وقف يسند كتفه إلى الإطار الحجري الخاص بشرفة الشاليه الخارجية ينظر إلى البحر من أمامه في ساعات الصباح الأولى ، الشاطئ فارغ بعدما غادروا من خرجوا للصيد ، فهو استيقظ مع أسعد قبيل الفجر واشرف على اعداد اليخت الذي ذهبوا عليه لرحلة الصيد بعد أن أمنه أسعد بحس استخباراتي أثار ابتسامته ، وبعد أن استعد الجميع توقف أمام عمه الذي رمقه من بين رموشه ليشير إليه بهزة طفيفة من رأسه فاقترب بطواعية ليهمهم إليه عمه بخفوت : كن على قدر ثقتي بك يا عاصم .
حينها ارتعد وقلبه يئن بوطأة حمل اثقله به عمه من جديد ليرفع عينيه إلى عمه برفض يهز رأسه بعدم رضا ليضغط وائل على كتفه بلطف : أنت هنا مكاني سترعى الجميع إلى أن أعود ، ستكون الكبير كما كنت وستظل دوما .
أخفض رأسه بخضوع ليغمغم بصوت محشرج : لا تقلق يا عماه ، الجميع أمامه برقبتي .
ابتسم حينها عمه بفخر ظلل عينيه ليضمه الى صدره بمودة وابوة حانية قبل أن ينصرف ويتركه في دوامة حيرته ، لا يقو على الاخلال بمسئوليته نحو العائلة ولا يستطع الآن أن يتراجع عن قربه منها ، هذا القرب الذي ينعش روحه .. يوقظ مشاعره التي تجمدت السنوات الماضية ويجبر قلبه على الخفقان بمعدلات قصوى تدفع الدماء في أوردته فتجعله يحيا من جديد .
بسمة كسولة داعبت ثغره وهو يتذكر مراسلتها له البارحة تطمئن على عودته المتأخرة نوعا ما وتشكو إليه أنها لم تستطع رؤيته فهو عاد إلى مكان السكن الجديد الذي أصبح خاص بالشباب فقط فيجيبها بكلمات مقتضبة معلنا عن غضبه منها ، تدلل عليه فيجيبها بحدة وصلتها جيدا لتنهي حديثها معه وهي تدعي غضبا أثار استياءه ، وشوقه إليها يؤجج غضبه منها كلما فكر بأنها ستبتعد عنه .. بأنه سيدلف إلى المكتب بالصباح فلا يجدها بمكتب أبيه .. لا يرتشف فنجان الشاي معها ولن يتناقش معها في أمور العمل ، عقله يخبره بأنها ستتركه وقلبه يخبر بأنها لن تفعل فهي تحبه .
اهتزت حدقتيه بحيرة وخوف احتل عمق عينيه فعقله يحذره أن يتعلق .. يثق .. يصدق ، وقلبه يجبره على التعمق .. الانغماس .. والغرق وهو حائر يقف بالمنتصف يترقب إشارة واحدة يعبد عليها دربه نحوها ليملك .. يقترن .. يتوحد معها ليمض بقية عمره بجوارها .
وكأنها تجلت من أفكاره فأتت تتهادى على الرمال ترتدي مئزرا حريري يتطاير من حولها كاشفا عن ساقيها فيلمعان بضوء برونزي يتوهج تحت أشعة الشمس الخافتة .كتم أنفاسه انبهارا وعيناه تومض ببريق خطر حينما خلعت مئزرها فينكشف جسدها العار ماعدا المختفي خلف رداء البحر ذو القطعتين الذي حدد مفاتنها فأصبحت اكثر فتنة وأكثر وطأة على تحمله تصاعدت خفقاته وضغط دماءه يرتفع إلى معدلاته القصوى ليحنو عنقه إلى جنب فينظر إليها بتأمل ، سامحا لعينيه أن تمشط جسدها كاملا ينظر إلى ما كان يمنع نفسه عنه سابقا وهو يردد على عقله أنه لا يخون أمانة عمه فهي ليست بأمانة لأنها خاصته ، شاءت أم أبت ، وافق عمه أو رفض ستكون له حتى لو اضطر إلى اختطافها من وسط العائلة !!
ارتعد جسده باستجابة فطرية حينما انحنت أمامه ليعض شفته بقوة مانعا نفسه عن التأوه بصوت عال ومتحكما في فورة جسده المشتاق إليها ، ناهلا من عبق وجودها ، مانعا نفسه من الاقتراب ونيلها .
اشتعلت عيناه بغيرة حارقة حينما شعر بحركة أتيه من داخل الشاليه ، فيعمل عقله الذي غيبته بسطوة حضورها ، ينبهه من احتمال أن يراها أحدا غيره وهو الذي لا يقبل أن ينظر إليها آخرا حتى لو أبيه فيتحرك بخطوات حازمة وهو يناديها بخفوت حاد
التفتت إليه تنظر بدهشة افتعلتها لتهتف بمرح : صباح الخير يا عاصم .
اقترب منها بغضب ومض بحدقيته : اخفضي صوتك .
نظرت له بتعجب : ما بالك متعكر المزاج على الصباح ؟!
جذب ردائها الحريري الملقى بإهمال على أريكة البحر التي وضعت عليها أغراضها ليلفه من حول كتفيها حسبما اتفق وهو يهدر : ماذا تفعلين يا نوران ؟!
نظرت إليه وهي تتمسك بالطرفي الرداء على كتفيها : سأسبح .
هدر بحدة : هكذا ؟!
ابتسمت ببرود : كيف تريدني أن أسبح إذًا ؟!
غمغم من بين اسنانه : منذ متى تسبحين دون ملابس ؟
مطت شفتيها لتهمس بدلال : طوال عمري أسبح برداء البحر فقط لا أفهم ما الدهشة في ذلك ؟
اقترب منها بعصبية : رداء بحر قطعتين يا نوران ، منذ متى وأنت ترتدين هكذا ، ومنذ متى وأنت تنزلين للبحر هكذا ؟!
هزت كتفها بلا مبالاة : لدي أردية بحر كثيرة وهذا أحدها ، لا أفهم ما مشكلتك ، أم لا نشبه من يرتدين أردية البحر ذو القطعتين ؟
زم شفتيه بغضب ليهدر : نعم لا تشبهينهن ، فأنت مختلفة وإذ لا تدركي مدى اختلافك سأطرق رأسك لتفهمي دون شرح كثير عن مدى الاختلاف .
ردت بعصبية : لا أريد أن أفهم ، أنا حرة لأفعل ما أريد وأنت لا تملك حق الاعتراض .
اتسعت عيناه بصدمة فيهدر بخشونة : من إذًا يملك الحق يا نوران هانم ؟
زمت شفتيها واثرت الصمت لتجيب بعد برهة : لا يوجد ما يربطنا رسميا يا عاصم .
رفع حاجبه ليقترب منها يهمس بفحيح غاضب : ألا تكفيك كلمتي ؟! وعدي .. حديثي مع أبي وتقدمي لعمي ؟!
ازدردت لعابها بجفاف شرخ حلقها : كل هذا لا يهم فالجميع لا يعلم ، أتبعت بحدة وغيظ ومض بزيتونيتها - ابنة عمتك لا تعرف لذا تتعامل معك وكأنك مستباح إليها .
لتهدر بغيرة تمكنت منها : وأنت تتصرف مع الجميع دون أي حدود أو مراعاة لي ، تتصرف كونك الكبير ، وأنا مثل البقية .
اقتربت خطوة واحدة منه : أنت تريد امتلاكي ولا تمنحني إلا الفتات منك يا عاصم .
رجف جفنيه ليزم شفتيه بحدة تملكت منه قبل أن يهدر بغضب : عودي إلى الداخل وبدلي ما لا ترتديه بملابس مناسبة ولا ترتدي هذا الرداء ثانية حتى إن كنت ستسبحين في غرفة المسبح ، لا يحق لأي أحد رؤيتك هكذا .
نظرت له بتحدي : لن أفعل فأنت لست بوصي علي ، أبي موجود وهو لن يعترض
اكتسى وجهه بقناع جليدي لينطق من بين أسنانه : اسمعي يا ابنة عمي ومدللته ، إذا لم تتحركي الآن وتعودين إلى الداخل لتبدلي ملابسك سترين مني ما لم ترينه أبدا ،
اقتربت منه تواجهه بحدقتيها المضيئتين ببريق كراميلي كما يصفها عمه : ماذا ستفعل ؟
ابتسم بغموض أخافها ليجيب بهدوء : حقا تريدين المعرفة .
ازدردت لعابها بذعر ألم بحواسها لتهمهم وهي تبتعد للخلف : لا تقترب مني .
تشكلت ملامحه ببسمة زادت من خوفها فتهمهم بأنفاس متلاحقة : حذار يا عاصم أن تقترب مني سأصرخ وأجلب الجميع
لوى شفتيه بعبث : لن تفعلي ، لن تستطيعي ، لن تجرؤ
رفعت رأسها بشموخ : وأنت لن تقترب ، أنا موقنة من ذلك .
قبض كفيه وفتحهما بالتتابع يهدأ من فورة غضبة التي تملكته : وعدت عمي ومن قبله أبي برعاية العائلة ، وأنا رجل أفي بوعودي .
تهدلا كتفيها بإحباط لتهز رأسها برفض مغمغة بضيق : إذًا فلتكتفي بالعائلة .
تركت رداءها الحريري فطار بعيدا لتبتسم بدهاء أنثوي وهي تتراجع للخلف باتجاه المياه : أما أنا لا تعدني من العائلة .
هدر باسمها محذرا فاتسعت ابتسامتها وأشارت له بيدها مودعة قبل أن تركض داخل المياه قافزة وتختفي عن أنظاره .
زفر بعنف يتمتم من بين أسنانه : تبا لك يا متمردة ، يوما ما سآخذ حقي كاملا منك يا نوران .
راقبها وهي تسبح بمهارة أمامه فيقبض كفه اليمنى بغضب : قريبا جدا سأحقق أحد أحلامي يا ابنة العم .
أطبق فكيه وهو يراقبها كيف تسبح برشاقة فينتفض جسده بغضب عارم ممزوجا بغيرته الجلية عليها ، فتغلب غيرته صموده ليخلع قميصه القطني ويندفع سابحا خلفها سيجبرها على الخروج ولو بالقوة ، توقفت عن السباحة تلتقط أنفاسها فتبتسم بغنج وهي ترى اندفاعه نحوها ، سحبت نفسا عميقا وعيناها تومض بمكر لتسبح من جديد باتجاه التلة القريبة من شاطئهم والتي تمنح خصوصية لهم وتحد البحر لتكون شاطئ صغير امن للجميع ، توقف لينظر من حوله ويطبق فكيه من جديد وهو يهمهم بخفر : المجنونة أنها تذهب في الاتجاه البعيد ، ستخرج من الشاطئ الخاص لنا لقلب البحر بأمواجه الهادرة .
بذل جهدا كبيرا وهو يتبعها ليرف بجفنيه وهو يلتقط وجودها بين مجموعه من الصخور متناثرة بعمق البحر فتتمسك بأحدهم وتلتقط أنفاسها اقترب منها بمهارة ليتوقف عن السباحة حينما أصبح قريبا للغاية منها ليصيح بحدة : أنت مجنونة لماذا أتيت إلى هنا ؟!
أجابته بلهاث قوي : كنت أسبح ، لماذا تتبعني ؟
أطبق فكيه ليهمهم : انا مخطئ لأني أتيت خلفك .
