالطبع لا يا عاصم أنا فقط حزينة لأني أريد أن أنجب طفلا .
نظر إليها ببراءة متسائلا بصوت أبح : طفلا واحدا فقط ؟
تنهدت بقوة لتثرثر بصوتها الذي يحمل بقية بكائها : بل الكثير والكثير من الأطفال ، يملئون القصر صخبا ونعيد لهم بناء البيت الخشبي القديم ، أتبعت وهي تلتفت إليه تواجه - هل تتذكره يا عاصم ؟ ذاك البيت الذي كنا نختبئ فيه من الجميع .
ضحك بخفة ليجذبها اليها يضمها إلى صدره : كنت أنت من تختبئين فيه وتتركي الجميع يبحث عنك .
همست بخفوت وهي تتطلع إليه : وكنت دوما تجدني وتصعد من خلفي لتحملني وتنزل بي .
همس مكملًا حديثها وهو يضمها اكثر اليه : إلا تلك المرة حينما كان عمرك عشر سنوات كنت غاضبة بسبب أدهم واختبئت هناك وحينما طلبت منك النزول عاندتني وأغضبتني فصعدت لك وحملتك جبرا فوق كتفي لأنزل بك وأنت تركلين وتصرخين ليختل توازنًا ونسقط سويا.
ظلل عيناها ندم صادق لتهمس بنبرة اعتذار : حينها كُسرت ذراعك وكانت فترة اختباراتك الدراسية المؤهلة للجامعة ، لقد بكيت حينها كما لم أفعل قط لأهدم البيت بعدها حتى لا أصعد إليه ثانية ولا اؤذيك معي ثانية .
اسبل جفنيه ليشحب وجهها تدريجيا وهمت بالحديث ليقاطعها صوته الأبح هامسا : أنها المرة الأولى التي أعلم بها أنك من هدمت البيت الخشبي .
ابتسمت رغمًا عنها لتهمهم : ليس بمفردي بالطبع ولكني حينما أخبرت عمو وليد أني أريد أن اهدمه استجاب لي وأرشدني وساعدني فهدمناه سويا .
ضحك بخفة : دوما أبي خلف كل شيء يخصك .
اتسعت ابتسامتها لتهمهم بعفوية : دوما كان ملاذي لأني أعلم أنه لن يرفض لي طلبا ، دموعي ترهق قلبه .
قهقه ضاحكا ليهتف : بابا أبو قلب رقيق اه لو استمعت إليك الياسمينة ستغضب منه لسنوات قادمة.
عبست بتذمر : انطي ياسمين تغار يا عاصم عليك وعلى عمي مني ، لا أفهم لماذا لا تغار من يمنى هكذا .
همهم من بين ضحكاته : يا نوران حقا لا تعلمين ؟ أشاحت بوجهها بعيدا فأكمل - ببساطة يمنى لا تتدلل إلا نادرا ، أما أنت تصيبينها بصداع مزمن بسبب دلالك غير النهائي وخاصة مع بابا.
هزت كتفيها بدلال لترفع رأسها بشموخ : عمي ولي الحق في أن اتدلل عليه كما أريد .
تعالت ضحكاته لتضحك معه مرغمه قبل أن يتنهد بقوة : حسنا ما رأيك أن ابني لك بيت خشبي جديد وأوصله بشرفة غرفتنا ، حتى تستطيعي اللجوء إليه متى ما أردت ولكن دون أن تختبئي مني .
همست بنعومة وهي تلامس ياقة قميصه : إذا اختبأت منك ابحث عني .
ضحك بخفة وهو ينظر إلى سبابتها التي تحركت لتلامس طرف فكه ليهمس بصوت أجش : بقى شيء أخير .
رفعت نظرها إليه ليتبع وهو ينهض واقفًا بعدما حملها بين ذراعيه : كرامتي تؤلمني بسبب اتهامك المبطن لي بالتقصير يا نور وعليه سأنفي عن نفسي الاتهام في الحال .
ضحكت بخفة لتهمس إليه وهي تحتضن عنقه بذراعيها : ولكن ألن تتأخر عن العمل ؟
همس إليها وهو يضعها على فراشهما: لن أذهب سأرسل لكنزي وأخبرها أني لن أذهب، فبالأخير أنه يوم عمار المميز لذا علي أن أبقى معه وبالفعل سأذهب إليه بعد الغذاء مباشرة .
تمتمت وهي تراقبه يخلع ملابسه : اصحبني معك لبيت الخيال إذًا .
استلقى بجوارها يقبلها بقبلات متتالية متلهفة : من عيناي يا نور عيناي .
ضحكت بخفة لتهمهم باسمه وهو ينضم إليها فتنصهر تحت لمساته .. قبلاته .. وهمساته التي غزت مسامعها فغرقت معه في لجة عشقه لها .
***
توقفت السيارة أمام موقع البناء الذي يجري العمل فيه على قدم وساق لتترجل من السيارة بعدما فتح لها باب سيارتها سعيد الذي أصبح سائقها ورجل حراستها الأمين عليها ، لتخطو بهدوء نحو موقع البناء بخطوات ثقيلة قليلة وهي تنظر إلى القصر الذي بُنيَ حديثا بعدما هدمت قصر العائلة القديم وقررت أن تنشأ قصر جديد يكون ملكا لها ولطفلها.
ابتسامتها التي تراقصت على شفتيها وهي تتذكر صدمته حينما أخبرته بالضمانات التي تحتاجها منه فلم يعترض على الأموال التي وضعها بحساب بنكي خاص بها على الفور ولا بقطعة الأرض التي اختارتها لتكون ملكها ولا على فكرة تأسيس شركة معمار تخصها وتعمل بها بل أنه سارع بتنفيذ كل شيء طلبته وهو يخبرها بكونها مطالب سهلة سيحققها لها ، إلى أن ذكرت القصر فرفض بأول الأمر ليحاول مهادنتها في المنتصف وعرض عليها مكان أخر يمنحه لها إلا انها أصرت وصممت ليرضخ في الأخير على أمل أن تعود معه فراوغته قليلا إلى أن بدأت في اجراءات هدم القصر فحط الخبر فوق رأسه كصدمة جباره زعزعت ثباته لتجده صبيح اليوم التالي بعد علمه بقرارها وبعدما فوجئ بوجود شركة البناء الحديثة التي رشحها لها هادي الغمرى والتي تعاقدت معها في صحن قصره صباحا لتهدم القصر فيجن وتثور ثورته وهو يقتحم عليها البيت الذي تمكث به ، جنون خبى تحت قدميها حينما واجهته واتهمته بخداعها فها هو لم يتغير ، بل أنه أتى ثائرا وسيلحق بها الأذى كما اعتادت منه عندما تفعل أي شيء يغضبه ، حينها حاول مراضاتها فتمنعت وتدللت ثم منحت واعطت لتجذب الحبل ثانية وهي تهمس إليه حينما أعلن اعتراضه على هدم قصر عائلته أنها ستبني قصر جديد يخصهم بمفردهم ، يكون عالم خاص بهم ، شعرت بحيرته فابتسمت وهمست بفحيح أنثوي : لا أقدر أن أعود إلى هناك يا زيد ، فأنا لا أستطيع النسيان ، لتدور من حوله وهي تلامس عرض كتفيه من الخلف قبل أن تهمس له - أريد أن أحيا معك بطبيعية أم أنك لا تريديني .
لن تنسى أبداً حركة تفاحة آدم خاصته وهو يسيطر على توقه الشديد لها ليجذبها إليه فيقبلها ويمتلك شفتيها وهم يهمهم : بل مت شوقًا لك .
تحملت قبلته بثبات وأجبرت نفسها على الابتسام حينما تركها لتهمس : حسنا وافق على الهدم ودع الشركة تقوم بعملها أنا اتفقت معهم على كل شيء فقط أريد منك مبلغ مالي لأعمال الهدم والبناء ، رمقها بعدم تصديق فاتبعت وهي تمط شفتيها بإغواء - اعتبرهم ارضاء لي واحتفالًا بعودتنا سويا.
أومأ برأسه موافقا ليسأل بخشونة : وأنت ستظلين هنا إلى أن يبنى القصر .
فضحكت بخفة لتجيبه بطبيعية : بل قررت السفر للساحل ، أريد أن استجم قليلا ، ثم رأيت إعلان لبيع شاليه هناك بمبلغ ضئيل فقررت أن أنظر في أمره
عبس بتعجب ليهتف على الفور : لدي شاليه هناك .
هزت كتفها : أنه يخصك يا زيد وأنا ..
أطبق فكيه ليتمتم بغضب بدأ يتسرب إليه : ماذا تريدين يا أسيل؟
بللت شفتيها لتهمس إليه : لا أريد أن أثقل عليك يا زيد .
حينها رمقها مليا قبل أن يهتف بتسلط : بل اثقلي كما تريدين فقط أريد أن أفهم ماذا تريدين بالضبط حتى تعودين إلي كزوجين ..
تمتمت بجدية : شاليه في الساحل يكون ملكي سأعود اليك فيه كزوجتك إلى أن يتم بناء القصر.
هدر بجدية : أوافق ، وسيارة خاصة أيضاً من عندي حتى تستطيعين الذهاب في أي مكان وأنت آمنة يا حبيبتي .
ابتسمت برقة وسعادتها تنضج بعينيها لتقترب منه تحتضنه وتقبل وجنته : حبيبي يا زيد .
أخرج إحدى بطاقات الائتمان بلونها المميز ليهتف : وهاك بطاقة مالية ، تسوقي كما تريدين فآخر هذا الأسبوع ستكونين معي .
رفعت رأسها بابتسامة لبقة : كما تريد يا حبيبي .
وبالفعل لقد عادت إليه وتحملته كزوج وكشريك حياة وهي تهمس لنفسها بأنها تفعل ذلك لأجل خلاصها منه ذات نهار تحلم بمشرقه كل يوم في منامها .
اقتربت من المهندس المسئول عن البناء لتتحدث معه في ثبات وابتسامة لبقة لتشكره على إنجازه للعمل في وقت قياسي قبل أن تسأله عن الديكورات الداخلية فيخبرها أن هناك شركة أخرى تخص أحد مهندسين المعمار سيهتمون بالديكور ، وأن لو انتظرت قليلا ستقابل مالك الشركة والمهندس المسئول عما تبقى من المنزل .
أومأت بتفهم وقررت أن تنتظر لتحاول أن تخطو إلى داخل البيت لتعبس بتعجب وهي تشعر بأمر ما يخص طفلها فرتبت على بطنها بخفة وهي تعبس بعدم فهم لتهتف سريعا وهي تشعر بحدسها يزداد فتتجه نحو السيارة من جديد : يا سعيد هيا بنا ، أريد الذهاب للمشفى حالًا .
***
يدور من حول نفسه ينظر للموقع المحدد أمامه على جهازه اللوحي ليرفع رأسه ثانية ينظر جيدا للغرفتين أمامه فيقف محتارًا بينهما أيًا من هما تكون المكتب الذي يقصده ليتقدم بأوراقه للالتحاق بالمنظمة التي يريد الانضمام إليها ، زم شفتيه بتفكير ليهم بالطرق على احدهما قبل أن ينتبه على صوت جاد من خلفه يهتف به في رزانة أنثوية : هل أستطيع خدمتك يا حضرة ؟
استدار على عقبيه لينظر للأسفل والدهشة تكسو ملامحه وهو يتطلع لهذه الفتاة السمراء أمامه بملامحها الجميلة الهادئة وخصلات شعرها الفحمي الغجري الذي يتكاثف حول وجهها المورد .. جسدها صغير القامة .. ضئيل قليلا ولكنها تعلن بانحناءتها الملفتة إلى انتمائها المصري العربي وبسمارها المتوهج إلى الأفرقة .
رفعت حاجبها بتعجب حينما أطال النظر لها ليكح بحرج قبل أن يهمس : المعذرة أتيت لإجراء مقابلة للالتحاق بالمنظمة.
ابتسمت بترحاب وسألته : مهتم أم أكاديمي ؟
ابتسم بخفة ليهتف بجدية وهو يمد كفه إليها مصافحا : مازن الجمال ، طبيب بيطري باعتبار ما سيكون .
أجابته و صافحته بعملية : تشرفت بمعرفتك ، نظر إليها متأملا بقية التعارف فضحكت برقة - ناجية زين العابدين .
ارتفاع طفيف في حاجبيه ليهمس بعفوية : عفوا .
ضحكت بخفة لتجيبه : نعم اسمي ناجية .
تمتم بابتسامة لطيفة : هل أخبرك أحدهم أنه اسم جميل ومعناه رائع ؟
ضحكت برقة : بل تنمروا علي كثيرا لأجله ، ولأجل اشياء كثيرة أيضاً ولكن لا أهتم ، اتسعت ابتسامته وهو يراقبها بعينيه فأكملت بجدية حينما اكتشفت أنها ثرثرت كثيرا - إجراء المقابلات ليس هنا ، أنه بالمبنى الأخر ،
عبس بتعجب فأكملت وهي تشير لأحد العاملين : من فضلك يا جمال ارشده لمكتب الدكتور راجي ستجده في استقبالك .
تمتم مازن بلباقة : أشكرك .
هزت كتفيها : لا شكرا على واجب ، سعدت بالتعرف عليك يا دكتور مازن .
اوما لها برأسه ليجيبها : أنا الأسعد يا ناجية هانم .
ابتسامة متعجبة ارتسمت على شفتيها وهي تراقب ابتعاده عنها لتهمهم بدهشة : هانم ، هذا اللفظ انتهى منذ زمن ، ضحكت بخفة لتكمل - من الواضح أنه هارب من الزمن الجميل بأناقته هذه وملامحه التي لا تليق بطبيب بيطري أو عضو فعال في المنظمة .
هزت كتفيها لتثرثر إلى نفسها وهي تتحرك في الاتجاه الأخر : ما لي به الآن راجي سيركله خارجا بمظهره هذا ، إنسان غريب أتى ينضم لمنظمة تعمل على حماية الحيوان في غابات أفريقيا وهو يرتدي ملابس ذات علامات تجارية عالمية .
***
تجلسان متجاورتان على أرائك بيضاء يتلقيان عناية كاملة في إحدى مراكز التجميل الفخمة يحتسيان العصير ويتحدثان وهما مستسلمتان لأيدي الفتيات الخبيرة من حولهما هتفت ملك : سعيدة أن موعد الزفاف أتى بعد أن أنهينا اختباراتنا لم أكن لاستمتع هكذا وأنا منشغلة بأمور الدراسة .
تمتمت آسيا التي تشعر بالارتخاء : نعم هذه السنة كانت عصيبة علينا جميعًا جيد أنها انتهت على خير .
ابتسمت ملك والتفت إليها سائلة بمكر : وما أخبارك يا عروس ؟! هل سنرى العريس في الزفاف بعد غد ؟!!
عبست آسيا باستنكار لتهتف بها : لست عروس لم أصبح بعد ، ونعم سترينه فقد وصل اليوم حتى يحضر الزفاف مع عائلته .
اعتدلت ملك تنظر إليها : كيف لست عروس ؟ ألم تتفقا بعدما اقتنعت ايني أخيرًا أن تتم خطبتكما هذه الصيفية على أن لا عرس سيتم إلا بعد تخرجك .
أومأت آسيا وهي تكمل : ولا عقد قران أيضاً ، ماما وافقت على خطبة مبدئية بعد إلحاح زياد .
عبست ملك مفكرة : إذًا لماذا تشعرين بأنك لست عروس ؟!
أجابت آسيا بعفوية : لأنها لازالت شيء مبدئي ليس أكثر من ذلك
مطت ملك شفتيها بتفكير لتسألها بوضوح : ألازلت لا تشعرين نحوه بأي مشاعر خاصة يا آسيا؟
تنفست آسيا بعمق لتجيبها بجدية : بل هناك شعور خاص به ، أنا سعيدة معه .. اهتمامه بي .. رعايته .. تفضيله لي وتخصيصه وقتًا لي بمفردي ، هو يشعر بي وبتبديل أحوالي وكل هذا جيد بل في الحقيقة رائع.
عبست لها ملك : إذًا ما المشكلة ؟
زمت آسيا شفتيها لتجيب بقنوط : كلما اهتم بي دللني أو اعتني بي أشعر بأني مقصرة في حقه يا ملك فأنا لا امنحه مثلما هو يعطيني ، بعض الأحيان اكره نفسي لأني لم أشعر بغضبه .. ألمه .. أو حزنه بينما هو يشعر بتبدلي حتى دون أن نتحدث .
تمتمت ملك بخفة : أنه يعشقك يا آسيا.
تنهدت آسيا بإحباط : أعلم وهذا يزيد المشكلة لا ينقصها ، يا ملك ،أنا ارتبط به لأنه مثاليا في كل شيء ، حتى في عشقي مثاليًا ، لذا تكمن المشكلة بي فأنا لست مثالية.
ابتسمت ملك لتدعمها بصدق : العشق لا يحتاج أن نكون مثاليين ، والحب لا يحتاج أن نكون كاملين ، المشاعر لا تقاس بالمسطرة ولا توزن بالكيلوجرام ولا تملك وحدة قياس من الأصل ، فهي جامحة .. قوية .. رائعة حينما تكون صادقة ، ومخيفة حينما تكون خادعة ، المشاعر نعمة .. والحب هبه .. والعشق فضيلة .. والهيام غاية لا يصل إليها الكثير ، لذا حينما تأتيك الفرصة لا تضيعينها في حسابات مشاعرك لن تأبه بها ، ولا تحبسين نفسك في قمقم من ذكريات ستفسد عليك حياتك انطلقي وعيشي يا اسيا واستمتعتي بحياتك مع من يعشقك فليس كل الناس ينعم الله عليهم بفضل أن يعشقهم أحدهم .
همهمت اسيا بانبهار : واو يا ملك ، هذا كان عميقا أكثر مما ينبغي ، ضحكت ملك بخفة فاتبعت آسيا بمشاغبة - من الواضح أن تأثير ابن خالتي العبقري عليك كبيرًا.
