يدور من حول نفسه ينظر إلى ساعته متأملا الوقت الذي يمضي وهو هنا لا يعلم سبب وجوده أو سبب أنهم قبضوا عليه في المطار ، لقد أخرجوه من المطار وأتوا به إلى هذا المكان الذي لم يستطع أن يميز شكله بسبب العربة المغلقة التي ركبها بجوارهم والتي دلفت إلى داخل مرأب المبنى فلم ينظر إليه من الخارج ولم يدرك أين يقع ولا ما هو ، اقتادوه إلى هذه الغرفة المغلقة الفارغة سوى من طاولة مربعة محاطة بأربعة كراسي بعدما جردوه من هاتفه وحقيبته ، جلس بصبر في أول الأمر يفكر فيم حدث أوصله إلى هنا ولكنه لم يصل لأي شيء ، حاول الحفاظ على ثباته .. هدوءه .. صبره .. وانتظاره ولكن توتره وصل إلى ذروته فبدا يدور من حول نفسه بعصبية تملكته إلى أن توقف وهو يشعر بالباب يفتح ويطل من خلفه شاب وسيم المحيا يبتسم بلباقة ويحيه باحترام : أعتذر عن التأخير يا أحمد بك ولكن رغما عني .
رمش بعينيه وهو يتفرس في ملامح الآخر التي تشى بمصريته فهو خشن الملامح اسمر البشرة وباسم المحيا كأغلبية شعب وطنه ذو الطبع المرح تنفس بعمق ليسأل باعتداد وهو متمسك بوقفته المتصلبة : هلا أخبرتني أين أنا وماذا أفعل هنا ولماذا صحبتموني من المطار بهذه الطريقة الغير لائقة ؟
ابتسم الشاب وأشار إليه بجدية : أجلس يا أحمد بك وامنحني بعض من الوقت لأجيب أسألتك .
هدر أحمد بعصبية : لن أجلس ، لقد جلست فيما يقارب الأربع ساعات محبوس هنا وكأني مجرم عتيد هارب من العدالة ، وأنا مواطن مصري حر بريء لم اقترف في حياتي ذنبا لتعاملوني هكذا .
لم ينتبه لصوته العال إلا حينما طل أخر من باب الغرفة يسأل بخشونة : ماذا يحدث هنا ؟ منذ متى يعلو صوتا في إحدى الغرف هنا ؟
تأهب جسد أحمد بدفاع غريزي وهو ينظر للآخر الذي بادله النظرات باعتداد .. ملامحه متجهمة ولغة جسده عنيفة ، ضيق أحمد عينيه وهو يشعر بأنه يريد أن يرهبه وخاصة حينما سأله باستخفاف : لماذا تصرخ يا بك ، هل أحدهم تطاول عليك منذ أن أتيت إلى هنا ؟
رفع أحمد حاجبه ورأسه ترتفع بعنفوان قبل أن يهدر بخشونة : لا أحد يقوى على التطاول علي، ألا تعرفون من أنا ؟
ابتسم الآخر بسخرية : بلى نعلم جيدا ولذا أنت هنا .
اكفهر وجه أحمد بغضب ومض بعينيه فكح الشاب الجالس قبل أن يبتسم بلباقة متمتما من بين أسنانه : ما نوع قهوتك يا أحمد بك ؟ ومن فضلك اجلس لنتحدث قليلا .
أعتلى التفكير ملامح أحمد قليلا قبل أن يستجيب ويجلس مقابلا للآخر الذي هتف : هلا أوصيت لنا بالقهوة يا بك ؟ ليتابع وهو يبتسم بوجه أحمد - أعتقد أنك تحتسيها مضبوطة .
أومأ أحمد برأسه فالتفت الجالس للآخر الواقف يراقب أحمد في صمت فيشير إليه بعينيه لينطق ببرود وهو يغادر مغلقا الباب خلفه : سأوصي على القهوة وآت ثانية .
ابتسم الجالس ليهتف بمرح : سننتظرك فلا تتأخر .
ابتسم أحمد رغما عنه ومرح من يجلس أمامه ينتقل إليه فهم الآخر بالحديث ليقاطعه أحمد بجدية ابتلعت بسمته : أريد أن أعلم هل هذا تحقيق رسمي أم لا ؟
هز الآخر نافيا : لا أنه مجرد ثرثرة بيننا .
مط أحمد شفتيه بتفكير : وهل سأثرثر مع شخص لا أعرفه في مكان لا أدركه ؟!
هز الآخر رأسه متفهما ليحدثه بهدوء : أنا المقدم علاء ، ضابط بجهة أمنية سيادية .
رف أحمد بعينيه ليسأل بجدية : مخابرات ، أم أمن وطني ؟
آثر علاء الصمت ليتابع أحمد وهو ينظر من حوله : هذا مبنى الأمن ، ألقاها كإقرار أمر واقعا لينهض واقفا وجسده يتحفز - أريد أن أقابل عمو أمير .
ارتفعا حاجبي علاء ليهمس بتفكه : عمو أمير .
أطبق احمد فكيه ليهدر بجدية شبه أمرة : نعم أريد مقابلة سيادة المستشار أمير الخيّال ، أم لا تعرفه ؟
نهض علاء واقفا بدوره ليهمهم إليه : كيف لا أعرفه بل بالطبع أعرفه ولكن مقابلة أمير باشا ليست بهذه السهولة التي تتخيلها
لوى أحمد شفتيه لينطق بثبات : فقط أخبره أنكم القيتم القبض على أحمد سليمان وأني أريد أن أقابله وهو لن يرفض أبدا .
كح علاء بخفة ليبتسم بتوتر وهم بالحديث إليه ليفتح الباب ثانية ويدلف الآخر بتغطرس واضح ليسأل ببرود مستفز : لماذا تصارخ ثانية يا بك ؟ أشاح أحمد برأسه غير مباليا به ليضحك الآخر بسخرية – هل ضايقته يا علاء بك ؟
هم علاء بالرد ليتابع حسن دون أن ينتظر رده : أن أمير باشا أوصانا به ، ارتدت رأس أحمد لينظر إليه بتفحص فيكمل حسن حديثه الهادئ وهو يجذب الكرسي الاخر بجوار كرسي علاء – الآخر تفاجأت أن أمير باشا يعلم بوجودك هنا ؟
زفر ساخرا : وهل سنقوم بالقبض عليك يا أحمد بك دون أن نعلم من أنت ومن تكون وما هي هويتك ؟
فرد ذراعيه على الطاولة ليضطجع في كرسيه بأريحية مغيظة وهو يثرثر بعفوية : وهل نستطيع أن نقبض على أحمد سليمان صهر سيادة الوزير وائل الجمّال وربيب خالد سليمان الصديق المقرب لسعادة المستشار أمير الخيّال دون أن نتخذ احتياطاتنا كلها ودون أن نعلم قيادتنا المباشرة أننا سنلقي القبض عليك
هدر أحمد بغضب تملك منه : ولماذا القيتم القبض علي ؟
ابتسم حسن بإعجاب ليتمتم باستحسان : هذا سؤال جيد أحييك عليه ، وحتى أجيبك أجلس لنتحدث ولا تعتل هما حينما ننهي حديثنا ستقابل أمير باشا فهو اوصى بذلك .
أعتلى الرفض ملامح أحمد ليهدر حسن بصوت هادئ أجش : أجلس يا أحمد بك فالحديث سيطول بيننا .
سحب أحمد نفسا عميقا ليستجيب أخيرا ويجلس على كرسيه مرة أخرى ليدق الباب دقتين فيهمس حسن : أنها القهوة هلا أتيت بها يا علاء بك .
فيتمتم علاء الواقف بهدوء : أمرك يا حسن بك .
ابتسم حسن ببرود في وجه أحمد : وهاك علمت أسمي هلا نستطيع الحديث الآن أم تريد أن ترى هوايتنا لتتأكد أننا نتبع الأمن المصري ونريد الحديث معك .
زفر أحمد بقوة لينطق بتغطرس : ماذا تريدون ؟
وضع علاء القهوة ليهتف بجدية وهو يجلس بجانب رفيقه : سنخبرك يا بك .
***
يسبح بقوة وتناغم في المسبح الكبير المكشوف في حديقة قصر عائلته الجانبية ، يذهب ويجيء في تمرين صباحي لا يمارسه يوميا ولكنه يداوم عليه بين الحين والآخر ، ويلجئ إليه حينما يحتاج أن يصفي ذهنه كما هو في أشد الحاجة الآن ليفكر بعمق فيم يحدث معه منذ أسبوع كامل يقابلها باستمرار إذ لم يكن صباحا لأنه مرتبط بمواعيد جامعته وعمله فتحرص على مقابلته ليلا بحجة العمل الذي اعهد إليه منذ اليوم الذي ذهب بدلا من عمر ليستقبل الوفد التابعة له في المطار .
غطس لقاع المسبح وهو يحتفظ بأنفاسه داخل رئتيه يفتح عينيه على وسعها لعله يرى في قاع المسبح ومياهه الزرقاء ما لا يستطع رؤيته خارجه ، يعمل عقله بجد وهو يفكر فيم تريد هذه البسمة منه ، فهو أصبح متيقنا من أنها تريد شيئا .. تسعى إليه .. وتبغى تحقيقه من خلاله بعدما تأكدت من طريقها المغلق مع ابن عمه الجاد .. الرزين .. العاشق لشقيقته ولا يهتم بغيرها من النساء ، طفى إلى السطح ليستنشق الهواء بقوة قبل أن يعاود السباحة بمهارة عائدا لمخرج بركة السباحة فيخطو خارجها والمياه تنهمر منه فيسحب منشفته الكبيرة ليجفف جسده بعشوائية قبل أن يرتدي خفا بسيطا منزليا ويضع منشفة أصغر حول عنقه لتتلقى مياه خصلاته السوداء الكثيفة والتي تحتفظ بالمياه مهما حاول تجفيفها ، سحب نفسا عميقا وهو ينظر إلى هاتفه الملقى بإهمال فوق طاولة صغيرة وضع عليها اشياءه في وقت سابق ليلتقطه بخفة وينظر مليا إليه يبحث عن رد من أخرى منقلب حالتها منذ ثلاث أيام دون أن يعرف السبب ، فهي تحدثه بشق الأنفس ومنذ الليلة الماضية لا تجيب محادثاته ولا رسائله . زم شفتيه بضيق ليعاود الاتصال بها فيأتيه رنين طويل دون إجابة فيضغط الحروف بحده تملكت منه وهو يراسلها قبل أن يشد خطواته متجها للمطبخ الداخلي وهو يشعر بالجوع يداهمه .
دلف بخطوات متسارعة متجاهلا شهقة العاملة الجديدة التي لم تعتاد عليه بعد والتي لم يوليها اهتمامه وهو ينبه نفسه جيدا أن لا يتباسط مع أخرى من الخدم ثانية وخاصة بعدما حدث بينه وبين تلك التي غادرت دون أن يعلم عنها شيئا ، تجهمت ملامحه مرغما وهو يتذكر حديث والدته المستتر والذي أتى متضمنا رساله أدركها جيدا وأمه تخبره بعدما رحلت جود أن التباسط مع العاملين وخاصة النساء صغيرات السن منهن نتائجه ليست جيدة لا عليهم ولا على العاملات اللائي من الممكن أن يفقدن مصدر رزقهم بسبب تساهله أو مزاحه غير المألوف لهن حينها ابتسم بتوتر ليما براسه بتفهم ويأخذ على نفسه عهدا أن ما حدث بينه وبين جود لن يتكرر ثانية ، انتشله من أفكاره صوت إحدى العاملات الكبريات تبتسم به مرحبة تخبره أن يرتدي شيئا فالجو أصبح باردا فيتجاهل حديثها لتسأله عم يريد ، أجابها ببساطة : أنا جائع .
أومأت السيدة برأسها سريعا لتهمس : أعد لك الفطور .
فأشار بيده دون اهتمام : لا سآكل شيء سريع ، من فضلك .
أومأت بطواعية ليتجه نحو المبرد الكبير يفتحه ليخرج دورق عصير البرتقال الطازج يصل بعضا منه في كأس أتت به إليه إحدى العاملات ليرتشف منه العصير على مهل وهو يقف منتظرا الطعام الذي وضع أمامه على الفور متمثلا في شطيرة من شطائر المفضلة .
__ ألم أخبرك من قبل ألا تتجول في القصر عاريا ؟
لم يهتز لهذه الصيحة الغاضبة من أمه ، بل لم يتحرك ظل ساكنا ولكن عيناه تحركت لتنتقل إلى والدته المتذمرة لرؤية جزعه العاري دون شيء يستره ، ابتسم بخبث وهو يلعق شفتيه بحسية في حركة يعلم تأثيرها على والدته التي لم تبتسم كعادتها حينما يفعل هكذا بل إنها تابعت صارخة بغضب وكأن حركته أزادت من حدتها الغير مبررة إليه على الإطلاق : توقف عن لعق شفتيك ، أنها عادة غير لائقة .
أرتفع حاجبيه بدهشة سرعان ما لملمها ليبتسم معتذرا وهو يلتقط ضيق والدته الواضح على محياها فينهي شطيرته ثم يضحك بخفة ويتحرك نحوها ليضع كأسه فوق الطاولة الرخامية بجانبها ، يضمها إليه فيحتويها بين ذراعيه يضغط كتفها القريب بمنتصف صدره ويشد على كتفها البعيد براحتيه ، ليحنو رأسه ويقبل وجنتها باعتذار صادق : لا تغضبي .
زفرت و ملامحها تلين قبل أن تهمس بنزق : متى ستستمع إلى حديثي وتنفذه ؟ الن تتوقف عن التمرد أبدا ؟
شعر بأن هناك أمر ما يحدث مع والدته ، أمر لا يدركه فتنفس بعمق ليقبل وجنتها ثانية مهمهما باعتذار صادق قبل أن يتساءل باهتمام: ما الذي يغضبك ؟ برقت عينا والدته بحنق فأتبع بوقاحة تعمدها ليدفع الابتسامة إلى شفتيها أو يدفعها أن تبوح إليه - أم على أن اتساءل عم فعله بابا هذه المرة وأثار غضبك منه ، هل تأخر البارحة في العودة فتركك تنتظرينه على غير المعتاد ؟
رفعت حاجبيها بذهول قبل أن تضربه على ساعده القريب منها : لا تتواقح يا ولد واحترم نفسك، واذهب لترتدي ملابسك .
ضحك بخفة ليهمهم إليها بشقاوة : من الواضح أن سيادة الوزير ارتكب أمرا جلل هذه المرة .
عبست بغضب لتهتف بحدة : لا شأن لك وتأدب من فضلك .
كتم ضحكته حتى لا يثير غضبها أكثر من ذلك ليستقيم واقفا وهو ينظر لأبيه الذي احتل باب المطبخ الداخلي في سابقه لم يفعلها من قبل ، ومض المكر بعينيه وحدسه يتأكد من كون أن هناك شيء ما يدور بين والديه وخاصة مع نظرة أبيه الغيورة من احتضانه لأمه قبل أن يهدر فيه بحدة : هيا تحرك ونفذ ما أمرتك به والدتك .
ابتسم بخفة وأومأ بالإيجاب وتحرك فعليا بعد أن طبع قبلة عميقه فوق رأس والدته وعيناه تتمركز ثانية على أبيه الذي زمجر بضيق فابتسم بمكر وتحرك يتحاشى النظر إلى عينيه أبيه الغاضبتين ليهمس إليه وهو يمر بجانبه : هل أغضبتها يا معالي الوزير ؟
أشار إليه وائل برأسه : لا تتدخل فيم يعنيك يا ابن معالي الوزير بدلا من أقص لك لسانك هذا .
كتم ضحكته ليهمس لأبيه : لساني هذا أصبح مطمع للكثيرين أنت وابن أخيك تتباريان فيمن سيقصه أولا ،
ابتسم وائل رغما عنه : إذًا حذار فأنا وابن أخي لا نرمي الحديث جزافا
__ اووه ، أصدر صوتا مرح يدل على خوفه ليتبع بخفوت – حسنا من رأيي أنك تحتاج بلاغتك وحديثك الموزون يا بابي فيم ستلاقيه بعد قليل.
تحرك وائل بخطوة واحدة حادة ليقفز أدهم مبتعدا وهو يكتم ضحكاته ليرفع كفيه مستسلما : حسنا أعتذر ولن أمزح ثانية .
راقبه أبيه بنظرات ثاقبة ليقترب منه أدهم بهدوء ليقبل كتفه هامسا : أعتذر يا بابي لا تغضب .
أومأ وائل برأسه ليهمس إليه بحدة : لا تنس موعد الليلة .
شد جسده ليتمتم بجدية : أمرك بابا .
استدار لوالدته وهتف بها : هل تريدين شيئا من نولا يا مامي ، فأنا سامر عليها اليوم
هزت فاطمة رأسها نافية فيما بتفهم ويغادر بالفعل تحت نظرات أبيه المراقبة عن كثب إلى أن احتفى من أمام وائل فعاد بنظراته إلى زوجته الغاضبة والتي تتشاغل عنه في أي شيء وكل شيء حتى لا تنظر إليه بإصرار يغضبه ويثير حنقه ، أشار برأسه وهو يهتف بحدة : الجميع إلى الخارج الآن .
تحرك العاملين من حولهما لخارج المطبخ بالفعل من باب جانبي يؤدي إلى الصالة التي توصل لغرف العاملين ، فالباب الرئيسي يسده هو بجسده فيرمقهم إلى أن احتفى آخرهم خلف الباب الذي اغلفه ليتحرك هو بتؤدة مقتربا منها بخفة لم تندثر مع مرور الزمن .
توقف خلفها مباشرة وهو يبتسم بحنين أغشى حدقتيه فرفع كفيه ليحتضن كتفيها يجبرها على السكون قبل أن يجذبها إلى صدره ملصقا ظهرها به ثم ينحو رأسه مقبلا أعلى رأسها بقبلة عميقه وازت عمق ضمته لها حينما لف ساعديه من حولها
تمتمت باسمه في صوت أجش فأزاد من ضمته ليهمس بجانب أذنها التي أهداها قبلة مثقلة بشوقه لها : تتعنتين معي وأنت تعلمين أنني لا أقو على غضبك .
ابتسمت رغم عنها قبل أن تتحدث بجدية : لست غاضبة منك .
لوى شفتيه ساخرا : لماذا تتجنبينني إذًا ؟!
زفرت بقوة : أنت تعلم .
تنهد : ما كان عليك قول ما قلته حينها يا فاطمة .
انتفضت بحدة لتستدير إليه وتهتف بنزق : حقا يا وائل ؟!
زم شفتيه بضيق وعبوسه يزداد : لم تراعي شعوري كأب .
رفعت حاجبيها بدهشة قبل أن تهتف بحدة ساخرة : هل تعاني من عطب ما في مخك ، أنها زوجته ؟
زفر بقوة ليضع أصابعه فوق شفتيها : إياك أن تكرري حديثك ثانية ، لقد تحكمت في ردة فعلي المرة الماضية بشق الأنفس ، أعتلى الذهول ملامحها فيزفر ثانية متبعا - تجاهلي هذا الأمر ولنتوقف عن الحديث فيه .
نظرت إليه مليا لتبتسم بسخرية ومرارة تغلق حلقها : منذ أن بدأت مشاجرات أحمد واميرة وأنت تؤلمني بطريقة لا تنتبه لها يا وائل .
نظر إليها بصدمة ليدور حوارا صامتا بين أعينهما ليجفل فجأة ثم يضمها إليه بحنو يقبل رأسها بقبلات متتالية وهو يهمس بصدق : إياك يا حوريتي ، إياك لا تفكري هكذا ، الأمر مختلف فقط لا أستطيع الشرح .
دفنت رأسها في صدره ليضغطها إليه أكثر فتتأوه رغم عنها تركها بسرعة و همس وهو يقبل وجنتها : أعتذر .
ابتسمت برقة : لا عليك .
اكتنف كتفيها من جديد ليبتعد عنها قليلا يدير عينيه عليها بافتتان لم ينمحي ويلعق شفتيه بحسية قصدها : إشتقت إليك يا ابنة السفير .
ضحكت رغم عنها : لن تتغير أبدا.
همس بصوت اجش : أبدا ، معك كل شيء مختلفا باختلافك يا فاطمتي .
نكزته برقه في صدره : ستصبح جدا .
عبس بغضب : أنا أصبى من ولدك الطاووس هذا وليالينا القريبة والتي لم تنتهي تشهد .
أجابت ضاحكة : نحن بالمطبخ يا باشمهندس ، ثم توقف عن غيرتك التي لا محل لها .
زمجر بغيرة : لا أستطيع ،حتى ولدي أغار عليك منه .
رمقته بوله : حالتك مستعصية سيادتك .
تأمل ثغرها بافتتان : أعطيني من هذا الدواء وسأعود طبيعيا .
ضحكت بغنج ليدفعها بلطف أن تجاوره : فقط تعالي معي سنحل هذا الأمر .
تمتمت باسمه في دهشه وهي تحاول الهروب منه ليحيط خصرها بذراعه يدفعها برقة حازمة : أتركي نفسك لي يا حوريتي .
***
دلف إلى الغرفة بمرح بعدما دق الباب دقتين ليهتف : صباح الخير .
عبس ليجيب بنزق : تقصد مساء الخير ، فالساعة تعدت منتصف الظهيرة .
مط عمار شفتيه ليهتف به : اوه أنت غاضب بالفعل كما أخبرني عادل .
أطبق فكيه ليلتقط عمار حركة فكيه العصبية قبل أن يهتف أسعد بحنق : أنا لا أفهم لماذا عادل يتحدث معك عني ، هل أصبحت مثار لحديثكما الآن ؟
نظر إليه عمار مليا ليجيبه بهدوء : بل أنا سألته عن حالك اليوم فأخبرني أنك غاضبا لأن الطبيب المعالج أجبرك على الاسترخاء اليوم ومنحك راحة من جلساتك العلاجية.
تفحص عمار انقباض كفيه وتصلب جسده بحدة قبل أن ينطق بهدير خافت : طبيب أحمق ، أتبع بإصرار - أنا لا احتاج للاسترخاء والراحة ، أنا أريد أن انهض .. أتحرك .. أخرج من هنا .. من هذا الفراش البائس والغرفة الخانقة .
تمتم عمار سريعا : اهدأ يا أسعد ، كل ما تريده سيحدث فقط قليل من الوقت والصبر وسيكون كل شيء على ما يرام .
ضرب قبضتيه المضمومتين بالفراش إلى جواره ليهدر بعصبية تملكته هذه المرة : سأمت الصبر والوقت ينفذ من بين يدي.
تنفس عمار بعمق وأقترب يجلس على الكرسي المجاور لفراشه : أنه أسبوع فقط منذ أن استيقظت يا أسعد لم يمر الكثير من الوقت لذا اسمح لي أنا لا أفهم سبب غضبك .
زم أسعد شفتيه في حركة رافضة أن يفصح عم يزأر بداخله ليتفحصه عمار بعينيه قبل أن يسأل بوضوح : هل استعدت ذكرياتك كاملة ؟
أجفله السؤال فارتجفتا حدقتيه ليهمس باختناق : نعم .
ومض الإدراك بعيني عمار ليهمس بجدية : إذًا أنت مدرك ان ..
قاطعه أسعد بحدة : نعم أنا مدرك ، أنا مدرك أني لم أحمِ رجل من رجالي ولم أحافظ عليه وعلى حياته !! تحكم عمار في انفعاله فلم يجبه ومنحه الفرصة كاملة أن يتمم حديثه الذي شعر بأن له بقية فيتابع أسعد بعد قليل من الوقت - حتى لم أحافظ على وعدي له .
ضيق عمار عينيه مفكرا ليسأله : وعدك ؟
ابتسم أسعد ساخرا وعيناه تنبض بالألم ليهز رأسه بالإيجاب : نعم وعدته أن أزور والدته وأودّها بدلا عنه وها أنا حبيس الفراش فيم يزيد عن الثلاثة أشهر والسيدة وحيدة .. حزينة .. على ابنها الذي كنت سببا في موته .
هدر عمار : توقف يا أسعد ولا تغال في ردك فعلك ، الموت والحياة بأمر الله وأنتم حماة الوطن تخرجون من بيوتكم وأرواحكم بين يدي الله إذا أمر يقبضها وقتما يشاء ، اهتزت عينا أسعد ليتابع عمار بهدوء شديد - موت ياسين قدره وساعته ولست أنت السبب فيه وليس كل قائد يحتضر أحد رجاله في حرب كما التي كنتم بها يتحمل موته .
رفع عيناه لينظر لعمار بجدية قبل أن يبوح بأنين : بل أن كنت السبب ، كان متعبا وكنت أعلم .. لم أجبره على الراحة ولم أعفيه من الخدمة ، لم أكن حاسما وها هو ترددي أفضى بحياته .
نظر عمار لعمق عينيه وسأله بثبات : أخبرني يا أسعد هل تتوقع إذ كنت أعفيته أو أجبرته على المغادرة والراحة كان سيظل حيا يرزق بيننا اليوم ؟ ضيق أسعد عينيه مفكرا في مغزى تساؤل عمار ليعاجله عمار بحديث هادئ واثق - بالطبع لا ، فالله حدد ساعته وأمر ملك الموت بقبض روحه ، حتى لو كان على فراشه في بيته بحضن والدته كان سيتوفى وتصعد روحه إلى بارئها.
صمت عمار وسحب نفسا عميقا ليكمل : ولكن الله رحيم ، رحم والدته أن يتوفى ولدها على الفراش بجوارها أو أمامها ، وكريم أكرمه بالشهادة ليصطفيه بجناته العلى ، إذ كنت ستتحمل موته فتحمل أنك سبب موته كشهيد للوطن وتحمل أيضا أنك جازفت بنفسك وعدت لأجله لتحمل جثمانه الذي عاد معكم ليتكرم هنا ويقيمون له عزاء يليق به وبتضحيته .
تنفس عمار ليهادنه بلطف : لا تحمل نفسك ما لا طاقة لك به يا أسعد ، واشكر الله على عودتك سالما يا ابن الخالة .
ابتسم عمار ليشاكسه حينما شعر بغضبه يخفت رويدا فيحاول أن يرفه عنه فيتابع : ثم بدلا من هذا الحديث الطويل أخبرني أنك غاضبا لأن جنى تأخرت في القدوم إليك اليوم على غير عادتها.
عبس أسعد بغضب طفولي فابتسم عمار مرغما ليسأله بشقاوة : ألم تتصل بك للان ؟
اجاب أسعد بعفوية : ولا تجيب هاتفها .
كتم عمار ضحكته ليهمهم بمرح : ستأتي يا صديق لا تقلق ، أين ستذهب ؟ إذا لم تأت لأجلك ستأتي لأجل عملها ؟
التفت أسعد إليه بعبوس غاضب : كيف لا تأتي لأجلي ؟
ضحك عمار ليهتف بأريحية : أنا اشاكسك يا أسعد لا أكثر ، ستأتي بالطبع فقط كما تقول لولا هانم الغائب حجته معه .
أومأ برأسه متفهما ليكمل عمار : ومن الجيد أنها لم تأتي للان فلديك ضيف هام جدا عليك أن تستقبله .
عبس أسعد بتساؤل ليرن هاتف عمار فيهتف بمرح : ها قد حضر امنحني دقيقتين فقط لآت به من أول الرواق.
تحرك عمار ليفتح الباب الذي دق بلطف فتتسع ابتسامة عمار وهو ينظر لمن يقف أمامه هاتفا : جيد أنك استطعت الوصول إلى الغرفة بمفردك ، حمد لله على سلامتك ، العاصمة نورت بوجودك يا بك .
رجف جفن أسعد ليتهلل وجهه بسعادة وهو ينظر لمن أجاب عمار وهو يدلف بخطوات جادة للداخل : العاصمة منورة بوجودك وأزداد نورها بهاء حينما نهض سيادة القائد سليما معاف .
همهم أسعد دون تصديق : فادي ، أنت بخير ؟!
اتسعت ابتسامة فادي : الحمد لله أنا بألف خير ، اقترب من أسعد الذي شد جسده باستقامة وهو جالسا ليتبع وهو ينحني يضم أسعد بأخوية ويربت على ظهره بلطف ومودة أخوية – الف حمد لله على سلامتك يا صديق .
ابتسم أسعد ليجيب : سلمك الله وحفظك لعائلتك يا أخي ،
هتف عمار بجدية : تشرفت برؤيتك يا حضرة الضابط ، سأذهب لعملي وسأمر عليكما ثانية .
أومأ فادي بعينيه وهو يصافح عمار بمودة ليهتف عمار بجدية : سآتي ثانية يا أسعد ولكني سأتركك لصديقك قليلا .
أومأ أسعد بتفهم ليشد عمار خطواته للخارج ويغلق الباب خلفه ليهتف فادي بجدية : إشتقت إليك يا رفيق .
ابتسم اسعد بود : وأنا الآخر إشتقت إليك كثيرا ، أخبرني كيف حالك وحال مرمر ودينا وديانا ويوسف ؟
أجاب فادي وهو يجلس مجاورا اليه في فراشه : جميعنا بخير كنا نصلي لأجل أن تنهض سالما يا أخي ، أتبع ضاحكا – مرمر ترسل إليك قبلاتها ودينا تحياتها ويوسف يخبرك أنه ينتظرك لتعلمه ركوب الخيل كما وعدته
قهقهة ضاحكة محببة صدرت منه وهو يتابع : أما ديانا خاصمتني لأنها كانت تريد أن ترافقني وتأتي معي لزيارتك ولكني رفضت .
اتسعت ابتسامة أسعد وعيناه تشع بدفء : لماذا لم تأتي بها ، سنأتي جميعا لحضور الزفاف يا أسعد بك ، ألا يكفي أنك لم تخبرني عن عقد القران ؟
احتقنتا أذني أسعد بحرج : المعذرة منك يا صديقي لقد تم كل شيء بسرعة وسُهيَ علي أن أدعوك .
لكزه فادي بلطف في كتفه : نحن أخوة يا أسعد ، أنا لا احتاج لدعوة لذا سآتي زفافك حتى لو رغما عنك ، أتبع مشاكسا – اريد أن أراك ليلتها وأنت تدور من حول نفسك غير مصدقا ارتباطك بحضرة الطبيبة .
ابتسم أسعد والخجل يعتلي ملامحه ليكمل فادي بجدية : أنا سعيد لأن دكتور عمار استخرج لي تصريحا بزيارتك ، فأنا كنت ممنوعا من القدوم وطلبت أكثر من مرة أن ازورك وقوبل طلبي بالرفض ولكن عمار بك أصر على أن زيارتي مفيدة لك وأنها ستحسن من حالتك المزاجية .
أجاب أسعد بصوت محشرج : أنا بالفعل سعيد لأنك أتيت واطمأننت عليك انك بخير الحمد لله .
تنفس فادي بعمق : كلنا بخير يا أسعد ، والحاجة أم ياسين ترسل لك سلامها وقبلاتها ودعواتها بأن تنهض سالما معاف ، وأخبرتني أن أشكرك بالنيابة عنها لأنك أعدت جسد ولدها فاستطاعت دفنه هنا بجوار أبيه .
تصلبت ملامح أسعد ليستقر الحزن بعينيه وينظر لصديقه متسائلا فيجيب فادي : لقد ذهبت إليها اكثر من مرة أنها سيدة عظيمة تقبلت فراق والدها بثبات وقوة وصلابة ، اختنق حلق أسعد فيتبع فادي بصوت أجش – هي من سألتني عنك بالمناسبة حينها كنت راقدا في غيبوبتك لتدعو إليك أن تنهض معاف أمامي ، وفي كل مرة ذهبت إليها تسألني عنك وتدعو إليك ولن تصدق مدى سعادتها حينما أخبرتها المرة الماضية أنك نهضت فأبلغتني برسالتها إليك .
تمتم أسعد بصوت محشرج : بارك الله فيك وفيها وأعانها وصبرها على فراق ياسين .
قبض فادي على كفه ليضغطه بلطف : أعاننا الله جميعا .
تمتم مؤمنا لينتبها سويا على دقات رقيقة هادئة فوق الباب فيهمس فادي بمشاكسة : أعتقد أن أنا أعلم من القادم الآن .
رمقه أسعد بتوعد ليقهقه فادي ضاحكا قبل أن يهتف بمرح : أدخل .
فتحت الباب لتدلف إلى الداخل تبتسم برقة وتهتف بالتحية ترحب بفادي – الذي نهض واقفا لاستقبالها - بحفاوة فيتبادل حديثا لبقا معها يبارك إليها الزواج فتجيبه بلطف وتسأله عن عائلته وترسل تحياتها للجميع وهي تتحاشى النظر إلى من يرمقها بنظرات صقرية منذ أن طلت أمامه لتثرثر بعفوية أخيرا : المعذرة تأخرت فانا مررت على خالتي ليلى الغاضبة بالمناسبة يا فادي بك لأنك رفضت دعوتها على الغذاء .
ابتسم فادي ليجيب بخفة : سأصالحها بأذن الله حينما يعود القائد للبيت سآتي لزيارته وحينها سأتناول الغذاء والعشاء وأبيت أيضا بجواره في الفراش إذا أحب .
استدار أسعد ينظر إليه باستنكار فيكتم فادي ضحكته لتهتف جنى بمرح : ليلى هانم لا تقبل الأعذار لذا أصرت أن أمر عليها لأحمل إليك طعام الغذاء ، وآت لأسعد بطعامه فهي لا تحب طعام المشفى ، فتزوده كل يوم بالطعام .
هلل فادي : يا سيدي ، ما هذا الدلال يا حضرة القائد ؟
ضحكت جنى بعفوية ليهمهم أسعد : تأدب يا فادي .
أجابه فادي بمرح : سأفعل .
لتقرب جنى الحقيبة التي كانت تحملها وتضعها على الطاولة : فقط لا شأن لك بطعام أسعد فهو يتبع نظام غذائي يساعده لاستعاد لياقته ، أما أنت فخالتي ليلى أعدت إليك المحشي الذي تفضله وطاجن المسقعة الذي تطلبه دوما ، وأخبرتني أن هناك طاجن مكرونة بالباشميل وطاجن لحم بالبصل كما تحب إذ لم تكن صائما .
ضحك فادي ليهتف : لا لم يبدأ الصيام بعد لذا سألتهم الطعام كله دون أن أمنح للقائد لقمة واحدة منه .
كتمت جنى ضحكتها لتقترب من الجانب الآخر لفراش أسعد بعفوية لتهمس بهدوء وهي تحتضن كفه براحتها : كيف حالك اليوم ؟
تنفس أسعد بعمق ليضغط على كفها برقة : بخير والحمد لله .
كح فادي بخفة ليهتف : سأخرج لأهاتف دينا حتى لا تقلق فأنا لم أخبرها عن وصولي وسأعود.
تحرك للخارج تحت نظرات أسعد المراقبة ليغمز إليه بعينه في شقاوة تمتم أسعد بسبة لم تخرج من بين شفتيه فكتم فادي ضحكته قبل أن يغلق الباب .
شهقت بخفة وأسعد يجذبها من كفها إليه فتتوازن حتى لا تسقط فوقه ككل مرة لتجلس بطواعية بقربه وهي تهمهم بخفوت : أسعد صديقك قريب من الغرفة .
عبس بنزق : لماذا تأخرت ؟
تمتمت وهي تنظر إليه بشوق : ألم تستمع لي منذ قليل كنت أنتظر الطعام لاتي به ؟
رمقها بعتاب ليهمهم : فليحترق الطعام ولا تدعيني أنتظرك هكذا .
رفعت كفها لتلامس وجنته : أنا آسفة لا تغضب .
افتر ثغره عن بسمة بسيطة ليهمس آمرا : صالحيني .
توردت بخجل لتهمهم برفض : صديقك سياتي بأي وقت .
هز رأسه نافيا : لن يدلف إلى الغرفة إلا حينما أخبره أن يفعل ، أتبع بإصرار – هيا صالحيني .
لتجيبه بدلال وهي تشبك أصابعها في اصابعه : بعد أن ينصرف فادي سآتي وأصالحك كما تحب.
جذبها من كفها ليحتضنها بذراعه يلصقها بصدره : بل الآن ، هيا .