هم بالعودة فنادته باسمه وهتفت به : انتظر ، توقف عن السباحة ليستدير إليها فتتسع عيناه برعب وهو يجدها تجاهد لتطفو بجسدها وتبقي براسها عالية هامسة بصوت أبح - أشعر بالتعب .
اقترب منها على الفور ليحيط جسدها بذراعه فيحملها قريبه منه ويهمس بلهفة : ماذا بك ؟ صفي لي ما تشعرين .
تمتمت وهي تتعلق برقبته : ساقي تؤلمني ، لا أعلم هل هو شد عضلي أم جرحت من الصخور هنا ؟
غطس على الفور ليعود من جديد ويهتف وهو يمسح الماء عن وجهه : الحمد لله لم تجرحي فلا يوجد أثر للدماء ، أنه مجرد شد لعضلة ساقك فلقد سبحت لمدة طويلة .
لهثت أنفاسها فتمتم متبعا بجدية : هل تناولت فطورك يا نور ؟
ابتسمت رغم عنها وهي تتعلق برقبته من جديد فيضمها من خصرها إليه : لا لم أفعل ،
تمتم بسبة خافتة ليسالها : هل خلدت إلى النوم البارحة أم ظللت مستيقظة للان فخرجت تسبحين برعونة كعادتك ؟
تمتمت برقة وهي تقترب منه أكثر : بل ظللت مستيقظة لأن هناك كائن غليظ غادر غاضبا وعاد غاضبا ونام غاضبا .
تمتم بحدة : فليذهب إلى الجحيم ولكن أنت لا تتعبين ، متى ستفكرين جيدا وتتوقفي عن تهورك وطيشك ؟
تدللت وهي تتعلق أكثر به : أنا متعبة وأنت تلومني يا عاصم .
زفر بقنوط ليهمهم بحنو وهو يتحاشى النظر لها : حسنا لا يهم ، تمسكي برقبتي من الخلف وسأسبح بك عائدا .
تمسكت بكتفيه من الأمام وهمست بأنفاس ساخنه : أخاف أن يفلت كفاي .
رفع نظره إليها فتقابله بنظراتها المغوية بفطرتها ، ليشيح بنظره بعيدا عنها ، يحاول الهرب يعلم الله أنه حاول ولكنه لم يقو على الفرار من اغواء نظراتها .. لهاث أنفاسها .. وقربها المنعش لحواسه كلها ، ازدرد لعابة بخوف داهمه من ردة فعل لا يقو على التحكم بها ، فبحث عن مكان يستطيعا الوقوف فيه حتى يستريحا فيقويان على العودة ، يلتمس وجود ارضا فوق صخرة قريبة فيدفعها بحنو في اتجاهها ليستند إليها ويسندها بدوره إلى جسده ، التصقت به أكثر وهي تحيط عنقه بذراعه وتسند رأسها إلى كتفه ، أغمض عينيه وهو يشعر براحة كبيرة تداهم أروقة قلبه وهي تستكين بوداعة إلى جانبه وكأنها خلقت من أضلعه وعادت إلى موطنها أخيرا ، داعب خصلاتها بطرف أنف لتهمهم باسمه في تنهيده أصابت قلبه فاردته قتيل عشقها ، همس إليها حينما شعر بارتخاء جسدها : هيا يا نور ، لا تتدللي ، ألا تريدين الخروج من هنا ؟
__ لا أريد ، ألقتها وهي تتعلق به أكثر لتتابع وهي تتأمله بنظرات عاشقة : ماذا تريد أنت ؟
__انقاذك ، صرح بها ليتبع بداخله - وانقاذ نفسي .
لامست كتفيه براحتين مرتعشتين : لماذا ؟
تمتم وهو يتحاشى النظر إليها يجاهد ليستعيد سيطرته : لأنك ابنة عمي .. مدللتي ومن ستصبح زوجتي .
تهدلا كتفيها بإحباط لتتابع بتساؤل : هل اتبعتني غضبا أم غيرة ؟
عبس بعدم فهم : وما الفارق ؟
تمتمت بصوت ابح : الفارق كبير يا عاصم وأنت تعلم .
نظر إلى عمق عينيها : الاثنين ، غضبا وغيرة ، طبيعي أن أغضب منك لعدم اطاعتي واغار على أن يراك احدهم هكذا فأنت ابنة عمي مهما حدث أو سيحدث .
لامست طرف ذقنه لتجبره على الاستمرار في النظر إليها : هل كنت ستتبع جنى أو ملك او حتى اميرة يا عاصم لنفس هذه الأسباب ؟
مط شفتيه ليهمهم باستياء : بل جميعهن كن سيستمعن لأوامري ولن يعصونها أبدا .
غمغمت بحزن اكتنف عينيها : هل هذا هو الفارق بيني وبينهن ، أني أعصاك .. أتمرد .. أجمح بعيدا عن السرب وأناطح أوامرك .
__ لا ، ألقاها بجدية ليهتف متبعا – ليس هذا هو الفارق .
رقت ملامحها وهي تتلهف بنظراتها على بقية حديثه فتستحثه حينما صمت وهي تتمسك به أكثر : إذًا ما هو الفارق ؟
هدر بحدة : أخبرتك أنك مختلفة عنهن جميعا يا نوران ، لم أختار احداهن لتكون شريكتي واخترتك أنت ، انا أريدك أنت
صمت قليلا فرفعت عينيها إليه بلهفه تنتظر اعترافا أرادته بشدة ليرتجف قلبها بفزع حينما قست نظراته وهو يكمل بغلظة : ولكنك حمقاء .. طائشة .. مستهترة ، تتصرفين برعونة دون الأخذ بحسبانك من ستجرحين بتصرفك ومن ستؤذين ، كل ما يهمك هو انت فقط ولا يهم أي شخص آخر .
شحب وجهها وعيناها تتسع بصدمة لتهمهم بخفوت : أنت تتحدث عن ..
أشاح بوجهه بعيدا ليزدرد لعابه يسب نفسه على غباءه وتطرقه لما يريد نسيانه ليهمهم بجدية متحاشي النظر إلى عيناها التي امتلأت بدموع سكنت حدقيتها لم تذرفها بتسلط أوجع قلبه عليها : أرى أنك أصبحت بخير يا نوران .
فك ذراعه من حول خصرها لتعاود السباحة من جديد بمفردها ليهمس وهو يبدأ بالابتعاد فعليا عنها : لا تتأخرين يا ابنة العم سأسبقك أنا ، وساترك لك قميصي القطني حتى ترتدينه بدل مئزرك الحريري الذي لا يخفي شيء على الاطلاق ، تدثري به حتى لا يراك أحدهم وأنت عارية.
سحبت نفسا عميقا وهي تتابع ابتعاده عنها لتهم بالسباحة لتتبعه خارجا فلا تقوى وهي تشعر بأمواج البحر الثائرة تنهك قواها الخائرة وقلبها يؤلمها بغصة استحكمت في حلقها ، حاولت الطفو فوق سطح المياه ولكن انهاكها غلبها لترفع كفيها وهي ترفع رأسها عاليا تجبر نفسها على الصمت فلا تناديه فهي لا تريد انقاذه لها ، رغم أن روحها تهفو إليه ولكن كرامتها تأبى عليها أن تطلب مساعدته ، وكأن روحه أحست بها فالتفت إليها لتتسع عيناه برعب فقدانها ليعود إليها بسباحة سريعة ، يتلقفها بعد أن كادت المياه تغرق رأسها فيجبرها على الطفو بجواره وهو يحتضنها من خصرها ثانية ، يسند جسدها الخائر الغى جسده ، يضمها إلى صدره ، يحتضنها بحنو قلبه قبل أن يقبل جبينها هامسا بخفوت شديد : أنا آسف ، لم أقصد .
غربت عيناها ليهزها بقوة يجبرها على أن تعود لوعيها مناديا باسمها في حدة لتنتبه إليه فيردد إليها بثبات وصدق يلمع بمقلتيه : أنا آسف يا نور ، لم أقصد ، أقسم بالله لم أقصد ، اغفري لي .
رجفت عيناها لتسقط دموعها رغما عنها ليضمها محتضنا ، يقبل عينيها بشغف مكررا اعتذاره ، يؤمرها بلطف أن تتعلق برقبته فتستجيب إليه في ضعف آلم قلبه أكثر فيقربها منه هامسا إليها أن تسبح معه تساعده ليخرجا سويا للشاطئ .
تعلقت برقبته في وهن لتغيم عيناها بدموع انهمرت بكثرة : لا أقو على السباحة يا عاصم .
ازدرد لعابه ببطء وقلبه يرتجف رعبا عليها ليهتف إليها بجدية : تعلقي برقبتي من الخلف وأنا سأخرج بك يا نوران .
حاولت أن تتعلق برقبته كما أمرها ولكن ذراعيها افلتتا رغم عنها ليستدير إليها على الفور فيتمسك بها قبل أن يهوى جسدها إلى داخل المياه ليضمها إليه وجسده يرتجف رعبا هامسا بتوسل سرى بنبراته : ابق معي يا نور ، أفيقي أتوسل إليك .
تعلقت بكتفيه وهي تجاهد لتبق متيقظة لتهمس في رجاء : لا تتركني يا عاصم .
ضمها إليه ليغمغم بشجن : وهل أقو يا قلب عاصم ؟ فقط كوني معي وأنا لن أبتعد أبدا .
تمتمت بصوت أبح وهي تتمسك برقبته بم تبقى لها من قوتها : لا أقو على الابتعاد يا عاصم .
ابتسم رغم عنه واسمه يخرج بدلالها الطفولي ليهمس بجوار اذنها في خفوت شديد : هيا بنا للخارج قبل أن أفقد تعقلي معك وأخبرك بكل ما أحمله لك بداخلي .
ابتسمت واسبلت اهدابها لتهمس إليه وهي تتعلق برقبته ، تسند وجنتها على كتفه من الخلف بالقرب من رقبته تغمغم بصوت يشوبه نعاس : وما هو الذي تحمله إلي بداخلك ؟
تنفس بعمق وهو يسبح بهدوء : الكثير ، ما يمنعني عنك هو ارتباطنا الغير رسمي ، لحظة أن تصبحي زوجتي سأفضي إليك بأسراري .
دفنت أنفها في جانب عنقه وجسدها يسترخي : وأنا أنتظر .
***
يجلس بعيدا .. متنحيا .. متخفيا ، ينظر إليها متأملا ، بجلستها المسترخية على احدى أرائك البحر، وكما عهدها دوما حينما تكون منشغلة في أحد أمورها ، فهي تتوحد معه ، تفعل كل شيء بتركيز شديد ، تضع سماعات أذنيها وتستمع إلى موسيقى تسلب روحها فتبدو لمن يراها غارقة في عالم أخر مغلفة بغطاء شفاف يفصلها عن عالمهم ، ركز بصره ليدرك أنها تكتب شيء ما على أوراق وتهمس لجهازها اللوحي بكلمات هادئة من شفتيها فيقوم الجهاز بكتابتها تلقائيا ، تنثر خصلاتها الجامحة من حولها ، وتلاعب مسام رأسها بأناملها بتفكير يداعب شفتيها المدودتان بشكل مثير يذكره بم يحاول أن يتناساه على مدار سنوات ماضية سحب نفسا عميقا محاولا تذكر رائحتها الأثيرة التي كانت تفوح منها دوما ، يستعيد ما كانت عليه قديما من خصلات قصيرة وملابس صبيانية تشبه اخويها ، حتى حينما استمتعت إلى خالتها لم تتغير تغير كامل بل كانت تختار أشياء انثوية بلمحة عملية أما ما يراه الآن وما أصبحت هي عليه حاليا فيجده أمام أخرى ، بملابس أنثوية رقيقة وخصلات طويلة جميلة ثائرة، ملامح محددة بزينة هادئة وجسد أنثوي كما قال الكتاب ، فرس كما أطلق عليها ابن عمه - قليل الحياء- متغافلا عن النيران التي أشعلها فيه حينما غازلها من قبل وأكثر من مرة .
