ليلة الزفاف
يقفن ثلاثتهن يتطلعن إليها عبر المرآة عيونهن مملؤة بالسعادة لأجلها اقتربت أكبرهن منها تحتضن كتفيها بكفيها تضع وجنتها بوجنتها وتهمس بمحبة خالصة : قمر يا جنى ، بسم الله ما شاء الله ، انتظري سأدعو عمتو لترقيك قبل أن تخرجي من الغرفة .
ابتسمت جنى وعيناها تتلألأ فرحا تنظر لنفسها بالمرآة بنظرة رضا احتلت حدقتاها وخاصة بعد مكالمته –صباحا - والتي أخبرتها بمدى سعادته وفرحه باقترانهما أخيرًا ، سعادة وفرحا انتقلا إليها تلقائيا وخاصة حينما استحلفها بالله أن تسعد الليلة لأجله تنسى كل شيء وتفرح معه فشعرت بأنها ينبغي عليها أن تسعده وتفرح به ومعه ، أخفضت راسها وهي تتذكر عاصم الذي أوصلها بنفسه إلى هنا ظهرا وهو يخبرها بأنه افرغ يومه كله من أجلها وأنها إذا احتاجت أي شيء عليها أن تبلغه وهو سيأتي به إليها حتى لو من باطن الأرض فتبتسم بخفة وتهمهم شاكرة فينثر كلماته الناصحة فوق مسامعها بعدما احتضنها برقي وقبل جبينها بأخوة وهو يمازحها بخفة أن لا تخبر أسعد بأنه قام بضمها إلى صدره وتستر عليه أنه قبل جبينها حتى لا يقتله زوجها ، فضحكت حينها مرغمة ليحتضن عاصم وجهها بين كفيه يجبرها على النظر إليه هامسا : افرحي يا جانو ، هاك أنتِ ترتبطين بالفارس حبيب قلبك وصديق عمرك ، اسعدي لأجله ولأجلك واتركي الحزن وانسي كل شيء سوى أنك ستمضين عمرك الآتي كله معه وبجواره ، توردت مرغمة وهي تتذكر غمزة عاصم الشقية وهو يتابع - أتركي نفسك للقائد وهو سيعبر بك المحيطات والقارات أيضًا .
حينها ضحكت بسعادة صافية لتقرر أن تنحي أحزانها جانبا وتنغمس في أجواء اليوم المميزة بصراخ الفتيات وتعجلهن ، آرائهن الكثيرة ، رزانة أميرة .. تعليمات نوران الشقية .. ومساندة ملك لها ، بل إن انضمام يمنى برقيها وحبيبة بمحبتها الزائدة وآسيا بمشاكستها زاد من سعادتها إلى أن صدح صوت أميرة تؤمر الجميع بالخروج من الغرفة فالعروس سترتدي فستانها وتضع زينتها فالتزمن كلهن بعدما أكدت نوران على المزينة بعض من الأشياء لم تكن ستلتفت لها جنى ولكن راقت إليها بعدما نظرت إلى نفسها بالمرآة الآن .
اتسعت ابتسامتها وهي ترفع عينيها تنظر من خلالها إلى عمتها التي دلفت من الباب تسمي الله وتصلي على النبي بصوت مرتفع تلتها لمياء التي دلفت تسند حور التي أصرت أن تأتي لتبارك للعروس فتلهث زوجة أبوها بدعاء متتالي خصتها به قبل أن ترتفع الزغاريد من فم حور فتشاركها ملك الزغردة دون أن تهتم بنظرات أمها الحانقة ، ضحكت جنى وهمست لعمتها التي احتضنتها مباركة لها : اتركيها يا عمتو فهي الوحيدة – فينا - من تستطيع الزغردة.
أجابتها إيمان بصوت خفيض : لأجلك يا عيون عمتو ، اتبعتها وهي تضع كفها فوق رأسها دون أن تخرب لها خصلاتها الملمومة للخلف مزينة بتاج لؤلؤي أضاء هامتها لتتلو بعض من آيات الله الحفيظ وتتبعها ببعض من الأدعية لتنفث عليها ثلاث قبل أن تسمي وتصلي الله بتتالي في صوت مرتفع قليلا لتنطلق الزغاريد ثانية بقوة وحبيبة تشارك ملك وحور هذه المرة بعدما انضمت هي ويمنى وآسيا للبقية.
__ هل مسموح لي بالدخول ؟ صدح صوته الرجولي الأبح لتتحركن الفتيات مفسحة له المجال قبل أن تقترب منه نوران تضمه بقوة وتقبل وجنته فتترك أثر أحمر شفاهها على وجنته مشاكسة إياه : أبو العروس حبيبي ، اشتقت إليك يا عماه ، أتبعت وهي تحاول أن تزيل أثر شفاها - أوبس لقد تركت أثاري على وجهك .
ضحك أحمد بخفة ليغمزها مشاغبا : فقط حاولي ألا تفعلي مع عاصم حتى لا يقتله أبوك .
قهقهت ضاحكة لتغمزه بوقاحة هامسة بخفوت : لا تقلق يا حمادة عاصم يحمل معه محارم ورقية كثيرا لهذا الغرض خصيصا .
قهقه أحمد ضاحكا ليضرب مؤخرة رأسها بخفة هاتفا بجدية مفتعلة : تأدبي يا فتاة .
تبرمت نوران بطفولية قبل أن تهتف بفرحة حقيقية : أتركك مني ، أتبعت وهي تشير لجنى بذراعها - انظر إلى قمر آل الجمّال المنير .
رف جفناه وحلقه يختنق برهبة ليبتسم بسعادة غمرت ملامحه رغم تلألأ حدقتيه بوميض دموع تجمعت بمأقيه ليهمس بصوت مُحشرج : بسم الله ما شاء الله ، اللهم بارك يا رب.
تحركت إيمان نحوه لتضمه إليها فيضمها بقوة يتقبل مباركتها قبل أن يلتفت نحو حور يستقبل احتضانها الأمومي باستمتاع ودعائها المتتالي لابنته يتزايد لترتفع مباركات الفتيات من حوله فيجيبها بلباقة ثم يتنهد بقوة لتلك التي تسللت خارجة من المكان حينما دلف إليه ورغم أنه لاحظها إلا أنه آثر الصمت حتى لا يفسد فرحته بابنته ، همهمت أميرة ببضع كلمات لتصحب إيمان حور للخارج بعدما فرغت الغرفة من الفتيات ليبتسم ثانية وعيناه لا تتحرك عنها فيقترب منها بتؤدة ليضمها من الخلف إلى صدره يحيط جسدها الصغير بذراعيه هامسا بخفوت : هل تذكرين ؟ دوما كنت أحب أن احتضنك و أحملك هكذا .
دمعت عيناها وهزت رأسها إيجابا لتهمهم بصوت أبح باكي : أذكر ،
وضع وجنته بوجنتها ليقبلها دون أن يمسها بشفتيه ليهمس بمرح : توصيات الأميرة ، حذرتني أن أفسد زينتك أو أبكيك .
اتسعت ابتسامتها وهي تقاوم رغبة ملحة في البكاء لتهمس بهدوء : لن أبكي لا تقلق يا بابا.
تنهد بقوة وهو يسمي الرحمن ثانية قبل أن يمط شفتيه برفض مفتعل : لقد تراجعت سأبلغ أمير أني لا أريد أن أتركك ، و سأعتذر لأسعد بنفسي وأخبره أني اكتشفت أن لا فتيات لدي للزواج .
ضحكت بخفة لتهمهم إليه وهي تهز كتفيها بدلال طفولي وعيناها تبرق بشقاوة : أو نهرب سويا ونتركهم جميعا .
هز رأسه باستحسان للفكرة قبل أن يغمغم بضيق : للأسف لن أقوى على الهرب فلدي عملية جراحية هامة غدا .
__ أهرب أنا معها ، ألقاها بشقاوة وهو يدلف من باب الغرفة ويغلقه خلفه ليقف متسمرا عندما تطلع إلى شقيقته برهبة تملكته للحظات قبل أن يهتف بعدم تصديق - من هذه ؟! أين ذهبت جنى ومن أبدلها بهذا الصاروخ ؟!
ضحكت جنى ووجهها يتورد خجلا بينما أشار لأبيه من خلال المرآة بمشاكسة : هل تعرفها يا بابا ؟! عرفني عليها من فضلك
تعالت ضحكات أحمد بينما عبست جنى بحنق مفتعل وهمهمت : غليظ .
قهقه مازن بقوة ليهتف بمرح : ما هذا القمر ؟! بسم الله ما شاء الله يا جانو ، لم أصدق لوما وهي تخبرني عنك أتيت لأرى بنفسي و يا ليتني ما رأيت .
التفت لأبيه هامسا بجدية : سنلغي الزيجة يا بابا من فضلك ، أنا أعترض .
ضحكت جنى ليهتف أحمد بحزن افتعله : فات وقت الاعتراض يا مازن يا ولدي ، أتبع بتفكه وهو يستدير لولده بعدما أفلت ابنته - زوج شقيقتك أمامه دقيقتين وسيقتحم الغرفة بالمدرعات الثقيلة .
رفع مازن كفيه ليجيب بعفوية : حقه ، أتبع وهو يقترب من جنى يديرها إليه لينظر إليها عن كثب يحتضن كفيها بكفيه - لو هذا القمر ملكي لن أفرط به أبدا .
توردت ليجذبها مازن إلى صدره يضمها بحنان يقبل جبينها هامسا إليها بجدية : أعلم أنه موثوق فيه وإلا لم لنكن نرضى به زوجا .. أعلم أنه الفارس خلقا وفعلا وإلا لم نكن نرتضي به صهرا .. أعلم أنه سيادة القائد الذي سيفديك بحياته إذ لا قدر الله حصل شيئا وإلا لم نكن نرتضي به قرينا ، أعلم أنه يليق بك ولا أحد يليق بك إلا هو ، تنهد بقوة وهو يضغط كفيها بلطف - ولكن استحلفك بالله و أوصيك إياك أن تتنازلي عن أي حق يخصك ، إياك أن تنامي ليلة غاضبة وأنا حي أرزق ، أنا ظهرك .. سندك .. عزوتك و اللوذ لك حينما تهمسين يا حبيبتي .
دمعت عيناها تلقائيا ليهتف أحمد بصوت مختنق وفخره يسكن عينيه ليدفعه بعيدا بمرح : ستبكيها يا حمار .
ضحك مازن الذي لم ينزاح من مكانه ليضمها إليه ثانية هاتفا : لا تبكي يا حبيبتي ، أبدا لا تبكي فقط تذكري لك أخ شقيق .. وولد كان أول ما رأت عينك ، مستعد ومتأهب لك دوما .
ضمته بحب لتجيبه أخيرا حينما استطاعت استعادة صوتها : أعلم يا حبيبي لا حرمني الله منك .
هتف أحمد بضجر : إذًا لا مكان لي بينكما ،
ابتسم مازن واسبل جفنيه بينما تمسكت به جنى لتتمتم : كيف يا بابا أنت الخير والبركة ، ضمها أحمد من جانبها الآخر لتتمسك بهما جوارها وهي تتمتم متبعه - لا حرمني الله منكما .
طرق رقيق على باب الغرفة قبل أن تطل لمياء برأسها هاتفه بجدية : منسقة الزفاف تتعجل خروجكما يا جنى .
رمقها أحمد بطرف عينه دون رد لتجيب جنى على الفور : حالا يا لميا ،
هتف مازن باسمها يستوقفها ليقترب منها يجذبها إليه قبل أن يدفعها بلطف يجبرها أن تنضم إليهم هاتفا بجدية وعيناه ترمقان أباه بترقب : أين تذهبين ؟ بابا سيدخل بجنى ، وأنا برأيك ماذا سأفعل هل انثر الورد فوق رأسها أم ماذا ، تعالي لتتأبطي ذراعي ونسير خلفهما .
تمتمت بتلعثم وهي تحاول أن تتملص من دفعه لها : لا داعي يا مازن ، سأنتظر بالأسفل .
هتفت جنى بجدية : لا طبعا مازن معه حق ، أشارت لأخيها بعينيها - التقط لنا صورة يا مازن هيا كلنا قبل أن نخرج .
استعد مازن لتهتف لميا بحرج : أنا سأصوركم ، قف بجانب جنى يا مازن .
رمقها مازن من بين رموشه مؤثرا الصمت ليمأ برأسه وهو يضبط هاتفه ليناولها إياه فيقف بجانب جنى من الإتجاه الآخر فتظهر جنى بينه وبين أبيهما لتبتسم لميا بحب : بارك الله فيكم وحفظكم .
ناولت مازن الهاتف ليجذبها من كفها إليه بلطف ليوقفها بينه وبين جنى يضمها من خصرها وهو يميل عليهم ليهتف : وصورة جماعية لنا كما أمرت العروس ، تابع هاتفا وهو يضبط كاميرا هاتفه - هيا جميعا قولوا تشيزززز .
ابتسمت لميا بحرج ليتصلب جسدها وهي تشعر بكف أحمد الذي حطت على ظهرها فقربها منه هو وابنته أكثر فيظهروا جميعهم في الصورة بمظهر حميمي مؤثر ، ابتسمت بخفة وهي تبتعد على الفور حينما أنهى مازن تصويرهم لتهتف بجنى وهي تعدل من طرحتها : هيا يا حبيبتي عريسك ينتظر .
ابتسمت جنى وهي تعاود النظر لنفسها مرة أخرى بالمرآة ليسألها أحمد بهدوء : مستعدة .
أومأت إيجابا وهي تسحب نفسا عميقا بعدما ساعدتها لمياء في إنزال طرحتها الخفيفة فوق وجهها . مد أبوها إليها مرفقه لتتأبطه برقة فيخطو بها في خطوات هادئة متمهلة إلى الخارج.
ضم مازن لميا من خصرها يقبل وجنتها هاتفا بشقاوة : العقبى لي يا ماما أدعو لي .
ضحكت ليما بخفة لتضربه على كتفه مؤنبة : اعتدل يا ولد .
قهقه ضاحكا ليدفعها معه يخرجا خلف شقيقته وأبيه : حسنا سأفعل ولكن هيا لأني أريد الرقص معك وأن أزاحم هذا الأسعد الذي استولى على شقيقتي .
تمتمت لميا بسعادة وصدق : اتمه الله عليهما بالخير ورزقهم الذرية الصالحة .
عبس مازن بغيرة عفوية : ذرية صالحة ، ما هذا الكلام يا ماما ؟
كتمت ضحكتها ووجهها يحتقن بقوة لتهمهم بالاعتذار وهي تسير بجواره تتمسك بساعده القوي وتشعر بالفخر يملأها لوجوده معها وبجانبها فتحمد ربها على عطيته ونعمه .
***
يتبادلون النظرات والضحكات المكتومة حتى لا يثيروا ضيقه أكثر مما هو عليه ، ليشاكسه سليم بوجهه وهو يقلد عبوسه قبل أن يهتف مازحا : تبسم للنبي يا كبير ، ليتبع عادل الواقف إلى جواره وهو يلكزه بمرفقه – للنبي تبسم .
نفخ بضيق ليهدر بحنق : اصمتا من فضلكما .
كتما ضحكاتهما ليقترب منه عاصم برزانة سائلا : ما بالك يا أسعد ؟ لماذا عابس هكذا ؟
تمتم بضيق : عمك تأخر ، ماذا يفعل كل هذا الوقت ؟
كتم عاصم ضحكته ليهتف عمار القريب منهم : إنه يودع ابنته يا أسعد ، أتبع بمرح وهو يقترب منه يلف ذراعه حول كتفيه – فات الكثير وتبق القليل يا حضرة القائد فتجلد من فضلك قليلا .
ضحك عادل ليهتف بتفكه : لو رآك بابا هكذا سيعاقبك ويقوم بحبسك خميس وجمعة يا حضرة النقيب .
تعالت الضحكات منهم ليهتف سليم بمشاكسة : لا كله إلا الخميس ليختار زوج عمتي أي يوم آخر غيره .
تمتم أسعد وهو يلتفت إليه : أيها..
ابتلع سبته ليضربه حسام الضاحك على غير العادة بقبضته هاتفا : تأدب يا غبي ، أتبع بعتاب - ابني عم العروس واقفان .
رفع سليم رأسه ليطل عليهما من فوق قامة حسام الأقصر منه قليل ليبتسم ابتسامة عريضة أظهرت صفي أسنانه : منورين يا آل الجمال .
انفجر عادل ضاحكا بينما حياه عاصم برأسه ليبتسم عمار مسبلا جفنيه متجاهلا مشاكسة سليم ليغمغم حسام باعتذار راق من بين ضحكاته : المعذرة ولكنه سعيد قليلا لزواج أسعد لذا يمزح كثيرا .
هتف عادل بمشاكسة : بل هو سعيد لحضور الصاروخ .
نفخ أسعد بقوة ليهمهم باسم أخيه محذرا بعينيه رفع حسام حاجبه بتعجب ليستدير إلى سليم : حقا يا سليم ، إذًا الجرائد والمجلات لا تكذب .
رف سليم بعينيه ليهمس بصوت أبح : بابا يريد التعرف على جيجي ، فأكدت عليها دعوة عمتي ليلى لا أكثر .
ابتسم أسعد بمكر ليهتف عادل : في الحقيقة كلنا نريد التعرف على جيجي .
__ عادل ، من فضلك ، زجره أسعد بحنق ليغمغم عادل بتفكه – لا أفهم لماذا تزجرني هاك هو واقف غير مهتم بالأمر .
ابتسم سليم وأخفض عينيه ليقترب عادل منه يضع ذراعه حول كتفيه بأخوة : أخبرني يا سليم هل أنجي هانم مشروع ارتباط أم سيادتك تتسلى قليلا ؟
رفع عينيه ينظر لعادل مليا ليجيب بهدوء شديد : لقد قررت الزواج منها .
اتسعت عينا أسعد بمفاجأة ليهتف حسام بجدية : هل أنت جاد ؟
بينما قفز عادل مصفقا هاتفا مهللا ليحتضنه بأخوة : يا ولد أخيرا أيها القفل ، مبارك عليك يا ابن الخال هكذا أتوقف عن نعتها بالصاروخ .
ضحك سليم وهو يحتضنه بدوره ليهتف عاصم برزانة : مبارك يا سليم بك .
أجابه سليم بلباقة : بارك الله فيك .
رفع عمار عينيه ينظر إليه مليا قبل أن يبتسم بمكر ناوش ثغره : يمنى أخبرتني عنها ، مبارك لك .
أطبق سليم فكيه ليبتسم من بين أسنانه مجيبا : بارك الله فيك وبالطبع يمنى تعلم فأنا تحدثت معها وشاورتها كالمعتاد قبل أن أتخذ قراري الأخير .
حرك عمار رأسه باستحسان : جيد إنها استطاعت مساعدتك ، فيمنى تَعِزّك كعادل وأسعد تماما ودوما تخبرني أنك أخوها الثالث .
هم سليم بمقارعته بالرد ليلتقط نظرة أسعد الصارمة وقوله الحاسم وهو يستدير لعمار ناهيا السجال بنظرة هادئة : بالطبع سليم أخي الثاني وأنتَ تعلم يا عمار مكانته عند العائلة كلها .
أومأ عمار برأسه متفهما دون إجابة شفهية وخاصة بعدما التقط نظرة عاصم محذرا إياه بالتمادي ليبتسم عادل بمكر تجسد بعينيه بينما حسام يهز رأسه بضيق لائما سليم الذي أشاح بعيدا ليلتفتوا جميعا على صوت أبواق الزفة التي تعلن عن ظهور العروس فيشيروا إلى بعضهم ليتنحوا جانبا تاركين أسعد يقف باخر الرواق ليستقبلها بمفرده .
***
يقف بجسده المشدود بقوة .. ظهره المفرود بعنفوان .. رأسه المرفوع بشموخ .. وعيناه اللتان تتألقان ببريق يضوي بسعادة تسري بأوردته وهو يتطلع إليها تسير بجوار أبيها تتهادى نحوه في خطوات بطيئة فيدعو الله أن تسرع قليلا فهو لا يقوى على مزيد من الانتظار ، يغزلها بعينيه من أول حذائها العالي والذي أزاد طولها والمتواري خلف طيات تنورة فستانها المنفوشة كفساتين الأميرات بخصر دقيق يرسم خصرها وجزء علوي يرسم صغر جذعها ، بصدر مربع مغلق قليلا فلا يكشف عن مفاتنها ولكنه يترك نحرها الأبيض البض ظاهر للنظر وخاصة مع تراجع كتفيه قليلا عن منحنى التقاء عنقها بكتفيها ، بكمين يحددان انسيابية ذراعيها إلى ما بعد مرفقيها ، يشعر بقلبه يقفز بجنون خلف صدره وهي تخطو مقتربة فيتأمل ضوي فستانها اللامع كبلورات السكر ليشعر بحلاوة سكرها تسري بحلقه ، يعبس لوهلة وهو لا يقوى على النظر إلى وجهها الذي تخفضه بخجل فتتمنع عليه بملامحها المخفاة خلف طرحتها من التل الأبيض وتاج رأسها المشع بضو السكر هو الآخر والذي يليق بها .. بقطعة السكر التي ستحلي أيامه القادمة وعمره الباقي .
