صافحه عبد الرحمن ليدور عادل على عقبيه ثم يتوقف ثانية بعدما ابتعد قليلا عن عبد الرحمن وعيناه تضيق وهو يتطلع إلى الضوء الفسفوري الذي انعكس على سطح هاتفه لتتسع عيناه بصدمة تملكت منه لثواني وهو ينظر للشخص البعيد المتخفي على أحد الأسقف ليصرخ بقوة باسم عبد الرحمن وهو يركض إليه يشير إليه بأن ينخفض ولكن عبد الرحمن تطلع إليه بعدم فهم تحول إلى صدمة حينما قفز عادل نحوه ليحتضنه بجسده الضخم بالنسبة إليه ويسقطا أرضاً سويا بعدما جحظت عينا عادل بألم كتمه بداخله في وسط ذهول عبد الرحمن الذي اتسعت عيناه بعدم ادراك وهو يشعر بجسد عادل الثقيل يجثم من فوقه فيهتف بعدم فهم وهو يهز جسد عادل بقوة مناديا باسمه ليكتم أنفاسه وهو يشعر بالدماء التي أغرقت صدره فيلامس عادل ليتاكد من إصابته حينما نظر إلى الدماء التي لطخت كفيه
جسده يهتز بحركة خفيفة وصوت عبد الرحمن يرن بأذنيه .. صراخ رقية المتواصل في رعب أجبره أن يفتح عيناه يرف بهما سريعا وخاصة مع أصوات أبواق سيارات الشرطة الآتية من بعيد وهتاف عبد الرحمن الذي استطاع أن يقلبه بتروي وهو يحاول أن يجد مصدر الدماء يصرخ باسمه ويضرب وجنتيه بخفة هاتفًا فيه : أفق يا عادل ، أفق واستجب لي وتحدث معي ، عادل
حاول أن يتحدث ولكن الألم في جانب صدره الأيسر رهيب فهمس بأول ما أدركه وعيه : ألالم لا يحتمل .
هدر عبد الرحمن وهو يحاول أن يضغط على مكان الإصابة ليوقف الدماء المتدفقة : تصلب ستأتي المساعدة على الفور .
رفع رأسه لتصرخ ملامحه بألم وتتشنج عضلاته ليهمس بصوت وشى بمدى وجعه : أريد أن أنظر للإصابة يا عبد الرحمن .
هم عبد الرحمن بالحديث ليصمت حينما توقفت سيارة حمية بجوارهما ومحمد الذي قفز ليرقد بجوار عادل فيمزق قماش قميصه الخفيف لينظر إلى الإصابة هاتفًا لأبيه : استدعي سيارة إسعاف حالًا يا بابا فالإصابة ليست سطحية.
تماسك عادل والعرق ينضح بجبينه : أخبرني يا محمد ما مدى عمق الإصابة ؟
احتضن محمد كفه براحته ليهمس بجديه وهو يعدل من وضع جسده بطريقة ما يدركها : أصمت يا عادل فأنا لن أخبرك هذه حالتي أنا وأنت هنا مريض ليس جراح ، ابتسامة باهته لمعت على ثغره فاتبع محمد بصلابة - إياك أن تفقد وعيك أسمعت ، حالا ستأتي الإسعاف وسأعالجك قبل أن نصل بإذن الله ،
همهم عادل بضحكة : أنت مستبد يا محمد .
أجابه محمد بارتياح انتابه وهو يستمع إلى صوت سيارة الإسعاف القريبة : أماثلك يا صديقي.
***
صاح عبد الرحمن في وجه علاء الذي وقف أمامه : هلا أحد منكم يفهمني ما يحدث ؟ من هذا ولماذا تعرض عادل لإطلاق ناري ، أو السؤال الصحيح لماذا أحدهم يريد اغتيالي ؟!
هدر علاء بجدية : اهدأ يا باشمهندس عبد الرحمن من فضلك ، هذا حديث لا يجري بالشارع هكذا.
اتسعت عينا عبد الرحمن بغضب نادرا ما يحدث ليجيب متهكما : لا والله وهل يتعرض المرء للاغتيال وإطلاق النار في الشارع هكذا يا حضرة الضابط .
رف علاء بعينيه وأشاح بهما بعيدا ليأتي صوت الآخر بخشونة معروفة : نعم يتعرض المرء إلى الاغتيال بالشارع عادي ، أم سيحصلون على موعدا من حضرتك قبل أن يقتلوك ؟!!
التفت عبد الرحمن والصدمة تسكن حدقتيه في حين رمق علاء حسن بعتاب قوي قبل أن يهدر عبد الرحمن بجنون : أنت تسخر أيضًا يا حسن بك ، ألا يكفي فشلكما في تأميننا وتسخر أيضًا ؟!
ومض الغضب بعيني حسن قبل أن يقترب من عبد الرحمن وجسده مشدود بعنف ليهمس بفحيح : ماذا تقول يا باشمهندس فأنا أعتقد أني لم استمع إليك جيدًا ؟!
شد عبد الرحمن جسده بتحدي سرى من بينهما ليتوقف علاء في المنتصف يدفع حسن بعيدا وهو يرمقه بعتاب قبل أن يستدير لعبد الرحمن يرمقه بلوم : معك حق يا باشمهندس أن تقول أي شيء الآن فنحن مقدران حالتك .
هدر عبد الرحمن باستنكار : حالتي ، هل تقصد فزع زوجتي التي كادت أن تفقد وعيها من الخوف، أم حالة صديقي والذي كاد أن يفقد حياته بدلًا مني .. أم حالتي أنا الشخصية وأني كنت سأصبح في عداد الموتى لولا عادل الذي أنقذني فلولا عودته لكنت أصبت بطلق ناري في منتصف جبهتي وأنت وزميلك هذا نائمان !!
هدر حسن : أنت لا يحق لك أن تتحدث معنا هكذا فتوقف عن الحديث الآن من الأفضل لك فإذ لا تعلم أنا لا أهتم بخاطر أحد كلمة زائدة سأقبض عليك ولن يهمني أحدًا.
زم عبد الرحمن شفتيه ليشيح بعيدا قبل أن يهم بالابتعاد فعليًا ليستوقفه بنبرة خافتة : لا تبتعد فالجميع هنا سيأتون معنا ، أنه موقع جريمة يا سيد عبد الرحمن لابد من الحصول على إفادات ، استدار عبد الرحمن ينظر إليه بحنق فأتبع ببسمة متكلفة - ستقضون وقتًا ممتعًا معنا يا باشمهندس .
التفت حسن ليزعق بخشونة : حازم باشا ، الجميع إلى القسم هيا ، ودع البحث الجنائي يفحص الموقع على راحته .