نفض راسه بقوة ماحيا أثر كلمة الآخر الوقحة ليعيد تركيزه عليها ، يتساءل عم تفعله في الصباح الباكر استدعى أن تجلس هكذا منذ حوالى ساعة دون أن تمل أو تكل أو تشعر بالتعب ، دون أن تصدر أية حركة أو صوت سوى تمتمتها إلى جهازها ومداعبة مسام رأسها ، أنه ينتظرها منذ البارحة ليتحدث معها ، فلم يقو على النوم سوى ساعات متقطعة طاردته أفكاره السيئة خلالها وهو يشعر بانقباض قلبه يتحكم في مشاعره فجلس ينتظرها ليقوى على الوصول إليها قبل أن يقاطعه ظهور الجميع ، بأول الأمر انتظر موعد ركضها ولكنها لم تفعل وحينما أنهى ركضه الصباحي عاد ليجدها تجلس منشغله بم تفعله فاختبئ بعيد عن مرمى بصرها وبقى منتظرا أن تنتهي ولكنها لم تفعل للان ، نفخ بقوة وفضوله يشغله فتحرك من مخبئة ليقترب منها رغم عنه ، يحاول أن يعرف ما تفعل دون أن تراه .
وكأنها شعرت به حينما دلف إلى مدارها فالتفتت في ذات اللحظة التي اقترب منها فعليا لترفع رأسها ترمقه بنظرة متسائلة بعد أن رفعت نظراتها الشمسية من فوق عينيها لتعيد خصلات شعرها المتناثرة إلى الخلف فتترك وجهها أكثر اشراقا ، حاول الابتسام ولكنه لم يستطع أمام نظرات عيناها الحادة ،وجهها الذي تبدل من الهدوء والراحة إلى غضب وحدة شعا بعينيها فتمتم بهدوء : صباح الخير، كيف حالك اليوم ؟
ابتسمت ببرود : بخير كدائم عهدي ، والحمد لله .
تحرك نحوها ليسالها بجدية : ماذا تفعلين ؟
رفعت حاجبها باستنكار لتهمهم وهي تلملم أوراقها : وما شأنك أنت ؟
ابتسم بتوتر : أنه مجرد سؤال يا يمنى ، ابتسمت بسخرية - نعم مجرد سؤال بين صديقين وقريبين ، لم لا أجيب عليه ؟ لماذا احتد عليك وأنت ابن خالتي الظريف .. الوسيم ، و الذي يهتم بالصغيرة المتعلقة به على ما يبدو ولكنه لا يهتم بها ولا يبالي إليها فهي ليست من نمطه المفضل.
أتبعت بجدية بحدقتي معتمان من القهر : فهو يفضل الشقراوات .
رجف جفنيه رغم عنها ليشعر بثقل ذنبه يخيم عليه تماسك بثبات حينما نهضت واقفة أمامه تتحداه بغضب .. تزأر بوجهه بعنف .. وتسخر منه بثبات ، يرتجف قلبه مؤكدا له أنها هنا أمامه ليست مجرد طيف يراود عقله ولا خيالات يخترعها قلبه ، أنها تواجهه كما تخيل على مدار السنوات الماضية ليعد نفسه إلى تلك المواجهة ، فاقنع نفسه أنه سيقوى على الوقوف أمامها .. التصدي لهجومها ، ولكنه كان مخطئا فالان وهي أمامه يرتجف قلبه ويدور عقله تحت وطأة ذنبه وتذوي روحه ألما فيؤثر الصمت وخاصة وهي تتبع ناظرة لعمق عينيه بهدوء ونبرة غير مبالية : لذا سأجيبك بطبيعية تماثل التمثيلية التي تدار بيننا ، أنا أكتب مقالي الأسبوعي .
ازدرد لعابه ببطء يحاول أن يداري جفاف روحه التي أخبرته أنها تجاوزته .. لقد مضت بطريقها دونه ، لتومض عيناه بفخر واعجابه بها يتزايد قلبه يهفو إليها ليتمتم بهدوء : أنها انها ليست تمثيلية يا يمنى ، وأنت تعلمين هذا جيدا ، ولكن إذا أردتها أن تصبح تمثيلية ، حسنا سأجيبك أنا الاخر بطبيعية تماثل طبيعتك ، سأخبرك بفخري بك وبأنك ماهرة لأنك أصبحت من الصحفيات اللامعات وأنت بهذه السن الصغيرة وأصبح لديك مقال اسبوعي .
لوت شفتيها بسخرية : نعم أنا ماهرة أكثر مما تتصور .
همهم بحزن وعيناه تضوي بحنين مزج بشغفه بها : لطالما كنت رائعة يا مونتي .
صاحت بحدة : توقف ولا تنطق هذا الاسم ثانية ، هذه المونتي اختفت ، ذهبت دون رجعة ، فلا تحاول أن تبحث عنها
اقترب أكثر ليهمس بخفوت وندم مزج بنبراته : لقد حاولت كثيرا من قبل أن أتحدث معك ، أشرح لك ، أعتذر منك ولكن أنت من رفضت والآن أنا أقف أمامك بكامل قواي أريد أن أشرح لك أسبابي وخاصة بعدما حدث البارحة .
ضوى الاستهزاء بعينيها : وما حدث البارحة ؟ أتبعت ببرود – لا أعتقد أن حدث شيء ليجبرك أن تأتي و تواجه وأنت الذي لم تفعلها قبلا !!
زم شفتيه بغضب بدأ يتنامى إليه ليهدر حدة : بل أتيت إليك أكثر من مرة وأنتِ لم تمنحيني فرصة أن أخبرك .. أشرح لك .. اقص عليك ما حدث .
رددت باستنكار : تخبرني .. تشرح لي .. وتقص علي ، نظرت إليه بجدية – بماذا تريد أن تخبرني وتشرح لي وتقص علي يا عمار ؟ تريد أن تخبرني كيف جبنت .. تشرح لي كيف ارتعدت خوفا وتراجعت .. أم تقص علي كيف تركتني وهربت ؟
ضوت عيناها بوميض غاضب لتهمس بلامبالاة : الأمر لا يستحق يا عمار فأنا أقدر حجم خوفك الذي دفعك للهرب والسفر بعيدا ، عض على نواجذه لتبتسم بخفة وسخريتها تتجلى على ملامحها - لا تقلق يا ابن الخالة فانا لم الومك قط ، ولن الومك أبدا .
هدر بحدة : بل تفعلين ، ولكنك أنت الأخرى جبانة تختفين خلف رداء قوة واهي ، تريدين ايهامي بأنك لا تهتمين ولكنك كاذبة ، أنت أكثر من مهتمة .. أكثر من راغبة في التوضيح والشرح .. وأكثر من مستعدة للسماع ولكنك تكابرين حتى تكملين انتقامك مني ، أتعلمين لماذا ؟
اقترب خطوة أخرى منها ليهدر بحدة : لأنك حينما تستمعين ستغفرين .. حينما تعلمين ستسامحين .. وحينما تدركين ستقتربين وإلي ستلجئين .
ازدرد لعابه ببطء ليهمس بخفوت غاضب : أنت تماطلين يا يمنى لتعذبيني كما تريدين ، وأنا أمنحك الفرصة كاملة لتفعلي ، لأني واثق كما أنت موقنة أن حينما اصارحك سيكون لا مجال أمامك لتهربين ، أتبع بجدية وهو ينظر إلى عمق عينيها - فقط أنا أمنحك بعض الوقت لتركضي كما تشائين وأنا أعلم أنك بالأخير في مداري ستقعين .
رفع رأسه بغطرسة ليكمل : فتمتعي بحرية زائفة توهمين روحك بها قبل أن أغلق قيدي على جيدك من جديد وتمنحيني لجامك ثانية .
ومضت عيناها بحدة : أنت تحلم يا عمار .
رد بثبات : بل أنا واثق يا يمنى ، واثق .. موقن .. متأكد ، وسيأتي اليوم الذي فيه تقرين .
رمشت بعينيها كثيرا وملامحها الساخطة تحتل نظراته لتهمهم باستياء : ليس لدي وقت لهذا الهراء .
همت بالابتعاد ليقف أمامها يمنعها من الحركة لينظر إليها مليا قبل أن يغمغم بخفوت : لا علاقة لي بأفعال كاترينا ، فما كان بيننا انتهى قبل أن افكر في الاقتراب منك ، ما تفعله خاص بها وتفعله لأنها تشعر بالغيرة منك ، فبالنسبة إليها أنت السبب الرئيسي في تركي لها ، هي تعلم جيدا أني فضلتك عليها .. أنك من تملكين قلبي وأنك العائق الذي وقف أمامها فلم تنالني .
لانت ملامحها باستهزاء وضح ببسمة ثغرها لتهمهم ساخرة : تتحدث عن نفسك وكأنك جائزة تتهافت على نيلها الفتيات .
بسمة ثقة لمعت فوق ثغره وملامحه تنتشي بغرور : أو ليس كذلك ؟
أطبقت فكيها بعصبيه لتدفعه في صدره بغلظة : لا ليس كذلك .
انتفضت بعنف حينما قبض على كفها التي حطت فوق صدره ليقبض على معصمها بقوة هادرا بحزم : إياك أن تفعليها ثانية ، أتبع بحدة – ولا تجرؤ على تخطي حدود الأدب فيم بيننا .
حاولت أن تملص معصمها من قبضته ليضغط عليه بقوة اكبر وهو يهدر : ليس من الأدب يا ابنة الأمير أن تضربي زوجك .
ارتسمت الشراسة على ملامحها لتلوي معصمها إلى الخلف حتى تجبره على افلات معصمها ولكنه لم يفعل بل لوى كفه معها ليجبرها على لوي ذراعها للخلف ليجذبها نحوه فيكاد أن يرتطم ظهرها بصدره ليهمهم بفحيح غاضب جنب اذنها : لن أسمح لك ثانية بالتجاوز يا يمنى ، فالتزمي بحدود الأدب .
همهمت بحدة : اتركني .
زجرها بخشونة : اعتذري .
ماجت بزمجرة نمرة شرسة : لن أفعل .
سحب نفسا عميقا ليهمهم إليها بلطف : وأنا لست الرجل الذي يضرب النساء أو يخضعهن بقوته البدنية ، أفلتها ببطء وهو يديرها لتواجهه من جديد فيكمل – ولكني أحذرك ، لا تتمادي يا يمنى .
دلكت معصمها وهي تنظر إليه بشراسة قبل أن تهدر فيه : أعلى ما في خيلك اركبه .
لوى شفتيه ببسمة متكبرة قاصدا استفزازها : لا تقلقي سأفعل ، أتبع بوقاحة – فالفرس خاصتي لا مثيل له .
اربد وجهها بغضب لتندفع بخطواتها وهي تهمهم بحدة : أنت وقح ، وسأخبر أبي .