تحرك نحوهما حينما اقتربا بنفاذ صبر أجبر احمد على الابتسام ليحتقنا أذنيه بقوة وهو يصافح حماه فيبارك إليه أحمد وهو يضمه إلى صدره هامسا إليه برجاء : حافظ عليها وراعيها يا أسعد.
همهم بصوت أبح وأنفاسه تتلاحق وعيناه تتعلق بها رغما عنه : في عيناي يا عماه ،لا تقلق .
تنحى أحمد جانبا بعدما ربت على كتفه بفخر : أنا أثق بك يا بني .
فهمهم أسعد بلباقة وهو يواجها بنظرة تائقة ليهمس بصوته الأجش : ارفعي رأسك يا جنتي .
استجابت بطواعية ليرفع طرحتها بتمهل شديد لتختنق أنفاسه بداخل صدره وهو يتطلع إلى ملامحها المزينة بطريقة أضاعت ما تبقى من صبره فهمس بأنفاس ذاهبه وهو يضمها إلى صدره مقبلا جبينها مغمض عينيه مستمتعا بوجودها : يا الله ، يا رحيم ارفق بي وبقلبي .
تمتمت باسمه في حياء غمرها ليحتضن كفها الأيسر ويضعه فوق قلبه هامسا وهو يعيد تقبيل جبينها : ارحمي حالي فقلبي سيتوقف من كثرة الخفقان .
تمتمت وهي تتمسك في جانب سترته بلونها الكاكي الخاصة بتشريفته العسكرية والمزينة بالنياشين لتتمتم وهي تخفض رأسها : بعد الشر عليك .
سحب نفسا عميقا ليلتقط إشارة منسقة الزفاف التي تحثه على الوقوف إلى جوارها لالتقاط الصور فيستجيب إليها بعدما التقط كف جنى ليضعها بيده هامسا بخفوت شديد : لا تخجلي ارفعي رأسك فانت معي آمنة بجواري .
ابتسمت لتستدير إليه تتأمله بنظراتها هامسة : هل أخبرتك من قبل أني احب زيك العسكري وهذه السترة تحديدا .
لم يهتم بالكاميرات التي تلتقط إليهما الصور ولا بمنسقة الزفاف بل استدار إليها يلف خصرها بذراعه هامسا بتساؤل وهو ينظر إلى عينيها : لا لم تخبرينني ، أتبع وهو يحني رأسه إليها فيسند جبهته لمقدمة جبينها وهو يأسر مقلتيها بنظراتها الشغوف هامسا بصوت أبح – هلا أخبرتني عن السبب ؟
توردت رغما عنها لتجيبه بهمس خافت : لا شيء محدد سوى أنك رائع بها ، اتبعت وهي تلامس النياشين القليلة الموضوعة فوق جيب سترته الأيسر – روحي تتخم فخرا وأنا انظر إليك وعقلي يخبرني أنك ..
صمت فحثها بأنفاس لاهبة لفحت وجنتاها : أني ماذا ؟
عضت شفتيها وآثرت الصمت فهمس اسمها بعتاب لتذوب خجلا وهي تشعر بذراعه تشتد حول خصرها فتهمهم باسمه في رجاء انبهه لاقتراب أحدهم منهما ليقف باعتدال وهو يلتقط قدوم أمير الذي زجره بعينيه لائما مهمها بجدية حينما ضمه إلى صدره مباركا: اعتدل يا ولد ولا تنسى وجودك أمام الناس ولا تنسى زيك الذي ترتديه .
شد جسده في صلابة وهو يمنح أباه تحيته العسكرية ليلتفت أمير إلى جني يضمها إلى صدره بحنو أبوي متجاهلا تململ أسعد المجاور لهما فيمنحها مباركته ثم يخبر ولده : هيا فالزفة ستبدأ وزملائك ينتظرونك .
أومأ أسعد برأسه ليحتضن كفها بيده يجذبها قريبا منه ليسيرا متجاوران بعدما ابتعد أبوه نحو باب القاعة الذي فتح لتنطلق الزغاريد عالية قبل أن تعزف موسيقى راقية وأعضاء فرقته أصدقائه وزملائه مرصوصان على الجانبين يحملون سيوفا براقة مرتفعة أجفلت جنى ليضحك بخفة وهو يهدئها ليشرح لها سريعا : سنمر من بينهم لا تقلقي .
تحركا كما أخبرها واتسعت ابتسامته يلتقط غمزة فادي الواقف بأخر الصف لينظر للاتجاه الآخر فيحي أحد الضباط الذي يخدمون تحت قيادته ليتذكر الآخر الغائب عنهم فيترحم عليه ويدعو له لتهلل ملامحه بفرحة عارمة وهو يلتقط وجود والدة من حفر نفسه بذاكرته والتي أصر على دعوتها بنفسه تبتسم بسعادة وتحيه برأسها فيشير إليها برأسه بلباقة وهو يتجه بعروسه ليجلسا بالمكان المخصص لهما .
***
بعد منتصف الزفاف
يصافح وائل الجمال بحرارة ليثرثر بلباقة شاكرا : مبارك زواج ابنتكم يا باشا ، واعذر أبي لعدم الحضور فأنت تعلم بحاله .
ابتسم وائل بلباقة : لا عليك يا باشمهندس نبيل ، وبالطبع أعلم ، كيف حاله الآن ؟
تمتم نبيل : بخير والحمد ، أعتقد سيصرح له عادل بالخروج آخر هذا الأسبوع ، فهو الآن تحت الملاحظة زيارة سيادتك أسعدتنا للغاية .
عبس وائل بتعجب ليهتف به : ولد يا نبيل ، أبوك صديقي وصديق أخي ونحن زملاء ومعارف وجدك وأبي رحمهما الله كانا أصدقاء أيضا ، ثم أنا لست غريبا وأنت الآخر فمالك يعد عمك ، أومأ نبيل بتفهم فاتبع وائل - تصرف وكان الزفاف يخصك ، وخاصة وأنت تعتبر قريب لأسعد .
ضحك نبيل بخفة : نعم ، سكن لثواني مفكرا – فأسعد إلى حد ما يعد ابن خالة ابني عمي .
ضحك وائل : العائلات الحاضرة كلها متشابكة فلا تهتم .
تعالت ضحكات نبيل ليشير لأحدهم أن يتقدم منه هاتفا بفخر : وهذا هو زين ، أخر العنقود عندنا .
رمقه وائل بتعجب ليهمس بتفكه : هذا أخر العنقود ، ما شاء الله .
كتم نبيل ضحكته ليبتسم زين باتساع فتظهر غمازتيه وهو يصافح وائل بحفاوة هامسا : المعذرة سيادتك لم أكن متواجدا حينما شرفتنا بالزيارة .
ربت وائل فوق عضده بحفاوة : لا عليك ، حمد لله على سلامتكم والف حمد لله على سلامة بابا.
تمتم زين : سلمك الله ،
نظر إليه وائل مليا ليسأله : كم عمرك ؟ أعتقد أنك أكبر من أدهم .
ضيق زين عينيه لينظر لأخيه فيدرك بسهولة عمن يتحدث وائل : أنا أتممت العشرون والحمد لله ، وأتوق لإتمام الواحد وعشرون حتى تمنحني ماما صك حريتي دون رجعة .
ضحك وائل مرغما وهو يلتقط شقاوة ومرح الابن الأصغر ليحيى فيهمس بتفكه : أنت تشبه عمك أكثر عن أبيك .
تمتم زين بمرح : عمي حبيبي ، ولكن أيهما ، حضرتك تقصد عمو حاتم أم عمو مالك ؟
ضحك وائل ليهتف : الاثنين .
تمتم زين بمرح : الاثنان أحبائي ، وبالطبع أتمنى ان أشبه احدهما فالاثنان محبوبي الجماهير.
ضحك وائل ليشير لعلي الدين فيقترب منه بسرعة ليهتف به : انضم إلى الشباب فستروقك جلستهم أكثر من تلك الجلسة المحشور فيها نبيل مع عاصم والكبار ويتحدثون فيها عن المشاريع والأعمال .
التفت لابن اخته هاتفا : اصحب ابن عمك بعيدا عن أخيه والأخرين فهو قارب على فقدان عقله بسبب الحديث المتطاير .
جذبه علي الدين من ساعده ليهتف زين وهو ينصرف معه : هل ستعرفني على الفتيات ؟
تعالت ضحكات علي الدين ليهتف به : بل سأعرفك على من يتعرف على الفتيات فهو سيروق لك كثيرا .
راقبه نبيل ينصرف بعيدا ليهتف وائل به : هيا عد إلى جلستك مع عاصم لتتناقشا في أحدث فنون المعمار كعادتكما .
أومأ إليه نبيل ضاحكا ليهتف به : فقط سأبارك لدكتور أحمد وأسلم على عمو مالك فأنا لم أتحدث معه منذ أن حضرت .
أومأ وائل باستحسان ليراقب الشاب الأكثر شبها بابيه ليتنهد بقوة وهو يبحث عن ولده المختفي على غير العادة ويدعو الله أن لا يكون منغمسا بإحدى كوارثه كعادته قديما !!
***
يقف بركن منزوي من قاعة الحفل وخاصة مع مغادرة أسعد مع جنى لتناول الطعام في مكان خاص بهما ، يمسك طبقا من الطعام أعدته إليه شقيقته حينما أعلن عن عدم رغبته في الأكل في سابقة لم تحدث من قبل فانزعجت والدته واهتمت به شقيقته التي المحت إليه بمكر أنه ضائق من فراق تؤامه والأمر الذي كان صحيحا لحد كبير فهو لا يتخيل البيت فارغ دون وجود أسعد ، بل ان غرفته التي فرغت إلى حد ما صباحا من احتياجاته الشخصية وغرفة الملابس المشتركة بينهما والتي انتقص منها بعض الأشياء الخاصة به تثير حزنه وذكريات مريرة كان أخيه يعاني بغيبوبته فكان هو يعاني بعده بدوره أما الآن ورغم فرحته الجلية لشقيقه إلا أنه لا يقوى على تجاوز هذا الفراغ الذي يشعر به يغلف حياته بعد مغادرة اخوه البيت.
رفت عينيه سريعا عندما وقع بصره عليها فتعلق بها رغما عنه ليفز قلبه وهو يعاود النظر إليها مليا كما فعل حينما وصلت قبل منتصف الحفل بقليل ، بفستانها المخملي بلونه الأسود و القصير فبالكاد يغطي ركبتيها والخالي من أي زينة ضيق يرسم جسدها الرفيع الهش بصدر مفتوح ودون اكتاف أو أكمام فيظهر بياض بشرة نحرها وكتفيها العاريان واللذان يظهران على استحياء من تحت هذا الوشاح الصوفي السميك العريض والذي تضعه على كتفيها ومقدمة صدرها بلونه الاسود اللامع بخيوط كثيرة بدرجات اللون الأحمر المتدرجة والمختلطة ما بين الأحمر الفاتح والنبيذي القاني شتت سواد فستانها وأتت متناغمة مع حذائها ذو الكعب العالي ولونه النبيذي القاني بسواريه الملتفين حول كاحليها بلون فضي لامع يجذب الأنظار إلى ساقيها الشمعتين.
نفض رأسه مؤنبًا نفسه على نظراته التي تأملتها من جديد فتملى بها دون وجه حق ، تمتم مستغفرا وهو يغمض عينيه يحني رأسه قبل أن يبدأ بمحاولة تناول الطعام فيشعر بمذاقه غريب في فمه ليتحرك عائدا بالطبق إلى الطاولة التي تخص عائلته وهو يتذكر استقباله لها فهو تحرك نحوها حينما التقطت وجوده فابتسمت ليصافحها مرحبا قبل أن يصحبها لوالدته التي ابتسمت بوجهها في لباقة ورحبت بها .. شقيقته التي منحتها ابتسامة متكلفة ومصافحة نزقه ورفض ضوى بعينيها وكأنها استنتجت أنها صديقته القديمة التي حدثها عنه ، ابتسم بفخر وهو يفكر في شقيقته الذكية التي التقطت الأمر دون حتى أن يتحدثا سويا ، ابوه الذي رحب بها برزانة وعيناه ترمقاه بتساؤل تحاشاه وهو يصحبها نحو تؤامه لتبارك له كما رغبت ، و يا ليته ما فعل فاسعد لم يكن أقل من أبيه تساؤلا ، على الرغم من ترحيبه بها وقيامه بالتعارف بينها وبين جنى التي تكتمت ضحكتها بالقوة وهي تتذكر حديثها السابق عنها لترحب بها بمرح آثار ابتسامتها التي أنارت وجهها المزين بزينة خفيفة ما عدا كحل عيناها الذي اظهر لون عيناها الأخضر الفاتح والممتزج بالعسلي بشكل مبهر يخطف بصره كلما رفعت عيناها ونظرت اليه فيغرق بتأمله مشتتا عقله عن الاستماع إليها ، عقله الذي زار الآن ينبهه بجملته التي يرددها عليه منذ ان ظهرت امامه فجأة " حذار السقوط من جديد ".
تمتم بها لنفسه مرددا وهو يقترب من الطاولة فينتبه لحركة ملفتة فيبتسم رغما عنه وهو يراقب سليم الواقف بجوار رفيقته ، يضع كفيه بجيبي بنطلونه ويظهر التململ بجسده المتأهب للابتعاد بأي لحظة ، يرمق أباه بغيظ وعيناه تحثه على إنهاء الحديث الدائر بين خاله وتلك الجميلة التي من الواضح أنها أوقعت بسليم بشكل ما غير مفهوم له للان ، فسليم لم يتحدث وهو لم يلح للمعرفة ، كما لم يجب عن تساؤلات ابن خاله عن لارا .
تنهد بقوة وهو ينظر لابن خاله ورفيقه ليشعر بأن تشابهما يزداد بتلك التعقيدات العاطفية التي تخيم عليهما هذه الفترة من حياتهما . شرد بعينيه بعيدا نحو الطاولات التي يحتلها عائلة عروس تؤامه " آل الجمال " ليقع بصره على صغيرتهم الجميلة والذي رغم عنه نادم على ما فعله بها اليوم ، رغم أنه مقتنع بأنه يريد صالحها وإلا ما كان أوجعها هكذا ولكن لؤمه معها هذه المرة فاق الحد ، حينما ابصرها تقترب من تجمعهم حول أسعد المنتظر لابنة عمها فتقصد أن يسمعها أن ابن خاله العزيز على وشك الارتباط ، الأمر الذي التقطه سليم بدوره فأجابه تلك الإجابة التي لم يحلم بها يوما.
بل انه لم يكن واثقا أن سليم جاد بشأن أنجي صباحي إلا حينما أجابه بثبات وجدية وبعدما قرأ رغبته في عينيه والتقط وجود ملك بدوره فأعلن عن ارتباط رسمي غير قابل للنقاش ، ارتجف قلبه بألم وعقله يعيد عليه صدمة ملامح الصغيرة ، عيناها الزرقاء التي انطفأت لمعتها بحزن سكنها ودموع كثيفة ملأتهما قبل أن تتراجع بخطواتها وتختفي من أمام عينيه إلى أن ظهرت ثانية وكان شيئا لم يكن ، بل إنه يقر بإعجابه الخفي بقوة شخصيتها وعنفوانها الذي احتل ملامحها وهي تقابل سليم فتصافحه بثبات وهدوء ، التوت شفتيه بمكر وهو يتذكر أنها تحاشت الإقتراب منه أو مقابلته كما طلب منها من قبل فيزداد إعجابه بذكائها وفطنتها.
انتبه على نداء والدته له فاقترب منها ، وضع طبق الطعام من يده لتساله ليلى التي انتبهت لعزوفه عن الأكل وهي تربت على صدره بحنان : لم تأكل ؟
فابتسم وهو يطمئنها بعينيه قبل أن ينحني عليها يحتضنها في صدره العريض هاتفا بمرح : لا تقلقي يا ماما ، أنا بخير فقط الطعام ليس جيدا كذاك الطعام الذي تعدينه .
أجابته ليلى بحنان أمومي وهي تضمه إلى صدرها : حينما نعود سأعد لك المكرونة بالباشميل ، ولدي زوج من الحمام المحشي معد فقط ينقصه الطهي ، سأطهوه لك ولتأكل كما تريد يا حبيبي.
هتف عمار الواقف بالقرب منهما : ستعشينه حمام ومكرونة بالباشميل يا خالتو ، بعد الزفاف الذي سينتهي قرب منتصف الليل ، أتبع بتفكه وهو يقترب من عادل - ما أخبار الكوليسترول يا دكتور ؟!
دفعه عادل بعيدا بمرح : لا شأن لك ، بدلا من المواربة والمزاح أخبرني انك تريد مشاركتي الطعام وحينها سأجيبك بلا .
تعالت ضحكات عمار لتهتف ليلى بعتاب : لماذا يا عادل ؟ التفتت إلى عمار هامسة بحنان - تعال يا حبيبي وأنا سأضاعف الطعام لأجلكما ، لتأكلا وتتهنا .
رقص عمار حاجبيه لعادل بإغاظة فعبس عادل بضيق : ولماذا يأتي يا ماما ، يذهب لأمه تطعمه.
أجابت ليلى وهي تجذب عمار إليها تحتضنه بحنان : ياسمين عندما تقرر إطعامه ستعد له الفروت سلاط ، أو الشوفان بلبن والعسل . ثم عمار ينير البيت وقتما يريد ، أتبعت وهي تربت على صدر عمار - دعك منه وتعال يا حبيبي ، سأعد محشو ورق العنب لأجلك
قهقه عمار ضاحكا ليغمزها بعينه : ليس الليلة يا خالتي سآتي في الغد وليكن غذاء لأني لن أقوى على هذا الطعام ليلا .
لوى عادل شفتيه ليهتف : يا توتو ، أتبع وهو يشاكسه متعمدا - يا ماما ابن أختك معتاد على الشوفان والفروت سلاط ليلا ، ليس مثلنا نأكل ما لذ وطاب من يداك .
رتبت على ساعده : تعيشوا وتأكلوا يا حبيبي ، تنهدت بقوة وعيناها تدمع تلقائيا وهي تتبع - العقبى لكما حينما اطمئن عليكما في بيوتكما وأعد لكما الطعام كما فعلت مع أخيك .
طفرت الدموع من عينيها ليهتف عادل بعتاب : يا الله يا ماما .
فيقترب عمار منها بحنان لمع بعينيه ليشاكسها وهو يضمها إلى صدره : لماذا تبكين الآن يا خالتو ؟ الست فرحة لأجله ؟
اختنق حلقها لتهمهم بصوت محشرج : بل أنا سأطير فرحا ولكن سأشتاق إليه .
كتم عمار ضحكته ليهتف عادل بنزق : ماما أسعد يسكن في مدينة الضباط المجاورة لمدينتنا ، بل إن بيته يبعد عنا بخمسة عشر دقائق سيرا على الأقدام ، ثم هل تتوقعين أن ابنك هذا سيحل عن سمانا ، سيأتي هو وزوجته وأطفاله فيم بعد ليمكثوا فوق قلوبنا.
تهللت ملامحها بفرحة حقيقية : يأتي يا حبيبي هو وأولاده ويملئون علينا البيت ، أتبعت بدعاء صادق - العقبى لك ولأولادك ولأولاد شقيقتك أيضا .
نظر إليها باستنكار ليهتف بانزعاج حقيقي : أولاد شقيقتي ؟! من أين إن شاء الله ؟!
تجهم عمار المتابع لحوارهما ليهتف به : أنت يا أخ ، أنا موجود هنا .
رفع عادل حاجبيه بتعجب ليسأل ببلاهة مفتعلة : هل تتوقع أنك ستتزوج من موني وستنجبان وهذا الهراء؟!!
تمتم عمار بصدمة : هراء ؟!
اقترب عادل منه بعنف ظهر على جسده فجأة : نعم هراء ، سأقتلك إذا اقتربت منها .
دفعته ليلى في صدره : توقف يا ولد ، هل جننت إنها زوجته ؟! أبعدت عمار عنه - دعك منه يا عمار ، وتعال معي لأطمئن على أسعد .
ضحك عمار بخفة ليغيظه بملامحه قبل أن يجاور ليلى التي تحركت بالفعل ليهتف عادل بضيق : اتركيه يا لولا ، لن يهرب ، اتركيه يؤكل يا حبيبتي ، أتبع بصوت منخفض - أسعودي يحتاج إلى قوته الليلة .
التقط إشارة سليم له فاقترب منه ليشير سليم بكفه نحوه وهو يقترب منه ليحتضنه من كتفيه بأخوة وهو يهتف : وهذا عادل يا جيجي ، ابن عمتي تؤام العريس ورفيق عمري وصديقي المقرب ، أشار بذراعه الآخر - أنجي صباحي يا عادل .