همهمت ملك بضجر : توقفي يا آسيا أنت تعلمين جيدا أنني وعادل مجرد أصدقاء ، بل بالحقيقية هو يتعامل معي مثلك ومثل يمنى ليس أكثر .
اتسعت ابتسامة اسيا لتهتف : بالطبع أعلم ولكن لأكون صريحة أنا أتمنى أن تتحول الصداقة بينكما لشيء أخر فأنتما متناغمان بشكل يثير غيرة المدعوة خطيبته.
التفتت ملك بذهول لتضحك بخفة غير مصدقة : حقا ؟! لارا تشعر بالغيرة مني
تمتمت آسيا بضيق : بغض النظر أني لا أقبلها وانها ليست خطيبته للان رسميا وأنها تشعر بالغيرة من الجميع حتى خالتي ليلى إلا أني شعرت بها غير مرحبة بأمر صداقتك منه.
نظرت إليها ملك باستهجان لتسأل بجدية : وما رأي عادل ؟!
اتسعت ابتسامة آسيا لتلمع عيناها بمكر أنثوي قبل أن تقترب من ملك بخفة وتهمس : أنا أشعر بأن عادل لا يأبه لأمرها على الإطلاق فهو يفعل ما يحلو له دون التفكير بها .
ابتسمت ملك وأخفضت نظرها لتؤثر الصمت والتفكير يكسو ملامحها لتنتبه على سؤال آسيا المهتم : بالمناسبة يا ملك هل دعا علي مي للزفاف ؟
لوت ملك شفتيها لتجيبها : أينعم فعل بدعوة مؤطرة تخصه رغم أني وأدهم أخبرناه أن لا يفعل فوالدها سيدعوه عمو أحمد للزفاف إلا أنه تعمد أن يدعوها ويضع ماما أمام الأمر الواقع كما يبدو .
شهقت آسيا بصدمة لتهتف سريعا : وماذا فعلت والدتك ؟!
زمت ملك شفتيها لتنطق بحنق : منذ أسبوع ونحن نحيا في الجحيم حرفيًا بسبب حرب ماما وعلي الباردة ، تنهدت بقوة لتثرثر - هو يتمرد بشكل واضح حتى بابا لا يستطع التفاهم معه وهي تتجاهله بشكل مريب مع توتر يسود الأجواء وأنا كنت هاربة في قصر الجمال بسبب اختباراتي ومرتاحة من صراعهما غير المُجدي ولكن حان وقت الرجوع للأسف .
لوت آسيا شفتيها بضيق لتهمهم بعد وهلة بمرح : وكيف أحوال the love birds in the palace ؟!
توردت ملك رغمًا عنها لتهمهم بضحكة خافتة : رائعين أخر مرة أمسكت بهما في المطبخ الخارجي ، ولكني غضبت من نفسي لأني أحرجت عاصم أما نوران لا تهتم فهي تزعق بي وتخبرني أن اختفي ليكملا ما بدآه ،
تعالت ضحكاتهما سويا لتهتف آسيا برقة : أنت naughty يا فتاة ؟!
أومأت برأسها وهتفت ببساطة : أنا أعرف .
ضحكت آسيا ليرن هاتفها فتنظر إليه قليلا قبل أن تهمس بابتسامة حاولت أن تكون مرحة : أنه زياد أعتقد أنه وصل ، أتبعت وهي تنهض لتبتعد عن ملك - سأجيبه بعد إذنك
أومأت ملك بتفهم قبل أن تستل هاتفها بدورها لتراسله بهدوء ومرح تحاول أن تضفيه عليه هذه الأيام فهو حزين لأجل زواج شقيقته رغم أنه لا يصرح بذلك فطبعت إليه : كيف حالك اليوم يا أبية ؟! أتمنى أن تكون بخير.
***
يدور من حول نفسه بجواره سليم المدعو للغذاء عند والده اليوم ويساعده في ترتيب الحديقة لحنة شقيقته ، بل ليس سليم بمفرده من يساعد ، فالجميع هنا لأجل زواج ابنة الأمير ، الجميع فرح وزغاريد كريمة لا تتوقف منذ الصبح ، منذ استيقاظ العروس التي ستترك البيت وترحل عنه ، الأميرة التي ستذهب لبيت جديد وتنشأ عائلة جديدة وتأسس عالم يخصها بمفردها بعيدا عنهم. اختنق حلقه بضيق ازداد وهو ينظر إلى الزينة من حوله هو من كان يظن أن غياب أسعد يؤثر به لم يكن يدرك أن غيابها هي سيؤلمه بهذه الطريقة ، وأن فراق شقيقته أصعب كثير من غياب تؤامه عنه .
تنفس بعمق ليرن هاتفه برساله قادمه فيخرجه من جيب بنطلونه ليبتسم بخفة وهو ينظر إلى رسالتها يتعجب من إدراكها لضيقه رغم أنه لم يصرح به ولكنها تعلم وتحاول أن تهون عليه وتشاكسه لتفرح قلبه الموجوع لزواج أخته.
أجابها بكلمات منمقة لبقة ليسألها بخفة : هل انتهيت من الدلال والاستجمام يا أرنبة ؟
ضحك بخفة وهو يقرا ردها الذي أتى سريعًا : بالطبع لا ، لازال اليوم في أوله يا أبية ولازلت احتسي العصير ، حينما انتهى سآتي على الفور
عبس بعدم فهم ليردد : تأتي على الفور ، إلى أين ؟!
أجابته بتعجب برسالة صوتيه تميل اليها حينما تريد الثرثرة : عندكم أنها ليلة الحناء وجميعنا سنحضر عندكم ، الخالة ليلى أصرت أن الحناء تخص العائلتين وعليه الخالة ياسمين لم تحضر ليلة حناء لعمار ولكن علمت أنكم تحضرون ليلة خاصة لعمار بك سيكون الشباب مجتمعين بها.
ضحك بخفة ليجيبها صوتيًا بدوره : حقا لا أعلم يا ملك فأنا لست مشاركًا في الأمور الخاصة بعمار ، فأنا أتحاشى مقابلته هذه الأيام حتى لا الكمه في وجهه .
كانت إجابتها انيمي ساقطًا أرضا من الضحك قبل أن ترسل إليه رسالة صوتيه قصيرة : أعتذر يا عادل سأذهب الآن ، أراك ليلا .
أرسل إليها ابهام كبير يشير لموافقته قبل أن يعاود العمل بالحديقة لينتبه على صوت سليم الذي سأله بجدية : هل هذا صوت ملك ؟
استدار إليه سريعا لينظر إليه مليا قبل أن يجيبه بجدية : عفوا يا سليم لم استمع إلى سؤالك
رمقه سليم مليا قبل أن ك يبتسم ابتسامة قصيرة مهمهما : لا شيء لا تشغل رأسك يا رفيق .
أومأ عادل براسه متفهما قبل أن يسأله : أخبرني عن أحوالك ، لم نلتقي منذ فترة .
تنهد سليم : أنا بخير ، الأعمال بخير والحياة جيدة ، وأنا مرتاح والحمد لله
تمتم عادل : الحمد لله ، سعيد لأجلك يا سليم ،
زفر سليم بقوة : وأنت ؟
ثرثر عادل بطبيعة : بخير والحمد لله ، فقط أحاول أن أقنع عمتك ان تتقبل لارا وأحاول أن انتهى من رسالتي وخاصة أن مشروعي القائم قارب على الانتهاء
زفر سليم بقوة ليهمهم : وفقك الله يا عادل ، ولكن الرفض يبدو كتقليد في العائلة ، فزوجة خالك وحبيبة لا تقبلان جيجي والأخيرة لا تقبل بعدم قبولهما لها وأنا أدور في حلقة مفرغة من محاولة إرضاء الجميع.
ضحك عادل بخفة ليهتف به : أترك الأمور بينهما ولا تتدخل نهائيا ، وانظر للأمور جيدا من الطرفين يا سليم ، إذ كانت خالتي سوزي ليست راضية عنها لأسباب كثيرة تخصها فحبيبة ليست الفتاة التي تسعى لإثارة ضيق أحدهم وأنت الأدري بشقيقتك.
عبس سليم مفكرا ليهمهم بتبرير شعر أنه أحمق حينما أدلى به : ولكنها حامل وأنت تدرك جنون الهرمونات و .. التفت عادل إليه يرمقه بعبوس طفيف فاكمل سليم - حقا أنا لا أرى سببا لما يجري بينها وبين حبيبة ولا أفهم سبب جنون الذي ينتابها حينما ترى جيجي فينقلب وجهها تلقائيا.
ارتفعا حاجبي عادل بتعجب ليهتف برزانة : من المؤكد أن هناك سببا يا سليم ، أسأل حبيبة .
لوى سليم شفتيه وهم بالحديث قبل أن يصدح صوت عمر بالتحية فيشيرا إليه بترحاب ليستقبلاه في حديث ودود أنهاه عمر حينما هتف بجدية : أتيت لأخبر سليم أن الغذاء معد ونحن ننتظره .
هتف سليم : لقد انتهيت بالفعل ، أتبع سليم بترحيب - شاركنا يا عادل .
ضحك عادل ليهتف بخفة : لا كنت سأتركك لأذهب لآتي بيمنى من مركز التجميل .
تمتم عمر : مبارك الزفاف والعقبى لك .
تمتم عادل وهو يشير اليهما بالوداع : شكرا لك يا عمر .
راقبهما ينصرفان ليتابعهما بعينيه وهو يفكر في الآخرى التي لا تتقبلها والدته ولا شقيقته بدورها ليتساءل هل سيأتي عليه اليوم يسوق إليها المبررات - كما فعل سليم الآن - أمام عائلته، عبس بنفور والفكرة تضايقه ليشعر بالضيق يضغط أكثر على مشاعره .. روحه .. وعقله الذي يرفض كل شيء يحدث من حوله .
***
وقفت تنظر إلى الطواجن الموضوعة فوق طاولة المطبخ تمط شفتيها بعدم رضا واضح قبل أن تهتف وهي تنظر بضيق للطعام الذي أعدته حماتها : أين الكفتة النباتية التي أرسلت وصفتها لسليم يا انطي ، ألم تعديها ؟ رفعت سوزان وجهها بدهشة لتتابع أنجي بابتسامة فاترة - لقد أخبرت سليم عنها وأرسلت له وصفتها كي يرسلها لك حتى تعدينها مع بقية الأصناف فأنا لن أستطيع أن أكل اي شيء من هذه الأشياء .
اكفهر وجه سوزان لتهمس من بين أسنانها : لماذا يا حبيبتي ؟
ابتسمت جيجي برقة لتهمس : لأني لن أكل اللحوم أو الدجاج أو حتى طواجن الخضار المطهوة بهذه الطريقة الثقيلة على معدتي .
رفعت سوزان حاجبيها لتهمس ساخرة : هل أصبحت نباتيه ؟
ألقت الوصف بلغة فرنسية أنيقة لتبتسم بلا مبالاة : بل إنه نظام غذائي لمدة معينة أتخلص فيه من التراكمات التي تحدث نتيجة أكل اللحوم ومشتقاتها.
هزت سوزان رأسها بتفهم لتجيبها بابتسامة لبقة : للأسف سليم لم يرسل لي الوصفة ولكن لدي خضراوات طازجة مزروعة بطريقة عضوية أيضاً ، تقدرين أن تعدي لك ما تشائين وتأكلينه بالهناء والشفاء
أطبقت أنجي شفتيها لتهمس وهي ترفع رأسها بعنفوان : أنا لا اطبخ ، التفت سوزان تنظر لها بطرف عينها بينما أكملت ببساطة - لا أستطيع إعداد الطعام .
ابتسمت سوزان واستدارت إليها تواجهها بقامتها القصيرة وجسدها الضئيل والذي لازال محتفظا برونقه كما هو لتجيبها ببساطة : أعلم أنك لا تستطيعن إعداد الطعام لذا أنا اطهو أسبوعيا وأدعو ولدي ليأكل كل ما تطيب له نفسه ويحبه كل ما تهفو إليه روحه والذي لا يجده ببيته.
تصلبت ملامح انجي والغضب يطل من عينيها لتجيب بابتسامة مصطنعة : من أخبرك أنه لا يجده ببيته ، لدينا طباخ يصنع لسليم كل ما يرغب فيه ونفسه تهفه إليه .
رفعت سوزان نظرها إليها وابتسامة أنثوية ماكرة تظلل عيناها لتهمس بلهجة رائقة : صدقيني يا ابنتي ، مهما أعد إليه الطباخ ومهما تناول الطعام في الخارج ومهما كان شهيا الرجل يريد من امرأته أن تعد له الطعام .. أن تقف بالمطبخ وترهق نفسها لأجل أن تطبخ له وجبه ساخنة مهما كانت بساطتها لتسعده بها وعندما يأكلها لا تستقر بمعدته بل بقلبه فيشعر بالتخمة والسكينة معًا ، لذا يظل الرجل يحب والدته على مر الزمان مهما كانت صفاتها لأنها من كانت تطعمه وتتخم معدته وقلبه معًا .
اختنق حلقها بكره وهي تشعر بالغضب يزداد بأوردتها فتسيطر عليه مرغمة وسوزان تكمل : ولذا أيضاً يظل الولد يحب أمه وطعامها وتظل أمه هي حبيبته الأولى مهما أحب زوجته ومهما أخلص لها لكنه لا يضعها أبدًا بمرتبة الأم . فالأم يا بنتي لها مكانة خاصة جدا في قلوب ابنائها، اتبعت وهي تلتفت إليها من فوق كتفها - حينما تجربين ستدركين ما أتحدث عنه .
انتفض جسد جيجي بانفعال واضح لتكمل سوزان بهدوء وهي تستدير إليها : واليوم بم أنك لا تستطيعين إعداد الطعام وأنا أنهيت الطعام بأكمله وموعد الغذاء حان لأن حبيبة ستصل الان ، لقد أعددت السلطة الخضراء أعتقد أنها تماثل نظامك الصحي.
رفت أنجي بعينيها وصوتها يختنق لتتهلل عينا سوزان بفرحة حقيقية غمرتها عندما التقطت وجود حبيبة الواقفة بالخارج بملامح مبهوتة من الصدمة وكأنها استمعت إلى الحوار بأكمله فتهتف سوزان بترحاب لم تشعرها به يوما : حبيبة أمها تعالي يا ابنتي اجلسي ما بالك شاحبة هكذا ؟!!
أجبرت حبيبة نفسها على الابتسام لتهمس باختناق : أشعر بأني متعبة قليلا ،
اجلستها سوزان باهتمام فتبرز بطنها المنتفخ أمامها وهي تومئ برأسها لأنجي في تحية مقتضبة لتجيب سوزان التي تسألها عن حالها باهتمام : أنا بخير ولكن أشعر بثقل في بطني وقدمي تؤلماني اليوم .
رمقتها أنجي مليا لتسألها برقة شعرت حبيبة بكونها متعمدة : أين عمر عنك ؟ لا أصدق أنه تركك بمفردك وأنت متعبة .
أطبقت حبيبة فكيها لتجيبها ببرود : بل ذهب ليأتي بسليم حينما رآه من حديقة عمتو ليلى وخاصة أن ماما راسلتني وأخبرتني أنكم تنتظرونني .
ابتسمت جيجي باستخفاف : اها هكذا ، فعمر لا يتركك أبدا ، خائف على ولي عهده دوما .
ألقتها وعيناها تنحدر رغمًا عنها لبطن حبيبة المنتفخ فتمتمت حبيبة بوجل وهي تفرد كفاها فوق بطنها بشعور غريزي : العقبي لك .
ابتسمت أنجي ابتسامة باهته قبل أن تهتف بمرح مفتعل : حسنا سأذهب للشباب لنتناقش بالأعمال ، إلى أن يوضع الغذاء .
اكفهر وجه حبيبة وغضبها يزأر فهمت بأن تجيبها لتصمت حينما ضغطت سوزان على مرفقها وتشير إليها بعينيها رافضة لتهمس إليها : اتركيها تذهب ولا تفتعلي معها مشاجرة اليوم ، فهذا ما تريده حتى تجبر سليم على الانصراف باكرا وتمنعه من حضور حنة يمنى .
تمتمت حبيبة بانفعال : سليم لن يفعل يا مّامّا اتركيني أخبره بكل ما تفعله هي وصدقيني سليم لن يخذلنا أبدا بل سيجبرها أن تلتزم بحدودها .
ابتسمت سوزان بقلة حيلة : لقد خذلنا حينما تزوجها يا حبيبة ، أخوك لن يهدم بيته لأجل اشياء فارغة ابني أنا أدرى به ، ولكنه سيلجئ للحل الأمثل ، أن لا يأتي بها.
تمتمت حبيبة برفض : يكون أفضل هي لا تحبذ زيارتنا ونحن لا نحبذ وجودها .