تركها تمر بجانبه ليجيبها ببرود : أرجوك افعلي واخبريه أيضا أنك دفعتني ، استدار إليها نصف استدارة – دفعت خطيبك يا ابنة الأمير وأخبريني ماذا فعل بك .
توقفت خطواتها وجسدها يتصلب برفض اوجعه لتهمهم باستنكار : خطيبي ؟!
ابتسم ساخرا : ألا تدركين أنا تقدمت إليك منذ وقت ، وحينها جاوبني عمي أمير بالإيجاب ولكن كانت هناك مشكلة صغيرة ، أنت من حللتها حينما رفضت تقدم فراس لطلب يدك ، لذا أنا رسميا خطيبك وبموافقة أبيك ايضا .
هدرت بقهر : لست خطيبي ولن تكون ، فأنا لست موافقة .
رمقها من بين رموشه : بل ستفعلين ، فقط توقفي عن الكذب .
رجف فكيها بغضب لتهمهم إليه : سنرى يا عمار .
راقب ابتعاد خطواتها الغاضبة ليتمتم بجدية : سنرى يا مونتي ، سنرى .
***
يجلس بحديقة الشاليه الخاص بأسرته يرتشف الشاي في فنجان زخفي كما يحب ويفضل ، يطبق كفه بطريقة راسيه فيلامس طبقه الخزفي بأصابعه ليثبت الكوب بطرف ابهامه ، يتأمل البحر من أمامه بابتسامة سعيدة وتلاعب خفي يداعب أروقة قلبه وهو يستعيد تعلقها به حتى بعدما وصلا للشاطئ ، فاسندها بلطف ، ألبسها قميصه القطني ليخفي جسدها قبل أن يدفعها أن تسير بجواره لتعود إلى شاليه أبيها ولكن بعد قليل من الخطوات ترنحت لتتمسك به فيحملها مجبرا ، فهمست إليه حينها أن يذهب إلى شرفة غرفتها فهي تركتها مفتوحة لتدخل منها دون أن تثير قلق والدتها فوافق وهو يفكر بأنه لا يريد أن يلتقي بأحد فيسأله عن سبب حمله لها أو يجبره على شرح ما حدث لها ، وبالفعل استجاب إليها ليدخلها إلى غرفتها يضعها بفراشها ، يربت على رأسها ثم ينحني مقبلا جبينها قبل أن ينصرف سريعا وهو يهاتف فاطمة ويخبرها بأن ابنتها متعبة قليلا وتحتاج بعض من العناية .
اتسعت ابتسامته وهو يستعد حديث فاطمة وتلميحاتها إليه لينهي المكالمة بمزاح تبادله معها قبل أن يزجرها بلطف أن تذهب إلى زوجته المستقبلية فينهي المحادثة وضحكة فاطمة ترن بأذنيه تنهد بقوة وهو يشعر بقلبه ينتشي بحبور لم يشعر به من قبل ، حبور ترسخ بأوردته بسبب تعلقها به .. اعترافها أنها لا تقو على الابتعاد عنه .. قربها الحميمي منه ، لقد اعترفت بشكل غير مباشر بشعورها نحوه وهو فعل بالمثل ، لقد أفضى ببعض من مكنونات روحه بطريقة مراوغة أراحته وحفظت كرامته في نفس الوقت ، زفر أنفاسه بقوة والتقط أذن الفنجان بطرف سبابته وابهامه الأخرين ليرتشف بعضا من الشاي ليعيد الفنجان ثانية وعيناه تومض بفرحة لا يقو على نكرانها ، فتقدمه معها يريحه وتمسكها به يبهجه ، وقربهما سويا يغمره بدفء بدد برودة خوفه ومحى حيرته وأزال تردده ، فاليوم تبادلا اعتراف مراوغا ، وقريبا ستقر بحبها له وعليه هو سيفضي بكل مكنونات روحه إليها ، وكم يتمنى أن يقترب هذا اليوم ويحصل على موافقة عمه ليتمم اقترانه بها فتصبح له .. ملكه .. خاصته .. حبيبته .
بسمة شكلت ثغره وهو يشعر برائحتها لازالت عالقة به رغم حصوله على حمام أزال عن جسده مياه البحر المالحة ولكنه لم يستطع أن يخلصه من سطوة قربها على قلبه .. روحه .. عقله .
__ الله .. الله ، أنت تجلس هنا وتضحك بمفردك ، ماذا حدث للدنيا وماذا اختلف عن البارحة فأصبحت بمزاج رائق يا شقيق؟!
التفت إلى عمار الذي اقتحم خلوته ليتجاهل تعليقه السمج ويهتف به : صباح الخير .
ابتسم عمار بمكر وهو يلتقط هروب أخيه من حديثه فيقف أمامه ويتابع : وترتشف الشاي أيضا ، هل حدث شيء ما وأنا غائب ؟
رفع نظره على الفور ليرمق أخيه بتفحص ليساله بجدية : كنت تركض ؟
أومأ عمار بالإيجاب ليستلقي بتعب على الكرسي الأخر ليتابع عاصم بجدية بعد أن نظر إلى ساعة معصمه : ولكنك تأخرت اليوم عن موعدك المعتاد .
هز عمار رأسه بحركة غير مفهومة قبل أن يهتف وعيناه تتسع برعب لينتفض سائلا : ما هذا ؟! أنت تنزف من كتفك .
لف برأسه في حركة بسيطة ليهمس : أعرف ، عقمته ولكني لم أستطع ان اعالجه جيدا فيدي لم تصل إليه بطريقة صحيحة .
تفحصه عمار قليلا لينطق بهدوء : تعال اذًا أنا أعقمه وأعالجك ، أتبع بخفة وهو يتبع عاصم الذي استجاب إليه بعفوية – سواء قلبك أو جسدك أنا بالخدمة يا شقيق .
رمقه عاصم بطرف عينه ليهمس بمزاح تملكه : فقط عالج نفسك أولا ، أنت كما يقول المثل –الذي سمعته من خالتي ليلى – باب النجار مخلع .
ابتسم عمار بأمل : أنا أحاول صدقني .
ضحك عاصم بخفة ليدفعه عمار أن يقف أمامه بدورة المياه ليخرج علبة اسعافات متطورة قليلا فيبدأ بتعقيم جرح كتف أخيه بهدوء قبل أن يخرج قطعة من الضماد فيضم الجلد المفتوح بجوار بعضه ويضعها بشكل أفقي عليه فتتخذ لون جلد عاصم فلا تظهر للعين العادية ، عبس عاصم وهتف : لماذا لم تستخدم الضماد العادي ؟
همس عمار بهدوء : حتى لا تنتبه إليك ماما فتتساءل وتسأل وتحاوطك إلى أن تجيبها بالسبب وراء جرحك ، التزم عاصم الصمت فاتبع عمار بهدوء شديد - هل ضربك أحدهم بمدية أو سن مدبب ففتح جلدك هكذا ؟
ابتسم عاصم ساخرا : هل أصاب عقلك لوثة ، من الذي سيضربني ؟ وبمدية أيضا لماذا أين نحن ليحدث هذا ؟
لوى عار شفتيه وعيناه تتراقص بتسلية : إذًا لقد جرحت في الصخور كما توقعت تماما .
رجف فك عاصم ليهتف : هل انتهيت ؟
توقف عمار أمامه ليهمس له بمناغشة طفولية : أخبرني عم حدث وفتح كتفك هكذا .
تنهد عاصم وهو يتحاشاه ليتحرك متجها نحو غرفته فيتبعه عمار وهو يناديه مرارا وتكرارا بطريقة طفولية فيغمض عاصم عينيه ويهتف من بين أسنانه : توقف يا عمار لقد كبرت على ما تفعله .
جلس عمار أمامه : هيا اخبرني إذًا ، هل حدث ما تخشى حدوثه ؟
عبس عاصم بعدم فهم وسأله وهو يبدل قميصه القطني : وهو ؟
ومضت عينا عمار بمكر : هل احتجزت نوران بين الصخور وحاولت تقبيلها فدفعتك ، أم استجابت ونسيتما الدنيا فجرحت دون وعي منك ؟
رفع عاصم حاجبيه ليهتف به بضيق : هل أنت مجنون أم أحمق ؟ عبس عمار بتعجب فاتبع عاصم - هل تدرك أن من تتحدث عنها هي ابنة عمنا أليس كذلك ؟
هز عمار كتفيه بلا مبالاة : إذًا ؟!
زفر عاصم بقوة ورمقه من بين رموشه : أنت لم تتعلم شيء من الماضي يا عمار ، أنت لم تدرك خطأ الماضي ولم تتفهمه بل ولم تستوعبه أيضا ، أنها ابنة عمي من المفترض لو رأيتها عارية أن أحجب جسدها عن الآخرين والتزم حدودي معها .
مط عمار شفتيه ليهتف بجدية : نعم أوافقك لو من تتحدث عنها هي ملك ، جنى أو حتى أميرة، أم من نتحدث عنها هنا هي ابنة عمك وحبيبتك ، زوجتك التي تريد منذ شببت وأصبحت صبيا ، من أحببتها كما لم يحب أحدهم ومن راعيتها كما لم تراعي احدهن ، هي ليست كالبقية ، أنت من المفروض تدرك هذا لتغتنم فرصتك وتفز بالأخير يا عاصم ، لا أن تنتظر لتمنى بخسارة قادمة إذ لم تدرك الفارق بين ابنة عمك وحبيبتك .
رمق أخيه من بين رموشه ليهمس بجدية : أنا أعلم الفارق يا عمار ولا تقلق سأفوز هذه المرة فقط يوافق عمك وسيكون كل شيء على ما يرام .
ابتسم عمار بمشاكسة : إذًا لم يحدث تجاوزات بينك وبين نوران ؟
مط عاصم شفتيه قبل أن يرميه بوسادة كبيرة وهو يصيح به : احترم نفسك يا طبيب المجانين .
انحنى عمار ببراعة فمرت الوسادة من فوق رأسه لترتطم بوجه وليد الذي فتح باب الغرفة في توقيت خاطئ ليصرخ بغضب : أيها الحمار أنت وهو ماذا تفعلان هنا ؟
كتم عمار ضحكته ليحتقن وجه عاصم بحرج ينتفض واقفا ليهتف بالاعتذار لأبيه الذي رماه بالوسادة في غضب زان عينيه : ما الذي أتى بكما افهماني ؟
التقط عاصم الوسادة بين كفيه ليزفر عمار بضيق : هل اقامتنا محددة يا بابا أم ماذا ؟! أتينا لتناول الفطور والجلوس معكم .
رمقه أبيه بضيق : لا يا حبيب بابا ولكن تعلمان أن ابنة عمتكما هنا وهي السبب الرئيسي في مغادرتكما للشاليه .
لوى عمار شفتيه ليغمغم باستياء : ابنة عمتنا لا يخاف عليها يا بابا ، بل يخاف منها .
زجره عاصم بنظراته ليلتفت إليه وليد بحدة : ماذا تقصد يا ولد ؟
أشاح إليه عاصم برأسه أن يصمت فزفر عمار بضيق : لا شيء يا بابا لا تشغل بالك .
هم بمغادرة الغرفة ليقبض أبيه على ساعده يوقفه يرفع رأسه ينظر إليه قليلا قبل أن يسأله باهتمام : أنت ضائق من وجود كاترينا يا عمار ؟
تحكم عمار في انفاسه قبل أن يهمهم : لا يا بابا أنا فقط اتساءل عن سبب وجودها .
