يجلس تحت تعريشة العنب بعدما استيقظ لازال عقله تحت تأثير النوم فهو لم يستفيق بعد رغم أن عمار دفعه دفعًا للنهوض من الفراش قبل أن يدفعه نحو دورة المياه ويضعه تحت الدش البارد فينتفض فزعًا ويقظة ذهبت أدراج الرياح وهو يجلس الآن في هذا السكون ونسيم الظهيرة الهادئ يداعب جفنيه فيؤجج رغبته في النوم.
نفض رأسه حينما شعر بميلها القوي حتى كادت أن تسقط أرضًا ليكح بخفة ويعتدل بجلسته وخاصة حينما استمع إلى صوت والده الذي هتف متهكما : ناموسية سيادتك ما لونها يا أدهم بك ؟!
انتفض واقفًا ليهمس بصوت أبح لازالت أثار النوم عالقة به : صباح الخير يا بابي
رفع وائل حاجبه باعتراض ليغمغم بضيق : الساعة تعدت الثانية ظهرًا يا باشا .
ابتسم ادهم ليجيب سريعًا : إذًا مساء الخير يا سعادة الوزير.
أطبق وائل فكيه و رمقه بضيق فابتسم أدهم باتساع ليهتف بخفة وهو يحرك جفنيه بحركة مشاكسة : العفو والصفح يا سيادة الوزير إنه يوم العيد وأنا اعتذر أني غرقت في النوم ولكن أنا لم اخلد للنوم إلا بعد صلاة العيد يا بابي.
زفر وائل بقوة ليهمس من بين أسنانه : ألم يكن عاصم وعمار معك يا أدهم وعلي ومازن أيضًا؟!
احنى أدهم رأسه بحرج ليغمغم وائل : أنا لست غاضبًا من نومك أنا فقط لم أكن أريدك أن تتخلف عن الحضور واستقبال الضيوف مثل ابناء عمومتك.
تمتم وائل بضيق لم يستطع منعه من الصدوح : كنت أريدك بجانبي يا أدهم .
اختنق حلق أدهم ليقترب من أبيه يضم نفسه إليه يقبل كتفه ليهمس بصوته المختنق : أنا آسف يا بابي آسف لن أكررها اعدك ، سأكون بجوارك دومًا .
ابتسم وائل وربت على ظهره بود ليضغط على كتفه بلطف هامسًا : أنت ولدي الوحيد يا أدهم من سيمتد اسمي من خلاله ، لا أنكر مكانة عاصم أبدًا فهو الكبير من سيظلكم تحت جناحيه سيراعكم ويحميكم ولكن دورك ومكانك محفوظ يا ولد و إن كان عاصم الكبير فأنت جناحه الأيمن يده التي ستبطش وقتما يحل موعد البطش و من ستصافح وقت السلم فلا تتخلف عن مكانك ومكانتك يا ولد .
ابتسم ادهم باتزان : لن أفعل يا بابي لا تقلق.
أومأ وائل بعينيه ليهتف به : اطلب من أحدهم يعد لك القهوة و أفق هكذا وجاور ابن عمك في عملية الشواء الذي تبرع بالقيام بها.
تمتم أدهم وهو يتحرك بالفعل : أمرك يا بابا .
خطى نحو الحديقة الكبيرة والتي تجمع فيها الجميع تقريبا ليهتف مازن بمرح : أخيرًا استيقظت.
ابتسم ليرحب بالجميع الكبار أولًا ثم الصغار يمأ برأسه لفتيات آل الألفي ويصافح بنات عمومته قبل أن يبتسم بلباقة في وجه البقية ليختص سهيلة بسلام متلهف مهتم وهو يشير إليها بكفيه في علامات كثيرة مفادها أنه اشتاق إليها.
اتسعت ابتسامتها و حاورته قليلًا قبل أن يشير إليها لتنتظر قبل أن يقف في منتصف تجمع بنات عمومته وشقيقتيه فملك ونوران المتجاورتان جلوسًا وتجاورهما يمنى وجنى وأميرة تجلس بجوارها حبيبة ليولي ظهره لرقية وخديجة الجالستان بإحدى الأرائك وبالأخير بنات عم علي على الأريكة الأخيرة
بينما سهيلة كانت تقف مع مريم التي تجاهلها إلا من إيماءة تحية فاترة منحها إليها بعدما صافح هنا وقبل وجنتيها.
رفعت نوران عيناها إليه متسائلة فهمس بلباقة : اعدي لي القهوة يا نور أو دعي أحد يعدها و اشرفي عليه فأنا رأسي سينفجر و منذ اتينا إلى هنا والقهوة ليست جيدة على الإطلاق .
تمتمت نوران سريعًا : أنت تدرك أني لا أستطيع اعدادها ، اتبعت حينما لوى شفتيه بنزق - أعد لك الشاي .
تمتم بضيق : الشاي ؟!! تركنا الشاي الباشمهندس الأنيق زوجك الذي لا يكتفي بشرب الشاي بل يحتسيه في فناجين خزفيه وكأنه لازال يحيا في عصر جدو الباشا.
رمقته باستعلاء لتهتف بملل : لا شأن لك بالانيق حفيد الباشا
زفر بقوة ليهمهم بخفوت : حسنا اعدي لي القهوة أنت يا ملك .
ضحكت ملك بخفة : أنا الأخرى لا أقوى على صنعها اطلب من عمتك أو أميرة .
رفض بجدية : لا لن اطلب من أميرة طبعا .
تمتمت نوران بخفة : اطلب من جنى .
رمق جنى بهدوء ليهمس : كيف غابت عن بالي ، شكرًا يا أختاه
تمتمت ملك بخفة : فقط احترس من ابيه أسعد .
تصلب ظهره بعفوية لتكتم ملك ضحكتها الشقية لترمقها نوران بعتاب ليقف أدهم بمنتصف الطريق وهو يرمق أسعد الواقف بجوار عاصم بعيد نسبيًا عن مكان جلوس الفتيات ليتحرك بخفة نحو جنى يشير إليها برأسه قبل أن يحتضن اميرة من كتفيها يقبل رأسها ويهتف بحرج : جانو هلا أستطيع أن أطلب منك شيئًا .
اتسعت عينا جنى بذهول : بالطبع يا دومي اطلب يا ولد هل أنت محرج مني ؟!
ابتسم بتوتر ليرمي بطرف عينه يراقب أسعد الذي بدوره كان يتطلع نحوهما ليهمس بصوت أبح : أريد فنجان من القهوة ، تطلعتا إليه بدهشة فأتبع وهو يربت على كتف اميرة - ولا أريد أن اتعب أميرة .
ابتسمت أميرة بحب أخوي له لتهتف جنى وهي تنهض واقفة : هذا فقط ، من عيني يا أدهم بك فقط انتظر لأرى من يريد القهوة غيرك لأعد القهوة للجميع
تحركت بسلاسة لتسأل بالفعل عمن يريد شرب القهوة قبل أن تقف أمام أسعد وعاصم وتسالهما فيجيب عاصم بالرفض بينما يسأل أسعد بجدية : ماذا كان يريد أدهم ؟!
ابتسمت وهي تتحاشى النظر إليه لتهمس : يريد القهوة ، هل أعد لك فنجان ؟!
أومأ بعينيه موافقًا ليهمس بخفوت وعيناه تلمع بتسلية لم تتجسد على ملامحه : و أت بها قبل أن نذهب في جولة على الفرس كما أردت .
تمتمت ووجنتاها تتوردان : لن تنتظر لما بعد الغذاء ؟!
هز راسه نافيًا ليجيبها : بعد الغذاء سيكون الضوء بدأ في التراجع والهواء سيكون ثقيلًا باردًا أخاف أن تمرضين بسبب ارتطام الهواء بجسدك ، الآن الموعد جيد ولن نتأخر سنأتي قبل الغذاء على الفور .
أومأت برأسها في طاعة لتتحرك مبتعدة فيراقب ابتعادها بعينيه قبل أن ينتبه على صوت عاصم الذي همس بمرح : هل مسموح لنا بالانضمام لكما أم هذه جولة خاصة ؟! آثر أسعد الصمت ليكمل عاصم وهو يكتم ضحكته - ألن تخبرني عما حدث و دفعكما لتبديل ملابسكما أنتما الاثنان.
احتقنتا أذني أسعد بالأحمر القاني ليزجره بخشونة : لا شأن لك ، كتم عاصم ضحكته ليتبع أسعد بجدية هادرًا - اهتم بأمر الشواء .
غمغم عاصم متفكهًا :حسنًا سأفعل فقط انتظر إلى أن نغادر و قم بكل جولات الحصان الذي تريده بدلًا من أن يمسك بك أحدهم .
لم يجبه أسعد وهو يبتعد ليستدير إليه بخفة ويفاجئه برمي ريشة الشواء في وجهه ليلتقطها عاصم وصوت ضحكاته يتزايد قبل أن يهتف به : حسنًا أخبر عادل أو عمار ليساعداني .
لم يهتم به أسعد وهو يخطو للداخل من الباب الذي دلفت عبره بعدما تنحنح بخشونة وألقى السلام بهدير عال فأتاه صوتها وهي تهتف به : تعال يا أسعد أنا بمفردي .
***
يقف بعيدا عن الجميع يحتسى فنجان القهوة الذي أعدته جنى ينظر إلى هاتفه يجيب بعض المراسلات التي أتت إليه تعايد عليه من زملاء عمله أو دراسته ليفتر ثغره عن ابتسامه ماكرة وهو ينظر لتلك الرسائل التي توافدت عليه متتالية منها تعايده بكلمات رقيقة فيجيبها بكلمات هادئة أرسلها إليها ببطء تعمده لإثارة لهفتها إلى الحديث معه و الذي توقف عنه منذ تلك المرة التي حدثها بها ليلة رؤية رمضان ، ابتسامته انقلبت إلى تسلية واضحة وهو ينظر لسؤالها عن متى سيقابلها فيرمق المحادثة قليلًا قبل أن يخرج دون رد و يشرد ببصره بعيدًا إلى أن اجفل بمن اخترقت بصره حينما وقفت أمامه دون حديث فيرمقها مليًا قبل أن يسأل بجدية ونبرة هادئة : مرحبًا ، توردت بعفوية كعادتها لتفرك كفيها بتوتر فيتابع باهتمام – ما بالك يا مريم ؟! هل أنت بخير ؟!
عضت شفتها لتهمس بصوت ابح : أردت أن اعايدك ، ولكني غاضبة منك .
ارتفعا حاجباه بدهشة ليبتسم ساخرًا : وما الجديد ؟!
امتقع وجهها لتجيبه بتلعثم : ماذا تعني ؟!
سحب نفسًا عميقًا ليجيبها بلا مبالاة : اعني أنك دائمًا غاضبة مني ، بسبب أو دون سبب فما الجديد الآن حتى تشعرين بغضب مضاعف تجاهي ؟!
رفت بعينيها والتي امتلأت بدموع جاهدت حتى لا تتساقط : أنت لم تهاتفني ولا مرة يا أدهم منذ كنا بالمشفى .. لم تراسلني .. ولم تهتم بغضبي حتى ، تركتني دون سؤال و دون اهتمام .
رمقها مليًا ليجيب بنبرة وشت بغضبه المكتوم بصدره : ظننتي واضحًا حينها يا مريم ، حينما أخبرتك أني انتظر قرارك بشأننا والذي بالمناسبة لم يصلني للآن ، لذا أنا توقعت أننا انفصلنا .
ألقاها بانجليزية وهو يمط نبرته يرمقها من بين رموشه ويراقب ردة فعل الكلمة على ملامحها التي وشت بصدمتها .. عيناها المتسعتان بذهول وبعثرة ألمت بها ليكمل بهدوء ونبرته تلين قليلًا – أم أنا مخطئ في تفكيري ؟!!
ردت سريعًا : بالطبع مخطئ ، أنا كنت غاضبة منك وانتظرت أن ..
صمتت و وجهها يحتقن بالاحمر القاني فيبتسم بمكر مكملا : انتظرت أن اراسلك لأصالحك أليس كذلك ؟! تحاشت النظر إليه وحلقها ينغلق فاتبع بهدوء – ولكني كنت صريحًا معك يا مريم ، أخبرتك أن تراجعي طريقتك معي و تقرري بشأننا ثم تخبريني وعلى هذا الأساس انتظرتك ولكنك لم تفعلي .
بللت شفتيها لتهمهم باختناق : لم استطع أن اتحدث معك وأنت من تركتني خلفك دون أن تهتم .
لوى شفتيه ليهمس ببرود : بل كنت مهتمًا يا مريم ، مهتم بقرارك وما تريدينه بشأننا ولكنك آثرت الخصام والدلال على أن تخطي نحوي ، وهذا يجعلنا نصل لنفس النقطة التي كان بشأنها شجارنا ، أنت لم تحاولي تغيير أسلوبك ولا تبديله ، لذا نحن لن نتقدم في علاقتنا أبدًا ، فأنت دومًا ستظلين غاضبة وتنتظري مني أن أركض من خلفك لأراضيك .. أدللك .. و اصالحك حتى إن لم أكن مقتنع بسبب غضبك ، زفر نفسًا قويًا ليتبع بهدوء – و صدقًا يا مريم أنا لست هذا الشاب ، ففكرتي عن الارتباط والمصادقة مختلفة تمامًا عن تلك الفكرة التي تدور برأسك .
هربت الدماء من وجها لتهمس بصوت أبح : ماذا تقصد ؟!
سحب نفسًا عميقًا ليزفره ببطء هاتفًا بجدية وهو يشد جسده بغطرسة فيظهر فارق الطول بينهما رغم قامتها التي تعد متوسطة ولكنها شعرت بأنه يشرف عليها من علٍ وهو يجيبها بهدوء : أقصد أن إذا أردت يا مريم أن نستمر سويًا عليك تبديل طريقتك ، أنا لا أرفض أن أدللك .. اراعيك .. و امنحك كل ما تريدين دون قيد أو شرط ، شعر بها تهدأ قليلا ليكمل بجدية قاطعة – ولكن دون خصام .. عتاب .. لوم .. أو غضب ، أريدك أن تثقي بمكانتك عندي وتثقي بكوني اخترتك لتكوني امرأتي وعليك أن تتوقفي عن الشك والخصام والابتعاد كلما غضبت .
اهتزت نظراتها فأكمل بهدوء : أنا لا أرفض أن تغاري علي ، أكمل بابتسامة وغروره يتالق بعينيه – بل سأسعد كثيرًا عندما أشعر بغيرتك علي و لكن دون غضب وهجر وخصام وهذه الاشياء التي تثير ضيقي وغضبي .
همست بخفوت : أنا أغضب لأني أغار عليك يا أدهم ، وأنا أغار عليك لأني ..
صمتت ووجهها يحتقن بقوة ليحنى رأسه ينظر إلى وجهها بتساؤل همس به مرددًا : لأنك ؟!
توترت وتلعثمت لتفرك كفيها وتهمس باختناق حيي : أنت تعلم .
اتسعت ابتسامته ليجيب وهو يمأ برأسه في هزة طفيفة : نعم أعلم ولذلك أريد أن نسعد سويًا يا مريم ، لا أريد أن نقضي عمرنا في غضب وخصام ، إنها أجمل أيام حياتنا سويًا ، توقفي عن الغضب وحينها سأكرس نفسي لأسعدك .. أدللك .. اراعيك .. وأحبك كما لم يفعل أحدًا .
انتفض قلبها بخفقات جنونية و وقع كلمته يؤثر بها فيحتقن وجهها بالأحمر القاني وهي تخفض نظرها بخجل كسى ملامحها لتبتعد بجسدها عنه في حركة عفوية أثارت وميض عيناه ليلعق طرف شفته السفلية من الداخل ليهمس بخفوت : اتفقنا يا شامية ، أومأت برأسها في حياء ليتبع هامسًا – عيدك سعيد يا حبيبتي .
كتمت انفاسها وهي ترتجف أمامه لتهمس وهي تسرع مبتعدة : علينا وعليكم .
اتسعت ابتسامته الجذلى وهو يراقب خطواتها المتسارعة وهي تبتعد عنه ليتنفس بعمق مرات متتالية زفر على أثرها كثيرًا قبل أن يداعب شاشة هاتفه ويطبع بعض كلمات أرسلها للأخرى وهو يحدد معها موعد لما بعد العيد سيكون متفرغًا به لاستقبالها في مكتبه بالمؤسسة .
***
عاد للجلسة التي تضم الجميع لينضم إليهم فيجلس مجاورًا لمازن العابس بضيق يعتلي ملامحه فيلكزه بخفة ويسأله بعينيه عن سبب ضيقه فتشرد نظرات مازن نحو خديجة التي تعتزله منذ حضورها مع عائلتها ليهمس مازن بصوت مختنق : لم تتحدث معي يا أدهم تخيل ؟! لم تمنحني سوى تحية فاترة و كأنني ..
صمت ليهمس أدهم بصوت جاد : وكأنك لا تفرق عني أو عن علي ، أليس كذلك ؟! اكفهر وجه مازن و اشاح بعينيه بعيدًا ليزفر أدهم بقوة ليكمل هادرًا بحدة خافتة – وهذا ما يغضبك ويجعلك حانق يا مازن ، هل تخيلت أنها ستفعل أكثر من ذلك ؟!
تمتم مازن وهي بالنهوض : لم اتخيل شيئًا يا أدهم .
تمسك أدهم بساعده ليجبره على المكوث بجواره : أين تذهب ؟!
تمتم مازن بصوت مختنق : ذاهب لماما .
ارتفعا حاجبي أدهم ليتمتم سريعًا متسائلًا : تقصد لميا هانم ؟!
استدار مازن إليه بحدة ليتمتم : نعم هي ، هل لدي غيرها ؟!