ابتسمت سوزان ورتبت على كتفها : الآن سيمر الأمر هكذا وسيأتي بمفرده ويمكث معنا كما يحلو له ولكن أخبريني عندما يرزقه الله بأطفال ماذا سيكون الحل ؟! اهتزت حدقتي حبيبة بحيرة فاتبعت سوزان بلهجة قاطعة - أنا لن أحرم نفسي من رؤية أحفادي يا حبيبة ، أولاد ابني الوحيد الذي لم يرزقني الله بغيره ، لذا سأتحمل والدتهم بكل عيوبها لأجل ابني وأبناءه من بعده
***
جلست مجاورة لزوجها الذي يتبادل الحديث مع عمر تنصت إليهما باهتمام تبتسم بلباقة وهي تلاحظ عمر الذي يتبادل معها الحديث في أضيق الحدود بل إنه يتحاشى النظر إليها في تجاهل لا تعلم سببه ورغم أنه منذ معرفتها له وهو مهذب للغاية إلا أنها تلاحظ منذ فترة قريبة توقفه عن المزاح معها أو الحديث الأريحي كعادته ، فعمر شخص بسيط مهذب ولبق ولكنها تشعر بتبدله دون سبب معروف لها سوى .. ابتسمت وعقلها يدرك فجأة أنه يتجنبها إرضاء لتلك الصغيرة التي لا تطيقها ، فهي تدرك جيدا أن شقيقة زوجها ترفضها ولا تتقبل زواجها من سليم ، ولكنها لا تهتم لا بها ولا بسوزان التي لا تقبلها بدورها ولكن حماتها العزيزة لديها الكثير من الحكمة حتى لا تعلنها صراحة .. ولديها الكثير من الصبر تتمسك به لأجل ألا تخسر سليم ، فإذا كانت شقيقته غيورة كارهه لها وتراهن على مكانتها لديه ، فوالدته لا تفعل حتى لا تنقلب حياة ابنها، فهي كأي أم تفضل راحة ولدها على راحتها الشخصية وتتقبل معاملتها المتعالية والتي تتعمدها معها بهدوء وأناقة لأجل ولدها
ابتسامة ساخرة وعيناها تومض بمكر وهي تفكر أن حماتها العزيزة لا تدرك مكانتها الحقيقة لدى ابنها لذا هي تستغل كل الظروف وتأقلمها معها حتى تستفيد أقصى استفادة من جهل الأم بعشق ولدها لأسرته وتفضيله لها هي وشقيقته عن حياته كلها ، ورغم أنها لم تكن تريد أن تتعامل معهما هكذا ولا تتصرف بتلك الطريقة البغيضة إلا أن عدم تقبلهما لها أثار جنونها وحقدها عليهما وخاصة تلك الصغيرة التي تتدلل دلال صارخ لأجل حملها ، غصة قوية احتكمت حول حلقها وهي تتذكر دلال حميها لابنته وتعلق سليم بالصغير الذي لم يأتي بعد ، اهتمام سوزان بها وملاصقة زوجها لها ، كل هذا أمام عيناها التي تنظر لها بكره ورفض لهذه الحالة التي لن تنالها .
انتبهت من أفكارها على صوت سليم الذي يحدث عمر بجدية : بالمناسبة يا عمر إذ كنت متفرغا الأسبوع القادم أخبرني فأنا أريدك معي وأنا أوقع العقود الجديدة الخاصة بالقناة ، كنت سأطلب من حبيبة ولكن حبيبة متعبة .
أومأ عمر سريعا وهتف بحمية : سأنظر لمواعيدي وأبلغك ولكن هل هناك شيء بالعقد محدد تريدني أن انظر اليه أم أنه إجراء روتيني تريدني معك فيه .
هم بإجابته ولكنها قاطعته بابتسامة متعجبة وهي تسأله : لماذا تحتاج إلى عمر يا سليم ؟! المستشار الخاص بشركتي سيكون متواجدا .
اكفهر وجه عمر ليرمقها سليم بنظرة غاضبة قبل أن يجيبها ببرود : نعم أعلم أنه سيكون حاضرا ولكنه ممثل عنك .
ارتجفا ابتسامتها لتهمس بعدم فهم : وما أنا وما أنت ؟!
ابتسامة مهذبة رُسِمت على وجه سليم قبل أن يجيبها : بالطبع لا فارق يا حبيبتي ولكن هذا في البيت ، أما العمل فهذا شيء آخر .
زمت شفتيها بعدم رضا استقر بعينيها ليهتف عمر بخفة : بعد إذنكم سأذهب لأطمئن على حبيبة.
أجابه سليم وهو ينظر إليها بجدية : تفضل يا عمر ، سأتبعك بعد قليل .
هدرت بخفوت عندما غادر عمر : كيف تحرجني هكذا أمام زوج أختك ؟
رمقها من بين رموشه وهتف بحزم : أنت من فعلت ولست أنا ، تعلمين جيدا أني سأصحبه معي لقد أخبرتك وتحدثنا من قبل عن كون مستشارك القانوني يخصك ولا شأن لي به ، وأن العمل شيء لا يتدخل به زواجنا ولكنك تتعمدين إحراجنا سويا يا أنجي .
هتفت بغضب وهي تنتفض واقفة : لأني لا أفهم إلى الآن لماذا تضع هذه الحدود بيننا ، لماذا لا تتصرف وكأننا شخص واحد ؟
استرخى بجلسته ليضع ساقا فوق أخرى : لأني لا اخلط حياتي الشخصية بعملي وأنت تدركين هذا جيدا ، بل حقا أنا متعجب لأنك تريدين أن تخلطي الأوراق ببعضها فأنا ظننتك أكثر مهنية من ذلك .
اربد وجهها بغضب : أنت تتهمني يا سليم بعدم المهنية ، مط شفتيه باستياء فأتبعت بجنون - لأني أريد أن أمنحك كل ما أستطيع تتهمني بعدم المهنية ؟!!
وقف بحركة سريعة اجفلتها ليشرف عليها بطوله الفارع : أنا لا أريدك أن تمنحيني أي شيء على المستوى المهني يا أنجي ، لأني أكثر من قادر على فعل الكثير بنفسي لنفسي ، ولكن شكرا لك على أي حال أرجوك التزمي بالمهنية فيما بيننا .
شحب وجهها وهي تنظر إليه بصدمة ألمت بها وخيم الصمت عليهما إلى أن قاطعه صوت بلال الذي وقف بباب الغرفة ينظر إليهما مليا قبل أن يهتف بتعجب : ما بالكما يا أولاد ؟! هل تتشاجران ؟!
التفتا سويا نحو والده فتسيطر على ضيقها .. صدمتها .. غضبها وترسم ابتسامة واسعة فوق وجهها وهي تقابل حماها الذي ابتسم بدوره مرحبا بوجهها فأقبلت عليه لتضمه وتقبل وجنتيه كعادتها : لا أبدا أنه مجرد نقاش عادي ، ضمها بلال إلى صدره فاتبعت - كيف حالك يا عماه ؟ اشتقت إليك .
ابتسامة هازئة ناوشت ثغر سليم وهو يستمع إلى حديث أبيه المرحب والمحتفى بها والذي أنهاه كالمعتاد : هل ضايقك هذا الولد ؟ فقط أخبريني وأنا سأتصرف معه حتى لا يظن أن ليس لك أحدًا يحميك منه .
ابتسمت برقة وهي تنظر لسليم هامسه بعاطفة : أبدا يا عماه حتى لو فعل أنا لا أستطيع أن أغضب أو أتضايق من سليم ، فلا أحد يغضب من نفسه .
اتسعت ابتسامة بلال وغمز لولده بعينه البعيدة عنها بشقاوة أثارت ضحكة سليم الذي هتف بمرح : لا تتحجج بجيجي لترميني خارجًا يا بّابّاه تستطيع فعلها دونها .
ضحك بلال الذي اقترب من ولده الذي انحنى ليضمه أبيه وهي تهتف برقة : بل لن يفعل أبدًا على الاقل لأجلي .
رمقها سليم من بين رموشه ليهتف بلال بمرح : بالطبع يا بنتي لأجل ارضاءك نرضى عن هذا الولد المشاغب.
اتسعت ابتسامتها ليهتف بلال : حسنا هيا بنا الطعام فاعتقد أن سوزان انهت كل شيء ، وعلينا إعداد المائدة .
استجاب سليم بسرعة ليغادر بعد والده بينما هي تلكأت هاتفه : سأرد على بعض المراسلات وأوافيكم حالًا .
***
يجلس خلف مكتب أبيه يعبس بضيق وخاصة بعدما علم بغياب عاصم اليوم فيبرم شفتيه بعدم فهم وهو ينظر للجهاز اللوحي من أمامه يحاول أن يلم بكل المعلومات التي لم يكن يدركها من قبل معتمدا على عاصم في إدارة الاجتماع الذي سيدخله بعد عشر دقائق كاملة ، يحاول أن يهدأ من قلقه وعقله يذكره بوجود أحمد معه وأنه من سيترأس الاجتماع بدلًا من عاصم ولكن نفس ذاك العقل يؤمره بجبروت أن لابد عليه أن يكون ملما بكل شيء حتى يكون معاونا لأحمد وليس عالة عليه بالداخل.
أغمض عيناه ليرن هاتفه برسائل متتالية فيبتسم بعفوية وهو يتعرف على نغمة الرسائل المختلفة الذي خصصها لها كي يتعرف على الفور كونها من تراسله فيلتقط الهاتف ليجيبها دون تأخير كما اتفقا حتى لا تغضب كعادتها ، أخبرها على عجالة أنه لديه أمر هام في العمل فسيحدثها بعدما ينتهي لتأتي رسالتها في نفس اللحظة تخبره فرحة بنتيجة اختباراتها.
لوهلة تفاجئ ليهم بتهنئتها ولكن جملتها التي أتت مقتضبة وضائقة أوقفته عن كل شيء حينما كتبت له " حسنا اهتم بما هو أهم لديك مني ، سلام "
عبس بضيق ليمط شفتيه مفكرا ماذا عليه أن يفعل هم بتسجيل رسالته الصوتية لها ولكن صوت أحمد الضاحك بخفة أخرجه من تفكيره وهو يهتف به : أمسكت بك يا ابن الوزير ، مع من تتحدث ؟
امتقع وجهه ليتطلع إلى أحمد برعب لحظي قبل أن يتمالك أنفاسه وعقله يؤكد له أن أحمد لا يدرك ماهية من تحدثه فيبتسم بتوتر لم يقوى على التخلص منه سريعا وهو يهمهم : لا شيء أنا بخير .
عبس أحمد بتعجب وهو يرمقه بتفكير سكن حدقتيه : ما بالك يا أدهم ؟! هل أفزعتك ؟!
كح بخفة ليجلي حلقه : لا أبدًا فقط كنت مشغول بأمر الاجتماع وعاصم الذي لم يأتي واعتذر لمديرة مكتبه بدلًا من أن يفهمنا ما الأمر ، وضائق لأني لا أعلم عن الصفقة شيء و..
أتبع أحمد وهو يقترب منه بهدوء يحدثه بنضج وكأنه يدرك جيدا ما به : وحدثتك صديقتك وأغضبتك.
رف بعينيه ليهم بالحديث فيبتسم أحمد ويرمقه بطرف عينه في نظره يحثه بها ألا يكذب عليه وهو يستلقي على الكرسي أمامه فيهمهم بخفوت معترفا : بل هي من غضبت ؟
قهقه أحمد ضاحكا بخفة ليسأله باهتمام : وأنت ماذا ستفعل ؟!
زفر أدهم بقوة لينهض واقفا هاتفًا بجدية : ليس لدي وقت الآن لأقعل أي شيء ، حينما أتفرغ سأرى ماذا يمكنني أن أفعله لأراضيها كالعادة !!
ارتفعا حاجبي أحمد ارتفاع طفيف ليعتدل بجلسته هاتفا بجدية : تعالى يا أدهم أجلس أنا أريد أن أتحدث معك .
تحرك أدهم بعدما رمق أحمد بريبة فابتسم له أحمد بدعم وحثه بجدية أن يطيعه فاقترب ليجلس أمامه . تنفس أحمد بعمق ليسال بوضوح : هل هذه الفتاة ، عابرة كغيرها أم صديقتك بالفعل ؟
ران الصمت عليهما قبل أن يرفع أدهم عيناه وينظر لأحمد بثبات : بل أنا أعدها لتكون زوجتي .
كسى الذهول ملامح أحمد ليردد بعدم فهم : تعدها لتكون زوجتك ، كيف ؟!
لوى أدهم شفتيه بابتسامة ماكرة ليجيبه بمرح : أنت من تسأل يا أبيه ، توقعتك تدرك معنى ما أقصده.
عبس أحمد ليسأل بهدوء : تقصد أميرة ؟! أومأ أدهم موافقًا فأتبع أحمد ضاحكا وهو يثرثر بعفوية : أنا لم أعد أميرة قط لتكون زوجتي .
رمقه أدهم باستفهام فأكمل أحمد ببوح : أميرة خُلقت لتكون نصفي الآخر .. أماني ومرفأي ووطني وجنتي ، لذا وهبني الله إياها لتمنحني اكثر ما يسعدني ، أطفالًا كانت هي مصدرهم ورحمهم اللذين تكونوا بداخله ونمو فيه وستكون دوما ملاذهم الآمن ، تنهد ليتبع - بل حقيقتا هي ملاذي قبلهم .
صمت قليلا ليكمل بهدوء : أنا لم اختار أميرة يا أدهم ، لم انتقيها .. لم اختارها كما يتبادر ذهن أي شخص لأنها ابنة فاطمة أو لأنها الطفلة الجديدة التي أتت للعائلة بعد الكثير من الذكور ، لا ليس هذا ما حدث ، بل ما حدث لا أفهمه للان ، لماذا كنت متعلقا بها وهي الصغيرة التي كنت أحملها على ذراعي .. لماذا كنت اشتاق إليها وهي طفلة وأنا كبير أرى الكثير من الفتيات اليافعات امامي .. لماذا كنت اهفو لها دوما واشاكس والدك لأجلها .. لماذا حاولت الهرب منها ثم عدت إليها لأصمم على امتلاكها ، كل هذه الأشياء لم تحدث بإرادتي الكثير منها أو معظمها لم يحدث بإرادتي ، لم أكن مخيرًا بها .. بل كنت مسيرا في طريق مرسوم لي لأحظى بقدري الذي أراده الله لي ،
رمقه أدهم بانبهار فاكمل ببسمة هانئة : أن تكون أميرة فيه امرأتي .. زوجتي .. وام أطفالي ، واللذين بالمناسبة لم أكن أريدهم بل حاربت كثيرا حتى لا أرزق بهم والآن أنا نادما كثيرا لأجل غبائي وتخوفي من وجودهم .
تطلع إليه أدهم قليلا ليسأل بجدية وهو يعتدل بجلسته : لماذا لا كنت تريد أطفالًا ؟
رف أحمد بعينيه ليجيب باقتضاب : هذا أمر طويل يصعب علي شرحه ، ولكن إجابته المختصرة أني كنت خائفا ، الخوف يؤثر سلبا على قرارتنا وأفكارنا وشخصياتنا .
تمتم أدهم بجدية : أنا لست خائفا ، أنا فقط ..
صمت وأحمد يراقبه باهتمام فاكمل أدهم وهو ينظر إلى أحمد باستفهام – هل حاولت فيما مضى أن تبتعد عن اميرة ؟
تنهد أحمد بقوة : نعم فعلت .
ارتفعا حاجبي أدهم بتعجب ليسأله سريعا : وكيف عدتما سويا ؟! كيف التقيتما ؟!
ابتسم أحمد ليهمس بيقين : هذا ما أخبرك عنه يا أحمق ، أنه القدر ، وقدري أن تكون أميرة زوجتي ، أتبع بنصيحة سكنت قلب أدهم – مهما هربت من قدرك يا أدهم ستلاقيه في أخر المطاف ، لذا ليس عليك أن تشغل رأسك بمن تعدها لتكون امرأتك ، إذا كتبها الله لك أن تكون زوجتك ستكون مهما اختلفت دروبكما ، ستلتقيان في أخر المطاف .
اتسعت عينا أدهم وأنفاسه تتلاحق وحدقتيه تومض بأمل سرعان ما خبى حينما همس أحمد بجدية : من تريدها ليست من تتحدث عن كونها امرأتك أليس كذلك ؟
اسبل أدهم جفناه ليخيم الصمت عليهما قليلا قبل أن يهتف بجدية : هل أستطيع أن أسألك عن امر ما يخص الصفقة ؟
ابتسم أحمد وأخفض عيناه ليجيبه بهدوء : لا .
رفع أدهم عيناه سريعا له ليكمل أحمد شارحا – لقد أجلت الاجتماع ، فلابد من حضور عاصم وعليه أتيت أخبرك أني سأغادر بدوري سأعود لبيتي واهنأ بالأطفال بينما تستعد أميرة لحضور ليلة الحناء .
زفر أدهم بقوة ليهتف بصدمة : اوه لقد نسيت أننا سنذهب للاحتفال بعمار، حسنا سننصرف سويا ، ولكن انتظر إلى أن اراسل عاصم فأنا ضائق منه للغاية .
قهقه أحمد ضاحكا بينما استل أدهم هاتفه ليراسل عاصم يعاتبه على تغيبه الذي أتى مفاجئا .
***
دلفت بخطوات سريعة وهي تدرك أنها تأخرت على موعد الغذاء لتهتف بسرعة وهي تخطو نحو دورة المياه القريبة من باب البيت : أعلم أني متأخرة واعتذر عن التأخير يا خالتي ، أتبعت وهي تعود إليهم على المائدة المجتمعين عليها - وأعلم أني كان يجب علي التواجد من الصباح ولكن حالة الطوارئ التي كنت مسئولة عنها لم تنتهي قبيل الآن .
لانت ملامح ليلى العابسة حينما قبلت جنى وجنتها وهي تهتف : لا تغضبي يا لولا .
ابتسمت ليلى لتربت على كتفها بأمومة في حين هتف أمير بضحكة حانية : لا عليك يا ابنتي ، فالعروس وصلت للتو وتبدل ملابسها وعادل لا أفهم ماذا يفعل بالحديقة زوجك الوحيد المتواجد على الطاولة .
ابتسمت حينما شاكسها أسعد بعينيه لتهتف بخفة : لا حرمنا الله من وجوده يا عماه .
أمنت ليلى سريعا على دعائها ليهمس أسعد بخفة : اجلسي يا جنى من المؤكد أنك جائعة .
هتفت بخفة : اتضور جوعًا ولكن سأتي بعادل أولا ً ، لوت شفتيها بخفة - من الواضح أن الطبيب يعاني .
ضحك أسعد وأومأ براسه يوافقها : لقد دعوته ولكنه لم يستجب .