أومأ عادل برأسه محييً فابتسمت هي بفرحة سكنت عيناها : تشرفت يا دكتور ، سليم لا ينفك أن يتحدث عنك ، بل هو لا ينفك أن يتحدث عن العائلة كلها ، وصدقا حينما تعرفت عليكم علمت لماذا يعشق عائلته بهذه الطريقة ، أنتم رائعون .
ابتسم عادل بلباقة : هذا من ذوقك ، سعيد بالتعرف عليك .
أومأت برأسها : أنا الأسعد .
***
أطبقت فكيها بغيظ وهي تنظر إلى شقيقها الضاحك يتحدث مع ابن عمتها وتلك العلقة التي لا تطيقها ، لتنتبه على صوت يمنى التي تسألها بجدية : ما بالك يا حبيبة ؟ ولماذا مختفية هنا ؟ عمر كان يبحث عنك .
زمت حبيبة شفتيها بنزق لتجيبها بحنق : مختفية لأني لا أريد أن اسلم على الست جيجي ، أتبعت بقهر تشكو لابنة عمتها - أنا لا أطيقها يا يمنى ، ولا أعلم كيف علي التعامل معها ، أخاف أن اغضب سليم ولكني لا استطيع .. حقا لا استطيع .
اتسعت عينا يمنى بصدمة قبل أن تبتسم رغما عنها لتهتف بها : أنا أشعر بك وأفهمك ولكن أهدأي حتى لا يغضب سليم بالفعل .
تمتمت حبيبة بضيق : أنا لا أفهم من أية كارثة هبطت علينا ؟
أجابت يمنى وهي تهتم بعمل طبق من الطعام كما أوصتها والدتها : من نفس الكارثة التي هبطت علينا بالأخرى التي تحوم حول عادل .
رفعت حبيبة عيناها بملل : وهذه أيضا لم استرح لها على الإطلاق ، أشعر بأنهما مصاصتين دماء وتريدان تحويل أولادنا مثلهما ،
تمتمت يمنى بملل : لا تلومي عليهما يا حبيبة ، اللوم كله يقع فوق على زوجي الأغبياء اللذان لا يروا جيدا، أتبعت بجدية - أنهما غبيان لا يستطيعان النظر وراء هالتهما البراقة ، لا يستطيعان رؤية نظرة الطمع بأعينهما ، فهما منجذبان بقوة
هتفت حبيبة بضيق فعلي : إلآم منجذبان ؟
واجهتها يمنى تنظر إليها من علٍ : لهما ، اهتزت حدقتي حبيبة بعدم فهم فتنهدت يمنى لتتبع بخفوت - منجذبان لهما يا حبيبة ، لأنثويتهما ، لشقرتهما المغوية وبياضهما الشاهق ، لرقتهما المفتعلة والتي تذيب قلب أي بني آدم يسير على قدمين.
تشكلت ملامح حبيبة بقرف لتهمس باختناق : ذكورية متعفنة ، ضحكت يمنى مرغمة لتتبع حبيبة - لم أظن أبدا أن زوج العاقلان لدينا ينكفئان فوق وجهيهما هكذا .
حركت يمنى كتفيها بياس لتغمغم حبيبه بعدم فهم : ماذا تفعلين ؟
أجابتها يمنى بضيق : اعد طبقا للسيدة لارا بناء على أوامر عمتك .
نظرت إليها حبيبة بضيق لتنتبه فجأة فنسأل يمنى بهدوء : هل تعلمين أنها أرملة ؟
التفتت يمنى بصدمة تشكلت على ملامحها فأومأت حبيبة بعينيها لتسالها يمنى بعدم تصديق : حقا ؟! أنتِ لا تمزحي .
هزت حبيبة رأسها نافية : بل أتحدث بجدية ، لقد أخبرتني حينما كنت أنهي لها أوراق الميراث.
تساءلت يمنى وعيناها تلمع بتفكير : هل يعلم عادل ؟
هزت حبيبة كتفيها بعدم معرفة لتجيب بيقين : ولكن ما متأكدة منه أن عمتو لا تعلم
مطت يمنى شفتيها لتجيب بهزة رأس : إذًا لندعها تعلم ،
هزت حبيبة رأسها بيأس : هذا لا يهم يا يمنى إذا كان عادل مقتنع وموافق فوالدتك لن تقوى على تبديل رأسه ، أتعلمين ماما أعلنت رفضا تاما للآنسة جيجي ، في ظل دهشة عارمة خيمت علي وعلى بابا الموافق على غير العادة والمساند لسليم . أتبعت بتساؤل هازئ - تتخيلي ماذا فعل سليم ؟!!
لوت يمنى شفتيها بضيق : لم يهتم بالطبع ، أخيك حينما أبلغني يا حبيبة لم يناقشني في قراره كعادته ، بل أخبرني انه سيتزوج منها ، لذا باركت له دون أن أتناقش معه ، أتبعت وهي تربت على كتف حبيبة بدعم - لذا عليك أنتِ الأخرى أن تتقبلي قراره ، وهيا اخرجي من مخبئك هنا واذهبي إلى زوجك الذي يدور من حول نفسه بحثا عنك .
تكتفت حبيبة برفض : أنا غاضبة منه .
توقفت يمنى لتسألها باهتمام : لماذا ؟!
رفعت حبيبه رأسها بغضب بادي على ملامحها : لأنه مزح مع تلك العلقة وهو يعلم أني لا أطيقها .
ضحكت يمنى رغما عنها لتدفع حبيبه بمرح لتجاورها لقاعة الزفاف من جديد : توقفي عن غيرتك يا حبيبة ولا تفسدي ليلتكما ، العلقة مستمتعة بزفاف ابن عمتك الأكبر ، فاستمتعي أنت الأخرى مع زوجك الذي يهيم بك ، هيا اذهبي له ، انظري كيف تهلل فرحا برؤيتك .
أشارت يمنى لعمر الذي أقبل عليهما بالتحية قبل أن تبتعد عنهما فيهتف هو بانزعاج : حبيبة أين ذهبت ؟
أجابته بتهكم وعيناها تومضان بالغيرة : تركتك تتضاحك مع جيجي هانم ، ارتفعا حاجبي عمر بدهشة قبل أن ترتفع ضحكاته رغما عنه لتعبس بتساؤل - هل تستخف بحديثي يا بك ؟
أجاب سريعا وهو يسيطر على ضحكاته : وهل أجرؤ يا حبيبة البك ، بل أنا سعيد .
رمقته بطرف عينها لتسأله بدلال : لماذا ؟
عض شفته ليهمس بحبور : سأعضك من كتفك هذا الذي تأرجحيه هكذا ، وأنتِ تدركين جيدا تأثيره علي ، ضحكت مرغمة فتابع بحنق - ألا يكفي أنه عاريا لتأرجحيه أيضا ؟
ابتسمت وهي تقترب منه بعفوية تهمس بخفوت : هلا أخبرتك عن سر ؟
تمتم وهو يحيط خصرها بذراعه يدفعها معه ليجلسا سويا على طاولة بعيدة نسبيا عن الجميع : في بئر عميق يا بطتي .
تنفست بعمق لتهمهم إليه بخجل ظهر باحتقان وجهها : لقد اخترت هذه القَصّة خصيصا لأجلك ، شعرت بأنك ستحبها .
تمتم وهو ينظر إلى فستانها الطويل من المخمل بلونه العاجي اللامع بذهبيه تليق ببشرتها بتصميمه الروماني ذو وشاح التل الثقيل الذي ينسدل فوق قماش الفستان السادة فيخفيه تحت زركشه الوان جلد النمر والذي يخفي نحرها رغم انه يلتف حول أحد كتفيها المزين ببروش ذهبي كبير بفصوص بنية براقة ويترك الآخر عاريا : لقد وقعت بغرامه حينما شاهدته عليك.
ابتسمت برقة ليهمس : ولكني أعاني يا بطتي ،
سألت باهتمام وهي تعتدل بجلستها تقترب منه بعفوية : مما ؟
تمتم بمكر : أشعر بحكة في فمي لن تزول إلا حينما أتذوق الكريمة يا بطتي .
انتفضت بعيدا وهي تنظر له بلوم فيقهقه بخفوت قبل أن يهتف : لا تفزعي ، لقد سيطرت عليها وخاصة حينما أخبرتها أنهما أسبوعان فقط وسنأكل الكريمة كلها .
تغضنت ملامحها برفض : أسبوعان قليل يا عمر ،
عبس بضيق ليتمتم : أنه الموعد المتفق عليه يا حبيبة .
تمتمت بمهادنة تحاول إقناعه : حسنا انتظر بعد رمضان ، فبعد أسبوعان سيكون المتبقي على رمضان أقل من أسبوع .
هز رأسه نافيا : لا لن أصبر لبعد رمضان ، سأتمم الزفاف في الموعد الذي اتفقت عليه مع أبيك .
برمت شفتيها في غضب طفولي : عمر ،
ابتسم مرغما ليشيح برأسه بعيدا : لو همست بمائة عمر لن أتراجع .
لوت شفتيها بحنق لتتمتم : ولكن هناك بعض الأشياء لازالت تنقصني .
هدر بجدية : لا أريد الأشياء ، لا تأتي بأشياء ، أنا أريدك أنت هكذا ، أتبع بشقاوة زينت عينيه - دون أشياء .
ضربته على كفه القريبة : قليل الأدب .
ضحك بخفة ليهمهم : ووقح أيضًا ، لا يغرنك مظهري هذا ، أنا دون ملابسي مختلف .
شهقت بصدمة لتنتفض واقفة هاتفه بضيق : أنا مخطئة لأني أتحدث معك .
قهقه بخفوت لينهض بدوره يحاول أن يستوقفها ، ليتوقف عن اتباعها وعيناه تشرق بفرحة غمرته وهو يهتف بسعادة عندما انتبه لوصول أخوه : أحمد .
***
يخطو إلى داخل القاعة بثبات يستعيد حديث حميه الذي هاتفه بأول الزفاف يسأل عن تغيبه وحينما حاول أن يفهمه أنه لا يريد الحضور زمجر في أذنه وسبه بوضوح هذه المرة قبل أن يهتف به : أيها الغبي تعال وخذ زوجتك ، وإلا اقسم بالله لن تراها ثانية ، وأنت تعلم أني لن أعود بقسمي لو وقفت على رأسك.
فاستجاب مرغما أن يأتي فهو بعد مرور سنوات عاشر فيها وائل الجمّال أصبح يدرك جيدا أنه إذا وصل لنقطة معينة لا يتراجع عن حديثه بعدها حتى لو تكبل لأجله خسارة شديدة ، تقدم لتتسع ابتسامته وعيناه تستقر بحبور للقاء أخويه عمر الذي التقط وصوله أولا قبل عبد الرحمن الذي قفز واقفا ثم خطى نحوه بخطوات متلاحقة مرحبة يليه خالد ابن شقيقته الذي قفز مهللا ومنبها الجميع لوصوله حينما هتف : خالو وصل .
التفت الجميع إليه فيلتقط بسمة وائل الماكرة قبل أن يشيح بوجهه دون اهتمام فيتوافد أخويه عليه يرحبان به يحتضانه بشوق قبل أن يقفز خالد ليتعلق برقبته في حبور ، يصافحه تيم الذي عاتبه بعينيه فيتجه بخطواته إلى هنا التي تمتمت بعتاب صريح وهي تحتضنه : لن أتحدث معك الآن فالوقت والمكان لا يسمحا ولكني سأنتظرك غدا يا أحمد فلابد أن نتحدث سويا .
أومأ براسه بطاعة قبل ان يستدير لسهيلة الدامعة والتي تنظر إليه بعتاب فابتسم بوجهها وأشار اليها باعتذار ثم يحتضنها ويقبل رأسها فتخبره بكفيها انها اشتاقت إليه.
ضمها إلى صدره ثانية ليمأ براسه في التحية لشقيقة تيم ثم ابنتها قبلما يخطو بلهفة نحو والدته التي لم تكن متواجدة حينما وصل فيقبل رأسها ويضمها إلى صدره مغمغما باعتذار راقي تقبلته منال بنظرة لائمة بينما يستمع إلى صوت فاطمة التي ضربته على كتفه بحنق وهي تسبه بالإنجليزية . ضحك بخفة وضمها بقوة فتغمغم بسبة غير لائقة فتتعالى ضحكاته قبل أن يهتف : حسنا يا حرم الوزير كامل اعتذاراتي وقبلاتي .
ألقاها ليقبل وجنتيها فتضمه بقوة : اشتقت إليك أيها الحمار .
أومأ برأسه متفهما ليهمهم بجدية : سينتهي كل هذا قريبا ، استقام ليستقبل ترحيب أدهم ونوران التي لكزته بخفة قبل أن تضمه وتقبل وجنتيه فيهتف عاصم الذي اتبعها وهو يدفعها بلطف بعيدا : انتهينا لم يكن مهاجرا ، ثم أنت ترينه كل يوم بالعمل .
احتضن عاصم بمرح هاتفا به : الغيرة ستميتك كمدا يا ابن الجمال ،
فيجيبه عاصم بأريحيه : صحبة بإذن الله يا ربيب الخواجة ، تعالت ضحكاته ليربت عاصم على كتفه متبعا : عود حميد يا حمادة .
ابتسم أحمد ثم يدور ببصره بحثا عنها فيبتسم عاصم ويشير برأسه إلى مكان ما قريب من مجلس العروسين فيتنهد أحمد بقوة قبل أن يسبل جفنيه هاتفا : سأسلم على الكبار .
تحرك نحو أباه الذي لم يرف بجفنيه والواقف مجاورا لأمير فيقترب منه بتؤدة يمنحه فرصة أن يلتقط وجوده ، أشاح خالد بعيدا لكنه لم يهتم بل انحنى نحوه يحتضنه ليقبل كتفه برجاء نضح بنبراته : اشتقت إليك يا دادي .
للحظة رمقه خالد فالتقت نظراتهما قبل أن يشيح خالد بعيدا عنه دون أن يمنحه ردا شفهيا فيستقيم واقفا ململما بعثرة روحه مقابلا أمير الذي احتفى به مرحبا يضمه فيبارك إليه زواج أسعد قبل أن يستأذن هاتفا : سأذهب لأبارك لدكتور أحمد وآل الجمال .
أطبق خالد فكيه وراقبه في صمت وهو يتجه نحو أحمد ووليد اللذان رحبا به بمشاكسة واتبعهما وائل الذي نهض واقفا فيبتسم إليه أحمد هاتفا بمشاغبة ومضت بعينيه : اشتقت إليك يا حماي العزيز .
تمتم وائل بغيظ وهو يجذبه إلى حضنه يضمه بقوة : كنت سأكسر رأسك إلى نصفين إن لم تأتي يا عيون حماك العزيز .
جلجلت ضحكة أحمد ليجيبه بمرح : لم أكن أقوى على عدم الحضور وأنت من هددتني صراحة.
اسبل وائل عينيه ليهمس بخفوت قاصدا إغاظته : على ما يبدو أن ابنتنا تتجنبك فهي اختفت منذ أن دوى خبر وصولك .
كح أحمد بخفة ليجيب بمشاكسه : هل اصطدت غزالا بريا من قبل يا عماه ؟
التفت وائل ينظر إليه بتسلية : بل أنا تخصص حوريات يا حبيب خالتك .
قهقه أحمد ضاحكا ليشاركه وائل الضحك قبل أن يهمس إليه أحمد بتفكه : إذًا راعي حوريتك واترك لي غزالي البري أنا قادر على التعامل معه .
لوى وائل شفتيه متهكما : واضح يا ابن خالد أنك اكثر من قادر بدليل زوجتك التي قاربت على الشهر وهي تمكث لدي بالبيت .
تمتم أحمد : تحججت بزيجة ابنة عمها ، فلم أشأ أن أغضبها أكثر ما هي غاضبة .
سخر وائل : صاحب واجب طول عمرك يا ابن منال ،
احنى أحمد رأسه بحرج ليهمهم : السماح يا عمي ، لن تتكرر ، أعدك.
زفر وائل بقوة والتفت إليه ليهمس بجدية : اسمع ، لا أريدك أن تعاني يا أحمد ، يكفي ما تعانيه بالفعل ، أنت تعلم غلاة أميرة عندي ولكن النساء يا بني إن لم تشد عليهم اللجام بعض من الوقت يفلت زمامهن ، لذا كن صياد ماهر وارخي الحبل ثم عد واجذبه ثانية فلا يفلت الصيد من لجامك يا زوج ابنتي.
أومأ احمد برأسه ليهمهم : سنعود إلى البيت اليوم بإذن الله ،
هز وائل رأسه بتفهم : دون مشاجرة من الممكن أن تدفعك إليها دفعا حتى تلجئ إلى أبيك الواقف يرمقنا بنظرات غاضبة .
ابتسم أحمد وهمس : أمرك يا عماه ، بعد إذنك سأذهب لأبارك للعريس فهو عاد للتو .
ألقى حديثه ليبتعد بالفعل عن حميه متجها نحو أسعد وجنى اللذان استقرا بمكانهما من جديد فينهض أسعد واقفا من جديد ليستقبل مباركته يرحب به بحفاوة فيبارك هو لجنى برأسه ثم يعود بخطواته وعيناه تلتقط مكان اختبائها ، ابتسم بمكر حينما التقت نظراتهما فأومأ لها بتحية بسيطة أجابتها بهزة متشنجة ، اسبل عينيه عنها حتى لا يغرق في تفاصيلها قبل أن يشد جسده في إتجاه مخالف لوجودها متعمدا أن لا يذهب إليها بل إنه عاد لطاولة عائلته ليجلس مجاورا إلى تيم ومتبادلا معه الحديث غير مهتما بغضبها الذي استقر بعينيها .
***
مال إلى جانب أخيه قليلا هامسا إليه : من التي يشاغلها ولدك ؟
استقام جسد وائل بحدة لمعت بعينيه اللتين بحثتا بكثب عن ولده الذي يقف مكشوفا لهم ويشير بكفيه إشارات غريبة ولكن من الواضح إنه يتحدث مع فتاة لا يستطيعوا رؤيتها ليغمغم مجيبا أخاه بغضب : لا أعلم ، ليلته سوداء بإذن الله .
كتم وليد ضحكته ليساله ببراءة مفتعلة : لماذا ؟!
رمقه وائل بطرف عينه ليجيب بجدية : لأنه يقف مكشوفا للجميع ويغازل فتاة حدسي يخبرني أنها من العائلة .
ضحك وليد بخفة ليغمز لوائل : وأنا الآخر أشعر بذلك ، صمت لبرهة ليتابع بجدية – من رأيي أن تزوجه مبكرا يا وائل أدهم اذا استمر على هذا المنوال سيصنع تاريخا أكثر صيتا من تاريخنا سويا .
زفر وائل بقوة وعيناه لا تحيد عن ولده المبتسم باتساع كالأبلة : كم أتمنى أن أفعل ولكن للأسف قلبه كبير ويساع الكثير ويشبهك في أمر الفتيات يصادقهن سويا منعا لإهدار الوقت .
قهقه وليد ليجيبه بمشاكسة : ولد ذو فكر اقتصادي ، رمقه وائل بحدة ليغمغم بسبه خافتة فتتعالى ضحكات وليد أكثر ليكمل بخفوت من بين ضحكاته – ولكن اسمح لي ، قلبي لم يكن كبيرا فقلبي منذ الأزل ملك للياسمينة ولكني اعترف احتياجاتي كانت ضخمة وفي هذا الأمر نحن متماثلان .
ضحك وائل مرغما ليهمهم بصدق : كانت أيام الله لا يعيدها .
تمتم وليد سريعا : اللهم آمين يا رب ، ليصمت مفكرا قبل أن يهمس بفضول - أموت وأعلم من تلك التي تجعله يبتسم ببلاهة هكذا ،
لوى وائل شفتيه بضيق : أنه ابله مع نون النسوة دوما ، مثلما يقول عاصم قلبه رهيف .
قهقه وليد ضاحكا ليشير برأسه نافيا : لا أنت وولدي تظلمانه ، نعم هو قلبه رهيف ولكن أدهم ليس ابلها ، بل هو ابن أبيه ، ماكر وذكي ولا يحب أن يتلاعب به أحد ، أما من يتحدث إليها الآن ، مختلفة إلى حد ما فهو يشاكسها متعمدا وليس في نيته الغزل .
رمقه وائل بطرف عينه ليركز بصره على ولده الذي رفع رابطة عنقه المفكوكة في أحد كفيه قبل أن يشير بكتفيه بمعنى لا أعرف لتتسع عينا وائل بصدمة تجلت في صوت وليد الذي هتف بخفوت غير مصدقا : لا تخبرني أنها من كان يشاكسها
تمتم وائل بصوت حانق : لا أعلم .