رمقه وليد قليلا قبل أن يجيب بهدوء : أنها آتية لغرض العمل ، أخيك يعلم العرض المحملة به كاتي ، لا أكثر ولا أقل ، هز عمار رأسه بتفهم فاكمل وليد – إنها ضيفتنا لمدة أيام قليلة فلتتحملها يا عمار بك حتى لو رغم عنك .
نفخ عمار بقوة ليغمغم بخفوت شديد وهو يتحرك مبتعدا عن أبيه : فقط هي تبتعد عني وكل الأمور ستكون بخير .
راقب وليد مغادرته للغرفة فيلتفت إلى عاصم الواقف خلفه ليبتسم بمكر وهو ينظر إليه من طرف عينه : وأنت يا باشمهندس ، كيف حالك اليوم ؟!
أومأ عاصم برأسه : بخير يا بابا .
أتبع وليد بمكر : ونوران ؟
رجف جفن عاصم بتتابع ليؤثر الصمت قليلا قبل أن يجيب بهدوء : بخير .
جلس وليد على الأريكة خلفه ليضع ساقا فوق الأخرى مهمهما بتلاعب : من أين ابتاعت رداء السباحة القطعتين ذو اللون الأرجواني ، ألم تخبرك ؟ تصلب فك عاصم ليتابع وليد بمشاكسة – لا يهم ، سأسالها حينما أقابلها .
زمجر عاصم : بابا .
انفجر وليد ضاحكا قبل أن يربت على الأريكة بجواره : تعال اجلس بجواري أريد الحديث معك .
***
تحركت بخطوات سريعة بعد أن وضعت اشيائها في حديقة الشاليه قبل أن تشد جسدها مغادرة فهي لا تريد أن تقابل شقيقها أو والدتها ، فهي تشعر بالضعف .. روحها مهتزة .. أعصابها مشدودة .. وقلبها يئن بعويل تريد التخلص منه .. وعقلها يزار بصراخ لا تقو على ايقافه ، تسارعت قدميها تنهب الأرض من اسفلها إلى أن وصلت لأخر الشاطئ تختفي داخل تجمع من أشجار النخيل تظلل على من يجلس أسفلها ، ركنت جسدها لاحدهن قبل أن تداعب هاتفها لتلامس شاشته تهمس بخفوت وصوت مشحون بعبرات اختنقت بحلقها : هل استيقظت أم لازلت نائما ؟
استمعت إليه بصبر تمسكت باخره لتهمهم : سأنتظرك في مكاني المفضل ، أتبعت بصوت محشرج – أنا أحتاجك .
اغلقت الهاتف لتسقط جالسة على ركبتيها وهي تترك لعقلها العنان أخيرا أن تتذكر تقرب الأخرى منه إنها نفس الطريقة تقريبا التي كانت معتادة فيم بينهما قديما ، فتندمج الذكرتان بعقلها لينتفض قلبها وجعا .. وتنتهك روحها غدرا ، تغمض عينيها فتتراءى الصورة أمام عين خيالها ليرتعد جسدها رغما عنها وهي تشعر بوجع روحها يتفاقم لينفجر سدها المنيع فتغرق الدموع خديها و ألمها يتجدد ، تشعر بنفس الوجع الذي داهمها تلك الليلة التي علمت بها خبر سفره الذي كان صاعقا .. مزلزلً .. طاما على نفسها لتهوى واقعة بين ذارعي أخيها الذي ضمها بقوة يقبل رأسها ويهدهدها بكلماته الحانية وهو يحاول السيطرة على حركة جسدها المتأرجحة دون إرادة منها ، يحاول أن يمنع شهقات .. انتفاضاتها .. دموعها الغزيرة .. ارتجاف جسدها .. آلام قلبها ولكنه لم يستطع سوى أن يبكي عليها رغم عنه فتتساقط دموعه فوق رأسها وتغرق خديها ، صوته المحشرج الذي همس إليها بمزيج من عنف وغضب وغيرة عليها ليتمتم بصوت جامد مختنق : سأقتله إذا أردت .
شهقت بقوة تحاول ان تتحكم في دموعها المنهمرة فأغرقت وجنتيها لتنتفض بصوت مكتوم على كفيه اللذين قبضا على كتفيها من الخلف يجلس خلفها على ركبتيه يضم رأسها بذراعه والآخر يضم جسدها إلى صدره ، يهمس باسمها في مناجاة خافته ، فتلتفت إليه تتمسك به تتعلق برقبته وتدفن رأسها في صدره وهي تهمهم : أنا اتمزق .
ربت على رأسها بحنو : اهدئي ، فقط اهدئي .
نشجت ببكاء قوي ليغمض عينيه بغضب يسري بأوردته فيتمتم : سأقتله فعليا هذه المرة لارتاح منه ولتتوقفي عن البكاء بسببه .
نهنهت بقوة ليزمجر بغضب : سأذهب الآن والكمه فأعيد ترتيب وجهه الوسيم فلا تنظر إليه حتى قطة حولاء .
ابتسمت من بين دموعها ليدفعها بعيدا عن حضنه يحتضن وجهها بين كفيه ليمسح دموعها بحنو : ماذا حدث وجعلك تنهارين ثانية بهذه الطريقة ؟ لقد كنت متماسكة البارحة ، قوية .. شامخة كما اعتدت منك ، ما الذي أعادك لهذه النقطة من جديد ؟
أشاحت برأسها بعيدا تتهرب من عينيه التي تسألانها بثبات فتهمهم : أنه يتحداني ويخبرني أني سأوافق في أخر الأمر أنه سأكون من نصيبه فهو قدري ، صمتت قليلا لتتابع بحدة – لقد تقدم إلى أبي الذي رحب به صهرا بالطبع فلا أحد يعلم شيئا سوى أنت وأسعد.
زم شفتيه ليهمس بجدية : وبم أجبته ؟
__ رفضت بالطبع ، هدرت بغضب فرمقها بصبر – لماذا تبكين إذًا ؟
سقطت دموعها من جديد : روحي هفوت إليه وكأنه لم يفعل شيء ، بل قلبي قفز طربا لكلماته وانجذب إليه من جديد ، أنا اتمزق يا نادر ، لا أعلم ماذا علي أن افعل ؟!
انهمرت دموعها من جديد فلانت عيناه بحنان وضمها إلى صدره فركنت جانب رأسها إلى صدره تتمسك بكفها في ذراعه الذي يضمها في رجاء وصله جيدا لترفع كفها الآخر وتمسح دموعها بثبات لتتسع عيناه بصدمة قبل أن ينتفض بغضب وهو يقبض على كفها ، يسألها بغضب صدح بنبراته : هل هو من فعل ذلك ؟!
أجفلت لتؤثر الصمت فيقفز نادر واقفا وهو يهمهم بعصبية تملكت منه : سأكسر له ذراعه بعد أن اشوه وجهه هذا الغبي ، وسأخبر عمو أمير بكل شيء ليودعه مثواه الأخير اليوم بإذن الله .
شهقت بخوف لتنتفض خلفه تتمسك في ذراعه بكفيها الاثنين تحاول أن توقفه ولكنه يقاومها بصلابة لتهتف به : انتظر يا نادر .. انتظر أرجوك .
حاول أن يملص ذراعه من بين كفيها ليهدر فيها بغضب : اتركيني يا يمنى ، سأقتله هذه المرة ، هل تجرأ ابن الجمال على أن يلامسك بل ويتجبر عليك ليترك أثار اصابعه فوق معصمك ، أتبع هادرا بغضب فاق حلمه وتعقله – لماذا هل مُحي اثرنا على وجه الأرض ليتجبر عليك هذا الحيوان ؟
هدرت بصرامة : لا تسبه فهو ليس مخطئ .
اتسعت عيناه بصدمة وملامحه تشحب بذهول لتتابع وهي تخفض عينيها عنه : لقد دفعته بصدره بغلظة أولا فقبض على معصمي ليوقفني عن ضربه .
انقلبت صدمته لغضب عارم ليهدر بغضب : هل أنت حمقاء ؟! كيف طاوعت نفسك وفعلت ذلك؟ منذ متى وأنت تضربين أحدنا يا يمنى ؟ أتبع هادرا – أنت منحته فرصة ليتجرأ عليك ويتطاول أيضا دون أن نستطيع محاسبته أو عقابه على تطاوله عليك .
رمشت بعينيها لتبكي من جديد وهي تجلس أرضا لتهتف بحدة : كنت مغتاظة .. ضائقة .. وغاضبة .
رمقها من علو ليسأل بصرامة : لماذا ؟
تمتمت بصوت أبح : لقد رأيتها معه البارحة .
عبس بعدم فهم ليجلس من جديد ينظر إليها بعدم فهم فتكمل بصوت مختنق : الشقراء الحسناء التي تناسبه .. تلك الفتاة التي عشقته منذ صغره وكانت تتفنن في مضايقتي والتنمر علي بسبب ..
صمتت وعيناها تنبض بوجع فيقابله بغضب تأجج بنفسه ليسالها بحدة : تلك الفتاة التي حضرت البارحة نفس الفتاة التي ..
أومأت برأسها إيجابا ليهمهم بوجع : يا الله ، ليتبع سريعا – هل هو ..
هزت رأسها نافية بسرعة : بالعكس أنه يتحاشاها وسبب حديثه معي اليوم أنه يوضح لي أنه لا يريدها وأنه ليس مسؤول عن أفعالها .
زفر نادر بقوة ليرمقها بتأمل : وأنت بماذا تشعرين يا أختاه ؟
عضت شفتها بخفة لتهمهم بخفوت شديد : أنا أصدقه .
ابتسم رغم عنه ليتمتم وهو يضمها إليه من جديد : حمقاء .
دفعته بغيظ : ابتعد عني ، ضحك بخفة ليطرق مؤخرة رأسها : أخبريني يا مهرة آل الخيال ماذا ستفعلين الآن ؟
رفعت نظرها إليه بحيرة سكنت حدقتيها : لا أعلم .
ضيق عينيه ليتفحصها قبل أن يغمغم بمكر : بل تعلمين ولكنك تخافين .
أشاحت بعينيها بعيدا ليتابع باتزان : استفت قلبك يا أختاه ، مطت شفتيها برفض لتهز رأسها بعدم قبول ليكمل بخفة - وحكمي عقلك أيضا ، ولكن توقفي عن انتقامك قليلا لتستطيعي أن تصلي لمرفأ أمانك .
نظرت إليه ليمأ إليها برأسه فتعبس بتفكير ليربت على رأسها بحنان فيقبل جبينها قبل أن يهتف بحدة : أنا جائع لقد ايقظتني من النوم بسبب الغبي الذي – من الواضح - أنه كتب علي يكون عملي الرديء في دنياي .
ضحكت رغما عنها لتنهض واقفة : حسنا تعال معي لتطعمك ماما .
سار بجوارها ليهتف بمرح : من الجيد أن عادل لازال نائما حتى لا يقتلني أن أتى ووجدني أتناول فطوري معكما .
ضحكت برقة : إنه يشاكسك فقط .
جعد أنفه إليها في مرح : أنا أعلم وأحب أشاكسه مثلما يفعل معي ،
تأبطت ذراعه لتسير معه يثرثرا سويا وهما يتجهان نحو الشاليه الخاص بعائلتها .