تنهدت بقوة لتهتف : سأذهب إليه .
استدارت لتشهق بخفة وهي تقفز للخلف حينما هدر عادل على غفلة : لقد أتيت .
عبس أسعد بضيق وهو ينهض ليقترب من جنى يضمها إلى صدره لتسمي ليلى بحنو : بسم الله عليك يا ابنتي .
تمتم أمير بجدية : كيف لم تصدر صوتا وأنت قادم ؟!
نظر إليهم بعدم فهم : هي تعلم بوجودي وكانت آتية من الأصل لم أشأ بالتأكيد إفزاعها .
رتبت على قلبها وخفقات روحها المتتالية لتهتف بعدما استعادت انفاسها : لا عليك يا عادل أنا فقط .. عقلي لم يدرك وجودك .
هز عادل رأسه بيأس : أنا آسف يا جانو لم أقصد والله .
أقبلت عليهم يمنى لتهتف بتعجب : ما الأمر ؟!
ابتسمت جنى بوجهها لتذهب إليها تضمها بأخوة : لا شيء يا حبيبتي ، أنت أخبريني كيف حالك اليوم ؟
أومأت برأسها : بخير ، أنهيت معظم الأشياء وستأتي خبيرة الحناء ليلا .
صدح صوت ليلى : اجلسا وتحدثا على الغذاء .
اطاعتها على الفور لتهتف ليلى بجدية : تناولي الطعام يا يمنى ، فأنت لم تأكلين شيئا منذ الصباح .
تمتمت جنى الجالسة بالمنتصف بينها وبين أسعد : كلي جيدا فأنت لا تعلمين متى ستستطيعين أن تأكلي وجبتك القادمة .
همهم عادل بضجر : لماذا ؟! هل ذاهبة للحرب ؟!
صمت خيم عليهم جميعًا لتجيب جنى وهي تجاهد توردها الذي انتثر فوق وجهها : لا ولكن غدا سيكون يوم حافل من الممكن أن تنسى تأكل وفي الزفاف غالبا لن تأكل وبعدها ..
صمتت وهي تشعر بأنها توغلت بمنطقة خطر الحديث بها لتهتف بجدية متحاشية الحديث وهي تشعر بضحكة أسعد المكتومة فيزداد خجلها لتتغلب عليه وهي تعاود الحديث مع يمنى : في الغد سأجاورك من الصباح ، حصلت على أجازه لمدة يومين أخيرًا .
ابتسمت يمنى وهتفت : حبيبة أيضًا أخبرتني بذلك ، وكانت ستأتي معي اليوم ولكن رفضت ، فهي متعبة بسبب حملها ويكفي عليها مجهود غدا.
تمتمت جنى بصدق : أتمه الله عليها على الخير .
تصلب جسدها بترقب حينما هتفت ليلى : العقبى لك يا حبيبتي .
رمشت بعينيها كثيرا وهي تتذكر أن الطبيبة المعالجة خاصتها أخبرتها أن عليها التأجيل قليلا بعد المرة الماضية التي اكتشفت بها أنها لم تكن حاملا بل ما كانت تعاني منه ما هو إلا اشتباه بنزلة معوية فتستكمل جلساتها مع الطبيبة بعدما قرر أسعد أنهما سيؤجلان الإنجاب إلى أن تسمح لهما الطبيبة بذلك تنفست بعمق لتجيب بهمس خافت : إن شاء الله يا خالتي .
ابتسم أسعد برزانة وهو يضغط على كفها القريب منه أسفل الطاولة قبل أن يصرح بجدية : نحن لا نفكر الآن بأمر الأطفال هذا ، وخاصة بعد انتقالي إلى الموقع الجديد وجنى منشغلة في أمر مناقشة الرسالة أعدك بعدما تستقر أمورنا سنبدأ بالتفكير.
همت بالحديث ليصدح صوت أمير الذي استوقفها بنظراته الحازمة : يسر الله لكما أموركما ، ما يهمنا أن تكونا سعداء .
تمتم أسعد بجدية : نحن بخير والحمد لله .
تمتم أمير : الحمد لله .
انشغل الجميع بتناول الطعام ليبدأ هو بتقطيع الدجاج لها كما المعتاد بينهما ، ليسألها بهمس لم يخرج فيما بينهما : هل سترسمين الحناء اليوم ؟
عبست بعدم فهم لتهمهم : الحناء للعروس .
ليهمس بخفوت وهو يميل بجسده نحوها بمشاكسة : وأقارب العروس ؟
أجابت بعفوية : أنا أعد من أقارب العريس ، رفع حاجبه برفض فابتسمت بشقاوة قبل أن يلمع الإدراك بعينيها فنظرت إليه لوهلة ثم همهمت بتساؤل : تريدني أن ارسم الحناء .
أومأ بعينيه وهو يأسر نظراتها فاحتقن وجهها خجلا عندما همس بخفوت شديد : هل لي أن اختار الأماكن والرسومات ؟
هزت رأسها بحركة تُفضي بعدم معرفتها لينتفض هو بغضب وتأوه كتمه حينما شعر بقدم أخيه تلكزه بقوة في ساقه لينظر إليه بحنق ، أشار إليه عادل بعينيه إلى والدته التي تطلع نحوه بجدية فيكح بحرج وهو يعاود تناول الطعام ليهتف عادل بصوت عال قليلا : أخبريني يا جنى ما حالك الطوارئ التي كنت مسئولة عنها اليوم ؟
زفرت أنفاسها ببطء قبل أن تجيبه وهي تحاول أن تسيطر على حرجها لتهتف بعد قليل بحماس : الطوارئ اليوم كان ينقصك ، كنت ستبدع في إدارته فنحن كنا بمنتصف الفوضى اليوم .
هتف بتساؤل : لماذا ؟
أشارت إليه في حديث من الواضح أنه معتاد بينهما : عليك التخمين ، إذًا جاوبت صح سأعد لك القهوة بعد الغذاء.
عبس بتفكير : حادث سير .
هتفت وهي تتناول الطعام بصخب أثاره حديثها مع عادل : لا وتبقى لك محاولتان .
مط عادل شفتيه بتفكير ليهتف : انهيار عمارة سكنية ، هزت رأسها نافية فهتف بضجر - امنحيني دلائل .
هتفت : نشر الخبر اليوم .
اتسعت عيناه بصدمة : لا تخبريني حالات الانفجار كانت عندنا ، أتبع بحنق - كيف لم تستدعونني؟
ضحكت بخفة : لأن أغلبية الحالات علاجها عند جراحين التجميل وقسم الجراحة العامة ، ولكننا كنا نحتاجك في الإدارة بالفعل ، لذا دكتور محمود هو من تولى إدارة الطوارئ اليوم على غير العادة رافضًا استدعاؤك.
رمقها بضيق : لن أنسي لك أنك لم تخبرينني عن الأمر ، رسالة صغيرة كنت سأتي دون استدعاء ، ليتبع بعفوية - كنت احتاج بشدة أن انشغل اليوم في العمل .
ابتسمت بخفة وهي تلتقط تصريحه الذي ما يخرج منه نادرا لتهتف به : لا تبتأس يا صديق فالكوارث القادمة كثيرة .
قهقه عادل ليهتف من بين ضحكاته : معك حق وخاصة زفاف ابن عمك أنه الكارثة الاسوء في تاريخ البشرية .
أصدرت يمنى صوتا معترضا بينما شهقت ليلى باستنكار لينفجر أمير وأسعد بالضحك فتشاركهما جنى الضحك بعد صدمتها الأولية ، لتهتف ليلى بحنق : لا حول ولا قوة إلا بالله ، زفاف شقيقتك تصفه بأنه كارثة ، أكملت بصوت حان وفرحتها تلمع بعينيها - أنه الحدث الأجمل في عمرنا بأكمله .
لوى شفتيه باعتراض فأتبعت ليلى بضيق : أصمت بالله عليك وتناول الطعام وأنت ساكت
نفخ بقوة لينهض واقفًا وهو الذي لم يمس طعامه : شبعت والحمد لله ، أتبع بخفة وهم يغادر المكان للحديقة - سأنتظر القهوة يا جانو .
هتفت بخفة : سأنتهي من الطعام وأعدها على الفور.
***
— ما بالك يا ابنتي لا تتناولين الطعام ؟! أنت تقريبا لا تأكلين سوى السلاطة .
همت بالحديث ولكن صوت سليم صدح بجدية يقاطعها : أنها تلتزم بنظام غذائي خاص بها يا باباه .
عبس بلال بعدم فهم ليسأل سليم : ولماذا لم تخبرنا يا بني كانت والدتك أعدت لها طعام خاصا بها .
عبست سوزان بضيق لتزفر حبيبة بضجر بينما رمقه سليم بطرف عينه لتنطق هي بدلال : أخبرته يا عماه ولكنه لم يخبر انطي .
اعتلى الضيق ملامح بلال ليلتفت إليها سليم يرمقها من بين رموشه قبل أن يهمهم بجدية : نسيت بالفعل أن أخبر ماما ولكن لا أعتقد أن الأمر فارق كثيرا يا جيجي ، فكالعادة أنت تتناولين السلطة لأجل رشاقتك.
ابتسامة رقيقة رُسِمت على ثغرها لتهمس إليه : لابد أن أحافظ على رشاقتي ومظهري يا سليم، أليس كذلك ؟
ابتسامة ساخرة زينت ثغره وآثر الصمت ليهتف بلال بود : بالطبع يا ابنتي ولكن لا ضير أن تتخلي عن أنظمتك الغذائية مرة وتتذوقين كل ما تطيب إليه نفسك .
ابتسامتها اتسعت لتهمس برقة : لأجلك يا عماه أخرب كل انظمتي .
ارتفع رأس حبيبة تنظر إليها بصدمة بينما عبست سوزان بضيق لتنهض واقفة تهتف بازدراء : لقد شبعت ،
كتم عمر ضحكته وخاصة مع نظرة سليم المستنكرة والممتزجة بسخريته قبل أن يعاود الأكل و والده يهتف : عيون عماه أنت ، هيا تناولي الطعام واعتني بنفسك لأجل أن تكوني قوية وتتحملين الحمل والإنجاب ، هاك أنت ترين حبيبة كيف متعبة بسبب قلة أكلها
تصلب عمر وهو يشعر بجسد حبيبة المتشنج بجواره والتي نهضت بثقل تهتف بضيق جلي : أنا الأخرى شبعت .
عبس بلال واهتمامه يتحول لحبيبة فينظر لها بانزعاج هاتفًا : ما بالك يا حبيبتي ؟! هل لازلت متعبة ؟!
تمتمت حبيبة بضيق وعبوسها يزداد :لا يا بّابّا ولكن معدتي منقلبة وأشعر بالغثيان.
انتفض بلال واقفا ليحتضن ابنته بحنان جارف يقبل رأسها ويهمس إليها : حبيبتي ألف سلامة عليك ، أين أدويتك وأنا آتي لك بها ، بم أن السيد عمر يتناول طعامه دون اهتمام .
أغمض عمر عيناه وهو يتحكم في ضحكته بضراوة ليهتف بمرح : أنا التزم يا عماه بالقواعد فأنا حينما ادللها أمامك تغضب مني وحينما أبتعد تغضب مني ، ما الحل اخبرني ؟!
أشار إليه بلال برأسه : أكمل طعامك في صمت من فضلك يا حضرة الافوكاتو ، ضحك عمر ليرفع كفاه باستسلام فيتبع بلال بضحكة حانية وهو يقبل حبيبة برأسها ثانية - وأترك حبيبة أبوها لي ادللها قبلما تعود معك وتتركني .
استكانت حبيبة بصدر بلال وهمست بدلال طفولي عفوي : اشتقت إليك يا بّابّاه ،
ضمها بلال بصدره وهو يهمس إليها بحديث خافت لم يستمع إليه أحدًا تحت مراقبة عمر الحثيثة لهما إلى أن اختفيا من أمامه فعاود تناول طعامه لتلتقي عيناه بعيني أنجي الشاردة فيمن اختفيا بدورها ، أجفل وملامحه تنقلب بمفاجأة سرعان ما تخلص منها وهو يشعر بقلبه ينقبض من تلك النظرة الباردة التي سكنت حدقتي أنجي التي من الواضح أنها استعادت توازنها فابتسمت برقة وهمست وهي تنهض بدورها : أنا الأخرى شبعت .
نهضت بخيلاء لتبتعد عن الطاولة بينما هتف سليم غير المنتبه : لم يتبقى سوانا يا عمور ، هيا تناول الطعام وأترك كل ما يحدث من حولك جانبا .
رفع عمر عيناه لينظر إلى سليم الذي انتبه إلى نظراته فتساءل عمر بوضوح ونبرة خافتة : ما الذي يثير ريبتك في العقود يا سليم ؟
ابتسامة ماكرة ناوشت ثغر سليم ليهمس إليه بنفس خفوت نبراته : مر علي بالشركة وسنتحدث حينها .
أومأ عمر برأسه : يوم الأحد سأكون عندك بإذن الله .
ابتسم سليم قبل أن يشير إليه بتناول الطعام فيعاودا الأكل ثانية وهما يتحدثان بمرح عن أشياء كثيرة لم يتضمنها العمل .
***
يجلس بجوارها على طاولة الطعام بالقصر يتناول الغذاء مع عمه وفاطمة فهما يتوجدان اليوم معهما على غير العادة فهو منذ زواجه وبعدما قضى شهر عسله بالخارج عاد ليجد القصر فارغ لأجله ، كان يظن الأمر لأنه بأول زواجهما ولكن ما فهمه من تامي فيما بعد أنهما قررا أن يمكثا معهما فقط بأخر الأسبوع حتى تستقر أمورهما سويا فيتركان لهما المجال فارغا ليعتادا نمط حياتهما الجديد ورغم رفضه واصراره أن القصر يظل كما هو فهو قصر الجميع ولا يخصه بمفرده إلا أن عمه وزوجته ينتقلان ذهابا وإياباً من بيتهما الجديد الذي بدأت فاطمة في إعداده وتجديده والقصر ، في حين استقل أدهم بنفسه في البيت الجديد ولا يأتي إلا نادرًا إلا للاجتماع على الطعام فقط ويرفض رفضا تاما المبيت ، ابتسم مرغما وهو يتذكر رسالة أدهم الصوتية الضجرة التي وصلته منذ قليل يشكو فيها من غيابه وغياب زوجته ويصفهما بعدم المهنية بينما يستمع إلى قهقهات أحمد في خلفيتها لتومض عيناه بسعادة سرت سريعا وهو يتذكر فترة الصباح التي قضاها بأكملها معها .. إلى جوارها .. بجانبها مؤكدا لها أنها ستأتي بولي عهده قريبا جدا ، كح بخفة وهو يتذكر وعده الصباحي لها فيتحدث بهدوء وهو ينظر إلى وائل : عمي ، انتبه الجميع إليه بينما رمقه وائل باستفهام - أريد بناء بيت خشبي فوق الشجرة الكبيرة في الحديقة .
توقف وائل عن مضغ الطعام ليعبس بتعجب اندثر لوهلة وهو يرمق عاصم بنظرة غاضبة فيرجف فكه و يتوقف عن المضغ ليغمغم بجدية : لماذا ؟
احتقن وجه نوران وكتمت ضحكتها وهي تخفض رأسها تعبث بطبقها تشعر بالحرج وهي تتذكر حديثه الوقح إليها صباحا بينما أجاب عاصم ببرود : ليلعبوا فيه الأولاد .
رجف جفن وائل ليهمس بصوت محشرج : أية أولاد ؟
عضت فاطمة شفتها حتى لا تقهقه ضاحكة لينظر عاصم إلى عمه مليا ثم يجيب أخيرًا ببساطة : أولادي أنا ونور .
__ ناااااعم ، ألقاها وائل بحدة ليرتفع حاجبي عاصم بدهشة ليكمل وائل بعصبية - أية أولاد يا ولد ؟!
اختفت الدماء من وجه نوران التي ارتجفت بخوف لتنفلت ضحكات تامي رغم عنها قبل أن تربت على كتف زوجها بحنو : أهدئ يا وائل .
لوى عاصم شفتيه بحنق ليهتف بعدم فهم حقيقي : لا أفهم ما وجه الاعتراض ألم تكن تريد وليا لعهد العائلة ؟ أكمل ببساطة - أنا أعمل على تنفيذ رغبتك لذا أريد بناء البيت الخشبي .
اتسعت عينا وائل ووجهه يكفهر لتضحك تامي وتهتف بمرح : ستبني البيت لأجل ولي العهد الذي سيأتي أم لتستطيع أن تأت بولي العهد
_مامي هتفت بها نوران بصدمة حينما انتفض جسد أبوها بغضب فيبتسم عاصم رغم عنه
ليزمجر وائل بغضب : بحق الله يا فاطمة توقفي .
تمتم عاصم برزانة : لا أفهم المشكلة يا عمي ، هل معترض على بناء البيت هل الفكرة لا تروق لك ؟!
تمتمت فاطمة بتفكه : بل معترض على فكرة الأولاد
اعتلت الصدمة ملامح عاصم لينظر إلى عمه الحانق بتعجب والذي هتف من بين أسنانه : ألم أطلب منك الصمت يا فاطمة ؟
صمت عاصم قليلا ليهتف سائلا بمهادنة ظنا منه أنها ناجحة : هل توقعت أني سأؤجل الإنجاب يا عماه ؟
تمتم وائل بحنق : يا الله يا رحيم
هتف عاصم بضجر : لا أفهم ما سبب اعتراضك يا عمي ؟! ألم تزوجنا ، كيف لا تتوقع أننا سننجب ؟!
هتف وائل بعصبية : ما لك بتوقعاتي ؟! لم أخبرك توقعاتي ولا أريدك أن تخبرني عن توقعات حضرتك العظيمة !