تنهد أدهم بقوة : لم اقصد يا مازن فقط لم استمع إليك من قبل تدعوها بماما ، هز مازن رأسه بحركة غير مفهومة ليتابع أدهم وهو يتمسك به – حسنا فقط انتظر هنا لا تتركنا الآن ، و أرجوك حافظ على شكلك ولا تدع أي آخر يلاحظ ما يحدث معك .
زفر مازن بقوة وهو يطاوعه ويظل بجواره : أنا أحاول يا أدهم .
هز أدهم رأسه نافيًا : أبدًا لا تفعل ، بل البؤس المجسد على وجهك يجعل الجميع يتساءل عم يحدث معك ، أولم تسألك جنى أو عمو أحمد ؟!
تمتم مازن باختناق : بلى فعلا و جنى ألحت فوق رأسي ولكني لم امنحها جوابًا شافيًا ، بابا اعتقد أنه التقط الأمر ولوما رمقتني بنظرة من يدرك و آثرت الصمت ولم تشأ أن تسألني وهي تعلم أني لن اجيب لكنها منحتني احتضان قوي كنت احتاجه بشدة ، اختنق حلقه ليكمل – ولازلت احتاجه .
مط أدهم شفتيه ليهمس بخفوت : اعتدل يا مازن واصلب نفسك هكذا فما تفعله يثير غضبي عليك ومنك .
تمتم مازن بخفوت وهو يحاول أن يسيطر على نبرة صوته فلا تخرج مهتزة : أشعر بألم حاد في صدري يا ادهم ، قلبي يجعني كثيرًا ، و روحي ممزقة .
أطبق أدهم فكيه ليهمس بجدية وعيناه تومض بغضب مخيف وهو يقبض على مرفق مازن بخشونة : لا أحد في هذا العالم يستحق أن تشعر لأجله بما تشعر به يا مازن ، أسمعت ؟! ردد وهو ينظر لعمق عينيه – لا أحد ، وخاصة لو سبب هذا الشعور لا يهتم بك أو بمشاعرك و لو بقدر أنملة ، أنت تستحق الكثير يا ابن عمي فأدرك مقدارك جيدًا وتصرف على أساس مكانتك يا ابن الجمال .
اسبل مازن جفينه ليصدح صوت علي الذي وقف أمامهما على مسافة قريبة جدًا منهما هامسًا بعدم فهم : هل تتشاجران ؟!
هز مازن رأسه نافيًا ليجيب أدهم بصوت حاد : لا يا علي ، نحن بخير .
رمقه علي بعدم فهم ليشيح أدهم بعينيه بعيدًا قبل أن يهمس بمازن بجدية : فقط أشعر بأني متعب .
تفحصه علي باهتمام : بماذا تشعر ؟! هل أخبر عمو ؟! أت بجنى تفحصك ؟! هز مازن رأسه نافيًا فيكمل علي محاولًا اضفاء المرح بينهم – أخبرنا بماذا تشعر لنحدد أي طبيب سنأتي به ، فهم كثر من حولنا نستطيع عن طريقهم فتح مشفى جديدة خاصة بك ونأمر بعمل كونسلتو لأجلك .
ابتسم مازن مرغمًا ليضغط علي على كتفه بلطف ويهزه برفق هامسًا بجدية : نحن هنا من أجلك يا مزون ، الجميع هنا من أجلك فقط أنت أشر بيدك .
ابتسم مازن بامتنان ليهمس : أعلم يا علي ،
همس أدهم بخفة : إذًا علام ستأشر يا ابن العم ؟! همهم علي بمرح مكملًا حديث أدهم – وهاك أدهم حاضرًا يأتي لك بكل ما تهفو إليه نفسك .
ثرثر أدهم بعفوية : بالطبع ، أكمل وهو يدفع مازن بكتفه - أتريد فتيات ، أت لك بهن ؟!
ضحك مازن مرغمًا ليكمل علي بتساؤل جاد : هل لديك كتالوج تنتقي منه أم كيف تطلبهن ؟!
أجابه أدهم بجدية : هناك مواقع مخصصة لهذا الأمر عن طريق الانترنت يا علي ، ألا تدرك هذا يا رجل ؟!
ارتفعا حاجبي علي بصدمة سكنت حدقتيه لينفجر مازن ضاحكًا وخاصة حينما أجاب علي بذهول : حقًا لم أكن أعلم .
تمتم أدهم باستياء : إنه لأمر معروف نعم أنا لم استخدم أي منهم ولكنها معلومة رائجة .
هتف علي بطبيعية افتعلها : يا رجل ، معلومة رائجة .
أجابه أدهم ببساطة : طبعًا .
تمتم علي بيأس : حسبي الله ونعم الوكيل .
انفجر ثلاثتهم ضاحكين ليهتف زين الذي عاد يحمل طبق من الواضح أن به بعض من الترمس : علام تضحكون يا رجال ؟!
أشار أدهم إلى علي : هاك ابن عمك اسأله .
هز علي رأسه بلا أمل فيسأل زين بابتسامته المعهودة وهو يطل من فوق كتف علي القصير عنه قليلًا ويخفض صوته : علام يسألني ؟!
ضيق مازن عينيه ليسأله بهدوء : لماذا أخفضت صوتك ؟!
همس زين بعدما التفت من خلفه يتأكد كون أن لا أحد يستمع إليهم قبل أن يجيب : لأني أشعر بأن ما تضحكون بشأنه حديث خاص بالفتيات .
ارتفعا حاجبي مازن ليلتفت علي إليه بذهول قبل أن ينفجر أدهم ضاحكًا هاتفًا بشقاوة : هذا هو الحديث ، ابن عمك معلم يا علي .
هز زين رأسه بخفة ليشاكس أدهم : بعض مما عندكم يا دومي .
صفق كفيهما ببعض ليتصافحا بمرح و أدهم يهتف : نحتاج تبادل خبرات يا رجل
حرك زين رأسه بخفة : على الرحب والسعة يا ابن الوزير ، أنا تروقني صداقتك .
تمتم أدهم بخفة : إنه لشرف لي يا ابن الألفي .
قفز أدهم واقفًا ليهتف : ما رأيكم لنتجول قليلًا قبل إلى أن يعد الغذاء ؟!
هتف زين موافقًا قبل أن يتبع : سأخبر الفتيات حتى يصحبوننا إذا لم يكن يضايقكم .
أشار إليه أدهم : بل أخبرهم بالطبع ، لنريهم المزرعة أيضًا ، أخبر الجميع هيا ، تحرك زين عائد لأماكن جلوس الفتيات ليتبع أدهم وهو يجذب مازن بذراعه – هيا انهض و سر معنا ولا تحاول الاقتراب يا مازن فإذا لم تخطو خديجة نحوك لا تفعل أنت ، حافظ على كبرياءك وكرامتك ولا تهدرهما أكثر من ذلك .
أومأ مازن برأسه ليبتسم إليه علي بدعم وهو يخطو مجاورًا إليه فيسير مازن بالمنتصف بينهما وكأنه يحتاج إليهما ليسير معتدلًا دون أن يترنح .
***
يقف أمام الشواية بجوار عمار العابس وهو يراقب جلوس يمنى بجوار نادر تتحدث معه ضاحكة وتشاركهما الحديث ابنة عم نادر الكبرى عبس قليلًا وهو يتذكر اسمها ليهمهم داخليًا " نعم تالية ، هكذا اسمها "
هز رأسه باستحسان ليرمق عمار بطرف عينه هامسًا : ألن تتوقف عن عبوسك ؟!
التفت عمار إليه بتساؤل بعدما أجفل وكأنه كان شاردًا بالفعل ولا يتطلع نحو شقيقته ليتابع عادل بهدوء – كنت شاردًا ، أم تراقب موني ؟!
ران الصمت عليهما قليلًا قبل أن يهمس عمار بصوت أجش في وضوح : الاثنين ، كنت أتطلع إلى يمنى و شاردًا بها .
قبض كفه على يد عصا الشواء يتحكم في أعصابه ليسأل بمنطقية : لماذا ؟!
تمتم عمار بخفوت : لا شيء فقط لازلت أشعر بالضيق وشقيقتك لا تساعد على احتواء غضبي أو غيرتي .
استدار عادل ينظر إلى يمنى التي تتحدث بأريحية مع نادر فيهمس بتعجب : إنه نادر يا عمار .
تمتم عمار من بين اسنانه : أعلم ، ولا أشعر بالغيرة منه ،
رمقه عادل باستهجان تحول في ثواني لإدراك ليغمغم متفكها : لا تخبرني أنك تنتظر من موني أن تدللك يا ابن الجمال .
زم عمار شفتيه بضيق : ألا استحق ؟!
ضحك عادل بخفة ليهمس ببساطة : بلى تفعل ولكن الأمر الذي يفوتك أنها لن تفعل ،استدار إليه عمار بحدة فأكمل عادل ببطء وهو ينظر إليه من بين رموشه – يمنى لن تفعل إلا حينما تصبح زوجتك بالفعل يا عمار ، حينها سيختلف تعاملها معك كليًا ، فللآن هي تضع حدود كثيرا بينكما، حدود ستختفي حينما تصبح ببيتك ومعك .
أومأ عمار رأسه متفهمًا ليهمهم : أنا أدرك هذا الأمر يا عادل ولكن ألا تحمل بعض من المراعاة لي قليلًا .
ابتسم عادل بغموض ليؤثر الصمت حينما التفتت إليهما يمنى تنظر نحوهما بتركيز شديد ليعبس عمار ويسأل بجدية : هل استمعت لنا ؟
قهقه عادل ضاحكًا ليشير بكتفيه بمعنى لا أعلم قبل أن يهمهم بمرح : كل شيء جائز .
تطلع إليه عمار بضيق قبل أن ينفجرا ضاحكان وخاصة مع اقتراب يمنى منهما والتي هتفت بهدوء : عادل ماما تريدك بالمطبخ اعتقد أن هناك أشياء أخرى ستقوم بشيها .
ارتفعا حاجبي عمار ليهتف بضيق : لقد قاربنا على الانتهاء ثم أنا أشعر بالجوع ولست مستعدًا للوقوف أمام الشواية أكثر من ذلك ،
هزت كتفيها بعدم معرفة ليهتف عادل بجدية : لا تبتأس ، سأتي بالصغار ليساعدونك ،
هتف عمار بحنق : وأخبر أخي العزيز والسيد عمر أن هناك عمل عليهما القيام به ، و أت بعبد الرحمن معك ، فأسعد اختفى لا أعلم أين ذهب .
تمتمت يمنى وهي تقف بجواره تكمل ما كان يفعله عادل بثبات : لقد صحب جنى بجولة على الحصان ، التفت إليها يراقب ملامحها بتفحص فابتسمت بمكر لتتابع – ولا أشعر بالغيرة فلا تنظر لي هكذا.
تمتم بجدية : اتركي الشواء و أت بأخيك العزيز الذي يحتضن قيثارته ليقوم بالشوي بدلًا عنك .
ارتفعا حاجبيها لتهمس ببساطة وهي لا تمتثل لأمره : كان يريد أن يأتي ليبلغكما برسالة ماما و يأخذ مكان عادل ولكني من آثرت القدوم بدلًا منه ، رمقها بطرف عينه و آثر الصمت لتتابع هي ببسمة ماكرة – اعتقد أني أردت الوقوف إلى جوارك ومساعدتك .
تحكم في بسمته بضراوة فلم ترتسم على شفتيه ولكنها اشرقت بعينيه لتستدير إليه بعدما أفرغت الاسياخ أمامها بسلاسة في الطبق الكبير وتهمهم إليه بثرثرة عفوية : إلا إذا لا تريد وجودي ، سأعود للجلوس وأخبر نادر أن يأتي ليكمل العمل .
التفت نحوها ليهمهم بخفوت بعدما أشار إلى نادر بالاقتراب : بل سنترك نحن الاثنان العمل و ليباشر أي اثنان غيرنا بقية الشواء ، فوجهي أشعر به بدأ في الاحتراق .
ابتسمت بخفة لتهمس : بالفعل لقد زاد احمراره بطريقة غير طبيعية ، رفعت كفها بعفوية لتلامس نصف وجنته بطرف ابهامها واتبعت – إنه ساخن .
اختنق حلقه ليهمس بصوت أبح : ما هو ؟!
عبست بعدم فهم لتغمض عيناها حينما كست ملامحه تسلية صريحة فغمغمت بضجر : يا الله يا عمار .
همت بالابتعاد فتمسك بساعدها ليجذبها نحوه بعفوية يتمسك ببقائها معه وهو يضحك بجذل تملكه ليصمت أخيرًا حينما وقف نادر أمامهما يتطلع إليه بتساؤل فيهتف عمار بمرح : تعال يا فنان لتباشر ما سيأتي به شقيق أختك فأنا اكتفيت من الشواء لليوم ، اتبع بمرح ساخر – أكثر من هذا الوقت ستلتهب وجنتاي من صهد الشواء .
نظر إليه نادر بصدمة ليهتف بعدم فهم : ماذا سيحدث لوجنتيك ؟!
لم تتمالك نفسها لتصدح ضحكتها عالية فيزمجر عمار باعتراض مرح : لا شأن لك ، تعالى وباشر الشواء .
سأل نادر بعدم فهم وهو يستجيب بالفعل ويقف مكانه بعدما تحرك عمار بعيدًا وجذبها معه : ألسنا ضيوفكم ؟!
ضحك أحمد سيلمان الذي اتى ليساعد عمار : في مزرعة الجمال لا يوجد ضيوف يا فنان ،
هتف عمار بجدية : أين أخيك ؟!
ضحك احمد بخفة ليهتف بمرح : حاول عادل أن يجبره على النهوض ولكنه تمسك ببقائه جوار حبيبة ، فتطوعت أنا بدلًا عنه ، أما عبد الرحمن يسير قليلًا مع رقية في الحقول .
هم عمار بالحديث ليشير إليه احمد بعينيه وهمس بتحذير : موني بجوارك .
هتف عمار بضجر : أخواك فسدا بعدما تزوجا .
شاكسه نادر بمرح : العقبى لك .
قبض على كفها ليشبك أصابعه باصابعها ويهتف : سأفعل ، أشار إليهما مودعًا وهو يهتف بمرح – استمتعا بالشواء يا بكوات .
همست بتساؤل : أين نذهب ؟!
جعد انفه بمشاغبة : إنها مفاجأة .
نظرت إليه بتساؤل فابتسم وهمهم : لن اخطفك رغم أني أريد أن أفعل .
ضحكت بخفة لتهمس وهي تسير بجواره : هل لازلت غاضبًا ؟!
ابتسم بلطف : وإن كنت ستصالحينني ؟!
هزت رأسها بحركة لم يفسرها لتهمس بالحديث وهي تسير معه لتتوقف فجأة حينما وصلا اسفل الشرفة الحجرية تهتف بحبور تملكها وهي تطلع لموكب السيارات الذي دلف للتو : بابا وصل .
افلتت يده بعفوية لتتحرك بخطوات متسارعة نحو السيارة التي تدرك جيدًا أن والدها بداخلها ليراقبها ببسمة متشنجة وهو يتمتم حينما وقفت السيارة ليترجل منها أمير بالفعل بعدما فتح بابه أحد الحرس : توقيت ممتاز يا عماه ، تنفس بعمق ليبتسم بحفاوة صادقة حينما وقع بصره على أمير الذي ضمها إلى صدره بأبوة حانية فيتقدم منه مرحبًا به بترحاب – حمد لله على سلامتك يا عماه .
***
يقف بعيدًا بعدما منح نادر و أحمد سليمان قطع اللحم الجديدة والتي اعدت للشواء ويتركهما مبتعدًا ليحتسي القهوة الامريكية سريعة التحضير التي أعدتها ايني ومنحته بعضًا منها فيرتكن بكتفه على جذع الشجرة ويراقب شلة الصغار كما يُطلق عليهم ، ليس تقليلًا لهم بقدر ما هو وصف مناسب لصغر سنهم فأكبرهم سنًا الفارق بينهما عشر سنوات كاملة . ابتسامة شكلت ثغره وهو يتأمل جمعتهم ..ضحكاتهم .. صخبهم .. وجنونهم ، فيتذكر حينما كان يماثلهم سنًا و صخبًا ، يبتسم رغمًا عنه على حديث صاخب ينشأ بينهم فيعلو ضجيجهم كأطفال صغار يلهون في الحقول دون رادع يمنعهم ، اتسعت ابتسامته إلى أن وقع بصره عليها تتباسط مازحة مع ابن خالها والآخر الذي يشبهه ويعد ابن عمها ، فابن الألفي الصغير لا يشبه أخوه الكبير ولا والده بل هو نسخة مصغرة من عمه بضجيجه ومزاحه ونظرته الشقية المغازلة بل إنه يمتاز عن عمه بجاذبية حاضرة تشبه عليه حضور أبوها الطاغي ، فزين يحمل من اسمه الكثير و رغم أنه ليس ملونًا فلم يرث حدقتي والده الزرقاويتين ولا شعره الأسود الفحمي ولا وسامته الملحوظة ، إلا أنه ورث غمازتي أبيه الواضحتين وطابع الحسن الذي يشق ذقنهم والذي يمتاز به الجميع في آل الالفي إلى جانب حضورهم الطاغي و وسامتهم الواضحة .