همهم علاء بخفوت : حسن .
استدار حسن يرميه بنظرة حانقة فيصمت علاء الذي همهم بصوت أشبه بالولولة : سيقتلنا سعادة المستشار ، ستنتهى خدمتي من تحت رأسك يا حسن ، سامحك الله يا ابن الوكيل
***
خطى بخطوات واسعة رزينة يشد جسده بعنفوان ليدلف إلى الغرفة التي ينتظره بها يؤدي التحية العسكرية قبل أن يهتف سريعا : كما توقعت يا سيدي ، من أطلق النار لم يكن هو ، بل هو قناص غير منتمي لأي منظمة أو واجهة معروفة وأعتقد أنه مأجور، فلا ينتمي لهم ولذا قتله موشيه لأنه أفسد عليه خطته ، دق أمير بسبابته وهو لم يكلف نفسه عناء الاستدارة إليه ليشير اليه أن يكمل حديث فيتبع حسن بجدية – كان قريبا للغاية يا سيدي ولكن أمر القناص غير المفهوم هذا فسد خطتنا في القبض عليه.
أدار أمير كرسيه نصف دورة لينظر إليه فيغمغم حسن باختناق : ولكننا لازلنا نقتفي أثره يا سيدي.
ضيق أمير عينيه ليهتف بجدية أمراً : إذ لم تأتي لي بي أو بجثته هذه المرة ، أعتبر الأمر منتهيا يا حسن .
لم يهتز بل زاد تصلب ملامحه ليجيب بجدية : إذًا لم يتبقى لنا إلا الخطة التي سيكون عبد الرحمن أساسها ، رمقه أمير مليا فأتبع حسن - هو من سيخرجه يا سيدي وأنت تدرك هذا جيدا ، إذ تخلى موشيه عن انتقامه من الخواجة لن يتخلى عن أداء مهمته في اغتيال المخترع الذي أتى خصيصا لأجله ،
كسى التفكير ملامح أمير فأكمل حسن بمحاولة إقناع : صبرنا كثيرًا حتى يطل من مخبئه إذا اختفى عبد الرحمن الآن أو اختبئ سيختفي موشيه معه .
مط أمير شفتيه : وإذا ظهر عبد الرحمن الآن بعدما حدث سيلتقط موشيه أنه فخ وسيهرب أيضًا .
تمتم حسن : إذًا لنمسك العصا من المنتصف يا سيدي .
رمقه أمير في إشارة أن يكمل وهو يترقب حديثه : نظهر له أن عبد الرحمن تحت حمايتنا ونغريه أيضًا بالظهور .
ضيق أمير عينيه مفكرا ليهتف بجدية : آت بم عندك ولكن لتعلم إن لم يوافق عبد الرحمن لن ننفذ خطتك وعليك أن تأتي بموشيه بطريقة أخرى .
أدى حسن التحية ليداعب أمير جهاز الاستدعاء خاصته : أخبر علاء أني اطلبه .
***
يجلس أمام علاء ينظر إليه بضيق وهو يكتف ذراعيه بغضب احتل كل خليه بجسده فيزفر علاء بهدوء ليهمس إليه مهادنا : اهدأ قليلا يا باشمهندس ، لماذا أنت غاضب ، لقد طمئنتك على الآنسة رقية وأنها انصرفت مع والدها ، وأخبرتك أن دكتور عادل بخير ، بل أنه سيعود إلى بيته في غضون الغد على الأكثر .
ابتسم عبد الرحمن بغيظ : اها نعم ولكنك تحتجزني هنا .
تمتم علاء : إنها أوامر سعادة المستشار يا باشمهندس ، زفر عبد الرحمن بقوة ليتابع علاء بهدوء - ولكن لا تقلق ستعود اليوم إلى منزلك إذا لم يجد الموقف عن شيء لا أعرفه .
رمقه عبد الرحمن قليلا ليتمتم بجدية : لست قلقا فقط أريد أن اطمئن عائلتي وأطمئن على زوجتي بنفسي دون وسيط .
زفر علاء بقوة : سيحدث فقط عليك الانتظار قليلًا .
رمقه عبد الرحمن مليا ليسأل بهدوء : إذًا أنتم خدعتمونا بأنه لقى حتفه أليس كذلك ؟ صمت علاء دون رد وهو ينظر لعبد الرحمن بهدوء فيتبع عبد الرحمن بغيظ ومض بعينيه – هل كنتم تضحون بي ؟
ابتسم علاء مرغما ليسأله بجدية : حتى إن كنا نفعل ؟ هل تعتقد أن سيادة المستشار سيضحي بولده أيضًا ؟!!
عبس عبد الرحمن بتفكير ليجيب : لا .
تمتم علاء بلوم : وبالنسبة لابن صديقه ؟!!
زفر عبد الرحمن بضيق : عمو أمير لن يضحي بأي أحد ، لا فارق لديه كون أني ابن صديقه أو أحد الناس العاديين ،
أجابه علاء بعفوية : إذًا وأنت تعلم عمك المستشار جيدا ، لماذا تشكك بنا ؟
رف عبد الرحمن بعينيه ليجيب بجدية : أنا لا اشكك بكم ولا بكافئتكم يا علاء بك ، أنا فقط لا أفهم فرغم معرفتي بعملكم وجهدكم الذي تبذلونه إلا أني شعرت بكم متفاجئين حينما أصيب عادل .
اسبل علاء جفنيه ليزفر بقوة قبل أن يرد : ستعرف قريبا يا باشمهندس وستجد إجابات لاسئلتك قريبا بإذن الله ، رمقه عبد الرحمن دون رضا ليدق الباب دقتين فيهتف علاء بجدية - أرأيت هيا بنا
عبس عبد الرحمن بتساؤل فهمهم علاء : أنه استدعاء أمير باشا وأعتقد أنه سيجيبك عم تريد معرفته .
رفع عبد الرحمن حاجبيه بتعجب لينهض واقفا ويتبع خطوات علاء الذي خطى باتزان وجسد مشدود ويؤدي التحية لكل من يقابله ليصلا أخيرا إلى مكتب المستشار فيدقه علاء مستأذنًا الدخول ليتبعه إلى الداخل فيأتيه صوت أمير الرخيم : تفضل يا باشمهندس ، تعال يا علاء بك ، أشار إلى عبد الرحمن - أجلس يا عبد الرحمن وانتبه جيدا لما سنخبرك به .