***
__ لماذا تبكين يا حبيبة ؟ نهنهت من جديد ليزفر ببطء قبل أن يتابع بهدوء – فقط توقفي عن البكاء وأخبريني .
لم تجبه بل التزمت الصمت ودموعها تنهمر من جديد فيدعو الله أن يلهمه الصواب وهو يبدل قيادة السيارة للقيادة الاتوماتيكية قبل أن ينتزع كفها القريب يلامسه بأصابعه يرغمها على أن تبقيه داخل راحته مزمجرا بلطف : امنحيني يدك وتوقفي عن البكاء وإلا سأتوقف بالسيارة جانبا وسأهاتف سليم ليأتي بأقصى سرعة ويرى ماذا بك ؟
مسحت دموعها بكفها الأخر لتحاول أن تتحدث فيخرج صوتها محشرج .. أبح : لا تفعل ، لا تقلقه أرجوك .
تنهد بصبر ليرفع كفها إليه يطبع قبلة بعمق داخل راحتها : لا تترجيني ثانية يا حبيبة ، لا تفعلي أبدا ، أتبع ببسمة حانية – ثم أنا لن ات بأخيك ليرى ماذا ألم بك وأنا موجود ، فأنا أكثر من كاف ، ألم لديك رأي آخر ؟
ابتسمت رغم عنها تنظر إليه بامتنان وهي تضغط على كفه بلطف تهمس بحشرجة : نعم أنت أكثر من كاف .
لمعت عيناه بسعادة و راحة استقرت بأعماق قلبه ليحدثها بجدية : هذا جيد والآن أخبريني لماذا تبكين بتلك الطريقة ؟
تمتمت بصوت محشرج : حزينة لما فعله بابا غاضبة منه وضائقة لأجله ، أنا محتارة ولا أعرف كيف أتصرف ، ولا أقو على التخيل ماذا كان سيحدث لو لم تتدخل ايني في الوقت المناسب وتوقف ما كان سيفعله .
ارتعد جسدها رغم عنها لتتبع بوهن: بابا حينما يغضب لا يقو على التصرف جيدا ، فغضبه يمحي تعقله ، لذا انجرف في ردة فعله ، اختنق صوتها واتبعت بحشرجة – لا أصدق أنه كان على وشك تطلي..
صمتت وهي تضغط شفتيها ببعضهما لا تقو على تكملة حديثها ليغمض عينيه وهو يتنفس ببطء ، يتذكر انفعال حماه المبالغ فيه ، حديثه الغاضب معه حينما عرج عليهم صباحا كما أتفق مع سليم ليسافروا سويا بعد أن أخبره الأخير برغبة ايني في الذهاب قبل أخر الاسبوع لتمض بعضا من الوقت مع البقية قبيل رجوعهم ، فيوافق سليم ويخبره انهم سيذهبون جميعا فلا داع لسفره بمفرده بل ليتقابلا وينطلقا سويا ، ليفاجئه حماه برفضه للسفر وليس لليوم فقط بل إنه سيعتذر عن الذهاب للرحلة كلها دون ابداء أسباب أو سابق إنذار .
للان لا يعلم ماذا حدث ولماذا اندلع الشجار من الأساس ، ولكنه يعتقد أنه بسبب رفض سليم لقرار والده ، بل أنه لم يعر للأمر اهتماما وهو يبدأ في إخراج الحقائب ورصها بحقيبة سيارته ليهتف به في هدوء أقرب للبرود أن يأخذ بعضا من حقائب الفنانة معه بسيارته .
لا ينكر أنه توتر وهو ينظر لبلال الذي أربد وجهه غضبا واحتقن بلون أحمر قاني لينقل نظره إلى سليم الذي وقف يشرف على أبيه من علو يضيق عينيه بتصميم اعتلى ملامحه جسده مشدود بصلابة ويضع كفه بجيب بنطلونه ليتابع حينما لم يتحرك عمر : هيا يا عمر حتى لا نتأخر .
نهض عمر ليتحرك للخارج بالفعل قبل أن يصدح صوت حماه بصرامة : إذا أردت الذهاب يا سليم فلتذهب بمفردك فأنا لا أريد السفر .
أجابه سليم بحدة : لم أطلب منك مرافقتي يا بابا ، أنت لا تريد السفر ، إذًا على راحتك لا تسافر ولكن أنا ووالدتي وشقيقتي سنفعل .
حينها لم يفهم فعليا ما حدث وحميه يزأر في وجه ولده ليقابل سليم زئيره ببرود وهو يتابع ما يفعل ليحتد حماه أكثر فيدفع ولده بغضب للخارج يطرده من البيت لتتدخل حماته بعصبية لم يكتشف وجودها بشخصيتها من قبل لتفتح الباب الذي أغلقه حماه بوجه ولده وهي تتصدى لزوجها تسحب سليم إلى الداخل من جديد وهي تزمجر : ولدي مكانه بيتي ، لا تطرده أبدا خارج بيتي .
ومضت عينا بلال بغضب : هو من يريد الرحيل .
استحالت ملامحها لصرامة ذكرته بملامح سليم وهي تقف بجوار ابنها فتهتف بحدة : هو يريد السفر للمصيف الذي وافقت عليه من قبل ولم تخبر أيا منا أنك الغيت الفكرة ، لم تستشيرنا في قرارك حينما وافقت وحينما قررت العدول عنه لم تخبرنا أيضا ، والآن تريد طرد ابنك من البيت لأنه عارض رفضك الغير مسبب .
أتبعت وهي تتحرك نحوه خطوة ترفع رأسها بتحدي : لعلمك يا بلال سأذهب مع ولدي أينما ذهب وأنت ابق بمفردك.
حينها اتسعت عينا حماه بصدمة تحولت إلى غضب عارم ليهدر بخشونة : إذا فعلت يا سوزان لا تعودي ثانية .
ارتفع حاجبيه بصدمة وهو ينظر لملامح حماته المصدومة لوهلة قبل أن تبرق عيناها بغضب فترفع رأسها بشموخ : حسنا ، لن أعود يا ابن خالي .
فتتحرك بخطوات هادئة تدعو حبيبة التي اختفت في الداخل منذ أن أعلن أبيها رفضه إلى السفر والتي اكتشف حينما خرجت إليهم أن وقت اختفائها كانت تقضيه باكية بغرفتها ، لتقف حبيبه متسائلة عم حدث فتجيبها سوزان بهدوء : ات بأشيائك من الداخل ، فنحن مسافرون .
أغمض عينيه بقهر وهو يستعيد اهتزاز حدقتي حبيبة بتساؤل قبل أن تتحرك نحو أبيها متسائلة بصوت مرتعش : هل وافق بابا على السفر ؟
ليهدر بلال بصرامة : اذهبِ بمفردك مع ابنك يا سوزان ، ابنتي تخصني .
ابتسمت حماته بشراسة لتهتف بتهكم : بل تخص زوجها الواقف خلفك .
حينها استدار إليه ليهدر : ابنتي لا تخص أحد سواي .
توترت ملامحه ليحاول الحديث بمنطقية ولكن حماته لم تمنحه الفرصة هاتفة بحدة : ابنتك أتمت الواحد والعشرون يا بلال وأصبحت ناضجة .. راشدة .. قادرة على الاختيار .
هم بأن يمنعها .. أن يترجاها ألا تفعل بحبيبته ما فعلت ولكنه لم يقو فحماته توقفت أمام ابنتها لتسالها بجدية : بابا لن يسافر يا حبيبة ، وعليك الاختيار بين أن تبقي معه أو تصحبيني أنا وسليم إلى السفر ،
هدر بلال بجنون : بل أخبريها أنه ليس السفر فحسب أخبريها أنك تتركيني .. أخبريها أنك إذا غادرت باب هذا البيت لن تعودي إليه ثانية .
فأجابته سوزان بشموخ وتحدي : هاك أنت أخبرتها ، تابعت وهي تنظر إلى ابنتها بجدية – ما هو اختيارك يا ابنتي ؟!
هزت حبيبة رأسها برفض وتراجعت خطواتها لتهمهم بتبعثر : لا أريد شيئا ، أريدكم جميعا .. تلعثمت ونطقت كلماتها بتعثر أوجع قلبه وخاصة حينما انهمرت دموعها بغزارة - ا..ن..ا ار.. يد.. كم جمي..عا .
وقبل أن يتحرك سليم نحوها كان يهرع هو إليها ليجذبها إلى صدره يضمها إلى حضنه غير عابئا بزمجرة حميه ولا اعتراضه ليصيح بجدية وهو يتمسك بها في تملك : سأصحب زوجتي للخارج، بعد اذنكم .
كانت لهجته قاطعة .. حادة .. صارمة ليسحبها إلى جواره يضمها إلى صدره أكثر فتتمسك بصدر قميصه بقوة تهمهم بتلعثم : لا اس.. تطيع .. ان ات .. رك وال..دي .
ليقبل رأسها بحنان : سنعود إليهم من جديد .
قابلتهما ايني بالحديقة والتي هتفت بمرح : كنت قادمة إليكم فسليم تأخر في الظهور ، عبست ايني بتعجب وهي تنظر إلى حبيبة الباكية وتمسكه بها في قوة لتسأل بجدية : ماذا هناك ؟
هم بالإجابة ليعلو صوت حماه من الداخل فتهرع إليهم إيناس - يتبعها هو تاركا حبيبه رغم عنه – ليأتيهما صوت حماه الذي كان يصيح بقوة : أنا أكررها لك يا سوزان إذا خطوت خارج باب البيت لن تعودي إليه .
لتجيب حماته وهي بالفعل تسير للخارج تتمسك بكف سليم ترجوه قوة تحتاجها : افعل ما تريد يا بلال .
ليهدر حميه : أنت طا..
حينها صرخت ايناس بقوة : هل جننت ؟! ماذا تفعل يا بلال ؟! هل فقدت عقلك ؟!
همت سوزان بالانصراف ليهدر من جديد : لقد خيرتها وهي اختارت .
استدارت إليه سوزان ترمقه بحدة لتقبض إيناس على ساعدها القريب تهتف بجدية : توقفي يا سوزان ، اهدئي .
هدرت سوزان بقوة : لن أفعل ، أنا لا أريد البقاء ، وليفعل ما يريد .
لتدفع ايني بلطف وتشير لابنها برأسها : هيا يا سليم ،
غادرت أمام الجميع لتهتف بحبيبة حينما مرت بجانبها : هيا يا حبيبة إذ كنت ستاتين معنا .
لتقف حبيبة بالمنتصف تنقل نظرها بين أبيها الواقف بمفرده داخل البيت وأمها التي توقفت إلى جوار سيارة سليم لتتحرك عائدة إلى البيت فيتبعها هو رغم عنه هاتفا باسمها ناظرا إليها بتساؤل فتجيبه بصوت مختنق : هل..ا استط..عت انتظ..اري قليل..ا ؟!
تمتم على الفور : العمر كله يا حبيبة .
تشكلت ابتسامة متألمة على ثغرها لتما برأسها ودموعها تنهمر لتقترب من ابيها الغاضب تلثم وجنته برقة وتهمهم بخفوت وهي تحتضنه بقوة : سانت..ظر مجي..ئك يا بابا .
لتحمل حقيبتها وتدور على عقبيها تغادر البيت لتخطو نحوه قبل أن تهمس بثبات حاولت التمسك به لتنطق دون تلعثم هذه المرة : خذني معك يا عمر .