ابتسمت برقة ووجهها يحتقن بقوة لتهمهم باسمه في خفوت رافض : أسعد توقف .
رمقها بصرامة فضحكت ضحكة خافتة ناعمة لتلين ملامحه فيحنو رأسه إليها لتقبل طرف وجنته هامسة : لا تغضب .
أغمض عينيه وتنفس بعمق وهو يضمها إلى صدره بقوة ليغمغم وهو يقبلها بطرف عنقها : إشتقت اليك .
• تمتمت وهي تدفعه بعيدا قليلا فتبتعد عن حضنه : وأنا الأخرى اشتقت إليك ، اتبعت بعفوية – ولكن اليوم ستمل مني فأنا لدي مناوبة ستبدأ الآن ولن تنتهي قبل ليلة الغد .
رمقها قليلا ليهمس بتلاعب : إذًا أنت ستقضين ليلتك في المشفى اليوم .
أومأت برأسها لتجيبه : نعم وسأمر عليك كثيرا لو الطوارئ كانت هادئة .
رف بجفنه ليهمس بمكر : حسنا إذا شعرت بأنك تريدين النوم الفراش يتسع لنا سويا ، اهتزت نظراتها ووجنتيها تحمر بخجل ليتابع بهدوء وعيناه تومض ببسمة رائقة – أعتقد أنك تعلمين هذا جيدا .
انتفضت واقفة وجهها يشحب تدريجيا لتنظر إليه بفزع قبل أن تهمهم بخوف : أنت لم تكن تشعر بي ؟
رمقها بطرف عينه ليجيب ببساطة : مع الأسف لا لم أشعر بك ، نظرت إليه بتساؤل فاتبع – ولكني حلمت بك وأنا نائما وكنت أتوقع أن هذه أحلام اتضحت بعدما أفقت أنها كانت واقع أنا غافلا عنه .
سحب نفسا عميقا ليهمس بصوت أجش : يا ليتني كنت واعيا وشعرت بك .
ابتعدت للخلف بتوتر ووجهها يشحب لتهمهم : لم أكن أعلم أنك ستشعر بي يا أسعد ، تصرفت بعفوية و دون قصد .
اتسعت عيناه بصدمة ليهتف باسمها في صرامة قبل أن يؤمرها بجدية أن تقترب منه فلا تملك حق الرفض ، احتضن كفيها بلطف ليهمس بعدم فهم : وحتى أن كنت تصرفت بقصد تتوقعين أنني سأغضب مثلا ؟ رفت بجفنيها فأتبع ضاحكا – أنا غاضب من نفسي لأني كنت غير واعيا لوجودك إلى جواري لم أستمتع باحتضانك لي وأنا مريض ولم أتمتع بقبلاتك التي أغرقت بها جبيني .
همهمت باختناق حيي : أسعد أرجوك توقف .
عبس بضيق ليجيب هادرا : لا لن أفعل ، أنت زوجتي يا جنى هل تعلمين ما معنى أنك زوجتي؟
تمتمت بخفوت وهي تخفض نظراتها عنه : للان أنا خطيبتك ، فالزفاف لم يقام بعد .
التوى ثغرة ببسمة ماكرة : سيقام ، فقط انهض وأخرج من هنا وسنقيم الزفاف .
ضحكت وهي تلتقط نظراته المشاكسة لتنهض واقفة تبتعد عنه قليلا قبل أن تهمهم : لن آت ليلا يا حضرة القائد فأنت أصبحت لا يؤمن جانبك .
أطبق فكيه ليجيب بغيظ : جربي أن لا تأت يا حضرة الطبيبة وأنا سآتي إليك وأجبرك على تحمل نومي بجوارك في غرفة الأطباء ، ضحكت برقة لتشاكسه بملامحها فيتابع – تحديني يا جنى وأنا ساريك أني أقوى على فعلها .
تعالت ضحكاتها لتقترب منه ثانية تحتضن وجهه بكفيها لتهمس : لا أستطيع أن أتحداك لأني موقنة أنك بقادر على فعل كل ما تريد ، وأن ليس هذا الفراش ما سيمنعك عن شيء أردته وبقوة ، لذا أنا واثقة من أنك ستخرج من هنا قريبا حتى قبل الموعد الذي حدده الطبيب .
تنفس بعمق ليحيط خصرها بذارعيه يضمها إليه يدفن رأسه في صدرها يستنشق رائحتها بعمق قبل أن يرفع رأسه ليلتقط شفتيها في قبلة هادئة رقيقة مغمغما بصوت أجش : سأنتظرك بعدما ينصرف فادي .
أدارت عيناها عليه بتمهل لتقبل جبينه وتهمس : لن أتأخر سانهي عملي وآت إليك .
طرق الباب بلباقة لتبتعد عنه لتفتح الباب تستقبل فادي الذي دلف بابتسامة واسعة يتحدث في هاتفه لابنته عن طريق الاتصال المرئي والتي هللت حينما رأت جنى فتبادلها جنى الضحك والحديث ليتحرك فادي نحو أسعد فتقفز الصغيرة بصراخ ضاحك حينما رأت أسعد الذي ضحك مبتهجا فيهتف أبيها : هاك هو عمو أسعد حتى لا تخاصمي بابا يا قلب بابا .
ضحك أسعد ليبدأ بالحديث مع ديانا التي ثرثرت معه وكأنه صديقها المقرب لتنحسر ابتسامة جنى تدريجيا وهي تنظر لتعلق أسعد بالفتاة التي تعشقه كصديق لأبيها فتشعر بغصة قوية تحكم حلقها فجأة ودون سابق إنذار لتنصرف مغلقة الباب خلفها وكأنها تغلق على أفكارها الكثيرة التي لا تريد أن تداهم عقلها أو تفكر فيها الآن !!
***
تحرك بخطوات رشيقة يهز رأسه بغرور متأصل في جيناته يبعد خصلاته الهفافة من فوق جبينه ليرسم ابتسامة واسعة على وجهه وهو يرمقها بنظرة يخصها بها منذ الصغر ، يقترب من خالته التي رحبت به بحفاوة لا تستقبل بها سواه
بينما أشاحت الأخرى برأسها بعيدا ووجنتيها تضرجان بخجل سببه نظراته التي عاتبها بها وتوعدها أيضا فتتمتم باختناق وهمس خافت : غليظ .
ابتسم بمكر وهو يرتمي بثقله فوق الكرسي الآخر يثرثر مع خالته التي تتحدث عن حفيدتها التي سأل عن غيابها عن الجلسة فأخبرته أنها تصلي بالداخل قبل أن تهتف به وهي تنهض : أعددت لك كعك التفاح سآتي لك ببعض منه .
تحركت للداخل ليحصد بعينيه لتلك الجالسة أمامه تكتف ساعديها بضيق وتعيش بغضب ظهر جليا بعينيها الرماديتين فيسألها بمشاكسة وقحة متعمدة : وأنت لا تصلين ؟!
امتقع وجهها لترتبك نظراتها فلا تعرف بم تجيبه ليضحك بخفه فتتمتم بضيق : لا تتواقح يا أدهم من فضلك .
أجاب ببرود : بل سأفعل .
اتسعت عيناها بصدمة ليبتسم بتسلية متبعا - حسنا سأتوقف ولكن بشرط .
نظرت له متسائلة فأجابها متبعا - أن تخبريني لماذا تتجاهلين اتصالاتي ؟ فأنا لم أفعل شيء يغضبك .
لتنتفض بغضب : حقا يا أدهم ، أنت متأكد أنك لا تفعل شيء يغضبني .
أعتلى التفكير ملامحه ليحدثها بهدوء : نعم ، فمنذ أن أصبحنا سويا لا أذكر أني تعديت حدودي معك أو اجبرتك على شيء لا تريدينه يا مريم ،
بل أنت من وضعت حدود لعلاقتنا وأنا وافقت
لا مقابلات .. لا مكالمات بوقت متأخر .. لا حديث موارب أو وقح وأنا وافقت وأعتقد أني لم أفعل ما يثير ضيقك ولو بالخطأ ، فكونك تتجاهلين اتصالاتي يعد أمر كبير لدي لو لا تدركي هذا ، فأنا لست الرجل الذي يحتمل التجاهل يا مريم . ازدردت لعابها لتهمس باختناق : لا أتجاهلك ، أنا غاضبة منك .
سأل بعصبية : مما ؟ لماذا أنت غاضبة ؟ أتبع هادرا بحنق - ثم أنت غاضبة ألا يحق لي معرفة سبب غضبك ؟!!
دمعت عيناها على الفور لتعض شفتها بقوة تمنع نفسها من البكاء فتتسع عيناه بصدمة قبل أن يهتف بجدية : ما بالك يا مريم ؟ ما الذي فعلته لأبكيك هكذا ؟
تمتمت : أنت تعرف أخرى غيري .
نفض رأسه والصدمة تسكن عيناه : أبدا والله أنا لا أحب غيرك ولا تجمعني أي علاقة بأخرى . أتبع صائحا بعصبية - ما هذا الهراء ؟ هل نمت وحلمت بهذا الأمر غير الحقيقي لتستيقظين وأنت مقتنعة بأني أخونك .
التفتت إليه تصيح فيه : بل أنا متأكدة لقد رأيتكما سويا أنت وهذه الشقراء التي بضعف عمرك ، لا أفهم كيف تصادقها وهي تكبرك بكل هذه السنوات .
عبس بتفكير ليردد : شقراء تكبرني بفارق سن كبير ، ليضرب الإدراك عقله ويهتف - أنت تقصدين بسمة ؟
أومأت برأسها : نعم من انصرفت معها من حفل زفاف عمك .
ضحك غير مصدقا ليهتف بها : أنها ليست صديقتي ، بل ما يجمعنا العمل .
رددت بدهشة : عمل ، أي عمل هذا الذي يجعلك تصحبها في سيارتك وتجلس بجانبك .
أجاب متفكها : هل أي فتاة تركب سيارتي تكون صديقتي يا مريم ، هاك أنت لا تركيين إلى جواري ولكنك صديقتي ، أتبع بصوته الأجش وعيناه ترتشف ملامحها ببطء - بل أنت حبيبتي .
احتقن وجهها خجلا فأسرت قلبه إليها أكثر لتهمس بتلعثم : توقف يا أدهم .
تنهد بقوة : بل توقفي أنت ، توقفي عن الغضب والغيرة والتجاهل والابتعاد ، أنا أحبك يا مريم وأريدك معي فلا تبتعدي عني .
اتكأ ليضع ساقا فوق أخرى : ابتعادك عني ودلالك الزائد يضر بعلاقتنا ، فانا للاسف لست بالرجل الصبور .
نظرت له باستهجان مدافعة عنه نفسها : انت السبب يا ادهم فلولا علاقتك الكثيرة لم اكن لاشك بك ولا ابتعد عنك
رفع رأسه بجبروت ولد به : لم أفعل شيئا ، منذ ان أصبحنا معا وانا لا أصادق غيرك ما تفعلينه سيدفعني من جديد لأن اخطأ فمن فضلك توقفي .
أشاخت برأسها بعيدا في حنق ودلال فيتنفس بعمق ليزفر بقوة هاتفا : لن أتحدث بهذا الشأن ثانية وارجوك ثقي بي قليلا .
لمعت الدموع بعينيها فأغمض عينيه قبل أن يمسح وجهه بكفيه : أرجوك لا تبكي .
نهنهت ببكاء وشفتيها تبرمان : أنت لا تفهم ، لا تشعر بم يحدث بداخلي .
همستها بصوت أبح فاقترب منها سريعا يضمها بعينيه في حنو هامسا : بل أشعر و أفهم ، وأقدر غيرتك علي ولكني أخبرتك بدل المرة مائة مرة ، لا يجمعني بأي فتاة الآن أي شيء .
نظرت لعمق عينيه بلونهما المميز بين البني والعسلي تبحث عن الصدق فيهما لتهز رأسها بيأس فيبتسم بمكر ويهمس بهمهمه مشاكسة : هل أنا أحمق لا تركك يا حلوى الشام الشهية يا مريمتي الندية واذهب لأخرى غيرك .
ابتسمت برقة وجنتيها تتوردان فتخفض رأسها بخجل وهي تتحاشى النظر إليه فيلعق شفتيه وعيناه تضوي بمرح : دخيلو الحلو .
زمت شفتيها بنزق : أدهم أخبرتك من قبل أن تتوقف عن الحديث باللهجة الشامية فأنت لا تتقنها .
رفع حاجبه باعتداد : حسنا تحدثي أنت وأطربيني بها فصوتك وأنت تثرثرين بها يشبه صوت البلبل .
ضحكت برقة لتضوي عيناه بانبهار : يؤبرنى الحلو .
عبست بضيق تلك المرة وهمست سريعا : بعد الشر عنك .
أدار عيناه على ملامحها الرقيقة ليهمس أمرا حينما التقط عودة خالته : سأنتظرك اليوم لتهاتفيني بموعدنا المعتاد .
همت بالرفض ولكنه نظر إليها مليا متوعدا ألا ترفض ما أمرها به فتبتسم برقة وتمأ برأسها موافقة . ابتسم بسعادة وحبور تألق على وجهه حبور تراجع رويدا وهو يلتقط انزعاج خالته التي أسرعت نحوه كما استطاعت لتهتف به : أنظر يا أدهم هل هذا الخبر صحيح ؟ أنا لا أصدق .
عبس وهو يلتقط الجهاز اللوحي ينظر نحو ما تتحدث عنه خالته لتتسع عيناه بارتياع وهو يقرأ : القبض على رجل الأعمال أحمد سليمان تو وصوله لأرض المطار .
اتسعت عيناه بصدمة ألمت به فلم ينتبه لخالته التي ترنحت لتصرخ مريم وهي تتلقى منال التي كادت أن تقع لولا صرختها العالية : أدهم .
فيتلقف خالته بين ذراعيه ويساعدها على الجلوس ليصرخ بمريم أن تأت لها بأي شيء تسقيه لها قبل أن يهداها بكلماته ويخبرها انه سيهاتف عاصم ليتأكد من هذا الخبر المشكوك في صحته
***
خطى بخطوات متسارعة على حسب ما يسمح له تقدمه في العمر ، قلبه يدق بعنف وهو يفكر فيم حدث جعل أمير يهاتفه ويطلب منه أن يأتي إلى محل عمله ، رجف قلبه وعقله يكاد يجن من كثرة الأسئلة التي خطرت على ذهنه وهل استدعاء أمير إليه يخص عبد الرحمن والجهاز الذي يتشارك فيه مع عادل تحت رعاية الأمن ، أم يخص أحمد ؟
هوى قلبه بين قدميه وعقله يقفز بسؤال آلم روحه التي تساءلت هي الأخرى " هل تورط بكريه في أمر أخر يخص هذا الذي يدعي أخوته ؟ أم أصابه شيئا يريد أن يخبره أمير به ؟ "
سحب نفسا عميقا يهدأ خلجات روحه ويتماسك بصلابة أقرها بينه وبين نفسه ليتوقف أمام الباب الذي طرقه الشاب الذي رحب به وصحبه من الأسفل ليدله إلى مكتب أمير كالعادة ، أشار إليه الشاب بحفاوة أن يدلف إلى الداخل ليقابله أمير بابتسامة لبقة متسعة ونظرات مودة أخوية ليتحرك نحوه يصافحه ويرحب به بحفاوة كعادته ، دلف العامل من خلفه بفنجاني القهوة وكأن أمير أوصى بها قبل مجيئه ، ليهتف أمير بحزم : لا أريد مقاطعة .
أومأ الشاب براسه وخرج ليغلق الباب من خلفه قبل أن يهتف أمير بجدية : اجلس يا خالد أنرت مكتبي بوجودك .
رمقه خالد قليلا ليستجيب بتوتر لم يستطع الخلاص منه ليسأل بجدية وهدوء بعدما تناول فنجان قهوته من أمير : ما باله أحمد ؟
ابتسم أمير ليكح بخفة : ستظل كما أنت دوما يا خالد ، تلتقط الأمور قبل أن تحدث وأعتقد أنك علمت لماذا طلبتك حتى قبل أن تقرا الخبر بالأعلام .
اتسعت عينا خالد بارتياع : خبر أي خبر ؟! زفر خالد بقوة ليهمس بخفوت وصوت متعب -طمئني يا أمير ما الأمر وما باله أحمد ؟
ربت أمير على ركبته بود : اطمئن أنه بخير ، صمت لوهلة قبل أن يتبع – لقد عاد فجرا ونحن نتحفظ عليه منذ وصوله !!
اتسعت عينا خالد ليهتف بصوت أبح : لماذا ؟ هل حدث شيء ؟ هل هو بخير ؟ هل ورطه الآخر في شيء ؟
ضيق أمير عينيه وهمهم متسائلا : الآخر ؟
ومضت عينا خالد بعتاب صدح بصوته : ألا تعلم عمن أتحدث يا أمير؟
ابتسم أمير بمكر ليجيبه بهدوء : بلى أعلم وبم أنك ذكرته من نفسك ، أخبرني بكل شيء تعرفه عن هذا الذي يدعي بنوته لأخيك وتؤامك .
زفر خالد باختناق ليهمس ساخرا : لا أعرف عنه أي شيء سوى ما أخبرني أحمد به .
زم أمير شفتيه بتفكير ليسأله بجدية : بمعرفتك بباسم يا خالد ، هل من المنطقي يكون لديه ابن كما أخبرك أحمد؟
1. لوى خالد شفتيه ساخرا : أنا لا استبعد أي شيء يخص باسم يا أمير ، فكل شيء مع باسم ممكن .. جائز .. محال ، باسم لم يترك شيء لم يفعله ، لذا لست متعجبا أن يكون لديه ابن لا نعرف عنه شيء ، سحب نفسا عميقا ليكمل – لا أنكر صدمتي من معرفتي بكونه يُعد من الطرف الآخر ولكني لا استنكر هذا فباسم نفسه كان على الطرف الآخر لماذا أنكر أبوته لولد نشأ بأرض مغتصبة منا .. وعلى دين يخالف عقيدتنا .. وكبر على كراهيتنا ، وكل مساعيه الآن أن ينتقم منا .
جمدت ملامح أمير والتفكير يعتلي هامته ليضع فنجان قهوته قبل أن يحدثه بهدوء : للأسف يا خالد - للان -المؤشرات كلها تشير بان ذاك الشاب ابن أخاك وأنه يسعى خلفكم بالفعل ولكن هناك شيء ما لا يريحني وغير منطقي في كل ما حدث منذ أن تعرض لأحمد حتى عودته الآن للتحرش به وفرض سيطرته عليه بل ومحاولة الإيقاع به قديما وحاضرا أيضا .
نظر إليه خالد باهتمام : ما هو الذي لا يريحك يا أمير ؟
هز أمير رأسه لينطق بثبات : أشعر أنهم يشتتوننا وأن الأمر ليس منوط بك أو بأحمد ، عبس خالد بترقب ليرفع أمير عينيه بنظرات قوية مفكرة – لو كان الأمر قديما خاص بأحمد وأنهم توقعوا أن يكون لقمة سائغة لهم بسبب أمر باسم ومقامرتهم على كونه سيصدقهم فيجندونه للعمل لصالحهم وخاصة وهو شاب صغير إدراكه غير مكتمل ، فالآن الأمر مختلف فأحمد حاليا صهر سيادة الوزير ومن الصعب التلاعب معه أو التنكيل به .
اعتمت زرقاويتي خالد بالأسود الحالك ليهتف بجدية وصوت حاد صدح رغما عنه : وهل أحمد كان سابقا لقمة سائغة يا أمير ، أتبع بثبات ويقين – ابني لم يكن يوما لقمة سائغة لأحدهم ورغم كل ما حدث معه إلا أنه استطاع أن يتصدى لهم بصلابة .
بسمة فخورة ومضت بعيني أمير ليجيب بجدية : وأنا أشهد يا خواجة فتربيتك لم تذهب هباء ، ابتسم خالد بفخر ليتابع أمير سائلا بنبرة مرحة – إذًا ما سبب غضبك على ولدك بم أنك تثق فيه بهذا المقدار الكبير ؟
زم خالد شفتيه والأزرق يختفي ثانية من حدقتيه : لا يهم الآن يا أمير ، لا يهم ما سبب غضبي أو ما سبب خذلاني ، فرغم كل ما فعله سيظل ولدي وسأظل أهتم لسلامته ولما يحدث معه لذا أخبرني ماذا حدث لتقبضوا عليه ؟
رمقه أمير قليلا ليسأل بجدية : خالد هل أنت غاضب من أحمد لأنه لم يلجئ لك المرة الماضية؟ ارتعش فك خالد بغضبه المكتوم ليتابع أمير وهو ينظر لخالد بعدم تصديق – أم أنت غاضب منه لأنه لجئ لوائل تحديدًا ؟
رفع خالد رأسه بغطرسة : بل غاضب لأنه اختار أن يصدق دون أن يفكر .. أختار أن يشك دون أن يفهم .. اختار أن يبعد دون أن يسأل ، صمت قليلا وأمير يمنحه الفرصة الكاملة أن يخرج ما بداخله ليهدر بغضب آن له أن ينفجر – ونعم غاضب لأنه لجئ لآخر غيري لينقذه بدلا من أن يسألني عم يؤرقه .
رفع عيناه لأمير ليصرح بجدية : لو كان أتى لي قبل أن يتورط في أي شيء ليسألني ويفهم مني ، حينها كنت سأوفر عليه اللجوء لزوج خالته من الأصل ، ولكنه اختار الاحتماء بمكانة سيادة الوزير العظيم ظنا منه انه سيفرك قمقمه ويخرج له جنيا .. ماردا .. جبارا لينقذه من الخطر الذي يحيق به .
رمقه أمير بجدية ليسأله بهدوء وابتسامة ماكرة زينت ثغره : هل تظن حقا أن وائل من أنقذه المرة الماضية يا خالد ؟! ضيق خالد عينيه ليصمت بصبر فيتنهد أمير بقوة ليتابع بهدوء – لا أنكر أن أحمد لجئ لوائل وليس لأي شيء سوى بأن الأمر كان يخص المؤسسة فعقله صور إليه أن وائل سينجده وينجد المؤسسة سويا ، وهذا فعلا ما حدث .
تفحصه خالد بعينيه والبرودة تحتل ملامحه فتتجمد بانتظار أن يلقي أمير كل ما بجعبته تحت نظرات أمير الهادئة الذي أكمل بجدية : إلى أن شعر وائل بأن الأمر أكبر من أمر شحنة أدوات بناء عادية تم التلاعب بها ودس أسلحة فيها لتوريطه ، حينها تواصل معي وأخبرني عن كل شيء .
ثبتت نظرات خالد دون أن يرف وهو ينظر لأمير الذي عاد بظهره للخلف وقص له برزانة : حينها لم أكن في منصب المستشار لشئون الدولة الأمنية والعسكرية ، ولكني كنت مدير الجهاز هنا ، لأكلف الشباب بالبحث جيدا قبل أن أطلب مقابلة احمد شخصيا بعدها .
اتسعت عينا خالد بصدمة وتمتم بصوت جامد : إذًا كنت تعلم من البداية عن كل شيء ، أومأ أمير براسه إيجابًا ليتابع خالد بهدوء – ولم تخبرني حينما سألتك عن أحمد .
رمقه أمير قليلا : هل ابتعادك عن الملعب أنساك يا خالد ؟ حينما سألتني قريبا لم أقوى على إخبارك فحينها كنت سأفسد عمل وجهد وصبر سنوات .
سحب خالد نفسا عميقا ليهمس بجدية : من الواضح أن لديك الكثير من المعلومات التي لا يدركها أحمد ، أليس كذلك ؟
ابتسم أمير ليجيب وهو يهز رأسه بالموافقة : هاك عدت الخواجة الذي اعتدته .
زفر خالد بهدوء : حسنا أنا أسمعك يا أمير فمن الواضح أنه حان الوقت لتخبرني عن كل ما تعرفه .
ضحك أمير : ليس كل ما أعرفه ولكني سأخبرك بشيء واحد فقط ، ولدك يحتاج إليك يا خالد ، فلا تبعده عنك .
سحب خالد نفسا عميقا ليهمس ببرود : هو من اختار الابتعاد يا أمير .
رمقه أمير بعتاب : لقد لفظته من حضنك يا خالد ، أعدته غريبًا وكانه لم يكن ولدك طوال عمره.
هدر خالد بحزم : بل كان ولدي وسيظل ولكنه من تخلى عن أبوتي .. وتمسك بوهم زرعوه في عقله وصدقه .
هم أمير بالإجابة ليهدر صوتا مختنقا دلف للتو من باب آخر غير الذي دلف منه خالد ومن الواضح انه يمرر لغرفة أخرى متصلة بغرفة أمير : لم أتخلى عن أبوتك أبدًا يا خواجة أنت أبي الذي أعرف ولكنك لم تمنحني الفرصة أن اشرح لك كل ما كان يحدث معي .
ومضت عيناه بأزرق ناري وهو ينظر بمفاجأة للغائب الذي ظهر أمامه من العدم فيشعر بقلبه يختنق من لهفته إليه يقاوم رغبته الجلية التي تدفعه أن ينهض ليحتضن ابنه الذي عاد من الخارج بعد غياب اكتشف الآن كم كان يؤثر به لكنه لم يستجب لكل هذه المشاعر التي تأججت بداخل صدره بل قبض بكفيه على مسندي مقعده ليتشبث ببقائه جالسًا بنفس وضعيته فلا يترك كرسيه مرحبًا بولده ليستدير لأمير بعتاب ومض بنارية عينيه فيغمض أمير عينيه بعدم رضا قبل أن يهدر بأحمد : لم أذن لك بالدخول يا ولد .
لهث أحمد بانفعال وهو يشعر بقلبه الذي ينتفض بألم لأجل ثبات أبوه الذي انتظره أن يظهر له لينا ولكنه لم يفعل بل ظل متماسكًا بثبات .. ناظرا برفض .. متعنتا بقبول ، دمعت عيناه تلقائيا وهو يشعر بحلقه يختنق بكثرة آلامه المختلطة بجموح شوقه ليجيب أخيرا أمير بصوت أجش وشى بمدى عذابه : آسف يا عماه ، لم أستطع أن أنتظر أكثر ، أتبع وصوته يتهدج ببكاء مكتوم – فأنا إشتقت لأبي .
ومضت عيناه بعتاب جلي وهو يكمل ساخرا فغدى أشبه بهذا الجالس أمامه متحديا بجبروت إنجليزي عتيد : ولكن من الواضح أن أبي لم يشتاق لي .
نهض خالد واقفا بثبات ليجيبه بجدية : لأني لست بأبيك .
اختلجت عروق رقبة أحمد وكان خالد ذبحه للتو ليكمل خالد وهو يقترب منه يقف مواجها له – أنت أخترت أب آخر واراه الثرى منذ كنت طفل وبعت أبوتي حينما شككت بدوافعي نحوك يا ابن أخي .
انتفض أحمد صارخا ودموعه تضرب عقال تماسكه فتنهمر بقوة : توقف عما تفعله يا دادي ، توقف ولا تحملني الذنب وحدي ، فأنا لم اخطأ بمفردي بل الخطأ لم يكن بي من الأساس ؟!!
ابتسامة ساخرة ناوشت فك خالد ليسأله ببرود : بمن إذا يا ربيبي العزيز ؟!
احنى احمد رأسه لينظر لعمق عيني خالد هامسا بجبروت : بك قبلي يا عمي العزيز .
أطبق خالد فكيه ليهدر بقوة : لماذا ؟ بماذا أخطأت معك أو مع شقيقتك يا أحمد ؟ ما الخطأ الذي أقدمت عليه لتشك بي وبأفعالي ؟
رف جفن أحمد بسرعة قبل أن ينطق بصوت أتى من أعماقه : ليس فعلا واحدا يا عمي ، بل أفعال كثيرة منها أنك اخفيت عني الحقيقية الكاملة لأبي .. لأمي .. ولك ، انكارك لما حدث لم يمحيه يا خواجة بل أثبته ، صمتك وأنت تنظر لي مشتتا بين أفكار كثيرة واكتفائك بكوني كبرت سأقوى على الحكم بمفردي ، صاح أحمد بصراخ قوي – بالله عليك كيف سأحكم وأنا لا أدرك الحقيقة الكاملة ، بل كل ما أدركه وأراه أمامي يشكك بكل ما عرفته منك ويؤكد ما أخبروني به
هدر خالد بقوة : وما هو الذي أخبروك بك ؟
أجابه دون تفكير : أنك أحببت أمي فقتلت أخيك لأجلها .
اتسعت عينا خالد بصدمة المت بحواسه لينطق بعدم تصديق : وهل صدقتهم يا أحمد ؟!
اختنق حلق أحمد وهمس ساخرا : وهل كان لي سبيلا أخرا وأنا أدرك مدى حبك لوالدتي يا عماه ؟ جمدت ملامحه وهو يتطلع به في صدمة فيتابع أحمد هاتفًا في ثورة تملكته- نعم أدرك الآن أني أخطأت ولكن حينما كنت شابًا لم أكن أدرك ما هو الخطأ وما هو الصحيح .
هز خالد رأسه غير مستوعبا ما يتفوه به ولده من رباه منذ كان طفلا .. مولودًا صغيرًا والذي أكمل هادرا – والان تحاسبني على خطأ ارتكبته وأنا صغير دون أن أفهم لماذا تحاسبني على تفكيري الذي لم أكن مخطئا به ؟
اقترب احمد اكثر حتى كاد أن يرتطم بجسد خالد الذي يجابهه بصمت وعيناه تومض بغضب حارق ليهمس أحمد بصوت خفيض أبح : الآن انكر انك عشقت أمي من قبل زواجك بها وأنا سأصدقك، اعتمت حدقتيه الزرقاويتين ليتابع أحمد وصوته يتهدج بأنفعال اخنق حلقه - انكر أنك لم تفرح بزواجك منها .. لم تشعر بان الله أهداك حلمك المستحيل في اقترانك بها .. بأنك لم يكن سعدك حينما أصبحت امرأتك.
لم يبد على وجه خالد أي انفعال قبل أن يفتح فمه ويعلن بصدق : لا أنكر ، ولن أنكر .. ولست نادما أبدًا على أي ما فعلته في الماضي سوى شيء واحد ، اهتزت حدقتي أحمد بتساؤل فيكمل خالد بهدوء - اني تركت حلمي لأبيك فانتهز الفرصة واستولى عليه وعبث به فكان نتاجه شخص مثلك سيظل مهما فعلت معه يتذكر أني عمه ولست أبيه .
اختنق أحمد بأنفاسه اللاهثة ليكمل خالد بثبات : إذ كنت تظن أن والدك كان ملاكا بريئا فأنت واهم يا أحمد ، وأن كنت تظن أنك في موقع يخول لك بمحاسبتي فأنت أيضا واهم ، أبوك لم يكن ملاكا وأنت ليس مسموح لك بمحاسبتي فمهما كبرت سنا .. مكانه .. أو مقاما سأظل والدك من رباك ، أتبع خالد وهو يتقدم مقتربا منه - وستظل ربيبي الذي وعى علي أب وأخ وصديق. وأعتقد أني لم أقصر معك في أي دور منهم بل أنت كنت المفضل لدي عن أبنائي .. كنت الأقرب لي منهم .. كنت البكري يا ابن أخي .
اختنق حلقه بدموع كثيرة لم يستطع ذرفها ليشعر بالندم يهلكه فهمس باستجداء : دادي .
ابتسم خالد ساخرا : ألم أخبرك أنك فقدت الحق في مناداتي هكذا ؟
هز رأسه بكبر : أبدًا لن افقد حقي أبدًا ، بل لن أترك لك أي حق هو لي .
انتفض فك خالد بغضب نادر الحدوث ليسأله بجدية : عن أي حق تتحدث يا ولد ؟
صاح احمد بقوة : حق المعرفة ، أنت منعت عني المعرفة يا خواجة .. تركتني في جهلي .. ظلامي .. وضلالي ، تركتني أتجرع خوفي على مدار سنوات طويلة كنت تراقب توهتي دون أن تهرع لي لتنجدني مما أنا فيه.
صاح خالد بحدة : بل سألتك أكثر من مائة مرة عم يحدث معك واستكبرت أن تطلب المساعدة ليتبع وهو يقترب منه بحدة - ثم لماذا علي أن أساعدك لقد ربيتك وكبرتك حتى تصبح رجلا قويا شامخ كجذع النخل لا يهتز باي رياح تضربه .
ليهدر أحمد بقوة : لم تكن رياح عادية بل كانت عاصفة قوية كادت أن تقتلعني من جذوري .. كادت أن تخطفني داخل دوامتها وحينما لم تقوى علي تركتني وأنا خائر القوى خائف شريد ووحيد يا أبي .
رمش خالد بعينيه كثيرا ليهمس بصوت جليدي صعق إدراك أحمد : لست أبيك أنت وضعتني في خانة العم يا ابن أخي وعليه سأظل عمك .
تحرك خالد مبتعدا ليتابع بجدية : أبو زوجتك بالتأكيد سيصل بعد قليل ليطمئن عليك أعتقد سيستطيع مساعدتك كما فعل المرة الماضية وأعتقد – أيضَا - أنك لا تحتاجني في شيء .
التفت لأمير بهدوء : أعذرني يا أمير سأنصرف ، أراك على خير .
نهض أمير واقفا يتحرك معه يودعه وهو يعاتبه بعينيه فيتحاشى خالد النظر له ليربت أمير على كتفه بمواساة قبل أن يصافحه مودعا فيغلق الباب خلف خالد ثم يستدير لمن وقف بملامح شاحبة وروح منهكة فشعر أنه على وشك الإنهيار ليهتف باسمه في نبرة عميقة متسائلة ليرفع أحمد رأسه بِشَمم ويشد جسده بكبرياء هاتفا : أنا بخير يا عماه لا تقلق .
تنهد أمير بقوة واقترب منه ليسأله : اذًا لا تريد مقابلة وائل .
هز راسه نافيا : بلى سأفعل فأنا اشتقت إليه .
ابتسم أمير بحنان قبل أن يهمس له وهو يضغط على كتفه بلطف : أبوك غاضب فقط ، وردة فعله قوية بمقدار صدمته بكل ما اكتشفه اليوم
أومأ أحمد بتفهم : أعلم يا عمي .
ربت أمير على كتفه بتشجيع : ستحل الأمر أنا أثق بك .
ابتسامة متشنجة شكلت وجهه قبل أن يدق الباب ويستأذن مدير مكتب أمير هاتفا : بعد إذن معاليك السيد الوزير وائل الجمال في الخارج ويطلب الدخول .
أشار إليه أمير مرحبا : دعه يتفضل يا بني أدخله على الفور .
لم يتسنى للشاب التحرك بعيدا ليدلف وائل بغضب بادي على ملامحه : أنا غاضب يا أمير .
كتم أمير ضحكته ليهتف : وأنا أعتذر منك على عدم إبلاغك بشكل شخصي ولكن لتعلم أنه بشكل ما مقصود .
عبس وائل بتفكير أعتلى ملامحه وهم بحديث كثير يتضمن أفكاره التي عصفت بعقله منذ أن علم خبر أحمد حتى وصل إلى هنا ليصمت وهو يلتقط وجود أحمد الواقف خلف أمير ليهتف بصوت مختنق : سأؤجل حديثي معك في مرة أخرى ولكني الآن أريد ان اطمئن على ذاك الولد الذي سأصاب بأزمة قلبية في إحدى المرات من تحت رأسه .
ضحك امير بخفة ليفسح له المكان فيتحرك أحمد نحوه هاتفا بابتسامة لبقة وعيناه تشع حزنا : أنا آسف يا عمي أثقلت عليك كثيرا .
احتقنت أذني وائل بحمرة قانية ليجذبه إلى حضنه يضمه بقوة مزمجرا بغضب أخرج فيه كل غضبه وقلقه وشوقه : اخرس يا أحمد ولا تنطق بكلمات ستثير غضبي عليك .
اختنق حلق أحمد بموجة من البكاء شعر بها قريبة ليتمسك باحتضان وائل له هاتفا بصدق : إشتقت إليك يا عماه .