***
يتمسك بهاتفه ينظر إلى شاشته اللامعة بتأمل وهو يفكر بأنها اتصاله الأخير .. بعدما تحدث مع عادل واطمئن عليه.. تحدث مع والديه وأخبر أباه بكل شيء ليؤجل حديثه معها فيكن صوتها أخر ما يستمع إليه قبل الذهاب لمهمته.
رمق هاتفه ثانية قبل أن يضغط على شاشته ليهاتفها اتصالا غير مرئيا وكأنه يخشى على ثباته إذا رآها أن يتزعزع أجابته من منتصف الرنة الأولى لتهتف بصوت فزع : حمد لله أنك اتصلت ، كنت خائفة عليك للغاية .
أجابها بصوت متزن : أنا بخير يا حبيبتي لا تقلقي ، أنهم ينقلونني لمكان آمن لا تخافي .
تمتمت رقية بصوت مهتز أثار ضيقه لاجلها : ولكن ماذا يحدث يا عبد الرحمن ؟!
تنهد بقوة ليجيب بصلابة : ليس الآن يا رقية ، فقط أدعي لي سأحدثك حينما نصل بإذن الله .
تمتمت بصدق وقلبها يلهج بالكثير من الدعاء : حفظك الله لي سالما .
أغلق الهاتف ليرفع عينيه لمن يقف أمامه بجوار السيارة فيشير إليه برأسه إيجابا فيومأ علاء بابتسامة مشجعة ثم يشير إلى حسن الذي هدر بحزم ونبرة خافتة : استعدوا سيتحرك الموكب الآن، أتبع وهو يستدير إلى علاء - لازمه وكن حذرا أنها فرصتنا الأخيرة .
أومأ علاء برأسه متفهما قبل أن يقترب من عبد الرحمن يناوله فرد سلاح رمقه عبد الرحمن قليلا ليسأل علاء : تستطيع استعماله ، أليس كذلك ؟
التقطه عبد الرحمن ببساطة لينظر إلى خزانته ويتأكد من امتلائها مجيبا: أولاد الخواجة يتعلمون الرماية منذ نعومة أظافرهم يا علاء بك ، وأنا خصيصا أخذت دورة تدريبيه حينما التحقت بالعمل في جهازك الأمني .
ابتسم علاء متفهما ليشير إليه : حسنا ولكن لا تستعمله إلا إذا احتجت إليه ، أشار إليه ليدخل إلى السيارة وهو يتمتم متبعا - بإذن الله لن تحتاج إليه .
***
دلف بخطوات متباطئة خلف علاء الذي تقدمه يشعل الاضواء ويرحب به ، فيرمق المكان من حوله بنظرات متفحصة ، فيلا صغيرة مكونة من طابقين وحديقة ليست بكبيرة تحيطها ، كح بخفة وهو يعي تناثر أفراد الأمن بالخارج لينظر إلى علاء الذي ابتسم بدعم في وجهه ويشير إليه بجدية نحو الدور العلوي : أصعد يا باشمهندس وبدل ملابسك لقد أتينا ببعض الملابس أعتقد ستناسبك ، وضع اشياءك وكما اتفقنا .
زفر عبد الرحمن بقوة ليهمس : سأهاتف دادي وبعده رقية حتى يستطيع أن يلتقط مكان تواجدي ، أومأ علاء باستحسان ليسأله عبد الرحمن باهتمام – إذًا انتم متاكدين أنه يراقب هاتفي ؟
تمتم علاء بجدية : لأننا نسمح له بذلك ،
أومأ عبد الرحمن متفهما ليسأله بتروي : ولكن لماذا حسن متأكد أنه سيأتي من خلفي ؟ أعتقد أنه لن يفعل .
ابتسم علاء ليهز رأسه بحركة غير مفهومة قبل ان يجيب : ليس هناك شيء مؤكد يا باشمهندس ، ولكنه حدس حسن الأمني ، رمقه عبد الرحمن بانزعاج فضحك علاء بخفة – وحينما يصل الأمر لحدس حسن الامني ، أنا اغمض عيني وأسير خلفه فعلى مدار عملي معه وحدسه لا يخطأ أبدًا .
زفر عبد الرحمن بقوة فأتبع علاء وهو يرتب على كتفه : بدل ملابسك وتأكد من حماية حاسبك المحمول ولا تخشى شيئا نحن معك .
أومأ عبد الرحمن برأسه متفهما ليصعد السلم بخطوات متلاحقة وكفه يقبض على حقيبته الموضوع بداخلها حاسبه المحمول والتفكير فيما سيحدث مسيطرا عليه .
***
بعد أربعة أيام
يقف بباب غرفته يحمل قدح قهوته الأمريكية الكبير يرتشفه على مهل كعادة صباحية أصبحت ملتصقة به يرمقها بصبر وهي تحضر إليه حقيبة ملابسه التي اختارها لسفره هذه المرة ، في اصرار شديد لم يقوى على أثنائها عنه رغم حزنها .. رفضها .. وآلمها الذي يشعر به ولكنه لا يستطيع أن يمنعها عن الشعور به أو يردها عن الحزن عليه .
كح بخفة وهو يخطو في اتجاهها ليهمس بجدية : لوما .
ارتج جسدها بخفة أوشت إليه ببكائها قبل أن تجيبه بصوت مختنق : عيون لوما ، أؤمر يا حبيبي هل تريد طعام محدد أعده لك اليوم ؟
ابتسم بخفة وقلبه يتلهف لها فيقترب أكثر ثم يقبض على كتفيها بكفيه ، يميل نحوها ويركن رأسه على كتفها قبل أن يحتضنها بذراعيه في قوة هامسًا بصدق : سأشتاق إليك يا ماما .
انتفضت بوضوح بين ذراعيه لتبكي بنشيج عالي آلم قلبه فيديرها بخفة ويضمها إلى صدره بقوة هامسا : آسف يا ماما ، لا تبكي أرجوك ، أعلم أني مخطئ وأعتذر منك لا تغضبي أرجوك .
نهنهت ببكاء مزق نياط قلبه وهي تتمسك بصدره أكثر وهي تجيب من بين شهقاتها : لا يا حبيبي لا تعتذر ، أنت لم تخطئ في شيء ، وأنا لست غاضبة ، أنا فقط .. صمتت لتندقع رجفات بكائها متتالية بقوة قبل أن تكمل - سأشتاق لك يا مازن ، سأشتاق إليك كثيرًا .
ابتسم وضمها أكثر إلى صدره العريض : وأنا الآخر سأشتاق إليك كثيرًا يا حبيبتي ، فقط أريدك أن تعديني بشيء واحد . رفعت نظرها بترقب فيكمل ببسمة راجية - عديني أني سأظل ولدك .. ابن قلبك كما تطلقين علي مهما تبدلت .. تغيرت .. أو اختلفت .