أشاح عاصم برأسه ليهمهم بعناد : حسنا على راحتك ولكن فعليا تفكيرك غريب يا عمي ألم تفكر بهذه الطريقة وأنا أتزوج من نوران ؟
هتف وائل بغضب : أصمت يا ابن وليد من الأفضل لك .
نهض عاصم متأففا لينتزع نوران معه: حسنا أعتذر أنا مخطئ لأني أحببت أن اشاركك في الفكرة سأبني البيت دون الرجوع إليك ، توقف قبل أن يغادر لينظر إلى عمه مليا وهو يتبع - لعلمك فقط حتى لا تهلع فيما بعد ، سأبني البيت لأجلي أنا ونوران فلا تنزعج حينما تجدنا نبيت فيه .
انتفض وائل واقفا وهو يصيح : اذهب من هنا يا ابن ال ..
صمت فيتحرك عاصم بخفة مبتعدا وهو يجذب نوران معه : أنا ذاهب من الأصل وسأخذ نوران لحضور حفل الحناء مع أخي .
راقبه وائل بغضب ليتمتم من بين أسنانه بتوعد : حسنا أنا سأريك يا ابن وليد سأريك أنت و وليد نفسه.
انفجرت فاطمة ضاحكة ليتأفف وهو يرمقها شذرا فهمست بخفة : لا تغضب يا بابا جدو ، شبيهك يريد أن يأتي بولي عهد للعائلة ، أليس هذا ما كنت تريده وتدفعه للزواج لأجله .
جلس ثانية ليزفر بقوة : نعم أريد ولي عهد للعائلة ولكن لم يصل الأمر لبناء بيت شجرة لأجله .
ضحكت بخفة لتغمزه بشقاوة : الولد مبتكر ويفكر خارج الصندوق .
اربد وجهه بغضب ليصيح : سأكسر الصندوق فوق رأسه بإذن الله .
انطلقت ضحكاتها من حوله بشقاوة فلانت ملامحه مرغما حينما شاكسته بوجهها هامسة : أتركه ينطلق يا وائل ، هو ونوران يستحقان السعادة يا حبيبي .
مط شفتيه ليغمغم بضيق : حينما أرى وليد سأريه بسبب قلة أدب ابنه .
لوت فاطمة شفتيها لتغمغم بعبث : في هذا هو اشبه بك عن أبيه .
اعتلت الصدمة ملامح ليسألها بحنق : تقصدين أني قليل الأدب يا فاطمة .
أجابته ببراءة مفتعلة : أنا ؟! أبدًا ، أتبعت بضحكة مغوية – أنت وقح فقط يا حبيبي .
اقترب منها بجسده هامسا : ألم تشتاقي لوقاحتي ؟
لامست طرف أنفه لتهمس بخفوت : اشتقت إليك وإليها كثيرا يا وائل .
مد كفه إليها لتستجيب بطواعية وهي تنهض ليجذبها إليه يجلسها فوق ساقيه ليضمها إلى صدره هامسا : وأنا اشتقت إليك كثيرا يا حوريتي .
***
يجلس بغرفة المعيشة يحتسي القهوة التي أعدها له سليم فحماته مختفية من بعد الغذاء وحبيبة ضائقة دون أن يفهم السبب وهاك هي مقبلة عليه تمتص الليمون كعادتها مؤخرا ، رمقها بعتاب وهي تلوك النصف ليمونه بفمها لتبعد نظرها عنه دون اهتمام فيبتسم سليم ويهمس بخفوت : ما بالها بيبة ؟!
أخفض عمر عينيه ليهمس من بين أسنانه : تتوحم على الليمون ورغم أن شهور وحامها انتهت إلا أنها مستمرة في أكل الليمون بطريقة غريبة وكأنها تقصد اغاظتي.
رفع سليم حاجباه ليسأله : لماذا تتعمد اغاظتك ؟!
أطبق عمر فكيه ونطق بضجر : أنا لا أحب الليمون ولا أطيق رائحته والبيت وهي وكل ما يحيطها أصبح فجأة برائحة الليمون .
كتم سليم ضحكته بصعوبة وهو ينظر لوجع عمر المكفهر بضيق فيجيبه برزانة : تعلم أنه رغم عنها .
تنفس عمر بقوة وهمس بعفوية وهو يعود بجسده للخلف يتكأ على الأريكة : أعلم ولكن نولا وسوزي أخبراني أن الوحام ينتهى بعد الشهر الثالث ونحن الآن بأول الخامس والعادة تصاحبها وأنا لا أفهم هذه العادة الغريبة .
ربت سليم على ركبته القريبة بدعم ليهتف به وعيناه تتعلق بجسد شقيقته الصغير الذي أصبح ممتلئ قليلا وبطنها المنتفخ والظاهر من فستانها الصيفي الخفيف : سلمها الله وبإذن الله تقم لنا بألف سلامة ويرزقك الله بمولود جميل يقر عينك به
تمتم عمر وعيناه تغيم بعاطفة قوية حينما تعلقتا بحبيبة التي عادت إلى جلستهما : اللهم أمين يارب ، أتبع وهو يلتفت لسليم - العقبى لك بإذن الله .
هتف سليم بمرح وهو يستقبل أنجي التي دلفت للغرفة للتو فيشير إليها لتجلس بجواره فاستجابت على الفور بحركة خفيفة سريعة وهي بجوار حبيبة التي تتحرك ببطء عن المعتاد لتعبس حبيبة بضيق وهي تنظر نحوها وصوت شقيقها يغرد بسعادة : بإذن الله ، وخاصة بعدما انتهت الثلاث أشهر فأنا وأنجي كنا قررنا أن نؤجل الإنجاب قليلا ولكن أنا الآن لا أرى سببًا للتأجيل .
جلست حبيبة بعيدا عن عمر في تصرف دائم منها تتبعه في بيت أسرتها حتى لا تثير حفيظة أبيها لتسأل بعبوس : تأجيل الإنجاب لم تخبرنا من قبل يا سليم .
التفت إليها عمر يرمقها بتحذير فأشاحت بعينيها تنظر باهتمام إلى شقيقها الذي هتف بلا مبالاة : لم تأتي فرصة فقط ليس أكثر .
مطت حبيبة شفتيها دون رضا لتبتسم أنجي بخفة وهي تقترب بجسدها من الطاولة الخشبية الموضوعة بمنتصف الغرفة فتلتقط طبق خزفي تضع به عنقود من العنب وتلتقط تفاحة حمراء لتبدأ يتناول العنب برقة قبل أن تجيب بهدوء : أحببنا أن نستمتع بحياتنا أكثر في أول الزواج بدلًا من تعب الحمل والوحام وكل الأشياء المقززة التي تعيق الأزواج عن الاستمتاع بحياتهم.
شحب وجه حبيبة تدريجيا لتتسع عينا عمر بصدمة بينما جمدت ملامح سليم الذي التفت إليها ببطء ليبتسم من بين أسنانه وهو يتحدث بجدية : أعتقد أنه انتهى وقت الاستمتاع يا حبيبتي، وعلينا الآن نستعد لفقرة لوقت التقزز بحياتنا.
ابتسمت أنجي باضطراب لتهمهم بضحكة خافتة : كما تريد يا حبيبي ، أنت بالآخر من ستعاني معي .
انتفضت حبيبة واقفة لتهمس بجدية والغضب يعلو ملامحها : بعد إذنكم ،
رمقها عمر ليسأل باهتمام : إلى أين ؟!
تمتمت حبيبة من بين أسنانها : سأذهب لغرفتي فهناك رائحة عطرية أنثوية من النوع المسكر تثير غثياني والليمون لم يعد بفائدته المرجوة ، أكملت وهي تنظر لها من بين رموشها - أخاف أن استفرغ أمامكم وأثير قرفكم ..
تصلبت ملامح أنجي لترمق حبيبة بضيق واضح فترفع حبيبة رأسها بتحدي واضح قبل أن تتحدث بهدوء : أعتقد أن عليك تغيير عطرك يا أنجي حين تجمعنا فأنا بحالتي الخاصة ومعاناتي لا نتحمله .
التفت إليها سليم معاتبا لترفع حاجبها بغضب يعلم أنه نادرا الظهور بينما هتف عمر بهدوء : حبيبة .
فتجيب ببساطة : ماذا ؟! أنا أشركها في معاناتي البسيطة التي وفرتها على نفسها حينما أجلت الإنجاب ، أكملت بهدوء - نصيحة مني يا شقيق إذ لم تكونا مؤهلان للمعاناة لا تأتيا بها .
ألقتها لتخطو إلى الخارج بخطوات بطيئة إلى حد ما ولكنها غاضبة بينما نظر عمر بأثرها في صدمة تبخرت حينما استمع إلى نحيب صامت فالتفت سريعا نحو أنجي التي بدأت في بكاء انهمر من عينيها فتهتز حدقتي سليم الذي أولاها اهتمامه كاملا وهي تهمهم بصوت منخفض : أنها تكرهني يا سليم أريد الرحيل من فضلك
اضطربت ملامح عمر وهو لا يعلم ما الذي عليه فعله وخاصة حينما ضمها سليم إلى صدره وبدأ بمراضاتها ناسيًا كل شيء سوى بكائها فنهض عمر واقفا ليغادر الغرفة خلف زوجته دون أن يتحدث فيغلق الباب خلفه يمنحهما خصوصية يحتاجانها على ما يبدو وهو يتبع زوجته إلى غرفتها والذي دلفها على الفور ليتنفس بعمق عندما وجدها تقطع الغرفة في خطوات غاضبة ، وهي تزفر بغضب تضع كفها في خصرها من الخلف وتنفخ بقوة فيغلق الباب خلفه هامسا بجدية : حبيبة .
صاحت بضيق وكأنه جذب فتيل اشتعالها : لا تلومني يا عمر هي من بدأت .
أغمض عينيه وزفر بقوة ليهمهم : وأنت كأنك كنت منتظرة أن تضايقك لتنفجري بها .
هدرت بجنون : أنها تتعمد مضايقتي يا عمر وتتعمد التحدث عن أمر الحمل بقرف وتقزز ، ألم تلاحظ ذلك ؟!
أتبعت بغضب وصوتها يعلو رغمًا عنها : أتعلم أن ماما طلبت منها أكثر من ثلاث مرات أن تكف عن وضع هذا العطر لأنه يثير غثياني ورغم ذلك اليوم بعد الغذاء تعمدت أن تقف بصالة البيت وترشه ، لقد كدت أن استفرغ الغذاء كاملا لولا أن ماما منحتني الليمون والذي أعلم جيدا أنه يضايقك ولكني لم أكن سأغامر بان استفرغ غذائي الذي للتو أنهيته وأنت تعلم أني لا آكل كثيرًا.
عبس بضيق ليهمس : حسنا اهدأي لأجلي .
طفرت عيناها بالدموع لتهمس ببكاء بدأ ينساب من جانبي عينيها : وبالأخير تتحدث عني أني مقززة ، أنها هي المقززة .
لانت ملامحه بحنان يفيض لأجلها ليتحرك نحوها يجذبها من ساعديها إليه ليضمها إلى صدره هامسا بخفوت : بل مائة مقززة ولا تغضبي أنت يا بطتي يا حياتي و سكرتي التي تحلي أيامي فلا تشغلي رأسك بها ..
تمسكت باحتضانه لها في قوة تدفن وجهها في عرض صدره وتبكي بخفوت ليهمس مراضيًا : توقفي يا حبيبتي لا تبكي أرجوك ، نهنهت فأكمل بمشاكسة - حبيبة لن استطع تقبيلك أرجوك توقفي عن البكاء
عبست ودموعها تتراجع لتبتعد عنه قليلا تنظر إليه بضيق فهمس بسرعة ضاحكا : لا أقصد فقط تعلمين الليمون فأنا لست على وفاق معه.
احتقن وجهها بحمرة قانية والدموع تتجمع بعينيها لتهمس بصوت مختنق : أريد أن أعود للبيت .
ضمها إلى صدره ثانية ليربت على صدرها : تعلمين أننا لن نستطيع فاليوم ليلة الحناء الخاصة بابنة عمتك لا أعتقد أنك ستتركين يمنى أو تغضبين عمتك أو أبيك لأجل شجار تافه مع زوجة شقيقك ، ثم إذا غادرت الآن سيكون انسحاب يا بيبة ، أنه بيت والدك وهذا الجالس بالخارج أخيك لن تقاطيعهما لأجل خلاف بينك وبينها .
شمخت بأنفها : سليم لم يدافع عني يا عمر .
رمقها بعتاب : بل فعل ورغم أنه فعل أنت أخذت حقك أيضًا ولم تهتمي بمشاعره أو موقفه
تمتمت بضجر : لأنها تتعمد استفزازي .
همس بجدية : سليم لا يعلم يا حبيبة ، لمعت عيناها بغضب فأكمل - وإياك وأن تخبريه ، كل ما عليك أن تتوقفي عن الاحتكاك بها ، وأن لا تتجاوزي معها أمام سليم ، سليم يقدرك يا حبيبة ولا يقوى على الاستغناء عنك فلا تدفعيه أنت بعيدا أو تسمحي لها بأن تبعدك عنه
أشاحت بوجهها بعيدًا وهمت بالحديث لتصمت على أثر دقات الباب التي تصاعدت بمرح تشي بوجود شقيقها أمام باب غرفتها فتبتسم رغمًا عنها ليشير إليها عمر برأسه بمعنى أرأيت قبل أن يتحرك ليفتح الباب فيطل سليم بمرح هاتفًا : هل أمسكت بك يا ابن الخواجة ؟
ضحك عمر وهم بإجابته لينطق سليم سريعا وهو يتحرك نحو حبيبة : أنت تبكين يا حبيبة ، أنا آسف يا حبيبتي ، لا تبكين أرجوك فها قد أتيت لاعتذر منك .
***
تقف خارج الغرفة لا تعلم لماذا اتبعته وهي تدرك في قرار نفسها أنه سيذهب لمراضاة شقيقته بعدما هدأها وقبل رأسها وسيطر على دموعها التي كانت حقيقية وليس لأنها غاضبة لأجل حديث حبيبة الفارغ بل لأنها تبغض نقص شعورها بكل ما تحدثت عنه حبيبه ، حبيبة التي تجلس بحضن شقيقها فيدللها وكأنها طفلته ويشاكسها وهو يتحدث معها عن طفلها فتجد نفسها تنظر لبطن الآخرى المنتفخ وتتمنى أن تحصل على انتفاخ مثله .. انتفاخ لن تحظى به أبدًا !!
انتفضت من نظراتها على حبيبة التي على ما يبدو شعرت بها فرفعت نظرها نحوها فتتواجها ليشحب وجه حبيبة على الفور وتفرد كفاها برد فعل غريزي على بطنها وكأنها تحميه من نظراتها !!
أسبلت جفناها لترفعهما من جديد بنظرة مغايرة وترسم ابتسامة زائفة فوق شفتاها وهي تقترب من الباب تدقه برقة مفتعلة وهي تهتف بمرح : هل أستطيع الدخول ؟! أتيت لأنهي الخلاف يا حبيبة فأنا مقدرة ظروفك الآن وأعلم أن وضعك العاطفي غير مستقر فأتيت لنتصافى.
اكفهر وجه حبيبة وهي تشعر بإهانتها المقصودة لها ليرمقها عمر بنظراته يحذرها ألا تندفع بغضب فتبتسم حبيبة رغما عنها وتهمس بخفوت : لا عليك يا أنجي ، أنا لست غاضبة ، أكملت بهمهمة جادة – يكفيني أن سليم أتى بنفسه ليراضيني .
رمقتها أنجي من بين رموشها لتهمس بخفوت وهي تبتسم برقة زائفة : بالطبع ، سعيدة أنك لست غاضبة ، حسنا سأذهب أنا لارتاح قليلا قبيل أن نذهب لليلة الحناء .
القت حديثها وهي تتجه للباب ثانية فعم الصمت عليهم جميعا لتتوقف هي متبعة – لن تأتي يا سليم .
تشنج جسد حبيبة بداخل صدره انبأه أن الأمر أكبر مما يظن ، فربت على ظهر شقيقته بحنان أراح قلب حبيبة فابتسمت وهي تتمسك به أكثر فيهتف بعفوية : سأتي ولكني سأجلس مع بيبا قليلا .
ابتسمت أنجي وغادرت وهي تصر على أسنانها بقوة تشعر بالنفور يزداد داخل أوردتها وخاصة حينما التقطت احتضانه الحاني لشقيقته التي تمسكت به وكأنه أخر ما تبقى لها في عالمها فتشعر بالنقص يحتل روحها أكثر فأكثر فتقرر أنها لن تكن أبدا خاسرة !!
***
يجلس على طاولة بجانب مقهي فخم معتاد على الجلوس به مع أبيه الذي أصر على مقابلته خارجا بعيدا عن اجواء البيت متعللا بأنهما لم يتحدثان منذ عودته نهائيا من الخارج ، تنهد بقوة وهو يقر بأنه فرح أخيرًا لعودته إلى وطنه بعد سنوات من الدراسة خارجا ولكنه بفضل الله انهاها ، بل إنه أنهى كل شيء يخصه بالخارج ، وخاصة بعد هذه المقابلة التي اعادته لقواعده سالمًا دون خسائر كانت ستكون جسيمة لولا اتزانه المشهود له منذ صغره . رف بعينيه وهو يتذكر ذاك اليوم الذي كان بعمله فعبس بتعجب وهو يستمع إلى اسمه ينادى بجهاز الاستدعاء بعدما أنهى وقت مناوبته ليذهب إلى استقبال الطابق يسأل عن سبب استدعاءه فتجيبه المساعدة بأن هناك سيدة تريد رؤيته ، التفت نحو من أشارت بتعجب لتنفرج ملامحه بذهول وهو ينظر إلى من وقفت أمامه بطولها الفارع وخصلاتها الحمراء وابتسامتها اللبقة تقترب منه برقي وتهتف له بتحية رسمية أثارت ريبته ليرحب بها برزانه وعيناه تومض بتساؤل عن سبب قدومها إليه فأجابته برقة : هلا سمحت لي أن أدعوك على قدح من القهوة ؟
ضيق عيناه قليلا ليهتف بلباقة : أنه شرف لي يا سيدتي ، ولكن سأدعوك أنا من فضلك .