همس وليد بخفوت وعيناه تتحرك نحو أمير الجالس على الطاولة المجاورة : يا الله ، أين أمير؟ كم أتمنى أن لا يكون منتبها
أطبق وائل فكيه ليتمتم هازئا : أمير وغير منتبه ، أتبع متأففا – أنت مقتنع بم تقوله ؟
أكمل وهو يشير برأسه إلى أمير : انظر كيف فكيه مطبقين بغضب وأنت تعلم أنه كان يراقبه كما كنا نفعل .
تمتم وليد من بين أسنانه : غبي .
نفخ وائل بقوة واثر الصمت وهو يراقب مشاكسة أدهم لأسيا التي تقف على مقربه منه يتبادلان الحديث الأريحي بصداقة وود يعلم أن الفتاة تكنهما لولده ولكن ولده من يخلط كل أوراقه ببعضهما !!
***
يبتسم بمشاكسة هاتفا : ألن تربطي لي رابطة عنقي كما كنت تفعلين دوما في حفلات المدرسة؟!د
أجابته وهي ترمقه بطرف عينها : اذهب لوالدتك تربطها لك .
ضحك بخفة ليهمس متأففا : فاطمة ليست متفرغة لي ، لا أعرف ماذا تفعل بالضبط ولكني لم ألتقيها إلا مرتان منذ بداية الزفاف ، أتبع حانقا وهو يشير لعلي ومازن – وهذان الأحمقان يتناولان الطعام وليس متفرغان بدورهما .
ضحكت بخفة لتقف مقابلة له وتشير بكفها له أن يمنحها رابطة عنقه فتحرر عقدتها الغريبة : ألم تكن مربوطة أول الزفاف ماذا حل بها ؟
مط شفتيه بضيق ليجيب مغمغما : كانت سيئة وأحببت أن أعدل من وضعها فانتهى أمرها نهائيا.
هزت رأسها بياس لتغمغم بضحكة صافية : لا أفهم كيف ستكون سياسي بارعا ومشهورا ولا تقوى على ربط رابطات العنق .
لعق شفتيه بعفوية ليهمهم بمشاغبة أضاءت عينيه وهو يميل نحوها : سأستعين بك حينها لتساعديني في ربطهم .
نظرت إليه بدهشة : لا والله ، بأي صفة إن شاء الله .
أجابها وهو يلتقط منها رابطة عنقه ليضعها داخل ياقة قميصه كما أشارت إليه : بصفتك صديقتي ومديرة حملاتي الإعلانية ، أم ستتكبرين علي ولن تفعلي .
ضحكت وهي تشد رابطة عنقه بحزم لتجيب ساخرة : وهل اجرؤا ألا افعل يا ابن الوزير ؟!
شد جسده بغرور متأصل بشخصيته : سيادة البرلماني من فضلك .
رمقته من بين رموشها لتهتف بحدة : لا تشد جسدك يا أدهم فأنا لن أقف على مقدمة حذائي لأستطيل وأكون على مقربة منك .
تمتم بعفوية مشاكسة : اذا أحملك .
أفلتت رابطة العنق من بين كفيها لتغمغم بسبة خافتة قبل أن تهدر في حنق : أنا المخطئة .
تعالت ضحكاته ليفرد ذراعيه من حولها دون أن يمسها هاتفا باعتذار صادق : حسنا، أعتذر لن أكررها .
رمقته بحزم : ستقف باعتدال ولن تتواقح .
أومأ براسه وهو يكتم ضحكاته ليكتف ساعديه خلف ظهره وينزل بجذعه لأسفل فأصبح قريبا منها للغاية : وسأكتف ذراعي أيضا وأعدك أني لن انظر .
شدت مقدمة فستانها للأعلى قليلا فيبتسم قبل أن يرفع عينيه عنها ، ادعت عدم الاهتمام وتلامس رابطة عنقه بحركات سلسلة بينما هو يشد جسده باعتدال يرفع رأسه إلى فوق قليلا و يكتم أنفاسه حتى لا تشم عبيرها .
هتفت أخيرًا : انتهينا ،أتبعت وهي تضبط إليه عقدة الرابطة – اعتقد أنك تتركها محررة قليلا فهكذا أفضل .
ادخل رابطة العنق داخل سترته الداخلية لتتابع بجدية : اترك أول زرين مفتوحين يا أدهم ، لتكمل مظهرك العبثي .
اسبل جفنيه ليتمتم بجدية وهو يطيع نصائحها : أنتِ من تريدين أن تري مظهري العبثي فقط يا آسي ، رغم أني أملك الكثير غيره .
رفعت عيناها تنظر إليه مليا لتجيبه بهدوء : في حالتك يا أدهم – كما يقولون – الطبع غلاب .
ابتسم هازئا ليجيب بمشاكسة : الطبع يتغير يا آسيا ولكنك لا تمنحي فرصة ثانية .
ضحكت بخفة لتجيبه بمشاغبة : لم يكن هناك فرصة أولى يا ابن الوزير .
همت بالابتعاد فيقف أمامها يمنعها فتنظر إليه بحدة ومضت برماديتيها فيهمس بجدية : ترقصين ؟ عبست بتعجب فأكمل وهو يشير إلى الموسيقى المنتشرة حولهم – هل تسمعين إنها أغنيتك المفضلة ؟
أنصتت لتجيبه بلا مبالاة : وليكن ، لن ارقص معك .
همت بالابتعاد فيدور من حولها يمنعها ثانية : لماذا ؟ ليست المرة الأولى .
رمشت بعينيها لتهز رأسها نافية : بلى ولكني لا أريد .. ليس هنا ، العائلة جميعها متواجدة ، صمتت لتتبع وهي ترمقه بتحذير – وأنتَ لا يؤمن جانبك .
اتسعت ابتسامته ليهمهم : سألتزم حدود الأدب ، أكمل برجاء – أعدك .
رمقته قليلا لتهز رأسها نافية : لا ، لن استطيع أن أفعل أعذرني .
عبس بضيق بدأ ينتابه : لماذا ؟! همت بالرد ليكمل بحدة – ولا تخبريني عن العائلة فلقد رقصت معي أمام الجميع في حفل خطبة عمو أحمد ولم تهتمي .
سحبت نفسا عميقا لتبتسم إليه برقة : نعم أعلم لأن حينها لم يكن الأمر كما الآن .
عبس بتعجب : أي أمر ؟! رفت بعينيها ليتابع بإدراك – لا تخبريني لأجل ذاك الذي تحدثت عنه من قبل .
سحبت نفسا عميقا لتجيب بحرج ورد وجهها : نعم لأجله ، رغم ا أنه ليس هنا ولكن لا استطع أن أفعل ، أعتقد أنه سيغضب إذا علم .
رجف جفنه بحركة لا إرادية ليبتسم ابتسامة لم تستطع بعينيه ثم يتراجع للخلف خطوتين هامسا من بين أسنانه : نعم معك حق ، فأنا لو مكانه سأغضب وكثيرا أيضا ، ابتسم ساخرا ليكمل – شكرا على رابطة العنق .
ابتسمت برقة : لا شكر على واجب يا دومي .
تمتم بصرامة : أدهم ، لقد كبرنا يا آسيا ، لم أعد دومي الصغير ، صرت أدهم الجمّال إن لم تلاحظي وتدركي ، أدهم بك رجل الأعمال والبرلماني القادم .
رمقته بعدم فهم لتهمهم بصوت اختنق لا إراديا : بالطبع أعلم ذلك ولكن ، صمتت قليلا قبل أن تتبع سائله باهتمام - ماذا حدث ، لماذا غضبت ؟!
ابتسم بلباقة : ولماذا أغضب يا آسيا ؟ أكمل بجدية وهو يضع كفيه في جيبي بنطلونه – فقط أحببت أن أنبهك .
أومأ برأسه في تحية قصيرة : بعد إذنك ، توقف قبل أن يبتعد ليرمقها مليا متابعا بجدية – مبارك ارتباطك العقبى حينما أراك عروس .
نفرت عروق رقبتها بضيق تملكها لتجيبه باختناق : بإذن الله قريبا ، بالطبع سأدعوك فأنت الصديق المقرب .
ابتسم هازئا ليجيبها بمرح ساخر : فقط حذار أن تغضبي خطيبك يا آسيا .
أنهى حديثه ليدور على عقبيه يتركها من خلفه لتعبس بضيق تملكها لتتمتم من بين أسنانها : ما هذا الغباء يا ربي ؟ تبا لك يا أدهم يا جمّال ، أحمق .
ألقتها بضيق وهي تتحرك في الإتجاه الآخر تدق الأرض بقدميها في غل تملكها وغضب عصف بأوردتها وهي تسبه بداخلها كما لم تفعل من قبل .
***
يشاكس شقيق أخته بأريحية واغاظة يعلم أنها تثير ضيق عادل وحنقه لتتعالى ضحكاته على ملامحه المتجهمة بضيق وتوعد لمع بعينيه وخاصة حينما شاكسه بمراقصة اختهما لزوجها الذي حصل على موافقة الأمير فلم يقوى عادل على الاعتراض ، تحرك للخلف بعيدا عنه عندما شعر بأنه عادل سيفتك به وهو الذي لا يقدر المساس بعمار الآن فيبتعد ضاحكا دون أن ينظر ما وراءه لينتبه على صيحة عادل المستنكرة بأن يتوقف لتأتي دفعة رقيقة لظهره بكفين صغيرتين اجبرتاه على التوقف في الحال.
قبل أن يستدير مغمغما باعتذار راقي تجمد على شفتيه وهو يقابل عبوس ملامحها ونظراتها المستهجنة فيبتسم بلهفة ومضت بعينيه قبل أن يشير إليها باعتذار لائق وهو يثرثر لها بعفوية عما كان يحدث بينه وبين عادل فتقابله بنظراتها غير المهتمة قبل أن تمأ برأسها في تحية جافة أثارت ضيقه وعبوس طفيف يغزو ملامحه وتهم بالابتعاد عنه فيضع ذراعه بعفوية أمامها يوقفها ، ارتدت رأسها للأعلى تنظر له بتساؤل مستنكر فيبتسم بلباقة في وجهها ويحاول أن يجتذب معها حديث يسأل فيه عن أحوالها.
رفعت حاجبها برفض ولكنها أجابته بإشارات مقتضبة سريعة وكأنها لا تطيق صبرا أن تبتعد عنه ، أطبق فكيه بضيق ليسألها دون مواربة عن سر انزعاجها لحديثه فترتبك ملامحها لوهلة قبل أن تتورد بحرج وتشير إليه بأنها ليست منزعجة منه فقط هي لم تعتاد أن تتحدث مع شخص غريب عنها .
قفزا حاجبيه بتعجب ليشير إليها عن كونه ليس غريبا أدار عينيه من حولهما ليشير إليها على أمير شقيق آسيا ليسألها إن كانت تعرفه فأشارت بالإيجاب لتتبع بأنه زميل دراستها وصديق لها فيشير بكفيه في أريحية أنه لا يعد غريبا عنها فها هي تعرف ابن خالته.
ابتسمت برقة و عيناها تلمع بضحكة رائقة انقلب في الحال لارتباك وخجل ظهر في احتقان وجنتاها ليعبس بغرابة اندثرت حينما التفت خلفه فالتقى بزرقاويتين صارمتين وابتسامة إنجليزية باردة وتساؤل هادئ أتبع تحية شعرها صفعته بصقيعها فارتبك بدوره وشعر بأذنيه تنصهران من سخونة حرجه وخاصة حينما أشارت لجدها بم حدث وأنه كان سيرتطم بها دون وعي.
لمعت عينا خالد بعدم رضا واستنكار وجه له فاضطر أن يثرثر بكلمات سريعة عم كان يحدث ليختم حديثه : لم أقصد بالطبع أن ارتطم بسو .
ضيق خالد عينيه وزرقاويتيه تعتمان بالأسود وهو يردد : سو .
أجفل نادر ليهمس باختناق : الآنسة سهيلة .
هزة بسيطة من رأس خالد أشعرته بالضيق انقلب الى عناد فأشار بكفيه وهو يتحدث بصوت قوي : سأغني بعد قليل لأجل أسعد وفكرت أن أشير بكلمات الأغنية لأجلك يا سهيلة ، ما رايك ؟
التمعت عيناها بفرحة حقيقية ليسأله خالد باستنكار حاد : كيف تشير إليها ؟!
شد ناظر جسده ليجيبه بهدوء وهو يحافظ على أن يشير بكفيه فتشاركهما الحديث : أترجم لها كلمات الأغنية يا عماه .
هم خالد بالرفض ليصدح صوت هنا من خلفهما : نادر كيف حالك ؟
ابتسم نادر بمرح كعادته ليجيبها بلباقة يصافحها بود قبل أن تسأله بعدم فهم : سمعتك وأنت تتحدث عن الترجمة .
ومضت عيناه بمكر أخفاه عن خالد المتربص له ليجيبها ببساطة : نعم كنت أخبر سو .. كح بحرج ليتبع مصححا - سهيلة أني سأغني بعد قليل ففكرت بم أنها متواجدة أشير يكفي أيضا مترجما لها الأغنية .
هتفت هنا بانبهار : واو هذا رائع ، أنت تستطيع التحدث بلغة الإشارة ؟!!
أومأ برأسه ليجيب بعفوية : نعم لقد أخبرت سهيلة من قبل أني تعلمتها حينما كنت ادرس الموسيقى في إحدى الدور الخاصة بالصم والبكم ، أتبع وعيناه تستقر على وجه سهيلة فشعرت بأنه يعاتبها بنظراته وهو يتبع - حتى حينها استنكرت أني كنت أعلمهم الموسيقى ، فأخبرتها أن الموسيقى غذاء للروح ليست حكرا على من يسمع ويتحدث بل هي للجميع .
توردت سهيلة واخفضت عيناها لتسأل هنا بجدية : إذًا انت تستطيع أن تعلم سو الموسيقى ،
ابتسم بفخر مزج بغرور طفيف : عزف الموسيقى بالطبع .
ومضت عينا هنا باستحسان وهمت بالحديث ليزجرها خالد بعينيه فترتبك دون فهم ولكنها صمتت مجبرة ليهتف خالد بجدية : نحن نقدر بالطبع عرضك الكريم ولكن فكرة أن تقف تشير لحفيدتي أمام الجميع بكلمات اغنية أعتقد ستكون رومانسية تخص العروسين تبدو لي ليست فكرة جيدة ، ولكن نشكرك على سماحة نفسك وطيب أصلك .
ابتسم وأومأ برأسه في تفهم ليراقب خالد الذي احتضن الفتاة الصغيرة التي اختبأت بصدره العريض وجذب ابنته أيضا بلطف ليبتعد بهما سويا في ظل ضيق ألم بنادر فوقف يراقبهما ليتبدد ضيقه فجأة حينما التفتت إليه تنظر نحوه وتشير بكفها في رقة تشكره وعيناها تبتسمان بألق خاص لم تقابله به من قبل .
اتسعت ابتسامته ليشعر بالغبطة تتملك منه ليلتفت نحو ابن خالته الصغير ويتجه إليه هاتفا باسمه فيحصل على انتباه أمير الذي رمقه بغرابة ازدادت مع طلبه الذي اتلاه على مسامعه !!
***
انتبهت لتبدل الاضواء وأمير الذي يقترب منها بعدما حيا والديها برأسه وصافح جدها بلباقة لتقبله جدتها بحب وتربت على رأسه بود فيقبل عليها مبتسما يثرثر معها بأريحية قبل أن يسألها أن ترافقه .
دهشت لتشير إليه متسائلة عم يريد فيحرك رأسه بطريقة مصرة وهو يشير : فقط تعالي معي ، التفت لمريم ، وأنت الآخر يا مريم ، تعاليا معي ، لا أفهم لماذا تنعزلان عن الجميع هكذا .
أتبع بعدما أطلق صغيرا خافتا مناديا على خالد الصغير : تعال يا خالد ، هيا جميعا.
أكمل وهو يحدث تيم : اسمح لي يا عماه ، قبل أن يلتف لخالد متبعا - بعد إذنك يا باشا سأصحبهم لنقف قليلا هناك .
أشار بكفيه هاتفا في حماس : هيا .. هيا.
أشار إليهم فتقدمتا الفتاتان قبل أن يحتضن خالد الأصغر عنه من كتفيه ويسير بجواره في صداقة جمعتهما ليوقفهم قريبا من حلقة الرقص والغناء ليربت على ظهر أحدهم بود : زين ، تعال لأعرفك.
التفت زين ببسمة مرحة ونظرات شقية ومضت بعينيه ليهتف أمير وهو يشير نحوهم : سهيلة .. مريم .. وهذا العفريت الصغير ذو الأعين الملونة خالد .
اتسعت ابتسامة زين ليشير برأسه للفتاتين بلباقة قبل أن يصافح خالد برجولة : تشرفنا .
هتف أمير وهو يشير إليه : وهذا زين الالفي ،
رمق زين ليسأله : ماذا تقرب لي ؟
ضحك زين ليهتف به : ابن عم أولاد خالتك .
أشار إليه أمير بالموافقة وهو يرفع إبهامه بإعجاب : نعم ، استدار لسهيلة ليشير إليها يحاول طمأنتها : تدركين نادر وحسام ابنا انطي سارة .
أومأت برأسها إيجابا فاتبع : هذا ابن عمهما يحيى .
ابتسمت برقة فقابلها زين بابتسامة مشرقة وعيناه تلمعان بتقبل أريحي ليهتف نادر من خلفهم بعدما احتضنهما من كتفيهما مطلا على الآخرين : منورين يا شباب ، غمز لأمير بعينه - هيا استعدوا سأبدأ الان .
أشار أمير بسرعة مدلول حديثه ليشير هو بجدية وهو يقابلها بعينيه : أحببتك أن تشاركينا ، فأرجوك لا تنعزلي من جديد.
توردت لتخفض راسها بابتسامه حيية ليهتف نادر بصوت عادي : هيا شاركونا جميعا لعلنا نقوى على سيادة القائد ونجبره أن يغادر كرسيه .
ضحك الجميع ليعتلي هو ساحة الغناء يحتل بؤرة الضوء فتشعر بأنه يمتلك جناحان كأجنحة الملائكة ابتسامته تبث لها اطمئنان أجبرها على عدم التقهقر كعادتها ونظرته التي استقرت داخل عيناها لوهلة ترجوها عدم الابتعاد أجبرتها على القبول والرضوخ لرغبته في وجودها من حوله قريبة من أغراب وهي التي كانت تفضل دوما الابتعاد عن الجميع.
انتبهت على إشارة أمير إليها بالحديث الذي من الواضح أنه يهتف به في الميكرفون الدقيق المعلق بأذنه فتبتسم برقة وهي تتفهم الآن ما أشار به عن أسعد الذي نهض مضطرا وهو يجذب عروسه معه ليرقصا سويا على نغمات الأغنية التي سيغنيها فلا تقوى على الاستماع لها أو فهم كلماتها.
أشار لأسعد برأسه والموسيقى تتهادى برقة ليغمز بعينه في مرح قبل أن يشدو بصوته الشجي
ادي اللي في بالي بالمللي .. قمر ومن السما نزلي
دي بسم الله ماشاء الله.. تشوفها تسمي وتصلي
عشان اوصفها ملهاش حل .. كلام أغانيه كله أقل
دي خير في حياتي جاني وهلّ.. ومن حظي أنه متشالي
تحركت برقة وانسيابية تواكب خطواته المتمكنة فتهمس بعدم تصديق : أنت تستطيع الرقص ؟!
ابتسم برزانة ليمأ برأسه إيجابا هامسا بخفوت جوار أذنها : إيناس كانت تجبرنا على مراقصتها لذا تعلمنا ، عادل امهر مني كثيرا فهو يقوى على أنواع أخرى غير هذا الرقص أما أنا اكتفيت بالرقص الهادئ ، لف بها ليكمل وهو يضع رأسه برأسها ويضمها أكثر إلى صدره - لأقوى على الرقص مع حبيبتي التي كانت دوما تراقص ابن عمها الماهر للغاية بدوره .
ضحكت رغم عنها لتقابله بنظرات غير مصدقة لتسأله بعفوية : أسعد أنت تتذكر ؟! .
رمقها بعتاب ليهمس بصوت أجش : أنا لا أنسى قط ، تلك الليلة كنت أريد أن أكسر رأسك ورأس عاصم الذي استجاب إليك ليراقصك بأريحية فاندمجت أنت ودورت من حول نفسك فارتفعت تنورة فستانك وأظهرت عن ساقيك من الأعلى .
توردت مرغمة فأتبع وهو يشد ضمته عليها فيجبرها أن ترفع رأسها إليه مكملا : يومها عاهدت نفسي أن لا ترقصي ثانية إلا وأنت بين ذراعي ، وأجبرت عاصم أيضا أن يعدني ألا يستجيب إليك أبدا فيما بعد.
اتسعت عيناها بمفاجأة لتهمهم : لذا كان يرفض أن يرقص معي بعدها
اسبل جفنيه ليؤثر الصمت فتتبع بإدراك ضرب عقلها : لذا يومها تحدثت معي عن أمر أنه ابن عمي وليس أخي .