طل الخوف من عينيها فترمقه بعدم فهم فيكمل بخفوت شديد وهو يحتضن وجهها بين كفيه : لا تخافِ يا ماما ، أتمنى أن اتبدل للافضل ولكن في كل الاحوال سأتبدل فمازن اليوم ليس مازن البارحة ، فقط كل ما أريده منك أن تعديني أن أظل ابن قلبك كما تخبرينني دوما .
ابتسمت بحنان جارف امتزج بدموع عيناها لتجيبه وهي تتمسك بقماش قميصه القطني وتجيب بصدق : الأم يا ولدي لا تختار أطفالها .. لا تختار حبهم .. لا تختار تعلقها بهم .. لا تختار أي شيء يخصهم ، هي تولد بعاطفة جارفة تتبلور حينما ترزق بهم وتوجه نحوهم دون تدخل منها ، فتجد نفسها مقيدة بهم دون إرادة منها ، مهما كانت شخصياتهم .. طريقتهم .. أو أشكالهم ، هم أولادها .. نعمة الله التي اغدقها عليها لتسكن قلبها وتتمازج مع روحها فتصبح ملكًا لها ، صمتت لتتنفس بتعثر قبل أن تتبع وهي تبتعد عنه قليلا - نعم أنا لم أنجبك .. لم تتمازج روحي معك ولم أرتبط بك بربطة قدرية نشأت بينك وبين والدتك الحقيقية حينما شعرت بك وأنت تنمو باحشائها وتكبر بداخلها وتتغذى من وريدها ، إلا أن يعلم الله أني ارتبطت بك منذ أول يوم وقع بصري عليك فأنزل الله محبتك بقلبي وشعرت بانك مسئول مني، حتى قبل أن أتزوج بابيك الذي لم أكن أدري بأنه والدك من الأصل ، ولكن حينها عرفت تفهمت ترتيبات القدر وفضل الله علي أنه منحني ما تمنيته عمري أكمله يا مازن ، سواء تبدلت .. تغيرت أو حتى اختلفت ستظل منحة الله لي وعوضي الذي اغدقه علي بفضله يا مازن .
لمعت الدموع في عينيه ليتحكم فيها بصلابة فلا تنهمر على وجنتيه ليبتسم ويهمس بصوت محشرج : لا حرمن الله منك يا ماما .ربتت على وجنتيه بكفيها لتهمس بخفوت : أنا لست غاضبة من سفرك ، خائفة عليك لا أنكر ولكني أدرك مدى احتياجك واتفهم وجهة نظرك لكني لا أستطيع أن أمنعك من السفر ولا أقوى أن لا أخاف عليك يا مازن .
رفت بعينيها قبل أن تكمل ببطء وهي تنظر لعمق عينيه : ولكني أثق بك .. أثق بتربيتك وأخلاقك وأصلك الطيب الذي سيوقفك عن أي شيء تشعر به غير جيد ، أثق بمازن من نمى وكبر أمام عيني ، منذ أن كان طفل إلى أن أصبح شاب رائع دمث الأخلاق وكامل الرجولة .
ابتسم ساخرا ليهمهم بخفة مرحة أطلت بسوداويتها من عمق صوته الأبح : الأخلاق لا تنفع ولا حتى الرجولة ، هذه اشياء عفى عليها الزمن يا مس لمياء.
رجفا جفناها لتهمس بصوت هادئ وهي تسبل عيناها عنه : بل تنفع ولكن مع الاختيار الصح يا قلب مس لمياء.
ضحك بخفة ليقبل راسها هاتفا : حينما تتحدثين إلي بهذه الطريقة اطمئن أنك بخير يا لوما.
ابتسمت برقة لتجذبه اليها ثانية تضمه إلى صدرها تربت على ظهره : تعد لي سالمًا يا حبيبي . قبل وجنتها ليهمهم بخفوت : اعتني بالدكتور وبجنى في غيابي . أجابته وهي تشير إلى عينيها : في عيناي .
ليكمل بخفة غامزا : ولا تنسي حور .
ضحكت برقة : لا أحد ينسى أمه يا مازن .
رف بعينيه ليتمتم : نعم معك حق ، هل أخبرتك أني ذهبت لزيارتها منذ عدة أيام .
لمعت عيناها باهتمام وهي تهدأ خافقها الذي نبض بجنون لأنه عاد يثرثر معها من جديد لتجيبه بجدية : لا لم تخبرني ولكن أحمد أخبرني أنكما ذهبتما سويا .
اسبل جفناه ليتمتم : نعم بناء على رغبتي فأنا من سألته أن يرافقني ، صمت قليلا ليتابع - كنت احتاج أن اسلم عليها قبيل سفري .. أودعها
انتفضت لتهتف بجدية : لا تقولها ثانية يا مازن ، ستعود سالمًا حبيبي وستذهب إليها كثير ًا لتثرثر إليها عن أخبارك وتستشيرها أيضًا في كل أمورك.
ابتسمت بمشاكسة ومضت بعينيها فضيق عيناه بترقب لتهمهم بمرح : وتأخذ رأيها في ست الحسن والجمال الذي سترتبط بها قبلما تتزوج .
جمدت ملامحه ليبتسم بتشنج : كما تقول حور يا من يعيش يا لوما .
ضربته بخفة على كتفه : توقف يا ولد ، ستقترن بست البنات وتملأ البيت بالصبيان والفتيات وتفرح قلوبنا بك يا دكتور .ضمها إلى صدره ثانيه ليقبل جبينها مؤثرا الصمت ليسألها وهو يدفعها إلى خارج غرفته ويسير مجاورا لها : ما طعامنا اليوم ؟ أخبريني بم اعددته لأجل عيوني .
ابتسمت لتثرثر إليه عن أنواع الطعام الذي طهته لأجله فيهمهم مستمتعا قبل أن يهتف بفرمان : سأخبرك في كل مرة قبل عودتي بم اشتهي حتى تعدينه لأجلي ، فمن يدري ماذا سأكل في البراري؟
تمتمت بموافقة : فقط أنت راسلني وستأتي سالمًا تجد كل ما تريده يا حبيبي .
***
رمقها بطرف عينه تجلس بجواره في سيارته تركن رأسها للخلف وعيناها تبرق بوميض قططي ورضا شع من روحها ، عائدان من إحدى رحلتهما المحمومة والتي أنعشت روحها وارضتها كما يظن يسحب نفس عميق وهو يشعر بغمامة سعيدة تخيم عليه ليسألها بجدية : أخبريني يا نور ، ألم تكن لديك جوالاتك الخاصة بي ؟
اختلجت أنفاسها ووجنتيها تتوردان فجأة لتهمهم بصوت أبح دون مراوغة : لم تكن جوالات بل كانت أحلام .