تنفس بعمق وهو يركز بصره على الشاب الذي من الواضح أنه تلقى تربية جيدة فهو رغم مزاحه و نظراته العابثة إلا أنه لا يتخطى حدود واضحة وضعها لنفسه فيقدر المسافات والحركات وحتى نظراته يزنها بجدية فلا يوجهها بعبث لملك التي تتحدث بحماس أثار تفكيره عن هذا الموضوع الشيق الذي تتكلم به مع زين ، زم شفتيه بتفكير وهو يتطلع إلى أدهم العابس على غير العادة ليكتم ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه وهو يستشعر ضيق ابن الوزير وغيرته الجلية على ابنة عمته التي لا تلق بالًا له ، ورغم صداقته لزين الواضحة إلا أن ابن الجمال يشبه بقية عائلته بغيرتهم التملكية حتى على ما لا يخصهم ، فرغم أنه لا يثق به أبدًا وخاصة مع سمعته السابقة في أمر الفتيات وطريقته الواضحة في مغازلة كل ما هو مؤنث، فهذا الأدهم لا يردعه شيء ولا يوقفه حد ، إنه قطار جامح لا يملك أحدهم لجامه ولكنه يشهد له بأنه لا يتخطى حدوده أبدًا فيما يخص فتيات العائلة وخاصة عائلته ، عبس بضيق تملكه وهو يشعر بنظرات أدهم المغايرة التي رمق بها آسيا فتحفز جسد عادل كنمر يربض للانقضاض وهو يشعر بأدهم يحوم حول آسيا بطريقة أثارت غضبه وانتباهه بل وتعجبه حينما قابلت آسيا حديث الآخر بعدم اهتمام جلي كسى ملامحها قبل أن تنطلق ضحكتها صادحة فترق نظرات أدهم رغمًا عنه ويمازحها بطريقة هادئة زيلها بغمزة من عينه أطارت تعقله ولكنه تماسك وخاصة مع إجابة آسيا غير المبالية و حديثها السريع الذي لم يفقهه لابتعاده عنهم فشعر بغيظه يندفع بمجرى دماءه وهو يفكر بمدى تأثير هذا الشاب على من حوله من الفتيات ليحدثه عقله باغتياظ تملكه وهو يسأله عم إذا كان أدهم اثار تفكيره فما بالك بهن !!
مط شفتيه باستياء وهو يراقب نظرته المعلقة بملامح آسيا "صغيرتهم " والتي يخشى عليها أكثر من يمنى فإذا كانت يمنى تثير حميته نحوها فآسيا تثير حمايته ورغبته في الانقضاض على كل ما يحوم حولها ، قبض كفيه بغضب بدأ يزحف داخل أوردته وهو يفكر بمنطقية اكتسبها من دراسته وعمله ليجد طريقة يبعدها عن الآخر الذي لا يؤمن جانبه ، ولكنه اقترابها منه لم يمنحه وقتًا للتنفيذ فهي بشخصها أتت تتهادى بطريقتها المثلى بخطواتها المرحة .. ضحكتها الصاخبه .. وملامحه الشقية رغم طفولتها التي تثير غيظها ، وتذمرها الدائم .
اقتربت منه كثيرًا لتحدثه سريعًا وهي تجذبه من ذراعه تحايله لينضم إليهم ففعل بابتسامة مرحة وهو يلتقط عبوس ملك التي رمقته بنظرة غير راضية امتزج بها رفضها له و رهبتها منه ، ولكنه لم يبالي بل ابتسم بمكر واسبل جفنيه متحاشيًا النظر إليها ، اتسعت ابتسامته الماكرة وهو يلتقط ضيق مدلل العائلة من مشاركته جلستهم ولكنه لم يهتم ، فما يهمه الآن التفات آسيا إليه وحديثها الصاخب معه واقترابها منه بل إنها تعلقت بساعده وكأنها تبغى حمايته رغم أنها لم تنطقها صراحة فشاركها الحديث ليلتف الجميع من حوله فتتسع ابتسامته المحببة وهو يشعر بهم يشبهون صغار الاطباء الذين يلتفون من حوله في فريقه الجراحي وخاصة بوجود فتيات الألفي والتي شاركته أصغرهم حديثه بأريحية تشكل شخصيتها تعالى الصخب بينهم ونبرته الرخيمة التي تميز صوته بفخامة ورثها من أبيه كما تخبره والدته دومًا فابتسم بثقة و رزانة ميزته عن الصغار وخطفت اهتمام الفتيات كما لم يحدث قبل وجوده !!
راقب الجميع يشترك بالحديث ما عداها فابتسم بتسلية وخاصة حينما لم تجب زين مرتان متتاليتان لدرجة أنه فرقع اصبعيه أمام وجهها لينبهها إليه وهي التي كانت شاردة بعيدًا كما يبدو على وجهها ، فانتثر اللون الوردي بعفوية على وجنتيها وهي تتمتم معتذرة للآخر الذي رمقها بعبوس قبل أن يهتف ادهم بأن يصحبوه لمشاهدة الخيول العربية التي يقتنيها سيادة الوزير بمزرعته ، ذاك المشروع الذي أتى نتيجة نصيحة من أسعد بعدما ترك سباقات الخيل فتحمس إليه وائل الجمال على أن يتيح مزرعته لاستيلاد الخيول العربية و نفذاه سويًا تحت إشراف أخوه الذي يعشق كل ما يخص الخيول .
تحرك الجميع من قبله لتنتظره آسيا ، التي تجاورها ملك في السير - في نفاذ صبر لتهتف به : هيا يا عادل فأنا جائعة و أريد ما يشغل تفكيري عن الطعام .
ضحك بخفة وهمس بحنو وهو يتبعهما : تدللي يا ابنة الخالة وأنا اقطع لك من لحمي و اطهوه حتى تشبعين .
صاحت بها آسيا فجاة و بميوعة و وجهها يتغضن باشمئزاز : ياكي يا عادل ، توقف ارجوك .
هز كتفيه بلا مبالاة : لم أفعل شيء .
زمت شفتيها بدلال لتهمس : ما رأيك أن تقطف لي بعض ثمرات الفتاح الناضجة تلك ، إلى أن يجهز الطعام ، فأنا سألت منذ قليل ولم يُعد الغذاء يعد .
التفت من حوله يبحث عن شجرة التفاح التي تشير إليها ، قبل أن يتنهد بقوة : حسنًا تعالى معي عاونيني .
أومأت موافقة لتسبقه بخطوات سريعة فيتوقف قبل أن يخطو ويسأل بجدية افتعلها : ألا تريدين التفاح يا ملك ؟!
رمشت بعينيها كثيرًا قبل أن تجيب باقتضاب : لا ، لتتبع بصوت خفيض حرصت على أن لا تستمع إليها آسيا – أنا لا أريد منك شيئًا !!
ارتفعا حاجبيه بدهشة طفيفة والتسلية تسكن عينيه ليهمس بلا مبالاة : حسنًا على راحتك .
احتقن وجهها بالأحمر القاني وهي تصر على اسنانها غيظًا فتتمتم بحنق وبلهجة خفيضة أيضًا وكأنها تتبرطم مع نفسها دون أن توجه له الحديث: بالطبع على راحتي فملك فقط من تخيفها أما البقية تتحدث بأريحية وتمزح أيضًا .
استدار إليها بدهشة تملكته وضحكته تملا وجهه ليعبس بتعجب قبل أن تتسع عيناه بتساؤل جابهته بوميض عيناها الغاضب فيهمس بهدوء : أنت غاضبة مني ؟!!
كتفت ساعديها وهي تقف تقابله بتحدي : أليس من حقي ؟!
رمقها بتركيز : بالطبع من حقك أن تفعلي ما تريدين والغضب مني من ضمن ما تريديه ولكن أليس من حقي أن أفهم ما الذي فعلته و أغضبك ؟!!
تمتمت سريعًا وهي تحاول المرور من جواره و الإبتعاد عنه : لا ليس من حقك .
خطوة واحدة خطاها ليمنعها من المرور وهو يشرف عليها من علٍ : كيف ليس من حقي ، أولست غاضبة مني ؟!!
رفعت رأسها تتحداه برعونة : نعم أنا غاضبة منك ولكني لن أخبرك عن السبب ، اتبعت بزفرة حانقة – اعلم ما يغضبني بمفردك كما تعلم كل شيء بمفردك .
ابتسامة وامضة بتسلية رمست على ملامحه ليجيب ببساطة : ما أعرفه أني لم أفعل شيئًا ليغضبك يا آنسة ملك ، أتبع باستفزاز قاصدًا اغضابها – إلا لو تشعرين بالغيرة لأني لم اهتم بك هذا شيئًا آخر .
اتسعت عيناها بوميض أزرق رافض اشعره بأنه ينظر إلى بحر هائج بأمواجه الهادرة وخاصة عندما صاحت بصوت حاد رغم أنها تحكمت بارتفاعه : أشعر بالغيرة ؟!! علام ان شاء الله ؟! ولماذا أريدك أن تهتم بي يا ابية عادل ؟! أنت وما تفعله لا يهمني ولا يخصني .
لم تختفي التسلية من فوق ملامحه ليسألها ببرود : إذًا ما الذي أغضبك يا ملك هانم ؟!
تمتمت بحنق : الذي اغضبني أني اكتشفت أنك بني آدم طبيعي تستطيع الحديث دون ألغاز و دون أن تخيف الصغيرات وأني أنا الوحيدة من تتعامل معها بشكل غريب وكأنك تتعمد اخافتي ؟!!
رفع حاجبيه و ومض التفكير بعينيه وكأنه يزن حديثها ليجيبها سائلًا بهدوء : وهل نجحت في اخافتك ؟!
تمتمت بعفوية أثارت ضحكاته التي كتمها بداخله : كثيرًا .
ازدرد لعابه وهو يتأمل ملامحها الجميلة و وجنتاها المحتقنتان بالأحمر القاني فاختنق بحلقه ، تسارعت نبضاته وهو يتأملها بافتتتان جرى بدماءه ولكنه تحكم في ملامحه وحافظ على هدوئها وهو يسألها ببساطة : ما أكثر ما يخيفك بي يا ملك ؟!
نظرت إليه قليلًا و رفت بعينيها كثيرًا قبل أن تجيب اخيرا : لا أعلم ، رفع حاجبه بتعجب فتابعت بتؤده -عيناك دوما تلمع بضوء مميز رغم لون حدقتيهما القاتم ، إنهما تخيفاني .
رفع حاجبيه بذهول ليردد بتعجب : عيناي تخيفك ؟!!
هزت رأسها نافية بسرعة : ليست عيناك إنها .. صمتت لتسحب نفسًا عميقًا قبل أن تتابع - نظراتك ، أشعر بشيء غريب بها .
ومضت عيناه ببريق رائق لتتسع ابتسامته فيجيبها بعملية تمسك بها رغم مشاكسة ملامحه التي اجبرتها على التطلع نحو وجهه بانبهار لحظي ومض بعينيها : أنت فقط لست معتادة على المقل السوداء ، فجميع من يحاوطونك من ذوي الأعين الملونة لذا تشعرين بالريبة من نظراتي، أتبع ببساطة وهو يجيب سؤالها الآخر - ثم أنا لا اقصد أن اخيفك فمن يهتم بأحد لا يخيفه يا ملك ،
اهتزت حدقتيها بصدمة فأكمل وهو يترقب ملامحها : توقعت أنك ستدركين أنك مميزة لدي لذا اعاملك باسلوب مختلف عن الجميع .
اختنق حلقها لتهمس بضيق : مميزة ، أم أنك تشعر بالشفقة نحوي لذا توجهني بطريقتك ؟!
قهقه ضاحكًا رغم عنه ليهتف بمشاكسة أثارت ابتسامتها و وجنتاها تحمران مرغمة : من رأيي أنت لا تستحقين الشفقة يا ملك ؟!!
رفعت حاجبها لتسأله بابتسامة ماكرة بتلقائية : ماذا استحق إذًا ؟!
لوى شفتيه بمكر ليهمهم بخفوت : حقًا تريدين المعرفة ؟!
اتسعت عيناها بعدم إدراك لحظي تحول لمعرفة وهي تنظر لبريق عيناه فتغمغم بصوت أبح و وجنتاها تحتقنان خجل : دكتور عادل من فضلك .
هز كتفيه بلا مبالاة : أنت من سألت يا موكا ؟!!
تمتمت بدهشة : موكا ؟!
أجاب وهو ينظر من حوله يبحث عن آسيا التي اختفت أو انصرفت فهو فقد أثرها : ألا يدعونك هكذا ؟!
كتمت ضحكتها لتسأله باهتمام : من هم ؟!
رمقها بطرف عينه ليشير إليها : أقاربك من الشباب ؟!
أشاحت بوجهها بعيدًا وهي تسيطر على ابتسامتها التي اتسعت بفرحة لا تدري سببها لتجيبه ببساطة : وهل أنتَ مثل الشباب يا دكتور ؟!
التفت إليها باهتمام لتكمل ببساطة تقصد إغاظته : من رأيي لا تقارن نفسك بهؤلاء الصغار ، أكملت وعيناها تومض ببريق قططي أثار تفكيره – فأنت عادل الخيال العظيم .
لوى شفتيه بابتسامة ماكرة لتهمس بصوت خافت وهي تشير بكفها الصغير في تلاعب : سعدت بالحديث معك يا ابيه .
ضحك باستمتاع دون صوت ليراقب خطواتها السريعة المبتعدة وهو الذي لم يمنعها من الابتعاد عنه فيدور على عقبيه ناويًا العودة الى مكان تجمع الكبار ليختنق حلقه وهو يقع تحت وطاة نظرات أبوه الذي من الواضح أنه وصل منذ قليل ، واقف من بعيد يراقبه ليتوعده بعينيه في إشارة صريحة فاتسعت عيناه بذعر حقيقي اختفى حينما أولاه أبوه ظهره وانصرف ليغمض عينيه وهو يطبق فكيه متمتمًا بغل : غبي .. غبي ، بابا سيقتلني .
***
عبس مرغمًا وهو ينظر لمن تتحرك بين الشجر دون هدف محدد تلتقط حصى صغير بين كفيها وترميه بخفة نحو ثمار التفاح الناضجة ولكنها لم تسقط بعد عن الأفرع والتي لا تستطيع هي بقامتها القصيرة الوصول إليها ، كتم ضحكته وهو يتجه نحوها ليسألها بجدية : ماذا تفعلين ؟!
انتفضت بفزع وهي ترمي حصاه مما بيدها فترتطم بجبهته دون قصدها ليتأوه بصدمة وهو يرفع كفه يمسك به رأسه هاتفًا : هل جننت يا آسيا ؟!
انتفضت بخوف حقيقي ثم ركضت إليه تنظر ماذا ألم به وهي تهتف بهلع : المعذرة اقسم بالله لم أقصد ، أنت أفزعتني وأنا أرمي الحصاة فالتفت إليك وأصبتك دون قصد مني.
عبس بضيق وغضبه يومض بعينيه فاتبعت وهي تجذبه من ساعده المرفوع للأعلى فيمسك رأسه بكفه : فقط انحنى لأرى ماذا حدث ؟!
استجاب بطواعية وجلس أسفل الشجرة حينما شعر برأسه تدور فجلست بجواره على ركبتيها لتجبره على أن يزيح كفه عن جبينه فيسألها باهتمام حانق : هل هناك دماء ؟!
أبعدت خصلاته الناعمة للخلف لتنظر باهتمام لذاك الخدش الذي يزين أول خصلاته الفاحمة لتتنهد براحة : لا الحمد لله إنه خدش بسيط واعتقد الارتطام سيخلف كدمة طفيفة ، سألته باهتمام - هل تشعر بشيء ؟!
هز رأسه نافيًا قبل أن يغمغم بضيق : بعض من الدوار
تمتمت بجدية : حسنًا انهض لنضع بعض من الثلج عليها .
زم شفتيه ليجيبها بضيق وهو يرفض مساعدتها : وبماذا سنخبرهم بإذن الله ؟!
عبست بتعجب وهي تنهض واقفة : عما ؟!
أجابها بحنق : عن إصابتي ؟!
هزت كتفيها بعفوية : سنسرد ما حدث .
رفع حاجبه برفض واعتداده بنفسه يظهر بحركة جسده الذي انتفخ : لا طبعًا لن نفعل ، لن تقصي لأحد شيئًا فأنا سأكون بخير ومن الجيد أن خصلاتي ستخفيها .
نظرت إليه بدهشة لتهز رأسها بتعجب قبل أن تجيبه : على راحتك ، فقط أخبرني أنك بخير حتى انصرف .
تمتم بعفوية : أنا بخير ، فقط لم انم جيدًا لذا رأسي غير مستقر .
أومأت برأسها في تفهم لتسأله : إذًا ستكون بخير أم أت لك بمازن أو علي ؟!
أجابها بنفي قاطع ليكمل سائلًا بتسلية : ولماذا تدعو لي أحدهم ألن تساعدينني أنت ؟! تمتمت بريبة وهي تنظر لابتسامته المتشكلة فوق ثغره فأتبع بمرح - تساعدينني ، تساندينني إلى أن أستطيع الوقوف بثبات .
رمقته مليًا لتهز رأسها بتفهم : اها نعم ، ها قد تأكدت أنك بخير يا ابن الوزير .
ضحك بخفة لتهز رأسها بيأس هاتفة بضجر : لن تتغير أبدًا .
تعالت ضحكاته رغمًا عنه لينهض واقفًا ببطء هاتفًا بها بعدما ابتعدت عنه قليلًا : أنت لا تساعدينني لأتغير .
توقفت خطواتها لتستدير إليه هاتفة بجدية : من يريد أن يتغير يا أدهم لا يريد مساعدة من أحد ولا يفعل هذا لأجل أحد ، بل يتغير لأجل نفسه يا أدهم .
مط شفتيه بتفكير ليغمغم وهو يسير نحوها : سأفعل يا آسيا ، ولكن أنت صديقتي المقربة أريد أن أشعر بك تؤازرينني .
ابتسمت برقة لتجيبه برقة : أنا بجوارك دومًا يا أدهم ولكن في حدود ما سيصبح مسموح لي .
رف جفنه ليهمس باختناق : ما الذي سيمنعك ؟!
ابتسمت باتساع لتجيبه بخفوت وهي تتحاشى النظر إليه : زياد هنا و مُصر على إقامة الخطبة قبل أن يعود لأمريكا.
اختنق حلقه ليردد بتمهل : زياد ؟! من زياد ؟! ارتفعا حاجبيها بدهشة لترمقه مليًا فيربد وجهه بضيق وهو يتابع - يريد إقامة الخطبة قبل عودته ؟!!