اتسعت ابتسامتها لتهمهم بفخر : أنت تشبه أبيك بالفعل
اهتزت حدقتيه بتوتر قبل أن يهتف وهو يشير إليها أن تسير معه : من الواضح أن حضرتك تعرفين بابا جيدا .
أسبلت فحينها لتجيب بخفوت : بل أكثر من جيدا
كسى الذهول وجهه ليقودها إلى طاولة بعيدة نسبيا في مقهى المشفى الذي يعمل به قبل أن يذهب ليأتي بقدحين من القهوة يمنحها أحدهم : تفضلي يا دكتور .
هتفت بعربية شعر بأنها مقصودة في حديثها حتى لا يعلم المتواجدين حولهما فحوى الحديث : سلمت يداك .
جلس أمامها مواجها إليها لترتشف القهوة ببطء قبل أن تسأله بهدوء : كيف حالك مع كارما ؟ شحبت ملامحه تدريجيا ليعود بجسده للخلف مؤثرًا الصمت فاتبعت هي بهدوء متعمد - ابنتي تخبرني بكل شيء يا محمد .
شعر بحلقه يختنق ليجيب سريعا : وما هو كل شيء ، ما بيني وبين كارما بضع أحاديث يدركها زياد جيدا ، أحاديث عادية وطبيعية بين أي صديقين وأنا لم ولن أتجاوز قط بالحديث مع كارما .
هتفت بسرعة : بالطبع يا بني أنت موثوق بك وأخلاقك لا غبار عليها وأنت نعم الصديق لابنتي والأخ أيضاً ، ولكني فقط فكرت أن .. صمتت قليلا فضيق عينيه بترقب لتكمل - فكرت أن أخبرك بعض الأشياء قبل أن تتطور هذه الصداقة لشيء أكبر لا نستطيع احتواءه وخاصة مع ميلك الذي شعرته نحوها وميل ابنتي لك .
سحبت نفسا عميقا واتبعت : أنا بالأول والأخير أم أدرك جيدا ابنتي ومشاعرها وحينما تميل لشخص ما أستطيع الشعور بها وكارما تميل إليك يا دكتور محمد .
حينها رف بعينيه كثيرا ليشد جسده ويهتف باتزان : على ما اعتقد أن حضرتك لا ترضين عن ذاك الميل ولا الصداقة .
ابتسمت برقة وهتفت : أنت فخر لأي عائلة .. سواء صداقتك لولدها او مصاهرتك لهم ولكن .. صمتت فانتظر بصبر إلى أن أكملت - لا أعتقد أن عائلتك ستوافق على أن تقترب .. تتعلق أو تتزوج من ابنة طليقة أبوك .
حينها صدم .. ذهل .. وتيبس عقله وهي تشرح له الصلة الغريبة التي كانت تجمعها بابيه وتلك الفترة التي لا يعلم عنها شيئا من علاقة والديه ولا يحق له أن يعلمها ، لا ينكر أنه كان منجذبًا للفتاة وبشدة ولكنه انجذاب ، حلله عقله على أنه انجذاب إلى كل ما هو جديد في عالمه المختلف عما المعتاد ، فحينما كان يشعر بأنه يتخطى شعور الإعجاب أو الانجذاب كان عقله يعيده للمنطقة الآمنة ثانية وهو يذكره أن من مثل كارما لا تناسبه ، ليس بأسلوب حياتها فقط ، بل في كل شيء إن اختلاف الثقافات بينهما جليًا واضحًا ، ليأتي تصريح والدتها بأن حتى لو قبلت عائلته هي لن تقبل أن تؤذي زوجها وحبيبها هكذا بذكرى من ماضي انتهى بالنسبة لها فيعيده وجوده أمامه من جديد ليحترم رغبتها ويبتعد نهائيًا وخاصة بعد تلك الليلة التي شاهد كارما وهي ترقص مباشرة في إحدى العروض التي تعمل بها بعدما دعته إليها
كان يعلم أنها راقصة شهيرة بإحدى فرق الرقص الأمريكية التي يسمع عنهم من حوله ويتحدث الناس عنهم بالفعل بل يتحدثون عن شهرتها هي خاصة يتحدثون عن الفتاة العربية الأمريكية المميزة لأن روحها تسبقها رغم جمالها الأوروبي ، كان يستمع وهو يتوقع انها بالرينا .. راقصة بالية كما خيل إليه عقله ، لتجدد صدمته وهو يكتشف أنها ترقص بشكل ما ينتمي لرقص شرقي وغربي مجتمعان ، نوع جديد لا يفهمه من الرقص ليتبقى أمام عقله أخيرًا أنها راقصة ليست بالرينا بل راقصة تعبيريه ، يومها لم يتحمل أن ينتهي العرض فذهب إليها بفترة الاستراحة واعتذر منها لينصرف وهو يحمد الله أنه سيعود قريبا ويغلق هذه الصفحة نهائيا ، صفحة تواجده في هذه الأرض الغريبة .. إعجابه بفتاة لا تشبهه .. وتوصله لماضي لا يخصه ، فيومض أمامه إلحاح والدته الفترة الماضية بأكملها أن يرتبط بفتاة تشبهم .. تنتمي اليهم .. وتحبه كما لن تفعل إحداهن ، فيبتسم وهو يعلم انتقاء والدته بل تلميحاتها المتكررة مفضوحة إليه ليتخذ قراره بهدوء وتروي وبعد تفكير طويل ليحسم قراره أخيرًا ويجري اتصاله بوالدته قبيل عودته ليخبرها أنه يريد الارتباط بأمينة !!
ورغم احتفاء والدته بل أنها كادت أن تزغرد له في الهاتف وهي تخبره بأنها سترتب كل شيء مع خاله إلا أن اتصال أبوه به في نفس اليوم ولكن بوقت يعد متأخرا وهو الذي لم يفعلها من قبل ليبلغه بكلمات مقتضبة أن يدع أمر الخطبة هذا إلى أن يعدسالمًا وحينها سيتحدثان سويا انبأه برفض والده للزيجة وعليه هو يستنتج جيدا حديث والده اليوم ، فمحمود المنصوري غير راضيا عن ارتباطه بابنة خاله ، لا يعلم سبب رفض أبوه لهذا الارتباط ولكن موقن هو من أسباب أبيه ويثق برأيه بل وسيخضع لرغبته مهما كانت ، فهو ليس بالولد الذي يرفض رغبة أبوه أو يعيق تنفيذ حلم والدته ، ولكن اليوم وهو جالس ينتظر وصول والده يفكر رغما عنه في كيف سيخضع لهما سويا في حين أنهما الاثنان غير متفقان هذه المرة .
***
يجلس بحديقة المنزل قبيل بداية حفل الحناء الذي قرر ألا يحضره وتحجج بعمل خاص في المشفى ينتظره فرمقته أمه بعدم رضا وتطلعت إليه يمنى بمشاعر مضطربة غير مفهومة فابتسم يطمانها قبل أن يحتضنها بخفة ويقبل رأسها متحاشيا الحديث مع أبيه أو أسعد والأهم منهما جنى التي تستطيع بشكل ما إجباره على الثرثرة التي لا يريدها ، الآن خاصة لا يريدها ، فاختلى بنفسه هنا يريد تصفية ذهنه والجلوس صامتا إلا أن رنين هاتفه المتواصل الذي أفسد عليه لحظة الاستجمام الذي أرادها بعيدا عن الجميع بعدما أعدت له جنى قهوته فأدار الهضبة يستمع إلى إحدى أغانيه القديمة ذات المقام الشرقي فيدوي صوت عمرو دياب بجوار أذنيه وهو يشدو
جرح الهوى لو من الحبايب .. ملوش دوا ولا قلب دايب
أنسى اللي كان .. انا قدرت أنسى
كل اللي بينا .. هنعيشه ذكرى
روح .. روح ابعد عني
روح .. روح يا اللي تاعبني
ده انا قلبي سامحك .. وجرحي سامحك
الله يسامحك.
روح – عمرو دياب
فيأبى هاتفه أن ينتزعه من مزاجه الذي بدأ يروق وهو ينغمس مع الاغنية التي أدارها متعمدا فيمط شفتيه بضيق ثم يجيب بهدوء وصوت رخيم : مرحبا .
أتاه صوتها الناعم تسأل برقة متعمدة : لازلت غاضبا ؟
عبس قليلا ليسأل : متى كنت غاضبا ؟ أنا لا أذكر أني كنت غاضبا .
خيم الصمت عليها قليلا فهتفت بتعجب : حقا ؟! آثر الصمت فأكملت - توقعت أنك غضبت لاتصال زميلي بي وأنا معك .
عبس قليلا ليهمس سائلًا : لماذا أليس هذا زميل عملك ؟
ردت سريعا : نعم بالتأكيد .
رفع حاجبه ليسأل بوضوح : وكان يهاتفك في العاشرة مساء لأجل أمر هام بالعمل كما أخبرتني
تمتمت سريعا : بالطبع .
أجاب بلا مبالاة : إذًا لماذا سأغضب ؟
تمتمت بخفوت : ظننتك غضبت لأجل التوقيت فقط.
زفر بقوة : لا لم أفعل لأني ببساطة أثق بك ، صمت لوهلة ليسأل بهدوء - أم علي أن لا أفعل ؟!
امتقع وجهها لتهدر باختناق : ما الذي تقوله يا عادل ؟!
أجاب بلامبالاة : أنا فقط أسأل .
زفرت بقوة لتؤثر الصمت قليلا قبل أن تسأله : الليلة الحناء ، أليس كذلك ؟
أغمض عيناه وعبوسه يزداد : نعم .
تمتمت : مبارك عليكم .
تمتم من بين أسنانه : بارك الله فيك العقبى لك .
عبست بعدم فهم : العقبى لي ؟!! آثر الصمت لتهتف بنزق - إذًا متى سأراك ؟ أعلم أنك ستسافر قريبا ثانية أريد أن أراك قبيل سفرك .
تنهد بقوة ليهتف : انتهي فقط من زفاف موني وارتب مواعيدي وأخبرك .
تمتمت بضيق : حسنا إلى اللقاء .
أنهى الاتصال ليلقي هاتفه أرضا بنزق وهو يشعر بالضيق يتملكه وخاصة مع تبديل الأغنية التلقائي فانتهت الأغنية التي كان يريد الاستماع إليها ويبرد فنجان قهوته الذي لم يشربه ليتمتم بمسبات كثيرة متتالية خافتة أوقفه عنها ضحكة أنثوية قصيرة فلتت من صاحبتها التي تقف متخفية بجدار البيت ومن الواضح أنها كانت تراقبه.
اسبل جفنيه وابتسامته تحتل ملامحه ليهمهم بخفوت : هل ستأتين يا أرنبة أم أضع لك الجزر لعله يغريك فيجبرك على القدوم ؟
أظهرت نفسها بشموخ فتجيبه بخفة : توقفت عن تناوله يا أبية ، ولم أكن متخفية عنك ، فقط لم أشأ أن اتطفل عليك وازعجك وأنت تتحدث بالهاتف .
تنهد بقوة : وجودك لا يزعجني البتة يا ملك .
ابتسمت برقة لتشير برأسها إلى موضع الجهاز الصغير الذي يصدح منه صوت عمرو دياب الذي يشدو بصوت فرح
عيونك الغالين .. بينوروا الدنيا
والضحكة ع الخدين .. تتحبي وفي ثانية
ملامحك جميلة .. وكلك جميلة
جميلة جميلة .. يا بخت اللي ابقي معاه
جميلة جميلة .. جميلة ما شاء الله.
جميلة – عمرو دياب
فسألته برقة : هل كنت تغازل خطيبتك بالأغاني يا أبيه ؟! كما يفعل حبيبة زمان ؟
ارتفعا حاجبيه ليسأل بجديه وهو يرفع رأسه ينظر اليها : وكيف عرفت أنتِ عن حبيّبة زمان ؟
التفتت من حولها قبل أن تحمل مقعد قطني صغير فتلقيه بجواره ولكن بعيدا عنه قليلا ثم تجلس وتهمس وكأنها تدلي له بسر خاص : ديدو كان ولازال يدير الأغاني لجاسي ، تطلع إليها باهتمام وهي التي اسبلت جفنيها تثرثر بعفوية وكأنها شردت في ذكرى محببة لها - دوما ينتقي الأغاني التي تفرحها .. يشاكسها بها وبعض الأحيان يصالحها أيضًا.
ابتسم بخفة : تحبين أخوالك كثيرا يا ملك أليس كذلك ؟
ضحكت بخفة : وأعمامي أيضا ولكن أخوالي لهم مكانة خاصة .
تمتم سائلًا باهتمام : من أكثرهم قربًا لك .
أجابت دون تفكير : ويلي .
ردد بدهشة : سيادة الوزير ، ظننتك ستختارين ديدو .
أشارت براسها نافية وهتفت موضحة : لا أنكر انهما ذو مكانه متقاربة للغاية ولكن كلا منهما لديه أسلوبه الخاص ومكانته المميزة ، تمتمت متبعة - وأنسى أمر سيادة الوزير هذا نهائيًا ، فسيادته معنا شيء آخر ، ولكن هذا لا يمنع أني أعشق خالو وليد فهو المرح المشاكس العابث الذي أستطيع أن أرمي كل متاعبي بحضنه ، بينما خالو وائل هذا من أركض إليه وأنا أعلم أنه سيربت على مخاوفي دون أن أنطق بها ويشد من ازري دون أن اطلب منه .
رمقها قليلا ليسأل بجدية وترقب : ووالدك ؟
ضحكت برقة : لوكا هذا قلبي .. روحي .. صديقي وحبيبي ، معه أنا آمنة وبحضنه أنا سعيدة وهانئة .
التمعت عيناه لتهتف به : لم تسألني عن خالو أحمد ؟!
ضحك بخفة : لأني أعلم علاقتك بدكتور أحمد جيدا ، فهو يعدك ابنته كجنى.
ضحكت برقة : الأمر لا يتوقف على هذا فقط خالو أحمد السور الذي اختفي خلفه من الطوفان المتمثل في ماما الجميلة ، التمعت عيناه بترقب وهو يراقبها فأتبعت وعيناها تنطفأ تدريجيا - فهو الوحيد الذي يستطيع التحكم بها وحسر سيطرتها التي تفرضها على الجميع ، خالو أحمد الوحيد الذي يقوى على الوقوف في وجه ماما ، فبابا يراضيها دائما والاخوين ويلي يدللاها وكأنها ابنتهما إلا هو ، هو من يستطيع أن يقسو عليها ويقومها أيضا.
رمقها في صمت لتسأله بعد وهلة : وأنتَ ؟
ضحك بخفة : أنا لا أملك الكثير ، عائلتي صغيرة ، نعم عمو وليد يعد عم لي والخواجة أيضا في مقام عمي ، ولكن رسميا أنا امتلك خال واحد ، وأنا أعشقه رغم أنه مربك قليلا وبالطبع ايني حبيبتي وروح قلبي لا أعدها خالتي بل هي صديقتي المقربة ، تنهد بقوة ليكمل - أما لو تسألي عن ماما فهي لديها صمام أمان واحد فقط وهو " الأمير ".
ومضت عيناها بزرقة غنية ليكمل : بابا يقوم بكل الأدوار الحقيقة ، يدلل ويراضي ويقَوم ويصد ويفعل الكثير ، ولكن ماما ذات قلب طيب تحبنا كثيرا وحينما تقسو علينا يكون لأجلنا .
تأففت بضجر وهتفت : أرجوك يا عادل لا تردد هذا الحديث غير المفهوم – بالنسبة لي - عن كون الأم تقسو لأجل مصلحة ابنائها ، فما الفائدة التي ستعود على الأبناء من القسوة ، وألا تستطيع الأم أن توجهم دون قسوة .. دون غضب .. دون صراخ وعويل.
اسبل جفنيه ليسألها بجدية : أخبريني يا ملك لو أمامك طفل صغير يلعب ، وأتى بمسمار حديدي وسيضعه بمفتاح الكهرباء ماذا ستفعلين به ؟
تمتمت سريعا : سأمنعه بالطبع ،
رفع عيناه ليسألها بجدية . وإذا كرر الأمر ؟
تمتمت : سأكرر منعه .
ابتسامة ماكرة رسمت على ملامحه ليسالها : وإذا غافلك وأتى من خلفك ليعيد الكرة وفوجئت به يكاد أن يضع المسمار بالكهرباء
أجابت دون تفكير : سأضربه على كفه لأمنعه .
هتف بجدية : بل لتنقذيه من موت محقق يا ملك ، هذه هي قسوة الأمهات على أطفالهن ، تقسو عليك لتمنع عنك خطر أكبر وجميعهن تحركهن لهفتهن وخوفهن على أبنائهن ، تطلعت إليه بصدمة فأكمل بجدية - قبل أن تغضبي من والدتك فكري قليلا فيما تفعلينه يجعلها تهلع عليك .
رفت بعينيها قليلا لتسأله بنبرة محشرجة وهي تمنع عقلها عن التفكير : هل انطي ليلى تهلع عليكم هكذا ؟
ضحك بخفة : انطك ليلى لا تفعل شيئا سوى الهلع علينا .
تعالت ضحكتها مرغمة ليشاركها الضحك قبل أن يصدح صوت جنى المتعجب والتي دلفت للتو إلى الحديقة وكأنها تبحث عنه : أنت هنا يا ملك؟!
ابتسمت ملك بينما نقلت جنى عيناها بينهما باستفهام لتجيب ملك بخفة بعدما قفزت واقفة : كنت أتحدث مع الدكتور بعدما خرجت إلى الحديقة مختنقة من رائحة الحناء .