ومضت عيناه بانتباه لتكمل بصوت ظهر به بحة حزن رجف قلبه لها : حينما كنت أحزن .. أغضب .. استاء دوما كنت أتخيل أني أنام بحضنك تضمني إليك تدللني وترعاني ، دوما حلمت بأنك تتبعني لتغازلني وتشاكسني وتأسرني بكلماتك ، دوما حلمت بأن تكون لي بمفردي لا يشاركني بك أحد غيري كنت أجن حينما تضم أميرة وأنت تصافحها وتقبل وجنة جنى وأنت تحايلها وتربت على ظهر ملك وأنت تحملها ، وتتركني منفية بعيدًا عنك أنتظر أن تلتفت لي لتصافحني حتى مثلهم ولكن في كل مرة كنت احصل على ايماءة مقتضبة أو مصافحة سريعة .
اعتدلت لتكمل بصوت محشرج : هل تتخيل أني كنت انتظر يوم مولدي من العام إلى العام لاحصل منك على ضمة حانية وقبلة جبين فاخبئهما داخل روحي للعام القادم وأنا أتساءل لماذا أنا ،لماذا لا تعاملني مثلهن لماذا تنفيني بعيدا عنك لماذا لا تحبني ؟
شهقت بكاء غادرة جرحت حنجرتها ليهتف بحزم وهو يدلف إلى حديقة القصر : إياك أن تبكي .
مسحت وجهها بكفيها وهي تتماسك بصلابة لتهمهم : لن أبكي
أوقف السيارة في مكان متخفي في ظهر القصر ليهمس بخشونة وهو يقترب منها يجذبها إلى صدره قبل أن يهتف بعنجهية وهو يضمها إليه : يمكنك الآن البكاء .
ابتسمت رغم عنها لترفع وجهها إليه وتهز رأسها نافية : لا لن أبكي يكفي الآن أني معك .
داعب وجنتها بطرف ابهامه : أنا أحبك يا نور منذ ولدتِ ، لم يخفق القلب إلا لك ولم تعشق الروح سواك ، في كل مرة كنت تقفين تنتظرييني اصافحك .. أضمك .. اقبل جبينك أو وجنتك ، كنت أنا أذوي بداخلي لأني لا استطع فعل هذا معك أنت ، لم أكن أستطع أن أضمك إلى صدري فيأخذني قلبي لك فاخون أمانة عمي فيك ، لم أقو على تقبيلك يوما حتى لا تخونني روحي فتهفو لك واخون أمانة عمي فيك ، لم أقو على الاقتراب منك ومغازلتك فاخون أمانة عمي فيك ، لست أنا من يخون الأمانة يا نوران ، ولولا أنك تقربت مني بعدما عملنا سويا ما كنت – أبدًا - اقتربت ، حافظت عليك إلى اليوم الذي آخذك فيه أمام الجميع بموافقة عمي ورضاه ولم يدر بخلدي أبدًا أن سيحدث ما حدث بيننا ، لامس وجنتها ثانية ليهمهم وهو ينظر لعمق عينيها - أحببتك وأحبك وسأظل أحبك يا نوران كنت أنت المختلفة عنهن كنت مليكتي .. سلطانتي ولست المنفية من مملكتي ، بل أنت مملكتي
تهدجت أنفاسها لتقترب منه تقبل شفتيه على تمهل وكأنها ترمم معاناة روحها في بعدها ليمنحها كل ما تريد برقة .. حنو .. وشغف أوقفه عن عمد ليهمس لها بتسلية : لم تجيب سؤالي ؟!! عبست تناظره فهمس لها متبعا - أحلامك لم تكن متطرفة قليلا نحوي .
لمعت عيناها باغواء فطري تألق فوق ثغرها الشهي لتهمهم: لطالما تخيلت أنك تتبادل القبلات معي في السيارة ، في كل مرة أوصلتني لمكان كنت أنتظر أن تنحرف بعيدا عن مسارك وجديتك لتقبلني كما لم تقبل إحداهن قط .
اشتعلت عيناه بوميض أثار نبضاتها وحرك كفه إلى مقعدها فيعالجه بخفة لتشهق بقوة وكرسيها يهبط للخلف ، ترتجف وهو يشرف عليها ، ينظر إليها من فوق ليهمهم بمكر وخفوت : حلمي لم يتوقف على القبلات قط .
شهقت بقوة ليكمل بعبث أعتلى ملامحه : كنت دوما أفكر لو انحرفت بالسيارة واذقتك من حبي كما أرغب ماذا سيحصل في الدنيا ، مط شفتيه متبعا بتسلية - سيزوجنا عمي وينتهي كل شيء ، ولكن لم أرد أبدًا أن أفرض حبي عليك بل أردتك أن تأتي راغبة
زفر أنفاسه الملتاعة : اه لو كنت أعلم أنك اكثر .. من راغبة .. اه لو كنت أدرك بأني احتل أحلامك المخباة داخل روحك الثائرة ، لكنت منحتك أكثر من حلمك بل سلبت حلمك لاهديك حقيقة واقعة .
شهقت ويداه تعبثان بفستانها لتهمس له حينما اعتلاها : عاصم ، ماذا تفعل ، نحن بحديقة القصر، سيرانا الجميع .
لعق شفتيه ليغمغم بصوت محموم وهو يتخلص من قميصه : لا أحد هنا .
ارتفعا حاجبها بتعجب لتهمس : أين ذهبوا ؟
خلصها من فستانها ليغمغم وهو يخفي جسدها بجسده : عمي وفاطمة في بيت العاصمة ، وأنا منحت العاملين إجازة لمدة يومين
تأوهت وهو يلامسها يقبلها يلتهمها لتغمغم : لماذا ؟
رفع وجهه إليها ليهمس بأنفاسه اللاهبة : لدي جولة أخرى أريد تنفيذها فيجب إخلاء الموقع .