ومضت عيناه بغيرة حارقة ليغمغم باختناق : نعم لأنك لم تكتفي بالرقص فقط بعدها بقليل شاكسك عاصم بك لتقفزين ضاحكة حينما بدأ في دغدغتك .
تعالت ضحكاتها مرغمة ليضمها إليه فتدفن ضحكاتها في تجويف عنقه فهمهم بحنق : يومها استحق اللكمة .
ابتعدت عنه بعدم تصديق فلم يمنحها الفرصة لتسأله باستنكار : لكمت عاصم .
غمغم ببرود : كان يستحق لأنه كان يعلم ولم يراعي شعوري .
رمقته بعتاب لتهمس بخفوت : لو كنت أخبرتني حينها كنت وفرت علينا الكثير .
تنهد بقوة وهو يضمها أكثر إليه ليحتضن رأسها برأسه هامسا : إنه القدر .
تمتمت وهي تتمسك به قويا : أنا أحبك يا أسعد .
واجهها بوجهه القريب ليهم بتقبيلها ليتراجع في آخر الأمر ليرفع رأسه ويقبل جبينها بقبلة هادئة طويلة وشمت رأسها فانتبه على الصافرات المنطقة من حولهما
والتي تعلن عن انتهاء الأغنية التي يشدو بها نادر الذي غنى بنغمة رقيقة وصوته يحنو واصفا
في واحدة لما تقابلها .. تسيب الدنيا وتجيلها
بغني سنين لكل الناس .. ومن الليلة هغنيلها .
عشان اوصفها ملهاش حل .. كلام اغانيه كله اقل
دي خير في حياتي جاني وهلّ .. ومن حظي أنه متشالي
ادي اللي في بالي .. محمد حماقي
انتهت الأغنية على تصفيق الحضور قبل أن تنقلب الإضاءة من حولهما وتتبدل الموسيقى من حولهما فتتعالى الصيحات بتهليل حينما بزغ حاتم على المسرح فيجاوره نادر الذي ارتدى قيثارته ليعزف بحوار أبيه الذي اقترب يحيي أسعد مباركا قبل أن يشير للشباب الذين توافدوا ليتمايلوا من حولهم على نغمات الأغنية السريعة التي تخص حاتم الذي حاول أن يجذب جنى من كفها فيتمسك بها أسعد مشيرا برأسه رافضا .
ضحك حاتم مرغما بعدما استدار لسليم مستفهما فتعالت ضحكات سليم الذي أشار لعادل فاقتربا منه ليجذبوه بعيدا عنها قليلا فتصحبها يمنى في دائرة خاصة بالفتيات لتتمايل بجوارها يمنى ونوران التي انغمست بألحان الأغنية الغربية فرمقها أسعد من بعيد محذرا فأشارت له برأسها قبل أن تشاكسه متعمدة بملامحها وهي تهز كتفيها برقة فيتوعدها بعينيه قبل أن ينتبه لأخيه الذي هتف به : اتركها يا أسعد لتفرح قليلا ، غض الطرف عنها واتركها تمرح مع الفتيات .
***
__ إلى أين تذهبين أن شاء الله ؟!
صدح صوته من خلفها حينما تحركت نحو ساحة الرقص بعدما نادتها شقيقتها فالتفتت إليه تجيبه ببرود : سأقف معهن .
أشار إليها بغل : ببطنك هذه .
ابتسمت هازئة : وهل قبل بطني هذه كنت تسمح لي بأن أقف وأتمايل باي مناسبة تخصنا أو لا تخصنا ، اتبعت بلا مبالاة - الأمر لديك ليس مختلفا فسواء ببطني أو دونها مشاركتي هي ما تضايقك وأنا كنت التزم بتعليماتك خوفا على إثارة ضيقك أو إزعاجك
زم شفتيه لتكمل بهدوء وعيناها تومض بمكر : ولكن الآن أنا من توقفت عن الاهتمام يا أحمد بك .
اكفهر وجهه غضبا لتدور على عقبيها وهي تتجه بشموخ نحو ساحة الرقص لتقبل على ابنة عمها بابتسامة متسعة فتضم جنى إلى حضنها من الخلف كيفما استطاعت لتتمايل بجسديهما على الأغنية الجديدة التي بدأ في شدوها حاتم الذي جذب إيناس للمسرح لتشاركه الغناء فطلبت منه غناء هذه الأغنية لأجلها والتي أتت برتم سريع أشعل بها ساحة الرقص التي ضمت الكثيرين وخاصة الصغار الذين رقصوا بأريحية انتبهت على همسة نوران التي أتتها خافتة بعدما كانت اندمجت مع جنى التي لم تترك حضنها : بابا يريدك .
رمقت أختها لتمأ بالإيجاب ولكنها لم تخطو للخارج بل ظلت منتظرة إلى أن دوت الموسيقى بلحن شرقي واحدى الفتيات ترقص عليها فيدوى صوت إيناس : الجميع يرقص ، هيا .
أتبعت وهي تتجه نحو أسعد تشاكسه بملامحها بعدما زجرته بعينيها ألا يستجيب إليها فالتقط كفها مضطرا لتشدو بإعجاب وجهته إليه وهي تتمايل برقة :
هو ده اللي كان ناقصاني .. حلو وكاريزما وعجبني .
قلبي شافه نط فجأة .. من مكانه قام بايسني.
تعالت ضحكات الرجال وأذني اسعد تحتقنان بقوة ليشيح برأسه بعيدا فيلتقط عادل كف إيناس الأخرى ليراقصها كما المعتاد بينهما فينسحب أسعد للخلف ثم يشير لأميرة على جنى التي تفاعلت مع الأغنية فنبهتها أميرة لتبتسم بمشاكسة وتقترب منه وهي تغني إليه برقة دون صوت كعادتها :
أما عن احساسي بيه .. احكي ايه انا ولا اية
مش مبالغة ومش بهزر .. فين هلاقي كلام يعبر .
هو ده - شيرين
قهقه ضاحكا وهو يفتح إليها ذراعيه فاستقبلت احتضانه بأريحية لتقف داخل محيط صدره يراقبان سويا اشتعال حلقة الرقص والغناء على صوت إيناس التي تمايلت بدورها راقصة بجوار عادل الذي ضمها إلى صدره ليرفعها عن الأرض أخيرا فتتعالى ضحكاتها مدوية من حولهم.
***
يجلس على الطاولة منفردا بعدما خلت من الجميع فعمر يجاور حبيبة بعدما انضمت للفتيات ليجد أخيه يقفز من جواره صارخا قبل أن يذهب لخطيبته مشيرا إليها بحركة أن لا تتمايل أو لا تهتز لم يدرك حقا ولكنه تضاحك على أخيه الصغير الذي أعلن عن غيرته بطريقة غير مسبوقة وعبد الرحمن المضطرب اليوم يجاور رقية في صمت يخيم عليهما صمت يقلقه ولكنه لم يشأ أن يتدخل إلا حينما يخبره أخيه عما فعل ، حتى زوج شقيقته صحبها للرقص كعادته فهو يعرف أن هنا تحب الرقص لذا يرضيها إلى حد ما فيصحبها معه ليتمايلا سويا .
انتبه على تربيته حانية فوق كتفه قبل أن يأتي صوت حماه متهكما : تعاندك ابنة فاطمة ؟!
آثر الصمت قليلا قبل أن يتحدث بجدية : لم أشأ أن أتشاجر معها كما أنبهتني يا عماه .
رمقه وائل بطرف عينه قليلا ليهدر بحزم : ولد يا أحمد ، أن تهادن زوجتك شيء وأن تخضع لها شيء آخر ، أتبع بجدية وهو يحذره بعينيه - ما أشعره منك لا يروقني فاعتدل يا ابن خالد بدلا من أتركك له سيكسر رأسك الغبي هذا ويعيد تشكيله من جديد .
ابتسم أحمد مرغما ليكمل وائل : لقد أرسلت لها أن تأتي ولكنها تعاندني بدورها فلا تبتأس إن العناد ليس موجها لك بمفردك بل هو سمتها هذه الأيام ، أميرة متبدلة هذه الأيام والسبب أطفالك الأغبياء مثلك .
قهقه أحمد ضاحكا بخفوت ليهمس بمرح : المعذرة يا عماه ، قبل طرف كتف وائل ليصمت عن الضحك ثم يتبع سائلا - هل صحتها هي والأطفال بخير ؟ هل هي بخير ؟
زفر وائل بقوة : انظر إليها وأنتَ تعلم أنها ليست بخير ولكنكما زوجي من الأغبياء أعانني الله عليكما.
ابتسم باتساع لتنحسر الابتسامة فجأة عن ملامحه وهي تقبل عليهما فيتجهم وائل بضيق ليهدر بحنق : ألم تخبرك شقيقتك أني أريدك .
أجابته بهدوء : وهاك أنا أتيت يا بابي ، أم كان من المفترض أن آتي حينها لتلبي حضرتك رغبات البك الذي أصبح يحشرك فجأة بيننا في كل شيء .
اتسعت عينا أحمد بغضب ليتمتم وائل من بين أسنانه : يحشرني ؟! ليتبع بزعقة أجفلتها - لماذا هل أنا بصغير في نظرك لهذه الدرجة.
تمتمت أميرة بسرعة : لم أقصد يا بابي .
نهض وائل واقفا لينظر إليها : ماذا قصدت إذًا يا ابنة فاطمة ؟!
بللت شفتيها لتجيب بتلعثم : المعذرة يا بابي أنا آسفة .
أشار إليها برأسه في ضيق : اجلسي هنا ولا تنضمي لساحة الرقص ثانية وليس لأجل هذا المأفون وليس لأجل خاطري بل لأجلك ولأجل بطنك هذه أم تريدين أن ينقلب زفاف ابنة عمك لحفل ولادة.
توردت بحرج لتشعر بغصة قوية تتجمع بحلقها لتهمس بتلعثم : سأجلس مع عمي خالد .
اتسعت عينا وائل برفض ليهدر : أميرة .
نهض أحمد واقفا ليتدخل بهدوء : أهدأ من فضلك يا عماه ولا تغضب ، واترك أميرة تفعل ما بدى لها فقط تنفذ أمرك في المحافظة على نفسها غير ذلك أنا الآخر لا أريدها أن تجاورني جلوسا، نظرت إليه باستهجان ليتحكم وائل في ابتسامته بصعوبة وخاصة عندما أتبع بهدوء - فأنا اقدر وقوفها مع جنى في ليلة كهذه .
زمت شفتيها بضيق ولم تكلف نفسها عناء الرد لتلتفت إلى أبيها الذي نظر إليها بغضب فهتفت بحنق : أية أوامر ثانية يا بابي ، هز وائل رأسه نافيا فهمست متبعة - بعد إذنكما سأذهب لأرى جنى إذ تحتاج شيئا .
أومأ وائل برأسه ولم يبدي هو اهتماما ليتأوه بخفوت على لكزة وائل إلى كتفه بعدما ابتعدت عنهما أميرة ويهمهم إليه بغضب : الله يرحم حينما كنت تبكي لأزوجها لك .
دلك كتفه ليقهقه ضاحكا وهو يقبل على وائل يحتضنه بود سرى بينهما واعتذار همس به فيضمه وائل ليتبع أحمد : ولازلت أبكي لأجلها يا عماه ولكني التزم بنصائحك .
ربت وائل على ظهره بدعم قبل أن يدفعه بعيدا : ابتعد يا ولد ولا تحتضنني ثانية فأنا لا أحبذ الأحضان إلا من فاطمة.
تعالت ضحكات أحمد مجلجلة ليهتف باسم خالته في إشارة واضحة لها أن تقترب ليهتف بها : تعالي سيادة الوزير يريد حبا وحنانا وأنتِ مشغولة عنه .
رمقت فاطمة وائل بعدم فهم ليجذبها وائل من كفها يضمها إلى صدره ليهتف به في ضجر : هل ستظل بيننا ؟ هيا ابتعد .
ضحك أحمد بخفة واستجاب بمرح ليتنهد وائل بقوة فتربت على صدره برقة : سيكون كل شيء على خير وما يرام .
ضمها إلى صدره أكثر : طالما أنتِ هنا معي إذا كل شيء بخير يا حبيبتي.
***
نظرت إلى أسعد بعدم فهم لتسأله: أين جنى ؟!
أجابها بجدية : ذهبت مع يمنى ونوران لدورة المياه على ما أعتقد .
ابتسمت شاكرة لتستدير متجه نحو دورة المياه فتقابل شقيقتها تنظر إليها بتساؤل : أين جنى ؟!
حركت نوران كتفها بعدم معرفة : تركتها هي وموني بدورة المياه
رمقتها أميرة بعتاب : كيف تركتها بمفردها ، من الممكن أن تخجل أن تطلب من يمنى ما تحتاجه .
كسى الندم ملامح نوران لتهمهم : لم أفكر هكذا
تبرمت أميرة : يا الله يا نوران.
تحركتا نحو دورة المياه وأميرة تؤنبها بجدية فيلتقطا خروج جنى بملامح مغايرة وكأن ابتسامتها انطفأت فجأة هتفت أميرة بصدمة : ما بالك يا جنى ؟!
تجمعت الدموع بعيني جنى لتهمس بصوت محشرج : أنا بخير .
عبست نوران لتقترب منها تهتف بجزع وهي تلامس كفيها : جسدك وكفيك باردتان للغاية ، لتسأل أميرة بحنو وهي تقربها من صدرها : أخبرينا ماذا حدث وأين يمنى ؟
صدح صوت يمنى من الخلف : ها قد أتيت ، وجلبت ما طلبت يا جانو .
اتسعت عينا يمنى بصدمة لتسألها وهي تقترب منها - ماذا حدث ؟! ما بالك ؟! هل حدث شيئا بالداخل ؟!
أغمضت عيناها وهي تقاوم البكاء الذي تجمع في حلقها وماقيها حتى لا تضطر أن تخبرهم بم استمعت إليه بمصادفة لم تكن سعيدة أبدا ؟!!
فبعدما ذهبت يمنى لتأتي لها بزجاجة العطر والمحارم الكريمية لتستخدمهم كما أوصتها خبيرة الزينة فظلت هي تنتظرها بداخل دورة المياه ليتناهى حديث دائر بالخارج بين سيدة وفتاة كما استنتجت من صوتيهما يتحدثان عن العروسة التي خطفت القمر من أسرته.
يصدح صوت الأصغر سنا هاتفه باستنكار : لم أصدق حينما أتتني دعوة الفرح أنه سيتزوج من هذه الكئيبة التي لا تفرح أبدا ، ألا يكفي أنها تكبره بالسنوات لاكتشف اليوم أنه يحبها وليس متزوج منها شفقة وإحسان كما توقعت .
صوت متحسر صدر لم تدرك مصدره ليتصاعد صوت الأخرى هاتفة بضجر : لو أعلم أنه يهوى كبيرات السن لكنت تقربت منه ولكني لم أدرك هذا سوى الآن ، على الأقل ما يفرقني عنه بضعة شهور وليس ثلاث سنوات .
تمتمت الأولى : أنه لا يدع أحدا يقترب منه ، لذا أنا سأجن من كونها استطاعت أن توقع به بهذه الطريقة ، أرأيت كيف يحتضنها ؟!
تمتمت الأخرى باختناق : ولا كيف قبل جبينها كأنها متفردة ولا مثيل لها !!
فتهتف الأولى بحنق : اتركينا منه فالان هو موهوم بقصة الحب التي خدعته بها ، ولكن صدقيني ستري بعد عدة سنوات سيمل منها ويتركها وخاصة حينما تظهر كعجوز إلى جواره وهو يظل شابا وسيما كعادته ، حينها سيتركها ويتزوج أخرى صغيرة تناسبه.
حينها ارتعد جسدها وكتمت شهقتها بكفها حتى لا تنتبها سويا لاستماعها إلى حديثهما لتختفي وظلت بالداخل إلى أن استنتجت انصرافهما متضاحكتان عليها وعلى عريسها المغفل الذي سيدرك حجم إخطائه بحق نفسه فيما بعد. فخرجت بدورها من دورة المياه دون أن تفعل شيئا مما أرادت تتوقف أمام المرآة العريضة التي كانت تتحدث أمامها الفتاتين وتنظر لنفسها .. ملامحها .. جسدها ، و بهاءها الذي شعرت فجأة بأنه انطفاء .. اختفى .. اندثر ، شعرت برغبة جلية في البكاء .. الصراخ .. الاعتراض ولكنها لم تقوى بل انطوت على نفسها وهي تشعر بأنها لا تريد شيء سواه لتختبئ في حضنه عن العالم أجمع .
انتبهت على أسئلة الفتيات من حولها فهمست بصوت أبح : أين بابا ؟
نظرن لبعضهن قبل أن تجيب نوران : سأدعوه لك .
لتهتف يمنى بجدية : سآتي بأسعد .
أومأت لها أميرة بتفهم قبل أن تولي جنى اهتمامها وتسألها برقة : ماذا حدث يا جنى أخبريني
تمتمت باختناق : لا شيء لم يحدث شيئا.
انتبهت أميرة لأسعد الذي أقبل عليهما فابتسمت بتوتر وخاصة حينما سألها عم حدث فتشير إليه بأنها لا تعرف فيهمس بحنان وهو يلامس جسد جنى فيضيق من برودته : ما بالك يا حبيبتي ؟!
تمتمت وهي تبتعد عنه بعفوية أزعجته : أنا بخير فقط أريد بابا .
اهتزت حدقيته بحيرة والغضب يعصف برأسه فيهدر بخفوت حانق وهو يحرص ألا تستمع إليه الواقفتان بجوارهما : ماذا حدث ولماذا تبتعدين عني ؟
تمتمت بصوت باك : أريد بابا .
__ هاك أنا ذا يا حبيبة بابا . صدح صوت أحمد فتهرع إليه ترتمي بحضنه تتعلق برقبته هاتفه بنحيب - بابا ، أريد العودة معك .
تصلب جسد أحمد وملامحه تشحب بقوة لينظر إلى أسعد متسائلا فيطبق أسعد فكيه بغضب متحاشي النظر والرد فيربت أحمد على ظهرها ويحدثها بمرح حاول أن يبثه لها : أخبرتك أن علينا إلغاء الزفاف قبل أن يبدأ بسبب يقيني من كونك ستطلبين العودة معي .
تجهم وجه أسعد ونظرته الغاضبة تتألق بوميض عينيه فيحدثه احمد بعينيه أن يهدأ ليكمل : ولكنك رفضت حتى لا تغضبين أسعد ، وهاك أنتِ أغضبته ،
تمسكت بحضن أباها الذي حاول أن يديرها لتنظر إلى أسعد فتستجيب بالكاد وأحمد يكمل : انظري إليه سيهدم القاعة والفندق فوق رؤوسنا من شدة غضبه .
رفت بعينيها ليرمقها أسعد بعتاب فتهمس بطفولية أجبرت الحانق أمامها أن يلين: لا أريده أن يغضب .
تنهد أسعد بقوة ليهمس بجدية : من فضلك يا عماه سأتحدث مع جنى قليلا ، ضمها أحمد بحنان ليقبل رأسها وهو يشير بعينيه متفهما لأسعد الذي أتبع - يمنى انظري لغرفة الطعام إذ كان بها أحدهم .
ابتسم بلباقة فهمست أميرة وهي تدفع شقيقتها : نحن قريبتان منك إذا احتجت شيئا .
التقط إشارة شقيقته التي فتحت إليه باب الغرفة فجذبها بلطف إلى الداخل ليغلقها خلفهما بعدما خرجت يمنى ويسحبها إلى حضنه يضمها بقوة هامسا : أنا هنا معك ، لا تستنجدي بأخر غيري.
تمسكت بصدره لتقاوم بكائها بضراوة وهمهمت : فقط أنا .. أنا .
تنهد بقوة وهو يعيد احتضانه لها : لا بأس .. أنا هنا .. أنا معك.
***
هتفت ليلى بتعجب : أين أخوك ؟! اين اختفى ؟!
شاكسها عادل بعينيه : هرب بعروسه فهو لم يعد يطيق صبرا .
نظرت اليه ليلى باستهجان لتقرصه من ساعده بخفة : قليل الأدب ، يا من وقفت تتراقص مع خالتك التي تريد قرص أذنيها هي الأخرى .
تعالت ضحكات عادل ليضمها الى صدره يتمايل بها في مرح : نحن فرحين بأسعد .. وزواج أسعد .. وزفاف أسعد يا لولا .
ضحكت مرغمة لتربت على ساعديه برقة : العقبى لك يا حبيبي ،ابتسم دون رد لتتبع بخفة – وأنت يا ولد لم أكتشف من قبل أنك قليل الذوق .
ارتفعا حاجبي عادل بصدمة فأكملت بصوت ذي مغزى : تركت الفتاة صديقتك التي التجأت لك وتحامت بك بمفردها وذهبت للرقص ، كانت ستنصرف لولا أني تمسكت ببقائها .