أومأت برأسها ليسألها بهدوء : وأنت ما رأيك ؟!
هزت كتفيها دون معرفة لتهمس بثرثرة معتادة بينهما : لا أعلم حقًا لم أتحدث مع بابا ولا ماما للآن ، ولا أعرف موقفهم ولا رأيهم.
هدر بضيق : لا أسألك عنهم يا آسيا أسألك عن رأيك ؟! هل أنت موافقة على الخطبة ؟!
سحبت نفسًا عميقًا لتجيبه بهدوء وهي ترفع نظراتها الهادئه نحوه : اعتقد أني موافقة .
تأملها مليًا ليبتسم بلباقة هاتفًا بجدية : مبارك يا آسيا ، مبارك عليك الخطبة أتمها الله عليك بالخير .
ابتسمت برقة لتهمس بمرح : كم أتوق لأن تتقابلا يا أدهم فأنا أحدثه عنك وهو يريد مقابلتك .
ابتسم باتزان : بالطبع سأفعل بل و سأوصيه بك أيضًا فأنت أختي الخامسة أو الرابعة انتظري لأحصي عدد الفتيات من العائلة وخاصة بعد انضمام موني لهن
تعالت ضحكاتها وهما يسيرا عائدان لبقية الشباب فينظر إليه علي بتساؤل هتف به : أين مازن؟!
تمتم أدهم : كان معكم .
أجابه علي : لا لقد اختفى منذ قليل ، تبادلا النظرات ليتحرك أدهم على الفور عائدًا للحقول قبل أن يشير علي لزين - اصحب الفتيات وعد بهن وأنا سأذهب لأبحث عن مازن .
أومأ زين وهو يشير للفتيات ليسرع علي بخطواته يتبع أدهم وهو يهاتف ابن خاله الذي لا يجيب هاتفه !!
***
اقتربت هنا منه وهي تبتسم لوجهه برقة تهتف بترحاب كعادتها : كيف حالك يا فنان ؟!
اتسعت ابتسامته ليجيب بفرحة غمرته لا يعلم مصدرها : بخير حال ، عيدك سعيد يا سيدتي
عبست هنا بتعجب لتردد باستياء : سيدتي ، ما هذا يا نادر أنا هنا ، هنا فقط أو تستطيع أن تقول أي من اسماء الدلال التي تروقك وهن كثر ، ضحك بخفة لتتبع - هناك نونو .. نون .. ناي .. وهنون ولكن هذا سخيف يدعوني به التؤامان حينما يريدون اغاظتي.
ضحك بمرح ليهتف بتعجب : لا أحد يدعوك آنا ؟!
رمقته قليلًا لتجيبه : لا .
هز رأسه بحركة طفيفة متعجبة : غريب رغم أنك تشبهينها !!
عبست بعدم فهم : من هي ؟!
تمتم ببساطة : آنا ، شقيقة إليسا ، اتسعت عيناها بتعجب فأكمل شارحًا - أميرة الثلج ألا تدركينها ؟!
ضحكت برقة لتهتف ببساطة و وجنتاها تتوردان بعفوية : بالطبع أدركها أنا متعجبة أنك من يدركها وخاصة أن نسخة الفيلم تعد قديمة قليلًا .
عبس بتعجب ليهمس بتفكير : قديمة ؟! كيف لقد شاهدته و أنا بالعاشرة !!
هتفت بتفهم : اووه أنت تتحدث عن النسخة الجديدة التي تم إعادة إنتاجها ؟! أومأ برأسه إيجابًا لتتابع سائلة بتفكه - ولماذا تشاهد أفلام أميرات يا نادر فأنت ..
قاطعها بضحكة مرحة : اها نعم صبي من المفترض ألا أشاهدها أعلم ولكن هذا هو الحال حينما يترعرع الانسان وكل من يماثلونه سنًا من الفتيات ، اتسعت عيناها بصدمة فأكمل وهو يشير للتجمع القريب منه - انظري لهن ، كلهن بسني وكلهن فتيات . يمنى وحبيبة اخوتي بالرضاعة وغالية وعالية وقبلهما تالية بنات عمي ، حتى زين أتى متاخرًا والشباب كلهم كبار ، حينما كنا نتجمع سويًا كهكذا تجمع كنت أدفع دفعا لأكون بوسطهن فلا أقوى على رفض رغباتهم وأنا صغير وحينما كبرنا كنت اعتدت على وجودي معهن واعتدت أيضًا على التدليل والاستماع والانصات لشكواهن والعمل على حلها.
رمقته بانبهار وهو يكمل بثرثرة عفوية : لم أشعر بالضيق يومًا لوجودهن من حولي بل كنت أتضايق بالفعل حينما أصبحت بالجامعة وبدات بتكوين صداقات رجولية فكنت اضطر أن أصاحب زملائي الشباب بمفردي فلا أقوى على اصطحاب إخوتي معي ، فحبيبة لا تفضل الاختلاط ويمنى .. صمت قليلًا ليتنفس بعمق - لم أكن أقوى على تحمل نظرات الجميع لها .
ومضت عيناها بضحكة رائقة لتغمغم بصدمة : أنت غيور يا فنان ؟!
ضحك بخفة ليحرك الشواية قليلًا قبل أن يجيب بصراحة : لا ليس غيورا لهذه الدرجة ولكن موني .. زفر بقوة - موني مختلفة رغم أنها ليست فاتنة ولكن جاذبيتها طاغية وعنفوانها يجذب النظرات ويدير الرؤوس وأنا لست بمقاتل
ابتسمت ليكمل بخفة وهو يهز كتفيه بمرح : أنا فنان.
ضحكت برقة لتسأله بفضول ومض بعينيها : إذًا لم تتشاجر ولا مرة بسبب موني .
احتقن وجهه بسرعة : بل تشاجرت كثيرًا وليس لأجل موني فقط بل ولأجل حبيبة أيضًا ،
— اووه نطقتها ضاحكة ليضحك بمرح انتقل إليه ليكمل بسلاسة - وإذا كنت أتشاجر لأجل موني فتشاركني موني المشاجرة ومن الممكن أن تلكم من ضايقها وتقضي عليه فحبيبة مختلفة لأنها كانت دومًا و لازالت رقيقة وحينما يضايقها أحدهم تبكي وتنكمش على ذاتها فأكون محترقًا وحائرًا عليها و لأجلها .
تمتمت بعفوية : أنت أخ رائع كم أتمنى أن يكبر خالد ويحيط سهيلة بحمايته هكذا
تلاشت البسمة من على وجهه ببطء قبل أن يكح بخفة ويهمس بتساؤل متردد : هل لي أن أسأل عن شيء لا يخصني ولكن .. ؟!
ابتسمت باتساع لتهمس بصوت أبح : تسأل عن سو أليس كذلك ؟!
أومأ برأسه سريعًا ليكمل بتحديد : عن حالتها أليس لديها علاج ؟! اجراء جراحة .. زرع أو أي شيء يساعدها على السمع و الحديث ؟!!
اهتز جفنها الايسر و وجهها يكسوه الحزن لتجيبه باختناق : للاسف لا ، اتسعت عيناه بألم بمصابها الذي تجسد بملامحها وهي تكمل - سهيلة ولدت بفقدان العصب السمعي لذا لم نستطيع أن نقوم بفعل أي شيء.
تمتمت باختناق : كان هناك خيارًا بعملية جراحية ولكن نتيجتها كانت غير مؤكدة وهي صغيرة وأنا وتيم تملكنا الخوف من فقدانها وحينما كبرت ازداد خوفنا وهي الأخرى رفضت الأمر رفضًا نهائيًا.
تمتم بتعجب : رفضت ؟!
أومأت بعينيها : للأسف وانطوت على نفسها أكثر ومرت بنوبة اكتئاب بالكاد استطعنا المرور منها بعد وقت طويل لذا اغلقنا الأمر ولم نعد إليه ثانية ونحن راضين بقضاء الله وقدره فوجود سهيلة معنا أفضل بكثير من فقدانها.
همس بسرعة وعيناه تتسع جزعًا : بعد الشر عنها .
ابتسمت برقة لتهمس بامتنان : شكرًا لك .
رف بعينيه ليجيبها بتعجب : علام ؟!
تنفست بعمق : على شعورك ، ضحك بخفة وهز كتفيه دون حديث لتتبع باهتمام - بالمناسبة هل تستطيع بالفعل تعليمها الموسيقى.
ومضت عيناه بفرحة ليهتف بسرعة : بالطبع أستطيع ، لقد كنت أدرس الموسيقى بالفعل لمن ..
صمت واختنق حلقه لتهمس هي بتفهم : لمن يماثلون حالتها .
تمتم بألم : إنها بخير يا آنا يكفي أنها محاطة بعائلة تحبها وتحميها مثلكم .
ابتسمت هنا وهي تنظر لعمق عينيه لتهمس ببسمة لم يقوى على تحليلها : بالطبع .
هتفت بجدية : إذًا متى تستطيع أن تمر علينا ؟!
هم بالحديث ليقاطعها صوت أحمد الذي عاد يحمل بعض الأطباق ليفرغ باقي الطعام الذي شواه نادر : من الذي سيمر على من ؟!
هتفت هنا وهي تشير إلى زوجها بعينيها فاقترب على الفور بعدما شعر بنداء استغاثتها وهي تجيب بلباقة : نادر سيزورنا بالبيت ، أشارت لتيم بعينيها وهي تتبع - لقد وافق على تعليم سو يا تيم .
ابتسم تيم برزانه ليرمقها بعينيه في توعد خفي قبل أن يتحدث برزانة : حقًا ؟! هذا جيد .
ليعبس أحمد بتفكير قبل أن يهتف باستنكار : كيف يعلمها الموسيقى ؟! اتبع وهو ينظر لنادر من بين رموشه - أنت تدرك أنها لا تسمع أليس كذلك ؟!
تمتمت هنا بضيق : أحمد ؟!
التفت ينظر إليها بغضب واضح : ماذا هل قلت شيئًا خاطئًا ؟! أتبع وهو ينظر لنادر بتحذير - ألا أشرح للفنان الحالة جيدًا وأخبره عم ينتظره ؟!
ابتسم نادر ببرود : أنا بالطبع أعلم حالة سو يا أحمد بك .
عبس أحمد ليردد باستنكار : سو ؟!
اتسعت عينا نادر بصدمة ليلف برأسه يتأكد من جلوس خالد بعيدًا ثم ينطق بعفوية مضحكة : هل اسم سو به حساسية تعانون منها ، أليس دلالها سو وجميعكم تدعونها به .
ابتسم تيم مرغمًا بينما انتفض احمد بحمية ليهتف بضيق متجاهلًا تحذير شقيقته : نعم لأننا أخوالها و أقاربها ، ارتفعا حاجبي نادر ليشعر بالغرابة حينما يكمل أحمد - أما بالنسبة للغرباء هي لها اسم كامل تستطيع نطقه يا سيد نادر .
اطبق نادر فكيه ليهتف بجدية : حسنا المعذرة يا تيم بك ويا أحمد بك لم اقصد التباسط فقط توقعت ..
قاطعه تيم بهدوء : لا عليك يا نادر ، سننتظرك ولعل يجعلك الله فاتحة خير علينا وسو تتقبل الأمر ولا ترفضه كما تفعل دومًا .
تمتم نادر بعدما كح بحرج : بإذن الله ، اسمحوا لي ،
ابتسم في وجه تيم وأحمد بلباقة ليهمهم ببسمة مرحة : سعيد بالحديث معك يا آنا .
ابتسمت هنا برقة : أنا الأسعد يا فنان .
خطى مبتعدًا ليزمجر أحمد بعدم رضا انعكس على وجه تيم : من آنا ؟!
تنفست هنا بعمق لينظر إليها تيم بتساؤل هادئ فأشارت اليه بأن ينتظر فابتسم و أومأ بعينيه قبل أن يبتعد عنهما وهو يعرف ماذا ستفعل زوجته التي تجاهد لأجل أن تنجح أمر الموسيقى لعلها تنقذ ابنته من نوبات الاكتئاب والانطواء التي تداهمها ، لتستدير إلى شقيقها تكتف ذراعيها أمام صدرها هاتفه بضيق : أحمد هل انتهيت من غيرتك على ابنتك التي لم تأتي و على زوجتك الحامل لتأتي وتغار علي ؟!
اتسعت عينا أحمد بصدمة ليهتف بحنق : هل كان يدللك أنت الأخرى ؟!
تمتمت بعصبية مفتعلة تعلم مداها جيدًا على أخيها : لا افهم ما الخطأ في أن يدللني أو يدلل ابنتي و خاصة أن الكل يفعل ؟!!
انتفض أحمد بغضب : هل جننت ؟!
هدرت بغضب تواجهه : لماذا ؟! ما الذي فعلته يا أخي العزيز لتتهمني بالجنون .
رمى أحمد الأسياخ الحديد من بين كفيه فأصدرت جلبه انبهت البعض من الجالسين ليهدر من بين أسنانه : أليس جنونًا أن تأتي بشاب مثل هذا ليعلم ابنتك الموسيقى يا هنا ؟!
رفت بعينيها لتهمس : ما باله نادر لا أفهم ؟!! إنه ذو تربية جيده وأخلاق عالية وموسيقي رائع بشهادة الجميع .
ابتسم ساخرًا : نعم و وسيم و معسول الكلام و لبق و يدلل ابنتك و مهتم بحالتها ، اتبع بغضب - ابنتك المراهقة التي تماثل فتيات جيلها المتعلقات بهذا الوسيم المتربي ذو الأخلاق العالية.
هدر بجنون متبعًا : بحق الله إنه نجم الفتيات الأول ينظرون إليه كأنه إله ويتعلقون برقبته حين ظهوره ويعبدونه سرًا و جهرًا.
تمتمت باختناق : سهيلة مختلفة يا أحمد و أنت تدرك ؟!
رمقها من بين رموشه ليغمغم بضيق : يا ليتك أنت تدركين الفارق يا هنا ، تدركين أن ابنتك هشة .. ضعيفة .. ولن تحتمل أن تتعلق بهذا المختلف عنها .. بهذا الذي يأتي إليه العالم تحت قدميه .. بمن يطلق عليه معشوق الفتيات فلا ينظر للمختلفة التي إذا تعلقت به لن يهتم ولكنها هي من سيهدم عالمها دون رجعة يا شقيقتي .
ابتسمت بألم لتهمس ساخرة : أين هذا العالم يا أخي ؟! أين عالم سو الذي سيهدم ؟! أخبرني ؟! اتبعت وهي تشير إليه بكفيها في انفعال - هيا تفضل أخبرني عن عالمها الذي سيهدم.
اختنق حلقها وهي تتبع : أنت لا تعرف شيئًا .. أنت لا تدرك شيئًا .
أين عالم ابنتي .. أين حياتها .. أين اهتماماتها .. بل أين أصدقائها يا أحمد ؟!اغرورقت عيناها بدموع كثيرة تكاثفت بهما لتكمل باختناق - سهيلة لا عالم لها .. سهيلة وحيدة تعاني من الانطواء والاكتئاب ولولا وجود مريم بجوارها لكانت اعتزلت المدرسة والدراسة ،
فمريم من تشجعها للذهاب والإياب للمدرسة ،
اغتمت ملامحه بالحزن ليسأل بعتاب : وهل الموسيقى ستجعلها أفضل يا هنا ؟!
ابتسمت : لا أعرف أنا فقط أريدها أن تنشغل بأي شيء .. أريدها أن تثق في نفسها و قدراتها .. أريدها أن تنفتح قليلًا وتخرج من قوقعتها .. تبصر العالم الخارجي .. أريدها أن تحيا يا أحمد كبقية الفتيات بسنها ، أنا خائفة عليها ولا أدرك ما السبيل لجعل حياتها أفضل ؟!
تنفس بقوة ليهمس بهدوء : ابحثي عن سيدة لتعلمها يا هنا و ابتعدي عن ابن الألفي .
نظرت إليه بتعجب فغمغم باختناق : هو جيد لا أنكر ، ولكن أنا اخشى على ابنتك بدلًا من دفعها للتفتح على العالم الخارجي تنطوي أكثر و تنغلق بسببه .
برمت شفتيها بتفكير ليربت على كتفها بحزم : فكري جيدًا يا هنا .
أومأت برأسها قبل أن تخطو بعيدًا عنه وعيناها تتعلق بنادر الذي التفت إليها مبتسمًا ونظراته تكاد تتساءل عن نتيجة حديثها مع أخيها لتبتسم إليه وتمنحه دعمًا خفي ومض بعينيها قبل أن تتجه نحو زوجها الذي رمقها بعتاب فهمست بخفوت وهي تجلس بجواره : هلا أجلت وصلة العتاب لما بعد يا تيم .
تنهدت بقوة ليرفع ذراعه يحيط به كتفيها ثم يضمها إلى صدره يقبل جانب رأسها : لا فيما بعد ولا الآن ، سأترك الأمر لك وانتظر النتيجة دون تدخل يا هنا ، تمتم متبعًا وهو يضمها إليه في حنان - الآن هي أمانتك .
***
بعد الغذاء
ابتسمت في وجه دعاء لتهمس بصدق : سعيدة أنكم عدتم يا دعاء ، مصر نورت بكم .
ضحكت دعاء لتهمس بامتنان : منورة بوجود أهلها يا جاسي ، أنا الأخرى سعيدة لعودتنا ، اشتقت إلى كل ركن بها ، قررنا كثيرًا العودة في الماضي ولكن الحياة و ارتباطات الأولاد وحياتهم التي اعتادوا عليها كانت تجعلنا نستمر ، ولكن بعد وعكة يحيى الأخيرة لم استطع التحمل ولا هو ، أراد أن يعود وأنا الأخرى واجبرناهم على الرضوخ لنا .