ضحكت رغم عنها وهي تستقبل قبلاته الشغوف لتسأله من بينها : هلا صرحت عن مكانها ؟
التقط ثغرها في قبلة طويلة أطبقت على أنفاسها قبل أن يجيب بصوت مبحوح توقا : تحت الشجرة الكبيرة في الحديقة ، سننهي الأمر هنا لنذهب إلى هناك ونبيت في العراء سأمنحك ذكرى مميزة في مكانك المفضل يا حبيبتي ، ومضت عيناه فيكمل بأنفاس متلاحقة - سألتهمك اليوم قطعة قطعة ولن أدع فيك بقية يا ابنة العم
تعالت ضحكاتها صاخبه قوية وهي تستقبل قبلاته .. أحضانه .. لمساته لتنقلب ضحكاتها لتاوه أنثوي وهتاف باسمه ليغمغم لها : انطقيها
تمسكت بكتفيه لتغمغم بجانب أذنه : أحبك يا عاصم .. أحبك
***
يجلس شاردًا في تلك الفتاة التي التقاها ثانية في زفاف آل الجمال الأخير .. لم تكن المرة الأولى التي يراها ولم تكن المرة الأولى أيضًا التي تختطف بها نظره .. تجتذبه .. فيلتصق بها منذ أن وقع بصره عليها كقطعة مغناطيس مشحوذة بكامل قوتها وهو مسمار حديدي ضعيف يهوى في مجالها دون عودة ، يكفي فقط أن ينظر لرماديتيها فينسى العالم وما فيه ولكن تلك المرة لم تكن ضاحكة بخجل كعادتها بل كانت غاضبة فيربت عيناها بامتزاج ناري أضاء مقلتيها وجذبه أكثر إلى العمق ورحب هو بالغرق .
وكي يغرق اكثر يحبذ أن يوطد معرفته أكثر وأكثر ، لا يكتفي باسمها ولا معرفة درجة قرابتها من قريبة أدهم الصغيرة .. لا يكتفي ببضع كلمات تبادلها معها أحد المرات لابتعادها الدائم عن الجميع .. ولا يكتفي حتى بمواساتها التي وجد نفسه يفعلها بعفوية حينما اتبعها بعدما غادرت قاعة العرس حانقة .. باكية ، لم يستطع حينها أن يدرك السبب وراء حزنها ولكنه استطاع أن يجتذب إحدى ابتسامتها رغم حرجها الشديد منه حينما بكت فلم تجد معها محارم كافية فاضطر أن يمنحها منديل سترته الحريري ممازحا قبل أن ياتي لها بمحارم ورقية من سيارته القريبة.
حينها شكرته .. نظرت إليه بامتنان وابتسمت في وجهه قبل أن تهم بالابتعاد عنه فيهتف بها في تسرع ورعونة : هلا منحتني رقم هاتفك ؟
شحب وجهها واستدارت تنظر إليه بخوف فأكمل سريعا يحاول أن يطمأنها - لا أقصد أن أخيفك فقط أردت أن اطمئن عليك .
فتهمس إليه بتوتر : المعذرة أنا لا أمنح رقمي لأحد .
ليستوقفها ثانية وهو يهتف بها : حسنا هلا أستطيع أن أراسلك عن طريق إحدى التطبيقات .
فابتسمت وأومأت بهزة طفيفة توقع حينها أنها موافقة ولكن عدم تواصلها معه أنبأه الآن بأنها رافضة !!
زم شفتيه بتفكير قبل ان يجذب حاسوبه يضعه فوق ساقيه ويبدا بالبحث عنها من جديد لعله يستطيع أن يتواصل معها عن طريق تطبيق أخر غير المتعارف عليه . طبع اسمها بالإنجليزية مرتين في كل مرة يكتبه بطريقة مختلفة ولكنه لم يصل لشيء ، كسى التفكير ملامحه ليبدأ بالبحث باللغة العربية ولكنه لم يصل لها أيضًا ،
ومضت عيناه بتفكير سريع ليأتي بصفحة أدهم الرسمية على هذا الموقع الشهير ويبحث بقائمة أصدقاءه والتي للعجب وجدها غير مخفية بل وتعج بالفتيات.
ليبحث بأقاربه فلم يجد أحدًا ، قائمة أصدقاءه الكبيرة والمكتظة من كل أصناف الفتيات والشباب لا يوجد عليها أحدًا ممن يعرفهم ويدرك أنهم أقاربه .
ليبتسم ساخرا وهو يهمهم بإعجاب : الثعلب الصغير وضعني في مرتعه الخاص .
مط شفتيه ثانية لتتسع عيناه وهو يسب نفسه بضيق : أيها الغبي ابحث عند علي ، فعلي لن يخفي شيئا
داعب شاشة حاسوبه بسرعة ليضغط على اسم علي فتنبثق الشاشة الزرقاء أمامه ليبحث بلهفة في قائمة الأصدقاء ليتملكه الضيق وهو يجدها فارغة منها لتومض عيناه بسرعة وهو يلتقط وجود الأخرى قريبتها ذات الحالة الخاصة جدا والتي تقرب لأدهم ، ضغط سريعا لتنبثق شاشة أخرى تحتوي معلومات الأخيرة وقائمة أصدقائها القليلة ليبتسم بسعادة ويلتمع الفوز بعينيه حينما وقع نظره على اسمها المكتوب ما بين العربية والإنجليزية في طريقة زخرفيه أعجبته ليضغط على اسمها يطلب انضمامه إلى قائمة أصدقائها ثم يراسلها بسرعة : مرحبا يا مريم كيف حالك ؟ أردت الاطمئنان عليك ، أنا زين إذا لا تتذكرين.
***
وقف يستند بكتفه على اطار باب الغرفة الاضافي التي يحتلها شقيقه منذ أن خرج من المشفى رافضا أن يعرف أي أحدًا بإصابته وخاصة والدتهما التي لم تكن تحتمل أن يعود اليها باصابة في كتفه فاستضافه ببيته بعدما اتفقا أن يخبرها عادل بأن لديه عمل هام فسيقضي أيامه بالمشفى ، بل إن شقيقه رفض اجراء اتصال مرئي مع يمنى حتى لا تدرك إصابته في تصرف أثار دهشة أسعد وابتسامته فمهما كان عادل غيور وضائق من ابتعاد شقيقتهما إلا أنه لم يقوى على افزاعها بهذه الطريقة التي ستجبر يمنى أن تترك بيتها وتأتي لترافقه تاركة العالم كله لأجله ، عادل الذي كان يرفض أن يهتم أحد بجرحه فأجبره هو وجنى بأن يستقبل اهتمامها بجرحه الأيام الماضية ، وها هو يقف يراقب جنى التي تبدل على جرح كتفه فيضيق عينيه وهو يراقب ابتسامة عادل الماكرة ترتسم على شفتيه وهو يسبل جفنيه في تصرف مشاكس يدركه جيدا ولكنه لا يفهم سببه الآن !!
هتفت جنى بجدية وهي تحمل حقيبة الإسعافات الأولية المتطورة وتخطو نحو باب الغرفة : استرح قليلا يا دكتور إلى أن أعد العشاء حتى تستطيع تناول أدويتك قبل أن تخلد إلى النوم .