رمقها عادل من بين رموشه ليهمس بنفس طريقتها : ولماذا تمسكت ببقائها يا زوجة الأمير ؟
ابتسمت ولم تجب لتدفعه بعيدا عنها : هيا اذهب واصحبها للرقص .
اعتدل عادل بوقفته ينظر إليها بصدمة : ماذا تقولين يا ماما ؟!
دفعته بجدية : هيا اذهب واسمع الكلام ، اصحبها لترقصا سويا كهؤلاء الثنائيات هناك .
رمق ساحة الرقص قليلا ليهمس باقتضاب : هؤلاء ثنائيات من الاحبة .. المخطوبين .. المتزوجين يا ماما .
أجابت ليلى ببلاهة مفتعلة : إذًا ستكون بشرة خير عليك بإذن الله ، ابتسم عادل وآثر الصمت لتدفعه بجدية - هيا اذهب .
هز رأسه نافيا لتتبرم ليلى بنزق قبل أن تنادي بصوت مرتفع : لارا تعالي يا ابنتي .
تمتم عادل برفض : ماما لا تفعلي .
تجاهلته ليلى لتبتسم بود في وجه الفتاة : تعالي يا حبيبتي .
هم بالابتعاد فتمسكت بكفه في حزم وهي تزجره بعينيها قبل أن تبتسم بود في وجهها : تعالي يا ابنتي ، لماذا تجلسين وحيدة ؟ط هيا اذهبي مع عادل وشاركيهم قليلا .
مط عادل شفتيه ليشيح بعيدا بينما ابتسمت لارا برقة : اعذريني يا انطي ولكن .
قاطعتها ليلى بجدية : أعلم يا حبيبتي ، ربنا يصبرك ويجازيك خير ولكن الحزن سيبقى في القلب مهما حدث اما الآن فقاومي وشاركي الشباب وقفتهم ، اتبعت وهي تدفع عادل بحزم – هيا يا عادل اصحبها معك .
ابتسم عادل في وجهها لتتورد وتهمس وهي تطلع إليه بعينيها : لا أريد أن ازعجه .
لكزته ليلى بخفة في خصره فأجاب بلباقة : لا أبدا ، تفضلي .
أشار إليها أن تتقدمه ليستدير إلى والدته بنظرة حانقة قابلتها ليلى بضحكة وعيناها تلمع بتسلية قبل أن تزجره بعينيها في حنق مفتعل لتكتم ضحكتها التي كادت أن تتعالى من حولها قبل أن تبحث بعينيها عن العروسين المختفين فتزفر بقوة وتلتقط عودة أبو العروس فتذهب نحوه وتبتسم برقة في وجهه هاتفة : دكتور أحمد هل رأيت جنى وأسعد ؟!
ابتسم أحمد بلطف : نعم يا هانم ، أنهما يتحدثان قليلا فجنى ارتبكت دون سبب مفهوم .
التمعت عيناها باهتمام لتسأله بجدية : هل حدث شيء ؟
أشار بكفيه : حقا لا أعرف ولكن أعتقد أنها نوبة اشتياق وتردد عادية تصاحب الفتيات عادة ورغبتهما في إلغاء الزيجة من أساسها .
شهقت ليلى بانزعاج لتسأله بسرعة : أين هما ؟!
ضحك بخفة ليجيب : لا تقلقي يا هانم ، الأمر بسيط ، وإذا أردت هما في غرفة الطعام كما أظن ، هاك أميرة ونوران تقفان منتظرين انهائهما للحديث .
أومأت برأسها وهي تتحرك بخطوات متلاحقة رغم ألم ركبتيها لتسأل يمنى التي انتبهت إليها تقف مع ابنتي عم زوجة ابنها : ماذا حدث ؟ هل ضايقها أحدهم؟
تمتمت يمنى سريعا : لا نعلم يا ماما ، فقط حزنت فجأة دون سبب .
برمت ليلى شفتيها قبل أن تتجه نحو الغرفة فتهتف يمنى : انتظري يا ماما أسعد معها بالداخل .
نظرت إليها باستنكار في حين عبست نوران برفض فزجرتها أميرة منبهة ألا تتحدث على الإطلاق قبل أن تهمس أميرة برقة كعادتها : أعتقد علينا أن نتركها مع أسعد قليلا يا انطي فهو من طلب الحديث معها بالأساس .
تأففت نوران بصوت مكتوم لتقف ليلى قليلا ووضح أنها أجلت قرار الاقتحام لتفاجئ الجميع بانها طرقت الباب بطرقات قوية هاتفة بصوت جادي : أسعد .
لتفتح الباب بعد برهة دون أن تنتظر أن يؤذن لها بالدخول .
هتفت يمنى باستنكار : ماما .
لتتمتم نوران بحديث إنجليزي سريع معلنة استيائها فتدفعها أميرة بعيدا وهي تهدر بها في خفوت : اذهبي لعاصم ولا تتدخلي .
فتتمتم نوران بضيق : ما هذا الجنون ؟!
رمقتها أميرة بحنق لتزفر بقوة وتبتعد بالفعل لتقف أميرة تنظر ليمنى العابسة بغضب فتهمس لها باعتذار راق فتشير يمنى برأسها قبل أن تتمتم : معها حق .
كتمت أميرة ابتسامتها ليستمعا سويا إلى صوت ليلى التي هتفت من الداخل : كيف تختفيان هكذا من الزفاف يا أسعد ؟ ماذا حدث يا جنى أخبريني ؟!!
رفعت يمنى حاجبيها بضيق لتبتسم اميرة وتهمس : علينا أن نجاور جنى .
تمتمت يمنى وهي تدفع الباب بحنق : هذا رأيي ايضا .
انتبها على صوت أسعد الجاد : لم يحدث شيء يا ماما ، أتبع بصلابة متعمدا – أردت أن أتحدث مع زوجتي قليلا بعيدا عن الأعين ، وأعتقد أن هذا حقي .
تمتمت ليلى بتبرم : هذا لا يصح وأنت تعلم .
مط شفتيه ليهمس باستياء : يصح أو لا ، لا يهم الهام أني أردت أن اختلي بأمراتي قليلا يا ماما فمن فضلكم اخرجن ثانية لأني لم أنهي حديثي معها .
هدرت ليلى بجدية : أسعد ، لتتبع بحنق – منذ متى تتحدث معي هكذا .
تمتمت جنى برقة : حسنا يا أسعد هيا بنا ، رمقها بنظرة نارية اسكتتها ليرفع رأسه إلى والدته هاتفا بهدوء : من فضلك يا ماما ، اتركينا قليلا وسنتبعك .
نظرت إليه ليلى بعدم رضا فهمت جنى بالحديث ليرمقها محذرا فأومأت أمه أخيرا : حسنا ولكن لا تتأخرا .
ابتسمت أميرة وخفضت رأسها بخجل اعتراها لتهمس يمنى به حينما أشاح إليها بالخروج : أحبك يا سيادة القائد .
ضحك بخفة ليراقبهما تنصرفان فيهتف بهما : لا تقفان بجوار الغرفة استريحا من فضلكما ونحن سنأتي بعد قليل .
خطت أميرة وهي تكتم ضحكاتها لتغمز له يمنى بشقاوة قبل أن تشير بالتحية العسكرية هاتفه بمرح : أمرك يا حضرة القائد .
فتغلق الباب خلفها ليلتفت هو إليها ينظر بعتاب تألق بعينيه فتهمس برقة :لا أريد أن اغضب والدتك يا أسعد .
تنهد بقوة ليهمس وهو يحتضن وجهها ينظر لعمق عينيها : وأنا من الصعب جدا أن اغضبها ولكن هناك ما هو مسموح عندي وغير مسموح وتصرفها في اقتحام الغرفة بهذه الطريقة غير مقبول يا جنى .
ابتسمت برقة لتغمغم بعفوية : إنها تغار عليك وحقها .
ضحك بسعادة ليقربها منه يضمها إلى صدره وهو يخفض كفيه ليحتضن بهما خصرها : وأنتِ؟
تمتمت بصدق : أنا أحبك كثيرا كثيرا ودونك حياتي بائسة .
ضمها إلى حضنه ليريح رأسها فوق كتفه : أنا هنا يا جنى ولن أذهب لا تقلقي فأنا الآخر حياتي دونك لا وصف لها .
القاها بمرح ليقبل جبينها ثانية قبل أن يكح بخفة : هلا انضممنا لهم ثانية .
تمسكت بكفه لتهمس إليه برجاء : هل لازال بقية في الزفاف ؟
رمقها بطرف عينه ليرفع حاجبه بتعجب ويسألها بمشاكسة : هل تتعجلين الانصراف أم أنا يهيأ لي ؟
أجابت بعفوية : بلى ، أريد الانصراف ، فأنا ..
صمتت ليرمقها بتركيز فيشاكسها متعمدا : لا تخبريني أنك تشتاقين لي .
رمقته بعدم فهم تحول لإدراك ليحتقن وجهها بالأحمر القاني لتهمس باستياء : لا طبعا .
تعالت ضحكته ليجذبها من كفها ويدفعها بلطف أن تسير معه للخارج ليهمس إليها مشاغبا : ولكني أفعل .
اشاحت بوجهها بعيدا ليضحك من جديد قبل أن يهمس لها : سأخبر عادل ومازن أننا نريد الانصراف .
أومأت برأسها وهي تحاول أن تسيطر على التوتر الذي انتابها حينما أصبحا وسط الحضور من جديد ولكنها لم تقوى وهي تنظر لكل سيدة وفتاة بالحفل وتتساءل هل هي من تحدثت عنها أم لا؟!!
***
يرف بجفنيه وهو ينظر لها تجلس منذ قليل على طاولة والديه وكأنها تحتمي فيهما منه ، فيبتسم ويشكرها في داخله أنها منحته ، دون أن تدري – حرية النظر إليها مطولا دون أن يكبله شيئا ، فيتأملها بشوق لم يعد يتحمله فكيف يتحمل ذاك البهاء المشع من حولها .. ضحكتها التي تخطف نظره نحوها .. و رقتها التي زادت بدلال دك أطراف حصونه فهدم ما تبقى من تماسكه .
فستانها المحتشم بلون السماء منسدل على جسدها يغلفها بأكملها من أول رقبته المغلقة بقماش التل الكثيف المطرز والذي يغطى صدرها قبل أن يتسع لطبقات كثيرة متهدله من تحت صدرها فتخفي انتفاخ بطنها الظاهر مهما حاولت أن تخفيه ، أو لعله يشعر به فيراه دونا عن الجميع فاتساع فستانها يكاد أن يخفيه فعليا ولكن ليس عن أعينه التي التهمتها بتوق شديد فكاد يشعر بمذاق ذراعيها المكشوفين من شقين طولين في كمي فستانها فيظهران سمرتها من خلال قماش التل المفتوح المزموم عند رسغيها بأسواريتين مضيئتان بلآلئ سماوية يكاد يشعر بأنها تنير عتمة بعاده عنها .
شد خطواته نحوها وهو يشعر بقرب انتهاء الزفاف ليقف بجانب كرسيها دون حديث فيعم الصمت عليهما قليلا قبل أن يسألها بإقرار : هلا انصرفنا ؟ أعتقد انك تعبت اليوم أكثر من المعتاد.
زمت شفتيها قليلا لتجيبه من بين أسنانها : سأنتظر إلى أن تنصرف جنى وسأذهب مع عاصم للاطمئنان عليها .
سحب نفسا عميقا ليهمس بجدية : لن تذهبي مع أحدا غيري ، يكفي الأيام الماضية التي قضيتها في فيلا والدك أو قصر آل الجمال متحججة بجنى ومساعدتها ، أما اليوم ستعودين معي لبيتك.
استدارت إليه تنظر لعمق عينيه قبل أن تجيب بعناد : ليس قبل أن أوصل جنى لبيتها ونسير بزفة سيارات كما المعتاد .
رمقها من بين رموشه : حسنا يا أميرة ، أمرك سنزف ابنة عمك كما تريدين وسنوصلها إلى بيتها أيضا .
ابتسمت ابتسامة حانقة لتدير رأسها ثانية تنظر نحو جنى التي تبتسم بتكلف لم يكن ملازما لها منذ بداية الحفل ، بل إنها كانت سعيدة للغاية ولكن مزاجها انقلب دون سبب مفهوم لها ورغم أن وجود أسعد هدأها نوعا ما إلا أن شحوب وجهها الان ينبئها بحدوث أمر جلل .
زمت شفتيها بتفكير لتبتسم باتساع وهي تشير لنوران برأسها فتتجه الأخرى نحو جنى فتهمس هي بلباقة إلى أسعد الذي اجلس ابنة عمهما : هلا تركتها لنا قليلا ؟
عبس أسعد قبل أن يهتف بجدية : لن تدفعانها للرقص ؟
ابتسمت أميرة لتعبس نوران بغضب و تجيبه بحنق : لا لن نفعل يا حضرة النقيب هلا تركتها لنا قليلا ؟
رفع أسعد حاجبه قبل أن ينهض مبتعدا عنهما فتجلس أميرة إلى جوارها وتقابلها نوران بوقفتها لتسألا سويا : ما بالك يا جنى ؟
ارتعشت ابتسامتها لتهمس بتوتر : لا شيء أنا بخير .
لامستها نوران فتتسع عيناها بفزع : كفيك باردتان كقطعتي من الجليد ، هل تشعرين بالبرد ؟
هزت رأسها نافية لتتمتم : أنا بخير ، لا تقلقا.
رمقتها أميرة قبل أن تهمس بصرامة : اتركيني معها يا نوران
عبست نوران بعدم فهم لوهلة قبل أن يضرب الإدراك عقلها فهتفت بعدم تصديق وهي تنظر لجنى : لا تخبريني أنك خائفة ؟!
رمشت جنى بعينيها لتنهرها أميرة بحدة : أخبرتك اتركيني معها.
زمت نوران شفتيها لتضع كفيها في خصرها : لست صغيرة ثم أنا أقوى على نصحها أيضا .
أغمضت أميرة عينيها بنزق لتلوى نوران شفتيها بضيق قبل أن تهمس وهي تنصرف : حسنا سأبتعد .
التفتت أميرة نحوها وهمست : هلا انتقلنا للداخل ثانية ؟ حتى نتحدث على راحتنا .
تمتمت جنى باختناق : أنا بخير يا أميرة ، فقط توترت مع قرب انتهاء الزفاف.
تنفست أميرة بعمق : ما تشعرين به طبيعي فقط اتركي نفسك لحضرة القائد وهو سيمر بكما ويعبر عبورا استراتيجيا موفقا وناجحًا بإذن الله .
احتقن وجه جنى بالأحمر القاني لترتعش شفتيها أكثر قبل أن تهمس : أصبحت وقحة يا أميرة ، ابتسمت بتوتر وهي تكمل - هل هذا تأثير ابيه احمد ؟
اغتمت عينا أميرة لتهمس بخفوت وهي تخفض بصرها : ابيه احمد تأثيره سيء للغاية يا جانو.
رقت ملامح جنى وعقلها ينشغل بابنة عمها لتسألها : ألا زلتما متخاصمان ؟
ابتسمت أميرة ورفعت رأسها إليها لتهمس بمرح مفتعل : ما لك أنت بخصامي أنا واحمد، فكري في ليلتك وأسعدى بها ولا تدعي نفسك للخوف يا جنى فالخوف سيء للغاية يا ابنة عمي.
أومأت جنى برأسها لينتبها سويا على صوت أسعد الذي تحدث قبل أن يقترب منهما: هلا أستطيع استعادة زوجتي يا هانم فموعد الرحيل قد حان .
ابتسمت أميرة بلباقة وهي تنهض من جوار ابنة عمها التي انتفض قلبها بقوة على لفظ الرحيل الذي استخدمه اسعد بعفوية فيشحب وجهها أكثر وقلبها يختض دون وعي منها ، فتنهض واقفة تسير معه بخطوات ثقيلة وابتسامة باهتة تناوش ثغرها !!
***
أغلق باب البيت أخيرا بعدما ودع والدته التي ظلت متمسكة به تبكي في صدره فيربت على ظهرها بحنو ويقبل رأسها هامسا لها بأن تهدأ محاولا أن يطمئنها عليه وسط تململ عادل وتأففه وضحكات عمار المكتومة ليتبادلا الاثنان النظرات قبل أن يجذب عادل والدته بلطف قدر الإمكان وهو يهتف بها في جدية : بابا يتصل من الأسفل ومل من الانتظار يا ماما ، وتعلمين زوجك حينما ينفذ صبره يغضب هل تريدين أن يغضب سعادة المستشار ؟
مسحت دموعها وهي تحاول أن تتماسك لتهمس بحشرجة : لا طبعا ، صمتت لتتابع منهنهه - ولكني سأشتاق لأخيك .
تمتم عادل بصبر : يا الله يا ولي الصابرين ، ليتابع مهادنا - هو لا يشتاق إلينا ولن يفعل ، انظري إليه يدعو الله متى سننصرف ليغلق ذاك الباب ويَدّعيّ الهجرة حتى لا نقاطعه لا اليوم ولا غدا .
حينها انفجر ضاحكا وعمار الذي جلجلت ضحكاته وخاصة حينما دفعت والدته عادل بضيق ونزق هاتفه بحدة : أنتَ قليل الأدب والحياء ، أغمض عادل عينيه وآثر الصمت فأكملت أمه بجدية وهي تتمسك بحضنه من جديد - وابني حبيبي لا يفكر مثلك هكذا بل هو مؤدب وإذا طلبت منه أن اقضي ليلتي عنده سيرحب بي .
ابتسم أسعد وهم بالحديث ليشير إليه عمار برفض وهو يقترب من والدته هاتفا بها : بالطبع أسعد لن يرفض وجودك أبدا يا حبيبتي ولكن هناك أمر هام غائب عنك ، انتبهت ليلى إليه فأكمل بجدية - سيادة المستشار ماذا نفعل به ؟ هل تريدين يا خالتو أن ننزل له دونك فيقتلنا سويا ويمثل بأجسادنا ؟
هتفت والدته باستنكار : بعد الشر عنكما .
فيهمهم عمار بخفة : حسنا هيا تمنى لسيادة القائد ليلة سعيدة ولنغادر .
حينها ودعته والدته وهي تقاوم رغبتها في البكاء ليحتضنه عادل هامسا بمرح ماكر : ليلة سعيدة يا شقيق ، رمق أخاه بتساؤل فتمتم عادل متبعا - ركز في ليلتك ودعك من كل شيء أخر يشغلك.
أتبع بتفكه وهو يبتعد عنه بمسافة مناسبة : التفكير تأثيره سيء يا أخي العزيز .
حينها اربد وجهه بعبوس غاضب فقهقه عادل ضاحكا وهو يغادر ليغلق الباب خلفه متنهدا استدار للداخل وهو يتخلص من سترته يحملها بكفه بعدما فك رابطة عنقه وفتح أول زرين من قميصه ، توقف أمام الباب المغلق ليسحب نفسا عميقا ثم يدق الباب بدقتين ويفتحه ببطء مطلا عليها ، ارتفعا حاجباه بدهشة فيدلف إليها هاتفا بتعجب فتنهض واقفة بعدما كانت جالسة على طرف الفراش : لم تبدلي ملابسك ؟! هزت راسها نافية ليكمل بتفكه ساخر - ظننت أن أميرة ستساعدك في تبديل الفستان حينما أغلقتما الباب عليكما .
توردت بخجل وهزت رأسها نافية فيقترب منها هامسا بشقاوة سكنت مقلتيه : هل تحتاجين مساعدتي ؟ ضحكت وهي تشيح برأسها بعيدا فيقترب أكثر متبعا بمشاكسة- أي مساعدة ؟
ضحكت لتنظر إليه بعتب فيكح وهو يحتضن خصرها بكفيه يقربها من صدره : هل أترك لك الغرفة حتى تبدلين فستانك ؟!
أومأت برأسها لتهمس بخفوت شديد ووجهها يحتقن بقوة: من فضلك .
عبس بتفكير : من الممكن أن أستخدم غرفة الملابس أو دورة المياه دون أن أترك الغرفة، هزت رأسها نافية باعتراض فيتابع بمرح - ستستخدمينهم الثلاث .
ضحكت برقة و أومأت برأسها إيجابا ليغمغم بإحباط : حسنا سأخرج ، افلتها مرغما وتحرك مبتعدا خطوتين ليعود إليها ثانية يضمها من خصرها ويلصقها بصدره هامسا بشقاوة - متأكدة لا تريدين مساعدة .
تعالت ضحكاتها رغما عنها وهي تفرد كفيها فوق صدره لتهز رأسها نافية فيسألها وأنامله تداعب خصرها بحركات شقية سريعة : أساعدك في فك سحاب الفستان .