تنفس وائل بعمق وهو يبعده قليلا عن صدره لينظر إليه ليصدم بانفعال أحمد المكبوت ليهتف به في مشاكسة تعمدها حتى يشتت حزنه البادي على وجهه : بل اشتقت لابنتي يا روح عماه فقط توقف عن الكذب وكن صادقا .
ضحك أحمد مرغما ليهتف وهو يلتقط مشاكسة وائل المتعمدة فيرفع كفيه معترفا : لا أنكر هذا .
لكزه وائل في كتفه بقوة فتأوه ضاحكا ليهتف وائل : ستخرج اليوم بإذن الله لتقضي ليلتك ببيتك وبفراشك أيضا.
ضحك أحمد ليهتف : في بيتي ممكن في فراشي لا أعتقد ابنتك قاسية ، أتبع بمزاح – تشبه والدها
لوى وائل شفتيه : أنا مظلوم في هذه الصفة ، وأنت تعلم يا حبيب خالتك .
قهقه أحمد ضاحكا ليهتف به : لا زالت غاضبة ؟
غمزه وائل بعينه : نعم جميع نون النسوة غاضبة عليك ولكن بعد خبر القبض عليك سيصفحن عنك أنا متأكد.
تنهد أحمد بقوة والأمل يداعب أروقة قلبه ليهتف وائل وهو يستدير لأمير : أريده أن يغادر الليلة يا أمير ، فزوج ابنة وائل الجمال لن يقضي ليلة واحدة في الحبس ويقولون ما يريدون ، قضي الأمر .
ضحك أمير بخفة لينظر إلى أحمد هاتفا بجدية : اتركنا قليلا يا أحمد بك من فضلك .
أنهى جملته ليدق الباب ويدلف علاء منه فيهتف به : أصحب أحمد بك لإحدى الغرف حتى يستطيع الجلوس مع المحامي الخاص به وبقية من أتوا لأجله من فضلك يا بني .
أدى علاء التحية العسكرية ليشير لأحمد : تفضل يا بك .
نظر أحمد لأمير فأومأ بعينيه مطمئنا ليتحرك مجاورا لعلاء ليخرجا سويا ويغلقان الباب خلفهما قبل أن يهتف أمير وهو يتحرك نحو الأريكة يشير لوائل بجدية : اجلس يا وائل ودعنا نتحدث من فضلك قليلا .
رمقه وائل بطرف عينه فيتبع أمير بهدوء : ستعود به الليلة ولكني أريد الحديث معك .
كسى الاهتمام وجه وائل ليسأل بترقب وعقله يدرك أن هناك ما هو أكبر من أمر الشحنة المتداول : ماذا حدث ثانية ؟
ابتسم أمير بإعجاب : سأخبرك يا سيادة الوزير فقط اجلس ودعني أضايفك .
استجاب وائل بجدية ليدلف العامل الحامل لفنجاني القهوة يضعهما أمامها ليهتف امير بهدوء : اشرب القهوة يا باشا .
التقط وائل الفنجان ليرتشف منه برقي قبل أن يسال دون مواربة : هل عادوا من جديد ؟
أومأ أمير بعينيه إيجابا فيتبع وائل متسائلا: وأمر الشحنة تمويه منك أم منهم و يريدون زج أحمد في الامر ؟!!
ابتسم أمير بتلاعب ليهمهم : بل مني كان لابد أن نقبض على أحمد بسبب مبرر وهذا ما فعلناه، مط وائل شفتيه بتفكير فاتبع أمير وهو يضع فنجان قهوته جانبا - أعلم أن هذا سيضر بأسهم المجموعة قليلا ولكن
قاطعة وائل دون اهتمام وعبوسه يزين جبينه: لا يهم أي شيء يا أمير الهام عندي أحمد ، ماذا يريدون تلك المرة ؟
تنهد أمير بقوة وأثر الصمت ليهتف : أترك ما يريدونه جانبا يا وائل فالأمر ليس مسموح بالتحاور فيه ، هز وائل رأسه متفهما ليتابع أمير بجدية - فقط الآن عليك فعل ما فعلته من قبل.
أومأ وائل رأسه بالموافقة : فقط عدني أن يخرج أحمد اليوم .
ابتسم أمير برزانة : وعدتك قبل أن نتحدث يا معالي الوزير .
لانت ملامح وائل بابتسامة مشرقة : عشت لنا ذخرا يا سيادة المسـتشار .
ضحك أمير بخفة ليهتف به مشاكسا : اللهم أمين وإياك يا صديقي ، ضحك وائل بدوره ليتبع أمير - إذًا أنت تحب الولد ولكنك تخفي شعورك وتواريه خلف ما تفعله به من تعذيب ومضايقة، يا لك من ماكر .
تشكل ثغر وائل بابتسامة ماكرة ليهتف بجدية مفتعلة : مهما فعل هو زوج ابنتي الكبرى يا أمير و أبو أحفادي .
رمقه أمير بنظرة ماكرة ليهتف به : ما تفعله معه لا علاقة له بأنه زوج ابنتك .
تنفس وائل بقوة ليجيب بإقرار : اعترف أنت معك حق ، هو يعد من أوائل الأولاد الذين رأيتهم وتأثرت بهم ، أتبع بضجر - أينعم هو مستفز وبارد وماكر كأبيه ويخرجني عن طوري بعض الأحيان ولكني أحبه وليس لأنه ابن منال أو لديه مكانة عند فاطمة لا يصل لها أحد .
صمت قليلا ليهمس بجدية : ولكني أشعر بعض الأحيان انه يذكرني بنفسي في سنوات التيه قبل ما يعتدل ميزاني وتستقر نفسي نعم أنا ظروفي مختلفة وهو لديه عقدة كبيرة يحاول تفاديها لكنه يشبهني في الكثير من الأحيان .
صمت لثواني قبل أن يكمل بهدوء : لذا أساعده حينما أشعر بأنه يحتاج للمساعدة ولكنه يكابر أن يطلب فيتخبط ويقع ، أتبع وهو ينظر لأمير - أنا أحاول أن أجبره على تفادي الوقوع فالوقوع صعب يا أمير .
ابتسم أمير بفخر وربت على ركبته القريبة بمودة وصداقة خيمت عليهما ليهمس له : جيد أنك أتيت ،
اسبل وائل جفنيه : الخواجة غاضب منه أليس كذلك ؟
زفر أمير بقوة : خالد مصدوم من كل ما يحدث مما عرفه اليوم وأدركه من أحمد وأفعاله ومني ، لقد شعر بأني أبعدته عن الأمر ورغم أنه لم يصرح بذلك ولم يعاتبني إلا أني شعرت به .
زم وائل شفتيه ليخفف عن أمير قليلا بالقول : امنحه بعض من الوقت فهو حينما يهدأ سيتفهم كل شيء ، أتبع بتعجب - هو فقط حين الغضب يقلب رجل صعيدي ذو عقل حديدي لكن حينما يهدأ ويفكر ثانية سيعود ذاك الإنجليزي البارد الذي نعرفه ونتأفف من برودة أعصابه وجمود ملامحه.
قهقه أمير ضاحكا : يا الله لو أستمع اليك .
هز وائل رأسه بلا مبالاة : أنه يعرف رأيي به جيدا وأنا الآخر أدرك رأيه بي فلا نغضب الآن نتعامل بأريحية ومتأقلمين سويا .
ابتسم أمير متفهما ليتبع وائل : طمئنني على صحة أسعد يا أمير انشغلت ولم آت لزيارته من بعد عقد القران أعتذر منك .
أشار له أمير برأسه : انه بخير والحمد لله يتلقى علاجه وتدريباته ويتحسن بفضل الله ، ثم لا عليك أنا أعلم حجم مسئولياتك جيدا كان الله في عونك .
نهض وائل واقفا : وفي عونك أنت الآخر ، قدرك الله على ما تلاقيه يوميا ، وسآتي لزيارة أسعد والاطمئنان عليه حينما يعود للبيت بإذن الله .
اتبعه أمير بدوره فيسيرا سويا للباب : ستنير بيتنا يا سيادة الوزير .
ضحك وائل : منور بصحابه ، حسنا ستنجز أمر أحمد كما اتفقنا .
أومأ أمير ليهتف به : أنهي الأمور في سراي النيابة وسيعود أحمد معكم ليلا بإذن الله ، ولا تقلق ستجد الأمر منتهيا حينما تذهبون .
صافحه وائل بامتنان : حسنا شكرا جزيلا لك يا أمير أراك على خير .
ليصافحه أمير بود : بإذن الله قريبا .
***
يجلس بالسيارة يقبض على المقود بكفيه رأسه ستنفجر من كثرة الأفكار التي تموج بها وقلبه معلق بمن تركه خلفه بعد أن أمره عمه بالرحيل ، لقد رفض بأول الأمر وهو ينظر لعمه باستنكار شديد فيهمس وائل بصرامة : اذهب واصحب زوجتك لحفل الزفاف يا عاصم ، حتى تخرس الألسنة وحتى تحد من تأثير الخبر الذي انتشر في الصحف عن عديلك .
زم شفتيه بضيق مهمهما باختناق : ولكن كيف أترك أحمد ؟!
أجابه وائل : هو ليس بمفرده ، أنا معه وعمر وأدهم وتيم أيضا .
رف عاصم كثيرا بعينيه ليسأل عمه بوضوح : أين عمو خالد وعبد الرحمن يا عمي ، كيف لا يكونا معه وبجواره .
أطبق وائل فكيه بقوة ليهمس : فقط اذهب الآن ولا تقلق لن أتركه إلا أمام بيته ، اهتزت حدقتيه برفض فاتبع عمه يهادنه - سأوصله بنفسي وآت بزوجة عمك وأدهم للحفل ، لابد أن نحافظ على مظهرنا ونظهر للعالم من حولنا أن كل ما كُتب بالصحف ما هو إلا محض هراء .
سحب نفسا عميقا وهو يسند رأسه للمقود يضربه برتابة محاولا إيجاد حل للغز فهو هاتف عبد الرحمن بعدما غادر بالفعل لينهر بحزم عن تركه لأخيه في هكذا موقف ليجيبه عبد الرحمن أنه يجاور والدتهما التي تعاني من أثر إنخفاض حاد في ضغطها فلم يقوى على تركها والذهاب لأحمد ولكنه هاتف عمر كثيرا ليطمئن على أحمد والذي أخبره أن موقف أحمد جيد وسيعود للبيت مساء ، حينها سأله عاصم عن أبيه فصمت عبد الرحمن قليلا قبل أن يهمس : كان عند أحمد وعاد ولا أعرف ما المشكلة التي حدثت للان حتى يتركه من خلفه ويأتي ولكن من الواضح أن الامر جلل فدادي يعتصم بغرفة الحديقة بعدما اطمئن على ماما .
صمت عاصم قليلا ليسأله عبد الرحمن بلهفة صدحت بنبراته : هل أحمد بخير يا عاصم ؟
ليجد نفسه يزفر هواء صدره بأكمله قبل أن يجيبه يطمئنه على أخيه وينهي الاتصال حينما أصبح أمام بيته ليدلف سريعا ويبدل ملابسه قبل أن يهرع بالسيارة إلى قصر العائلة بعدما هاتفها أن تستعد فهو سيأتي ليصحبها معه وها هو ينتظرها بالأسفل بعد أن رفض دعوتها بالدخول بل أصر وتمسك ببقائه في سيارته حتى لا يمنحها مجالا للتأخير .
شعر بوابة البيت تفتح لتطل عليها من الداخل فتتسع عيناه بانبهار لحظي تملكه وهو ينظر إلى ردائها العاري بلون بتلات الزهور والذي يظهر مفاتنها فهو قصير .. مكشوف .. ومفتوح بل وملتصق بجسدها كجلد ثاني لها فيضرب ببهاء من لون جسدها البرونزي الذي يومض بجاذبية وألق يخطف بصره كمغناطيس قوي فلا يقوى على إبعاد مقلتيه عنها ، انتفض بردة فعل قوية أغاظته من نفسه ليزمجر بغضب وهو يترجل من سيارته صائحا بحنق : ما هذا الذي لا ترتدينه يا نوران ؟!
رفعت حاجبيها بتعجب لتهمس بجدية : مرحبا بك أيضا .
نظر إليها مصعوقا قبل أن يزمجر بغضب امتلكه هادرا من بين أسنانه : أين بقية ملابسك ؟
رفعت رأسها باعتداد : بقية ملابسي ، أنا أرتدي ملابسي كاملة ، عبست بعدم فهم وأكملت سائلة - تقصد السترة؟
ألقتها بإهمال وهي تشير إلى السترة الذهبية الكلاسيكية المطوية على ساعدها لتتابع : سأرتديها قبل أن ندلف الى الحفل .
ارتفعا حاجبيه بصدمة ألمت به لينظر إلى ساقيها العاريتين ليهمهم بغباء : وساقيك هل ستخفيها السترة ؟
نظرت له بعدم فهم لتتحرك نحو سيارته تدلف إليها بأرستقراطية : بالطبع لا ، هيا فقد تأخرنا .
ومضت عيناه بغضب : لن نذهب لأي مكان بما لا ترتديه هذا ، ناهيك أن الجو بارد وستمرضين بسبب هذا الفستان العاري ، إلا أن ليس هذا سبب اعتراضي بل أنا أعترض على أنه عار بطريقة غير مقبولة لدي .
رفعت أنفها بأنفة وهمست بتحدي : بل سنذهب ولن أغير ردائي الآن ، ليس فقط لأننا تأخرنا بالفعل ولكن لأنني لن اقو على ارتداء فستان مبهرج لأني لا أقرب لأي العائلتين لذا علي أن أرتدي شيئا خاطفا للإبصار وخاصة بعد ما يتداول عنكما من أقاويل أنت والعروس يا ابن عمي العزيز .
أعتلى الرفض هامته وهم بالصراخ لتوقفه بإشارة من يدها : اعلم أنك لست راضيا ولكن لتتذكر أني أنا الأخرى لم أكن راضية عم فعلت ولكنك اهتميت فقط بان تأخذ ثأرك دون الاهتمام بشيء آخر ، حتى حينما أخبرتني عن الدعوة وأمرتني بان أصحبك للزفاف لم تهتم بمشاعري ورفضي لحضورك هذا الزفاف الذي لا يخصنا ولكني وافقت أتعلم لماذا ؟
رمقها متسائلا منتظرا بصبر فأكملت : لأني أنا الأخرى لا أهتم الآن سوى بإخراس الألسنة التي تتحدث عنكما بالباطل لذا ارتديت ما أرتدي رغم عدم اقتناعي به وسأذهب معك رغم عني حتى أظهر لكل من يتحدث عنكما ، أنها أحاديث واهية وإشاعات مغرضة وأننا عاشقان ليس فقط خطيبان بسبب صلة قرابتنا سويا .
أغمض عينيه مسيطرا على أعصابه التي سحقت منذ الصباح ليزفر أنفاسه بقوة قبل أن يهتف بها في صوت أمر نبرته لا تقبل الجدال : ترجلي يا نوران من السيارة ، واصعدى وبدلي فستانك لفستان أخر راقي ومبهر كعادتك ليس عاريا بل معتدلا يليق بكونك زوجة عاصم الجمال وليست عشيقته ، أتبع وهو يجذبها من مرفقها بلطف – أنت زوجتي يا ابنة عمي ومهما كانت دوافعك لن أتركك تخطين للخارج بهذا الفستان الذي يليق أكثر كقميص نوم ترتدينه لي في شهر عسلنا وحينها سأخبرك بكل ما أوتيت من عافية عن مفهوم أن تكوني عشيقتي .
لان عبوسها بابتسامتها المغرية التي رُسِمت على ثغرها فهمست بضيق افتعلته : حسنا ، أمرك يا زوجي العزيز ، سأبدل الفستان ولكن لتعلم أني غاضبة .
تنفس بعمق واجابها : لا تتأخري يا نور فأنا أنتظر
راقبها تخطو بدلال أمام عينيه ليبتسم بشقاوة وهو يلتهمها بنظراته قبل أن يسب روحه التي تتوق لها بلهفة لم تعد محتملة ليتمتم باختناق : صبرك قارب على النفاذ يا ابن الجمال وعليك أن تأخذ الخطوة التي تراوغ نفسك حتى لا تتخذها ، أطرق برأسه ليميز موضع قلبه وهو يتبع هامسا – معك حق يكفي بعادا يا قلب ، فهي القدر والنصيب ودونها لن نقوى على العيش .
زفر بقوة وهو يرفع رأسه عاليا وعيناه تومض بأفكار كثيرة متلاطمة ليهمس بجدية : الأيام كفيلة بكل شيء وهي بجوارنا سنقوى على نسيان حان وقته وأوانه .
***
يجلس متأففا بفراشه ينظر إلى ساعة معصمه التي قاربت على منتصف الليل يحاول أن يقرا عن تلك التقنية الحديثة التي أخبره عنها عادل ليقروها في المشفى ولكن رأسه منشغل بتلك الغائبة بعيدا غياب لا يدرك سببه ، فهي منذ العشاء الذي تناولاه متأخرا بسبب انشغاله في الاطمئنان على أحمد وحديثه الطويل مع وليد بعدما لم يستطع الوصول لوائل بسبب حضور ذلك الأخير لزفاف نجلة عبد المعز الحريري فلم يقوى على إجابة هاتفه ، فاتصل بوليد الذي طمئنه على أحمد وأخبره أن الأمر لا يعد أكثر من خطأ إداري ولكنه أخذ ضجة إعلامية واسعة لا داعي لها و رغم عدم اقتناعه وكلامه الكثير مع وليد إلا أن أخيه لم يفضى بأكثر من تلك الكلمات التي من الواضح لا يعرف سواها فيغلق الاتصال معه ويتناول عشاءه متجهما في ظل غياب الجميع فجنى تقضي ليلتها في مناوبة بالمشفى و حور العين تناولت طعامها وخلدت للنوم مبكرا وابنه يقضي سهرته مع علي الدين الذي دعاه للخارج مستغلان أنه الخميس وأنها أجازه نهاية الأسبوع فلن ينهضا مبكران كالعادة .
زم شفتيه بضيق ونهض من فراشه مفكرا بم أنها ليلة الخميس والبيت يعد فارغا إلا منهما لماذا تتأخر عليه بهذه الطريقة المريبة التي بدأت في إثارة ضيقه وهو الذي قرر اليوم العودة مبكرا لأجل أن يقضي ببيته بعض من الوقت بعد أسبوع طويل كان حافلا بالعمل فشعر بأنه يحتاج بعض من الراحة بجوارها وكأنها أصبحت ملاذه وواحة راحته فيعود لها كلما شعر بأن طاقته قاربت على النفاذ لتعيد شحن طاقته بعطائها الذي لا ينضب.
تحرك للخارج يبحث عنها بهدوء ليرتفعا حاجبيه تلقائيا وهو ينظر إليها ترتدي مريول المطبخ ومن الواضح أنها تنهي تنظيفه ، همس دون وعي منه بحدة تشبعت بها نبراته : ماذا تفعلين يا لمياء ؟
انتفضت بخفة لتسمي الله برقة وهي تلتفت إليه هامسه بعتاب : أفزعتني يا أحمد فأنا ظننتك نائما .
عبس بضيق ليهمس من بين أسنانه : بل كنت أنتظرك لنجلس سويا قبل أن اخلد إلى النوم ، فمنذ أول الأسبوع لم نتحدث سويا ولا أعرف كيف الأحوال معك ؟
ابتسمت بحرج لتهمس : آسفة ، ظننتك متعبا وستخلد إلى النوم على الفور فقررت أن اتمم تنظيف المطبخ وأعد لمازن العشاء وانتظره لأطعمه قبل أن أنام .
كسى الذهول ملامحه ليردد : تطعمينه ؟!! لماذا هل هو طفل لن يؤكل إلا حينما تطعمينه؟!! ثم ألم يخبرك أنه سيتناول عشاءه مع علي بالخارج ؟!! أومأت بالإيجاب ليتبع بضيق : إذًا أي عشاء تعدينه لأجله ؟!!
تمتمت بحرج وهي تغسل كفيها تحت الماء : الطعام بالخارج لا يكون جيدا يا أحمد .
سحب نفسا عميقا ليزفره بقوة وهو يدور على عقبيه : حسنا يا لمياء ، على راحتك انتظري مازن كيفما شئت .
وجمت ملامحها وهي تتابع ابتعاده لتعض شفتها بحرج قبل أن تتبعه بخطوات مهرولة بعد أن خلعت مريول المطبخ لتدلف غرفتهما وتغلق الباب هامسة باسمه في رجاء جلي ليجلس على الفراش ينظر إليها غاضبا فتهمس برقة : أرجوك لا تغضب يا أحمد .
تنفس بقوة ليهتف بضيق : أخبرتك أن آت لك بمن تساعدك يا لمياء ولكنك رفضت .
برمت شفتيها في عتاب لتهمس إليه بلطف : توقف عن الزعق باسمي هكذا فكلما نطقتها بهذه الطريقة أشعر بمدى غضبك مني .
لانت ملامحه تدريجيا ليسألها بمشاغبة ومضت بعينيه : أية طريقة ؟
عبست بوجهها لتقلد صوته : لمياء.
ضحك مرغما لتقترب منه تجلس بجواره تقبل وجنته برقة : لا تغضب من فضلك .
تنفس بعمق ليهمس : أنا غاضب لأجلك وليس منك ، تحملين الكثير من المسئوليات يا لميا ، وباعدت الجميع عن تحملهم لمسئولياتهم ، ألم تكن تكفيك مسئولية حور العين لتضميننا جميعا إلى مسئولياتك ؟!! أتبع باستفاضة - أنا أصبحت لا أعرف شيئا عن أي شيء فأنت تهتمين بالبيت والأطفال .. جنى توضيبين لها أغراضها وأشيائها بل وتبحثين لها عن ينقصها في جهازها .. مازن تدللينه كطفل صغير ليس رجلا كبيرا يستطيع أن يفتح بيتا ويصبح أبًا .
شهقت بقوة : لازال صغير .
ارتد رأسه لها بقوة ليضيق عينيه بضيق : لا ليس صغير ، بل لو سألته لهلل فرحا وأخبرك أن لديه عروسه التي يريد الارتباط بها ، ابتسمت لتتورد وجنتاها فيكمل بمشاكسة - بالطبع أخبرك عنها .
تمتمت برقة : لازال الأمر بأوله وحتى إن لم يخبرني أنا اعلم فأنا كنت مدرستهما سويا وهو مولع بها من صغرهما .
ابتسم بخفة : أرأيت أنه ليس بصغير ؟ توقفي عن تدليله ، لوت شفتيها برفض لم تصرح به ليتابع بجدية - أو دعيني آت لك بمن تساعدك في شئون البيت ، لكن أن تنهكي نفسك بهذه الطريقة أمر مرفوض وغير مقبول لي .
أومأت برأسها : حسنا فقط لا تغضب .
مط شفتيه ليهمهم : بل أنا غاضب فأنا توقعتك تستقبليني بطريقة مغايرة وخاصة أنه نهاية الأسبوع وغدا الجمعة ، نظرت له بغير فهم فاتبع بمكر – أنه الخميس اليوم الذي نستطيع السهر فيه كما يحلو لنا فغدا الإجازة الرسمية للدولة والبيت فارغ علينا .
ليكمل باستياء : وأنت تركتني لتنظفي المطبخ وتدللين مازن .
ومضت عيناها بادراك ليحتقن وجهها بقوة لتهمس بتلعثم : لم .. المعذرة ، قفزت واقفة لتتبع بخجل - امنحني خمس دقائق فقط وسأعود إليك .
ابتسم احمد واسبل جفنيه قبل أن ينهض يدور في الغرفة يهدأ الضوء يخلع سترة منامته ليفتح صوان الملابس منتقيً منه شيئا يخصها فهي لم تصحب أي ملابس معها قبل أن تقفز لدورة المياه فيدقق بأشيائها كما لم يفعل من قبل انتبه من استغراقه في رؤية ملابسها على دقات ولده المتتالية على باب الغرفة وهمسه الخافت لها : لوما، هل أنت هنا؟ عبس بغضب ليعاود مازن الدق هاتفا بصوت أعلى قليلا - هل الدكتور هنا ؟
ليشعر احمد بجسده ينتفض غضبا اشتعل أكثر مع دقة ابنه الأخير فيتحرك بعزم نحو الباب ناويا أن يوبخ ولده على دقه الباب عليهما في هذا الوقت المتأخر من الليل ولكنه توقف وصوت مازن المحبط والهاتف باختناق شعره بقوة : ماما هل تركتني ونمت ؟ أتبع بحشرجة انتقلت لحلق أحمد لا إراديا - حسنا تصبحين على خير يا حبيبتي .
انتفض جسد أحمد بقوة ليشعر بالبرد يكتنفه فجأة قلبه ينتفض بصراخ صم أذنيه فيدور من حول نفسه ثانية يخرج ملابسه قبل أن يرتديها بعشوائية غير معتاد عليها ثم يندفع مغادرا البيت بأكمله يتركها وراءه دون سبب سوى صراعه الذي لا يقوى على الهرب من بين فكيه !!
***
وقفت السيارة بباحة منزل جده ليهمس بصوت مختنق : شكرا يا عماه اتعبتك معي اليوم .
ليرمقه وائل مليا قبل أن يهتف بجدية : انزل يا ولد واصعد لزوجتك يكفيك ما عانيته اليوم فلا تدعني أزيد من معاناتك .
ابتسم أحمد ساخرا : لم يتبق شيء لك أعاني منه يا عماه ، أنا أشعر بروحي منهكة بشكل لا أقوى على الاستمرار معه .
رف وائل بعينيه قبل أن يهتف بجدية للسائق الذي يحتل مقعده : اتركنا من فضلك .
استجاب السائق على الفور ليترجل ويغلق الباب من خلفه مبتعدا عن السيارة بضعة خطوات أيضا قبل أن يهمس وائل بجدية : ما الذي يرهقك اكثر يا أحمد ، غضب خالد أم ما تفعله اميرة ؟ أم هؤلاء الذين يركضون من خلفك ؟
أشاح أحمد بعينيه بعيدا ليهمس بإجابة لم يتوقعها وائل قط : بل غربة روحي يا عماه هي أكثر ما يرهقني ويستنفذ طاقتي ، عقلي الذي يتساءل هل أنا مخطأ بجيناتي أم أن خطأي كان بسبب سوء تصرفي وسلوكي .
ربت وائل على ركبته مواسيًا ليهمس إليه : اسمع سأتحدث معك كولدي ، سأنسى أني أبو زوجتك وانك ابن أخت زوجتي ، الآن سأحدثك وكأنك ولدي الذي انجبته سأنصحك كما ينبغي علي نصح أدهم إذا كان بمكانك ، التفت أحمد إليه فتنفس وائل بقوة ليسأله بجدية – أخبرني عن أي خطأ تتحدث يا بني ؟ عن إخفائك أمرك عن أبيك وتشكيك به ؟! أم عن تورطك مع أولئك وأنت صغير ؟ أم عن كذبك علي بأمر عدم قدرتك على الإنجاب ؟ أم عن حرمانك لزوجتك من أمر فطري ورغبة جلية عند كل السيدات وخداعك لها ؟ لقد ارتكبت سلسلة من الأخطاء لا حصر لها يا أحمد ولكن كلها ليست نابعة من جيناتك كما تفكر وترتكن بل لأنك تركت خوفك يتحكم بك يا أحمد .
احنى أحمد رأسه بخزي فيبتسم وائل بألم لحال من يقابله قبل أن يهتف بصرامة : أرفع رأسك يا ولد ولا تحنيها قط وتعلم أن تصلح ما أفسدته دون إبطاء .
أتبع وهو يربت على كتفه – اليوم ستصعد لغرفتك وتنام قرير العين وفي الغد ضع خطة محكمة لتصلح كل ما أخطأت فيه وأفسدته بغباء لم يكن منتظر منك وأعلم أني للان لم أحاسبك على كذبتك ولكني سأنتظر الوقت المناسب واقتص منك يا زوج ابنتي .
ضحك أحمد بخفة لينظر لوائل بامتنان أزعج الأخير فيجذب أحمد الى صدره مربتا على ظهره بقوة : حمد لله على سلامتك يا أحمد ، حمد لله على سلامتك يا بني .
ضمه أحمد بقوة هامسا : سلمك الله يا عماه .
دفعه وائل بلطف : هيا اذهب ولا تنس أن تتحدث مع أخيك فهو كاد أن يجن غليك .
أومأ برأسه موافقا وهو يترجل من السيارة : سأفعل .
استل هاتفه بعدما غادرت سيارة حميه ليهاتف أخيه الذي أجاب على الفور : أحمد هل أنت بخير ؟
ابتسم في وجه عيد الرحمن الذي طل عليه ملامحه تتشكل بلهفة وشوق مزجا بخوفه عليه ليجيبه بعد أن زفر بقوة : بل أنا بألف خير ، طمئني على ماما .
تمتم عبد الرحمن : أنها بخير لماذا لم تأتي لتراها ؟
تمتم أحمد وهو يدلف إلى بيته : سأفعل غدا بإذن الله أوصل لها سلامي إلى أن أراها وأطمئن أنا بخير لا تقلق هل عمر عاد ؟
أومأ عبد الرحمن برأسه : ومع دادي يتحدثان منذ أن عاد .
ابتسم بتوتر داهمه ليهمس بجدية : حسنا يا عبد الرحمن سأمر عليكم في الغد الى اللقاء ، وتصبح على خير .
أجاب عبد الرحمن تحيته وهو ينظر له بتعجب قبل أن يغلق الاتصال المرئي ليترك الهاتف من يده ويجلس مفكرا في ذاك الأمر الذي اصدر إليه حتى لا يذهب لأخيه المقبوض عليه دون تبرير أو شرح ورغم استياءه واستنكاره إلا أنه حينما عاد أبيه وأخبره بتعجب عن السبب أخبره خالد بصوت مقتضب أن ينفذ الأوامر وحينما هم بالنقاش مع أبيه صمت وهو ينظر لعيني أبيه الصارمتين ليبتلع حديثه ويصمد بسكون مجاورا لأمه ومنتظرا بصبر أن يعود عمر ليستفهم منه عم يحدث ولكنه للان لم يستطع أن ينفرد مع أخيه ليتحدث معه وعقله يحاول تحليل كل ما يحدث لعله يستطيع أن يصل لحل لغز أخيه غير المفهوم لأي منهم !!
***
ترتجف وهي تحصل على حمامها المسائي المعتاد ورغم سخونة المياه إلا أن جسدها يرتعد خوفا .. قلقا .. وضيقا لأجله ، فمنذ أن علمت بأنه تم القبض عليه وهي تدور من حول نفسها وتشعر بروحها مختنقة .. هائمة و لا .. لا قرار لها ، رغم محادثتها لأبيها الذي طمأنها .. عاصم الذي قص لها الامر .. وعمر الذي أكد لها أنه سيخلى سبيله الليلة فالأمر ليس بالضجة التي يتناقلها الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، ولكن قلبها رغما عنها يؤلمها وروحها تتمزق لأجله ولولا وجود بعضا من العقلانية والصلابة تمسكت بهما كانت ذهبت إليه في محبسه ولكن أبيها أخبرها بحزم ألا تفعل وحذرها لأجل ذلك حتى لا تتناقل صورها الأخبار ويصنعون خبرا يضعونه على أغلفة صحفهم مشهرين بزوجها واسم عائلتها.
زفرت بقوة وهي تغلق المياه التي كانت منسابة فوق رأسها لتخرج من غرفة الاستحمام ترتدي مئزر استحمامها وتخطو بتعب نحو غرفتها تتجه إلى فراشها وهي تجفف خصلاتها الطويلة بانهماك وعدم تركيز ألم بها لتنتفض مجفلة حينما باعدت المنشفة الصغيرة عن رأسها لتشهق بمفاجأة وهي تنظر إليه يجلس على حافة فراشهما سترته ملقية بجانبه قميصه محلول الأزرار لمنتصف صدره جسده منطويا على نفسه فيسند مرفقيه لركبتيه ويضع رأسه بين كفيه في إنهاك ألم بكل خليه في جسده .. خصلاته مشعثه بسبب كفيه اللذين من الواضح أنهما مرا في شعره كثيرا وملامح وجهه يعتليها الإرهاق والكدر .
تحركت نحوه بعاطفة غريزية وحنان يحتل قلبها فقط لأجله لتتوقف في منتصف الطريق حينما انتبه لها ليرفع عينيه ينظر إليها نظرة مطولة بادلتها بنظرة أدعت بها لامبالاتها قبل أن تقطع اتصال نظراتهما بسؤال محشرج خرج من اختناق حلقها : ماذا تفعل هنا ؟
ارتفعا حاجبيه بدهشة تحولت في عينيه إلى حدة قبل أن يشد جسده بعنفوان ليبتسم ساخرا قبل أن ينطق : هل هذه حمد لله على سلامتك ؟ عامة سلمك الله يا زوجتي .
زمت شفتيها بضيق قبل أن تزفر بقوة لتهمهم : حمد لله على سلامتك ،
أشاح بعينيه بعيدا لتتابع - هل أنت جائع ؟! أخبر دادة تحضر لك الطعام .
هز رأسه نافيا ليهمهم بتعب رق لها قلبه : لا أريد أنا جائع للنوم ولكني أريد أن استحم أولا .
آثرت الصمت ليتابع بعد أن زفر بقوة : هلا حضرت لي الحمام وساعدتني أن استحم ؟
ارتجف فكها بشوق أخمدته لتجيب بثبات : لا ، رفع رأسه اليها بصدمة فاتبعت - لا يمكنني مساعدتك المعذرة .
تحركت بشموخ نحو غرفة الملابس وهي تتجاهل وجوده .. نظراته التي تتبع خطواتها .. وهدير قلبها الذي يتصاعد لأجله .
أغمض أحمد عينيه وأطبق بكفيه على الفراش بجانبيه قبل أن ينهض واقفا يشد خطواته بتثاقل يخلع ملابسه قطعة بعد قطعة في طريقه لدورة المياه التي دلف إليها ولم يهتم أن يغلق باباها من خلفه
خرجت بعد وقت ليس بقليل لتنتبه على صوت المياه المنساب بداخل دورة المياه الموارب بابها لتومض عيناها بغضب وهي تنظر لملابسه الملقاة أرضا بإهمال كعادته .
نفخت بقوة وهي تتماسك وتسيطر على أعصابها التي أصبحت على المحك ، تتحاشى النظر إلى ملابسه وتمنع نفسها بالقوة أن تلملمها من خلفه كما أعتادت منذ بداية زواجهما لتتحرك نحو الفراش وتدلف تحت أغطيته في طرفها الذي تنام عليه دوما بعد أن أدارت ظهرها لدورة المياه وأغمضت عيناها متحاشية أن تفكر فيه و فيم يريد و فيم سيفعل !!
أنهى حمامه بعد وقت طويل إلى ما هو معتاد عليه وكأنه كان يزيل عن جسده أثار الأيام الماضية التي عاشها بعيدا .. تائها .. وحيدا ، أغمض عينيه وهو يخطو نحو غرفة الملابس لم يطرف بنظره نحوها متحاشيً أن يقع بصره عليها وهي مستلقية بوداعة وتتدعي نوما واثق هو أنها أبعد ما تكون عنه ، زفر بقوة وهو يرتدي بعضا من ملابسه قبل أن يعود إلى الغرفة يصفف خصلاته بكفيه في طريقة عشوائية يفضلها ثم يتجه نحو الفراش ليجلس في مكانه المعتاد ويهم بأن يستلقي بجذعه ولكنه توقف حينما انتفضت جالسة تنظر إليه بغضب هامسة بحدة : ماذا تظن أنك بفاعل ؟
نظر من حوله ببرود ليجيب بلا مبالاة : أنام .
رفعت حاجبها ونظرت إليه باستهجان لتسأله بجدية : هنا ؟
نظر إليها بعدم فهم مفتعل : على حسب معلوماتي أنه فراشي يقع في غرفتي والتي تقع في بيتي ،
رفعت رأسها بإيباء : بل هو بيتي وهذه غرفتي وهذا فراشي .
أومأ برأسه موافقا ليكمل : نعم كل شيء هنا وفي البيت ملكك ولكن أنت وكل الأشياء التي تملكينها ملكي .. زوجتي .
ومضت عيناها بقهر لتهمس : لقد طلبت منك شيئا لم تلبيه للان .