ابتسمت ياسمين لتهتف ليلى بعدم تصديق : اجبرتموهم !! كيف ؟!
نقلت نظرها إلى الولدين الجالسين على طرفي جلسة الشباب : لا تؤاخذني ولكنهم كثر يا باشمهندسة ونضجوا على الإجبار .
ضحكت دعاء لتهمس بخفة : ليس إجبارًا بالمعنى المتعارف عليه ولكننا وضعناهم أمام أمراً واقعًا أننا سنعود وهم لهم حرية الاختيار .
اتسعت عينا ليلى لتهتف ياسمين باستنكار : و إذا كانوا اختاروا الإستمرار هناك يا دعاء ؟!!
هزت كتفيها لتجيب : ومن أخبرك أن بعضهم لم يفعل ؟!
اتسعت عينا ياسمين بصدمة لتتبع بهدوء - غالية و زين رفضا رفض تام العودة ، غالية تحججت بعملها و زين بأصدقائه وعالمه ،
هتفت إيمان بعفوية : وستتركيهما هناك ؟! ارتفعا حاجبي دعاء فاتبعت إيمان بعدم تصديق - المعذرة لم أشأ التطفل .
هتفت دعاء سريعًا : ليس هناك تطفلًا ولكن ماذا علي أن أفعل ؟!
همهمت ايمان بصدمة : ولكنهما في سن لا يتركا بمفردهما .
عبست فاطمة لتجيب ببرود : إنهما ناضجان ماذا سيحدث لهما ؟!
نظرت إليها ليلى باستهجان : كيف يا فاطمة ، إنه شاب في مقتبل عمره و فتاة في أوج جمالها .
هزت فاطمة رأسها باستهجان وآثرت الصمت لتسأل ياسمين باهتمام : حقًا ستتركيهما هناك ؟!
تنهدت دعاء بقوة : امم زين يحيى أجبره أن يعود هذه السنة لأنه لم يتم الواحد والعشرون بعد فأخبره أنه لازال تحت وصايته القانونية .
هتفت ايمان سريعًا بصدمة : غالية ستبقى بمفردها ؟!
هزت دعاء رأسها نافية : لا رغم أن يحيى منحها كامل الحرية و لكن نبيل من استطاع استمالتها وأقنعها أن تجرب العمل هنا في فرع شركتها الدولي و إذ لم يعجبها الوضع لتعد ثانية.
تنهدت إيمان براحة لتهتف بدعاء صادق : صدقًا يا دعاء كان الله في عونك أنا للآن لا اتخيل كم مجهودك معهم و خاصة مع متطلباتهم التي من المؤكد مختلفة
تمتمن بالدعاء جميعهن لتسألها ياسمين باهتمام : ماذا تعمل الآنسة غالية المتمردة ؟!
ضحكت دعاء بخفة : تعمل بمجال تكنولوجيا الاتصالات ، وهي بالفعل أكثرهم تمردًا و ذات شخصية جبارة يا ياسمين .
ضحكت ياسمين لتنظر ليلى نحو الفتاة وتهتف باهتمام : بارك الله فيها ولكن بالفعل واضح عليها .
همست دعاء بثرثرة : نبيل شبيه يحيى بالكامل هادئ و رزين وعقلاني و نادرًا ما يخطأ
شاكستها ايناس بتعمد : و وسيم مثله إنه نسخته المصغرة يا باشمهندسة .
ضحكت دعاء : اينعم لا أقوى على الإنكار .
أكملت بهدوء : تالية تشبهني تبعًا لأقوال والدها ، هادئة ليست متطلبة و قرب سنها من نبيل جعلها تشبهه إلى حد ما ، لم اتعب معهما كثيرًا كانا دومًا طائعين و هادئين يثيرا الصخب كالأطفال ولكنهم لم يكونوا يومًا مرهقين .
تنفست بعمق : لتأتي غالية وتقلب جميع الموازين بشكلها المميز وشخصيتها التي على الجانب الآخر من أخويها ، أتذكر وهي صغيرة لم تكن تنام لا ليل ولا نهار وكانت دومًا باكية متعلقة بي بشكل يثير جنوني و زاد الأمر حينما حملت خطأ في عالية ، انتقل التعلق بسبب تعب الحمل مني بيحيى الذي كان ينام جالسًا لأجل إرضائها ،اتبعت بيأس - دللها كثيرًا وللآن يفعل .
صمت قليلا لتهمس بخفوت : ثم رزقنا بعالية ، و رغم أنها ليست متطلبة أو نزقة وعصبية كغالية إلا أنها مشاكسة مرحة ومثيرة للصخب لا تقوى على الصمت أو الجلوس هادئة ، هتفت بتنهيدة قوية - يا الله جسدي يرتعد كلما تذكرت وهما صغيرتان فيثيرا الشغب ونبيل وتالية يحاولا رغم صغر سنهما أن يحتويا صخبهما .
ضجت الضحكات من حولها : ليتمم الله عقده بزين ،
هتفت سارة بمرح : لا يا دعاء من فضلك إنه زين باشا وهذا يا هوانم مستوى الوحش ، اسألوني أنا يكفي أنه يشبه حاتم .
ضحكت دعاء مرغمه و ضحكات سارة تتعالى وهي تهتف من بينهم : يا الله إلى الآن اضحك كلما تذكرتك وانت تدورين من حوله حتى لا يقبل الفتاة على الشاطئ ، أو يتوقف عن مصادقة فتيات صفه .. أو مغازلة الآنسات الكبار ،
ضحكت سارة بقوة لتهتف إيناس : أنا أذكر أنه غازل سيدة كبيرة ذات مرة وهو في الخامسة عشر .
ضحكت سارة : بل تقدم لها ليتزوجها وكانت هي بالثالثة والثلاثون السيدة لم ترفضه بل هتفت به أنها للأسف متزوجة وإلا كانت فكرت في عرضه .
تعالت ضحكاتهن لتسأل ليلى بجدية : هل توقف عن مصادقتهن حينما كبر ؟!
أشارت سارة بكفها نافية : لا يا ليلى إنه لا يغازلهن لأنه يريد مصادقتهن ، إنه يحبهم بالفعل و يريد الزواج منهم . إنه مرهف المشاعر إذا تطلع لإحداهن خمس دقائق يقع بهواها.
اتسعت عينا ليلى بذهول لتضحك دعاء بخفة مثرثرة : أتذكر أنه حينما سجل دخوله للجامعة حدثه يحيى كثيرًا في هذا الامر و أعاد نبيل الحديث ليأتي ثاني أسبوع ويخبر يحيى أنه يحب معيدته في الجامعة .
ران الصمت على الجميع والصدمة تتألق بنظراتهم لتتبع هي بصوت متعب - يا الله يومها انخفض ضغط دمي و كدت أن اقع أرضًا حينما سمعته يخبر يحيى أنه يريد منه أن يأتي معه ليراها وبعدها يتناقش معه في أمر الزواج من عدمه.
هتفت ياسمين بصدمة : ويحيى ماذا فعل ؟!
— لم يفعل التهى بي حينما كدت أن اقع وبعدها أصدر فرمانًا خاصًا أن يكبت زين مشاعره إلى أن يتخرج وأن لا يقدم على أي خطوة مع أي فتاة أيا كانت إلا بعد حصوله على شهادته والعمل أيضًا ، ومنذ هذا اليوم لم يخبرنا عن قصصه الكثيرة ، ولكنه يخبر نبيل الذي يحتوي الأمر برزانته المعهودة ويستطيع إيقاف جنونه ، رغم أني أشعر به حينما يتعلق بإحداهن ولكني لا أتحدث معه مطبقة نصيحة يحيى والتي مفادها أن صمته يعني تحكمه في الأمر الذي لا يعد جادًا
ضحكن من جديد لتتحدث ياسمين بهدوء : معه حق
بينما هتفت ليلى بحنان : بارك الله فيهم يا دعاء وحفظهم لك .
تمتمت دعاء بامتنان : اللهم أمين وإيانا جميعًا .
انتبهت هي إلى عودة بناتها لتسأل بتعجب وهي تلاحظ عبوس الوسطى : ما بالك يا غالية ؟! اشاحت غالية برأسها في حنق فتربت عالية على كتفها بمواساة لتتبع دعاء سائلة - ماذا حدث يا تالية ؟!
ابتسمت تالية برقة : لا شيء يا ماما .
انتفضت غالية بحنق : بل حدث ، رمقتها تالية بلوم فهتفت بضيق - لا تنظري لي .
هتفت دعاء بصرامة : اخفضي صوتك ولا تصرخي واخبريني ماذا حدث ؟!
كتفت ساعديها وعاودت الجلوس ثانية دون رد فابتسمت عالية بتوتر : تشاجرت مع حسام يا ماما كالعادة .
زمت دعاء شفتيها بضيق لتهتف سارة بارتياع : لماذا ماذا حدث ؟! هل ضايقك حسام يا لولو؟!
هتفت بصراحة : نعم .
— غالية ، هدرت دعاء لتستوقف حديثها فهتفت سارة - اتركيها تخبرني ماذا فعل يا دعاء من فضلك ليغضبها هكذا .
همت بالحديث لتزجرها دعاء بعينيها فأجابت تالية برقة : لا شيء يا انطي ، فقط حذرنا من صوت الضحكات العالي فتضايقت غالية .
لوت سارة شفتيها باستياء ليصدح صوت حاتم الذي اقترب منهم هاتفًا : من هذا الذي ضايق الغالية ؟! أخبروني لاشد أذنيه .
تمتمت غالية بحقد : حسام يا عمو .
تمتم حاتم : ماذا فعل الكئيب عدو المرح ؟
هتفت دعاء باستنكار : توقف يا حاتم .
هتف حاتم بمرح : عما ؟! هل تتوقعين أنه يغضب من صفاته ؟! إنه يفتخر بها يظن أنها مميزات .
ضج الضحك من جديد لتتعالى ضحكات الفتيات وخاصة حينما جلس حاتم في المنتصف بين الصغيرتين ليضمها إلى صدره ويقبل رأس غالية : لا تغضبي يا ابنتي حقك علي ، اضحكي كما يحلو لك ولا تهتمي به ، إنه نكد بالفطرة فلا تشغلي رأسك به .
ضحكت برقة ليشاكسها حاتم : عسل وسكر يا لؤلؤ .
تعالت ضحكاتها ليستدير إليهم حسام بعبوس شكل جبينه ليقبل عليهم بخطوات رزينة ينظر إلى أبيه بضيق قبل أن يهتف بحزم : ألم أتحدث معك بشأن ضحكاتك ؟!
رفعت رأسها بغرور حينما أجابه حاتم : لا شأن لك بها أنا من أخبرتها أن تضحك كما يحلو لها.
رد سريعًا : حينما تكون في البيت لتفعل كما يحلو لها ولكن حينما يكون تجمع كبير كهذا واستمع إلى ضحكاتها التي جذبت أنظار الشباب نحوها يكون ليس كما يحلو لها ، ليس كل شيء في العالم هذا كما يحلو لها ولأجل رغباتها ، عليها أن تتعلم أن هناك ما هو مقبول و لائق و هناك أشياء كثيرة ليست لائقة عليها أن تتوقف عن فعلها .
انتفضت واقفة و صاحت في وجهه بعصبية و رمت كلماتها في وجهه كمدفع سريع الطلقات : أنت لا شأن لك بتصرفاتي و لست أنت من يقرر ماهو اللائق بتصرفاتي أو غير اللائق بها ، أنا وما افعله وما يخصني لا شأن لك به ، أفهمت ؟!
جمدت ملامحه والغضب يسكن عينيه لتهدر دعاء بحزم : غالية ، هل جننت ؟! كيف جرؤت على الحديث مع ابن عمك الكبير بهذه الطريقة بل كيف جرؤت أن تفعلي هذا وأنا وعمك حاضران وزوجة عمك أيضًا ؟!!
رفت غالية بعينيها كثيرًا لتهتف دعاء بحزم - اعتذري حالًا عم فعلت.
أدارت غالية رأسها تنظر نحو والدتها بقهر فتهتف دعاء بتصميم : حالًا اعتذري عم بدر منك من إساءة لهم فأنت لم تحترمي أيا منا .
رفعت رأسها بشموخ : من الأولى أن يعتذر من أتى ليصحح لي تصرفاتي أمام أبيه وأمام حضرتك والجميع وكأنه فوق الجميع وأنا الصغيرة الذي سيعيد تربيتها .
اتبعت وهي تجابه والدتها بتحدي حازم : حينما يعتذر عن إساءته أولًا في حقكم يا ماما وهو يتعدي على وجودكم ، سأعتذر أنا الأخرى أني دافعت عن نفسي ولم انتظر دفاعكم عني .
استدارت إليه تنظر نحوه بكبرياء فيشد حسام جسده بصلابة هاتفًا : لن أفعل فأنا لم أخطئ
ابتسمت ساخرة لتهمس بتهكم وهي تتخطاه مبتعده في خيلاء تعمدته في خطواتها : كما توقعت.
أطبق فكيه وهو يرغم نفسه ألا يستدير لينظر نحوها ليزم شفتيه بضيق وهو يستعيد حديث عادل المرح عن الكروان الذي يضحك مشيرًا لكون الكروان شقيق البلبل بعدما شاكس نبيل باسم تدليله المتعارف عليه وهو " بلبل " ، قبض كفيه يحاول السيطرة على ضيقه فيسب عادل بسره بسبة خافتة ثم يخطو برزانه عائدًا نحو مكان جلوسه مجاورًا لسليم لتهتف إيناس بانبهار حقيقي : وااااو يا دعاء إنها رائعة ، لا أصدق أنها أسكتت حسام وجعلته يبرطم وهو يعود افلًا لمكانه من جديد.
نظرت إليها دعاء بعتاب : أين هذه الروعة يا ايناس بالله عليك ، تمتمت دعاء بضيق - أنا اعتذر يا سارة .
رفعت سارة حاجبيها في حين هتف حاتم مستنكرًا : علام تعتذري يا سارة ، من حقك علينا أن نعتذر عن تصرفات القفل الذي انجبناه والذي بدلًا من أن يراضي ابنه عمه جابهها بغطرسة وغباء .
تمتمت دعاء سريعًا : ليس عليه مراضاتها
فهتفت سارة بجدية : وليس عليه أيضًا محاسبتها ، غالية لم تخطأ يا دعاء و ولدي أنا لي حديث آخر معه.
***
يجلس أرضًا يفرد جسده فوق المقاعد العربية في الحديقة الخلفية التي جهزوها البارحة ليجتمعوا بها ، بجوار مازن الذي يسند ظهره لظهر المقعد ويرتكن برأسه لوسادة طرية وضعها خلفه ، وبعيد عنهم قليل علي الذي ينظر لهاتفه بعبوس طفيف ومن الواضح أنه لا يعجبه ما يراه فيهمس أدهم بخفة مازحًا بخفوت : تبسم للنبي يا علي ، إنها في سويسرا يا رجل لا تكن نكدًا .
عبس زين الجالس بجوار علي بعدم فهم فهمهم مازن بخفوت عاتب : توقف يا أدهم و دعه و شأنه .
بينما علي لم يلق بالًا لهم وهو يتابع حديثه على الهاتف قبل أن يغلقه ويضعه جانبًا بجمود على ملامحه ليلوى أدهم شفتيه ويغمغم ساخرًا : كملت.
اتبع وهو ينظر إلى علي بينما زين يراقبهم بتسلية : ما بالك يا ابن عمتي ؟! ماذا حدث يا لولو ؟! ألا يكفي هذا الأحمق الذي بحثنا عنه ساعة في الحقول وهو نائم هنا دون أن يخبرنا ولولا أن ملك وجدته مصادفة وأخبرتنا لكنا ظللنا إلى الآن ندور حول نفسنا باحثين عنه واطلقنا كلاب الصيد وخيول أسعد باشا العربية في دورات تفقدية.
أشاح علي برأسه بعيدًا يلتزم الصمت بينما قهقه زين ضاحكًا حينما زمجر مازن بضيق : توقف يا غليظ ، شعرت بالتعب قليلًا وأتيت للنوم .
تنهد أدهم بقوة ليهمهم باقتناع مفتعل : طبعًا أنا أعلم ،
رمقته مازن بطرف عينه فيتوعده أدهم بعينيه ليتجاهله حتى يهتم بعلي الذي تعالى رنين هاتفه بضجيج عالي أثار نظراتهم لينظر علي إلى هاتفه كثيرًا قبل أن يغلقه تمامًا بملامح جامدة فيهتف أدهم باستياء : اجب الفتاة يا علي حتى لا تجدها فوق رأسك في الغد ، أنت تعلم أنها مجنونة قليلًا و لن تتورع على العودة خصيصًا لأجل سيادتك
تبادل هو وعلي النظرات ليؤكد مازن بالقول الحزين : لا تتعامل معها هكذا يا علي ترفق بها يا أخي اجبها وتشاجر معها ولكن لا تتجاهلها .
هتف أدهم بمرح وهو يدفع مازن بود اخوي : وهاك أخبرك مرهف الحس خاصتنا .
كح زين بخفة ليهتف بعدم فهم : هل مسموح لي بمعرفة من هي ؟! اتبع بلغة انجليزية سريعة - هل هي صديقتك يا علي ؟!
اكفهر وجه علي بينما انتفض مازن جالسًا ليهتف أدهم بصوت عالي : هاي يا صديق أنت ، اخفض صوتك .
رمقهم زين بعدم فهم ليتطلع مازن نحو تجمع الكبار : صوتنا لم يصل لهن.
سأل زين بصوت هادئ هذه المرة : أنا لا أفهم .
هم علي بالحديث ليصمت والشباب الكبار يقتربون منهم فهتف أدهم بغمزة شقية : فيما بعد سنتحدث كثيرًا سويًا .