قفزت للخلف محاولة الإفلات من ضمته وضحكاتها تزداد صرخت باسمه من بين ضحكتها فقربها منه بعدما توقف عن دغدغتها هدأت ضحكاتها ليبتسم إليها بتوق سكن حدقتيه قبل أن يحني عنقه ينثر قبلاته فوق عنقها .. تجويف رقبتها وهو يهمهم بأنفاس متلاحقة ومشاغبة لم تعتاد عليها منه قبلا وهو يقبلها بين كل جملة والثانية : أفك السحاب .. فقط السحاب .. أين السحاب ؟!
تعالت ضحكاتها وهي تدفعه برقه في صدره مهمهمه باسمه لتتوقف همساتها حينما توغل بقبلاته وكفيه تلامساها بتوق ليتصلب جسدها برفض شعره جيدا حينما داعب أول سحاب فستانها بأنامله فتوقف مستجيبا لعدم رغبتها في مساعدتها وتوقف عن تقبيلها ليتنفس بعمق قريبا من عنقها قبل أن يتراجع مرغما يبتعد برزانة قبل أن يهمس بصوته الأجش : سأحصل على حمامي وابدل ملابسي وأعود هلا استعديت للصلاة ؟
أومأت برأسها موافقة وهي ترجف أمام عينيه فيبتسم لها مطمئنا ويخطو بعيدا عنها تاركا مغادرا الغرفة ومغلقا الباب من خلفه .
تماسكت بصلابة وهي تستعيد حديث أميرة الذي رددته على مسامعها أكثر من مرة لتهمس لنفسها : لن يحدث شيئا يا جنى ، إنه اسعد لن يحدث شيئا أهدأي.
حملت تنورة فستانها وهي تخطو نحو غرفة الملابس ومنها لدورة المياه وهي تقرر أنها ستتناسى هذا الحديث المؤلم وستسعد بليلتها معه .
***
تستلقي بغفوتها التي نالت منها في طريق عودتهما بعد أن أوصلا ابنة عمها كما أرادت ، فأميرة أشعرته – الليلة - إنها تقوم بدور والدة جنى الراحلة فدلفت معها إلى شقتها واختلت بها في غرفة نومها لبعض من الوقت كاد أن يقتحم عليهما المنزل ويأتي بها وخاصة بعدما شعر بتململ أسعد وضحكات عاصم المكتومة والذي زجر نوران ، حينما أوشك أسعد على فقدان تعقله لتأتي بشقيقتها من الداخل فتذمرت الأخيرة وهي تغمغم بان أميرة من طردتها بالأساس لينتهي الأمر حينما وصلوا الكبار فتدلف ليلى والسيدة لمياء وعمة زوجته للداخل فيضعن حافظات الطعام ويعدن للعروسين صينية العشاء قبل أن ينصرفوا جميعا وخاصة مع تجهم أسعد الذي اعتلى ملامحه بطريقة واضحة.
توقف في باحة منزلهما قريبا للغاية من باب الفيلا ليترجل من مقعده يدور حول مقدمة السيارة يقترب من بابها يفتحه بهدوء وينحني ليساعدها على النزول دون أن يوقظها رغم انه يعلم أن نومها أصبح ثقيلا للغاية ولكنه تحرى ألا يقلقها فيحملها ببطء ، صدم للوهلة الأولى من ثقل وزنها الملحوظ ولكنه تشبث بحملها في قوة وهو يخطو بها للداخل يصعد السلم بخطوات متزنة وليست سريعة كالمرات الماضية التي كان يحملها فيها قبل حملها ، نهت بقوة حينما وصل إلى فراشهما فيضعها فيه كالمعتاد يخلع عنها حذائها .. حليها .. ويفك لها رابطة شعرها، تأملها قليلا وهو ينظر إلى فستانها مفكرا بكونها لن ترتاح وهي نائمة هكذا بين طيات التل الكثيرة ليقرر بأن يخلعه عنها.
اقترب منها بخفة يقلبها على جانبها يبحث عن سحاب الفستان ويفتحه تدريجيا قبل أن يقلبها ثانية ويساعدها بهدوء في خلع الفستان وهو يزدرد لعابه مع جسدها الذي ينكشف ببطء أمام عينيه ، اختلجت أنفاسه وخفق قلبه بتسارع وهو ينظر إلى بطنها المنتفخ والذي ظهر بوضوح حينما انقلبت لتنام على ظهرها.
حشرجت أنفاسه فرفع كفه يلامس انتفاخ بطنها برقة وعفوية وعيناه تلمع بانبهار حنجرته التي تتأرجح في جفاف ألّم بحلقه وهو يتحسس بطنها الملساء العارية تحت كفه لينتفض بهلع وهو يشعر بهذه الضربة القوية التي ضربت يده من الداخل فرفع كفه على الفور وتراجع مبتعدا عنها وهو يرفع عينيه إليها على الفور مراقبا ردة فعلها ، ذهل من تغضن جبينها بألم طفيف قبل أن ترفع كفها وتمسد موضع الضربة وهي تصدر صوتا رافضا وكأنها تهدا ذاك الغاضب بداخلها.
شعر بقلبه يرفرف حينما مطت شفتيها لتهمس بكلمات غير مترابطة وهي تنقلب على جنبها توليه ظهرها ويدها تمسد بطنها بتتابع كأنها معتادة على ذلك . صوت رافض آخر صدر منها ولكنه أعلى من ذي قبل لترمش بعينيها وهي تحاول أن تستيقظ هامسة بعتاب : أعلم بأني لم أتناول الطعام جيدا اليوم ولكن أهدأوا قليلا فأنا غفوت مرغمة .
تأوه خافت صدر منها مصحوب بترتيبه حانية : حسنا جميعكم اتفقتم على إيقاظي ها أنا استيقظت يا أحباب ماما ، ماذا تريدون منها ؟
لم تكن بكامل وعيها بل لم تدرك وجودها بفراشهما ولا جسدها العار من فستانها إلا عندما صدح صوته الرخيم الذي اخترق ذهنها هاتفا بصوت مفعم بعواطفه : كم طفل تحملين يا أميرة؟
انتفضت بخفة ووعيها يعود لها بأكمله لتنظر من حولها فتدرك أين هي وماذا فعل بها لتسأله بغضب : هل خلعت عني فستاني ؟
تمتم بجدية : كم طفل تحملين يا أميرة ؟
تمتمت باختناق : لا شأن لك ثم اتفاقنا كان واضحا فأنا طلبت منك أن لا تقترب مني .
تمتم بغضب حسر عواطفه ومشاعره نحوها ليحتل ساحة عقله : كنت ابدل لك ملابسك ، ثم إذ لم يكن شأني فهو شان من ؟! أتبع بصرامة - أنا أبو أطفالك يا أميرة لا تنسي هذا قط .
هدرت بحدة وهي تعتدل جالسة تسحب الغطاء فتستر عري جسدها : لقد تنازلت عن حق الأبوة حينما غادرت وتركتني .
هدر بتصميم وهو ينتفض واقفا أمامها يسحب الغطاء من بين كفيها وكأنها أشعلت فتيل جنونه بحركتها العفوية التي أوشت له بغربته عنها : حقي لا يسقط بعدم وجودي يا أميرة ، فحقي الأبوي سيظل موجود مهما حدث والآن أخبريني كم طفل تحملين فحديثك معهم ينم عن أنهما ليسا اثنان كما توقعت.
رفعت رأسها بشموخ وعيناها ترتفع تنظر اليه وهي تعتدل جالسة على طرف الفراش وكأنها ستغادره : نعم هما ليسا باثنين ، نظر لها بترقب فاتبعت بثبات - بل ثلاثة .
لانت عيناه بحبور ليغمغم بعدم تصديق وهو يسقط على ركبتيه أمامها : يا الله .
أكملت دون اهتمام وهي تبث القسوة بأوردتها فلا تلين لفرحته الحقيقية التي ومضت بعينيه : فتاة وطفلان سيأتيان بإذن الله متشابهان كعمر وعبد الرحمن أما الفتاة متفردة بذاتها .
نطق بصوت اعلى وهو يقترب منها ينظر لبطنها بصدمة ألمت به : يا الله .
أشاحت بوجهها بعيدا ودموعها تغلق حلقها فيقفز مقتربا منها يمنع عنها الحركة وهو يحتضن بطنها المقابلة لوجهه بكفيه شهقت بمفاجأة لم يهتم بها وهو غارق في عالمه مهمهما : يا الله يا كريم .
رفع عينيه الفرحتين ينظر لها غير مصدقا ومتبعا بتساؤل سعيدا : حقا ؟! متأكدة ؟! هم ثلاث ؟! بهم فتاة ؟!
مع كل سؤال كانت تهز رأسها بالإيجاب فتتسع عيناه بانبهار أكثر ويومض الفرح بملامحه أكثر ليحني عنقه فجأة ويقبل بطنها قبلات كثيرة متتالية هاتفا بسعادة : يا الله .. يا الله .
ابتسمت رغما عنها لتبكي بدورها وهي تشعر بدموعه التي أغرقت بطنها العارية قبل أن يضمها بذراعيه من خصرها يدفن رأسه فوق انتفاخ بطنها ويهتف بصدق : أنا آسف يا أميرة .. آسف ، أعتذر منك .. أعتذر لمغادرتي .. أعتذر لهروبي .. أعتذر عن كل ما فعلت وضايقتك به ، شد جسده ليضم وجهها بين راحتيه ويهمس بانفعال ولهفة وتوق ومض بعينيه فيقر بصدق عصف بأوردتها – أنا أحبك يا أميرة أنتِ عالمي .. دنياي .. أميرتي .. ومليكة قلبي ، لا تبعديني عنك ، دونك لا أقوى على الحياة أو العيش ،
أتبع برجاء مس شغاف قلبها وهو يؤسر عيناها بنظراته العاشقة : ضميني إليك يا أميرتي يا حبيبتي.
استجابت إليه على الفور حينما جلس مجاورا لها ليغمرها بقبلاته التائقة .. الشغوفة .. الحانية التي انتثرت فوق ملامحها قبل أن يلتقط شفتيها في قبلة طويلة استولت على أنفاسها ليتركها أخيرا بعدما أنّت مطالبة للهواء فتدفعه بعيدا برقة ودلال ولكنه تمسك بها ضمها إلى صدره مغمغما بجانب أذنها : اشتقت إليك يا أميرتي ، أرجوك لا ترديني خائبا .
لم تدرك بأول الأمر فحوى حديثه لتشهق بإدراك وكفيه تجتاحان جسدها فامتلك أحاسيسها بفورة مشاعره التي فاضت من سده العال وأغرقت جفاف أرضها .. روت شقوق روحها .. وعالجت تيبس قلبها فغرقت بفيض عطاءه واستجابت لمنح نهره واستكانت بالأخير لهدير روحه التي أبلغتها بقوة عشقه وتمسكه ببقائها معه.
***
أوقف سيارته خلف سيارة حماه التي سبقته يحمل بها زوجته وابنته الصغرى لتبقى هي معه في السيارة صامتة كعادتها منذ أن التقاها أول الليلة ، لقد هرع إليها حينما وصلت مع عائلتها بعدما بدأ الزفاف بقليل من الوقت فقابلته بابتسامة لبقة وحديث رزين لم يستطع أن يستشف منه شيئا لتنزوي بجانب والدتها بقية الحفل فلم يستطع الاختلاء بها ، على عكس شقيقتها التي انصهرت بين أصدقائها المدعوين من قبل مازن ، فهو وخديجة يملكان أصدقاء مشتركين كثيرا فيما بينهما ، زفر بقوة وهو يلتفت إليها ينظر لها مليا يشعر بقلبه يوغر داخل صدره ووخزة قوية تؤلمه ، فصمتها يوتره .. وهدوئها يقلقه .. وابتعادها يخبره بأن ما تحمله من رد لن يعجبه ، سحب نفسا عميقا ليهمس باسمها في خفوت فالتفتت إليه تبتسم برقة قبل أن تهتف به : وصلنا ؟!! أومأ برأسه إيجابا لتتابع بجدية – حسنا تعال معي للأعلى ، فليس من اللائق أن نتحدث هنا .
ابتسم بتوتر وأجاب بمراوغة يريد تأجيل ما ستخبره به : الوقت متأخر يا رقية ، سأمر عليك غدا بإذن الله .
رمقته قليلا قبل أن تبتسم فيضيق عينيه بعدم فهم لابتسامتها التي أشرقت وجهها لينتبه على دقة هادئة على نافذة سيارته فيلتفت نحوها ليترجل من سيارته سريعا حينما التقط وقوف حماه بجانب السيارة مهمها باعتذار : المعذرة يا عماه ، حالا رقية ستصعد معكم .
ابتسم محمود برزانة ليربت على كتفه بدعم وصله جيدا من نظرة عينا الأكبر سنا : صف سيارتك جيدا واصعد أنت الآخر معنا ، فأنا أريد الحديث معك .
ازدرد لعابه ببطء ليمأ برأسه على الفور : أمرك يا عماه ، ابتسم محمود وسبقه بخطواته ليلتفت ينظرها نحوها بتساؤل فتبتسم بوجهه باطمئنان بثته إليه بعينيها فيلامس مفتاح سيارته لتتحرك السيارة وتصف نفسها بنفسها ثم يشير إلى رقية أن تتقدمه فلا تستجب ، بل ظلت في مكانها إلى أن اقترب منها فتأبطت ذراعه في مبادرة أولى منها وهي تهمس له : أعددت الكعك الذي تفضله فأنت كما توقعت لم تأكل جيدا بالزفاف .
نظر إلى مرفقه المحاط بكفيها في حميمية لم تقرها بينهما من قبل ليسألها بصوت أجش : رقية؟!
أسبلت جفنيها لتهمس بخفوت وهي تدلف بجواره إلى مدخل البيت الخاص بعائلتها : نعم .
سحب نفسا عميقا ليدفعها بلطف للخلف يلصقها بالحائط خلفها يشرف عليها من علٍ وكفيه يحاوطاها ، جسده متراجع عنها بمقدار طول ذراعيه وعيناه تلتهماها بنفاذ صبر ، همس بأنفاس متلاحقة : أخبريني إن ما اشعر به صحيحا .
ابتسمت برقة لتهمس وهي تتحاشى النظر إلى زرقاويتيه : وبماذا تشعر يا عبده ؟
اتسعت ابتسامته لتنقلب إلى ضحكة خافتة فيجيبها مهمها وهو يقترب منها بعفوية : لا أقوى على التصريح الآن .
أفلتت من تحت ذراعه بخفة لتنظر اليه مؤنبة : بابا دعاك للبيت .
اشتعلت زرقاويتيه ليتبعها بخطوات متلاحقة رزينة في مجملها : وانا لبيت الدعوة ولكن قبل أي شيء أريد أن نتحدث .
تنهدت بقوة وهي تسبقه بخطواتها تنظر إليه من الأعلى : بالطبع سنفعل ، فقط تعال .
خطى يتبعها ليدلف من باب الشقة فتشير إليه نحو غرفة الصالون المعتاد أن يجلس بها ليكح بخفة وهو ينظر إلى حميه الجالس بالداخل ومن الواضح انه ينتظره ليهمس بجدية : تعال يا عبد الرحمن ، أدخل وأغلق الباب ، تصلب جسده بعنفوان ليطيع بهدوء فيتابع محمود بجدية – اجلس يا بني .
تنفس بعمق وهو يقابل حماه بجلسته فيبتسم محمود بحنان وهو يحدثه بنبرة لينة : رقية أخبرتني عم أخبرتها به .
رف بعينيه كثيرا لينظر لمحمود متسائلا دون حديث فيبتسم محمود مرغما ويهمس : هل تتوقع أني لا أعلم ماذا يحدث بمشفاي يا باشمهندس ؟! هل تظن أنك وعادل من تتعاونا مع الأمن والأجهزة السيادية بالبلد ، ألم تفكر ذات مرة لماذا نحن المشفى المدني الوحيد الذي تلجأ إليه قوات الأمن في الحالات الخطرة ؟
احتقن وجه عبد الرحمن فأصبح احمراره ظاهرا بوضوح ليكمل محمود بهدوء : المشفى بإدارته تتعاون مع قوات الأمن ، ولدينا برتوكول منصوص بيننا ، رغم أني اعتب عليك أنك لم تخبرني من قبل .
قاطعه عبد الرحمن بجدية : اعذرني يا عماه كنت سأفعل حينما أخبرت رقية المرة الأولى ولكنها هي من ..
صمت لا يعلم كيف يصيغها فضحك محمود بخفة : أعلم هي من رفضت وأخبرتك أن أسرارك الخاصة شانكما سويا ، أومأ عبد الرحمن برأسه ليتبع محمود – ولتعلم هذه المرة لم تكن لتخبرني أيضا ولكن أنا من ألحيت عليها ، وخاصة حينما وجدتها تبكي ليلتين متتاليتين .
لانت ملامح عبد الرحمن بلهفة ومضت بعينيه وضيق كسى ملامحه ليكمل محمود بثرثرة حانية : وهذا أمر غير متعارف عليه عن رقية ، فرقية قلما ما تبكي ، بل هي قوية .. صامدة من الممكن أن تضيق .. تَحنق .. تصارخ لكن تبكي ، ليس أمرا شائعا عنها ،
عبس محمود بتفكير ليكمل بثرثرة : لم يحدث إلا مرة واحدة كانت صغيرة واحدهم ضايقها وأخبرها أنها لا تشبه البقية مشيرا لأصول عائلتي غير القاهرية ، بطريقة أشعرتها أنها أقل من أقرانها .
تصلب جسد عبد الرحمن ليهمهم بصوت مختنق : من الممكن أنه كان يمدحها ولكنها أخذت حديثه بمعنى سلبي لم يكن يقصده .
قهقه محمود ضاحكا ليتمتم بمرح : إذًا هو أنت كما توقعت ، هي لم تصرح بذلك حينها ولكني توقعت أنه أنت .
مط عبد الرحمن شفتيه ليغمغم ببرود إنجليزي لم يظهر غيطه : ألم تخبرك أنها نعتتني بالأجنبي وأشعرتني أني غريب ولم تكن المرة الأولى ، تعالت ضحكات محمود من جديد ليهز رأسه نافيا ليضحك عبد الرحمن مرغما قبل أن يتابع – ولعلم حضرتك أنا كنت أقصد المعنى الإيجابي فعلا فرقية ..
ومضت عيناه بزرقة قانية أجبرت محمود أن يكح بخفة فيخفض عبد الرحمن عينيه لوهلة قبل أن يبدل حديثه هاتفا : وهاك أنت عرفت يا عماه ، ما قرارك ؟ والأهم – ولا تؤاخذني فيم سأقوله الآن- ما هو قرار رقية ؟
زفر محمود بعمق ليجيبه بهدوء : قراري أنا لا أبدله يا باشمهندس ، كلمتي لا أعود فيها ، ونظرتي لك لم تتغير بل زادت فخرا وحبا ، ابتسم عبد الرحمن وعيناه تومض بفرحة حقيقية حطت بقلبه ليتابع محمود بهدوء – أما قرار رقية افضل أن تخبرك به بنفسها فهي لديها بعض الحديث تريد أن تتحدث معك فيه ، أعتقد إنكما تستطيعان إنجازه وأنتما تحتسيان الشاي وتأكلان الكعك الذي أعدته لك صباحا .
ابتسم عبد الرحمن وأومأ براسه متفهما : لن أتأخر يا عماه .
هتف محمود وهو يغادر الغرفة : ما ستتفق عليه مع رقية أنا موافق عليه فلقد تحدثت مع ابنتي قبل أن تتخذ قرارها .
رمق خطوات محمود المغادرة ليعتلي التفكير ملامحه إلى أن أقبلت عليه تحمل صينية متوسطة الحجم فانتفض واقفا يحملها منها ليضعها على الطاولة ويظل واقفا ينظر اليها من علٍ قبل أن يهمس بصوت أجش مختنق : كم أتمنى الآن أن تكوني حلالي .. زوجتي .
ابتسمت برقة لتهمس بخفوت وهي تشير إليه بالجلوس فلا يفعل إلا حينما جلست فيتحرك ليجاورها : لماذا ؟
تنهد بقوة ليجيب بهدوء : لا أقوى على الإجابة الآن ، توردت بعفوية ليتابع وهو يزيح عيناه عنها قصرا – عمي أخبرني أنك تريدين الحديث معي وأنا كلي أذان مصغية .
أومأت برأسها لتسحب نفسا عميقا فشعر بأنها ترتب أفكارها قبل ان تعدد بعملية : أولا أنا لم أخبره من تلقاء نفسي فأنا لن أفشي سر يخصك أبدا ، أومأ برأسه مستحسنا لتتبع – ثانيا أنا عاتبة عليك ،
تألق الاهتمام بحدقتيه فأكملت : كيف تخيرني هكذا يا عبد الرحمن ؟ كيف تشكك بي من الأساس ؟ كيف تظن أني سأتركك لأجل أمر كهذا ؟
تنهد بقوة ليجيب : لم أفعل أبدا ولكن حقك علي أن أصارحك يا رقية .