أومأ عادل دون رد وابتسامته تتسع لتمر من جواره فيهمس إليها برزانة : هل تريدين مساعدة ؟
هزت رأسها نافية : لا ، شكرًا لك ابقى معه إلى أن أنتهي ، مط أسعد شفتيه بتبرم رافض فأتبعت - سادعك تساعدني ليلاً .
برقت عيناه ليرمقها بنظرة خاصة فتتورد رغمًا عنها فتدفعه بخفة في صدره بكتفها وهي تمر من جواره فيكتم ضحكته وهي تغادر مسرعة ليلتفت على قهقهة أخيه الخافتة والذي أشار إليه وهو يعود بجسده إلى الوراء على الفراش : اذهب وساعدها فأنا سأرتاح قليلا .
رفع أسعد حاجبه ليغمغم وهو يتقدم نحوه : ليس الآن ، ابتسم عادل واسبل جفنيه ليكمل أسعد - ليس قبل أن أعرف سبب تلك الابتسامة المستفزة التي تعلم جيدا أنها تثير ضيقي ورغم ذلك تبتسمها.
قهقه عادل بخفوت ليهتف به وهو يحاول ارتداء قميصه القطني : لم أستطع أن امنع نفسي عنها وأنا أراك تقف كل يوم هكذا تراقب جنى وهي تطبب جرحي ، تلمع الغيرة بعينيك رغم أنك تدرك أنها وظيفتها التي تقوم بها يوميًا ، بل أنها تقوم بأكثر من الاعتناء بجرح في الكتف .
ابتسم أسعد وهو يقف بجواره يساعده في ارتداء النصف الاخر من القميص فلا يثقل على جرحه ليهمس بعد قليل وهو يجلس بجواره : بالطبع أنا أعلم أن جنى كطبيبة جراحة معرضة لأن ترى اشياء كثيرة وتفعل اشياء أكثر ولكن رغم كل هذا أنا لا أستطيع أن امنع نفسي من الغيرة وخاصة وأنت ليس برجل غريب هي لا تعرفه بل أنت ..
صمت أسعد لوهلة - أنت تعد صديقها المقرب.
استدار عادل ينظر إليه بصدمة كست ملامحه ليردد بذهول صدح بصوته : أسعد أنت تغار مني ؟!!
ضحك أسعد بخفة ليجيب : تخيل !!
اتسعت عينا عادل بعدم تصديق جلي ليغمغم : أنت تمزح أليس كذلك ؟!
ضحك أسعد ليهز رأسه نافيا : لا ، أنا أتحدث بجدية ، شحب وجه عادل تدريجيا فاكمل أسعد بصدق - ولكنها غيرة محمودة فلا تقلق .
تمتم عادل بعدم فهم : هل هناك أنواع من الغيرة يا أسعد ؟!!
أومأ أسعد برأسه : نعم ، فالغيرة المحمودة هذه تخص الغيرة من المقربين ، مثلما يغير عمار على موني من وجودنا حولها ومن ارتباطها بنا ، وكما أغار أنا منك ومن عاصم على جنى .
ارتفعا حاجبي عادل بدهشة ليغمغم بضحكة مكتومة : أنا لا أصدقك يا أسعد ، فإذ تفهمت غيرتك من عاصم على جنى لا أتفهم أن تغار مني عليها .
اعتدل أسعد ليواجهه : كيف يا عادل وأنت المقرب منها دوما ؟! أنت الصديق .. الزميل .. والأخ ، صمت ليهمس بصوت محشرج - أنت الذي كنت قريبا في وقت ما كنت أنا بعيد .
صمت أسعد فسكن عادل وهو يترقب حديث شقيقه الذي لا يبوح إلا نادرًا فهمس أسعد اخيرا بضحكة ساخرة : كم كنت امقتك هذه الفترة.
اهتزت حدقتي عادل بعدم تصديق فيكمل أسعد من بين أسنانه : كنت تثرثر عنها دائما .. تتحدث عن عملكما سويا .. أيام مناوبتكما .. كيف كانت ماهره وهي تنقذ فتى أتى بإصابة ما في الطوارئ .. كيف أنها تحدت طبيب ثقيل الظل كان يضايقها لصغر حجمها وخجلها البادي عليها دوما والذي يختفي نهائيًا في أوقات العمل .. كيف هي شجاعة إذا ارتبط الأمر بالجراحة .. وكيف هي منطوية تعتزل الجميع .. وكيف أنها حزينة لأني بعيد وكيف كانت تخفي حزنها وتحاول التأقلم ،
تنفس أسعد بعمق متمتما : كنت احترق في كل مرة تتحدث عنها وأشعر بكم أنت مقربا منها ،
رفع عيناه لينظر لعمق حدقتي أخيه المعتمة على الدوام : رغم أني كنت أدرك جيدا أنك تثرثر عنها لتطمئني عليها .. أنك تلازمها لتكون ظلي وتحميها لأجلي .. كنت عيني التي تضعها تحت حمايتي حتى وأنا بعيد.
ابتسم بخفة : كنت بالفعل تحمي وطني في وقت أنا غضبت وابتعدت واتخذت من كرامتي درعاً واقيًا حتى احمي نفسي من انزلاق لم أكن أقوى عليه حتى لا أخسر نفسي .
رمقه عادل قليلا ليبتسم بمكر ويسأل بوضوح : وما سر أن تبوح لي الآن يا أسعد بك ؟!
ابتسم أسعد بنفس الطريقة تقريبا ليجيبه بجدية : أبوح لانصحك ، لا تخسر نفسك يا أخي ، لا تدع أي شيء يجبرك على أن تخسر نفسك .
تابع بجدية : الانتقام لن يجدي نفعا يا عادل ، أن تستعيد علاقة سابقة ماتت وانتهت لن يعود عليك بشيء ، ارتباطك بتلك السيدة لن يكون طوقك المخلص بل سيكون طوقك الخانق سيكون حجرًا ثقيلًا موضوع فوق صدرك ، فلا تقبل نفسك وتخنق عنقك به .
زم عادل شفتيه وعبوسه يعتلي جبينه ليهمس بهدوء : أنا لا أنتقم يا أسعد .
زفر أسعد بجدية : أنا أعلم ، ولكنك تحاول استعادة ما فاتك وهذا ليس جيدا كأنك تعلم أن هذا الأمر مصيدة وتدلف إليه بكامل إرادتك .
أشاح عادل بعينيه بعيدا فأكمل أسعد - أنا لست مغفلا حتى لا أدرك أنك تقصدت إخبارها عن إصابتك لترى ردة فعلها .