استلقى عمار بجوار أدهم ليجلس الكبار بالتتابع فيهتف عاصم سائلًا وهو ينظر لابن عمه قليلًا : ما بالكم يا أولاد ؟!
فيجيب أدهم ضاحكًا : ارحمنا يا باشمهندس من نظرتك التأملية هذه واجلس من فضلك .
لكزه عمار بضحكة مرحة بينما تحرك علي إلى جوار مازن ليفسح مكان لعاصم الذي جلس بالفعل : الكبير يا ولد .
أومأ أدهم برأسه متفهمًا : اعلم تكفي نظرته التي تجبر المرء على الإدلاء بأقواله كاملة .
ضحك مازن ليهتف بخفة : تدلي بأقوالك وتجده يقف بجوارك ، أم تخفي عنه فيحاسبك قبل الجميع أو معهم .
هتف علي بمرح وهو ينظر لعاصم بتقدير : بل أدلي بأقوالي وأنا أعلم جيدًا أن عاصم سيؤازرني ويقف معي ويحميني أيضًا .
نظر لهما أدهم ليسأل بملامح ساخرة : هل أت بالليمون ؟!
قهقه عمار بقوة وهو يهتف : والقيثارة أيضًا يا ولد .
هدر أدهم بترفع : لا أستطيع العزف .
ليهتف زين بخفة : أنا أستطيع .
أتبع بصوت منغم في نغمة معروفة ليسأل أدهم - أليس هذه المقطوعة المقصودة ؟!
نظر إليه أدهم مليًا ليهتف : نعم هي .
بينما تمتم عمار : صوتك جميل ، لا تخبرني أنك تحمل موهبة عمك ؟!!
هتف نبيل الذي جلس بجوار اخيه الصغير يحتضنه من عنقه ليجذبه نحوه : اينعم يا عمار ، زين صوته ينافس صوت عمو حاتم جمالًا .
التفت إليه الجميع بانبهار وهتف عمار : موهوب بالفطرة إذًا ؟!
أومأ زين برأسه فسأله عاصم باهتمام : هل اصقلت موهبتك بالدراسة إذًا مثل حسام ونادر
هز رأسه نافيًا ليغمغم زين بضيق : لا فماما رافضة الفكرة شكلًا و موضوعًا ، لذا أنا درست تجارة الأعمال لمعاونة نبيل في الإدارة وموهبتي معلقة على الرف إلى أن أتم الواحد والعشرون ؟!
عبس عمار بعدم فهم لينظر إليه عاصم متسائلا فيجيب بتهكم : حتى أكون مسؤولًا عن نفسي وحينها ، سأهدم عالمي وأنشأه من جديد دون وصاية من أحد .
رمقه أدهم بإعجاب : واو ، راق لي تعبيرك .
هتف زين بمرح : انتظروني ساسحب البساط من تحت قدمي الفنان معشوق الفتيات .
هتف بها بصوت عالي ليهتف نادر الذي يتحدث مع مالك في شيء ما لينتبه إليه فيهتف بصوت عال : لا معشوق الفتيات ولا شيء لا تأتي لي بكارثة وأنا لا ناقة لي ولا جمل ، أتبع وهو يقترب منه في ظل ضحكات مالك المرحة - ثم خذ البساط يا ابن العم لا أريده بدلًا من أن توقعني فتكسر رأسي .
هتف مالك باهتمام : هل تستطيع الغناء يا زين ؟!
شد زين جسده لينظر نحو والدته قبل أن يجيب بخفة : نعم ولكن لا تخبر ماما أني أبلغتك .
غمغم نبيل باسمه في لوم فعبس مالك ليهتف بجدية : لا شأن لك به يا نبيل ، أتبع وهو يسأل بجدية - حقًا تستطيع الغناء يا زين ؟!
هتف بفخر : أفضل من نادر .
رفع مالك حاجبه بإعجاب ليهتف نادر ضاحكًا : نعم صوته أفضل مني كثيرًا وأنا أشهد .
التفت مالك إلى نادر بدهشة ليسأله بجدية : معك قيثارتك ؟!
أومأ نادر برأسه موافقًا فاتبع مالك - هاتها .
غمغم نبيل بخفوت : عمو من فضلك لا تكبر الأمر برأسه .
هتف مالك بجدية : اصمت يا باشمهندس من فضلك قليلًا و دعني اسمع عندليب زمانه هذا .
لوى نبيل شفتيه بضيق ليرمق اخاه هاتفًا : ماما ستحيل حياتنا جحيمًا يا زين بك بسببك .
ضم زين شفتيه لتومض عيناه ببريق ظافر ليهمس بخفوت : هي أخبرتني أن لا اغني متعمدًا وأنا لا أفعل ، رمقه نبيل بحنق فأكمل ببساطة - فعمك من طلب ليس أنا من فعلت من نفسي .
صفق أدهم بمرح واعجابه يتزايد ليمد كفه يصافحه : أعجبتني ، وهذا لو تعلم ليس هينًا .
صافحه زين بمرح : تعال دائمًا .
تعالت ضحكاتهما ليعود نادر بقيثارته فيقبل بقية الشباب حينما هتف سليم الذي كان يجلس بعيدًا : هاك الجلسة بدأت تحلو ، الفنان سيغني .
ناول نادر زين قيثارته وهو يهتف بجدية : احذر .
قبلها زين بمرح : في عيني وبين ذراعي لا تقلق يا نودي
نظر إلى هاتفه و داعبه قليلًا وكأنه يضبطه على شيء ما قبل أن ينهض واقفًا يضبط قيثارة نادر باحترافيه أثارت تعجب مالك الذي يراقبه بترقب قبل أن يهمهم لنادر بخفوت : غني معي حتى لا تحرقني زوجة عمك حيًا .
كتم نادر ضحكته ليشير برأسه إيجابًا قبل أن يهمس إليه باسم الأغنية التي بدأ بالشدو بها وهو يعزفها بعدما ضغط على هاتفه مثيرًا إيقاع هادئ رتيب
على فكرة .. امبارح جات سيرتك مع قلبي وبان عليه
ان انت .. اهم حد عنده حس بيه
محتار .. قولي اعمل ايه
شدى نادر بشجن وهو يدرك الأغنية التي رشحها حسام لزين فيما قبل حينما أخبره أن صوته يليق بها وإحساسه العالي يجسدها بصوته الحاني
خبيت في قلبي ياما .. وداريت ياما ياما
ليعلو صوت زين الشجي وهو ينفصل مع عزفه وصوته وعالمه فيغرد بأداء جذب حاتم بخطوات سريعة ينظر نحوه بعينين متسعتين بانبهار لم يقل انبهارًا عن مالك الذي كتم انفاسه بصدمة وصوت الصغير يعلو بقوة :
خبيت في قلبي ياما .. وداريت ياما ياما
جيت احكي لك .. سهري في ليلك طول ليه
غنى نادر بصوته الأبح وهما يتبادلان الغناء كل منهما مقطع بتناغم رغم فارق صوتيهما
توحشني .. وأتكلم مع صورتك وأقولك انت فين
توحشني .. لو حتى غبت عني ثانيتين
ما تقول .. بتحب مين .
ليصدح صوت زين بقوة يؤدي الطبقة العالية بالأغنية بينما اختار نادر بعفوية أن يغني بصوته الابح الهادئ فيتناغما صوتيهما سويًا
خبيت في قلبي ياما .. وداريت ياما ياما
خبيت في قلبي ياما .. وداريت ياما ياما
جيت احكي لك سهري في ليلك طول ليه
...
انتبهن الفتيات لما يحدث ليقتربن جميعهن ينظرن نحو الشدو الثنائي المتناغم فتهتف عالية بصخب غير مهتم بعبوس والدتها : يا ملك زين سيغني ،
اقتربت ملك بجوارها آسيا اللتان وقفتا تطلع إليه بإعجاب بينما نظرت مريم نحوه بانبهار لحظي بينما اهتزت حدقتي سهيلة بحيرة وهي تراقب ما يحدث أمامها دون ادراك حقيقي و كأن الصورة الحسية المجسدة أمامها منقوصة بأهم شيء يمنحها رونقها كاملًا .
ابتسامة حزينة لمعت على ثغرها لتنتبه على إشارة أمير الذي أشار لها بحركات سريعة يخبرها عم يحدث ليسرد عليها كلمات الأغنية وهو يصف لها الفارق بين الصوتين بسلاسة وابتسامته الدافئة تزين ثغره والتي تجبرها دومًا على الابتسام.
***
أنهى زين أغنيته بابتسامة عذبة كست ملامحه ليثير الشباب صخب بينما هتف حاتم بعدم تصديق : أنت أيها الحمار كيف لم تخبرني من قبل أنك تستطيع الغناء ؟!
التفت مالك نحوه بصدمة ليهتف : أنت لم تكن تعرف ، ظننت لوهله أني المغفل الوحيد هنا وأنكم تخبئونه عني .
أشاح إليه حاتم بضيق : لماذا إن شاء الله سنخبئه ؟! هل خبأت عنك حسام أو نادر حتى سليم رميته في حضنك حينما أخبرني أنه يهوى الإخراج والإنتاج وكل الأشياء التي تشبهك ، بل أنني حينما استمعت إلى موني أخبرتك عنها رغم رفض أمير الجاد وعدم رضاه .
تنهد مالك بقوة ليجيب بضيق : لا تذكرني من فضلك .
قهقه حاتم ضاحكًا ليهتف بمزاح : لا تخبرني أنك ستبكي .
ليتمتم مالك بشقاوة : لازال قلبي يجعني كلما تذكرت أننا لم نفز بها ولم استطع إقناع أمير بأن يدعها تغني كما أردت .
زفر حاتم بقوة : لقد حاربت إيناس بضراوة ولكن يمنى نفسها رفضت يا مالك .
أومأ مالك برأسه ليلتفت إلى زين : هل أنت الآخر رافض للأمر يا ابن الالفي أم ما موقفك بالضبط ؟!
اقترب زين ببسمة مشاكسة ليقف قريبًا منهم يهمس بصوت منخفض : لست أنا بالطبع إنه حكم القوي .
تطلع إليه مالك بعدم فهم ليهتف زين : أنت لا تدرك من القوي ، أليس كذلك ؟!
تمتم مالك : أبوك من يمنعك ؟!
لوى زين شفتيه ليقهقه حاتم ضاحكًا وهو يهمس : بل الباشمهندسة .
اعتلى الإدراك ملامح مالك ليهمهم دون رضا : اها ، فهمت .
ليهتف حاتم بجدية : لا تشغل رأسك يا ولد ، اترك لي الأمر .
قفز زين هاتفًا بمرح : حبيبي يا عمو .
ليهتف مالك بخفة : دعه ينفعك .
لتتعالى ضحكات زين الصاخبة وهو يطوق مالك بمزاح : أنت الأمر حبيبي يا لوكا .
شاكسه مالك بملامحه قبل أن يهتف بحزم : نادر أريد الاستماع للأغنية الجديدة التي تعمل عليها أنت وحسام بك الذي يتكبر علينا بألحانه .
ارتفعا حاجبي حسام ليهتف سريعًا : أنا ؟!
رمقه مالك بحنق مفتعل : لا أنا .
صدح صوت حبيبة التي تناول سليم قدح قهوة كبير هاتفة برقة : أنت من لحن الاغنية الجديدة يا حسام ؟!
ابتسم حسام و أومأ برأسه لتتابع هاتفة - إنها رائعة يا حسام لقد استمعت إليها عنوة أنا و موني
ضحك حسام ليتمتم بمشاكسة حينما التقط اقتراب يمنى : عنوة وموني مفهومة لكن أنت تكونين بالشركة ولا تستطيعين الاقتحام لا عنوة ولا برقة .
ضحكت برقة لتهتف موني بنزق : نعم يا حسام أفندي ؟!
هز كتفيه ببرود : لا شيء .
قهقه سليم بخفوت ليهمس : الجُبن سيد الأخلاق يا حسام .
أجابه بابتسامة مستفزة : إنها ابنة الأمير يا سليم بك .
اقترب أسعد بعدما حمل فنجان قهوته ليسألها بهدوء عابس : ما بالكما يا سادة بابنة الامير ؟!
رفع حسام كفيه ليهتف بمرح : لا أعلم اسأل العريس .
ليهتف نادر بضجر : فقط لا تقل عريس ، إنه هنا معنا ولا يظهر بمظهر العريس على الإطلاق .
التفت إليه سليم بلا مبالاة : وكيف يكون مظهر العريس يا سي نادر ؟!
شاكسه نادر بخفة : يكون مثل أسعد أو عمر يا سي سليم ، التفت سليم ينظر لزوج شقيقته الذي يرافقها وأسعد الذي يجلس بجوار عادل بعدما ترك جنى التي تتحدث مع نوران فيتبع نادر بتعجب - أنا لا أفهم إلى الآن كيف سمحت لك جيجي بالمجيء معنا ؟!
ارتفعا حاجبي سليم بدهشة ليردد باستنكار : سمحت لي ، وما لها هي بالأمر ؟!
عم الصمت قليلًا ليهتف نادر باستياء : ما معنى ما لها بالأمر ؟! أنت من ستصبح زوجها إذًا أنت وكل ما يخصك أصبح ملكها يا سليم أفندي .
رمقه سليم مليًا ليهتف بتفهم : اها ، لا هذه القاعدة ليست مفعلة عندنا .
ضحكة ساخرة صدرت من عادل قبل أن يهتف بتهكم : ستفعل بإذن الله لا تقلق ،
رمقه سليم بنزق فاتبع حسام متعمدًا اغاظته : اتركه يا دكتور فهو لا يعلم بعد الزفاف شيء وقبله شيء آخر .
ليهتف نادر بمزحة قديمة : ما فات حمادة يا سليم باشا وما سيأتي حمادة آخر .
ليجيبه سليم ساخرًا : ومن حمادة هذا إن شاء الله ؟!
هتف عادل بضحكة ساخرة عالية : من ستنجبه بإذن الله يا عريس .
ضجت ضحكاتهم بصخب لتنتقل العدوى للجميع قبل أن ينطلق صوت ياسمين الهادئ هاتفة : لا تضايقوا العريس يا أولاد وأنت بالأخص يا طبيب العقول اتركه في حاله فأنت من ستتزوج بعده وحينها سيضايقك الجميع .
أجاب عادل بمرح : أمرك يا خالتو ، رفع كفيه بخفة - الياسمينة أمرت يا سليم .
هتف سليم وهو يضحك بخفة : الياسمينة و أوامرها فوق رأسي من فوق ، اتبع وهو يستجيب لاشارتها إليه بالاقتراب فيتقرب منها يشاكسها بملامحه الوسيمة - فقط هي تؤشر .
تمتمت ياسمين : أنت بائع كلام يا ولد ، اتبعت بنغزة قوية وهي تهتف بصوت عالي - تذكرني بأبيك في شبابه.
اجابها بدهشة مازحًا : أنت رأيت بلال بك حينما كان يضحك كبقية خلق الله ؟!
تمتم بلال بسبه خفيضة لتتعالى ضحكات ياسمين مجلجلة لتهتف به : تأدب يا ولد و اجلس فأنا أريد الحديث معك .
استجاب على الفور ليجلس إلى جوارها هاتفًا : أمرك يا عمتو .
اتسعت ابتسامتها لتهمس بعتاب صريح : لم تنطقها منذ زمن بعيد يا سليم .
تورد وجهه حرجًا ليقترب منها يضمها بخفه يقبل رأسها : نعتذر لعيون الياسمينة لتقصيرنا غير المقصود .
ضحكت لتهز رأسها بيأس قبل أن تهتف به : أخبرني ، نظر إليها باهتمام فسألته بجدية : ما الذي ينقصك أخبرني لأن أمك وعمتك لا تخبراني بشيء .
ضحك ليجيبها : لأن ليس هناك ما ينقص يا عمتو ، وخاصة حينما عاصم بك بنفسه أرسل لي مهندس ديكور توصى بي وانجز أمور التجهيزات في مدة قصيرة ، فالحمد لله الأمور مستقرة وأنا انتظر الزفاف .
عبست بتعجب : لا ينقصك شيء ، ملابسك .. اشياءك .. قاعة الزفاف ، كل شيء أعددته وتنتظر الزفاف .
ضحك و أخفض رأسه لتهتف موني التي تحمل صينية أكواب الشاي الزجاجية : ألا تري أنه هنا يا خالتو ، العريس أتى يستجم قبيل زفافه بأيام .
أجاب متهكمًا : إنه أول يوم العيد وأنا أحب أن أقضيه مع عائلتي .
أومأت يمنى برأسها لتسأله ياسمين : و زوجتك لماذا لم تأتي ؟!
أجابها بخفة : تعلمين أمور الفتيات يا جاسي وهي وحيدة ليس لها أحد وكل شيء تحب أن تفعله بنفسها رفضت وأنا تركتها على راحتها .
نظرت إليه مليًا لتهمس : الزفاف آخر أيام العيد أليس كذلك ؟!
هز رأسه نافيًا ليجيب : لا كنت أتوقع أنه سيكون آخر يوم ولكن
قاطعته بتفهم : رمضان لم يأتي متممًا .
ابتسم برزانة : نعم ، إذًا لا أمل أن أساعدك .
غمزها بمزاح : ادعي لي .
ضربته على كفه بعتاب أمومي : أبوك طوال عمره مؤدب .
همس بخفوت مازحًا : هذا ما يُشيعه بين الناس يا جاسي وإلا لما أنجبنا .
تورد وجه ياسمين رغمًا عنها لتدفعه بجدية : انهض يا ولد من هنا .
تعالت ضحكاته ليتمسك ببقائه إلى جوارها ليضمها إلى صدره يقبل رأسها وهو يهمهم : حسنا اعتذر ، كنت امزح والله .
رتبت على وجهه ليهتف عمار بمزاح ساخر الذي وقف أمامهما يتناول كوب الشاي من فوق الصينية التي تمر بها موني : أرى أنك مستقر يا سليم بك عندك .