اسبل عادل عيناه متحاشيا النظر إلى جنى ذات الملامح المندهشة والتي صمتت بتعجب ليأتي صوت عاصم الذي صدح من خلفهم بعدما دلف إلى الحديقة من بابها الخارجي هاتفًا بمرح : كيف حالكم يا آل الخيّال ؟
هتفت ملك بخفة وهي تقفز إليه بطفولية : عاصم .
ضحك عاصم بخفة ليستقبل احتفائها به بقبلة رأس أخوية قبل أن يهتف بها بعدما صافح عادل ورحبت به جنى وهي تهتف بأنها ستدعو أسعد إليه : أنا غاضب منك يا ملك ، كيف تغادرين دون أن تخبريني ؟!
تمتمت سريعا : ظننتك تعلم أني سأغادر قبيل اختباري الأخير ، تكلمت بصوت خافت وهي تغمز له بعينها - ثم فكرت أن أترك لك الساحة يا باشمهندس .
طرق عاصم رأسها من الخلف : توقفي عن الوقاحة بالحديث يا فتاة وإياك أن تكوني بالقصر مرة أخرى وتغادري دون أن تخبريني .
أومأت برأسها موافقة : أمرك يا كبير ، أتبعت سائلة - أين نوران ؟!
أشار اليها برأسه : بالداخل فهي دلفت إلى البيت من بابه الأمامي وأنا أتيت من هنا بعدما وجدت عادل في الحديقة .
هتفت وهي تتحرك بسرعة : سأذهب إليهن ، أشارت بكفها مودعة وهي تهتف بخفة - سلام يا أبيه .
ابتسم عادل مؤثرًا الصمت بينما عبس عاصم مرددًا بتعجب : أبيه ؟!!
تقابلت مع أسعد الذي أومأ إليها برأسه محييا ليقبل عليهما يصافح عاصم ويرحب به ليسأله بجدية بعدما نظر لأخيه الذي تركهما ليذهب ويأتي بالمشروبات وعاصم يهتف به ألا يفعل فهو سيغادر سريعا ليذهب مع عمار الذي يريده في أمر ما يخص تجهيزات البيت : هل أتت ملك معك يا عاصم ؟
هز عاصم رأسه نافيا : لا لقد أتيت وجدتها بالحديقة مع جنى وعادل ، عبس أسعد وفكه ينتفض بضيق فيسأل عاصم باهتمام - هل هناك شيئا ما لا أعرفه يا اسعد ؟!
هز أسعد رأسه نافيا : لا أبدًا فقط لأني رأيتها بالحديقة فاختلط علي الأمر ، أومأ عاصم بتفهم بينما أسعد يطبق فكيه مغمغما بخفوت شديد - يا الله يا عادل.
***
عبس بتعجب وهو يخطو نحو اتجاه غرفة النوم الرئيسية في منزل أخيه ، بعدما أنهى إليه بعض الاشياء التي كانت تنقصه وطلبها منه عمار أن يفعلها له ، عمار الذي اختفى فجأة دون سابق إنذار فأخذ يبحث عنه في البيت الذي انتهوا من إعداده اخيرًا ليستقبل عروس أخيه بعد غد ، ناداه بهدوء وطرق الباب المفتوح قبل أن يدلف إلى الغرفة فيرفع حاجبيه بتعجب وهو ينظر إلى عمار الذي ينتهى من تركيب شيء ما يشبه الأرجوحة !!
اعتلت الصدمة وجهه والتي سرعان ما اندثرت ليحتل الإدراك ملامحه وهو ينظر للفراش المتخفي بأرجوحة أو أرجوحة بشكل فراش فيتطلع إليها وعقله يبحث عن مقصد وجود هذا الشيء في جانب غرفة نوم أخيه الرئيسية ، فهمس بتساؤل : ماذا تفعل يا عمار ؟!
انتبه عمار لأخيه فهدر بضيق : بل ماذا تفعل أنت هنا داخل غرفة نومي أنا وزوجتي ؟! ألم أتركك بغرفة التلفاز تضبط صوت المسرح المنزلي الذي لم أستطيع ضبطه .
ارتفعا حاجبي عاصم بدهشة لينظر من حوله هامسا بتفكه ساخر : أين زوجتك هذه ؟! على حسب علمي أن الشقة فارغة ما عدانا ، ثم أنا انتهيت من ضبط المسرح المنزلي وانتهيت ايضا من ضبط الكهرباء فهي كانت ليست منضبطة كما يجب .
هتف عمار وهو ينظر لما انتهى من تركيبه : حسنا شكرا لك ، هلا انتظرتني خارجا ؟
كتم عاصم ضحكته وهو يرمق الأرجوحة بطرف عينه من خلف ظهر أخيه ليبتسم بمكر ويهمس : هل تدرك إذ علم آل الخيال بأمر الأرجوحة ماذا سيفعلون بك ؟ه
جمدت ملامح عمار الذي استدار إليه لينطق بجبروت : وما شأن آل الخيال بأرجوحتي الموضوع بغرفة نومي ؟! ما الذي سيأتي بهم أصلا ً إلى هنا ؟!
ضحك عاصم بخفة : لنفرض أن حماك وولديه لن يدلفا لغرفة النوم وهذا مؤكد بالطبع ، فعمو أمير وأسعد لن يفعلاها ، لا أثق بعادل ولكن حسنا لن يأتي أحدهم إلى هنا ، أخبرني بالله عليك بماذا ستخبر ماما وخالتك عن الأرجوحة ووجودها في غرفة نومك ؟!
عبس عمار لينطق بجدية : هذا الأمر ليس شأن أحدًا سواي أنا وزوجتي وهيا من فضلك أخرج من هنا ولا تدلف ثانية إلى غرفة نومي .
ضحك عاصم بخفة ليتحرك بالفعل إلى الخارج فيتبعه عمار ليهمهم عاصم بخفة : أعجبت بالفكرة يا شقيق ، أتبع بتلميح صريح - مبارك عليك ارجوحتك .
زمجر عمار باسمه في ضيق فآثر عاصم الصمت قبل أن يتوقف على نداء أخيه الخافت إليه يستوقفه قبل أن يغادرا ليستدير إليه بتساؤل فتتسع ابتسامته وعمار يهمس بطريقة أعادته لصغرهما حينما كان يريد مؤازرته في أي من مصائبه التي يفعلها أو التي يخطط إليها : هلا ساعدتني في شيء يا عاصم ؟
كتم عاصم ضحكته ليجيب بمرح : أخبرني إلام تخطط يا طبيب المجانين وتريد أن تورطني معك فيه ؟
ضحك عمار بخفة ليهمس : أريد أن ائتمنك على سر خاص بي ، انتبه عاصم وجسده يتصلب باستنفار نحو أخيه الذي تابع بهدوء - أنا لن أسافر ليلة الزفاف كما أخبرتهم !!
لمع التساؤل بعيني عاصم ولكنه آثر الصمت فأكمل عمار بجدية : بل إن سفري بعد أسبوعين كاملين سأقضيهم هنا في البيت.
نظر عاصم إليه بتعجب ليسأله بعدم فهم : إذًا لماذا تخفي الأمر عن الجميع ؟!
بلل عمار شفتيه ليجيب باقتناع : لا أريد لأحد أن يقتحم أول حياتي مع موني يا عاصم ، وهذا أمر سهل للغاية وخاصة مع قرب المنزل من منزلي عائلتينا والذي أتى ضد رغبتي في الأساس ولكن أبوك أجبرني على الرضوخ لرغبة ماما ودموع خالتي ليلى فاضطررت أن اسكن في بيت مجاور حتى لا نبتعد عنهما وخاصة مع سكن سيادتك في القصر بعيدًا .
غمغم عاصم بدفاع منطقي : ماما لا تقوى على فراقك ثانية يا عمار وخالتي ليلى من حقها أن تكون ابنتها الوحيدة بجوارها ، عبس عمار بضيق فأكمل عاصم بعدم اقتناع - ثم قرب البيت ليس سببًا كافيا لإخفائك عنهم تواجدك .
أجاب عمار بمنطقية : بل سبب أكثر من كافي يا عاصم فإذا علمت أمك وخالتك بتواجدنا ستقومان بزيارتنا يوم بعد يوم وهذا أمر لا أحبذه في أول زواجي بموني .
ضيق عاصم عينيه مستنكرا ليزفر عمار بحنق : لا ليس لهذا الأمر .
رمقه عاصم بطرف عينه ليغمغم بنبرة مميزة : عمار .
ابتسم عمار واسبل جفنيه : ليس هو الأمر الوحيد ، لا أنكر أنه أحد الأمور ولكن ليس هو السبب الرئيسي ، لوى عاصم شفتيه بعدم اقتناع فاكمل عمار شارحا - أريد أن اختلى بيمنى يا عاصم دون غارات خارجية تشتت قواعد التعامل التي أقرها بيننا .. أريدها أن تشعر أنها أصبحت تنتمي لي دونا عن الآخرين .. دون وجود أباها.. أمها .. اخواها ، أريدها أن تدرك أنها أصبحت لي وأنا أصبحت لها ، أريدها أن تستوعب جيدا أنها أصبحت خاصتي .. زوجتي .. ملكي وأنه لن يحول بيننا أحدًا حتى عائلتها ، لأني سأصبح أنا عائلتها الوحيدة .
ابتسم عاصم بتفهم ليهمس بجدية : حسنا ولكن اعتني بها .
تمتم عمار وهو يزفر براحة لحصوله على دعم شقيقه : لا تقلق سأسكنها عيناي.
ابتسم عاصم لينظر إليه مليا قبل أن يزمجر في وجهه بخفوت : هيا أكمل وآت بم عندك ، فليس من المنطقي أن تخبرني بكل هذا دون سبب يا أخي .
قهقه عمار ضاحكا فاتبع عاصم بغلظة : انجز يا عمار لا نريد أن نتأخر عن السهرة المميزة التي أعدها ابن عمك ، فابن عمك لن يستريح إلا حينما يهدم الكون فوق رؤوسنا .
جلجلت ضحكات عمار ليهمهم بخفوت بعدما سيطر عليها بصعوبة : حسنا سأخبرك ، تنفس بعمق ليهمس ببطء وهو يراقب عاصم بتروي - أريدك أن تساعدني وتمدني بالطعام يوميا، ارتفعا حاجبي عاصم بدهشة فأكمل عمار - فسفرنا يعني أن خالتي وماما لن تهتما بهذا الأمر وبالطبع لن ادفع يمنى للطهو في أول الزواج لذا أريدك أنت أن تهتم به .
لوى عاصم شفتيه ليغمغم بضجر : على آخر الزمن سأعمل متعهد حفلات لأجل سيادتك ، ضحك عمار ليتبع عاصم بحنق - ألا تستطيع أن تطلب الطعام كما المتعارف عليه يا سي عمار ؟
هز عمار رأسه نافيا : لا فمن المحتمل أن ينتبه أحدهم لعامل التوصيل أما أنت ستتخذ حذرك وتأتي بطريقة لن يلحظها الآخرون .
نظر إليه عاصم بصدمة ليهمهم : هل جننت يا عمار ؟! تريدني أن أتسلل لآتي لك بالطعام ،
ضحك عمار بخفة ليهتف بمرح : أنت أهل لها يا كبير ،
ضرب عاصم كفيه ببعضهما ليغمغم بنزق : أين هذا الكبير أنا لا أراه وخاصة وسيادتك تطلب مني أن أهرب إليك الطعام لمدة أسبوعين على التوالي لأنك تخفي عن عائلتك عدم سفرك بعد زواجك ، قهقه عمار من جديد فاتبع عاصم بهذر مصدوم - أنت ليس طبيعيا علاقتك بالمرضى أثرت على مخك .
تمتم عمار بطريقة طفولية يعلم جيدا أثرها على أخيه : ستتخلى عني يا عاصم .
تمتم عاصم بنزق : ربنا يرحم عاصم منك ومن أفعالك وجنونك ، تهدلا كتفي عمار بخذلان ليتنفس عاصم بعمق قبل أن يهتف بنفاذ صبر - بالطبع لن افعل ، بل سأرضخ لما تريد كالعادة .
ابتسم عمار ليهتف بجدية : وأنا سأراسلك بأنواع الطعام يوم بعد يوم .
دفعه عاصم بغلظة ليقهقه عمار ضاحكا قبل أن يحتضنه بالإجبار مستغلا طول قامته عن عاصم الذي ضحك أخيرًا ليحتضن أخيه بدوره : مبارك زواجك يا طبيب المجانين ، اعتني بنفسك وبها يا عمار .
ابتسم عمار وهمس بأمل : لا تقلق يا شقيق.
***
مستلقي على فراشه بعدما عادا من ليلة الحناء الخاصة بشقيقته ورغم أنه فر من حضورها بعد وقت قصير إلى بيت خاله بعدما اقترح سليم أن يتركون الفتيات على راحتهن فيجتمع الشباب بم فيهم العريس بحديقة بيت بلال ما عدا عادل الذي لم يحضر وكأنه يرفض المشاركة في أي فرحة تخص زواج شقيقتهما ، هز رأسه بيأس وهو يعاود النظر إلى أخر الأخبار في جهازه اللوحي وعيناه تتعلق بها رغما عنه فيراقبها من فوق حافته دون أن يشعرها أنه ينظر إليها ، يشعر بتوترها منذ أن عادا بعد قضائهما السهرة في بيت عائلته ، رغم أنها لم تخبره ولكن حركة جسدها المشدود .. ذهابها وإيابها في الغرفة .. ترتيبها لكل الأشياء التي تقع عيناها عليها يخبره بأنها ليست بخير ، هناك أمر ما يشغل تفكيرها ، تريد أن تخبره به ولكنها مترددة. ابتسم بخفة ووضع الجهاز جانبا حينما دلفت إلى غرفة ملابسهما فيسبل جفنيه وهو يفكر فيم ستفعله هذه المرة ، فهي تبتكر لأجله .. تهتم بإرضائه .. وحينما تريد أن تطلب منه شيء تعمد إلى أكثر الطرق ابهارًا متحدية خجلها الذي لازال يقيدها قليلا بعيدا عنه ، كتم تنفسه وهو يراها تخرج بعد قليل ترتدي غلالة حريرية نبيذية اللون لم يراها من قبل قصيرة للغاية وتحدد مفاتنها بطريقة ستفقده صوابه ، مكشوفة فيستطيع رؤية نقش الحناء الذي يزين اعلى صدرها ، تحكم في ابتسامته وعيناه تلمع انبهارًا وعقله ينبهه أنها لجأت اليوم إلى طريقة قصيرة مثالية ومضمونة في نتائجها حتى تحصل على موافقته علام تريد بعقل غائب بها ، وهو يرحب أن يغيب بها ولكنه أرزن من الموافقة على شيء لا يمتلك تفاصيله .
تطلع إليها بابتسامة متزنة لتدلف الى الفراش بجواره تتلكأ في الاقتراب منه ووجهها يتورد بخجل يحضر معها بقوة حينما تقدم على الاقتراب منه ، تنهد بقوة لينهي ترددها حينما جذبها إليه فيضمها إلى صدره ويهمس بخفوت بعد أن قبل رأسها : ماذا تريدين يا جنتي ؟
ارتجفا جفناها لتهمهم وهي تفرد كفها على عضلة صدره البارزة : كيف تعلم أني أريد أن أخبرك بشيء ؟!
ضحك بخفة ليهمهم : بحكم الخبرة والعشرة ، هيا تحدثي ولا تخجلي ، شعر بتوترها فابتسم بمكر ليهمهم بجانب أذنها متبعا - هل هناك شيء مثير تريدين تجربته الليلة وخجلة أن تخبريني به ؟
شهقت بخجل لتناظره بعتب وتهمهم اسمه برفض فيتبع : لتعلمين فقط أنه من حقك المطالبة بكل ما تريدين وأنا سأنفذ على الفور دون مناقشة .
احتقن وجهها بقوة لتهمهم : توقف يا أسعد وانتظر لأخبرك بما أريد فلا تتبخر الكلمات من رأسي بسبب فحوى كلماتك
لامس وجنتها بشفتيه ليهمس : يسعدني أن كلماتي لها تأثير عليك .
ابتسمت بخجل لتهمس ببوح : بل لها عظيم الأثر وأنتَ تعلم ، شدد من ضمته لها فاتبعت بخفوت - أسعد أنا أريد أن أنجب طفلا .
تصلب جسده لينظر إليها بطرف عينه ويهمس بهدوء : أنا الآخر أريد أن أنجب منك طفلة تشبهك ، تكون بيضاء جميلة مثلك وقصيرة أيضا .
ضحكت برقة لتلامس وجنته بكفها : إذًا متفقين .
__ لا ، ألقاها قاطعة ليهمس بمهادنة - لابد أن اطمئن عليك يا جنى ، لابد أن تنهي رسالة الدكتوراه خاصتك ، لابد أن تتخلصي من الهلع الذي ينتابك ، ظلل الحزن عيناها فنظر إلى عمقهما مصرحا - لم أنسى المرة الماضية حينما شككت أنك حامل ، والفزع الذي تملكك لقد سقطت مغشي عليك .
ازدردت لعابها ببطء لتغمغم بخفوت : لابد أن أتخلص من خوفي يا أسعد ، لابد أن افرح قلبك كما ينبغي علي أن أفعل ، فأنت لا تتوانى بتاتاً عن إسعادي .
تنهد بقوة ليضمها إلى صدره يبث لها الامان : سعادتي معك ، أرجوك لا تحرميني منها لأجل حديث عابر ألقته ماما اليوم ، فهي كأي أم تريد الفرح بأحفادها ، ولكن أنت أكثر من يهمني في الدنيا يا جنى وأنت تدركين هذا جيدا .