هم بأن يسالها عنه ولكن نظراتها الوامضة بغضب أجبرته أن يتراجع ليجيب بجدية : يؤسفني أن أرفض أولى طلباتك يا أميرة ، فطلبك الذي تريدين لا أستطيع تلبيته .
ابتسمت ساخرة فاطبق فكيه وهو يتحاشى التفكير في شبهها الشديد الآن بابيها وخاصة حينما نهضت واقفة تنظر إليه من علٍ : لم يكن أول طلب ترفض تلبيته يا أحمد بك ، ولكن هذه المرة أيضا ليس لك خيار آخر إلا القبول والتنفيذ .
رفع عيناه إليها لينظر إليها برفض قاطع قبل أن يهمس : على جثتي ، ما تريدينه لن أنقذه مهما حدث ، حتى لو قام أبي بنفي وقام أبيك بطردي وتشريدي ، حتى لو قاطعتني خالتي وغضبت مني أمي ، ليشد جسده بصلابة ويهمس بفحيح متابعا – لو أجتمع آل الجمال وهددوا بقتلي وأزرهم أخوي لن أفلتك من بين يدي ، أنت خاصتي يا أميرة وابتعادك عني ليس خيارا مطروحا للنقاش من الأصل .
أعتلى الغضب ملامحها وجسدها يتشنج برفض : إذًا ستجبرني على البقاء بجوارك ، وماذا ستفعل في الأطفال سترميهم في البحر أم ستتخلص منهم لأنك لا تريدهم .
رمقها قليلا ليسألها بهدوء : أخبريني يا أميرة هانم متى أخبرتك أني لا أريد أطفالي ، على حسب علمي لم أطلب منك اجهاضهم حينما علمت بخبر حملك بل لم أعترض من الأساس على الخبر بل اعترضت على الطريقة التي أخبرتني بها .
رفعت رأسها بشموخ : حاولت إخبارك ولكنك ..
قاطعها : لنتخطى هذا الامر يا أميرة ، ما حدث قد حدث ، دعينا الآن فيم سيحدث مستقبلا ؟!
اكفهر وجهها لتصيح بحدة : لا والله ، وأنت ترى أني من المفترض الآن لأنك عدت وأصبحت هنا أن أتغاضى عن كل شيء حدث فيم قبل وأنظر معك نحو مستقبل لا أريد أن أكونه إلى جوارك .
مط شفتيه ليغمغم باستياء تعمده : حذار مما تتفوهين به يا أميرة .
ارتدت رأسها اليه لتعقد ساعديها أمام صدرها قبل أن تجيب بتحدي والسخرية تنبض بعينيها : وإن لم أفعل .
نفخ بقوة ليصمت قليلا مسيطرا على أعصابه وتشويش عقله الذي هي أحد أسبابه ليسألها بنفاذ صبر : ماذا تريدين يا أميرة ؟
هتفت على الفور دون تفكير : لا أريدك هنا ، عد إلى بيت والدتك ، أو اذهب إلى أي غرفة أخرى فأنا لا أريدك إلى جواري .
اختنق حلقه من رفضها الصريح ليجيب بجدية : لقد أخبرتك الابتعاد أمرًا ليس مطروحًا للنقاش وليس خيارًا يا أميرة .
هدرت وصدرها يلهث بانفعال فاشفق عليها ولكنه تماسك حتى لا يهداها : لا والله ولماذا كان لك اختيارا فتركتني وذهبت دون أن ترف بجفنيك .
هز رأسه باستياء ليجيب : ابتعدت لأنك طلبت مني هذا .
صاحت بقهر : وها أنا اطلبها منك ثانية .
قبض كفيه ليتنهد بقوة : للأسف هذه المرة لن أستطع التلبية يا أميرة ، كنت مخطئا المرة الماضية حينما استجبت لرغبتك ويؤسفني أني لن استجيب إليك هذه المرة .
رف جفنها لتطبق فكيها لتهز رأسها بعصبية : حسنا على راحتك ، أنت لا تريد المغادرة ، حسنا سأغادر أنا .
ارتدت خفها المنزلي لتتحرك بخطوات قوية نحو باب الغرفة ولكنه قفز واقفا أمامها مشرفا عليها هامسا بجدية : أخبرتك الإبتعاد ليس خيارا في حالتك .
نظرت إليه بثورة غضب : هل ستمنعني من مغادرة الغرفة أيضا ؟
أجاب بهدير قوي : وسأحبسك هنا إذا لزم الأمر يا أميرة فلا تدفعيني لفعلها ، أنا لن أغادر فراشي وغرفتي وأنت لن تفعلي أيضا .
هدرت بقوة : ولكني لا أريدك .
أجفل مرغما ليجيب بصوت مختنق : وأنا لن أجبرك ،
رمشت بعينيها لتتحرك مبتعدة عنه بعصبية : لم أقصد هذا ، قصدت أني لا أريدك إلى جواري .
ابتسمت ساخرا : أعدك أنك لن تشعري بي ، ارتجف جسدها بعصبية فتابع برفق – اهدئي يا أميرة ، اهدئي ليس لأجلك ولكن لأجل الأطفال الذين تريدينهم أكثر من أي شيء آخر بدنياك .
لمعت عيناها بجنون غاضب لتهمس من بين أسنانها بغل : لا شأن لك بي ولا بأطفالي ، أهتم بنفسك وبشؤونك من فضلك .
أومأ برأسه وهو يبتلع غصته التي تخنقه ليتحرك دون إجابة نحو الفراش ثانية فيجلس على حافته قبل أن يهمس : نامي يا أميرة ، اهدئي ونامي .
كتفت ساعديها لتدور من حول نفسها مرتين فتشعر بالدوار يلمها ليتأهب جسده باهتمام وهو يراقب انهيارها الوشيك ، تومض عيناه بوله وهو يراقبها تتنفس بعمق مرات كثيرة متتالية فتهدأ من ثورة غضبها لتشد جسدها بعنفوان أميرة محاربة ثم تخطو نحو الفراش لتجلس بمكانها تعيد ظهرها ، تسنده إلى ظهر الفراش وتكتف ساعديها بحركة رافضة لوجوده وجسد متشنج لمجاورته ، جسدها متأهب للفرار إذا اقترب منها ووجهها جامد بغضب يسيطر على عقلها .
تنهد بقوة وهو يردد على عقله أن يهدأ ، يخبر نفسه أن أمامه الكثير حتى يستطيع الحصول على غفرانها ويقوى على استردادها ، ليشرد بصره رغما عنه فيرمقها بطرف عينه ينظر إلى تكور بطنها الظاهر من خلف قميص نومها القطني الواصل لما بعد ركبتيها .. ثقيل قليلا يناسب الطقس الذي أصبح باردا ليلا نوعا ما ، بلون وردي باهت يليق ببشرتها وأكمام تخفي ذراعيها ومغلق لعظمتي ترقوتها .. شعرها يلمع بوهج الشكولاتة كعادته مصفف بعناية ومسترسل على ظهرها ليجف من المياه التي لازالت عالقة فيه ، وجهها صبوح غير متعب ممتلئ قليلا عن أخر مرة رآها فيها ، تنفس بقوة ليهمس أخيرا بينما يسترخي إلى جوارها في الفراش فيسألها بجدية : كيف حالك ؟ وحال الأطفال ؟ زمت شفتيها دون رد ليتابع بهدوء - كم طفلا تحملين؟
أشاحت برأسها بعيدا ليهمس باسمها في حدة آمرة خافتة لترد بشموخ : لا شأن لك.
ابتسم ساخرا ليجيب : لماذا أليس بأطفالي ؟ هل حملت فيهم بمفردك ؟ أنهم نتاج وجودي في حياتك !!
توردت مرغمة لتهمس باختناق أوشى بخجلها : بل حملت فيهم بمفردي وسأنجبهم بمفردي .
ضحك مرغما ليتحرك مستدير إليها يسألها بمرح تلبسه وهو ينام على جنبه ويتطلع إليها : اخبريني كيف حملت بهم بمفردك ، انقسمت على نفسك فحملت بهم أم ماذا حدث ؟
عبست بغضب لتهمس : توقف عن الوقاحة في الحديث .
أجاب ببساطة : أنت السبب تنكرين مجهوداتي المبذولة لأجلك .
غامت عيناها وتجهمت ملامحها لتجيب بخشونة : بل لأجل نفسك ، لو كنت تعلم أني أريد الإنجاب ما اقتربت مني .
ومضت عيناه ببريق ماكر ليجيب بضيق انتابه : بل كنت سأقترب ولكن كنت سأتخذ احتياطاتي ولكنك خدعتني يا ابنة خالتي ، أحييك على خداعك لي وأحييك على لعبتك التي حكتها بمهارة.
نفرت عروق رقبتها بغضب لتهدر بحدة وهي توليه نظرها : لم أخدعك ولم أتلاعب بك ، من يستمع إليك يحسب أني غررت بك لأجل أن تتزوج مني وأني لست بزوجتك ولها حق عليك .
أتبعت بإصرار وأقتناع وهي تواجهه بشموخ : الإنجاب حقي .. أخذته منك بعد وقت طويل حرمتني فيه حقي دون سبب مفهوم أو معلوم ، أنا استرددت حقي يا أحمد بك حقي الذي استكثرته علي ومنعتني عنه .
أطبق فكيه بقوة ليمط شفتيه بعدم رضا لتتابع بعد قليل : ثم أنا لا أجبرك على شيء لا تريد أولادًا حقك اتركني لشأني أنا وأولادي .
هدر بتملك وهو ينتفض جالسا : إنهم أولادي أيضا لا تنسي هذا الأمر قط ، أتوا عن طريق خدعة أتوا بالتراضي أنهم أولادي وسيظلون أولادي .
رمقته قليلا من بين رموشها لتهمس أخيرا بفحيح وعيناها تومض بانتقام : أتعلم لم أحسب هذا الأمر ضمن خطتي ولكن الآن وأنت تعلن امتلاكك لأبنائي اللذين لا تريدهم فكرت لماذا لم أتركك وذهبت لأتزوج من آخر وأنجبت منه بدلا من أن آت بأولاد ينتمون إلى أب لا يريدهم ؟!!
اتسعت عيناه بصدمة تحولت على الفور لغضب جنوني استشعرته في نفور عضلات جسده الذي تأهب بثورة ليهمس بنبرة أخافتها وهو يقبض بكفيه على شرشف الفراش بجانبيه وكأنه يمنع نفسه من أذيتها بالقوة : ماذا قلت يا ابنة الوزير ؟
همت بالحديث ليقاطعها وهو يقبض على تلابيب قميص نومها ينتزعها من مكانها ، يقربها منه فتشهق بخوف وهي تقابل عينيه اللتين انقلبتا من اللون العسلي للأحمر القاني يهزها بتوعد فترتعد برعب ليتابع بنفس النبرة : إياك أن تنطقي هذا الهراء ثانية أسمعت ، المرة القادمة سأقص لسانك وأرسله لأبيك وأخبره بم قلت ليشد على كفي مؤازرا ،
دمعت عيناها رغم عنها ليكمل : أنت ملكي .. خاصتي .. زوجتي .. وستظلين زوجتي لآخر دقيقة بعمرك وعمري ، أفهمت ؟
أومأت برأسها اي إيجابا دون وعي ليكمل أمراً : اخلدي إلى النوم بدلا من أن أخرج كل جنوني الذي أثرته الليلة عليك ، لولا حالتك هذه وبطنك المنتفخ هذا لكنت اثبتّ لك ملكيتي وحقي فيك بطريقة كنت ستتذكرينها لآخر عمرك ولكن لا يهم لدينا أيام كثيرة قادمة سأحرص فيها على تذكيرك كل يوم بأنك زوجتي.
أفلتها لتبتعد سريعا عنه فاكمل وهو يتحرك مبتعدا يغادر الفراش : نامي ولا تخاف لن اقربك أبدا ضد رغبتك لم أفعلها من قبل ولن أفعلها أبدًا إلا حينما تطالبين بحقوقك في يا زوجتي العزيزة.
***
تزم شفتيها بضيق وهي تجلس مجاورة له ، لا تنكر ضيقها ولا تحاول التحكم في غضبها الوامض بعينيها ، زفر بحنق ليهمس من بين أسنانها : توقفي عن العبوس .
رمقته بطرف عينها لتتمتم بتحدي : لن أفعل .
سألها بحدة : ماذا حدث لكل هذا ؟
التفتت إليه تحدثه بخفوت فأصبحت قريبة منه للغاية : أنت تعلم يا عاصم فتوقف عن المراوغة.
نظر إليها حانقا : لا أراوغ ، لقد انتهينا من هذا الأمر ، أنت المخطئة لأنك انتقيت هذا الفستان الأشبه بقميص النوم ؟ ولي خطأي أني اعترضت عليه !
كتفت ساعديها لتجادله بضيق : إنه فستان يا عاصم وليس قميص نوم ثم أنه ط يحمل توقيع مصمم عالمي أنت من لا تفهم .
رمقها مطولا ليجيب بهدوء ونبرته الآمرة تتجلى بصوته : لا يهم فهمي من عدمه فهذا الفستان لن ترتديه ثانية إلا لأجلي بجناحنا الخاص ولا يهمني يحمل توقيع مصمم عالمي أم أتيت به من فرنسا بأسبوع الموضة هذا الفستان لن ترتديه ثانية إلا لأجل أن تتزيني لي .. لزوجك .
اقترب منها ينظر لعمق عينيها فأصبح رأسه موضوع برأسها كاثنين يتغازلان لا يتشاجران كما يحدث معهما ليتمتم هو بهدوء : أنا لا أريد أن أضيق عليك الخناق يا نوران ، لا أريد أن أملي عليك أفعالك .. تصرفاتك .. او انتقائك لملابسك ، بل كل ما طلبته أن تحترمين مشاعري .. غيرتي .. وحميتي على ما أمتلك .
لانت ملامحها بابتسامة داعبت ثغرها لتهمس وهي تفرد راحتها على كتفه القريب : وأنا ما تمتلك ؟
ابتسم بمكر ليلتهم ملامحها بنظراته : هل عندك شك يا زوجتي ؟
هزت رأسها نافية لتمط شفتيها بدلال يأتي بثماره سريعا معه : هل إذا طلبت منك شيئا ستنفذه لي متفهما غيرتي وامتلاكي أنا الأخرى ، أم سترفض دون اهتمام بم أريد ؟
احتضن كفها للآخر براحة يده ليسألها بجدية : منذ متى لم أهتم بم تريدين يا نوران ؟
مدت شفتيها للأمام فابتسم بخفة ليهمس : توقفي عن إغرائي إلا لو تريدين افتعال فضيحة هنا .
ضحكت برقة لتهز رأسها نافية قبل أن تهمس بصوتها الأبح : أريد أن نرقص سويا حينما يدعون الثنائيات للرقص ، عبس بعفوية وتألق الرفض بعينيه لتتبع بدلال مغوي - أرجوك يا عاصم ، لأجل خاطري .
تأملها مليا لتحثه بنظراتها على الموافقة فيرفع كفها ليقبل باطنه مودعا شوقه لها قبل أن يمأ إيجابا هامسا : أمرك يا مدللتي .
اتسعت ضحكتها بإشراقه ومضت بعمق زيتونيتها ليهم بالحديث ولكنه توقف حينما التقط اقتراب أدهم من طاولتهم ليهتف بتعجب : أدهم .
تنبهت لوصول شقيقها الذي اقترب منهم يصافح عاصم قبل أن يضمها مقبلا جبينها وعاصم يسأله بجدية : هل أتيت بدلا من عمي ؟ ألم يقوى على حل أمر أحمد لذا لم يأتي ؟
أشار إليه أدهم نافيا بكف يده : بل أتيت معه ولكنه تأخر للمباركة لعبد المعز باشا وزوجته ووقف هو ومامي يتحدثان معهما فاستأذنتهما وأتيت لكما .
أومأ عاصم ليسأل باهتمام : هل خرج أحمد وعاد لبيته ؟
أومأ أدهم برأسه : وأوصله بابا بنفسه للفيلا أيضا وأعتقد أنه يخلد إلى النوم الآن ، فهو عاد رأسا لبيته بعدما حدث ماما وخالتو وطمأنهما عليه .
اقترب عاصم منه ليسأله : هل هو بخير ؟
ابتسم أدهم ليربت على ساعد عاصم : لا تقلق بألف خير وبابا حل الأمر فقط أمر عدم السفر هو ما يثير ضيق معاليه ولكن أعتقد أنه اجراء روتيني .
أومأ عاصم متفهما : نعم فقط حتى حين إغلاق ملف المخالفات وسيعود كل شيء لما كان عليه
تصاعدت موسيقى هادئة من حولهم لتهتف نوران بدلال : هيا يا عاصم لنرقص ، الآخرون بدوءا الرقص .
مط عاصم شفتيه ليهتف أدهم : إذا لا تحبذ أن تراقصها سأفعل أنا .
دفعه عاصم بلطف : ابتعد يا ولد عن زوجتي .
ضحك أدهم ليجيب بعناد : أنها شقيقتي يا ابن العم ، ابتسم عاصم وهو يقترب من نوران ليتابع أدهم - عامة اذهب وراقصها وأنا سأجد من ترافقني .
التفت أدهم ينظر للعروسين ليكمل بوقاحة : و يا حبذا لو قريبة هذه العروس ذات الوجه الملائكي والطلة الآسرة
استدار إليه عاصم ليقترب منه محذرا على الفور : إياك يا أدهم لا تنظر نحو العروس ولا تغازلها حتى لو مزاحا ، زوجها مجنون ومن الممكن أن تتسبب في كارثة كبيرة نحن بغنى عنها .
رفع أدهم حاجبيه بتعجب ليهم بالحديث ولكن صوت نوران التي جذبت عاصم بدلال طفولي اسكته ليمأ برأسه موافقا وهو يجيب عاصم : حسنا لن أفعل لا تقلق .
رمقه عاصم بنظرة محذرة وهو يبتعد عنه ليتجهم وجه أدهم وهو ينظر للعروسين من جديد ولكن نظره يستقر على الزوج المجنون كما لقبه عاصم ليمط شفتيه بتعجب وهو يفكر في هذا الوسيم الذي يجن غيرة على زوجته وعيناه تستشيط غضبا الآن وهو يناظر ابن عمه الذي يراقص شقيقته ليضيق عينيه مفكرا وحدسه يخبره أن هناك أمر ما بين ذاك الشخص وابن عمه الأكبر ، أمر مخفي من الواضح أن لا يعرفه أحد !!
انتبه على اقتراب والديه فيبتسم بمرح أغشى حدقتيه ليرحب بهما ويجلس معهما يثرثر مع والده عن أمر ما يخص دراسته فينصت له وائل باهتمام وعيناه تموج بترقب لنظرات زيد الكارهة والموجهة لعاصم فيلهث قلبه بدعاء مكبوت داخل صدره لابن أخيه ووريثه البكري .
***
تنفس بعمق وهو يخطو داخل غرفتهما بعد وقت طويل قضاه خارجا يحاول أن يسيطر على أعصابه التي اتلفتها بطريقة لم يعتاد منها عليها ، زفر بقوة وهو ينظر إلى جسدها الملتحف بغطاء خفيف كما تفضل ، غطاء انحسر عن جسدها فاظهر مفاتنها وكشف عن ساقيها العارية بعدما ارتفع قميص نومها قليلا إلى منتصف فخذيها ، تحكم في أنفاسه التي تعالت بشكل ملحوظ ليستلقي بجوارها وهو ينظر لسقف الغرفة قابضا كفيه مانعا نفسه من ملامستها ومتحكما في جسده الذي يتوق إلى أن يغرق في عبير وجودها ، كاتما لنفسه حتى لا يلتقط رائحتها التي تسللت نحوه فملات رئتيه رغما عنه فانحنى قلبه خضوعا وأعلنت روحه تمردا وتحرك جسده غير واعيا ليستلقي على جنبه فينظر إليها يملأ عينيه بملامحها الناعمة المستغرقة في نومها .
رف بعينيه وعقله يعيد عليه هذه الذكرى البعيدة في أول زواجهما فيعبس بتعجب بشعوره الذي يعود لتلك الليالي التي كان يقضيها مستغرقا في ملامحها غير مصدقا أنها تجاوره فراشه ولا يقربها ، التمعت عيناه وهو يتذكر ليبتسم ثغره عفويا بذكرى ليلة زفافهما وأنه انتابه حينها ذهولا عارما حينما عادا إلى البيت فترك لها غرفتهما لتبدل فستان زفافها وحينما دلف بعد كثير من الوقت وجدها مستلقية بمنتصف الفراش وتغط في نوم عميق ، فعبس بتعجب ليرفع الغطاء فيندهش من منامتها الحريرية البيضاء الأنيقة التي ترتديها فتلتف حول جسدها الغض وتخفيه عن عينيه حاول أن يقترب منها ويهزها برفق ، بل أنه حاول إيقاظها بحنو ولكنها كانت تغرق في سبات عميق أصابه بإحباط امتد لصباح اليوم التالي حينما استيقظت وقبلته في وجنته لتهتف به في رقة أنها تريد الذهاب إلى والديها فهي اشتاقت إليهما ، حينها تأملها مليا قبل أن يهمس باقتضاب أنهما سيأتيان لزيارتهما بعد قليل ، فصفقت بجزل وهي تعدو عائدة إلى غرفة النوم لتستعد إلى مقابلة عائلتها و يا ليته ما أخبرها و يا ليتها ما استعدت فلقد ارتدت فستان أبيض منفوش يشابه فساتين الأميرات بصدر وظهر عار وحمالتين رفيعتين كلما تحركت سقطت إحداهما فيرتفع ضغط دمه إلى معدلاته القصوى وخاصة أنه لم يتسن له الاعتراض عليه بل حينما رآها صدح صوت رنين جرس الباب فقفزت مهللة بقدوم أهلها ، ولكنه كاد أن يدق عنقها حينما توافد بعد دخول خالته وزوجها زوجي الخيل ابني عمها فيضماها بحنو ويقبلان رأسها بعفوية أحرقت خلاياه
حينها زم شفتيه حتى لا يفتعل مشاجرة معهما ، مشاجرة سيتفهمها عاصم ويستغلها عمار ليزيد من غيظه وحنقه عليها ، فصمت مضطرا وأطبق فكيه بقوة وخاصة حينما صافحه عمار وهو يبتسم بمكر أراد حينها أن يلكمه فيكسر له أسنانه ، واستمرت الجلسة التي أشعلت النار في قلبه يشيح بنظره بعيدا عنها حتى لا يحترق بدلال أبيها لها واستحواذه عليها وحينما يتوقف أبيها يتبارى عمها في إظهار حبه لها ، فتضحك برقة وتحرك كتفيها بدلال يعبث بخلايا عقله حينما يسقطا حمالتي كتفيها ، فانتفض فجأة واقفا وهو يبتسم باقتضاب معتذرا لهم وهو يسألهم عم يفضلونه من مشروبات ، همت بالوقوف لتتبعه فيتمسك بها أبيها ويجلسها الى جواره مرة أخرى فتهتف خالته وهي تتبعه : أنا سآتي معك يا حبيب قلب خالتك
ابتسم بتوتر لترمق خالته زوجها بعتب فيهز كتفيه دون اهتمام لتحرك رأسها بيأس وتجاوره إلى المطبخ وتسأله بصرامة عم يضايقه فيجيبها بلا شيء .
نظرت إليه مليا لتهمس باسمه في صرامة فيزفر بضيق يسألها بخفوت ولكن بوضوح : هل أخبرت أميرة عم سيحدث بيننا يا تامي ؟
رفعت حاجبيها بذهول لتتمتم بدهشة : وهل هناك فتاة لا تعلم يا أحمد ؟
أطبق فكيه بقوة ليتمتم بحدة خافتة : ابنتك .
حينها ضحكت فاطمة بدهشة قبل أن تتجمد ضحكتها وهي تعي جديته لتتسع عيناها وتهتف بصدمة : وماذا فعلت بها ؟
تنهد بحرقة : لا شيء يا خالتي ، ابنتك بدلت فستانها وخلدت إلى النوم دون أن تمنحني تحية المساء
الجمت الدهشة لسانها قبل أن تتمتم : سأتحدث معها
__لا ، نطقها بصرامة ليتبع - أنا كفيل بها .
يتذكر ملامح وجه خالته التي ازدردت لعابها بتوتر ، تنظر إليه باستفهام متوجس فابتسم بها مطمئنا : لا تقلقي يا تامي أميرة تاج على رأسي وقرة عيني لن اؤذيها أبدا .
عاد عقله من ذكراه البعيدة بتساؤل قوي " أو لم تفعل يا أحمد ؟! " اختنق وهو يتحاشى الإجابة فتلتقط عيناه دموعها التي بللت وسادتها وظلت بقاياها معلقة برموشها فتكن أبلغ إجابة على تساؤله ، اقترب منها أكثر وقبل جبينها ، لامس خصلاتها بحنان وهو يفكر بأنه اخطأ معها وعليه أن يصلح اخطاءه الكثيرة في حقها ، تنفست بطريقة طفولية أثارت ابتسامته من جديد وعقله يعيد عليه هذه الذكريات البعيدة في دهشة غمرته وهو يتذكر أنه ظل بعد يوم صباحيتهما يتقرب منها تدريجيا حتى لا يخيفها فهي لا تخافه ولكنها تخجل منه بطريقة تفقده صوابه .
ثقلت أنفاسه وهو يستعيد مشاعره كلها هذه الليلة التي لم يقوى على الصمود فيها فتلتمع عيناه ببريق شغوف كبريق تلك الليلة البعيدة جدا والتي كانت الليلة السابعة لزواجهما .. الليلة السابعة على التوالي التي كان ينظر إليها – فيها - تهنأ بنوم لا يداعب جفنيه منذ زواجهما فهو يشتعل يوميا وهي بقربه دون أن ينالها ليس لعجز فيه ولكن لقلة خبرتها .. رقتها المتناهية .. وخجلها الطاغي ، تبهره بتورد وجنتيها فيتلهف لقطفهما بقبلات متمهلة .. مستمتعة .. تفيض بحبه لها ، ولكنه يخاف أن يتمادى فيرهبها ، أو ينالها فيخيفها ، فهي جاهلة بم يريده منها ، مع تعجبه الشديد لأن تكون هناك فتاه في عصرهم الحالي لا تفقه ما يحدث بين الزوجين ولكن هي كذلك لا تعرف شيئا ، تنهد بقوة لترمش وهي تتململ في نومتها وتفتح عينيها بدهشة حينما رأته يحدق بها فابتسمت برقة : لازلت مستيقظ ؟
ابتسم بحنو وهو يقترب منها يربت على رأسها : آسف ايقظتك
اتسعت ابتسامتها وهي تعتدل بجسدها لترفعه قليلا عن وضعية الاستلقاء وتهمس بصوت أبح وهي تركن رأسها للوسادة خلفها : لا عليك ، ولكن لماذا أنت مستيقظ إلى الآن ؟!
تنهد بقوة وهمس : أنا مشتاق وعندي لوعة .
ضحكت برقة وأكملت له : ولكن مثلي لا يذاع له سر
تأملها ليهمس : لم يعد سرا يا أميرتي ، لقد أصبحت زوجتي على الملأ بشهادة العالم أجمع
توردت وهتفت بفرحة : أعلم وسعيدة بزواجنا
تمتم بقنوط : ولكني لا زلت مشتاق وعندي لوعة
عبست بتعجب : لماذا أنا معك الآن بجانبك وإلى جوارك .
شعر بالتوتر يداهمه قبل أن يسألها بجدية : هل درست التزاوج يا ميرا ؟
رفعت حاجبيها بذهول قبل أن تتمتم : ما دخل هذا بكلامنا ؟!
سحب نفسا عميقا قبل أن يزفره بقوة : سأخبرك
كتم ضحكته بصعوبة وهو ينظر إلى ملامحها المكفهرة .. عيناها المتسعة بصدمة .. وجسدها المتصلب بتشنج ظهر في استقامة كتفيها ، ليقترب منها ويحاول أن يمسد كتفيها قبل أن تهتف هي بحدة : لا تلمسني
تراجع بهدوء وهو ينظر إليها عن كثب : أميرة حبيبتي لا داع إلى الجزع ، أنه أمر طبيعي ألم تري والديك من قبل ؟
التفتت إليه باستنكار ليلوي شفتيه بحنق : لا تنظرين هكذا ، إن والدك لا يترك مناسبة إلا أن يهيم بتامي ولا يهتم بالناس .
ازدانت وجنتيها بتورد وهمست بتلعثم : نعم رأيته يقبلها يحتضنها يحملها وأنت فعلت ما هو أكثر لقد ضممتني وأنا نائمة أكثر من مرة .
نظر إليها بذهول قبل أن ينفجر ضاحكا رغم عنه ليتمتم من بين ضحكاته : فعلت ما هو أكثر مما يفعله وائل ، أباك موسوعة يا ميرتي ، تخيلي رغم اني لا استلطفه وهو لا يحبني ولكن في هذه النقطة أنا انحني له إجلالا وتقديرا .
تمتمت بعدم فهم : ماذا تقصد ؟!
تنهد بقوة واقترب منها ليلامس كتفيها برقة : فقط اهدأي وكوني على طبيعتك
استرخى جسدها بالفعل وهي تستجيب إلى لمساته التي حطت على كتفيها برقة تحولت إلى شغف وهو يدلك عنقها بأطراف أنامله قبل أن يبدا في تقبيل بشرتها الدافئة لتغمغم باسمه فيشعر بجسدها ينصهر تحت لمساته وقبلاته التي رفرفت على جسدها ليغرقها في غيمة سكرية ويحرص ألا تعي لما يحدث معها لا يمنحها سوى هذا الشعور الجميل الذي يدغدغ أطرافهما سويا ، فتعض شفتها برقة وتتأوه بصوت مكتوم تنادي عليه وتهمس له بكلمات غير مترابطة التقطها جميعا بشفتيه اللتين تقبلاها بتوق وأنفاسه تلهب وجنتيها حينما لهث بقوة يدعوها باسمها فتنظر نحوه فيأسرها بعسل حدقتيه الذائب ليعاود ترديد اسمها بصوت اجش أضاع ادراكها ، يشبك كفيه بأصابعها يحتويها بجسده ويحاوطها بمشاعره يمنحها حنانه ويدللها بكلماته يهمهم اليها أمرا: انظري الي يا أميرتي .
فترتجف بين ذراعيه وهو يمتلكها كاملة ليتعهد إليها بحبه .. يعدها بعشقه .. ويقسم على ولاءه التام لها .
دون وعي جذبها إلى صدره ليضمها بتوق وشوقه يتلاعب بخلايا عقله المنهكة فترتجف بين ذراعيه تفتح عيناها مستيقظة لتسقط في فخ عيناه اللامعة بلهفة امتلكت قلبها دون أن يهمس إليها بحرف لتتعالى انفاسه فتتسع عيناها بذعر ورفض لم تقوى على النطق به وخاصة حينما أمتلك شفتيها في قبلة طويلة .. قوية .. متلهفة .. شغوفة ، أخبرها من خلالها عن كل ما عاناه الفترة الماضية وهو بعيد عنها ، ليتركها أخيرا بعدما تهدجت أنفاسها ودفعته بلطف في كتفيه همت بأن تصرح باعتراضها ولكنه لم يمهلها الوقت حينما سقط نائما وراسه تستقر بحضنها !!
لهثت بقوة وهي لا تصدق ما حدث تستعيد رباطة جأشها التي بعثرها بقبلة واحدة دكت حصونها لتغمض عينيها تخفي شوقها إليه بداخلها ولكن جسدها خانها فارتفعت ذراعيها وضمته إلى صدرها تمنحه السكينة التي يحتاجها قبل أن تغفى هي الأخرى وتخلد إلى النوم في أمان أقره بوجوده معها .
***
تعد في سرها بتكرار بطيء الأرقام التي تعرفها تكتم أنفاسها تحت المياه كعادتها تتحمل أنين رئتيها وتجبر نفسها على الاستمرار لعلها تنال خلاصها هذه المرة فينتهي عذابها الذي اكتشفت أنه بدأ للتو .
فما حدث بينهما منذ ساعات قليلة لم تعانيه أبدا معه من قبل ، لقد اكتشفت في غمار ما فعله بها كم كان يكبح نفسه عنها .. يتحكم في رغبته لاستعبادها .. ويقلص إجباره لها في بعض أشياء لم يعد يحتاجها منذ أن أقام زفافهما ، وهو الذي لم يطق صبرا فأنهى الزفاف قبل موعده فتندر الجميع على العريس الملهوف لعروسته وهو بالفعل كان متلهفا لها .. متلهفا لإخضاعها .. إجبارها .. وامتلاكها فلم يطق صبرا أن تخلع عنها رداء عرسها بل مزقه من فوق جسدها ليكشف عن لحمها الأبيض ثم يشمها بكل ما فيه ويدنسها كما لم يفعل من قبل ، لطالما رأت نوبات جنونه بها .. تحكمه فيها .. وإخضاعها لما يريده ، لأنها لم تكن تماما له فظنت أنها حينما تكون عروسه سيتوقف ما يفعله بها .. سيمنحها دلالا ويشبعها حبا ولكن ما فعله الليلة لم يكن إلا امتلاكا .. إجبارا .. واغتصابا فهو لم يلق بالا بتمنعها الأنثوي ولا حيائها الفطري بل لم يلق بالا لاعتراضها .. توجعها .. اهاتها .. ودموعها التي سالت تحت وطأة تكرار امتلاكه لها دون مراعاة لها ، بل أنه كاد أن يلطمها حينما رفضته بالمرة الأخيرة لولا خشيتها التي تجسدت بعينيها وخوفها الذي شكل ملامحها فتراجع عن ضربها ولكنه لم يتراجع عن إذلالها وهو يمتلكها دون اهتمامه برغبتها ليفك أسرها في الأخير حينما مل أو تعب لا فارق عندها كل ما همها أنه تركها لتهرع الى دورة المياه تغلقها من خلفها جيدا لتستفرغ كل ما بجوفها دون صوت خوفا من ردة فعله على اشمئزازها منه . ثم تنهض لتملئ حوض الاستحمام بالمياه وتغطس فيها بأكملها تتمنى أن تلقي حتفها على العودة إلى فراشه من جديد .
طرقات خشنة على باب دورة المياه أجبرها على الانتفاض لتستقيم جالسه وهي تسعل بعنف تشهق بقوة لتملئ رئتيها اللتين كادتا أن تتمزقان مطالبة به لتحاول أن تجيبه أنها بخير حينما استمعت إلى صوته الغاضب يناديها ولكنها لم تستطع ليجن جنونه وهو يصرخ بها من الخارج أن تفتح فلا تدعه يقتحم عليها دورة المياه لتهم بالإجابة ولكنها توقفت وعيناها تتسع بذهول حينما انفرج الرتاج الإلكتروني أمام عينيها دون أن تتحرك هي ليدلف بعصبية وهو يحمل جهازاً صغيرا فأدركت أنه من تحكم بالرتاج من الخارج وأكد ظنها حينما هتف : هل تتوقعين أنك تهربين مني وتغلقين عليك ، لا مجال لفرارك يا أسيل . أسمعت أنت أصبحت زوجتي فلا ابتعاد أو هروب بعد الآن .
أَنّت روحها ببكاء استفاض من عينيها لينتبه اخيرا لجلستها بحوض الاستحمام تضم جسدها وتنطوي على نفسها ليهرع إليها دون تفكير هاتفا بخوف غريزي عليها : ماذا حدث ؟ هل أنت بخير يا حبيبتي ؟
هم بأن يضع كفه على رأسها فأشاحت بعيدا ليزم شفتيه بضيق وهو يستمع إلى بكائها الذي أخذ في التزايد فيزفر حانقا وهو ينظر لها مليا قبل أن ينهض واقفا يسحب المنشفة العريضة ليجبرها أن تنهض معه يسيل الماء الجاري فوق رأسها ليلفها بالمنشفة ويحملها للخارج بحنان اختفى فيم بينهما منذ وقت طويل هم بأن يعيدها لفراشهما لكنه توقف وهو ينظر لملاءة السرير ببقعة الدماء الكبيرة التي تلوثها ليرف بجفنيه كثيرا قبل أن يدور من جديد على عقبيه متجها لأريكة كبيرة موضوعة بجانب الغرفة الواسعة ليضعها بها ثم يأتي بغطاء ثقيل يدثرها به قبل أن ينضم إليها يجذبها إلى صدره يقبل رأسها وجبينها وهو يضمها إليه هامسا بخفوت شديد : أنا آسف .