رمقه سليم من بين رموشه : نعم اجلس بجوار عمتي .
نظر إليه عمار ليهتف ممازحًا : اوه اكتشفت أنها عمتك يا ما شاء الله .
تعالت ضحكات سليم ليضحك عمار بدوره قبل أن يجيبه سليم الذي نهض واقفًا يقترب منه فيقف أمامه : تخيل واكتشفت أيضًا أنك ابن عمتي .
هتف عمار بصوت تمثيلي مفتعل : يا للهول ، ليتبع بمكر - إذًا أنا أقرب إليك من موني في القرابة .
جمدت ملامح سليم ليظهر التركيز بعينيه قبل أن يهتف بصراحة : لا ، موني أختي أما أنت ابن العمة ياسمين .
أومأ عمار بعينيه متفهمًا ليهمس إليه : مبارك الزفاف لم أبارك لك من قبل .
عبس سليم بتعجب : ألن تحضر ؟!
أجاب عمار سريعًا : لا طبعا سنأتي كلنا ليتبع بمزاح - لا نقوى على اغضاب الياسمينة .
ضحك سليم ليهتف عمار بجدية : هذا الشاي لا أفهم فائدته ، أريد قهوة تعدل رأسي الذي خرب بسبب تناول الفسيخ .
اجابه سليم متهكمًا : أرى أنه أصبح معتدلًا الآن ، رمقه عمار بطرف عينه ليقهقه ضاحكًا قبل أن يهتف به - تعال لأعد لك قهوة لم تشربها من قبل على الرمال الساخنة .
اتسعتا عينا عمار بدهشة : حقًا تستطيع تحضيرها هكذا ؟!
أومأ سليم برأسه ليعودا للشباب فيطلب عمار من ملك أن تأتي بالأقداح ليعدوا القهوة .
أومأت ملك لتبتسم إلى سليم بطبيعية وتهتف إليه : مبارك الزفاف يا سليم .
ابتسم سليم بمودة : بارك الله فيك والعقبى اليك يا ملك .
ابتسمت برقة لتجيب بهدوء : بإذن الله .
هتف عمار وهو يعد بعض الأشياء بعدما شمر ذراعي قميصه : انظري يا ملك من يريد القهوة ؟!
**
هتف أسعد وعاصم بالإيجاب لتبتسم وهي تمر بجوار عادل تسأله بخفة متهكمة : هل تريد القهوة يا أبيه ؟!
كتم عادل ضحكته ليجيب وعيناه تومض بتسلية : هل ستعدينها يا صغيرة ؟!
رفعت رأسها بتحدي : بل سيعدها عمار ، أنا مسئولة الأقداح فقط .
ليجيبها بمرح وابتسامته تتسع : أنا أريدها قهوة من يد الارنبة .
ابتسامة ماكرة زينت ثغرها لتجيبه بخفة : كان بودي والله ولكن لم يعد هناك أرانب في الجوار .
قهقه ضاحكًا بخفوت لتبتعد عنه هي الأخرى ضاحكة قبل أن ينتبه على نظرات أمير المتسعة غضبًا لينتبه على صوت أسعد الخفيض : ماذا حدث الآن ؟!
تمتم سريعًا : لا شيء .
زمجر أسعد باسمه في خفوت حاد فيكح عادل ويؤثر الصمت ليكمل أسعد : بل هناك شيء فبابا يكاد أن يأتي ليدق عنقك يا عادل .
تمتم عادل سريعًا : بابا غاضب مني وأنا لا أنكر ،
سأل أسعد بجدية : لماذا ؟! زم عادل شفتيه و آثر صمتًا آخر ليجيب أسعد بإقرار - لأجل ملك أليس كذلك ؟!
تنفس عادل بعمق ليجيبه : لم أفعل شيئًا .
رمقه أسعد بطرف عينه قبل أن يهمس إليه بنبرة مميزة : يا عادل ، حقًا لم تفعل شيئًا ، والفتاة التي توردت وهي تتحدث معك وأنت وضحكتك التي ملأت ملامحك لم تفعل شيئًا .
هز كتفيه : إنه مزاح عادي يا أسعد .
هز أسعد رأسه بيأس ليهمس إليه : لن اعلق لأنك تستخف بعقلي في هذه النقطة .
تمتم عادل بضجر : ليس هناك أكثر من بعض المزاح والحديث أنت وبابا تكبران الأمور دون داعي .
ران الصمت عليهما ليهمس أسعد بعد قليل : بل الأمر كبير يا عادل أنت تغازل الفتاة علنيًا في وجود عائلتها التي نحن في ضيافتها ، وهذا لا يصح ، اعتدل عادل بجلسته ليجابه أسعد بتحدي فيكمل أسعد - أستطيع قراءة حديث عيناك وأنت تريد اخباري عن أمر جنى ولكن هناك فارق يا عادل ،
تمتم عادل سريعًا بعبوس طفيف : ما هو ؟!
أجاب أسعد ببساطة : جنى ليست الصغيرة ملك ، وأنا لم أكن أقدم على ارتباط بفتاة أخرى وأنا أعلن حبي لجنى .
صمت بطريقة مدروسة قبل أن يتبع : إلا لو أنت ألغيت أمر ارتباطك بلارا هانم حينها يكون الحديث مختلف وحينها سأدعم ارتباطك بملك إذا أردت .
انتفض عادل بحزم : ارتباطي بملك ، بالطبع لا يا أسعد إنها صغيرة -علي-للغاية .
رمقه أسعد قليلًا ليحدثه بجدية : فارق السن بينكما ليس كبيرًا للغاية ،
تنفس أسعد بعمق قبل أن يهمهم إليه برزانة : أنا لا اعترف بأمر فارق السن هذا ، تكبرها .. تكبرك ، هذه أمور شكلية إذا توافقت الأرواح يا عادل ، أنا أمامك مثال من يراني وجنى لا يستطيع استنتاج أنها تكبرني ، وهناك مثال آخر ، أشار برأسه لمكان ما فالتفت عادل بترقب ليكمل أسعد بهدوء - هاك سيادة الوزير إلى الآن مفتون بامرأته الصغيرة ولعلمك عمو وائل يكبر تامي بثلاثة عشر سنة كاملة ، ولا زالت هي تعشقه ، بل إن قصتهما يتغنيان بها كقصة الأمير وليلاه .
ابتسم عادل بخفة ليهمس ببساطة : أنت وبابا وعمو وليد وعمو وائل وخالو بلال أيضًا ، جميعكم عاشقين يا أسعد أما أنا فلا ، عبس أسعد بعدم فهم فأكمل عادل بهدوء - أنا رجل علم لا أفقه في أمور القلب والعشق ، ولا أقع في فخها أبدًا .
ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتي أسعد ليهمس بخفة : حتمًا ذات يوم ستقع في الفخ يا شقيق فلا تتباهى ، نهض أسعد واقفًا متبعًا - ولكن للمرة الأولى أخبرك أعد النظر في أمر ارتباطك من السيدة لارا .
***
اقترب خالد منه ليجلس مجاورًا هاتفًا بجدية : ما بالك يا أمير ؟! أشعر بأن أمرًا جللًا يشغلك .
رف امير بعينيه ليبتسم في وجهه رزانة : دومًا فراستك تدلك يا خالد .
رمقه خالد مطولًا ليغمغم بصوت مختنق : هل هرب ؟!
تمتم أمير باقتضاب : للأسف ، هناك من يساعده ، تنفس خالد بعمق ليتبع أمير بجدية – سأخبر وائل لأجل الحراسات على القصر فهو هذه المرة سينتقم بجنون وتهور .
انتفض جفن خالد ليهمس بجدية : هل هناك أوامر جديدة ؟!
هز أمير رأسه نافيًا : أنا اباشر الأمر شخصيًا يا خالد ولكن إذا استطعت أن تقنع الاولاد أن يبقون إلى جوارك حتى نكثف الحراسات عليكم .
أومأ خالد برأسه موافقًا فيستوقفه أمير بجدية : فقط ليس الآن ، انتظر إلى أن نعود لا تفسد عليهم أول أيام العيد .
ابتسم خالد وربت على ركبة صديقه لينتبه أمير إلى اقتراب وائل الذي جلس إليه مجاورًا هاتفًا بجدية : أخبرتني أنك تريدني يا أمير .
أومأ أمير برأسه لينظر نحوه : اطلب دورية خاصة من الوزارة يا وائل وأنا سأوافق عليها و ابقي أميرة لديك ، فاقنع أحمد بوجوده معكم .
جمدت ملامح وائل لينظر له برهبة فيخفض أمير نظراته متحاشيًا الحديث فيهمهم وائل بجدية : حسنا سأفعل ، ولا تعتل هم أحمد سيبقى رغمًا عنه .
ابتسم امير ليهتف خالد باستياء : ولدي لا يبقى رغمًا عنه ، كل ما يفعله برغبته الخالصة .
رمقه وائل باستخفاف مرح : لا يا رجل ، والله ، هل عدت للدفاع عنه من جديد ؟!
أومأ خالد برأسه إيجابًا : طوال عمري ادافع عنه ، ولكن قسوتي عليه لأجل صالحه يا معالي الوزير ، فبعض الناس لا تفقه قيمة ما لديها إلا حينما تخسره .
زفر وائل بقوة وهو يغمض عينيه حانقا : يا الله يا رحيم ، ألن تتوقف عن ترديد هذا الحديث ؟!
أجاب خالد ببرود : فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
تمتم وائل بجدية : ونعم بالله يا خواجة ، شكرًا جزيلًا على مجهوداتك العظيمة في تذكيرنا بما فاتنا دومًا .
ضحك أمير مرغمًا ليهتف وليد بضجر بعدما استلقى على كرسي منفرد : لا تخبراني أنكما عدتما للمشاكسة من جديد ، ارحما هذا الرجل الذي أتى من عمله رأسًا ظهرًا وتوقفا قليلًا ، ابتسم أمير بينما زمجر وائل بضيق وابتسم خالد بلا مبالاة ليتبع وليد بجدية واهتمام – أخبرني يا أمير ما أمر عريس آسيا هذا هل تتحدثون بجدية أم أنكم تمزحون ؟!
اعتدل وائل بجلسته ليتبادل مع أخيه النظرات قبل أن يهتف بدهشة : عريس لآسيا ، التفت لأمير – حقًا ؟! لا زالت صغيرة للغاية .
أجاب أمير : إنه شاب صديق لعز الدين قابلته من قبل وحدثني آدم عنه ومن الواضح أنه جاد بالأمر فيريد تعارف العائلتين مستغلًا وجوده بمصر فترة العيد .
هدر وليد بصدمة : أليس مصري ؟!
أجاب أمير : لا مصري ولكنه يعيش بأمريكا ، ولد وترعرع هناك .
تمتم وائل بعدم رضا : ما لنا بالاجانب نحن وما الذي يجبرنا على منح بناتنا لأشخاص يبعدونهم عنا ؟! هذا غير مقبول .
ابتسم أمير بخفة وهو يرمق وائل بطرف عينه : الفتاة تريده .
جمدت ملامح وائل ليسأل وليد باختناق : تحبه ؟!
هز امير كتفيه بعدم معرفة : لم أتحدث معها يا وليد للآن ، خالتها فعلت فأجابتها بطريقة غير مفهومة فحنقت ليلى منها لأنها لا تريدها أن تبتعد فهي تتبنى نظرية وائل ،
سأل وليد باهتمام : و إيناس ؟!
زم أمير شفتيه ليجيب ببطء وهو يراقب ملامح وليد بدقة : رافضة للأمر .
زفرة راحة ندت عن وليد فابتسم أمير بمكر ليكمل بهدوء – ولكن والدها لا مانع لديه ، من رأيي كل هذا لا يهم ما يهم هي الفتاة الموافقة على الشاب وهي من أتت به أيضًا .
تحركت نظرات وليد الشاخصة لوائل الذي شكلت ملامحه بحنق و رفض اعتلى جبينه ليسأل أمير بجدية : لماذا تسأل يا وليد ؟! رف وليد بعينيه وهو يواجه نظرات أمير المتفحصة والذي اتبع ببساطة وبسمته تكسو ملامحه – هل لديك عريس لآسيا ؟!
أجاب وليد ببساطة حانقا : نعم لدي ولكنه غبي و أحمق وعنيد كالثور مثل والده .
سبه خافتة انفلتت من بين شفتي وائل بينما تعالت ضحكات امير وخالد ليكمل وليد وهو يشيح بكفه لوائل – وأنت تدرك الأمر يا أمير فلا تتذاكى علي .
سيطر أمير على ضحكاته ليهمهم مشاكسًا : صدقًا يا وليد ، إذا كان غبي و أحمق وينكر مشاعره خوفًا من الرفض فهو يشبه عمه ليس أباه ، فوائل لا يفعل ذلك ،
هتف وائل بتهكم : أرأيت إنه يشبهك ؟!!
ليهتف خالد ساخرًا : نعم فوائل لا يخاف هو ينكر مشاعره ولكن بتملك عنيد وغطرسة تدع المرء يحتج ويهج من المكان بأكمله .
هتف وائل بغرور : شكرًا جزيلًا يا خواجة اخجلتم تواضعنا والله ، ولكنك محق ما هو ملكي يظل ملكي لا اتركه يتسرب من بين يدي .
هز وليد راسه بيأس ليهتف امير بجدية : ولكن في الحالتين هو رافض الاعتراف والفتاة لا تفكر في أمره وهذا ما يجعل ولدكم الذي لدي عليه الكثير من التحفظات – بالمناسبة- يعاند و يرفض .
هتف وليد بهدوء : فقط تحدث مع آسيا يا أمير وإذا كانت رافضة فهذا الأمر يعود لها فقط ولكن إذا كان هناك أمل للقبول أخبرني وأنا سآتي بالاحمق زاحفًا على بطنه لأجل عيون آسيا ولأجلك .
تنهد أمير بقوة : يفعل الله ما يريد يا وليد .
التفت ينظر لوائل ليسأله ممازحًا – معالي الوزير لا تعليق لديه .
زم وائل شفتيه بتفكير ليجيب أخيرًا : لا ، وليد من يتعهد فرغم مميزات أدهم الكثيرة والتي اعيها جيدًا إلا أن في هذا الأمر أنا أفضل ألا اخسرك من تحت رأس ولدي العنيد .
ضحك أمير بخفة ليربت على ركبته : لن يحدث لا تقلق فقط سننتظر إلى أن أتحدث مع آسيا لأفهم ما مدى قبولها فبالأخير القرار عائد لها هي وفقط .
هم وائل بالحديث ليرمقه وليد مستوقفًا ليبتسم بهدوء : سننتظر نتيجة الحديث يا أمير .
***
تطبع بسرعة فوق شاشة هاتفها وهي تتجه نحو سيارة والدها سعيدة لمغادرة المزرعة رغم أن اليوم كان جميلًا وقضت به أوقات مرحة كثيرا مع الفتيات ولكنها لم تكن مرتاحة ، مرآه أمامها بنظراته العاتبة .. ألمه المرتسم على ملامحه .. وعيناه الحزينة كانتا تؤرقاها ، وهي التي بعد المرة الأخيرة قصدت أن تحدد علاقتها به فهو لم يقبل بكلمة لا وهي لن تمنحه سواها ، لقد حاولت مرارًا أن تفهمه .. تخبره .. تشرح له بذوق أنهما لن يكونا سويًا فهي ليست له .. ولن تكون يومًا !!
فمازن بشخصيته اللينة .. الراقية .. والرقيقة لا تتعدى مكانته عن الأخ .. الصديق .. زميل الدراسة كما كانا من الصغر ، ورغم أنها لم تكن تريد خسارته فهو على المستوى الشخصي ولد جيد بطباع هادئة محترم وتربيته اكثر من جيدة إلا أنها لم تطيق اعتراضه على محمود ، ابن عمتها وخالها والاقرب إليها من نفسها والذي بدأ في التسلل إليها بتؤدة ، ورغم أنها تدرك خطواته جيدًا من بعد ذاك اليوم الذي بارك لها قدوم الشهر الفضيل ومنحها اعتذاره وتعي اقترابه الهادئ منها وتتوقع غرضه من تصرفاته إلا أنها لا تجد نفسها إلا منساقة له بلهفة .. تتتبع حركاته .. تتأمل سكناته .. وتنتظر حديثه الذي ياتي دومًا خاطفًا لفكرها .. مشتت لنبضاتها .. و ممتلكًا لروحها ، حديثه الذي لا تعلم كيف بدأ .. ولا كيف سينتهي كل ما تعلمه أنها مسيرة في طريقه دون هوادة أو رجعة !!
انتبهت على صوت الرسائل المتتالية التي تصلها بالتتابع .. بلهفة .. بتوق لحديث لا ينتهي لدرجة أنها أصبحت تحمل هاتفها ملتصقًا بكف يدها كما تصارخ والدتها بها هذه الايام شاكية من عدم تركيزها في أي شيء سواه ، لتنظر نحو الشاشة لتبتسم وهي تكز على طرف شفتها السفلية برقة وتتورد وهي تنظر نحو حديثه الذي يحوى مفهوم الاشتياق دون التصريح به ، رن الهاتف للمرة الأولى منذ بدأ حديثهما معلنا عن اتصال قادم منه لتتوتر وتنظر من حولها لتجيب سريعًا بصوت خفيض : ماذا حدث ؟!
أتاها صوته الرخيم ببحته الهادئة : لا شيء ، فكرت أن اتحدث معك بدلًا من الرسائل فأنا أردت أن اعايدك ، هل اتصالي ضايقك ؟!
تمتمت سريعًا : أبدًا ، فقط إنها المرة الأولى التي تتصل بها .
سحب نفسًا عميقًا لتستمع إلى زفرته التي جعلت وجهها يحتقن خجلًا : فقط أردت سماع صوتك و ردك و أنا اعايدك يا خديجة ، فأنا لم أفعل صباحًا ، وانتظرت طوال اليوم على أمل أن تأتوا باكرًا ولكن من الواضح أنكم ستتأخرون .