ليتحرك على الفور بها بعد أن أشار لسليم برأسه فأومأ إليه سليم متفهما ، غادر بها وبقى سليم وسوزان مع إيناس التي أصرت على مكوثهم لتحل الوضع بين أخيها وزوجته وتفهم سبب المشكلة ، قبل أن يسافروا فيغادر دونهم. ليخبره سليم منذ قليل أنهم قادمين جميعا ولكن دون حماه الذي من الممكن أن يتبعهم بعد ذلك إذا أراد .
لم يشأ أن يسأل سليم عن ما آل إليه الوضع بين والديه حتى لا تضطرب حبيبه المنطوية على نفسها منذ دخولها السيارة ، والتي حينما أخبرها بم قاله سليم بكت ولم تتوقف عن البكاء حتى الآن .
تنهد بقوة وهو يعود إلى حبيبته التي لم تنتزع كفها من راحته ليجذبها إليه يضم رأسها إلى صدره ليقبل جبينها : ستكون الأمور على ما يرام ، فقط اهدئي.
ابتسمت وهي تما برأسها تتوتر شفتيها بعدم ثقة فيشعر بأنه يريد بثها بعض من الأمان ، يقترب منها بعفوية هامسا باسمها في رجاء ألم بنبراته لتنتبه إليه بعدم فهم ليهم بتقبيلها ولكنها لم تنتبه لما يريده لتساله بجدية : هل هاتفت والدتك يا عمر ؟
أغمض عينيه يسيطر على ما يجيش بداخله ليهمس إليها : لم أفعل بعد أردت أن افاجئها بوصولي.
هزت رأسها بتفهم لتسأل بطفولية : هلا تركت يدي أريد أن أمسح وجهي جيدا ؟
ابتسم رغم عنه ليمأ برأسه موافقا ، يحدثها بمرح : امسحي وجهك وضعي بعضا من الزينة فيه ، اشعريني أننا أخيرا مسافران للمصيف الذي حلمت به وبأيامه ولياليه إلى جوارك يا حبيبتي .
توردت بخجل لتهمهم إليه وهي تمسح وجهها بقطعة صغيرة تشبه القطن برائحة عطرة أحبها : هلا توقفت في الاستراحة القادمة ؟
تمتم بمرح : من عيوني يا بيبا ، أنت تؤمرين وأنا أنفذ فورا ولكن لدي طلب أريد موافقتك عليه ، نظرت إليه بتساؤل فاتبع – سنبقى بالاستراحة قليلا وبمفردنا دون البقية .
أخفضت رأسها بحرج قبل أن تهمهم : ولكن ..
قاطعها بنبرة مهادنة : لا هناك لكن يا بيبا ، إذا أردت سأستأذن سليم .
هم بأن يهاتف شقيقها لتهز رأسها بنفي : لا ، ليس هناك داع وخاصة أننا ليس معهم ، أليس كذلك؟
ابتسم وأومأ برأسه إيجابا فابتسمت بخجل وأتبعت – حسنا لا بأس .
اتسعت ابتسامته وعيناه تومض بزرقة صافية : ولكني سأخبره .
ضحكت برقة وهزت كتفها بمعنى لا أعرف لتتعلق عيناه بحركتها الرقيقة فتتوهج نظراته اكثر قبل أن يكح بخفة وهو يلتفت إلى السيارة من جديد يلامس شاشتها المسطحة : سأطلب من السيارة أن تأخذنا لأقرب استراحة قبل أن اهاتف سليم وأخبره .
تنفست بعمق تحاول أن تتحكم في اختناقها لتبتسم وتمأ برأسها موافقة وهي تنظر للمرآة الصغيرة التي بكفها .
انسلت السيارة إلى طريق جانبي ليهمس إليها : من الواضح أننا اقتربنا من الاستراحة .
أومأت برأسها وهي تعدل من هندامها ليعبس بتعجب والسيارة تتوقف بجانب ثلاث مباني متجاورة ، وبجوارهم مقهى مفتوح ومحطة وقود وسوق صغير ، ليرتفع حاجبيه بدهشة انقلبت إلى صدمة وهو يلتقط ما كتب فوق المبنى الأوسط ، ليرمق حبيبة التي نظرت بتدقيق قليلا وهي تهمهم : لم ات إلى هنا من قبل ، من الواضح أن المكان جيد ومريح .
كح بخفة ليهتف : وأنا الآخر لم أفعل من قبل . ترجلت فاتبعها على الفور وهي تتحدث بطبيعية : ما اسم هذا المكان ؟
لتتوقف بصدمة وهي تنظر إلى اللافتة متوسطة الحجم المكتوبة بالعربية والإنجليزية لتهتف بالفرنسية وعيناها تتسع بذهول : اوه مون ديو .
لتتبع بعدم تصديق وهي تلتفت إليه : أنه نزل يا عمر ليست استراحة عادية .
***
وضعت بعض من الطعام بطبقه لتهتف بجدية : كُل .
ارتفعا حاجبيه ليضحك بخفة : لقد أكلت يا عمتي ، وشبعت الحمد لله ، رمقته إيمان بطرف عينها تزم شفتيها بضيق لتتزايد ضحكاته ويتابع – لماذا أنت غاضبة يا إيمي ؟
أجابت على الفور : إيمي في عينك .
قهقه ضاحكا لينهض واقفا يقترب منها يحتضنها رغم عنها وهي تدفعه برفض ليقبل رأسها أكثر من مرة قبل أن تدفعه بجدية : ابتعد عني يا ابن ياسمين .
لم يستطع أن يمنع ضحكاته من الانطلاق ليهمهم بمرح : الآن ابن ياسمين ، حسنا أخبريني ماذا سيحدث إذا استمعت إليك ياسمين هانم .
عبست قبل أن تهمهم من بين أسنانها : سأخبرها حينها أنك تراوغ وتضايقني .
ابتسم مسبلا جفنيه : بم أني أراوغ واضايقك ، أشار بواسطته وسبابته سويا وهو يتبع – الاثنين ، إذًا انا ابن وليد .
عاود الجلوس ثانية ليكمل بجدية : أنها صفات آل الجمال يا عمتي .
ابتسمت إيمان رغما عنها لتساله بجدية : إذًا أخبرني يا كبير آل الجمال ما سبب مجيء تلك الفتاة وماذا تريد منك ؟
ابتسم وعيناه تومض بمكر : أنت تخافين من كاترينا يا عمتي ،
رجفا جفنيها لتجيبه بصراحة : ستظل حفيدة ماريا بنظري يا عاصم ، وما أراه أنها تشبه جدتها وأتت لتسرقك مثلما كانت جدتها تريد سرقة عاصم الكبير .
نظر إليها بدهشة قبل أن يبتسم بخفة ليهمس إليها بمشاكسة : لا تخافي على عاصم الصغير يا عمتي فهو سبق وخطفته أخرى لا تستطيع حفيدة ماريا أو آلاف غيرها أن يعيدوه .
لانت ملامحها لتتسع ابتسامتها بفرحة حقيقية سكنت عيناها لتقترب منه تساله بجدية : متى ستعلن خطبتكما يا ابن وليد .
ضحك بخفة ليغمز بعينه : قريبا جدا ، فقط ادع لنا يا عمتي .
رفعت كفيها للسماء : يا رب يسعدك ويتمم لك بالخير يا ابن أخي ، تنهد بقوة لتتابع – وتهدي سر جنى ابنة ولاء وتصلح حالها وتجبر خاطرها قادر يا كريم .
ضحك بقوة فضحكت بدورها لتهمهم بخفة : ما رأيك لقد استعرت الدعاء الذي سمعته من دادة صافية تدعو به إلى ابنها وزوجته حتى ينجبا ، تنهدت بقوة – رزقهما الله بالذرية الصالحة .
تمتم : اللهم أمين يا رب ، أخبريني لماذا اختصصت جنى بالدعاء ؟
تنفست بعمق لتهمهم ببوح : أميرة وتزوجت رجلا يعشقها ، وأنت ستتزوج من نوران ، لا يتبق غيرها أريد أن اطمئن عليها .
ابتسم بمودة لينهض واقفا يحتضنها مقبلا رأسها : بارك الله لنا فيك يا عمتي .
أكملت إليه : وحفظكم لي ، أتبعت بجدية – ألا تجد سبيلا لإقناعها بالموافقة على الشاب الرائع الذي يريدها وقارب على فقدان أمله فيها ؟
رمقها بدهشة لتلوي شفتيها تلكزه في صدره بلطف : هل تخالني حمقاء يا ولد ؟ أنا لي عيناي أرى بهما ثم عمك أحمد أخبرني أنه تقدم إليها رسميا .
اتسعت عيناه بذهول ليغمغم وهو يجذب الكرسي ليجلس إلى جوارها : لم يخبرني أسعد بذلك .
لكزته في كتفه لتهمهم بمرح : كنت متأكدة أنك تعلم يا ابن وليد .
ضحك بخفة لتتبع بهمس : لقد تحدث إلى عمك ثانية قريبا ، أعتقد أنك تعلم أنه تحدث إليه من قبل، أومأ برأسه ايج إيجابا لتتابع بوحها - ولكن لا أفهم إلى الآن ما الذي يمنعه من اتمام الأمر ، نظرت إلى عينيه بتساؤل – هل جنى السبب أم هناك سببا آخرا يا عاصم ؟!
ابتسم عاصم إليها مطمئنا ليجيب : بل جنى يا عمتي ، فبقية الأسباب لن تقف أمام أسعد ، إنه أقدر على عبور المحيط بها إذ فقط أرادت .
هتفت بتبرم : بالطبع تريد ولكنها .. صمتت لتزفر بقوة – هي خائفة وأنا أدرك خوفها ولكن لا أعلم كيف أساعدها .
ربت عاصم على كتفها البعيد : ستكون بخير يا عمتي ، لا تقلقي فقط ادعي لها وكل الأمور ستكون بألف خير ، ركن رأسه على رأسها ليهمهم – لم تأت بسيرة ملوكا .
احتدت عيناها رغم عنها لتهمهم بضيق : أصلح الله حالها .
عبس بتعجب قبل أن يبتسم ويهمس : لا زلتما متشاجرتان ؟
زمت شفتيها بطريقة يدرك جيدا من خلالها أنها لا تريد الحديث ليتنهد بقوة ويقبل جانب رأسها : اتركيها على راحتها يا عمتي ، ملك رائعة فقط أنها سنوات الطيش والتهور .
لوت شفتيها ليضحك عاصم بخفة يضمها أكثر من كتفيها إلى صدره : لا تقلقي عليها يا عمتي .
أومأت برأسها متفهمه لتشرق عيناها وهي تنظر للقادمتين هاتفه بمرح : صباح الخير .
اقتربت أميرة منها لتفتح إيمان ذراعيها إليها بترحاب وخاصة بعدما نهض عاصم ليستقبل فاطمة التي نظرت إليه من بين رموشها فضمها إليه وقبل وجنتها بابتسامة ماكرة فتهمهم إليه : سأقرص أذنيك يا ابن ياسمين .
ضحك بخفة لترحب إيمان بفاطمة وهي تشاكسها بمرح : أخيرا استيقظت يا فاطمة ، لقد هاتفتك منذ ساعة يا حرم الوزير .
تثاءبت فاطمة بكسل : لم أنم جيدا الليلة الماضية ، ثم استيقظت وأخيك مغادرا ، واستيقظت أيضا على ازعاج صباحي خاص بنوران ، ألقتها وهي ترمق عاصم بطرف عينها فيبتسم بخفة لتجلس على الكرسي المقابل له وهي تكمل – ثم أنت ايقظتني ثالثة ، لا أفهم أين أذهب لأنام جيدا .