نهنهت بالبكاء وهي تهذي بكلماتها تشكوه : أوجعتني .. كدت أن تضربني .. أنا زوجتك .. أنت .. صمتت لتنوح وهي تتابع بقهر - أنت اغتصبتني يا زيد .
رمش بعينيه كثيرا وهو يضمها اكثر إليه يزرعها داخل صدره لعلها تكمل هذا النقص الذي يميته .. يقهره .. يشل تفكيره و يشعره بعجز لا يقوى على التعامل معه فيطير عقله وكل ما يفكر فيه أن بامتلاكها سيكتمل . اختناق قوي ربض بحلقه وهو يتذكر نظراتها المتمنية التي اتجهت نحو الآخر ذاك الراقي ابن الباشوات والذي راقص زوجته بأناقة تماثل كل تصرفاته فوجد نفسه يستشيط غضبا ويحترق بغيرته التي أعمته فيدور برأسه إليها ليلتقط وميض مرق بعينيها هو الوحيد من أدركه رغم ادعائها البرود واللامبالاة إلا أنه احس بتمنيها .. بنظرتها .. و نعيها لحظها .. و وداع لآخر لم ينظر نحوها قط ، فهو يدرك جيدا أن عاصم الجمال يعشق ابنة عمه من الصغر عشق كلله بارتباطه بها وعقد قرانه عليها ، فهو حينما جمع عنه الكثير والكثير اكتشف أن قصة عاصم ونوران قريبة للغاية من قصتهما ولكن شتان الفارق بينه وبين عاصم الذي عاش راهبا في محراب عشقه لسنوات عمره بأكمله ليفوز بمن أرادها بالأخير ، بينما هو ذّل ففقد حبيبته .. قلبها .. واحترامها إليه وهمت بالفرار من بين أصابعه ولكنه أحكم عليها قبضته الحديدية ليوثق الليلة امتلاكه لها برأس فائر وعقل غاضب وغيرة مشتعلة وكانه أراد أن يخبرها بطريقة عملية أنها أصبحت له فلا تنظر لآخر غيره لأنها شاءت أم أبت فهي ملكه .ربت على رأسها بضعة مرات متتالية حتى توقفت عن البكاء ليضمها إليه أكثر ويقبل وجنتها قبل أن ينهض من جوارها يفكر بأن ينزع ملاءة السرير ويبدلها بأخرى ثم يلبسها بعضا من ملابسها ويبدل ملابسه التي من الواضح أنها ابتلت بمياه استحمامها فهو يشعر بثقل نصف قميص منامته الأسفل مبتل ، فيخفض رأسه بعفوية لتتسع عيناه بذعر وهو ينظر لبقعة الدماء الواسعة التي تلطخه فيعود برأسه من جديد لها يهرع إليها يكشف الغطاء ليسقط قلبه بين قدميه واهنا وهو يراها غارقة في بركة صغيرة من دماءها .
***
بعد اسبوعين
يخطو بثبات داخل أروقة المؤسسة يحي العاملين بتحية هادئة من رأسه وابتسامة طفيفة تداعب ثغره متحاشيً التساؤلات التي تلمع بالأعين عن كونه متواجد في هذا الوقت المبكر عن موعده بساعتين كاملتين كان من الممكن أن يقضيهما في بيته .. فراشه .. أو مع زوجته فيطرق رأسه مفكرا في زوجته التي تتحاشاه .. تتجنبه .. تحيا بجواره وكأنه ليس بمتواجد في محيطها فهي لا تنظر إليه ولا تتحدث معه ولا تجتمع بجواره في طاولة طعام تضمهما بل هي تختلق الأفعال حتى تهرب من رؤياه الأمر الوحيد الذي يجبرها عليه ويكره نفسه لأنه يفعل هو الخلود إلى النوم داخل ذراعيه ورغم أنه يعلم برفضها وعدم رغبتها في النوم إلى جواره إلا أنه لا يهتم فهذا الفعل الوحيد الذي يجعله قادرًا على المواصلة والعيش في ظل رفضها الصريح له.
زفر بقوة وهو يدافع إلى مكتبه يستمع إلى مساعدته التي تقرير عن جدوله اليوم المزدحم إلى ما بعد الظهيرة وتخبره بالاجتماع الهام في العاشرة اليوم لإتمام الاتفاق مع الشركة الاورواسيوية ليهتف بها متسائلا : هل أدهم بك وصل ؟
همت بالحديث ليدق الباب دقة خفيفة مرحة وصوته المشاكس يصدح بقوة : هاك أنا ذا يا أبيه ، لم أتأخر كما وعدتك .
أشار لمساعدته بالانصراف بعد أن طلب منها أن تأتي إليهما بالقهوة ليستقبل أدهم الذي دلف بأريحية يمأ للفتاة برأسه في تحية تبدو مهذبة قبل أن يجلس على الأريكة بعدما استقبله احمد سائلا : هل أنت مستعد يا لك ؟
أومأ أدهم برأسه : بالطبع مستعد .
أشار إليه بجدية : حسنا أخبرني باستعداداتك الأخيرة قبل الاجتماع .
اعتدل أدهم بجلسته في اتزان ليبدأ في الثرثرة إليه بالكثير الذي يخص الاجتماع الذي سيبدأ في غضون ساعات .
***
دلفت إلى الغرفة بخطوات متسارعة في عادة صباحية حينما يكن لديها متسع من الوقت قبل مرورها وبدء مناوبتها الصباحية فتمر عليه لتمنحه تحية الصباح وتطمئن عليه قبل مداومة عملها وقبل أن يذهب هو إلى صالة العلاج الطبيعي للتمرن أو حصوله على إحدى جلساته التي يبلي فيها بلاء اكثر من حسن يعجل من شفائه وخروجه بإذن الله .
عبست بتعجب وهي تنظر للفراش المبعثرة اغطيته و الفارغ منه ، لتتسأل أين ذهب ؟! نظرت إلى معصمها تتأكد من الساعة لتجد أنها مبكرة للغاية عن موعد عملها وعن موعد جلساته فهي أتت وكان بنيتها تناول الإفطار معه ولكنه ليس هنا ، لفت برأسها تنظر لباب دورة المياه المغلق لتفكر هل هو بالداخل ، هزت رأسها بعدم معرفه قبل أن تستدير ناوية الخروج لتسأل عنه ممرضته أو أخيه فتجفل بوجل وهي تنظر إليه أمامه يقف مستندا إلى الحائط خلفه بعدما دفع الباب بهدوء ليغلقه ويتم إغلاقه بالمزلاج الإلكتروني من الداخل .
توردت بخجل وهمست باسمه في خفوت وهي تتحاشى نظراته المتأملة لها ليجيب بصوت أجش وهو يتفحصها بوله : تعالي فأنا لا أقوى للسير دون العكاز وأنا لن أسير إليك مستندا لأي شيء آخر سواي .
تحركت متجهه نحوه لتهمس بعتاب وهي تخفض بصرها عنه : لماذا أرهقت نفسك في النهوض يا أسعد ؟
مدت كفها إليه لتساعده كما طلب منها وهي تظن أنه يريد العودة للفراش ليضع راحته في كفها قبل أن يشبك أصابعه بأصابعه ويجذبها إليه بقوة لم تحسب حسابها فتهوى بسرعة إلى صدره العريض الذي تلقاها بحفاوة وذراعيه تلتف حول خصرها بعفوية وهو يهمس بمكر شاب نظراته : اسم الله عليك ، كدت تقعين يا دكتورة كيف ستساندينني وأنت خفيفة الوزن هكذا؟
عبست بغضب طفولي وهي تستعيد اتزان وقفتها تفرد كفيها على صدره مرغمة لتحاول التملص من بين ذراعيه برقة لتهمس بعتاب : لقد جذبتني إليك بقوة يا أسعد ، كدت أن توقعني.
أجاب ببساطة : بل تعمدت أن أوقعك حتى اتلقفك داخل حنايا صدري ،
تمتمت بحرج وهي تدفعه بلطف : أسعد توقف أنت ترهق نفسك .
تمتم بخفوت وهو يدير نظراته على ملامح وجهها القريبة : لم أفعل شيئا
طالبته برقة : حسنا اتركني لأساعدك في العودة للفراش .
ألصقها اكثر بصدره : لا أريد العودة .
رفت بجفنيها كثيرا لتهمس وهي تتعمد أن لا ترفع نظرها إليه : ماذا تريد إذًا ؟
همس بصوت أجش وكفاه يمسدان ظهرها بلطف : ارفعي رأسك وانظري لي يا جنى .
لم تقو على عصيان الأمر بلهجته ولم تستطع تجاهل رجاءه الراقي في نبراته فاستجابت بطاعة تسرق روحه ورقة تبعثر خفقاته لياسر عيناها حينما يقعان في شباك نظراته التائقة لتشعر بجفاف يحتل حلقها وحرارة تدب في أوصالها ، فنظراته المتلهفة وأنفاسه اللاهبة تغزوانها ببطء فتجعلها ملك يمينه دون أن يبذل أي جهد همهمت بكلمات لم تفقه معناه ولم يهتم هو بتحليله فهو كان أتخذ قراره ليحنو رأسه قليلا ليمتلك ثغرها المنفرج بشفتيه ويلتهمه بجوع لم يستطع أن يفرض عليه سيطرته .
بعد وقت لم تعد تعرفه دفعته بلطف وهي تشعر برئتيها تئنان ألما تطالبنها ببعض الهواء الذي منعه عنها فيستجيب إليها ويمنحها بعضا من الأنفاس التي سرق معظمها في بقية قبلات رقيقة تائقة تنفست بسرعة ودفعته بلطف ثانية وهي تهمهم عن تأخرها .. العمل .. إرهاق ساقيه ولكنه لم يستجب لها بل دمغها في قبلات كثيرة محمومة نثرها على وجنتيها .. فكيها .. ونزولا لرقبتها فتأوهت بضعف وهي تتمسك بكتفيه في عفوية أثارته فقبل العرق النابض في رقبتها بلهفة قبل أن ينحني ليقبل التقاء رقبتها بكتفها في شغف ويداه تبدأ في اكتشاف نعومة جسدها
تململت وهي تشعر بدفء أنامله ينساب على جسدها لينتبه عقلها على الفور حينما شعرت بلمسته تأخذ مجرى لا يستوعبه عقلها لتشهق بخفة حينما تسللت كفه من أسفل قميصها القطني القصير لتهمس بخفوت وهي تدفعه بعيدا برفض : لا .
كلمة واحدة .. رفض صريح .. وتصلب أصاب جسدها ليجبره على التوقف .. الانسحاب .. التراجع .. فيلملم قواته كقائد محنك ويقبل بالرفض في احباط الم بمشاعره ولكن قبله عقله فيجبر كفيه على العودة من شواطئ جنانها ويفردهما بشكل متعامد في منتصف ظهرها يمنحها عن طريقهما أمان شعر بأنها تحتاجه فيمسد تصلب عضلاتها برفق وهو يضمها إلى صدره يقبل جبينها بقبلة عميقة قبل أن يهمس بهدوء وصدق : آسف لم يكن علي أن أتمادى
ارتجفت بين ذراعيه بخوف التقطه بسهولة فيربت على ظهرها بحنو .. وتوتر جسدها داخل ذراعيه فضمها إلى صدره اكثر .. شعر بدموعها التي لم تنساب تخنق حلقها فكرر قبلته لجبينها وهمساته الدافئة المحملة باعتذاراته الكثيرة في أنه انغمس دون وعي في نعيم قربها لتهدأ بعد وقت ليس بقليل فتدفعه بلطف هامسة : وقفت كثير على ساقيك تعال لتدلف إلى الفراش فتحصل على قسط من الراحة تحتاجها
ابتسم وهو يضمها إلى صدره ثانية : ألم يخبرك عادل أو الطبيب ؟ عبست بتعجب ورفعت نظرها إليه بتساؤل فتنهد بقوة وتابع - اليوم سأعود إلى المنزل .
شحب وجهها تدريجيا ليبتسم إليها بلطف ويكمل : الطبيب منحني خروج مشروط باستكمال جلسات العلاج الطبيعي التي لن تستمر كثيرا بإذن الله .
شد جسده باستقامة وابتعد عن الحائط وهو يدفعها معه بلطف : أصبحت بخير والحمد لله فقط السير هو الذي يجب أن لا أرهق ساقي المصابة فيه ورغم تشديد الطبيب على عدم استخدام العكاز حتى لا يعتاد جسدي عليه فتتأخر استجابة ساقي لأوامر عقلي إلا أنه أخبرني أني حينما أشعر بالتعب علي استخدامه .
همست وهي تنظر إليه ببراءة طفولية تقيد قلبه إليها اكثر : ستتركني وتذهب ؟
لانت ملامحه بحنان تدفق بنظراته ليبتسم مطمئنا : أتركك أين يا جنى ، أنا معك يا حبيبتي ، فقط سأعود إلى البيت .
تهدلا كتفيها بإحباط : أعلم وسعيدة لأجلك ولكني اعتدت على وجودك قريبا مني ، تابعت بمنطقية - فأنا لن آت إليك يوميا البيت لأزورك وأراك
عبس بتعجب : لماذا ؟!
توردت بخجل لتجيب : لن يكون لائقا يا أسعد أن أزوركم يوميا في البيت ، سأشعر بالحرج .
نظر إليها باستهجان : لماذا ليس لائقا ولماذا تشعرين بالحرج ؟ أتبع بجدية وهو يدفعها ليجلس على الأريكة ويحبسها بجواره - أنت زوجتي وأنا مريض وواجب عليك زيارتي .
نظرت إليه بتساؤل مرح : حقا ؟ لم أكن أعلم أن زيارتك واجب علي !!
همس بمشاكسة : وخدمتي أيضا ، أتبع وهو يقربها منه فيهمهم إلى جوار شفتيها - الست زوجتي ؟
ضحكت لتدفعه في كتفه بدلال عفوي : ليس بعد .
غمغم بأنفاس متلاحقة وهو يضمها إلى صدره يمرر شفتيه على جانب فكها : أمي مريضة وساقيها تؤلمانها وعادل سيكون في العمل لن يقوى على فعل كل ما أريد .
ضحكت بخفة لتهمس إليه وهي تنظر داخل عينيه : وماذا تريد ؟
ومضت عيناه باشتعال دفع الدماء لوجهها فتضرج بحمرة قانية وهو يهمس : الكثير .
أبعدت رأسها حينما شعرت به سيقبلها لتهمس : أتركني أذهب الى عملي .
هز رأسه نافيا لتنظر إليه بعتاب فيهمس بجدية : لم تمنحيني تحية الصباح للان .
ازداد احمرار وجهها لتهمس : ماذا كنت تفعل منذ قليل إذًا يا حضرة الضابط ؟
نظر إليها بلا مبالاة : أرأيت ؟ أنا من كان يفعل لست أنت .
ابتسمت برقة لتهمس : حسنا اتركني وحينما انهض سأمنحك تحيتك .
رمقها قليلا ليتحدث بجدية : تعلمين أنك لن تقوي على الهرب مني أليس كذلك ؟
تراقصت الشقاوة بعينيها لتهمس بعفوية وهي تهز كتفيها بحركة متعجبة : ومن أخبرك أني أريد الهرب ؟
حررها من طوق ذراعيه لتنهض واقفة أمامه ثم تميل إليه تقبل وجنته ورأسه وتهمس : سامر عليك قبل أن تغادر بإذن الله .
هز رأسه نافيا وهو ينهض بدوره : لا اهتمي بعملك فعمار سيأتي هو ويمنى لأعود معهما، عبست بضيق فاكمل بشقاوة - سأنتظر زيارتك لي في البيت بغرفتي لتتحمدي لي سلامة عودتي .
توردت بخجل لتبتسم وتهمس : سلمك الله دوما يا حبيبي .
تحرك نحوها لتهدر بحزم وهي تغدو أقرب إلى باب الغرفة : لا ترهق ساقك ، نظر إليها بعتاب فأكملت - سأزورك ليلا بإذن الله .
ضحكت عيناه ليجيب بجدية : سأنتظرك لا تتأخري .
أشارت إليه مودعة قبل ان تغادر وتغلق الباب خلفها ليتنفس بعمق وينظر لساقه التي بدأت تؤلمه ليشعر باختناق داهمه وعقله يتساءل " هل سيعود جسده كما كان أم سيظل محروم هكذا من أبسط الأفعال التي يريدها ؟"
زفر بقوة وتمتم وهو يخطو ببطء عائدا للاستلقاء على فراشه : لله الأمر من قبل ومن بعد .
***
عاد إلى بيته الفارغ في هذا التوقيت إلا من حور العين التي لا تغادر البيت مطلقا ، فابنته في عملها وابنه في جامعته وزوجته من المؤكد الآن بمدرستها ، تحرك بخطوات هادئة نحو غرفة حور ليطمئن عليها فيجدها تغط في نوم عميق كعادتها فهي تخلد إلى النوم بعدما تصلي الضحى وتظل نائمة إلى أن يؤذن لصلاة الظهر فتستيقظ حتى لا يفوتها موعد الصلاة .
تنهد بقوة وهو يتذكر غيابه المتكرر الأيام الماضية عن البيت بعد تلك الليلة التي ركض فيها هاربا وظل يجول بسيارته في الشوارع تائها محتارا إلى أن وجد نفسه أمام المشفى فصعد إلى مكتبه ليقضي فيه ليلته ثم يغادر في الصباح ليزور مقبرة زوجته الراحلة يشكو إليها تردده .. صراعه .. وعذابه ويطلب منها أن تغفر له وتسامحه على ذنبه الذي ارتكبه في حقها .. حق نفسه وحق الأخرى التي زجها في دوامته التي لا تنتهي .
يومها بكى وكأنه فقدها للتو وحينما فاض بأوجاعه وشعر بإنهاكه قرر أن يغادر فيعود لمشفاه بعدما راسلها وأخبارها عن مكانه وهي التي أحرقت هاتفه باتصالاتها ورسائلها القلقة عليه !!
حينها عاتب نفسه كثيرا على قسوته معها وتعنته في إجابتها وهو الذي لم يكن يوما قاسيا ولا متعنتا ولكنه رافضا لتلك المكانة التي يمنحها لها ولده الذي يدعوها بكنية ليست من حقها ، يعلم في قرارة نفسه ويقر بإجحافه في حقها ولكنه لا يقوى على التخيل أن ولده الذي وهبته أمه حياتها يدعو أخرى بكنيتها الخاصة بها
تنهد بعمق وهو يخطو نحو غرفته بتعب أثقل كتفيه ، يتخلص من سترته مقررا أن يأخذ حمام منعشا قبل أن يخلد إلى نوم قصير فهو سيغادر قبل أن يعود أي من ساكني هذا البيت فلا يقابلهم حتى لا يلتقطون حيرته وتشتته .
صوت تأوه خافت قادم من دورة المياه أنبهه لوجودها وهي التي لا تحبذ أن تتخلف عن عملها فيعبس بتفكير مُزِج بضيقة الذي انتابه لوهلة وهو يفكر فيم حدث لتتغيب اليوم عن مدرستها وماذا سيفعل الان هل عليه العودة لمشفاه ويوفر على نفسه اللقاء ؟!! عاد تأوهها من جديد فجذبته روحه إليها فيتحرك نحو دورة المياه الموارب بابها لينظر لجسدها المنحني بوجع وصوت استفراغها يصله بقوة .
تأوه جديد انتزعه من حيرته ودفعه للاقتراب منها وخاصة حينما ترنح جسدها الهش وآثار الإعياء واضحة على وجهها فيسندها بعفوية هاتفا بقلق جلي : ما بالك يا لميا ؟
انتفضت بخفة وهي تلتفت إليه تحاول أن تتملص من احتضانه لخصرها وتدفعه رافضة مساعدته لها فيستجب بتلقائية تهمس بخفه وهي تخطو متمسكة بطرف المغسلة الرخامي : لا شيء أعتقد أني أصبت بدور برد بمعدتي .
عبس بتعجب قبل أن يتحرك نحوها ينظر لملابسها العملية يسألها بجدية : هل كنت تستعدين للذهاب لمدرستك ؟
أومأت برأسها وأجابته بعد أن غسلت وجهها : نعم ولكن داهمني الغثيان وشعرت بالإعياء والوهن فلم أذهب اليوم .
زم شفتيه ومد كفه لها لتستند عليه فتعاتبه بنظرة غير راضية .. صامته .. أبلغ من الحديث ، تنهد بقوة ولم يسحب كفه الممدود لها فتستند عليه بصمت وهي تسير بجواره إلى أن ساعدها على الاستلقاء في الفراش سائلا : هل أصابتك الأعراض هذه من قبل ؟
تمتمت بوهن وهي تركن ظهرها للوسائد من الخلف : أنه اليوم الثالث على التوالي ،
امتقع وجهه وخاصة بعدما لامس جبهتها فوجدها باردة فيسأل بعمليه : هل شعرت بالسخونة أو أي شيء آخر في خلال الثلاث أيام الماضية ؟
هزت برأسها نافية لتتسع عيناه بخاطر أزعجه ثم استنكره ليهمس به دون تدبير وبطريقة عملية صادمة : لمياء هل انقطع عنك الطمث قبل زواجنا ؟!!
ارتفعا حاجباها بصدمة ألمت بها ليحتقن وجهها بقوة وتمتمت باختناق : لا ولكنها لم تكن منتظمة كالعادة مؤخرا .
اهتزت حدقتيه بصدمة وتراجع جسده بترنح شعرت به ليتماسك ويسأل بعمليته الحادة : هل زارتك منذ زواجنا ؟
شحب وجهها تدريجيا لتهز رأسها نافية فيعتلي هامته الهلع قبل أن يصرخ بحنق : كيف لم تخبريني عن شيء كهذا من قبل؟
تمتمت بدفاع وهي لا تفهم سبب غصبه: أنت لم تسأل وأنا ظننت .. صمتت لتتبع بصياح حانق -لا أفهم ما المشكلة التي تجعلك تصرخ بوجهي هكذا
صاح لحظه تملكت منه : ألا تدركين المشكلة حقا يا هانم ؟ المشكلة يا أستاذة لمياء أن الأعراض التي تنتابك الآن من الممكن جدا أن تكون أعراض حمل.
اختلجت أنفاسها ليسألها بحزم صدح بنبراته وعيناه تعاتبها بقسوة : هل تدركين خطورة أن تحملين وأنت في هذا السن المتأخر، هل تدركين خطورة هذا الحمل على صحتك .. عليك وعلى جسدك وعلى الطفل الذي لا يقوى أحدنا على التكهن بكونه سيأتي سليما معافى أم سيكون لديه أي إعاقة أو تشوه ؟
شهقت بقوة ودموعها تملا عينيها لتهمس باختناق : أنا لا أعرف .. أنا .
صمتت واجهشت في البكاء ليغمض عينيه باختناق داهمه وذكرى أخرى تنبض بعقله ، ذكرى لحبيبته التي تمسكت بحمل طفله وضحت بنفسها لأجله فينتفض قلبه بألم وشعر روحه تنسحب من جسده وهو ينظر لمن تبكي أمامه دون حول ولا قوة فيقترب منها مرغما يريد أن يخفف عنها أحزانها ليزأر عقله بقوة يصرخ بعنف أن لا يكرر خطأه معها ولا يتركها تميل لهوى نفسها فيجلس مقابلا لها يجذبها ويضمها إلى صدره يربت على رأسها ويعتذر منها ويخفف عنها قبل أن يحتضنها بقوة هامسا بمواساتها : لا تخاف يا لميا ، لا تخاف ، أتبع دون وعي حقيقي و بإقرار وكأن الأمر يعنيه بمفرده - سنجهضه حتى تكونين بخير.
شهقت بارتياع وهي تدفعه بعيدا عنها لتتوقف دموعها عن الانهمار هامسه بعدم تصديق : هل جننت يا أحمد ؟
جمدت ملامحه ليهمس بصوت جاف : لا بل أنا عاقل ، عاقل لدرجة أني لن أدعك تضحين بحياتك لأجلي ..
رمشت بعينيها في عدم فهم لينهض واقفا وكأن الجنون تلبسه فيصرخ بقوة وهو يدور من حول نفسه - أنا لا أريد تضحيتك .. لا أريد وريث أو ولي عهد .. لا أريد اي شيء سواك ،
لهث بعنف وهو يوليها ظهره ليكمل وهو يغمض عينيه يصارع بين ماضي يكبله بقوة وحاضر لا يدرك وجوده فيه : أنا أريدك أنت ، أنت دنياي وعالمي ودونك أنا ضائع ووحيد أنا أريدك أنت وكفي أنت وكفى يا حبيبتي .
انتفضت بألم سرى بكامل جسدها ودموعها تنهمر من جديد عقلها يخبرها أنها ليست تلك التي يتحدث عنها بل إنه يناجي أخرى فقدها ليؤكد إليها استنتاجها حينما اكمل وهو يستدير على عقبيه : أنت وكفى يا ولاء .
أطبقت شفتيها بقوة وضغطتهما بعنف حتى تمنع شهقتها من الخروج عالية محملة بوجع روحها ليرف بجفنيه كثيرا وهو ينظر للجالسة أمامه فيقهر عقله عدم وعيه وينبهه لما تفوه به في صدمة ألمت به ليشحب وجهه بقوة يرتعد جسده بعنف ويجلده ضميره عم فعله بها ليدور ثانية هاربا من أمامها وهو يشعر بكل حاجاته تنتفض .. تزأر .. وتصرخ به بأنه ذبحها فنظرة الألم بعينيها أخبرته بعمق جرحها منه .. من زوجها الذي صدمها بأنه لايزال عاشقا لزوجته الراحلة ويتحدث معها من خلالها !!
***
يقف بجوارها ينظر إلى قطع العجين التي تشكلها بمهارة على أشكال فراشات ، أنها سعيدة وهو يشعر بها فعودة أسعد إلى البيت هدأت من توترها ومنحتها استقرار لا يقوى على نكرانه بل أو ابتسامتها التي تزين ثغرها تخبره عن عمق راحتها ومدى فرحتها بسلامة اخيها ، وكيف يقوى على نكران فرحتها إذ كان هو شخصيا سعيدا بعودة أسعد وفرحا بسلامته ، بل إن استعدادات خالته ليلى بالاحتفال بعودة بكريها تثير بهجته ، تلك الاستعدادات التي انتقلت لبيوت بقية عائلة خالته ووصلت إلى هنا إلى بيت عائلته ومطبخ والدته التي تبرعت به ليمنى لتعد هذا الكعك بعدما طردتها والدتها من مطبخها لأنها تعد الطعام الذي سيتناوله الجميع مساء ، ليستغل فرصة انشغال والدته بالهاتف مع زوجة عمه وعمته اللتان تتساءلان عم تستطيعا تقديمه مساء في العشاء المجمع الذي يعد على شرف الفارس وأتى ليجاورها ، يتأملها بتوق ينبض بعمق حدقتيه وهي تمنح رقائق الفراشات خطوط فتغدو أشبه بالحقيقية بطرف عصا صغيرة تستخدمها بمهارة أثارت حماسته وعيناه تلمع بانبهاره بصنيع يديها فيهمهم بصوت أجش و يقترب منها اكثر : أريد أن أجرب
نظرت إليه بدهشة وكأنها لم تكن تشعر بوجوده فتبتسم برقة في وجهه لتمنحه العصا هامسة : تفضل .
ابتعدت عنه قليلا لتضع إليه قطعة عجين جديدة كبيرة نسبيا عما كانت تستخدمه :هاك قطعة جديدة كبيرة ابدع بها .
ابتسم بمكر وهو ينظر إلى القطعة الدائرية من أمامه فيبدا بتحريك العصا عليها بحركات بطيئة متمهلة وهو يولي تركيزه التام لها ، بعد قليل من الوقت عبست بتعجب وهي تهمس سائلة : ماذا تفعل يا عمار ؟! إنها ليست بشكل الفراشة
ابتسم واسبل اهدابه ليجيبها بصوت أبح : انتظري ستري .
تنهدت بقوة وهي تكتف ساعديها وتراقبه عن كثب ليجف حلقها تدريجيا وهي تنظر إلى القطعة التي بين يديه تتشكل برسم مصغر لوجه دميتها المفضلة لتهمس بخفوت : مرمر
ضحك بخفة ليهمس : لازلت تتذكرينها ؟
أجابت بعفوية : بالطبع ، أتبعت بدهشة وهي ترفع نظرها إليه - لازلت تستطيع الرسم ؟
انتصب واقفا وهو يقترب منها بخفة ينظر إليها من علٍ قليلا يراقب عودة نظراتها لكعكته التي شكلها لأجلها فيبهره تعلق عينيها بصنع يديه ليهمس بصوت أجش : لم أتوقف عن الرسم يوما، أنه الشيء الذي كان يسليني بغربتي ، ما كان يمنحني قوة حينما كنت أشعر بالضعف ، رفت بعينيها لترفع نظراتها إليه من جديد فيبوح لها - فصورك التي كانت منتشرة بغرفتي كانت تبدد وحدتي وأنا اتخيلك معي .
حشرجت أنفاسها واختنق حلقها لوهلة فانتفضت وهمت بالابتعاد عنه ليتمسك بكفها يجبرها على البقاء إلى جواره ، همس متابعا وهو يجبرها على النظر إليه : حينما كان يستبد بي الشوق يا يمنى كنت أشدو لصورتك القريبة مني إلى أن تغفى عيني ، لم تعاني لوحدك السنوات الماضية أنا أيضا كنت أعاني معك ، ولكن الفارق أنك كنت وسط عائلتك وأنا كنت وحيدا منفردا لا أملك أحدا أرمي عليه بثقل أشواقي ولا امنح لنفسي انفراجه أمل وأنا أعلم أني حينما سأعود لن أجدك في انتظاري
رمشت بعينيها لتهمس : وماذا وجدت يا عمار حينما عدت ؟
أجاب سريعا : لا أقوى على وصف فرحتي حينما عدت ووجدتك لازلت على العهد يا يمنى ، ومقدار فرحتي كان مساويا لمقدار ندمي على ما اقترفته في حقك وحق نفسي حينما ابتعدت وتركتك ، قابلته نظراتها القوية العاتبة فتنهد بقوة وغامت عيناه بندم متبعا باعتراف حان أن يسمعه لها - نعم يا يمنى أنا نادم أشد الندم على ما اقترفته بالماضي .. اختياري الخاطئ .. هروبي .. خوفي ورعبي ، وها أنا أحاول أن أصلح ما أفسدته قديما ، لماذا لا تغفري وتسامحي وتمنحينا سويا فرصة ثانية ؟
أجابته بجدية : هاك أنا أفعل يا عمار ، وقوفك معي .. حديثنا .. استقبالي لك على مدى الثلاث أشهر ونصف الماضية ، ألا يعد فرصة ثانية أمنحها لك ؟
رمقها بنظراته المتفحصة ليهمس بإقرار : تفعلين كل هذا دون أن تمنحيني مغفرتك يا يمنى ، بل تشعرينني أنك تتفضلين علي بكل هذه الأفعال لأني لا أقوى أن أحيا دونك أما أنت فتستطيعين مطت شفتيها بتفكير لتجيب بكيد أنثوي : هذه هي الحقيقة يا ابن خالتي ، أنا أقوى على فعل أي شيء .
برقت عيناه بعنفوان ليجيبها : كاذبة ، جمدت ملامحها وتحدته بنظراتها ليجابهها بشموخ وُلِد عليه وهو يتبع بزمجرة خافتة - أخبريني يا يمني هل ستقوي على الارتباط بأخر غيري .. هل ستقوي على الزواج من آخر غيري .. هل ستحبين آخرا غيري ؟
اختنق حلقها وحاولت الإفلات من قبضته التي تقيد معصمها فيقبض عليه بقوة فلا يمنحها حرية الهرب التحدي بينهما يشتعل وكفه تقبض على معصمها بقوة لم يدركها إلا حينما تأوهت فأفلت معصمها مجبرا مهمهما بأسف حقيقي : أنا آسف ، آسف لم أقصد اقسم بالله ، أتبع وهو يرفع كفها إليه - دعيني أرى ما حدث .
تمتمت باسمه في رفض وهو يتحسس مكان قبضته بلمسات دافئة مرتبة باعتذار أجبر قلبها على الخضوع لتهمهم وهي تشعر بأن جسدها ينتفض شوقا لتلك اللمسات التي أصبحت اكثر لطفا .. أكثر تطلبا .. أكثر الحاحا ، لتنتفض على قبلته التي حطت فوق معصمها وهو يهمس : أعتذر منك يا حبيبتي ، لم أقصد أن اؤلمك .
حاولت أن تملص ساعدها من يده لتهمهم : أنا بخير يا عمار من فضلك أتركني فلم يحدث شيئا
تمسك بساعدها ليجيبها بتسلط : لن أتركك .
تمتمت باسمه في زمجرة غاضبة : ماذا يحدث معك هل جننت ؟
ليردد بجدية : لا لم أجن ولكني أفهمك جيدا يا ابنة خالتي ، الآن بعودة اسعد ستتراجعين عن استقبالي .. الحديث معي وتمنعينني من الاقتراب منك ، ولا تنكري أن منذ إفاقة أسعد وأنت بالفعل تعدين خطتك للإفلات مني ، أتبع بجدية وصرامة شكلت ملامحه – ولكني لن أمنحك فرصة الهرب فتوقفي عنه وامنحينا سويا فرصة حقيقية .
اهتزت حدقتيها برفض لحظي فأطبق فكيه بغضب ليقبض على مرفقيها ويجذبها نحوه ليسأل بجدية وهو ينظر إليها حينما توقفت عن التملص :هل ستتوقفين عن الهرب يا يمنى ؟
عم الصمت عليهما قليلا يناظرها بثبات .. ينتظر إجابتها بصلابة .. ويرجوها بعينيه ألا تفطر قلبه ، لتقابله بنظرات جامدة .. غامضة .. ثابتة لتهمهم بصوت أبح أخيرا : سأفعل ، انفرجت شفتيه بزفرة أراحت ترقبه وعيناه تغيم بعاطفته نحوها لتكمل بتلاعب التقطه بسهولة وتثير غيظه بتعمد وهي تنطق بم ليس في قرار نفسها - ولكني لا أريد الارتباط بك .. الزواج منك ، وحبي لك ليس بيدي أنه ابتلاء من الله لا اقوى على محوه أو التخلص منه فأتعايش معه كما المبتلين في الأرض
تعالت ضحكاته بشكل فاجئها لتبتسم رغم عنها وهي تنظر إليه يضحك من قلبه لتشيح بعينيه بعيدا حينما قربها منه أكثر ليهمس بشقاوة : ربنا يجازيكِ خير على رضاك بقدره ، وبم أنك متعايشة مع ابتلاء حبك لي تعايشي ايضا مع ابتلاء زواجك مني
أتبع بمكر وهو يقربها أكثر فكادت أن تلتصق بصدره لتلفحها سخونة أنفاسه : سيكون أحلى ابتلاء أعدك .
ابتسمت رغم عنها وهي تسبل اهدابها تخفض بصرها عنه لتثقل أنفاسه رغم عنه وعيناه تتعلق بشامتها التي تزين ثغرها ليحنو عنقه بتمهل يقترب منها ببطء حتى كاد أن يلامسها بشفتيه فمهرها أنفاسه المتلاحقة ليهمهم بصوت صدح بعمق أشواقه : كم أشتاق أن التهمها
حركت رأسها بعيدا عنه وهو تغمغم باسمه تتملص من احتضان وشيك كان سيمنحه لها فيعتدل بوقفته ويمد ذراعه من حولها دون أن يلامسها ليضع جبينه على رأسها هامسا : أشتاق إليك يا مونتي ، أموت شوقا وأذوب عشقا فارحمي قلبي قليلا
تمتمت بخفوت وهي تشعر بالخجل يغمرها تحاول أن تتخلص من قربه : لم أفعل شيء .