ردت سريعًا وهي تلتفت من حولها : أبدًا ، نحن نغادر الآن ، بابا يقول سنصل في حدود النصف ساعة على الأكثر .
ابتسامة رزينة رسمت فوق شفتيه ليهتف بجدية : حسنًا سأنتظر وصولكم لاعايدك مباشرًا ، اتسعت ابتسامتها ليكمل بهدوء – اعتذر إن كنت ازعجتك باتصالي ، فقط شعرت أني في حاجة للحديث معك .
احتقنتا وجنتاها بحمرة خجل سيطرت على خافقها الذي نبض بجنون لتهمس بصوت أبح اوشى بخجلها : لا عليك .
تمتم وهو ينهي الاتصال : أراك قريبًا يا ابنة عمتي .
همست بخفوت : بإذن الله يا محمود .
...
يسير بجوارها يشبك كفه بكفها ويؤرجحها بخفة قاصدًا اغاظتها فتهمس بخفوت ضائقة وهي تسيطر على ارجحة كفيهما المتشابكان : عبد الرحمن .
كتم ضحكته ليهمس مشاكسًا : ظلي ردديها هكذا وأنا سأظل اؤرجح ايدينا وأنا أعلم أن هذه الحركة تضايقك .
ضحكت رغم عنها لتهمس بخفوت : ولماذا تضايقني ؟!
جذبها قريبًا منه فينظر إليها من علٍ طفيف مع جسدها الاهيف فهي تقاربه طولًا رغم ارتدائها لحذاء أرضي مريح إلا أن رأسها تصل لكتفيه : تروق لي ملامحك وأنت مغتاظة ، نظرت إليه بدهشة فأكمل وعيناه ترسمان ملامحها – وميض عينيك القوى .. حدة نظراتك .. زمة شفتيك .. وصوتك الحازم الذي يثير الرهبة مع الجميع سواي .
توردت وهي تخفض بصرها ليكمل بخفوت وهو يلامس طرف ذقنها من الأسفل يمرر ظهر سبابته بطابع حسنها المبهج : لأني أعلم أن هذا الصوت ينافس صوت البلبل رقة حينما يدعوني بلفظ التحبب خاصتي ويشعرني بأني ملكت العالم بأسره وأنت معي .
تناثرت أنفاسها لتهمس بخفوت : عبده .
تحكم في لهفته إليها بضراوة ليهمس ممازحًا : اخبريني كيف سيكون الوضع إذا ضبطني أبوك وأنا اقبلك بجوار سيارته الضخمة .
ابتعدت بردة فعل عفوية لتهمس ضاحكة و وجهها يحتقن بالأحمر القاني : لا أعرف ، ولكنك لن تفعل .
أجاب بوضوح : بالطبع لن أفعل رغم أني أموت شوقًا لأفعل وأفعل وأفعل .
كتمت ضحكتها بكفها الحر لتهتف بعدما سيطرت على وجهها المتورد تهتف بحنق مفتعل : عبد الرحمن من فضلك .
قهقه ضاحكًا ليهتف بها في عتاب : بالله عليك ماذا علي أن أفعل حينما تناديني عبده بأنفاس مرتجفة و وجه مورد ، لقد منعت نفسي بالكاد من تقبيلك يا رقية .
اشاحت بنظرها بعيدًا : آسفة .
تنهد بقوة ليجذبها نحوه ثانية ليهمس بلباقة : هل أستطيع أن أضمك إلى صدري ونحن نتخفي بالسيارة ؟!
أجابته وهي تنظر نحوه بتسلية : لو قلت لا ستستمع .
__ لا ، ضحكت ليتبع – ولكني آثرت سؤالك أيضًا .
أجابته بمكر انثوي لا يظهر كثيرًا : ولكن لن أقول لا .
اتسعتا عيناه بمفاجأة سرعان ما تدراكها وهو يضمها إلى صدره يقبل جبينها هامسًا بخفوت : سأشتاق إليك ، ستتغيبين كثيرًا هذه المرة .
تمتمت وابتعدت عنه قليلًا : إنهم أيام العيد فقط .
هز رأسه بضيق تملكه فأكملت بهدوء – تعال معنا إذا أردت و أقم أيام العيد عندنا .
عبس برفض ظهر بوميض زرقاويتيه ليجيب برزانة : لا يا رقية ، عائلتك لا ترحب بي بهذا الشكل المرجو أن أت و امكث معكم ، ثم أعتقد أن دكتور محمود لن يكون مرتاحًا لوجودي بغرفة ضمن غرف البيت الذي تباتين به ، اعتقد أن الأمر مريب قليلًا لديكم وأنا لا أريد إثارة الريبة أو حديث لا أساس له .
نظرت إليه مليًا لتهتف به : من اخبرك أنك ستبيت في نفس البيت الذي سأكون فيه ، عبس بعدم فهم لتتبع بهدوء – لدينا مضيفة بعيدًا عن الدوار الكبير نستقبل بها الغرباء .
__ واو وأنا من الغرباء إذًا ؟! سألها متهكمًا فأجابته – إلى الزفاف أنت تعد غريبًا .
هم بالحديث ولكنه صمت و اذنه تلتقط صوت خطوات يقترب فيشير إليها أن تنتظر وهو يترقب القادم فيهمس بعفوية : إنها خديجة كما اعتقد .
عبست بعدم فهم لتهمس بطريقة مماثلة : كيف عرفت ؟!
أشار إليها على شقيقتها الصغيرة التي تقترب ولكن من الواضح أنها منشغلة بهاتفها فلم تلتقط وجودهما في الاتجاه الاخر من السيارة : من صوت خطواتها ، ارتفعا حاجبيها بدهشة فأكمل بعفوية – أنا أقوى على تحديد الجميع من صوت خطواتهم .
سألت بفضول : إذًا تستطيع معرفتي من صوت خطواتي .
أجاب بمشاكسة : بالطبع فخطواتك تدق فوق قلبي يا قلبي .
كتمت ضحكتها مرة أخرى بكفها لتهمس بمزاح :انفرط عقدك يا باشمهندس .
أجابها برزانة وهو يحتضن كفها يقربها منه : بل كاد ، حينما ينفرط سأفاجئك ، صدقيني
القاها بغمزة شقية ادهشتها لتندثر الابتسامة من فوق وجهها الذي جمدت ملامحه وصوت شقيقتها التي أجابت هاتفها منذ أن تعالى رنينه بسرعة فيصلها صوتها بوضوح فتستنتج الحديث هي وعبد الرحمن الذي اعتمت ملامحه فأصبحت غير مقروءه لتهم بالحركة فيضغط على كفها بلطف ويهز رأسه لها رافضًا ليهمس بخفوت شديد : لا تتحدثي معها وأنت غاضبة يا رقية .
نظرت إليه بنظرة ألمته وهو يشعر بالخذلان يومض بهما لتهمس إليه : لابد أن اعلمها بمعرفتي يا عبد الرحمن .
فهمس ناصحًا : لا تلوميها ، اشعريها أنك معها حتى لا تنفر بعيدًا .
أومأت برأسها لتتحرك فتكشف مكانها لشقيقتها التي التفتت إليها برهبة حينما صدح صوتها بصرامة : مع من كنت تتحدثين يا خديجة ؟!
شحب وجهها لتفتح فمها تريد الإجابة ولكنها لا تقوى عليها ليظهر عبد الرحمن نفسه هاتفًا بجدية : مساء الخير يا ديجا .
تمتمت بتحية سريعة وهي تخفض رأسها تتحاشى النظر إليهما لتهم رقية بالحديث ثانية ولكنها صمتت حينما أقبل عليهم محمد ليهتف بترحاب ودود : ألم تبدل رأيك يا باشمهندس و توافق على مرافقتنا ؟!
ابتسم عبد الرحمن ليجيب نافيًا : لا سأعود مع نولا ولأكون بجوار أحمد إذا احتاجني ، فأميرة اعتقد ستضع حملها قريبًا ، و أيضًا لأجل عاصم فزفافه القريب سيجعله يدور من حول نفسه لعلني استطيع مساعدته .
هتف محمد : العقبى لك ، ألم تحدد الموعد بعد ؟!
ابتسم عبد الرحمن بخفة ليجيب : قبيل سفرك سأتي لنتفق فلابد أن ننظم الموعد وأنت حاضرًا .
أومأ محمد برأسه في رزانة : على خيرة الله .
التفت محمد لخديجة ليسألها باهتمام – ما بالك يا ديجا ؟! لماذا شاحبة هكذا ؟! هل أنت متعبة؟!
تمتمت بصوت أبح : بل بخير ، فقط أريد النوم .
هتف محمد بهدوء : حسنا هيا ادخلا إلى السيارة حتى نتحرك فها هما والداي قادمان .
تحرك عبد الرحمن بعدما أشار بكفه مودعًا لرقية التي دلفت خلف شقيقتها إلى داخل السيارة مهمهة بحزم : حديثنا لم ينتهي يا خديجة .
اقترب من محمد ليصافحه ويحتضنه مودعا قبل أن يحتضن مديحة التي كررت له الدعوة فيهتف بالشكر ليصافحه محمود أخيرًا ويربت على كتفه : حسنا تعال بعد غد على الغذاء العائلة كلها ستكون مجتمعة وأنا سأفتخر بوجود زوج ابنتي البكرية يا عبد الرحمن .
ابتسم عبد الرحمن بود ليجيب : سأفعل يا عماه ، فأنا لا أقوى على رد طلبك أبدًا .
ربت محمود على كتفه بفخر ليهتف به وهو يدلف إلى السيارة : سننتظرك يا باشمهندس .
أومأ برأسه وهو يشير للسيارة التي غادرت يقودها محمد ليهمس بخفة وهو يطبعها لها كعادته : لا اله الا الله .
فتجيبه بشق الشهادة الثاني وهي تبتسم و وجنتاها متوردتان كما يتوقع : محمد رسول الله .
***
يسير بخطوات متسارعة نحو الغرفة التي استطاع أخيرًا أن يعرف أنها بها بعدما تعذر عليه أن يدرك ماذا حل بها بعدما تركها وخرج صباحًا فيفاجئ حين عودته بحديث رجاله عن سيارة الإسعاف التي أتت وصحبتها بها والدتها التي من الواضح أنها اتصلت بها لتنقذ ابنتها من الانتحار !!
انتفض قلبه بخوف ثانية أن يكون فقدها رغم جنونه الذي يسيطر عليه منذ أن حاول معرفة مكان تواجدها منذ عودته بحلول الظهيرة لقصره ولكنه لم يستطع أن يدرك مكانها الآن والوقت يقارب على منتصف الليل ويقارب هو الآخر على فقدان عقله حينما شعر بأنها تبخرت من بين كفيه ، وكأنها فص ملح وذاب و كأن اختفائها مقصود و كأن عمه قصد ابعادها عنه ، ضرم الشر بعينيه وحدسه يتأكد حينما لمح الأربع رجال مفتولي العضلات الواقفون أمام باب غرفتها ليصطدموا برجاله في تعمد حينما اقتربوا معه ليهدر هو بجنون : ابتعدوا .
وجم الجميع و ران الصمت عليهم ليهدر ثانية : أمركم بالابتعاد .
القاها بغطرسة وتحرك نحو الباب فيتحرك الرجال الآخرون بتهديد قابله رجاله لينطق أحد الأربعة غير المنتمين إليه والذي من الواضح أنه قائدهم : زيد باشا نحن مأمورين بحماية الهانم لا نعارضك لأجل أي شيء سوى التزامنا بالأوامر.
هدر بعصبية : ومن الذي منحك الأمر بحماية زوجتي مني ؟!
احنى الرجل عنقه ليهمس بصوت خافت باسم لم يتوقعه أبدًا قبل أن ينتبه لفتح باب الجناح الذي تمكث به زوجته فيتطلع باهتمام لزوجة عمه التي ظهرت من خلفه تخطو بأناقة و تواجهه برأس مرفوع لتهمس ببسمة متصلبة فوق وجهها : مُرْ رجالك بالانسحاب يا زيد .
واجهها بتحدي لمع بعينيه لتقابله بتحدي وصلابة أثارا ترقبه قبل أن يهتف : من الواضح أن على الجميع الابتعاد يا زوجة عمي .
ابتسامة ساخرة لمعت فوق ثغرها لتشير للرجال بالابتعاد في نفس الوقت الذي أومأ به لتابعيه فينسحب الجميع مبتعدين عنهما ولكنهم واقفين من حولهما يمنعون عنهم أي شخص يريد المرور لهما فتقترب منه بخطوات هادئة لترفع كفها وتلطمه دون أن ترف بجفنيها لطمة قوية دوى صوتها من حولهما .. لطمة قوية اجفلته .. فاجأته .. و أثارت جنونه ، ارتد بوجهه إليها لتتسع عيناه بغضب فتجابهه بشراسة أم تحمي ابنتها أو ما تبقى منها فتهمس بصوت خفيض وعيناها تومض بغضب : نعم زوجة عمك فماما دُرية لن تعد أم لك ولا تريد أن تكون ، فأنت وصلت لدرجة من الحقارة أن تغتصب زوجتك .. ابنة عمك .. و ابنة من ربتك وكبرتك لتصبح رجلًا تستقوى به على فتاة ضعيفة كانت من المفترض أنها امانتك .
تجمعت الدموع بعينيها فأتبعت بصوت محشرج : ألم تكتفي يا زيد ؟! ألم ينتهي جنونك ؟! أخبرني سببًا واحدًا لما تفعله !!
رفت عينه اليسرى برفات متتابعة لتهدر فيه باختناق : توقعت أنك تتبدل حينما تصبح أسيل زوجتك ، صدقت أنك لن تؤذيها ، أنك سترعاها كما أخبرتني مرارًا ، ما هذا الجنون الذي يتملكك ويدفعك لهذه التصرفات ، اتبعت صارخة - بحق الله إنها زوجتك ما الذي تريده أكثر من ذلك .
همس دون تفكير : قلبها الذي فقدته ولم يعد لي مكانًا فيه .
تشنجت ملامح درية لتهتف بعدم اتزان : وهل بهذه الطريقة ستكسبه .. ستسترده .. ستمتلكه ، أنت تفقد أسيل يا زيد ، أسيل قطعت معصمها اليوم و لولا أني ذهبت لأتفقدها لكانت ماتت ، أمسكت بتلابيبه تهزه بعنف رغم عدم اهتزازه - أتدرك الام أوصلتها .. لقد فضلت الموت على وجودها معك .
انتفض وروحه تختنق ، تتصلب ملامحه وعينه ترف بسرعة أكبر فأكملت وهي تتحكم في أعصابها التي اوشكت على الانهيار بسبب ما عانته منذ الصباح : لذا أنت ستبتعد عن أسيل منذ هذه اللحظة ، لا أريد رؤيتك بجوارها أو قريبًا منها ، أسيل ستخرج من هنا إلى منزل عائلتي وستكون تحت حمايتي أما أنت وعمك فلن اشغل نفسي بكما فأنا سأحمي ابنتي منك حتى لو هذا لا يرضي عمك .
استدار برأسه في بطء ينظر إليها بثبات : لن تقوي على إبعادي .
ومضت عيناها بشرار غاضب لتهمس بثبات : نعم معك حق ، أنا بمفردي لا أقدر .. حتى اسم عائلتي الذي كان سببًا رئيسيًا في تسلق عمك سلم السلطة و منحه المال والنفوذ الذي مررهما إليك لن يحميني ، ولكني لست بهذا الغباء الذي تتوقعه ، فأنا لجأت إلى الكبير الذي سيقوى على حمايتي وحماية ابنتي منك ،
اتسعت عيناه بعدم تصديق فابتسمت ساخرة وأومأت برأسها إيجابًا لتتبع بتهكم ونظراتها الشامتة تحرقه وهي تكمل - لم الجئ لسيادة الرئيس هذه المرة ، اكتفيت بالرجل الثاني والذي انزعج كثيرًا مما قصصته له وخاصة حينما أرسلت إليه تقارير المشفى ونسخة من المحضر الذي حررته إليك .
ومض الجنون بعينيه لينتفض بغضب وهو يرفع كفه فيقبض على عنقها هادرًا بعدم اتزان وهو يرفعها من الأرض : حررت لي محضر و اتفقت مع آخر علي يا درية .
انتفضت وهي تشعر بالاختناق فحاولت التملص منه وهي تدفع برجليها .. الصراخ أو الاستنجاد بالرجال اللذين يوليهم ظهرهم فتتحشرج بصوت ابح : اتركني يا زيد .. اتركني .
ضغط بكفه وهو يدفعها للحائط من خلفها فتتحشرج أنفاسها وعيناها تغرب للخلف وهي تشعر بأنفاسها تتوقف .. حلقها يؤلمها .. وأعصابها تنهار تحت وطأة ضغطه على حلقها فتطفر الدموع من عينيها لتسقط أرضًا فجأة حينما اندفع أحد الرجال الذي انتبه إليهما مصادفة فهرع إليها ليدفع زيد بعيدًا فتقع أرضًا وهي تستعيد أنفاسها التي خنقها و وعيها الذي كادت أن تفقده و خاصة حينما بدأ الرجال في التقاتل فدفعها أحدهم لداخل الجناح الذي ترقد به ابنتها وهو يهتف : لا تغادرا يا هانم نحن سنتكفل بهذا الوضع .
أغلق الباب بعدما أصبحت بالداخل فتلهث برعب وعيناها متسعة بصدمة دموعها تنهار بجزع لتستل هاتفها تتصل بهاتف الآخر الذي أجابها على الفور كما وعدها وتصرخ برعب تملك منها : انجدنا يا باشا زيد كاد أن يقتلني و رجاله في الخارج يقاتلون رجالك .
***
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...