لعق شفتيه بمكر ليهتف : تخلصي من سيادة الوزير وأنت تستطيعين النوم في المساء يا طمطم .
ضيقت فاطمة عينيها لتضربه إيمان بجدية على كتفه : تأدب يا ولد ، عبست بعدم فهم لتكمل بتساؤل – منذ متى أصبحت وقحا ؟
قهقه ضاحكا فتجيب أميرة بمكر : أنه يظهر وجهه الحقيقي يا عمتي ، لقد سأم التعقل والرزانة ، اكتشف أنهما لا يفيدا .
ضحك بخفة ليجذبها إليه يقبل وجنتها هاتفا : بل عشرتي لزوجك أثرت في .
ابتسمت رغم عنها لتهمس إليه : لقد هاتفني منذ قليل يطمئن علي ويخبرني أنه إذا لم يعد معهم فسيكون عمك السبب وأنه من رماه في البحر دون وجه حق
ضحك رغم عنه ليجيبها بخفة : بل معه كل الحق أحمد يتعمد اغاظته .
قلبت ملامحها بمشاكسة لتهتف إليه : أنت وعمك تشبهان بعضكما بشكل غريب .
ابتسم وهو يخفض عينيه لتساله فاطمة : أين والديك يا باشمهندس ؟
__ ذهبا سويا مع عريسنا الهمام لينتقي أشياء خاصة بخطبة الليلة .
التفتت من حولها : وأين تلك الفتاة ؟
تعالت ضحكاته ليسالها بعبث : ماذا تريدين منها لقد قاربت على ضربها البارحة يا فاطمة .
توهجت عيناها بغيرة لتهتف بنزق : وسأفعل إذ لم تبتعد عن عمك ، أقسم بالله لم ترى شيئا مني بعد .
ضحكاته ارتفعت ليعود برأسه إلى الخلف مانحا لنفسه حرية الضحك ليتوقف فجأة وتتسع عيناه وهو ينظر إليها بالمقلوب تقف بفستان صيفي قصير يتطاير من حولها كخصلاتها التي تتطاير حول وجهها فتمنح لها وهجا خاصا ، تمسك بالكرسي حتى لا ينقلب على ظهره ليعتدل سريعا موازنا ثقل جسده لتهمس بخفوت وهي تتحاشى النظر إليه : صباح الخير ، أتيت لأفطر معكم .
ابتسمت فاطمة بمكر وهي تنظر إليه ملتفا بجلسته فوجود ابنتها استولى على إدراكه ، أميرة تخفي ضحكتها خلف كفها لتهتف إيمان بترحيب : أنرتنا بوجودك يا نور آل الجمال تعالي يا حبيبتي .
نهض واقفا على الفور ليفسح لها مجالا هامسا إليها : تعالي اجلسي وأنا سات بكرسي أخر .
جذبتها إيمان –التي تحركت بهمه - من كفها : بل اجلسي مكاني فأنا انتهيت من تناول الطعام .
أشارت الى فاطمة برأسها : تعالى يا حرم معاليه فأنا أريد الحديث معك في الحفل الذي سيقام الليلة ،
تحركت فاطمه لتنهض خلفها أميرة : وأنا الأخرى سآتي معكم فأنا لدي فكرة لديكور الحديقة أريد اخباركن بها .
أومأت إيمان برأسها لتقترب فاطمة منه تربت على كتفه تنحني جانب أذنه : تذكر جيدا أني سأملص أذنيك .
ضحك بخفة لترمق ابنتها برفعة حاجب غاضبة فتعض نوران شفتها وهي تشيح بعيدا فينظر إليها بتساؤل لتجيبه بعد ان اختفت فاطمة من حولهما : إنها غاضبة مني بسبب ما حدث صباحا .
ومضت عيناه بتسلية ليكح بخفة مهمهما إليها : وماذا حدث صباحا ؟
رمقته بطرف عينها لتجيب بصوت محشرج وهي تفرد فوطة المائدة أمامها كالمعتاد : نعم أنت محق ماذا حدث صباحا !!
ابتسم بدفء لمع بعينيه ليضع راحته فوق كفها التي أمسكت بدورق القهوة الحراري لتجفل فيشير إليها بعينيه أن تطمئن ، سحبت كفها من تحت يده فيبدا هو بصب القهوة بفنجانها ، يضع قطعتين من السكر به وقطرات صغيرة من الحليب ليقلبه بهدوء قبل أن يناوله لها لتساله بتعجب : كيف علمت أني أضيف الحليب في الصباح فقط ؟!
سحب نفسا عميقا ليخرجه ببطء يحاول أن يهدأ من دقات قلبه الصاخبة وارتعاش روحه التائقة إليها ليجيبها بصوت أبح من لهفته : راقبتك على مدار عمر بأكمله يا نوران فكيف لا أعرف .
ارتشفت بعضا من القهوة لتهمس بخفوت : راقبتني متخفيا .
رفع نظره إليها : وها أنا أراقبك في العلن ، ماذا ستفعلين أنت؟
ابتسمت برقة وملامحها تشع بفرحة لتجيب بعفوية : سأستمتع بمراقبتك وأراقبك بدوري .
اتسعت ابتسامته لتشع عينيه بمزيج من الفرح واللهفة سكنت نظراته إليها لتشيح بعينيها بعيدا قبل أن تسأله : الن تتناول الفطور معي ؟
هز راسه نافيا : لقد تناولت فطوري ، هيا انتهي لأذهب بك إلى الشاطئ كما أردت البارحة .
__ لا أريد ، عبس بتعجب فاتبعت – اليوم سيكون حفل خطبة عمو أحمد وأنا أريد الاستعداد له .
رمقها قليلا قبل أن يهتف بجدية : لا ترتدين شيئا عاريا يا نوران .
زمت شفتيها وهمت بالرد ليصدح صوت الأخرى من خلفها تهتف بتحية الصباح تقترب منهم بزي رياضي كامل يظهر عليها آثار الركض ، انحنت نحو عاصم لتقبل وجنته فيتشنج جسده وخاصة مع تأهب نوران بدفاعية قبل أن تجلس على الكرسي المجاور له بإنهاك تثرثر بحديث كثير لم تستطع أن تلم به فتنظر لعاصم الذي هتف سريعا : أنها تتحدث عن ارهاقها من الركض وشعورها بالجوع وتسأل عن أحوالك ؟
تمتمت نوران من بين أسنانها : وبالنسبة لقبلة وجنتك ؟
تحكم في ابتسامته ليهمهم : إنه الاعتياد يا نوران ، كجنى وأميرة
تمتمت بحدة : لا تشبهما بها .
أشار إليها بعينيه : حسنا اهدئي .
قبضت كفيها وهي ترمق الأخرى بغيظ لتبتسم كاترينا بمكر وهي تقترب من عاصم تضع مرفقها فوق كتفه لتهمهم إليه بحديث بإيطالية سريعة ضامنة أن نوران لن تفهمه دفعها عاصم إلى الخلف بلطف وهو يزجرها بعينيه ليزيح كتفه من تحت مرفقها يهم بجدية أن يعنفها لتنتفض نوران واقفة هاتفة بصوت مكتوم غضبا : سأذهب لأرى تجهيزات حفل المساء ، بعد اذنكم .
تابعها عاصم بعينيه ليستدير إلى الأخرى التي ابتسمت بانتصار ومض بعينيها : ماذا تريدين يا كاتي ؟ لماذا تتقربين مني بهذه الطريقة ولماذا تتعمدينها أمام نوران ؟
مطت كاترينا شفتيها لتهمهم : لا أفهم ما دخل نوران بالأمر ، التفتت إليه سائلة بمكر- هل هناك ما يجمعكما ؟
ضيق عينيه ليهدر بصرامة : نعم وليس منذ الآن وأنت تدركين هذا جيدا .
حركت حاجبيها بخفة : أعلم أنك متولها بها ولكن قديما لم تكن تبدي إليك اهتماما ، أتبعت ببسمة مراوغة – أما الآن أرى أنها تشتعل غيرة عليك .
أطبق فكيه مسيطرا على غضبه لتتابع بمرح : ألا تفرح بالأمر ولو قليلا ، فمنذ كنا صغارا كانت ترفع أنفها عليك بغرور لم اره أبدا إلا بها ، أنت تدور من حولها بصمت وهي لا تنظر نحوك ، ولكن الآن هي تدور حول نفسها لأجلك ، أعتقد أن الأمر ممتعا إلى حد ما ، أتبعت بتفكير –اعتقد أنك من المفترض تشكرني لأن لولا وجودي لم شعرت بغيرتها هذه ولم تتأهب هكذا لأجلك .
تفحصها بصمت إلى أن أنهت حديثها ليهتف بجدية : أخبريني يا كاتي ، ما مشكلتك مع نوران بالتحديد ؟!
هزت كتفها بلا مبالاة : لا شيء سوى أنها مغرورة لدرجة أنها لم تقدر نعمة عشقك لها .
رمقها من بين رموشه : وهل أنت تدافعين عني ضدها لأني ابن خالك ، أم لأني لم التفت إليك وكانت عيناي معلقه بها دوما .
اجفلت لترسم ابتسامة باردة فوق شفتيها : لا هذا ولا ذاك ، أنا فقط امض وقت لطيف .
مط شفتيه باستياء قبل أن يهدر بجدية : حسنا إذا أردته أنه يكون لطيفا بحق يا كاترينا ، ابتعدي عني وعن نوران ، من الأفضل لك .
اقترب منها ليهمس بفحيح ساخر : نوران بالنسبة لي خط أحمر كبير لا يجرؤ أي كان صفته أو شخصه أن يتعداه ، وإذا حدث واقتربت منها ثانية أو اقتربت مني حتى تضايقينها أو تشعلين غيرتها ، سيكون رد فعلي عنيف للغاية معك ،
ابتسم بلطف وعيناه تلمع بوميض ثعلبي أجبرها على الارتداد للخلف وعيناها ترتعش بخوف : لا تجبريني عليه يا ابنة العمة ، ليس من الذكاء أن تصدمين بي شخصيا ، أليس كذلك ؟
عاد للوراء ثانية ليتابع برقة مفتعلة : على الأقل حافظي على الصفقة التي أتيت لأجلها والتى يريدها أبيك أكثر من أي شيء آخر .
رفع عينيه إليها بصلابة : فأنا أعلم ، أن رفضنا للصفقة يضع أبيك بموقف حرج للغاية ، تابع بابتسامة لبقة - ولا أعتقد أنك تريدين اشهار إفلاس عائلتك بعد عقود كبيرة كنتم ملوك سوق العمل بإيطاليا .
رجفا جفنيها لتهف بتعثر : أنت تهددني يا عاصم .
وضع ساقا فوق أخرى ليجلس باسترخاء : أنا لا اهددك يا ابنة عمتي ، أنا أحذرك فلتفكري جيدا في مصالحك التي أتيت لأجلها وتوقفي عن غيرة النساء التي لا تليق بوريثة عائلة ماركوس .
تصلبت ملامحها لتنهض واقفة فيتابع بجدية آمرة : التحذير سار على عمار أيضا ، ابتعدي عن آل الجمال يا كاترينا ، فما تبحثين عنه لن تجديه عندنا .
رفعت رأسها بكبرياء تمسكت به لتتحرك بخطوات سريعة مبتعدة عنه ليزفر بقوة قبل أن ينهض بدوره يذهب وراء من غادرت غاضبة .
***
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...