ضحك بخفة ليتنهد بقوة : لا أعلم حينما تفعلي ماذا سيحدث بي يا مهرتي .
لكزت صدره بخفة لتهمهم بحنق : أنت وقح .
ضحك ثانية ليبتعد عنها قليلا حينما التقط قدوم أحدهم مهمها بخفة : سأصمت حتى لا يلتقط أحدهم حديثنا حتى لا يكون مصيري الشجرة العملاقة في فناءكم .
ضحكت برقة وهي تتحرك تدخل صواني الكعك بالفرن قبل أن يصدح صوت أبيه الذي اقتحم المطبخ هاتفا بمرح : ماذا تفعل عندك يا ولد ؟
تمتمت يمنى وهي تتجه إلى وليد بعدما أغلقت باب الفرن الكهربائي الحديث : أنقذني منه يا عماه فهو غليظ ويضايقني بوجوده .
فتح وليد ذراعيه ليضمها إلى صدره يقبل جبينها هادرا بنقمة : سأعلقه من أذنيه لأجل عيناك يا مهرتنا الغالية ، أتبع وهو يشير برأسه إليه – إلى الخارج هيا .
زم عمار شفتيه بضيق ليهتف وهو يتحرك خارجًا بالفعل : حاضر يا بابا أمرك ، أتبع وليد وهو يتبع خطواته بعدما شاكس يمنى بملامحه فضحكت بخفه وهي تلتقط غمزة وليد المرحة الذي غادر خلف ولده هاتفا – تعال ساعدني في توضيب حديقة بيت خالتك حتى نقيم خطبتك ليلا .
توقفت خطوات عمار ليستدير إلى أبيه غير مصدقا قبل أن يهتف : هل أنت جاد يا بابا ؟!
أومأ وليد برأسه في بطء قبل أن يهمس : العمال وصلوا بالفعل وينتظروننا في الحديقة .
صرخ عمار وهو يقفز كالأطفال مهللا لتتعالى ضحكات وليد قبل أن يقهقه بسعادة وهو يتلقف احتضان عمار له قبل أن يسبه حينما حمله عمار في ظل موجة المرح التي انتابته ليصيح به : أنزلنى يا ثور .
قهقه عمار ضاحكا ليقبل رأس أبيه : أعتذر يا بابا والله لا أقصد .
لكزه وليد بخفه في كتفه : وفر مجهودك للزواج يا أحمق .
قهقه عمار ضاحكا ليجيب بزهو وهو يغمز أبيه بعينه : لا تخف يا ديدو ، سأرفع رأسك عاليا ، هز وليد رأسه بعدم أمل ليدفعه بغلظة فيتبع عمار وهو يقترب من أبيه هامسا – بمناسبة الزفاف يا بابا ما رأيك أن أعقد قراني الليلة بدلا من تلك الخطبة التي لا فائدة منها .
رمقه وليد بعينيه ليهز رأسه نافيا فبل أن يجيبه بحزم وصرامته تطل من عينيه : لا ، لن أثقل على أمير الآن ، انتظر بعد زفاف أسعد وبعد أن نطمئن على ابن خالتك اطمئنان تام حينها نعقد قرانكما .
ابتسم عمار وهو ينطر لأبيه من بين رموشه فيلتقي ثغر وليد بابتسامة ماكرة أدركها عمار بيسر ليمأ براسه موافقا : حسنا يا بابا أمرك ، أتبع بجدية – أنا راضي بكل ما تقدمونه لي وتفعلونه لأجلي .
ربت وليد على كتفه ليهمس له : مبارك يا بني .
***
تحرك بخطوات هادئة للداخل بعدما استأذن حماته المشغولة مع والدته في تنظيم شيء ما يخص تجمع الليلة على شرف عودة الفارس والذي سيتضمن إعلان خطبة عمار ويمنى أيضا فينسحب من جوار والدته بهدوء يريد الانضمام إليها حينما عرف بأنها تعد الطعام بالداخل ، خطى نحو المطبخ غير المفتوح على صالة البيت عكس المتعارف عليه في نظم معظم البيوت إلا نظام بيت حميه فهو يعود للنظام القديم يشبه نظام فيلا جده الساكن بها أخيه .
ارتعش فكه بضيق جلي تجسد بعينيه وهو يستعيد شقاء أخيه الصامت .. الصامد .. والذي يواجه الجميع بشموخ فأحمد رغم أنه رأب الصدع بينه وبين أمهما وخالتهما اللتان لم يهتما لكل ما حدث بقدر اهتمامهما بأحمد وسلامته والكارثة التي عاد بها إلا أن الوضع لازال غامضا بالنسبة للجميع وخاصة مع عزوف أبيه ومخاصمته الصريحة لأحمد ، بل صمته الواضح ورفضه القاطع لمقابلة أخيه الأكبر والشجار مع والدتهم حينما راوغته وأحضرت أحمد -دون علمه – ظنا منها أنها ستصلح الوضع بينهما ، فتأزم أكثر وخاصة مع إعلان أحمد الصريح أنه لم يكن يعلم بوجود خالد وأنه ليس مشترك في هذا الأمر وأن والدتهم من تصرفت من تلقاء نفسها ، ورغم أن أبيه آثر الصمت يومها إلا أن نظراته الغاضبة وتجهمه أبلغ الجميع بمدى غضبه ورفضه لوجود أحمد الذي انسحب ململما ألم نفسه ليتوقف قبل مغادرته ويقترب من خالد الذي شد جسده برفض فيحنى أحمد رأسه ويقبل كتفيه هامسا باعتذار خافت ثم يغادر بخطوات سريعة تاركا البيت بأكمله ، حينها انتفض عبد الرحمن بسؤال غاضب عم يحدث ولكن خالد لم يجب بل انسحب بدوره في صمت أثقل قلوبهم وخنق أرواحهم وخاصة حينما بكت والدته وحيرتها تتجلى فوق ملامحها فيندفع نحوها يضمها إلى صدره يهداها ويمتص حزنها بينما هم عبد الرحمن بأتباع خالد ولكنه استوقفه واستحلفه إلا يفعل حتى لا يتشاجرا سويا فأباهم طالما أتخذ الصمت سبيلا فالحديث لن يجدي نفعا معه .
تنهد بقوة وهو يفكر بأن والدته أصبحت أفضل عما قبل وخاصة مع إلهائها اليوم في تحضيرات عشاء أسعد ومساعدتها الخالة ليلى التي استجابت للجميع وشاركتهم معها حتى حبيبته التي من الواضح مشغولة بالمطبخ تعد شيئا ما لعشاء اليوم ، جذبته الموسيقى الصادحة بنغمة أغنية يعرفها جيدا للسيدة فيروز ليأتيه دندنتها التي نادرا ما يستمع إليها وهي تشدو بصوتها الأبح مع فيروز بصوتها الأشبه بصوت الكرتون
صار لي شي مية سنة عم ألف عناوين
مش معروفة لمين ووديلون اخبار
بكرة لابد السما لتشتيلي عل الباب
شمسيات وأحباب بياخدوني بشي نهار
واللي تركز كل الناس بالآخر ذكرني
اقترب منها بهدوء ومع انسجامها بالغناء وما تعده لم تشعر به لذا تعمد مفاجأتها باحتضان خصرها بكفيه وقبلته التي طُبعت على وجنتها لتشهق بقوة وهي تقفز بخوف ليتلقفها بين ذراعيه وضحكته تصدح مجلجلة على ملامحها المرتعبة.
هتفت اسمه بحدة وهي تحاول أن تتخلص من ذراعيه اللتين التفتا حول خصرها حينما قفزت لتقابله فأصبح يحملها يلصقها بجسده ويرفعها عن الأرض بمقدار فارق الطول بينهما لتهمس بضيق وهي تلهث جراء المفاجأة التي فاجأها بها : أنزلني يا عمر من فضلك .
سيطر على ضحكته بصعوبة ليتأمل ملامحها المكفهرة ليقبل وجنتها الأخرى قبل أن يهمس بخفوت : ألم تقولي منذ قليل أن السماء ذات يوم ستأتي إليك بشمسيات وأحباب يأخذوك بذات نهار ، ها أنا قد أتيت .
تبرمت بضيق : سأتوقف عن الاستماع لفيروز بسببك.
ضحك من جديد لترفع كفيها اللذين كانا يدفعان ساعديه ليحررها إلى فمه لتضعهما عليه تكتم صوت ضحكاته قبل أن تهمس بلوم : بّابّا.
قفزا حاجبيه بتعجب ليسألها بصوت مكتوم بسبب كفيها : ما باله ؟!
تمتمت ووجهها يحتقن بقوة : سيأتي على صوت ضحكاتك .
شعرت بفمه تحت كفيها يتحرك لتبعد راحتيها عنه بعدما شعرت بشفتيه تطبع قبلات رقيقة متسارعة داخل راحتيها لتتورد فيهمهم وهو يكز على شفته السفلية : ونحن لا نريده أن يأتي على الاقل الآن .
أخفضت عيناها ووجهها يحتقن بقوة لتهمس بإصرار : أنزلني يا عمر .
سأل وهو يعدل من حمله لها فيدفعها للأعلى أكثر وينحني للخلف بجسده فيستند بخصره على قطع المطبخ السفلية فيجعلها تشرف عليه برأسها : ألا تريدين مساعدتي في أن آت لك بأي شيء من تلك الدواليب المرتفعة .
ضحكت رغما عنها وهزت برأسها نافية ليسألها بصوت خفيض أجش : ولا من الدواليب المنخفضة .
همس بأخر كلماته وهو يحنو رأسه نحوها يدفن أنفه في عنقها يمرر شعيرات ذقنه الشقراء الناعمة فوق بشرتها البيضاء بطريقة مدغدغة أثارت ضحكاتها وغيرتها لتشهق بقوة حينما شعرت بوجهه ينزلق للأسفل فتدفعه بكفيها في كتفيه هامسة بخوف : عمر ، أنزلني .
همهم بكلمات لم تفهم مدلولها لتغمض عينيها كاتمة شهقتها بخصلات شعره وهي تشعر بروحها تنصهر أسفل وطأة قبلاته التي وشم بها جيدها بأكمله .توقف من نفسه ينثر أنفاسه اللاهثة بتجويف عنقها وهو يضمها بقوة إلى صدره يحاول السيطرة على ما انفلت من تحكمه في نفسه لينزلها ببطء أرضا . يظل محتفظا بها داخل صدره العريض يعلم أنها تحتاج احتضانه أكثر من احتياجه لوجودها معه بجوار قلبه الذي يخفق بجنون هادرا بعشقه لها قبل جبينها بعدما انتظمت أنفاسه ليهمس بخفوت : آسف يا حبيبة فقط ..
صمت ليشعر بها تدفن وجهها المحتقن خجلا بصدره أكثر لتهز رأسها بحركة لم يدرك معناها قبل أن تهمس : لا تعتذر .
قبل رأسها ليبعدها عن صدره قليلا يديرها من كتفيها لما كانت تفعله ليحتضنها من ظهرها ويسأل بجدية وهو ينظر للخضار المقطع أمامها : ماذا تعدين ؟
زفرت بقوة لتخرج كل ما شعرته من اضطراب من جرأته غير المعتادة معها قبل أن تكح بخفة و تجيبه بطبيعية : ساعد الفاهيتا ، فأسعد يحبها ، أكملت بثرثرة وهي تحاول الابتعاد عنه فيمنحها المجال وهو يبتعد بدوره ليجلس بكرسي موضوع بجانب طاولة صغيرة تزين ركن مطبخهم – أنت تعلم أنه عاد للبيت اليوم عمتي ليلى كانت ستعد غذاء احتفالا بعودته ولكن ماما رفضت وقالت أنها من ستفعل ولكن نوسا وسارة اعترضتا ووالدتك والخالة ياسمين شجبا واحتدتا وفي الأخير عمو أمير قال سيكون غذاء مجمعا كل بيت يأتي بصنف ونتناول الطعام كلنا معا ، ليضم الأمر آل الجمال أيضا حينما انقلب العشاء العادي إلى حفل خطبة لعمار ويمنى .
أتبعت وهي تتحرك بخفة أمامه غافلة عن نظراته التي تلتهمها من أسفلها لأعلاها من أول خفها الفرو ذو وجه الكلب بلونه العاجي وأذنيه المدليتان الحمراوين والذي يستخدم لتدفئة القدمين في الشتاء رغم أن الطقس لا يَعُد باردا بعد ،قياسه الصغير انبأه بصغر قدميها .. ليرفع عينيه إلى بنطلونها القطني القصير بلونه الخوخي الشهي و الذي يكشف عن منتصف ساقيها من تحت ركبتيها ثم يخفي بقيتهم عن عينيه ولكنه يفصلهما جيدا بسبب التصاقه بها فيشي بتدوير فخذيها ومؤخرتها التي برزت أمامه فجأة رغم بلوزتها الطويلة بلونها الأحمر القاني إلا أنها حينما انحنت لتأتي بشيء من درج الثلاجة الأسفل أبرزت تفاصيلها الأنثوية التي أشعلته دون جهد يُذكر .
كتم أنفاسه وهو يحاول أن ينصت لها مذكرا نفسه بم فعله منذ قليل .. بأنه لابد أن يهدأ فلا يرعبها .. بأن يسيطر على نفسه قليلا لترتفع عيناه لاإراديا لبلوزتها القطنية الطويلة قليلا ذات الأكمام ولكنها تكشف عن كتفيها وصدرها المربع الذي كلما تحركت يكشف عن أول نهديها فيسترجع طعم جيدها بفمه فتثقل أنفاسه أكثر ، ليزعق باسمها فجأة فتلتفت نحوه بصدمة تسأله بعينيها عن الخطأ الذي فعلته ليجيبها بصوت محشرج فلم تدرك سبب تغيير نبراته : هات الخضراوات اقطعها لك واذهبي وبدلي ملابسك .
عبست بعدم فهم لتنظر إلى ملابسها التي ليست سيئة للغاية لتهمس بعدم فهم : بعد أن أعد الطعام سأبدلها .
هز رأسه نافيا ليهمس بإصرار : بل الآن ، هيا .
وضعت ما بكفيها لتسأله بتعجب : لماذا ؟!
تأملها قليلا قبل أن يهمس بثبات : خشونة ذقني تركت بعد الآثار على بشرتك الفاتحة لا أعتقد أنك تريدين لأبيك أن ينتبه لها .
اتسعت عيناها بصدمة لتعض شفتيها قبل أن تهرول بسرعة من أمامه فيتنفس بعمق ثم يضحك بخفة ويمسح وجهه بكفيه متمتما : يا الله يا رحيم.
نهض واقفا ليخلع عنه سترته يضعها فوق ظهر الكرسي الذي كان جالس عليه قبل أن يبحث عن مريول المطبخ فيرتديه فوق ملابسه يغسل يديه جيدا حتى يبدأ بتقطيع الخضراوات التي كانت أخرجتها بطريقة الفاهيتا التي يعرفها جيدا.
***
لقد وصل للتو من الخارج عابس بضيق بعدما أخبرته أخته أن اليوم سيكون حفل خطبة ابنتها على الآخر الذي لا يقو على تقبله للان ، رغم أن الشاب أثبت شهامته ورجولته خلال الثلاث أشهر الماضية بل أنه استطاع أن يقترب من ابنه ويخترق الدائرة التي تضم أولاد عائلتهم الذين كانوا غير متقبلين له بأول ارتباطه بيمنى إلا أنه ثبت موضعه في العائلة كزوج لابنة الأمير فرحبوا به بعضهم متحمسا والبعض الآخر مثله على مضض ، تنفس بعمق وهو يحدث نفسه أن عليه أن ينسى .. يهدا .. ويتأقلم مع الأوضاع الجديدة التي يُحشر فيها ولا يجد لها مخرجا .
عبس متعجبا حينما استمع إلى دندنه رجولية مع صوت فيروز الصادح بداخل المطبخ فتوقف فجأة ليعود بخطواته ثم يطل داخل المطبخ وهو يفكر من هنا بمطبخ بيته فهو ترك سليم بالخارج يعد الشواية مع حسام اللذان تبرعا بالشوي .
اتسعت عيناه بصدمه وهو ينظر لعمر بطوله الفارع مرتدي لمريول المطبخ الخاص بزوجته فيغطي بالكاد جذعه ويقطع الخضراوات فوق طاولة المطبخ الرخامية .
عاد للوراء لينظر من حوله يتأكد كون أنه بيته وهذا مطبخه الذي يقف بداخله عمر يرتدي مريول المطبخ الخاص بزوجته ويقطع الخضراوات بأريحية قبل أن يدلف إلى المطبخ من جديد فيشعر به عمر الذي رفع رأسه مبتسما باتزان هاتفا بمرح : مرحبا يا عماه.
قفزا حاجبيه للأعلى بمفاجأة احتلت ملامحه متمتما بتحية مقتضبة وهو يتابع حركة عمر الأريحية والذي تجه نحو المغسلة فيغسل يديه ثم ينشفهما بمنشفة صغيرة زوجته تحرص على وضعها قريبا من المغسلة لتنشف كفيها باستمرار كما فعل زوج ابنته الآن !!
ازداد عبوسه تلقائيا وعقله يعيد عليه صفة من يقترب منه بابتسامته المتسعة وكفه الممدود بالمصافحة ليصافحه بلال وهو ينظر إليه بتساؤل تجلى بعينيه وصدح بصوته حينما ظهرت ابنته التي دلفت إلى المطبخ مهرولة تنظر بصدمة لكليهما عمر الواقف بأريحية وأبيها الذي هتف بصدمة وحدة سطعت بعينيه : أين كنت يا حبيبة ؟ وكيف تركت عمر بمفرده في المطبخ هكذا ؟ ليتبع سريعا وهو ينظر نحو عمر - وما الذي أجبرته أن يفعله ؟
تمتمت حبيبة بارتباك وهي تنظر لعمر بهيئته غير المفهومة لها : كنت أبدل ملابسي و .. صمتت قليلا لتسأل بتعجب - ماذا تفعل يا عمر ؟!
ابتسم عمر بمكر ليجيب بعفوية : ألم تخبريني أنك ستعدين الفاهيتا لأجل عشاء الليلة ، أحببت أن أساعدك فقطعت الخضراوات .
توردت رغم عنها فابتسم بمرح ليكمل : فقط أخبريني اين بقية الأشياء وأنا سأكملها .
التفت إليه بلال بدهشة ليسأله بتعجب : ستطهو بدلا منها ؟!
أجاب عمر بجدية : يهمني راحة حبيبة يا عماه ، ليتبع بهدوء وعيناه تومض بغيظ التقطه بلال بسهولة - ولن نقوى على إفساد عشاء فارسنا الهمام المعد على شرفه دون وجود الفاهيتا.
اتسعت عينا بلال بإدراك فوري وهو يلتقط غيرة زوج ابنته الجلية ليرمق حبيبة بطرف عينه فيندهش من عدم فهمها لمقصد عمر فيكتم ضحكته التي كادت أن تصدح قبل أن يهتف بمرح : حسنا سنأكل الفاهيتا من بين يديك يا عمر بك . أومأ عمر برأسه موافقا ليتبع بلال – لا تساعديه يا بيبا واتركيه يطهو بمفرده .
ليكمل وهو يغادر ضاحكا : سأجبرك على دفع غرامة يا عمر لو لم تكن جيدة .
ضحك عمر ليهتف : لا تقلق ستكن أفضل مما تصنع حبيبة.
تحرك عمر بأريحية نحو الطاولة من جديد ليكمل ما بدأ فينتبه بعد قليل لحبيبة الواقفة بصدمة شملت ملامحها فيسألها بهدوء : ما بالك يا بطتي ؟!
التفتت تنظر إليه قبل أن تهتف بصدمة : بابا انصرف ضاحكا ،عبس بعدم فهم وتساؤله يلمع بحدقتيه فأكملت - ظننته سيغضب من وجودك هنا أو سيلومني ولكنه انصرف ضاحكا .
ضحك عمر بخفة مؤثرا الصمت لتتابع وهي تتوجه نحو الثلاجة تخرج منها بعض اشياء أخرى : من الواضح أنك تمتلك تأثيراً خاصا على الجميع يا عمر .
اقترب منها بخفة حينما توقفت بجواره تضع ما بيديها ليضمها من خصرها ببغته ويسألها بصوت أجش : هذا سيء أم جيد ؟
حركت كتفها بحركتها الأثيرة فتومض نظراته بالأزرق الغني ليحنو رأسه قبل أن يمرر أسنانه فوق كتفها بطريقة خاطفة فتشهق بصدمة : عمر .
فيشاكسها بوجهه قبل أن يقبل وجنتها ثم يفلتها بمرح : دعي عمر يتنفس يا حبيبة فالكتمان كثيرا سيضر بي وبصحتي .
عبست بعدم فهم لتهز رأسها بيأس من فهم حديثه الغامض ، مدت كفيها لتساعده في إعداد الطعام ليزجرها بلطف : أتركي كل شيء يا حبيبة .
نظرت له بدهشة : لا أريد أن أتعبك .
تمتم وهو منهمك فيم يفعله : تعبك راحة يا بطتي ، أتبع وهو يتحرك الى الموقد - اجلسي وارتاحي يا حبيبتي فأنا فداء لك .
***
أغلق باب البيت من خلفه وهو يريد أن يركض نحو أخيه الذي هاتفه وأخبره أنه يريده فأتى سريعا ليطمئن عليه ويتأكد بعينيه أنه عاد أخيرا سالما إلى منزلهم .. وأنه أنار غرفته من جديد .. وأنه موجود بجانبه حيا واعيا مدركا لما يحدث مع الجميع .
لا يهتم بالعمل الجاري بالخارج على قدم وساق لأجل عشاء الليلة التي سيتضمن إعلان خطبة شقيقته ولا يهتم بقائمة الطلبات التي أخبرته بها والدته على الهاتف وهي تأمره أن يعود مبكرا فأنهى الاتصال معها ليوزع مهامه على سليم وحسام اللذان تقبلا مهامه بنفس سمحة وراضية بل أن سليم أجابه بحمية : لا تشغل رأسك يا عادل سأقوم بكل شيء أنا هنا بدلا منك اهتم بعملك ولا تعتل هما ، ليقرر أن يستكمل عمله إلا أن اتصال أسعد جعله يترك كل شيء ويستأذن في الانصراف وهو الذي لم يفعلها من قبل !!
شد خطواته نحو غرفة أخيه ليصدح صوت والدته التي نادته بترحاب من الحديقة الصغيرة الملحقة بمنزلهم فاستجاب برزانة وحاد بخطواته نحوها ليسمعها تتابع بمرح أغشى نبراتها : هاك هو عادل وصل تعال يا حبيبي انظر من عندنا .
اندهش للوهلة الأولى ولكنه ابتسم بلباقة ورحب بحفاوة حينما أكملت أمه : خالتك إيمان وملك أتتا لتتحمدا سلامة عودة أسعد للمنزل ولمساعدة خالتك في ترتيبات خطبة ولدها
هذر ببعض الكلمات اللبقة المرحبة لتشير إليه والدته : أجلس يا حبيبي وانضم إلينا .
رمق والدته بتعجب ليجيبها بهدوء : حسنا يا ماما ولكني سأطمئن على أسعد وآت ثانية .
ابتسمت ليلى برقة مفتعلة لتتحدث من بين أسنانها : أخوك بخير لقد خلد للنوم منذ قليل ، لتتبع آمرة هذه المرة وهي ترميه بنظرة متوعدة - أجلس معنا .
مط شفتيه ليبتسم ابتسامة لم تسطع بعينيه وهو يستجيب لها فيستمع إلى حديث والدته الهادئ والذي أنشأته مع خالته إيمان وحاولت أن تشركه فيه ولكنه لم يستطع مجاراتها فاكتفى ببعض العبارات اللبقة لتسأل ليلى بعد قليل ملك الصامتة والتي تبدو لا مبالية : لم تخبريني يا ملك ، هل تهوين العمل كيمنى هكذا أم ماذا تفضلين ؟
ابتسمت ملك برقة لتجيب بهدوء : أحب أن أعمل يا خالتي ،
انحسرت ابتسامة والدته فيتصنع هو عدم الاهتمام لتسأل أمه برقة : وماذا ستعملين حينما تتخرجين بإذن الله ؟
رمقتها ملك ببسمة شعر بها ماكرة لتجيب بعفوية وبراءة احتلت ملامحها ولكنها لم تسكن زرقاويتيها : مخرجة ، أنا أدرس الإعلام كآسيا وفي حين أنها تريد أن تعمل بالدعاية والإعلان أنا أفضل الإخراج .
صمتت بطريقة مدروسة حينما تشنج جسد إيمان أمام ناظريه لتتبع بهدوء : كبابا .
شحب وجه إيمان التي ارتدت تنظر لابنتها بتوعد في حين ابتسمت أمه وخيبة الأمل ترتسم بوضوح على وجهها ليسألها هو مبددا الصمت الذي خيم على الجلسة : لماذا اخترت الإخراج ، لماذا لم تتجهي للصحافة كيمنى أو الإعلان والدعاية كآسيا ؟
رفعت عيناها نحوه تبحث عن إجابة لسؤال لا يدركه لتجيب أخيرا : أشعر بأني أحمل موهبة أبي ، استطردت بهدوء - فالإخراج مثله كبقية الفنون من لا يمتلك موهبته لا يقوى على إحداث فارقًا ، أنه ليس بضعة مشاهد تؤخذ بطرق معينه ، المخرج لابد أن يكون موهوبا ليقوى على إخراج منظومة الفيلم متكاملة الأركان مبهرة وتخلد في أذهان الجميع .
ومضت عيناه بإعجاب لم يخفيه لتبتسم إيمان بتوتر وتهمس : لازال أمامها سنتان تقرر فيهما فأنت تعلمين هذا السن متقلب بقراراته يا ليلى .
زمت ملك شفتيها برفض همت بأن تصرح به ولكن نظرة من عيني والدتها توعدتها أن نطقت فأجبرتها على ابتلاع رفضها لتهمس والدته بلباقة : وفقها الله في اختياراتها يا إيمي وبارك لك فيها وحفظها .
تمتمت إيمان مؤمنة على الدعاء لتهتف ليلى : لم أخبرك .
انتبهت إيمان لها لتكمل والدته تثرثر لها عن جهاز ما يعد الكعك بطريقة مثالية وموفرة للجهد والطاقة لتختم حديثها بدعوة لإيمان أن تصحبها إلى المطبخ لتريها إياه فتستجب إيمان بطواعية لتهم ملك بأن تتبعهم لتهتف ليلى : لا تتعبي نفسك يا حبيبتي اجلسي وهاك هو عادل معك حتى لا تملين من الجلسة وحيدة .
كتم ضحكته على ملامح ملك المستهجنة والتي لم تلق بالا لمقولة والدته بل همت بالفعل أن تتبعهم ليوقفها صوته يناديها بهدوء فتلتفت إليه ليسألها بجدية : ألازلت غاضبة مني ؟
رمقته مطولا قبل أن تكتف ساعديها وتسأله بهدوء : علام ، لا أذكر أنك أغضبتني ؟
استراح بجلسته ليضع ساقا فوق أخرى يدق بسبابته على الطاولة المستلقي عليها ذراعه بأريحية : حقا ؟
أومأت برأسها وهي تطلع بعيدا لتسأله وهي تعاود النظر إليه : هل فعلت ما أغضبني ؟
ابتسامة ماكرة شكلت ثغره : هاك اعتقدت حينما تحدثنا أخر مرة بعقد قران أخي .
افتعلت تذكرها للحدث لتبتسم ساخرة : أعتقد أن الحديث انتهى بكونك أنت الغاضب لست أنا.
اعتلت التسلية ملامحه ليسألها برزانة : نعم معك حق ، إذًا ألا تشعرين بأنه ينبغي عليك أن تهتمي بشعوري نحوك وتسألينني عنه ؟
ضيقت عيناها قليلا لتجيب بعد أن زفرت أنفاسها : لا ، إرتفاع طفيف في حاجبيه والدهشة سيطرت عليه ليشعر ببهجة غريبة تداعب حواسه حينما أتبعت - لا يهمني شعورك نحوي يا دكتور عادل وخاصة أني لم أفعل ما يغضبك من وجهة نظري .
ابتسم بتفكه ليشاكسها : ولكن من المؤكد أنه كان كذلك من وجهة نظري أنا .
تصنعت التفكير لتجيب : بالتأكيد أنت محق ولكنك فقدت الحق في أن أهتم بشعورك وبك حينما انصرفت غاضبا مقاطعا مصالحتي لك .
ابتسامة واسعة شملت ملامحه ليتحكم في قهقه خافته كادت أن تصدر من حلقه ليهتف بسعادة تملكته : تعلمين أنت تذكرينني بقصة الأرنب الفصيح الذي وقف يحاور الأسد لعله إلا يأكله استمع الأسد وأعجب به فظل يستمع إليه يوميا دون كلل .
عبست بترقب لتسأل بفضول حينما صمت : ثم ؟!
نهض واقفا ليقترب منها بتؤدة يقف أمامها مباشرة فيجبرها أن ترفع رأسها نحوه بطريقة يعلم جيدا أنها مؤلمة لعنقها قبل أن يهمس بفحيح وعيناه تومض ببريق أخافها : الأسد أكله بالأخير
انتفضت مبتعدة في رد فعل غريزي ليبتسم بمكر ويكمل بصوت هادى أشعرها أنه يأتي من أعماقه مهمها بمكر اعتم حدقتيه فاشتد سوادهما: فالأسد كان يستمع إليه في كل مرة لأنه لم يكن جائع بالفعل و حينما شعر بالجوع تناوله دون أن يرف بجفنيه أو يشعر بالندم على الأرنب الذي كان يسليه بفصاحته وحكاياته.
ازدردت لعابها بتوتر داهمها وعيناه تعتمان اكثر ليسألها وهو يضع كفيه خلف ظهره يشد جسده بكبرياء وسطوته تحصر بقوة : هل فهمت المغزى من الحكاية يا أرنبتي الفصيحة ؟
رفعت رأسها بأنفه لتجيبه بعنفوان : لا أهتم بقصص الأطفال فأنا كما ترى كبرت .
اسبل جفنيه ليشد جسده فيقف بعنفوان فيظهر فارق الطول مليا بينهما ليتمتم بهدوء : نعم أنا أرى أنك كبرت وتغيرت عن ملك الصغيرة التي كنت أحملها فرق ذراعي ، زمت شفتيها بتبرم طفولي ليكمل بجدية - كبرت وأصبح لديك أحلاما جميلة لا تتخلي عنها بل حاولي لتحقيقها .
أشاحت برأسها بعيدا ليعترف وهو يرمقها بحنو : أحببت حلمك ورؤيتك لمستقبلك . اذا كنت تملكين الموهبة فعلا ستنجحين نجاح مدوي .
لانت ملامحها لتبتسم برقة وتشكره بعينيها ليتابع بضحكة ماكرة : فقط عليك أن تتوقفي عن دور الأرنب ، تجهمت ملامحها فاتبع بغمزة شقية من طرف عينه - فالحياة تحتاج أن تكوني نصف أسد نصف أرنب.
رمقته مليا لتسأله بتحدي وهي تعقد ساعديها أمام صدرها : إذًا أنت تمتلك كلا الاتجاهين ؟
ومضت عيناه ببريق أخافها لينحني نموها بجسده الفارع لينظر بعنق عينيها محافظا على مسافة بسيطة بينهما : لا ، شعر بخوفها يومض بزرقاويتيها ليتبع ببساطة – فجانب الأرنب لا أحمله ضمن خصائصي .
همس بفحيح خشن بجانب أذنها : لذا عليك الخوف منى وتوقفي عن اقتطاع طريقك بي حتى لا التهمك ذات مرة يا أرنبتي الجميلة .
ازدردت لعابها وتراجعت للخلف مرغمة وهي تنظر نحوه بعدم فهم فتحكم في ضحكته حتى لا تنطلق مدوية وهو يمنحها إجابة سؤالها الذي تبحث عنه فيشحب وجهها وترف بعينها سريعا فيكمل بإقرار – فأنا ليس فارسا كأخي ولا أمير كأبي ، أنا رجل عملي .. أؤمن بالعلم والمعرفة والسبب والنتيجة ولا يحدث شيء معي لا أحلله أو أدرك سببه ، لذا عليك أن تخافي من الاقتراب المرة القادمة لأني لست حليما كما يبدو لك ، أتبع وهو يشد خطواته للداخل ويتركها من خلفه – وإذا حدث وقررت الاقتراب أعلمي أنه سيكون عليك إجابة جميع أسئلتي وتبرير كل المرات الماضية التي قصدت فيها الظهور أمامي يا ملك .
توقف عند باب الشرفة : أو الإقرار بكون استنتاجي صحيحا وهذا لن يكون في صالحك فأحذرى
اختنق حلقها وهي تخفض بصرها فلا تواجه نظراته التي اشتدت بقساوة فيبتسم ساخرا وهو يتجه نحو غرفة أخيه يتركها من خلفه على وشك نوبة بكاء حادة كادت أن تمتلكها فتسرع هي الأخرى بالانصراف تنوي الذهاب لبيت خالها القريب وهي تسب نفسها باختناق : غبية يا ملك غبية !!
***
يشاكس أسعد بوجهه مستمتعا بجلوسه في الأريكة أمامه وهو يقوم بمهمة الشواء الذي تضاعف كميته فاضطروا أن يعدوا شواية ثانية بجانب الحديقة ببيت عمته ، والتي أعدت بشكل ما اقترحه عادل حتى يتم توسيعها على حديقة منزلهم وتم فتح الباب بين الحدقيتين ليمنحوا المكان اتساعا مضاعفا يستوعب الحضور الدي بدأوا بالتوافد فعليا.
يهتف بمرح : أترى يا حسام بك على آخر الزمن أشوي اللحم وأنا متأنق وبكامل هيئتي ، أنا سليم بك أقف للشواء بسترتي الرسمية وقميصي الأزرق الذي يأتي بالفتيات زاحفات على ركبهن .
تذمر حسام بنزق ليجيبه أسعد بمرح : عن أية فتيات تتحدث يا حسام ، أنا أذكر أن عمري بأكمله قضيته بجانبك لم تنظر إليك قطة حولاء حتى .قهقه حسام ضاحكا فجذب الأنظار المتعجبة نحوهم ليستدير سليم إليه ناظرا إليه بصدمة ليهتف ساخرا : يا ما شاء الله أنت تستطيع الضحك يا سبحان الله .
انطلقت ضحكة عادل القريب منهم هذه المرة ليشاكسهم حسام بملامحه قبل أن يخرج إليهما لسانه بحركة عفوية مغيظة فيضحكا سويا ويهم سليم بالحديث ليقاطعه صوت رنين هاتفه فيعبس بتعجب وهو ينظر لصورتها التي تومض أمامه فيبتعد عن من معه وهو يشير لحسام برأسه فيستجيب الآخر وهو يعبس بتعجب فسليم لا يستقبل اتصالاته الهاتفية بعيدا عنهم أبدا ليسأل عادل بعينيه فيبتسم عادل بمكر وهو يشير بكفيه عن كون المتحدث أنثى فيرتفعا حاجبي حسام بذهول ليكمل عادل هاتفا بمرح : صاروخ .هتف حسام بعدم تصديق : كيف عرفت ؟
أجاب عادل بعفوية وهو يجاور حسام يقوم بالشواء معه : من صورتها التي زينت الهاتف يا بروفيسور .
ضحك حسام : التقطت صورتها يا عادل .
أجاب عادل ببساطة : هذا عيب أن تمتلك ذاكرة فوتوغرافية يا حسام بك .
ضحك حسام مرغما ليسأل أسعد بجدية : عما تتحدثان أنتما ؟
أجاب عادل بمرح : عن الصارو ..
صمت وهو يتطلع لابن خاله الذي عاد وبجواره الفتاة التي رأى صورتها في هاتفه فيشير لأسعد برأسه الذي التقط انضمام فتاة غريبة عنهم للمكان تحت نظرات الجميع المتعجبة من وجودها ليهتف ابن خاله ذو الملامح الجامدة : جيجي يا أسعد أتت لتتحمد لك سلامتك .