اتسعت عيناها بحبور لتقبل طرف ثغره : أرجوك يا أسعد ؟
تنفس بعمق وهز رأسه نافيا : لا يا جنى ليس قبل أن تصرح إلينا الطبيبة أم لعلك نسيت ، رمقها وأتبع بعتب - توقعت أن لا يؤثر بك حديث ماما لهذه الدرجة .
لوت شفتيها بدلال غير متعمد لتهمس : صراحة لم يؤثر بي بتلك القوة التي تدفعني لأن اطلب منك الإنجاب ، ولكن ما شجعني حقا هو نتيجة الكشف الذي خضعت إليه وأنت غائب المرة الماضية .
تصلبت ملامحه لتتابع بسرعة : أرجوك لا تغضب مني ، لم أخفي الأمر عنك ولكني كنت أريد الاطمئنان فقط ، تابعت وهي تجلس أمامه ترغمه على النظر إليها بعدما احتضنت وجهه بكفيها - الطبيبة النسائية أخبرتني أني بخير ولا مانع ابدًا عندي من إنجاب طفل وأن صحتي جيدة جدا لأجل هذا الأمر ، والجلسة القادمة سأحصل على موافقة معالجتي النفسية فأنا أشعر باني أصبحت بخير والحمد لله .
أشاح بعينيه بعيدا وملامحه تتصلب برفض فأكملت بتوسل طفولي تعلم أنه يؤثر به : أرجوك يا أسعد ، أنا أريد هذا الطفل لأجل أن اهزم ما تبقى من الخوف بداخلي ، لأجل أن أُسعد قلب والدتك لأجل أن اهبك هدية أعلم جيدا أنها ستسعدك . اقتربت منه لتجلس فوق ساقيه تواجهه وتتابع بحنو - لأجلي أنا ، لأجل أن أحصل على طفل منك يحمل دمك .. شكلك .. جيناتك .. يحبني مثلك .
زفر بحرقة ليحاوط خصرها بذراعيه يجذبها إليه فتلتصق بصدره ليهمهم أمام وجهها : لن يحبك أحدًا مثلي .
استجابت لقبلته الشغوف لتهمهم حينما أهداها أنفاسها من جديد : إذًا أنت موافق .
__ لا ، تراجعت بصدمة فأتبع متنهدا بقوة - ومناقشة الدكتوراه ؟
تمتمت برقة لتغمغم ببساطة : أنها الشهر القادم لا أعتقد اني سأحمل أول ما نقرر أننا سنفعل .
رفع حاجبه باستنكار ليهتف بافتعال : هل تشككين بقدراتي يا هانم .
ضحكت برقة لتسأله بشقاوة : اممم وماذا ستفعل حتى أن شككت في قدراتك ؟
اتسعت عيناه بدهشة والمرح يتراقص على شفتيه ليهمس : هذا الحديث يطير فيه الرقاب .
ضحكت بصخب وهو ينقلب بها فتصبح أسفله لتهمهم برقة : الرقاب فقط ؟!
ليقهقه ضاحكا ويهمهم وهو يدفن أنفه برقبتها : والملابس أيضاً .
تأوهت باسمه في رقة لتتبع وهي تتعلق بكتفيه حينما تلاعب بحمالتي القميص وهو يهمس متسائلا : هل هناك نقوش حناء مختفية على اكتشافها ؟!
رفت بعينيها لتهمس برقة : لا أعلم اعتقد عليك البحث بنفسك .
تأوه بعبث ليشاكسها بطرف أنفه وهو يهمهم بعدما طبق فبلة عميقة بتجويف عنقها : سأفعل يا جنتي .
***
تجلس بالحديقة تطلع إلى ما حولها بعينين حزينتين .. تراقب بقايا الاحتفال .. الزينة المعلقة .. والأوراق الملونة اللامعة المنثورة بين العشب الاخضر .. تتذكر الليلة المميزة وتنظر إلى كفيها المزينة برسومات راقية من الحناء ، كاحلها الأيمن المنقوش بفرع شجر زين استدارته كما طلب بشكل خلخال يقابل خلخالها الذهبي الذي لا تخلعه عن كاحلها الأيسر ، فتتذكر همسته إليها بأنها ستفعل لتلبس الخلخال الذي ابتاعه لها وحلم كثيرا بأنه يزين ساقها به ، فتبتسم مرغمة وهي تتذكر صوته الأجش وهو يتحدث عن رنينه الصاخب بساقها والذي سيخبره بكل تحركاتها ، حينها هتفت بضجر تؤمره بالصمت وهي تهتف به أنها ليست سجينته ، فيهمهم يغيظها بأنها ستكون مليكته السجينة كقصص الأميرات التي كانت تحبها في صغرها .
تنهدت بقوة وهي تعيد النظر فيما حولها فتراقب مكان ارجوحتها الخاصة التي انتقلت إلى حديقة منزلها أو ما سيصبح منزلها بعد ليلتين ، ليلتين تفصلها عن زفافها الذي سيغير من حياتها كليا ، فستترك بيت عائلتها لتذهب وتشارك أخر غريب عنها حياتها .
عبست وقلبها ينهرها عن نعته بالغريب فهو عمار حبيب عمرها بأكمله .. حلمها منذ الصغر وابن خالتها المتربي معها كأخويها ، ولكنه يتبقى غريبا ، غريبا ستسمح له بالكثير لا تريد أن تفكر به الآن حتى لا تنفر أكثر من فكرة الزفاف وتوابعه .
اكفهر وجهها وخيالها يعمل سريعا فتهز رأسها بعنف ورفض خيم على عقلها فتنتبه من موجة افكارها العاتية إلى صوت ليلى الذي صدح بحنو وهي تقترب منها ببطء : ما زلت مستيقظة يا موني ؟!
رفت بعينيها لتهمس بصوت أبح : لم أقوى على النوم يا ماما .
ابتسمت ليلى لتقترب منها تجلس بجوارها على الأريكة الخرزان لتربت على كفها الملقى بإهمال فوق رجلها : ما الذي يشغل عقلك يا ابنتي ؟!
تنهدت يمنى بقوة ودمعت عيونها بعفوية فابتسمت ليلى بحنان لتجذبها بلطف فتنحني يمنى تستجيب لاحتضان ليلى التي ضمتها إلى صدرها فتربت على رأسها بأمومة ، تمسد خصلاتها بحنو وتهمس بآيات الله الحفيظ فوق رأسها وهي ترقيها كعادتها منذ الصغر لتنساب دموعها رغما عنها وهي تتمسك باحتضان ليلى لها وتدفن رأسها في صدرها الحاني فتضمها ليلى أكثر اليها لتهمس بصوت باكي : لا أريد الذهاب يا ماما ، لا أريد أن أترككم ، لا أريد أن أتزوج .
ابتسمت ليلى من بين دموعها لتربت على رأسها بلطف قبل أن تدفعها ثانية لتجلس باعتدال وتنظر إليها بجدية : حقا لا تريدين ؟! فإذا استمع إليك عادل أو أمير أو حتى أسعد سيلغون الزفاف دون الرجوع لعمار ، أتبعت ليلى بمكر مشاكس – تريدينهم أن يلغوا الزفاف يا ابنتي ؟!
عضت يمنى شفتها السفلية لتهمس دون ترتيب : لا أقصد .. ولكن .. لتبوح بسرعة خوفًا أن تتراجع عن حديثها – أنا خائفة .
تطلعت إليها ليلى بصدمة تحولت إلى إدراك سريع لتهمس بصوت أبح ووجنتاها تتوردان بعفوية : حقا يا يمنى ؟ أنت خائفة حقا ؟
أومأت برأسها وهي تتحاشى النظر إلى والدتها فتجيب بسرعة : أنا خائفة وأشعر بخجل فظيع وابن أختك لا يساعد ، كتمت ليلى ضحكتها بأعجوبة فأكملت يمنى بنزق وغضبها يكسو ملامحها – أنه وقح وقليل الأدب ويتحدث عن أشياء غريبة لا أريد أن اتخيلها .
لم تستطع ليلى منع ضحكتها التي انطلقت رغما عنها فسرت بصوت عال وخاصة مع سكون الليل لتكتم ضحكتها بكفها وهي تهمهم من بينها بخفوت : أتمنى أن لا يستمع إليها أمير فيأتي ليحاسبني على ضحكتي التي صدحت مدوية هكذا .
تأففت يمنى بضجر : يا ماما أنا أتحدث معك بشيء وأنت تفكرين ببابا وماذا سيفعله لأنك ضحكت.
هزت ليلى رأسها بتفهم لتهمهم بطيبة : معك حق ، لنترك أمير جانبا الآن ، فأنا لا أريده أن يحضر هذا الحديث الذي .. صمتت لتتنفس بعمق قبل أن تتبع وهي تحتضن كف يمنى القريب بين كفيها لتهمس إليها – أنت خائفة من عمار أم مما يريد أن يفعله عمار ؟
عبست يمنى بتفكير لتسألها : هل هناك فارق ؟!
ضحكت ليلى لتجيبها باتزان : بالطبع ، فما يفعله عمار يفعله جميع الرجال .
امتقع وجه يمنى لتغمغم بخفوت : ماما من فضلك .
ضغطت ليلى على كفها بجدية : اسمعي يا ابنتي ، ما يتحدث به عمار معك والذي بالمناسبة زوجك ليس بشخص غريب حقه أن يتحدث ويتحدث وخاصة إذا شعر بك متوترة هكذا ، فأنا أعتقد أنه آثر أن يبادر ويخبرك عما سيحدث بشكل غير مباشر حتى يمهد إليك الأمر ، والذي أعتقد أنه أخبرك عن جزء مما سيحدث ، وعليك أن لا تكوني متوترة ولا خائفة والأهم أن لا تكوني نافرة ، فهذه سنة الله في الأرض ، الذي خلق آدم لأجلها أن يتزاوج ويتكاثر ويعمر الأرض ، وتحدث بين الأزواج جميعا ، لذا سألتك أنت خائفة مما يحدث بين الجميع ، أم أنك خائفة من عمار ؟
أعادت يمنى خصلاتها للخلف قبل أن ترفعهم بشكل عشوائي في طوق مطاطي عقصت به شعرها لتهمس بعد تفكير عميق اعتلى جبينها : الاثنين .
ابتسمت ليلى لتهمس بخفوت : إذًا الأمر في عمار يا موني ، ألا زلت لا تثقين به ؟
هزت رأسها نافية سريعا : لا يا ماما ، بل أنا .. تمتمت بعد قليل – أنا فقط متوترة وأشعر باضطراب جلي وأنا مقبلة على أمر لا أدرك أبعاده جيدا .
رمقتها ليلى بترقب لتسألها بجدية :هل تفضلين أن أخبرك بم سيحدث لتدركين أبعاد الأمر جيدا؟!
شحب وجه يمنى تدريجيا لتهز رأسها نافية : لا يا ماما شكرا ، لا أريد أن أعرف .
ضحكت ليلى بخفة لتهمس إليها : إذ كنت خائفة من عمار يا موني ، فلا تخافي يا ابنتي ، عمار سيهتم بك جيدا ، فقط أنت لا تدفعينه بعيدا عنك ، أتركي قلبك يحركك يا يمنى ، توقفي عن الخوف .. الذعر .. والتفكير في غياهب المستقبل الكثيرة ، استمتعي بم منحه الله لك يا ابنتي ، واشكريه على أفضاله الكثيرة عليك ، فبعد كثير من السنوات أدركت أننا من نؤذي أنفسنا حينما نفكر فيما فاتنا ولا نحصي النعم التي عوضنا الله بها ، ونصيحتي لا تجعلي الجانب السيء من محنتك يؤثر عليك ، فكري فقط في جانبها الجيد وهو أنك وعمار الآن تتزوجان كما حلمتما طوال عمركما .
ابتسمت يمنى بتوتر فجذبتها ليلى إلى حضنها ثانية لتهمس وهي تمسد رأسها ثانية : اسعدي يا ابنتي ، اسعدي واهنأي واعلمي أن ليس الجميع يحظون بم تحظين أنت به ، فليس الجميع يقترن بحب عمره ولا يستطيع أن يحقق حلم حياته في اختيار شريكه ، أتبعت وهي تمسد شعرها الطويل بترتيبات حانية – افرحي واحمدي الله كثيراً على نعمته وفضله الذي اسبغهما عليك وارضى قلبك بهما .
تمتمت يمنى : الحمد لله رب العالمين لتتبع وعيناها تنعسان – أشعر بالنعاس يا ماما .
دفعتها ليلى بلطف أن تنهض معها لتهمس إليها : تعالي سأنام بجوارك الليلة ، سأضمك إلى صدري كما كنت أفعل معك وأنت صغيرة ولننام بفراشك الضيق سويا .
ابتسمت يمنى وهزت رأسها بطفولية وهي تسير بجوار ليلى التي ضمتها من خصرها فاحتضنتها يمنى بجسدها الفارع وهي تبتسم رقة وتشعر بالسكينة تسيطر على حواسها وخاصة وهي تتخيل غفوتها التي ستنعم بها في حضن أمها الدافئ .
***
يقفان متجاوران ينظران إلى النتائج الاخيرة التي ينتظرونها فيعبس عبد الرحمن بضيق ليضحك عادل بخفة قبل أن يهتف به : اذهب وتحدث مع رقية قليلا يا باشمهندس بدلا من تأففك هكذا كل دقيقتين .
لوى عبد الرحمن شفتيه بضيق قبل أن يهتف بنزق بعدما نظر إلى ساعته : رقية نامت ، وحتى إن كانت مستيقظة لا تتحدث الآن أبدًا ،
تنهد عادل بقوة : هون عليك إذًا ، وادعو الله أن يوفقنا في مساعينا هذه المرة .
فرك عبد الرحمن وجهه بكفيه ليهمس بضيق : أنا فقط لا أستطيع أن أتوصل للسبب فيما يحدث ، هل هناك إحدى المعادلات خطأ أم تركيبة معينة هي الخاطئة ؟!
ضيق عادل عينيه ليهتف بجدية : لقد راجعت التركيبات كلها يا عبد الرحمن الليلة ولكن لا بأس سأنظر في أمرها صباحا .
التفت إليه عبد الرحمن بعبوس جاد ليساله : ألن تغادر للبيت في الصباح يا عادل ؟!
هز عادل رأسه نافيا : لا ، فليلة الحناء كانت اليوم وغدا يوم فاصل لراحة العروس قبل ليلة الزفاف ، لذا هم لا يحتاجونني .
رمقه عبد الرحمن مليا قبل أن يهتف به : شقيقتك تحتاجك بجوارها يا عادل ، فلا تتصرف هكذا، أبقى إلى جوارها هذه الأيام ولا تترك ضيقك يحركك .
زفر عادل بقوة ليسأل بعد قليل : أخبرني لماذا أنت ضائقا ؟
ران الصمت عليهما قليلا قبل أن يصرح عبد الرحمن بجدية : لا أريد تأجيل الزفاف ثانية ولا أستطيع الزواج وأنا على رأس هذا العمل ولا أعلم ما الذي علي فعله ؟!
زم عادل شفتيه ليهتف : اعتذر عن المشروع يا عبد الرحمن
استدار عبد الرحمن إليه باستنكار ليهدر بحنق : هل جننت يا عادل ؟! بالطبع لن أفعل ، لن أتخلى عنك ولا عن مشروع قومي كهذا لأجل أن أتزوج ، أتبع بخفة – بالطبع أنا أتوق لأتزوج ولكن ليس لهذه الدرجة .
قهقه عادل بانطلاق ليشاركه عبد الرحمن الضحك وعادل يهتف : اه يا ابن الخواجة .
ضحك عبد الرحمن بفخة ليهتف بجدية : لا حقا ودون مزاح لن اتخلى عنك وعن هذا المشروع وإذا كان على الزواج ، سأحاول أن اتممه في موعده ولكن بعد أن أخبر دكتور محمود ورقية عن الوضع الحالي .
ربت عادل على كتف عبد الرحمن بدعم : وفقك الله يا صديق .
تحرك لينظر إلى جهازه اللوحي قليلا ليضيق عيناه بتفكير قبل أن تتسع بذهول ليهتف بجدية : عبد الرحمن .
انتفض عبد الرحمن بتأهب ليهتف عادل متبعا وهو يداعب شاشة جهازه اللوحي بسرعة فائقة وعقله يعمل بسرعة جنونية ليهتف بعدم تصديق : وجدت الخطأ .
اقترب عبد الرحمن منه لينظر إلى ما يفعله لينظرا إلى بعضهما قبل أن يتحركا بسرعة يضعان المعطيات الجديدة ويمدان الجهاز بها لعلهما يصلان هذه المرة إلى النتيجة المنشودة .
***
يخطو بثبات بعدما سيطر على عرجه الخفيف الذي لا يظهر إلا حينما يخطو بسرعة يشد من طرفي سترته ويرفع رأسه بشموخ وهو ينظر الى نفسه بالمرآة ، تومض عيناه بزرقة قانية وهو يخطو الى الخارج بعد كثير كان يعيش متخفيا ولكن اليوم لقد عاد من جديد ،عاد واقفًا .. مهيبًا .. مخيفًا كعادته ، عاد لينتقم .. ليأخذ بثأره .. وليعيث في الأرض فسادًا كما يريد ، عاد ولم يستجب لأوامر قومه بالرجوع إلا حينما يحقق هدفه الذي أتى له في الأساس ، فليس هو من يترك عمله غير منتهيًا ، بل سينهيه على أكمل وجه وكما ينبغي.
لذا لقد دبر فريق عمل خاص به بعدما رفع الآخر دعمه عنه وأخبره أنه لن يأبه لأمره فمهمة تأمينه اتمها على أكمل وجه ، فلا يهتم بحماية هذا الحقير الخائن لقومه ، وتدبر هو أمره واليوم ينتقل لمكان جديد يدرك جيدا أنهم لن يبحثون عنه فيه ، فهم التقطوا الطعم الماضي وامنوا بموته ، لذا هذه المرة سيفاجئهم من حيث لا يحتسبوا .
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romantikيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...