أومأت برأسها برزانة : وأنا تفهمت وخير فعلت أنك صارحتني لأكون حذرة عليك أكثر .
ابتسم بفخر ومض بزرقاويتيه ليسألها بخفوت : كيف ؟ هل ستقومين بحمايتي ؟
أجابته بحمية : إذا اقتضى الأمر سأفعل .
اقترب منها بجسده تلقائيا وهم باحتضانها فهمست باسمه في عتاب ليتراجع ثانية يزفر بقوة لتهمس بضحكة أنثوية رائقة : ثالثا متى سنعقد قراننا ؟ أم أن أمر الخطبة يروق لك .
تطلع إليها في صدمة سرعان ما تداركها ليهمس بجدية : أنتِ لا تمزحين يا رقية ؟!!
هزت رأسها نافية لينهض واقفا هاتفا بتعجل : آت بالمأذون الآن .
ضحكت بانطلاق كما لم تضحك من قبل فتتعلق عيناه بها في هيام واضح ليكح بخفة متمتما بصوت أجش : أعتقد إن علي الانصراف الآن فإذا بقيت أكثر من ذلك لن أكون مسئول عن أفعالي .
ضحكة أخرى انطلقت من بين شفتيها ليتحرك بالفعل خارج الغرفة يقف قريبا من بابها يخفض بصره حتى لا ينظر لشيء ليس مسموح له رؤيته وينادي بصوت جاد وحزم كسى ملامحه : دكتور محمود .
رفع عيناه حينما انتبه لاقتراب حميه الذي أجابه : نعم يا عبد الرحمن ، هل حدث شيئا ؟ هل تشاجرتما ؟ استبعد الاحتمال الأخير عندما نظر من خلال الباب لابنته الضاحكة فاتبع سائلا – ما الأمر ؟
تنفس عبد الرحمن بقوة ليجيبه أخيرا : اسمح لي سآتي بوالدي وعائلتي والمأذون لنعقد القران غدا والزفاف سيكون في مطلع الربيع إذا سمحت لي .
ابتسم محمود برزانة ليرمق سائلا ابنته الجالسة مكانها لم تتحرك فتمأ برأسها موافقة فيجيب وهو يربت على ذراع عبد الرحمن : على بركة الله ، سننتظركم غدا .
تمتم وهو يصافح حماه : بإذن الله يا عماه ، تصبح على خير .
ارتفعا حاجبي محمود بدهشة ولكنه ودعه ضاحكا ليعود لابنته المتوردة بخجل ليسألها بصوت ذو مغزى : لم يأكل الكعك ؟!هزت رأسها نافية وهي تخفض بصرها بحياء ظهر في احمرار وجهها القاني فيقترب منها محمود يجبرها على الوقوف أمامه يرفع وجهها نحوه ينظر لعينيها متسائلا - متأكدة من قرارك يا رقية ؟
أومأت برأسها : نعم يا بابا ولن أتراجع عنه .
ابتسم بفخر ليضمها إلى صدره بحنان أبوي : وأنا معك يا ابنتي دائما وأبدا .
***
يقبلها قبلات متتالية كثيرة مستغلا عتمة المكان الذي اتخذه ليصف به سيارته في حديقة قصر عائلته الخلفية تتهدج أنفاسهما سويا ، يتبادلان النظرات التائقة قبل أن يعود لها ينهل من عبير أنفاسها ملتهما ضحكتها الماكرة التي زينت ثغرها ليعض طرف شفتها العلوية بلطف فتتأوه وهي تدفعه بغلظة في كتفه متمتمه بدلال : توقف يا عاصم ، أصبحت شرس .
زمجر بصوت مشابه لصوت الأسد قبل أن يقربها منه ثانية : أنا اعشق البرية معك يا برتقالتي، ضحكت برقه وهي تعود بجسدها لظهر الكرسي فتستند عليه بدلال تتلقى نظراته الوامضة برغبته الجلية فيها فيصدح صوته هاتفا بإقرار - أريد إتمام الزواج يا نوران .
اعتدلت بجلستها تنظر له بتساؤل : كيف ؟! ليشحب وجهها متبعة - الآن ؟!
ضحك بمكر ليجذبها من كفها القريب يقربها منه هامسا : كم أتوق لأن نفعلها سويا الآن وخاصة وأن زفاف اسعد فعل بي الأعاجيب ولكن لا ليس الآن يا ابنة عمي الحبيب فأنت تستحقين زفافا ملكيا سأعده إليك بنفسي.
ابتسمت بسعادة ومضت بزيتونيتها لترفع كفها تلامس وجنته براحتها تضم طرف فكه بتمهل قبل أن تلامسه بطرف سبابتها في رقة وصولا لثغره اللامع بابتسامة جذابة تحبها فتمرر إبهامها عليه وهي تنظر نحوه بعشق تفجر من عينيها ثم تهمس بصوت أبح اثقل قلبه بمشاعرها التي انتقلت إليه مع همستها الدافئة : أنا أحبك يا عاصم .
احتضن وجهها براحتيه في رد فعل عفوي ليلتهم تصريحها الخارج من ثغرها المنفرج بإغواء منهكا رئتيها بقبلة لم يرد لها أن تنتهي ولكنه بالأخير تركها قبل أن ينفلت زمام سيطرته ليجيبها بصوت أجش : وعاصم يعشقك يا برتقالته .
أسندت وجهها لتجويف عنقه فدفنت أنفها به لتشمه كعادتها ، كالقطط المتخمة بدلال لتطبع قبلة دافئة داخل تجويف عنقه فيكح بخفة وهو يبتعد بتلقائية حث نفسه عليها حتى لا يضيع بفيضان مشاعرها الذي يكاد أن يغرقه ليسألها بمرح ماكر : بمناسبة البرتقال ، كيف حال برتقالتي ؟! أتبع بغمغمة ماكرة - لم أحصل على فرصة مناسبة اليوم لأطمئن عليها بنفسي بل ليس اليوم فقط بل منذ الأسبوع لا أقوى على أن اسلم عليها كما احب ،
اكمل بحنق مفتعل : هذا الزفاف خسرني كثيرا فأنت منشغلة عني وبرتقالتي لم تشتاق لي ولا إلى سلامي .
مطت شفتيها لتجيبه بعناد : ولن تشتاق .
ومضت عيناه بمكر : كاذبة .
ابتعدت لا إراديا للخلف وهي تلتصق باب السيارة ورائها هامسة بحنق : لا لست أكذب وأحذرك من أن تقترب مني سأصرخ وآتي ببابي وحينها أخبره عن أمر البرتقال هذا.
هز كتفيه بلا مبالاة : حسنا على راحتك لن اقترب ولكن أنا متأكد أن برتقالتي حبيبتي تشتاق لي ولسلامي عليها .
نهرته بحدة و وجنتيها تتوردان : توقف يا عاصم .
همس بعدم اهتمام : حسنا سأفعل ولكن لتعلمي أني لا أصدقك .
عبست بغضب لتضرب قدمها في أرض سيارته بحنق طفولي : أنا لست كاذبة .
هز رأسه بحركة غير مفهومة ليهمس بخبث : إذًا لنتأكد .
ارتفعا حاجبيها بذهول سرعان ما تداركته لتهمس من بين أسنانها : لا لن نتأكد وإذا كنت لا تصدقني فهذا شانك أما أنا أدرى بنفسي وأخبرك أنها لا تشتاق لك ولا لسلامك .
تجهمت ملامحه ليهمس بصوت غاضب : حسنا على راحتك أنت وبرتقالتك ، هيا غادري سيارتي واتركيني أعود لأمي لتدللني وتطعمني فأنا جائع.
نظرت له بصدمة لتهتف بعصبية : لماذا لم تخبرني أنك جائع منذ أن وصلنا وأنا كنت أعددت لك الطعام وأطعمتك .
لوى شفتيه حانقا : هاك أنا أخبرك وأنت ترفضين إطعامي .
دافعت عن نفسها بضراوة : لا أنا لم ارفض أبدا إطعامك .
التفت إليها يناظرها بجدية شكلت ملامحه ليسألها بهدوء : إذًا أنتِ لا ترفضين إطعامي ؟
هزت رأسها نافية لتؤكد نفيها بقولها الجاد : لا طبعا .
ابتسامة ماكرة شكلت ثغره فجعلتها تترقب ما سيفعله لتصرخ بمفاجأة رغم عنها حينما جذبها إليه بقوة فتجد جذعها نائما فوق صدره العريض ليدفعها بلطف من أسفلها ويحملها إليه وهو يعيد كرسيه للخلف فيصبح جسدها فوق جسده ، استقام بساقيه وهو يعدل من وضع جلستها فوقه لتصبح ساقيها محاوطة خصره قبل أن يهمس بصوته الأجش : أطعميني .
ضحكت برقه لتهتف وهي تلكزه في كتفيه بلطف : أرعبتني ، لماذا لما تخبرني أن آتي وأجلس فوق ساقيك بدلا من كل هذا ؟
عبس بتساؤل وكفيه يلامسان جانبي فخذيها من الخارج : كنت ستفعلين ؟
هزت رأسها نافية : لا طبعا .
ضحك بخفة ويديه تصعد لأعلى احتضن خصرها بهما هامسا : نوران ؟! همهمت وهي تنظر له باستفهام فاتبع بخفوت - أريد أن نتمم الزواج .
عضت شفتها السفلية بخجل : وأنا موافقة حدد موعد الزفاف مع أبي فأنا اشتقت لغرفتي التي سلبت مني .
تمتم وهو يدفعها لتميل فوقه فتتوسد صدره ثانية وكفيه تمسدان ظهرها بحنان : ستصبح غرفتنا سويا .
تمتمت وهي تحتضنه بقوة : نعم ستكون غرفتنا سويا .
تمتم بصدق : سأشتاق إليك في سفرتي ولكني لن أتأخر سأعود على الفور لأباشر إعداد الزفاف بنفسي .
رفعت وجهها لتنظر إليه وهي تستند بطرف ذقنها فوق أضلعه : ألا يوجد بديلا لسفرك يا عاصم؟!
هز راسه نافيا : يا ليت أجد من يسافر مكاني ولكن لابد من ذهابي لحضور ملتقى المعمارين ثم الإتفاق مع الوكيل الرسمي لنا بدبي لأعرج على لندن قبل أن اذهب لألمانيا لأتمم اتفاقية الماكينات الجديدة لمصنع الحديد .
لامست صدره براحتيها : ستتأخر ؟
أجابها وأنفاسهما تكاد تتعانق : سأحاول أن افعل .
تمتمت برقة : سأشتاق إليك .
أجابها وهو يقبل طرف ثغرها : سنمضي الثلاث أيام القادمة معا حتى أذهب .
استقبلت قبلته الحانية لشفتيها وإجابته : بالتأكيد .
ابتسم بمرح أضاء عينيه وهو يقبض عليها من الخلف مستغلا استكانتها فوق صدره : لتعلمين فقط أنك كاذبة .
شهقت برفض التهمه بشفتيه اللتين أطبقتا فوق ثغرها فمنعها عن الصراخ وهو يلامسها كما يتوق حتى دفعته بكفيها في كتفيه بقوة آلمته ليتركها أخيرا وهو يتأوه ضاحكا لترتد بقوة للخلف تعود لكرسيها هاتفه بحنق : أنت وقح وقليل الأدب وانا أخاصمك .
ألقتها واندفعت تترجل من السيارة تعدل من وضع فستانها وتلف كتفيها بفرو أبيض يليق بفستانها ليكتم ضحكاته التي كادت أن تجلجل حتى لا يجذب انتباه أحد لوجودهم في هذا الليل الساكن من حولهما قبل أن يترجل بدوره يهتف باسمها في خفوت : توقفي يا مجنونة لن استطع اتباعك .
التفتت إليه تهدر به : أعلم ولذا لن أتوقف غادر وعد إلى أنطي ياسمين لتدللك وتطعمك .
ألقتها بسخرية أثارت ضحكاته التي كتمها بجوفه قبل أن يجيبها : لقد شبعت .
التفتت تنظر له بغيظ دون رد فيتابع - سأمر عليك غدا ، فانا سأذهب للمصنع ولن آت الشركة .
أشاحت براسها : أنا أخاصمك .
لعق شفتيه ليهمهم : سأصالحك تصبحين على خير يا برتقالتي .
لم تعره اهتمامها وابتسامتها الهانئة تزين ثغرها إلى أن دلفت من بوابة باب قصر عائلتها وهي تعلم أنه يراقب دخولها قبل أن يتحرك بسيارته ليغادر فتبعث له رسالة مرئية سجلتها وهي بطريقها لغرفتها : وأنتَ من أهل الخير يا قلب البرتقالة .
***
يتضحكان بسيارته التي أوقفها أمام بوابة بيتها الأنيق ذو للدور الواحد بحديقته الصغيرة وشكله العصري .
فتمتمت برقة : شكرا يا سليم الليلة كانت رائعة ومبارك لابن عمتك
ابتسم برزانة : بارك الله فيك ، سعيد بأنك استمتعت في حفل الزفاف
اتسعت ابتسامتها : استمتعت للغاية.
تصبح على خير ألقتها وهي تهم بالنزول من السيارة ليتصلب جسدها بضيق شعره وهي تنظر للبيت الواقف بجواره فسألها بعدم فهم : ما بالك يا جيجي ؟!
تمتمت بضيق : الكهرباء منقطعة ، عبس بعدم فهم فاتبعت شارحة وهي تشير لبيتها - الكهرباء منقطعة انظر البيت يغرق في الظلام الدامس وحتى الحديقة مظلمة .
رفع حاجبيه بصدمة سرعان ما انقلبت إلى ضحكة مسليه حينما همست برقة : لو سمحت يا سليم هلا صحبتني لأي فندق سأقضي فيه ليلتي.
اعتلى التعجب جبينه ليسالها : لهذه الدرجة أنتِ تخشين الظلام ؟!
عبست بتوتر داهمها : نعم ولأبعد من هذه الدرجة ، وخاصة إذا كنت وحيدة.
ضحك بخفة ليهتف بها : حسنا هيا انزلي ،
اهتزت حدقتيها برفض : لا لن افعل .
نظر لها معاتبا ليردد بجدية حازمة : هيا انزلي سأرافقك .
بللت شفتيها واستجابت له حينما ترجل من سيارته ليدور من حولها يفتح لها الباب ويجذبها بلطف : هيا تعالي .
تملصت من كفه : أنا خائفة يا سليم و أرجوك لا تهزأ بي .
ضحك بخفة ليقربها منه هامسا بصوته الرخيم : لا تخافي وأنا معك .
ومضت عيناها بنظرتها الهائمة قبل أن تمأ برأسها في طاعة وهي تجاوره سيرا فيلامس هاتفه ليخرج منه نورا منبثقا واسعا يضيء ما حولهما فيهمس لها : هيا افتحي الباب ولا تخافِ أبدا لن أتركك إلا حينما تأتي الكهرباء.
ابتسمت بامتنان : شكرا يا سليم .
اتبعها للداخل ليقف ببهو البيت الواسع فتشير إليه نحو جلسة عصرية أنيقة تقابل المطبخ على ما يبدو : تفضل .
لم تتحرك من مكانها إلا حينما صحبها بالفعل للداخل ليسألها بجدية : هل لديك شمع الكرتوني نشعله إلى أن تأتي الكهرباء
أجابته سريعا : بالطبع لدي ولكن بدورة مياه غرفة نومي فأنا أحب أن أشعله وانا أحصل على حمامي العطري .
جف حلقه وخياله الخصب يرسم إليه صورة مجسمة لما تقوله ليهمس بصوت أجش : حسنا آتي به .
ترددت خطواتها ليضحك بخفة وهو يشير إليها أن تتقدمه فيتبع خطواتها دون أن يفرط في الابتعاد ، تألقت عيناه بوميض سريع عندما وقعت عليها من أخمص قدميها اللتين جردتهما من حذاءها العالي منذ أن دلفت إلى البيت .. ساقيها العاريتان حتى أول فخذيها اللذين التفا في قماش فستانها الصوفي بلونه الوردي الباهت والمتسع من الأسفل ليُزم عند خصرها بحزام من العقيق الملون قبل أن يتسع فوق جذعها بشكل مثلث مقلوب مفتوح بسبعة طُرزت بنفس أحجار العقيق ولكن بحجم اصغر يماثل الأحجار التي زينت كمي الفستان الواسعين لدرجة أنهما كانا ينزحا للخلف كلما حركت ساعديها.
اختنق حلقه وهو ينظر لظهرها المنكشف قليلا من خلال السبعة الأخرى بظهر الفستان والتي لم تطرز كمقدمته فتركت لون الفستان يمتزج مع بياضها اللامع بشقرة مميزة ، خصلاتها القصيرة مرفوعة فتكشف عن وشم عنقها الذي اكتشف للتو وعلى ضوء هاتفه الخافت أنه موشوم باسمه كاملا.
اتسعت عيناه ليقترب منها على حين غفلة يسألها وذراعه تلتف حول خصرها فيلصق ظهرها بصدره : هل وشمت اسمي على أخر عنقك يا جيجي ؟!
شهقت بخوف لتستدير و تنظر إلى عمق عينيه : أنه رسم بالحناء ولكنه يشبه الوشم قليلا ولكنه حناء ، رفت بعينيها وهي تقابل انصهار اللون العسلي بمقلتيه فهمست متبعة بخفوت - هل أعجبك؟
ثقلت أنفاسه فجأة قبل أن يحني عنقه إليها دون مقدمات فيلتقط ثغرها في قبلة لم تكن الأولى بينهما ولكنها كانت الأشد جموحا من كل القبل التي تبادلها من قبل فتعمق بمذاق شفتيها التي التهمها بتوق شديد وجسده يتصلب بفورة مشاعر سحقت تعقله واتزانه فوقع هاتفه أرضا عندما دفعها للخلف يريد أن يلصقها بالحائط الذي اكتشف أنه باب الغرفة الذي فُتح فاندفعا سويا للداخل وهو لا يقوى على إفلاتها بل إن قبلاته التي تناثرت فوق وجهها .. عنقها .. نحرها وكفيه تلامسها بشغف قضى على ما تبقى من زمام أمره الذي انفلت وهو يكتشف بواطن أنوثتها برعونة أجبرتها على أن تشهق بخوف تملكها فتوقف مجفلا وهو يلهث بأنفاس متلاحقة وضربات قلبه تقرع داخل صدره .
همهم باعتذار راقي وهو يضمها إليه ثانية يقبل جبينها فتشد جسدها نحوه وتقف على أطراف أصابع قدميها لتصل إلى جانب ثغره تقبله برقة هامسه بخفوت : أنا أحبك يا سليم.
وكأنها أشعلت فتيله من جديد فالتقط شفتيها ثانية في قبلات متمهلة .. راغبة .. متواصلة قاطع استمرارها الكهرباء التي أتت فأنارت الغرفة من حولهما مبددة الهالة التي جمعتهما لقليل من الوقت فتوقف مرغما وهو ينظر بطرف عينه إلى الغرفة من حوله ليشعر بها تتمسك بصدر قميصه الخفيف تحت سترته الصوفية فيعود بنظره لها ، همست إليه برجاء سكن عينيها : لا تتوقف يا سليم .
رجف حلقه وازدرد لعابه الجاف فتحركت تفاحة آدم خاصته بحركة مميزة قبل أن يحنى عنقه ثانية ويلتقط شفتيها في وصلة من القبلات التائقة والتي بادلته إياها هذه المرة ، اشتد جسده وهو يشعر بالسخونة تسري بأوردته أنفاسه حشرجت وعيناه تغرق بحدقتيها النابضتين بعشقها الجارف له فيضمها أكثر إليه وكفه المفرود وسط ظهرها لامست طول عمودها الفقري بأصابعه من الأسفل للأعلى حتى اصطدمت أنامله بطرف سحاب فستانها ففتحه على استحياء وهو يعاود تقبيل ثغرها المنفرج بلهاث مغوي ، أرتجف جسدها الذي اقشعر بردا حينما أزاح فستانها عن جسدها فأنزله من كتفيها قبل أن يحل حزام العقيق عن خصرها فسقط أرضا متبعا بسترته التي خلعها عن كتفيه ليزيحها من ساعديه وهو لا يفلت شفتيها ولا يبعدها عنه فيقربها اكثر منه وهو يحل أزرار قميصه ليعاود احتضانها ثانية برغبة تائقة استبدت بأوصاله ، شفتيه تلتهم كل ما تجود عليه من نعمها ، فيدفعها للخلف يسقطها على الفراش ليتوقف فجأة وعيناه تخترق تفاصيلها . رفعت ذراعيها بدعوة صريحة طائعة فتنهصر ما تبقى من مقاومة انتثرت وهي تستقبل لهفته لها ورغبته بها في رقة أذابت تعقله ليتوحد معها .. يتمم وصاله بها .. ويمتزج فيها بعدما منحته كافة ربوعها وأعلنته ملكا فوق ينابيع جنتها .
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...