الدهشة التي ارتسمت بملامح أسعد أثارت ضحكات الآخران الواقفان يراقبان الأمر من بعيد فتهتف الشابة المجاورة له بمرح وأريحية : بالطبع أنت لا تعرفني ، اقتربت من أسعد الذي تحامل على نفسه ونهض واقفا فيتقبل مصافحتها بابتسامة لبقة وهي تعرفه على نفسها : أنجي سالم صباحي ، أعتقد لو مهتم بالإنتاج السينمائي والفني سيكون الاسم مألوف لديك ، فأنا أمتلك شركة صباحي للإنتاج الفني والسينمائي .
ابتسم أسعد بلباقة : تشرفت بمعرفتك يا هانم .
أجابته بلباقة : أنا الأسعد يا حضرة الضابط ،سليم حدثني عنك كثيرا وكان متأثرا جدا لمصابك ، حمد لله على سلامتك
أجابها أسعد برزانة : سلمك الله ، تفضلي اجلسي .
هزت رأسها وهي تضع علبة الشكولاتة الأنيقة التي تحملها من بين كفيها : لا داع يكفي أني أتيت لأتحمد سلامتك ، أتبعت وهي تنظر لسليم - فأنت ذو مكانة عالية عند سليم وكل ما هو غالي عند سليم غالي عندي .
أومأ أسعد برأسه دون رد محدد وهو يرمق ابن خاله بطرف عينه لتهتف بمرح متبعة : هلا دعوت والدتك يا سليم أريد أن أتعرف عليها .
همهم عادل بخفوت : أحدهم يوقع به يا حسام يا عزيزي .
كتم حسام ضحكته ليكفهر وجهه باحمرار قاني وخاصة حينما أقبلت سوزان تبتسم بتوتر و تهمس بتساؤل : لم أصدق حينما اخبرني ميرو أنك أتيت بضيوف يخصونك دون أن تبلغني يا سليم.
تراقص المرح بعيني عادل الذي كتم ضحكته بدوره على ملامح سوزان التي أصيبت بالدهشة حينما إجابتها أنجي : للأسف هو لم يكن يدري ، فأنا أتيت دون دعوة استميحك عذرا على الإزعاج .
تمتمت سوزان سريعا : لا عليك يا حبيبتي شرفتينا بقدومك .
صافحتها سوزان بترحاب فتنحني أنجي نحوها تقبلها بود لينتبهوا جميعا على صوت ليلى التي أتت من الداخل تهتف بأمير الصغير : لا تهرول يا ولد لا أقوى على مجاراة خطواتك ، لا أفهم ما الهام الذي تريد مني رؤيته ؟
توقفت خطوات ليلى والصدمة تعتلي ملامحها وهي تنظر لتلك الجميلة التي تجاور ابن أخيها بينما استدار سليم متوعدا لابن عمته الصغير والذي اختفي سريعا من أمامه لتهتف بترحاب : يا الف أهلا وسهلا لدينا ضيوف إذًا ، أنرت البيت يا ابنتي .
كح سليم بخفة ليشير لعمته : جيجي يا عمتي ، أتبع مشيرا لأنجي - أنها عمتو ليلى والدة أسعد .
اقتربت انجي على الفور تصافح ليلى التي رحبت بها بمودة وترحاب لتهتف بها : اجلسي يا حبيبتي ، أخبريني ماذا تشربين ؟ أم آت لك بالحلوى ؟
تمتم سليم بجدية : ستنصرف يا عمتي فأنا اعتقد أن لديها مواعيد تخص العمل.
شهقت ليلى بقوة هاتفة : تنصرف والله أبدا ، لابد أن تمضي الأمسية معنا ، أتبعت دون نقاش - اجلسي يا حبيبتي ، ولكن ليس هنا حتى لا تعلق لك رائحة الشواء ، تعالي معنا فالفتيات متجمعات بالداخل سيرحبون بك للغاية .
كتم الشباب ضحكاتهم لتهمس سوزان : أتركيها على راحتها يا ليلى .
لتجيبها ليلى بجدية : لابد أن نضايفها يا سوزي ، جذبتها بود - تعالي يا حبيبتي ، ما أسمك ؟
استجابت أنجي إليها وسارت برفقتها لتتبعهما سوزان بعدما رمقت ابنها بتساؤل فاخفض بصره حتى لا يجيبها ، ليهتف عادل بمرح حينما اختفتن في الداخل : ماما ستجلسها على كرسي الاعتراف وتعلم أدق المعلومات عنها وعن عائلتها .
هتف حسام لمرح أنتقل إليه : أنجدها يا سليم .
ليغمغم أسعد الذي عاود الجلوس ثانية : أعتقد ان عليه إنقاذ نفسه أولا .
لم يجب سليم بل تحرك بنزق ظهر في خطواته وهو يخلع سترته يشمر كمي قميصه ويعود لموضوعه الأولى أمام الشواية فينتزع عصا الشوي من عادل الذي منحها له بطيب خاطر فيقوم بتحريكها بعنف ظهر في اشتداد كتفيه ، فيؤثرون جميعا الصمت الذي خيم عليهم يحترموا صمت سليم الذي يعتلى العضب ملامحه ، إلى أن هتف أسعد بجدية بعدما استقبل رسالة جنى : آل الجمال وصلوا يا شباب.
***
اتكأ للخلف ينظر لابن أخيه قبل أن يشير إليه بعينيه - بعدما أنهى الجميع طعامه فيساعدون لإعلان خطبته على كريمة آل الخيال ، فيقترب منه عمار بجدية وينحني نحوه ليسأله وائل بهدوء : ألم تتفق مع أمير أن الحفل لتحمد سلامة أسعد وخطبتك يا ولد ؟
أومأ عمار براسه موافقا وهمس لعمه : نعم يا عماه والخواتم معي فقط بعد قليل سنرتديهم بإذن الله ، أتبع بزهو مرح - وأنا أرتدي سترتي الرسيمة لأجل هذا الغرض .
رمقه وائل بنزق قبل أن يهتف به : لا كثر الله خيرك ارتديت السترة وأتيت بالخواتم ، عبس عمار بعدم فهم ليسأله وائل بمكر - ألم تستطع إقناع المهرة أن بدلا من الخطبة تعقدا القران وخاصة إنها ليست بحديثة العهد بك وأنك هائم على وجهك بسببها وعاشق لتراب قدميها يا ابن وليد .
زم عمار شفتيه ليهمس باختناق : بابا من رفض يا عماه .
تمام وائل من بين أسنانه : لأنه احمق مثلك ، كتم عمار ضحكته ليرفع وائل حاجبه قبل أن يتمتم متبعا بشقاوة - انظر وتعلم يا ولد .
أومأ عمار برأسه وعيناه تومض بترقب ليكح وائل بخفة وهو يعتدل بجلسته مقتربا من أمير الجالس بجوار وليد الذي يتوسط جلستهما : حمد لله على سلامة أسعد يا أمير ، وبإذن الله لا ترى فيه مكروه أخر .
ابتسم أمير ليجيب بلباقة وهو ينظر لوائل بعدما رمق عمار سريعا : سلمك الله يا وائل اللهم أمين يارب ، أتبع أمير بهدوء - أنرت بيتي اليوم بوجودك .
أجاب وائل سريعا : البيت منير بوجودكم يا سعادة المستشار ثم كم أسعد لدينا أنه واحد فقط يكفي أنه بكريك وزوج بكرية آل الجمال وابنة قلوبنا جميعا ، أتبع سريعا - تمم لهما الله على الخير ، أعتقد أن الزفاف قريبا وخاصة مع تحسن حالة أسعد .
أومأ أمير رأسه بالإيجاب : أها بإذن الله الموعد المحدد بعد عشرون يوما تقريبا .
هز وائل رأسه بتفهم : سيكون بخير بإذن الله وسيتم الله لهما على الخير ويخلف عليهما خلفا صالحا .
تمتم وليد وأمير مؤمنان على الدعاء ليبتسم وائل بطريقة أثارت انتباه وليد وخاصة حينما أتبع : أنتم أخذتم بكريتنا يا آل الخيال ونحن نريد مهرتكم لولدنا
استدار وليد برأسه لينظر لأخيه مستفهما قبل أن يرفع رأسه لعمار الواقف خلف كتف عمه منتظرا ليبتسم أمير بمكر ويجيبه : ألم يخبرك عمار أنهما سيرتديان الخواتم اليوم ؟
هز وائل رأسه باستنكار : هذا الأمر كان قبل حادث أسعد يا أمير ، لقد مرت ثلاثة أشهر من المفترض أن يكونا يستعدا لزفافهما الآن .
تمتم وليد بجدية : ما الأمر يا وائل ؟
رمق أخيه بطرف عينه ليجيب وهو يولي اهتمامه لأمير : أنا أرى أن نعقد قرانهما اليوم والزفاف يكون حسب الموعد المتفق لكن أمر أن يقيما خطبة قائمة من الأساس هذا أمر غير مفهوم ، ليتابع بجدية وهو ينظر لأمير - ثم لا أعتقد أنك ستدرس أخلاق عمار أو تعرف طباعه لذا نقيم خطبه فعمار تربى بين يديك كولد ثالث لك يا أمير لماذا اذا نقيم خطبة ثم عقد قران ثم زفاف .
أكمل وهو يشير لعمار : متى سيتزوج الولد حينما يتم الأربعون؟
هدر وليد بجدية : لا يهم متى يتزوج إن شاء الله عنه ما فعل ، ليتبع وهو يستدير لأمير - اطمئن على ولدك أولا يا أمير وإذ ..
قاطعه وائل بجدية : أسعد بخير يا وليد والحمد لله وسيقيم زفافه قريبا ، استدار وليد إليه ينهره بعينيه فأتبع وائل بحنق - ألا تريد أن تفرح بولدك ؟
أجابه وليد بصرامة : بل لا أريد أن أثقل على أمير أمراً لم يكن بحسبانه .
تبادلا النظرات سويا ليتمتم وائل بهدوء : لا أثقل على أمير ، ليتبع بمكر لمع على شفتيه وهو يرفع نظره لأمير متجاوزا أخيه الجالس بالمنتصف - بل أرى مقدار ابننا عنده .
رفع أمير حاجبه ليبتسم بمرح دب بأوصاله ليجيب بهدوء : مقدار عمار من مقدار الولدين كما قلت يا وائل .
هز وائل رأسه ليسأل بزهو : ومقداري أنا ؟
ضحك أمير مرغما ليجيبه : مقدارك يا سيادة الوزير لا يقدر بثمن ، ليتبع وهو يقترب من وليد يربت على كتفه بأخوة : ومقدار وليد من الأخوة والمعزة لا يقدر بأي شيء آخر امتلكته في الدنيا .
ابتسم وليد بود : أنت أخي وصديقي يا أمير ومقدارك عندي الله وحده يعلمه ، أتبع وليد بجدية - لذا لا تثقل على نفسك يا أخي .
ابتسم أمير ليهز رأسه بتفهم قبل أن يهتف : الأمر ليس ثقيلا بل مفرحا ، أتبع وهو يرفع نظره لوائل - ثم أنا لا أستطيع أن أرفض طلب سيادة الوزير ، على بركة الله يا وائل .
اتسعت عينا عمار بعدم تصديق ليلكزه وائل بعدما التفت إليه هادرا : آت بالمأذون يا ولد .
همهم عمار بذهول : حقا يا عماه ؟!
نظر إليه وائل بصدمة قبل أن يهدر فيه بجدية : رحم الله عماه منك ومن أخيك تحرك يا ولد .
كاد عمار أن يقفز فرحا ولكن نظرة وائل الحادة أكسبته رزانة غير معتادة منه قبل أن يتحرك سريعا : حالا يا عمي .
كتم أمير ضحكته لينهض واقفا ويهتف : أعذراني سأبلغ العروس وأم العروس.
تحرك أمير مبتعدا ليتمتم وائل متهكما : ابنك سيفقد عقله لأنه سيتزوج
ضحك وليد ليجيبه بجدية : بل لأنك حققت له مطلبه يا أخي .
استدار إليه وائل يرمقه بعدم رضا : كان من الأولى أن تفعل أنت يا أبا الولدين
اسبل وليد جفنيه ليجيب أخيه بجدية : أنا أساعده في مقدار ما أقوى عليه يا وائل ، ليكمل بجدية - لم أشأ أن أشعر أمير بأني أضغط عليه لأجل علاقتنا معا وخاصة مع رفض ابنته الأولي
تجهمت ملامح وائل ليتمتم بصوت خفيض : هل رفضته يمنى من قبل؟
سحب وليد نفسا عميقا ليجيبه بهدوء : نعم كانت غاضبة من عمار وكان معها كل الحق في غضبها منه ، لذا لم أشأ أن أساعده فهو يستحق عذابها له .
أعتلى التفكير ملامح وائل ليسأل بجدية وصوت خفيض : أخبرني هروب ابنك السنوات الماضية كان بسبب الخلاف بينهما ؟
نظر وليد لوائل ذاهلاً ليسأله : كنت تعلم ؟!
هز وائل راسه نافيا : بل استنتجت من حديثك معي الآن .
مط وليد شفتيه قبل أن يهز رأسه إيجابا وهو يتمتم : أنا أخشى أن يفسد عمار الأمر بيني وبين أمير يا وائل .
عم الصمت عليهما قليلا قبل أن يهمس وائل بهدوء : لن يفعل وإذا حاول لن يقدر فارتباطه بالمهرة سيربطه بجانبك يا أبا الولدين . عبس وليد بعدم فهم فأتبع وائل - برأيك لماذا أدفعه دفعا للزواج ؟
نظر إليه وليد باستفهام ليجيبه وائل بجدية : أنا خائف ليطير أحد الأولاد خارجا يا وليد ويبني عشه في أرض ليست له
اتسعت عينا وليد بإدراك ليمأ له وائل بعينيه قبل أن يهمهم : لم استرح لها يوما فهي شبيهة جدتها .
اختنق حلق وليد ليتمتم بألم : نعم لم ترث شيئا من كارلا رحمها الله بل وازدادت تشبها بماريا بعدما توفت والدتها وهي في سن مراهقتها .
ابتسم وائل : لذا أبعدتها عنكم بعد وفاة كارلا .
ضحك وليد بخفة : لن أفقد ولدي يا وائل ولولا أن عمار فعل ما فعل دون اللجوء لي لكنت أنقذته من هروب وحرمان أضنياه السنوات الماضية.
ربت وائل على كتفه : لا عليك من الجيد أنه عاش التجربة ليتعلم أن ما يملكه لا يتركه لأي سبب بل يتشبث به بكامل قوته وهو ذكي ويتعلم سريعا وأنا موقن من أنه سيتمسك بالمهرة بكل قوته .
ضحك وليد وسأله بمكر : يروقك اختياره أليس كذلك ؟
أجابه وائل بمرح : هذا الولد يروقني ذوقه منذ الصغر .
شاكسه وليد : ولكنه لا يماثل ذوقك فمن يماثلك ذوقا واختيارا اختار شبيهة حوريتك .
أطبق وائل فكيه ليهدر فيه : أتعلم أنا المخطئ أني أتحدث معك وأساعد ولدك الأحمق هذا .
ضحك وليد بقوة ليتمسك به حينما هم بأن ينهض ليهتف به : أبقى هنا إلى أن تأتي ياسمين فلا تتهمني بأني دبرت الأمر دون علمها ولتعترف لها بأنك من فعلت هذا وأجبرتني عليه.
دفعه وائل بصبيانية لينهض واقفا : يا خسارة الرجال يا أخي .
قهقه وليد ضاحكا ليتمتم من بين فكيه : تعالى أخبر فاطمة عن ذوق عمار الذي يروق لك وبعدها نتحدث .
توعده وائل بعينيه ليصدح صوتها من خلفهما : ماذا يحدث ؟
تعالت ضحكات وليد أكثر وخاصة مع استدارة وائل الهادئة بعد أن رمقه بتوعد : لا شيء يا حبيبتي .
مد ذراعه نحوها لتقترب منه فيضمها إليه من خصرها يقبل رأسها هامسا - وليد فرح لعقد قران عمار
—أووه ألقتها بهتاف سعيد لتتبع هاتفه - مبارك عليه ولكن ياسمين لم تخبرني .
هم وائل بالحديث ليقاطعهما صوت ياسمين الذي خرج مكتوما بغيظ : لأن ياسمين لم تكن تعلم .
تبادلا الأخوين النظرات ليشير له وليد بعينيه فيكح وائل بخفة قبل أن يحدثها بصوته الجاد : لأن الأمر حدث مصادفة يا زوجة أخي ، أنا من أقنعت أمير بالقبول في ظل رفض وليد حتى لا نثقل على أمير
أتبع بجدية وهو ينظر لها من على وغطرسته تحضر بقوة ولكن أمير وافق لم يرد لي طلبي.
زمت ياسمين شفتيها لتهمس بجدية وتهكم صدح بنبراتها : وهل يقوى على رد طلب سيادة الوزير ؟
أجابها وائل سريعا : إذا لا يعجبك الأمر نلغيه واتركي ولدك إلى جوارك ولا تزوجيه .
ابتسمت ابتسامة ساخرة لتهتف : بل نحن شاكرين أفضالك يا سيادة الوزير .
أومأ براسه في حركة راقية : نحن تحت أمر سيادتكم يا زوجة أخي .
لكزته فاطمة بمرفقها في خصره ليكتم ضحكته وخاصة مع ابتعاد ياسمين عنهما ،ليرمقه وليد بعتاب فيهتف به : لا تنظر لي هي من بدأت أشار لأخيه بكفه - هيا اتبعها بدلا من أن تحيل حياتك للجحيم ليلا .
نهض وليد بالفعل يتبع زوجته لتهمهم فاطمة : توقف عن استفزازها يا وائل .
أجاب ببساطة : لا أفعل .
رمقته بطرف عينها ليبتسم بلا مبالاة فتهمس إليه : هل تحدثت مع شقيقك مؤخرا ؟
عبس وائل بعدم فهم فاتبعت بهدوء - أشعر بانه ليس على ما يرام .
سحب نفسا عميقا وعيناه تقع على أحمد الجالس بجوار أسعد يتحدث معه بشيء ما ليتأملهما قليلا قبل أن يهمهم : لا أعلم احمد كتوم طوال عمره وصعب أن تشعري بتغيره أو تلتقطيه .
رمقت أحمد بجدية لتجيب وائل بهدوء : هناك أمر بينه وبين زوجته ولكنه لم يتحدث معي بل يتجنب الحديث في أي ما يخصه الآن .
زفر وائل وقربها منه يقبل جانب جبينها : اتركيه على راحته وسيأتي إن عاجلا أو آجلا .
أومأت برأسها متفهمة قبل أن تهتف به : سأذهب لأبارك للعروس وأرى اذ كن يحتاجن شيئا .
أومأ برأسه متفهما ليعود بنظراته الى أخيه الذي حضر بولديه دون زوجته التي لم تأتي برفقتهم لأول مرة منذ أن تزوجت بشقيقه ، فهي دوما تكون برفقته أو تحضر بدلا عنه في كل تجمعات العائلة الماضية لم تتخلف يوما ، وهذا يثير تفكيره فيما الذي فعله شقيقه لتمتنع زوجته عن الحضور معه ، رفع بصره نحو أخيه الذي أصبح وحيدًا بعدما نهض أسعد مستجيبا لنداء أمير فستأذن من حميه فيتبقى شقيقه بمفرده عيناه معتمة وملامحه تشي بضيقة وخاصة مع انشغال مازن عنه بالشباب الكثر المتواجدين من حولهم ليتمتم باختناق : ماذا فعلت بنفسك يا أخي ، ارحمني يا الله .
***
كح بخفة قبل أن يقترب من مطبخ بيته الذي يعج بنساء العائلة والعائلات المقربات منهم ، فينبه الجميع لوجوده فتبدأ السيدات بتبادل بعض المجاملات معه بينما يفسحن له المكان ليخطو مقتربا أكثر ظنا أن زوجته في الداخل وهو يخفض بصره عن الجميع إلى أن أرتفع صوت إيناس التي هتفت بترحاب : الأمير عندنا يا مرحبا يا مرحبا ،
رفع نظره أخبره ليبتسم بوجه أخت زوجته الصغرى والتي بمثابة أخت له بل وابنة في كثير من الأحيان لتتبع ايني بشقاوة - ليلتك ليست هنا ، أنها بالداخل مع مهرتك الغالية تجبرها على ما يبدو لارتداء شيء مميز يليق بارتدائها لخاتم خطبتها .
ابتسم بسعادة ليهمس لإيناس بمكر : إذًا الحق بهما لأخبرهما أنه أصبح عقد قران .
اتسعت عينا إيناس بذهول سرعان ما ومضتا بسعادتها لتسأله : حقا ؟!
فيمأ بالإيجاب لتهتف بالخادمة التي أتت بها من منزلها : زغردي يا أم جمال .
أطاعت السيدة على الفور ليضحك أمير مرغما قبل أن ينهرها بلطف : الن تكبري أبدا ؟
هزت رأسها نافية : مبارك يا أمير .
شاكسها بوجهه وهو يتحرك لداخل البيت متجها لغرفة ابنته : لم توافق المهرة يا فنانة .
رمقته ايني بوجهها لتسأله بعتاب : أنت تدري أنها موافقة .
اسبل جفنيه ليجيبها : ولكن لابد من سؤالها .
أومأت إيناس وسارت بجواره إلى ان دق باب غرفة ابنته قبل أن يهتف بمهابة : هلا أستطيع الدخول ؟
أتاه صوت زوجته مرحبا والباب يُفتح على مصرعه ليدلف إلى الداخل تتبعه إيناس التي تراقب ابنة أختها التي لم تبدل ملابسها بل تقف بتعنت في ركن غرفتها والرفض يعتلي ملامحها لتهتف ليلى بحنق : جيد أنكما أتيتما وخاصة انت يا إيناس ، تعالي وجدي حلا معها فهي لا تريد أن تبدل ملابسها لشيء اخر يليق بكونها عروس .
ابتسمت ايني بود وهي تقترب من يمنى التي شمخت برأسها هاتفه : ملابسي اكثر من لائقة ثم أنه ليس عرسا بالمعنى المتعارف إنه مجرد ارتداء للخواتم .
هدرت ليلى بحنق : عريسك يرتدي بدلة رسميه أنيقة وأنت تخرجين بهذا البنطلون الكلاسيكي والبلوزة التي ترتدينها بالعمل ، أقسم بالله بعض الأحيان ترتدين اشياء أفضل مما ترتدين الآن وأنت ذاهبه لعملك .
همت يمنى بالاعتراض لينظر إليها أمير فتبتلع كلماتها بضيق بينما أمير تحدث بجدية : لا تغضبي يا ليلى فهي ستبدل ملابسها وترتدي فستان أنيق يليق بعقد قرانها .
شحبت ملامحها تدريجيا بينما اتسعت عينا ليلى بصدمة قبل أن تنطق بفرحة حقيقية : حقا يا أمير ؟!
أومأ برأسه إيجابا فاعتلت الفرحة وجهها لتهتف بقوة : ستبدل ملابسها حالا
رمقها أمير بنظرة أن تنتظر قبل أن ينظر لابنته المصدومة ويهتف بهدوء : إذا وافقت ابنتي على أن يتم عقد قرانها اليوم سأعقد قرانهما بعد قليل .
رمشت يمنى كثيرا لتهمس بخفوت وهي تقترب من أبيها : ماذا حدث لينقلب الأمر لعقد قران لم يكن في الحسبان يا بابا ؟
لمعت عيناه بالإعجاب وأجابها : وائل الجمال طلب مني ولم أشأ أن أرد له طلبه ، اختنق حلقها بخوف ليتبع أمير بجدية وهو يقترب منها يحتضن وجهها بين كفيه هامسا -لكن أنا أرد الجميع لأجلك يا يمنى فهل أنت موافقة ؟
بللت شفتيها لتهمس : ليس من اللائق إحراجهم وهم ضيوف عندنا يا أبي .
أجبرها أن ترفع عينيها وتنظر إليه : لا تهتمين بأي شخص يا يمنى ، أنت الأهم والأغلى لدي ولا تبالي بمن يغضب ومن يفرح ، كل ما يهمني رضاك وفرحتك ، هل أنت موافقة يا ابنتي ؟
ابتسمت بتأثر ودموعها تملا عينيها فتهمس : ألم تعطيهم كلمتك يا بابا ؟
ابتسم أمير ليجيبها : أخبرتك أن لا تهتمي . أنا أقوى على مجابهة الجميع لأجلك يا يمنى ، أريد سماع رأيك بوضوح وصراحة فبعد أن أخرج من هنا لا رجوع يا ابنتي ، إذا ارتبطت بابن خالتك ستكون بداية جديدة لكليكما عليكما إنجاحها وإذا رفضت اليوم سنغلق هذه الصفحة نهائيا دون الرجوع لها .
ابتلعت كل خوفها .. ترددها .. ومشاعرها المضطربة لتهمس بجدية وثقة : ابنتك طوع كفك يا أبي أنا لا أقوى أن أكسر كلمتك أو هامتك ، أنا موافقة يا بابا .
ضمها إلى صدره مطمئنا قبل أن يقبل جبينها ليهمس : مبارك يا ابنتي .
انطلقت صوت أشبه الزغردة من فم إيناس لتضحك ليلى بفرحة حقيقية وإيناس تهتف : لا أقو على الزغردة ولكني سأتعلم
أغمض أمير عينيه متمتما : يا الله عليكما .
ضحكت من بين دموعها لتجيبه وهي تقترب منه تتلمس قربه : لو كنت أقوى على الزغردة لكنت فعلتها .
ضحك بخفة ليضمها إلى جانبه الآخر يقبل رأسها مشاكسا : كل هذا لأجل عمار افندي سأعلقه على الشجرة لأجل محاباتك له .
تمتمت ليلى بدفاع : حرام عليك يا أمير أتركه لحاله يكفي ما تفعله فيه ابنتك .
هز رأسه بيأس ليستدير لينظر نحو إيناس الساكنة بمكانها دموعها تنهمر دون وعي حقيقي وابتسامتها تملا وجهها فينظر لها بعدم فهم قبل أن يترك ابنته وزوجته ويتحرك نحوها : ما بالك يا إيناس ؟
سيطرت إيناس على دموعها قبل أن تمسح وجهها بكفيها بينما توليها ليلى اهتمامها الأمومي الكامل : لا شيء ، فقط لوهلة تمنيت أن أكون ابنتك أو أختك يا امير لأستطيع أن اهنأ بهذا الاحتضان الروحي والدعم الذي قدمته لموني .
تنهد بقوة لينظر لها من بين رموشه : أنت ابنتي وأختي يا ايني ولابد أن تعلمي جيدا أني ادعمك بكامل طاقتي .
تنهدت بقوة لتهمهم : يا ليت الآباء كلهم مثلك يا أمير .
مازحها بالقول : ألا يكفيك وجودي الآن؟
تمتمت برقة وهي تنفض حزنها و بقايا ذكريات سيئة تجتاحها : بل يكفي ويزيد .
هتفت بمرح بعدما ضمت ليلى لتطمأنها على نفسها : هيا يا عروس أتركي نفسك لي قليلا وغادرا يا والديها حتى نستطيع أن ننجز الأمر في وقت قليل .
أومأ أمير برأسه لتهتف ليلى : سأذهب للضيوف في الخارج ، لا تتأخرا يا إيناس .
ليهتف أمير وهو يغادر فعليا : لا ترتدي شيئا عاريا ولا تتزيني بزينة كاملة ، لا تثيرا غيرتي فتجبراني أن ألغي الزيجة من أساسها .
ضحكت إيناس : سبق السيف العزل يا سيادة المستشار ، أتبعت وهي تغلق الباب من خلفه - اليوم ستتزوج مهرتك من الدنجوان .
خطت نحو يمنى تنظر لها متسائلة : لا زلت خائفة ؟
هزت يمنى رأسها نافية لتتبع ايني : إذًا دعينا نطير ما تبقى من عقل عريسك المنتظر والذي أفقدته معظم عقله يا ابنة الخيال .
ابتسمت يمنى بمكر لتمأ برأسها موافقة وهي تستجيب لذوق إيناس الأنثوي الراقي في كل شيء.
***
انفض الجمع من حولهما وهو لا يدري ماذا حدث منذ أن أعلن المأذون أن عقد القران انتهى وهو يستقبل تهاني الجميع الذين بدأوا بالانصراف فيغادر خالها وعائلته ويغادر معظم آل الجمال ما عدا بقية عائلته ولكنه لا يهتم هو يشعر بأنه طائر بين الغيوم ، عيناه لا تلتقطان سواها ولا ينتبه سوى لحديثها أو أفعالها ورغم أنه لم يستطع أن يقترب منها أو يبارك لها كما يحب إلا أنه يشعر بروحه طائرة في رحاب وجودها انتبه على صوت عاصم الذي يهمس بجانبه : أقسم بالله لو لم تخفض نظرك الآن سيعلقك بابا بنفسه وليس عمو أمير الاثنان يراقباك منذ عقد القران وأنت غبي لا تقوى على احترام نفسك .
التفت إلى أخيه -الذي جلس بجواره -دون وعي حقيقي ليهتف عادل الذي جلس بجانبه الآخر : أتركه أنه هائم على وجهه لا يصدق للان أن شقيقتي وافقت على الزواج منه .
أجاب بعفوية : أنا بالفعل لا أصدق ، هل حقا تم عقد القران ؟!
ضحك عادل ليصفق عاصم كفيه ويهتف : نعم تم وأنا كنت شاهدك الأول ونادر الشاهد الثاني وأنت جلست هناك ووضعت كفك بكف عمو أمير ورددت خلف المأذون قبلت زواجها .
مال ناحية أخيه هامسا بجدية : عقلي لا يقوى على الاستيعاب .
أشار عادل من خلفه هاتفا بعاصم : ما رأيك نصدمه نحن بدلا من الكبار ؟
ضحك عاصم ليلف ساعده حول عنق عمار ويهتف لعادل : هات ماء مثلج من الداخل لنغرق فيه رأسه لعله يقوى على التصديق.
ضجت الضحكات وعمار يهتف بعاصم : اتركني ولا تستغل كونك الأكبر هنا .
تعالت ضحكات عاصم ليهتف عادل وهو يأتي بكوب من الماء : أنت وحيد يا ابن الخالة فأسعد لن ينجدك منا .
راوغ برأسه حتى لا يسقط الماء فوقه ليتوقفوا جميعا على صرخة ليلى التي أتت عالية : ماذا تفعل يا عادل ؟ عاصم أترك أخيك يا ولد .
كح عاصم ليعود لرزانته المعتادة وهو يفك ساعده عن عنق عمار ليتجرع عادل كوب الماء كاملا قبل أن يهتف : لا شيء يا ماما .
أتى اسعد من خلفها يسير بعرج خفيف ليسأل بجدية : ماذا يحدث يا ماما لماذا تصرخين ؟ بابا انزعج من صوتك وكان سيأتي بنفسه ليرى ما الأمر لولا أني كنت قريب منك ؟!!
رمقت عادل وعاصم والبراءة تلف ملامحهما وعمار الضاحك ببشاشة لتجيب أسعد : لا شيء يا حبيبي ، إخوتك يتشاكسون كعادتهم .
انتفض عمار واقفا لينسل من بين الاثنين هاتفا بجدية : لو سمحت يا أسعد ابلغ موني أني أريد أن أتحدث معها بالصالون .
عبس أسعد ليهم بالحديث ليقاطعه صوت عادل الذي صدح بقوة : نعم يا أخي ، ماذا تريد يا ابن أنطي ياسمين ، أتبع وهو يشير لعاصم - هيا يا باشمهندس خذ أخيك وعودا إلى بيتكم ، ليس لدينا فتيات تجلس بالصالونات .
جلجلت ضحكة عاصم بقوة ليكتم أسعد ضحكته قبل أن تهتف ليلى : عادل ماذا تفعل ؟
هدر بحنق وهو يتجه نحو عمار الذي تحرك بسرعة ليقف خلف أسعد : لا عادل ولا أسعد ، عد إلى بيتك يا طبيب المجانين ، هل صدقت أنك عريس وستجلس في الصالون وتغلق عليك الباب أنت وشقيقتي وهذه الأجواء أنساها ليس لدينا شقيقات لأجلك .
تعالت ضحكات أسعد مرغما ليهتف عاصم من بين ضحكاته : اهدأ يا دكتور وكن منطقيا .
نظر له عادل باستهجان وردد : منطقيا معكم لا ، أتبع بجدية وعنفوان - لن يحدث على جثتي .
هتفت ليلى بصدمة : عادل ، هل جننت ؟
ليهدر بحنق تملكه : من فضلك يا ماما لا تتدخلي ، ليتبع أمراً وهو يحدث عمار - وأنت لا تستجير بأبي ، تريد الحديث مع موني سأدعوها لك هنا وتحدث معها أمامنا .
صاح عمار بضيق : إنها زوجتي .
ليصيح عادل أمامه : لا يا حبيبي ليست زوجتك أنها خطيبتك وعقد قرانكما لأجل أن تستطيع الجلوس معها والحديث فقط ولكن أمامي هنا ،عبس عمار بضيق ليتابع عادل -لا يعجبك على راحتك أمضي لحال سبيلك لا كلام ولا حديث سيحدث بينكما .
هتفت ليلى بعدم تصديق : أنت يا ولد ماذا تفعل ؟!
أشاح برأسه مؤثرا الصمت ليكتم أسعد ضحكاته قبل أن يهتف بأخيه : حسنا اذهب وادعوها لتأتي إلى هنا .
تحرك عادل للداخل بالفعل بينما وقف عاصم مجاورا لأخيه يدعمه بعينيه مهمهما إليه : سيأخذ فترة إلى أن يعتاد وضعك الجديد ، فعمك إلى الآن لم يعتاد وضعي الجديد.
كح أسعد بخفة ليهتف وهو يشير لليلى بعينيه أن تطمئن فهو سيداوي الأمر : اذهبي يا ماما وأجلسي مع السيدات بالداخل ، ليتبع وهو يلتفت لعمار - لا تغضب يا عمار عادل منفعل فقط وهو غيور للغاية وأنت تعلم .
تمتم عمار بحنق : أنها زوجتي يا أسعد .
أومأ أسعد برأسه : أعلم وهو الآخر يعلم ولكنه كما قال عاصم لم يعتاد بعد فأهدا أنت وعالج الأمر بحكمة ولديك بابا تستطيع أن تستأذنه في أي شيء دون أن يعرف عادل أو حتى أنا فنحن الاثنان مهما حدث لا نقوى على الاعتراض أمام بابا يا عمار وإلا ما كنت تزوجت يمنى من الأصل .
ضحك عاصم بقوة ليهتف عمار : حتى أنت يا اسعد.
هز أسعد رأسه بلا مبالاة ليلتفت نحو شقيقته التي أتت تتهادى بهدوء ومن خلفها عادل ليبتسم أسعد مرغما حينما تعلقت نظرات عمار بها ليهمهم ضاحكا : أخفض بصرك يا ابني وساعدنا قليلا على تقبل الأمر فعادل سيحرقك حيا بنظراته .
قهقه عاصم ضاحكا ليشير إليه اسعد برأسه فيجيبه بتفهم قبل أن يتحركا سويا نحو عادل ليهتف أسعد بجدية : التزم بحدود الأدب .
لم يجبه عمار بينما هدر عادل معترضا وأسعد يدفعه من خصره بعيدا : اتركني يا أسعد ولا تستغل أني لن أقوى على دفعك بعيدا
هدر أسعد بجدية : لا تكن أحمقا يا شقيقي ، اتركهما يتحدثان ، أوقفه ليرفع رأسه ناظرا لأخيه - ثم أختك تستطيع أن تخلع كتف عمار لو أدارت .
جمدت ملامح عادل ليجيب بصوت مختنق : اذا أرادت .
قهقه عاصم ليهتف وهو يدفع عادل بجدية لداخل البيت : أنت تشعر بالغيرة يا عدول ، كتم عادل ضحكته ليقاوم دفعة عاصم القوية فيهدر عاصم أمراً - ابن خالتك الكبير يا ولد هل ستدفعني في المقابل ؟
هدر عادل بمرح انتقل إليه : فارق السن أقل من سنة يا عاصم .
دفعه عاصم بمرح : أظل الكبير يا ولد .
ضحك عادل ليضمه عاصم بأخوة قبل أن يهتف به : تعال واتركهما يتحدثان قليلا .
***
تلهث أنفاسه بعدم تصديق يرمش بعينيه وهو يتأملها بنظرات شغوف تائقة .. خافقه يقفز مهللا وعقله لا زال غير مدركا ، يتساءل أحقا هي أصبحت زوجته .. أحقا أصبحت داخل عصمته .. أحقا أعلنت موافقتها ومنحته عفو وأعطته صك بوجود أبدي في حياته .. أحقا باتت ملكه ؟
اقترب بخطوات بطيئة متمهلة يهدا من جموحه ويسيطر على لهفته يقف أمامها يكاد أن يرتطم جسده بجسدها ليهمس بخفوت أمام وجهها فتعانده بإطراقها أرضا فلا تمهله فرصة الغرق بملامحها : مبارك .
رفت برموشها الطويلة محددة بكحل عينيها الأسود فتبرز ضياء بنيتها الغني قبل أن تتمهل فترفع وجهها ببطء شعر بأنها تعمدته لتنظر إليه بابتسامة عذبة لم يرها من قبل تزين ثغرها وهمت بأن تجيبه لكنه قاطعها متبعا بعدم تصديق صادق لمع باخضرار عينيه الصافي - أنت حقا هنا أم أنا واهم ؟!
ضحكة رقيقة انسلت من بين شفتيها أجبرته على الابتسام باتساع والسعادة تحتل حدقتيه فيقبض على كفها القريب ويهتف بحماس وهو يجذبها معه : تعالي .
اضطربت ملامحها لتشهق بخفة حينما استجابت مرغمه لخطواته السريعة فتهمهم بعدم فهم : إلى أين ؟!
جذبها دون رد فجارته بخطواته الواسعة وكعبي حذائها يدقان الأرض بخطواتها المتتالية لتنظر من حولها فتجد أنه يجذبها للحديقة الخلفية القريبة من نافذة غرفتها ليوقفها بمنتصف الحديقة ويقف أمامها لاهثا يحتضن أعلى ذراعيها براحتيه وهو يمد ذراعيه على طولهما ينظر نحوها محاولا السيطرة على قلبه الذي ينبض بخوف مما هو مقدم عليه لتهمس بترقب وهي توليه أمرها كاملا : ما بالك يا عمار ؟
ازدرد لعابه ببطء ليركع فجأة على ركبة ونصف ارتعد جسدها بمفاجأة قبل أن يحدثها وهو ينظر نحوها بعدما أسر نظراتها بعينيه هامسا بصوته الأجش : منذ أن كنت صغيرا وأنا متعلق بالطفلة الجديدة التي حلت ضيفة على بيت خالتي وهو الذي كان خاليا سوى من ولدين يشبهاني فكنت منجذبا لهما حياتي تستقيم بوجودهما فلا أفعل شيء إلا معهما لدرجة اني كنت أدعوهما باخواي كما أفعل مع شقيقي ، ذاك البيت الذي كان ملجأي حينما أضيق من بيتنا لوجود ابنة عمي الصغيرة المدللة التي تستولى على أشيائي بسهولة ويسر دون أن تهتم برأي ودون أن يهتم أحدهم بضيقي فاهرب إلى هنا ، إلى اخوتي فالصغيرة الفتاة التي أتت لم تظل فتاة بل انقلبت لتصبح شبيهة لنا فكانت تلعب معنا تركض بأريحية وتتعامل بخشونة إلا حينما أكون ضائقا كانت تشعر بي وتأتي لتجلس بجواري وتؤازرني دون حديث بل كانت تمنع أخيها الغليظ عني .
ضحكت مرغمه وعيناها تترقرق بدموع كثيرة لم تنساب بل ظلت معلقة داخل جفنيها وهي تنظر إليه ليتبع - ظللت متعلقا بها إلى أن كبرنا واكتشفت فجأة أنها فتاة حينما غدت صبية واختلفت عم كانت عليه وهي صغيرة ، بل أن عقلي اكتشف كونها فتاة جميلة كانت مخبأة تحت عباءة ذكورة أخويها ، وأقسم قلبي على صدق عقلي حينما أثارت رجولتي بطريقة لم أتوقعها أبدا ، تلك المرة التي اقتحمت غرفتها بغباء ناسيا أن كلانا كبر وأن ليس من اللائق أن أدلف إلى غرفتها مثل الثور هكذا دون استئذان فارتعد جسدي متأثرا برؤية كل ما كانت تخفيه عننا.
احتقن وجهها تلقائيا أمام نظراته الغائمة بعاطفته القوية نحوها وهو يكمل : لقد ظللت هائما فيم رأيته لأكثر من يوم اختفت فيهم عن عيناي فأججت شوقي لها أكثر ولكني امتنعت عن رؤيتها مستغلا خصامها لي وأنا أفكر فيم بعد .. في الوضع بيني وبينها.. في علاقتي بها ، ليذكرني عقلي بم كان يفعله عمي مع ابن خالة بناته لارتعد خوفي أن ينفني عمو أمير من بيته لأجل أن يبعدني عنها فدفنت مشاعري بداخلي وأقسمت أن لا أقترب منها إلا حينما أصبح رجلا كبيرا لأتزوج منها .
اهتزت حدقتيها وعمق جرحها يومض بعينيها فأتبع بصوت أبح وهو يبتلع غصته التي تحكمت في حلقه وهو يكمل : لقد أخطأت في حقها كثيرا وأذيتها أكثر ظنا مني أن هذا لصالحنا وحتى حينما صارحتها بعمق مشاعري نحوها تسببت بجرحها جُرح عظيم لم أقوى على معالجته ولكني أقسم لك أني أحببتها ولم يسكن قلبي غيرها ، والآن أنا رجلا كبيرا بالغا وناضجا أطلب منها أن تعفو عني .. تصفح وتمنحني مغفرتها وتقبل بي أن اكون حبيبها .. صديقها .. قرين روحها وزوجها .
تمسك بكفيها في رجاء غمس بحروفه : هل تقبلين بالزواج مني يا مهرتي ؟؟
أومأت برأسها موافقة ودموعها تنهمر على وجنتيها لتهتف بصوت باكي : أقبل ، انا أقبل .
قفز واقفا وهو يصرخ بقوة ليضمها إلى صدره بقوة مستمتعا بنعيم وجودها بين ذراعيه ليقبل جبينها صارخا بينما يحملها ويدور بها : أنا أحبك يا مونتي .
تعلقت برقبته مرغمه لتنطلق ضحكتها عالية فيصدح صوت عادل الذي خرج للحديقة بعيدا عنهما ولكنه التقط حمل عمار لها حينما تحرك يبحث عنهما : ماذا يحدث هنا ؟
أنزلها عمار مرغما وهو يقهقه ضاحكا ليهمهم إليها حينما أوقفها خلفه ليتصدى لعادل الذي اقترب منهما : أخيك الغليظ قادم .
ضحكت لتدفن ضحكتها في كتفه ليجيب عادل بمرح : لا شيء يا ابن خالتي ، الأمن مستتب لا تقلق .
رفع عادل عينيه ينظر لها متسائلا لتجيب ووجهها محتقن بقوة : نحن بخير يا عادل .
هدر عادل من بين أسنانه : هيا لتنصرف يا عمار فوالداك مغادران وينتظراك لتغادر معهم .
أومأ عمار براسه موافقا : سآتي حالا لتغادر معهم لا تقلق يا دكتور .
استدار عادل على عقبيه ليبتعد عنهما فيلتفت لينظر لها بتوق قبل أن يهتف بجدية : هلا قضيت اليوم غدا معي ؟
أومأت برأسها موافقة : سنحتفل .
غمز لها بعينه في شقاوة تلبسته : سنحتفل .
سحب نفسا عميقا ليقترب منها بتؤدة ليقبل جبينها برفرفة شوق أهداها لها : مبارك يا موني .
رفعت رأسها لتنظر نحو بسعادة أغشت عينيها : بارك الله فيك يا قلب موني.
اتسعت ابتسامته ليهدر صوت عادل باسمه فينظر للسماء هاتفا بصراخ : قادم يا عادل قادم .
ضحكت برقة لتهمهم إليه بمكر : سيغادر بعد قليل لمناوبته ، سأحدثك بعد أن ينصرف فهو طالما متواجد لن يمنحني فرصة الحديث .
أومأ برأسه ليشير إليها وهو يبتعد : سأنتظرك .
راقبت انصرافه بعينيها المضيئتان لتتنهد بقوة وتنظر للسماء بابتسامة امتنان تلمع على ثغرها لتربت على قلبها بحنو وهي تخطو نحو مدخل خاص لغرفتها من الحديقة فتختفي عن الأنظار تريد الانفراد بروحها وتحيا في غيمة سعادتها التي مُنحت لها بمفاجأة قدرية حطت عليها كهدية سماوية امتلكت حواسها .
***
عائدان من التجمع العائلي الذي تفاجئ به حينما عاد لمنزله ليجدها ترتدي ملابسها ومتأنقة ومستعدة للخروج فسألها بحدة عن وجهتها لتخبره ببساطة أنها ذاهبة للعشاء المقام على شرف سلامة أسعد وعقد قران ابن عمها على صديقتها ، حينها رمقها بنظرة متوعدة وهدر بخفوت أن تنتظره فهو سيرافقها للحفل .
لم تأبه بالرد عليه ولكنها انتظرته في طاعة وصمت ليذهبا سويا بالفعل ويقضيا للوقت مع الآخرين فأميرة تفننت في الابتعاد عنه عدم الحديث معه ، بل زوجته الخجول أضحت أخرى لبقة الحديث مرحة وتشارك الآخرين آرائها أيضا ، بل إنها انغمست في الحديث مع سليم وعاصم بأمر يخص العمل وشاركتهم تلك الغريبة التي لم يدرك هويتها إلا حينما أخبره عمر عن كونها مالكة لشركة انتاج ستتعاون مع شركة الدعاية التي يديرها سليم الآن .
ولكنه استنتج من طريقتها مع سليم أن هناك ما يجمعهما حتى قبل أن بخبره عمر بصداقتهما ،
تنهد بقوة وهو يرمقها بطرف عينه تدعي النوم حتى لا تتحدث معه كما فعلت طوال الساعات الماضية التي راقبها على مدارها تبتعد عنه وكأنها تصرح برغبتها الفعلية في الانفصال عنه .لقد حاول عاصم ولدهم ان يشغلاه عنها ، بل إن اخويه حاولا بحماس أن يشركوه معهم في حديثهم ولكن مع غياب أبيه عن التجمع شعر بالنفي يتعمق بداخله يضرب جذوره وينبت شجرة مشوهة تحتل صدره وتسيطر على حواسه فتخنقها كلما نمت .. كبرت .. وترعرعت ، ومع كل ابتعاد واضح منها ومع كل رفض صريح من أبيه يشعر بها تتضخم بداخله لدرجة أصبحت غير محمودة العواقب .
صف سيارته في حديقة منزله ليهمس باسمها متبعا : وصلنا للبيت .
رفت بعينيها تحاول أن تستيقظ من غفوة سقطت فيها على ما يبدو لتتنفس بعمق وعيناها تُغلق من جديد فيترجل ليدور من حول السيارة ناويً حملها لتدفعه بجدية وهي تستفيق على ذراعيه يضمانها هاتفة بشموخ : سأسير بمفردي .
مط شفتيه ليهمهم وهو يبتعد بالفعل : على راحتك يا أميرة .ترجلت بالفعل لتترنح خطواتها بسبب نومها فيسارع لإسنادها لتشد جسدها بصلابة وهي تدفع كفيه بعيدا : اتركني ، أخبرتك أني سأسير بمفردي .
رفع كفيه عنها ليهمهم بنزق : آسف المعذرة ما كان عليا أن أتدخل ، تفضلي .
ليتبع بهمس خفيض حينما ابتعدت بخطواتها - لن أنجدك المرة القادمة سأتركك تقعين يا ابنة الوزير .
***
يرتدي ملابسه ينظر من خلال المرأة نحوها يشعر بشوقه الشديد يسوقه لها ولكنه يتمسك بزمام لهفته فلا يقترب منها ، لازالت لطمة عمه لوجنته محفورة بتلافيف عقله ، عمه الذي أمسك بتلابيبه يهزه بغضب عارم يتهمه بقتل ابنته بعدما هاتف زوجة عمه ليخبرها عم حدث لها فيعودان سريعا للقصر وهما من كانا غادرا ليتركاه مع عروسه ، نظرة الخذلان التي ومضت بحدقتي زوجة عمه آلمته وبكاء عمه غير المسبوق جعله يشعر بالندم يأكله بسبب ما اقترفه في حقها.
فيوعد عمه في غفلة منه وشعور الذنب يتملكه أنه لن يقترب منها إلا حينما تتعافى وتصبح بخير ، ويا ليته ما فعل ويا ليته ما وعد ، فهي لا تصبح بخير بل أسيل التي أحبها تضمحل أمام عينيه .. تتلاشى .. وتتناثر روحها في الفضاء ، لقد ازدادت بؤسا .. نحولا .. وانطواء على نفسها فبعد تلك الليلة التي أسعفها داخل أروقة القصر فهو لم يقبل بنقلانها للمشفى وأتى بطبيب ماهر قَبِلّ بمعالجتها فأوقف لها النزيف ومنحها الدواء وألمح له بأنها ستحتاج استشارة نفسية فالطبيب رغم أنه لم يتهمه صراحة باغتصاب زوجته إلا أنه فهم من نظرات الرجل مدى ما فعله ليهمهم بجدية : أنه سيقوم بمعالجتها والاهتمام بها ورعايتها.
فصمت الطبيب وغادر بعدما مَنحه مبلغ من المال يجبره على أن يظل صامتا ولا يتحدث عم يحدث داخل قصر الحريري .
ومن حينها و والدتها تحايلها كي تتناول بعض من الطعام لتأخذ دوائها في صمت تساعدها على اعتنائها بنفسها وتترجاها أن تخرج من فراشها فترفض في عناد وتتمسك بنوم تقضي معظم يومها فيه في ظل مراقبته لها وصبره عليها وعدم معرفته بم عليه أن يفعله لكي يستعيدها
تنهد بقوة وهو يخطو إليها يتأملها مليا ليجلس أخيرا مجاورا جسدها على حافة الفراش هامسا باسمها.
رمشت بعينيها كثيرا لترفع نظراتها إليه في وجل فيلامس خصلاتها ويعيدها بعفوية للوراء فتجفل وتتراجع برأسها بعيدا عن مرمى كفه شعر بقلبه يئن عليها وعنفوانه يزأر غاضبا لرفضها الموجه له ، ومضت عيناه بتوعد لم يدركه إلا حينما تعالت انفاسها وهزت رأسها برفض ترجمته بصوت خفيض متوسل : أرجوك يا زيد لا تفعل .
اختنق حلقه ليسألها بعدم فهم : لا أفعل ماذا ؟!
نظرت إليه بترقب فازدرد لعابه ليبتسم في وجهها بتشنج شكل فكيه قبل أن يهمس : لن أفعل ، المرة الماضية لن تتكرر ، لم أكن أقصد ما حدث ولكني كنت .. صمت قليلا ليتابع - أريدك أن تنسيها وكأنها لم تحدث
اهتزت حدقتيها بعدم فهم فابتسم بوجهها بحماس غريب دب بأوصاله ليهتف بها : ما رأيك لنسافر قليلا ؟ نجوب البلاد سويا ألم تكوني تريدين السفر ؟
نظرت له بحذر فأكمل : ونحن بالخارج نستطيع أن نذهب لملتقى المعمارين الذي تريدين حضوره ما رأيك ؟
تهلل وجهها بفرحة سرعان ما اندثرت وهي تهمس : تتحدث بجدية أم ؟
رفع كفها ليلامس وجنتها من جديد فترجف بخوف عفوي ، تأفف بشكل ملحوظ قبل أن يهدر بحنق : بل أتحدث بجدية أريد أن امنحنا فرصة جديدة وبداية جديدة ولكنك لا تساعدينني كلما اقتربت منك ترتجفين وهذا يضايقني ويغضبني.
تمتمت بتلعثم وخوفها منه يسكن روحها : أنا .. أنا لا أقصد ان أغضبك أنا فقط خائفة يا زيد .. أنا خائفة منك .
قرب كفه من وجنتها ليلامسها فتصلبت وأجبرت نفسها إلا تبعد عن كفه الذي لامسها بحنان ليهمس لها : لا تغضبينني وأعدك أني لن اؤلمك ولن أخيفك من جديد يا أسيل .
ابتسمت بتوتر ليضم رأسها من الخلف يقربها منه ليقبل جبينها فترتجف مرغمه حينما شعرت بأنفاسه تقترب منها لتشعر بالدموع تغلق حلقها وشفتيه تقبلان جبينها لتنهمر دموعها تلقائيا حينما حاد بفمه لينثر قبلاته فوق صفحة وجهها لتنشج ببكاء حاد حينما حاول ان يمتلك شفتيها فيعبس بغضب قبل أن يقفز واقفا بحدة هادرا بحنق : لا فائدة معك .
انتفضت بخوف لتهذي : رغم عنى ، أقسم لك رغما عني .
زم شفتيه بضيق لينظر لها من علٍ ليبتسم بانتشاء وهو يشعر بها تريد رضاءه فيقترب منها من جديد ، جلس مواجها لها يكتنف خديها براحتيه ليمسح دموعها بإبهاميه قبل أن يهمهم : لا تبكي يا حبيبتي أنا لا أريد أذنيك ، أنا أحبك يا أسيل .. أحبك أنتِ حياتي كلها .
تماوجت مشاعرها لتكتم رفضها وتشنجها الذي لاح بالأفق فكدر هدوءه بعبوس طفيف اندثر حينما استكانت بين ذراعيه ليضمها إلى صدره بقوة ينثر قبلاته فوق ملامحها بأكملها ، عضت شفتيها تتحمله بصبر وهي تكتم شهقات بكائها وتغمض عينيها حتى لا تنهمر دموعها إلى أن انتهى من تقبيلها الذي لم يطأ شفتيها ليبتسم بلطف وعيناه تشع بوهج موجه لها لتبادله ابتسامته بارتعاش داهم فكها وانتقل لبقية جسدها فيضمها إلى صدره ثانيا هامسا بجانب أذنها : لا تخاف يا حبيبتي سيكون كل شيء بخير ،
أومأت برأسها في طاعة أجبرها عليها لينهض واقفا يربت على رأسها كحيوان أليف روض لأجل رغباته ليهتف بمرح : سنسافر غدا صباحا فقط لدي سهرة عمل ولولا أنك متعبة لكنت صحبتك معي بها ولكن استريحي أنتِ لنذهب إلى سفرتنا وأنت مشرقة .
رمشت بعينيها لينحني نحوها يقبل شفتيها قبلة سريعة دمغت روحها بوشم قهره لها ، كتمت تأوه كاد أن يفلت من بين شفتيها حينما طبع قبلته في تجويف عنقها ليودعها وهو يغادر انتحبت بصمت وهي تتوقع على نفسها بعدما أفرغت كل ما بجوفها أرضا فلم تهتم لشيء سوى أنها سقطت داخل غيبوبة نوم ألمت بعقلها فاستجابت لها حتى تمنحه بعض من الراحة يحتاجها
***
دلف إلى المكان الذي صحبته له برفقتها احتفالا بالصفقة التي تمت بين المؤسسة وبين الشركة العالمية التي تعمل لديها ، احتفالا دعت إليه الجميع ولكن لم يستجب سواه وحضر ممثل عن مؤسسة الجمّال بأكملها فعاصم رفض بهدوء وعمر تنحى جانبا في حين أحمد ناور الرفض بطريقة لبقة فلم يصرح به ولم يصرح بالحضور أيضا
أما هو فأتى بها بعدما حضر عقد قران ابن عمه لينصرف مستأذنا منهم حتى يلحق بموعده معها فتناولا الطعام سويا ثرثرا سويا وتضاحكا وصحبها لمنزلها لتبدل ملابسها وانتظر كرجل محترم بسيارته أسفل البناية إلى أن وافته بإطلاله جديدة لم يرها في تلك المرات المعدودة التي قابلها بها.
نظر من حوله إلى الملهى الليلي المتخفي بوجهة مطعم راقي فخم ولكنه بأخر الأمر ملهى ليلى، ورغم أنه ذهب أكثر من مرة لملاهي ليلية خاصة بالشباب ولكن هذا العالم لأول مرة يدلف إليه جف حلقه وهو ينظر إلى البشر من حوله ابناء طبقته العتاه ولكن هنا متحررون من كل القواعد التي تُفرض عليهم بسبب مناصبهم .. مناصب آبائهم .. أو وضع عائلاتهم الراقي فكل ما سبق يضع الجميع في قوالب معينة تزال من حولهم حينما يدلفون إلى هنا كما شعر هو بالضبط فالمكان بتنسيقه الحميمي يجعلك تشعر بأنك ببيتك بل أنك أمام مرآة غرفة نومك أو مرآة حمامك محررا من اثقالك. رفت عينيه والموسيقى تتصاعد من حوله موسيقى شرقية تستولى على الحواس لتجذبه هي نحوها و تهمس بأذنه : تعال يا أدهم الطاولة هناك .
اشارت أمامه بذراعها العاري فتعلقت عيناه رغم عنه بها ليتبعها كالمنوم مغنطيسيا حينما احتضنت كفه براحتها لتسحبه معها وهي تهمس : سيجعبك المكان فقط تعال.
استجاب .. خضع .. وأتبع ليجلس فتجاوره جلوسا بأريحية على الأريكة الصغيرة التي بالكاد تكفي لشخصين ، ابتسم وشعر بسخونة جسدها القريب منه رغم عدم ملامستهما لتشير إلى النادل فيقترب منهما لتسأله بهدوء عم يشرب فأجاب : أي شيء .
تحدثت مع النادل بكلمات قليلة ليقاطعها بجدية : المعذرة يا بسمة ولكني لا اشرب الخمر ، أطلبي أي شيء آخر .
رفعت حاجبيها بتعجب قبل أن تصرف النادل بكفها وتستدير له فتقابله بجسدها ووجهها عيناها تنظر له بتفكير لتهمس بتساؤل : حقا لم تذقه من قبل ؟
أومأ برأسه إيجابًا فتضم شفتها بسعادة غمرتها لتهمس بمرح : حسنا لتجربه معي .
هز رأسه نافيا : لا . أنا لن أجربه إذا أردت أنت ِ الشرب على راحتك أما أنا سأشرب العصير .
ومض الذهول بعينيها لتهتف بعتب : لا تمزح يا دومي .
جمدت ملامحه لينهض واقفا : أنا لا أمزح شكرا على الدعوة.
تمسكت بساعده تنظر له برهبه هامسة وهي تنظر من حولها : اجلس يا أدهم أرجوك ستلفت الأنظار إلينا .
رمقها من بين رموشه لتتابع في نبرة متوسلة : أرجوك اجلس .
زم شفتيه ليزفر بقوة قبل أن يجلس ثانية يشيح بوجهه بعيدا عنها فتكتف أصابعها حول ساعده القريب تركن بوجنتها على أعلى ذراعه هامسه بنبرة إغواء صريحة : ماذا فعلت وأغضبك؟
رفع رأسه بعنجهية تجذبها نحوه بطريقة لم تتوقعها قط ليجيب بتهديد واضح : إياك أن تشعريني هكذا ثانية ، ليس أدهم الجمال من يُستصغر بهذه الطريقة ، أتبع وهو يدير رأسه إليها بحدة تملكته - أنا لست ولدا صغير تسكتيه . إذ لا تشعري بأني رجلا كفاية دعيني انصرف .
زفرت أنفاسها بتقطع لتقترب منه وهي تفرد أحد كفيها على صدره والأخرى تلفها بتملك حول ذراعه القريب تتلمس عضلاته القوية هامسه بخفوت : بل أنت رجلا عن كثيرون عرفتهم قبلك أتبعت وهي تترجاه الصفح بعينيها - فقط أردت أن أسعدك وتوقعت أن تجربتك للشرب معي أول مرة ستسعدك .
ابتسم بمكر وملامحه تتشكل بمشاغبة تعمدها ليهمس إليها وهو يقترب بوجهه منها : أستطيع أن أسعدك بأشياء كثيرة معك لأول مرة .
ابتسمت بإغواء متعمد لتهمس : مثل ماذا ؟
اتسعت ابتسامته ليهمس بصوت أبح : الرقص مثلا .
ضمت شفتيها بانضمام مدروس يدل عن ضيقها لتجيبه : رأيتك ترقص من قبل .
وضع راحته فوق كفها الموضوع فوق قلبه ليرد : ليس هذا النوع من الرقص .
أتبع وهو يقترب برأسه منها فما كاد أن يفصلهما شيئا سوى أنفاسهما : أم لا تجيدين الرقص الشرقي ؟
نظرت إليه بإغواء : لأجلك اجيده .
حرك ذراعه ليفردها خول خصرها يجذبها نحوه في خشونة : حسنا لنرى .
انتفض جسدها حينما وجدت نفسها بحضنه دون توقع منها لتمد رأسها تقترب منه تقبل وجنته برقة : لنرى .
اقشعر جسده بطريقة لم يشعر بها قبلا لتستغل ردة فعله التي توقعتها فتنهض واقفه قبل أن تجذبه من ساعده بلطف هاتفه : هيا لنرقص.
***
تتمايل أمامه بدلال راقص وهي تتعلق بإحدى ذراعيها في رقبته والأخرى تلوح بها في استمتاع على الموسيقى الشرقية التي تدوي حولهما منغمس معها في رقصتها التي أعجبته ومستمتع بغنجها الذي تغرقه فيه انتهت الموسيقى لتهدأ خطواتهما سويا وترتمي بحضنه في دلال فيلف ساعديه حول خصرها ويوازن نفسه حتى لا يهتز تحت ثقل جسدها الفارع فهي تعد في بنات جنسها هيفاء ، دفعها بلطف لتسير بجانبه ناويا مغادرة حلقة الرقص لتتمسك به في نعومة وتهمس : ليس بعد لم ننتهي .
تمتم بمكر : رقصت كثيرا الليلة .
هزت برأسها نافية : ليس كثيرا .
تنهد بقوة وهم بالرد عليها ولكنه صمت وعيناه تلتقط شرود نظراتها بعيدا لتبتسم بلباقة وتهز رأسها بمجاملة وتلوح بتحية لشخص بعيد التفت ناظرا نحو من استولى على تركيزها وهي بجانبه ليعبس بتعجب وهو يتذكره ، أنه العريس الذي حضر زفافه مع والده منذ فترة بسيطة .
ارتفعا حاجبيه بتعجب وهو ينظر من حوله ويتساءل هل مّل من عروسته الرقيقة ذات الملامح الناعمة بهذه السرعة والتي زجره عاصم لأجلها وأوقفه حتى لا يتغزل بها في خفوت ونبهه ان عريسها مجنون بها ولا يتهاون في أي شيء يخصها ليبتسم ساخرا وهو ينظر إليه فيشعر بالدهشة من وجوده أمامه في هذا الملهى الليلي تتهافت من حوله الفتيات فلا يبعدهم عنه ولا يصدهم
انتبه على همستها بجانب أذنه تخبره عن ضرورة الذهاب لمن يقف هناك وكأنه مالك المكان ليعبس برفض ولكنها دفعته بلطف وهي تخبره برجاء خاص أن لا يتركها تذهب لوحدها إليه
زفر بضيق وهو يقترب من الآخر الذي ابتسم بطريقة لم تعجبه ولكنه قابله بابتسامة لبقة وهو ينصت لرفيقته التي تقوم بتعريفهما بعد أن رحبت بالآخر في حفاوة أزعجته : زيد باشا هذا هو
قاطعها زيد بابتسامة ماكرة تشكل ملامحه لينطق بهدوء أثار ريبة أدهم : بالطبع أعلم يا بوسي وهل يخفى القمر ؟
ارتفعا حاجبي أدهم بدهشة طفيفة وهو يردد بداخله ساخرا " قمر ؟!"
لينتبه على صوت الآخر الأنيق والذي تابع : هل هناك أحدا لا يعلم أدهم بك الجمّال ؟! إنه ذائع الصيت .
ليكمل بلهجة خطرة تحت نظرات أدهم المترقبة : ثم أنا أعلم جميع آل الجمال فنحن تربطنا علاقة صداقة وثيقة !!
رمقه أدهم بابتسامة مترقبة فأكمل : عمي وأبيك أصدقاء مقربين .
ابتسم أدهم وهتف بلباقة : سعدت برؤيتك والتعرف عليك يا زيد بك .
اسبل زيد جفنيه ليجيبه : وأنا الآخر سعيد بالتعرف عليك ، أتبع زيد بجدية – وخاصة وأنا أعلم رغبتك في الانضمام للحزب ،
برقت عينا أدهم باهتمام ليكمل زيد : أنت تطمح أن تصبح سياسي بارع يا أدهم بك أليس كذلك ؟
رمقه أدهم بصبر قبل أن يمأ برأسه إيجابا : نعم انا أطمح أن أنطلق في مجال السياسة، حتى مجال دراستي اخترته ليفيدني فيما بعد .
ابتسم زيد وبرقت عيناه بوميض ماكر : ومن يضمن لك مستقبلا باهرا يا أدهم بك.
ضيق أدهم عينيه باستفهام فيبتسم زيد باتساع : سأنتظرك بمكتبي في الحزب بأي وقت يا أدهم بك ، سأسعد كثيرا بزيارتك .
ابتسامة متوترة شكلت ملامح أدهم الذي أجابه بصوت متزن : بالطبع سأزور سيادتك ، شكرا على الدعوة ، أتبع وهو يجذب الصامتة التي وقفت إلى جواره وكأنها تحتمي به – أراك قريبا ، عمت مساء يا زيد بك .
صافحه زيد بقوة ليراقب ابتعاده وهو يسحب بسمه من خلفه لتتألق ابتسامته بوميض خطر استقر بعينيه وهو يقيم ولي عهد سيادة الوزير فيقر أنه ليس بهينا ولكنه لازال صغيرا يَسهُل التأثير عليه ليمط شفتيه بتفكير قبل أن يدور على عقبيه يتبعه الحرس الذين يحمونه فيغادر المكان هو ورجاله .
***
دق باب غرفته دقتين متتاليتين ليطل من خلفه بعد أن فتح وجه أخيه الصغير يبتسم بمودة : ألازلت مستيقظا يا حسام ؟
أومأ حسام برأسه مشيرا إليه بالدخول : نعم تعالى يا نادر تفضل .
تقدم نادر من أخيه الذي خلع سماعات أذنيه الدقيقة ليغلق جهاز حديث يستخدمه لصنع موسيقاه فيبتسم نادر بوجهه ويهمس : أردت أن نتحدث قليلا قبل أن تخلد للنوم .
تحرك حسام ليجاور أخيه في جلسته على الأريكة : بالطبع تفضل .
رمقه نادر مطولا ليسأله بجدية : أنت بخير أليس كذاك ؟
ارتفع حاجبي حسام بعدم فهم ليجيب بصدق : نعم لماذا تسأل ؟
رمقه نادر بنظرة نمت عن حيرته فاتبع حسام سائلا – هل تسأل لأجل عقد قران موني ؟
أومأ نادر برأسه ليضحك حسام بخفة : أنا بخير يا شقيق بل أنا سعدت لأجلها كثيرا اليوم .
عبس نادر بتساؤل صرح به : أنا لا أفهمك يا حسام كيف فرحت لأجلها وأنت لم تكن راضي عن ارتباطها بعمار ؟!
تنهد حسام بقوة : لا أنت من فهمت خطأ ،
سأل نادر : كيف ؟
رفع عينيه لشقيقه مجيبا ببساطة : لا أنكر أن يمنى لها مكانة خاصة عندي يا نادر وأني كنت غاضب لأجلها كثيرا ، فتلك الليلة التي شهدتها أنا وسليم تبكي بين ذراعيك لأن عمار سافر لدراسته جعلتنا نغضب من الغبي الذي لم يقدر الجوهرة التي خلفها من وراءه ، لم أرفض يوما ارتباطهما وخاصة وأنا اعلم مدى تعلق يمنى به ،
تنفس بعمق : لا أنكر أني كنت غاضبا منه ولكن الأشهر الماضية أثبتت لي مدى تغيره ومدى تمسكه بيمنى لذا أنا سعيد لأجلهما .
ابتسم نادر بفخر ليربت على ركبة أخيه بزهو : العقبى لك يا أخي حينما أسعد لأجلك .
ابتسم حسام ليشاكس نادر بمرح : بل العقبى لك أولا يا نجم .
رنين هاتف حسام ارتفع ليعبس نادر متسائلا فيجيب حسام وابتسامته تتسع وهو يجيب أخيه : أنها تالية .
هتف نادر وهو يهم بمغادرة : أبلغها سلامي .
أجاب حسام بترحاب : يا مرحبا يا توتا .
تجهمت ملامحه وهو يستمع إلى نبرة ابنة عمه المتوترة التي صدحت بصوتها لتتسع عيناه فيستولى على اهتمام نادر الذي لم يغادر ليهتف حسام بجدية : سنأتي على الفور يا تالية .
أغلق الهاتف وتحرك بخطوات سريعة نحو غرفة والديه ليجيب تساؤل نادر بتوتر تملكه : عمو بالمشفى ، من الواضح أن الامر خطير فتالية كانت تخفي بكائها عني .
هتف نادر سريعا : سأبحث عن تذاكر للطيران .
أومأ حسام برأسه ووقف يسحب نفسا عميقا قبل أن يدق باب غرفة والديه ويدعو الله أن يقدره على إبلاغ الخبر لأبيه دون إثارة رعبه .
***
يرن جرس استدعاءه برنين مزعج أيقظه من غفوة كاد أن يسقط فيها ولكنه انتفض واقفا وهو ينظر إلى جهازه الصغير الذي ومض بضوء وكلمة الطوارئ تزين شاشته فيتحرك مسرعا وهو يرتدي معطفه الأبيض ويهرول نحو غرفة الطوارئ التي أخبرته بها الممرضة التي استقبلته تشرح له الحالة بكلمات كثيرة متتاليه وهي تناوله الجهاز اللوحي لينظر إلى كل المعلومات التي تخص المريض الذي سيكون مسئول عنه ليتفقد حالته قبل ان يطلب منه أن يحملوه لغرفة الإشاعة والفحص
ليسأل الطبيبة المساعدة إليه : هل صحبه أحدا من عائلته ؟
أجابته على الفور : ابنته معه .
أومأ برأسه متفهما : حسنا ابلغوها أنه سيكون عليها التوقيع بالموافقة على التدخل الجراحي .
خطت الفتاة بجواره لتسأله بفضول : هل حالته خطيرة ؟
رمقها بطرف عينه وهو يضع كفيه داخل جيبي معطفه : لو صح ظني ، أتبع بالإنجليزية مشخصا - ورم بالمخ
شهقة مرتعبة أنثوية صدحت بجانبه وعينان متسعتان تنظر إليه بشحوب ألم بوجهها والذي رغم تقدمها في العمر تعرف على ملامحه بسهولة ليهمس دون وعي تملكه : لارا !!
***
يبتسم في وجه المضيفة التي تمر من أمامه فتطمئن على راحة الركاب تحدث السيدة التي تجلس في الخلف لينظر من نافذته إلى الارض البعيدة .. موطنه الذي غادره منذ سنوات ماضية وها هو يعود من جديد ، تومض عيناه ببريق غامض وهو يتذكر أخر أيامه قبل أن يجبره الآخر على السفر بسببها ، مدللة عائلتها .. وأميرة قصر أبيها .. من امتلكت قلبه ولا يقوى للان على التخلص منها .. من تأثيرها .. ومن احتلالها ، وها هو يعود لعله يستطيع التخلص من امتلاكها ، لعله حينما يراها مرة أخرى يدرك مدى جرحه منها فيتوقف عن الشوق لها ، إنه يعشقها لا ينكر ورغم أنه تزوج من أخرى تحبه منحته طفلين أصبحا حياته إلا أنه لم يقوى أن يفك قيدها ويتخلص من أسرها
صوت المضيفة التي دوى من حوله يعلن عن وصولهم جعله يربط حزام مقعده وهو يتنفس بعمق مستعدا للمواجهة التي يتوق إليها .
***
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romantikيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...