رف جفن عادل وأسعد يستطرد : ورغم أنها أتت مهرولة واصدرت ردة فعل أعلى مما توقعته أنت إلا أنك لم تكن سعيدًا لا بها ولا بوجودها ولا بأي شيء مزيف هي قامت به أمامنا .
اسبل عادل جفنيه فيهمهم أسعد بضيق ظهر بصوته : لقد كانت مفتعله ومزيفة لدرجة أثارت استياء جنى يا عادل ، جنى التي لا تتدخل في أي شيء لا يخصها ،
، غادرت المكان بعبوس وضيق وأخبرتني أنها كانت ستهشم رأسها بالمزهرية إذا بقيت أكثر من ذلك معها في مكان واحد .
صمت قليلا وهو يراقب ملامح وجه عادل المتجهمة ولكنها هادئة فيتبع ببطء وكأنه يقيم ما سيقوله خوفا على مشاعر أخيه : إنها لا تحبك يا عادل ، لم تفعل يوما .
ران الصمت عليهما قليلا ليجيب عادل أخيرًا : أعلم ، اتسعت عينا أسعد بصدمة سرعان ما انتهت حينما اكمل عادل بهدوء - لذا أريد أن افهم لما ترتبط بي وهي لا تريدني .. لا تحبني .. لا تميل إلا لخداعي .
أحنى عنقه قليلا ليهمس لأخيه : وأنا الشخص الذي لا يسهل خداعه يا توأمي .
ضيق أسعد عينيه ليسأله بجدية : هل تشك بها ؟! هل هي ..؟!!
اشار عادل برأسه نافيا ليجيب بهدوء : لا لقد تقصيت عنها كثيرا وبابا أيضًا فعل دون أن يخبرني وهي لا عليها غبار من هذه الناحية ، تنهد بقوة ليكمل – وهذا ما يثير تساؤلاتي أكثر .
صمت ليغمغم بهدوء والتفكير يسكن عيناه : ما الذي يجبرها أن ترتبط بي وهي لا تريديني ؟
اسبل أسعد جفناه ليهمس : طامعة بك .
هز عادل رأسه بحركة مراوغة ليجيب بمكر ساخر : كل شيء –معها- ممكن يا شقيق .
ابتسم أسعد وهز رأسه يائسا ليسأله : وأنت ماذا ستفعل ؟!
سحب عادل نفسا عميق ليخرجه ببطء قبل أن يجيب ببساطة : سأتناول العشاء معكما وابتلع أدويتي وأنام ، أتبع وهو يجعد أنفه بمشاكسة – وسأخلي لك الجو يا أسعودي .
ضحك أسعد مرغما واذناه تحتقنان خجلا ليرفع قبضته ناويا لكزه فيشير إليه عادل بمرح أخوي : أنا مصاب يا أخي .
نهض أسعد وهو يكتم ضحكاته ليهتف بنزق مفتعل : سأرحمك لأجل اصابتك .
هتف عادل بمرح وهو يستلقي فوق الفراش : اذهب وساعد جنتك وآتي لي بالعشاء فأنا لا أنوي الخروج من الغرفة إلا صباحًا .
توقف أسعد قبل أن يغادر ليلتفت إليه ينظر نحوه قبل أن يجيبه بجدية آمرة : بل ستتناول العشاء معنا يا عادل ، هم عادل بالرفض ليصدح صوت جنى عاليا تناديهما سويا فيشير أسعد برأسه فينهض عادل مستجيبا وأسعد يغمغم بمرح – أنها أوامر الوطن يا أخي .
تعالت ضحكات عادل ليربت على كتف أسعد وهما يسيرا للخارج سويا : حفظه لك وأدام نعمة وجوده عليك دائما يا حضرة القائد .
***
تجلس أمام السرير الزجاجي الصغير تطلع اليه من خلاله ، تبتسم وهي تشعر بالرهبة تتملكها فاليوم أخبرتها الممرضة أنها ستحمله لترضعه من زجاجة الحليب تمهيدا لخروجه معها فيما بعد ، ارتجف قلبها سعادة منسية حينما تراءى لها معها في بيتها ينام بحضنها تمنحه حبها .. رعايتها .. دلالها.
فتزداد ابتسامتها اشراقا وهي تهمس له بهمهمة مسموعة : لن أتركك أبدًا فيما بعد يا حبيبي ، ستظل بحضني دوما .
ارتجف جسدها بمفاجأة ألمت بها حينما شعرت بكفيه يضمان كتفيها يقبل أن رأسها ويهمس : لم تحمليه بعد .
هزت رأسها نافية وهي تتحكم في دموعها بقوة : منتظرة أن يأتوا بزجاجة الحليب .
أومأ برأسه وجلس بجوارها ينظر إلى طفله الذي ازداد حجمه ونمى قليلا عن يوم ولادته ليهمس اليها : الطبيب أخبرني أن حالته أصبحت بخير ولكنه سيظل يعاني قليلا بسبب ولادته المبكرة ولابد أن نتابع حالته دوما .
تنفست بعمق لتهمس إليه : لن أتركه أبدًا يا زيد لا أستطيع فقده بعدما شعرت بوجوده .
احتضن كفها ليضغط عليها برفق : لن نفقده يا حبيبتي .
ابتسمت برقة لتستدير إليه تنظر نحوه قليلا قبل أن تهمس سائلة : هل ستعتني به حقا ؟ عبس بعدم فهم لتكمل بصوت بارد أثار ضيقه - ستدلله وترعاه وتحنو عليه أم ستبطش به في غدر حينما يعارضك .
اختنق حلقه وهو يعبس بحنق فينطق بحشرجة : ماذا تقصدين يا أسيل ؟!
رفعت ذقنها غير حركة كبرياء تعلم أنه يضيق بها : أقصد أني حينما أعود به إلى البيت سنكون آمنين إلى جوارك ، أم سنحيا أنا وهو في خوف دائم أن تغدر بنا يا زيد ؟!! انتفض فكه في غضب ومض بعينيه فأكملت بجدية ووضوح - فأنا إذا غامرت بنفسي معك ، لن أغامر بطفلي الذي كتب الله إليه عمر جديد معك .
هدر بخفوت حانق وكفه تضغط على كفها دون وعي : أنه طفلي أنا الآخر .
تغضن جبينها بألم اخفته بضراوة لتنظر إلى عمق عينيه هامسه من بين أسنانها : كفي يا زيد . أزداد عبوسه فأكملت - أنت تضغط على كفي يا زيد .
أخفض رأسه لينظر إلى يده بذهول وقتي سرعان ما اندثر فيفلت كفها هامسا بحنق : أنت تغضبينني يا أسيل .
رفعت حاجبها لتهمس إليه ساخرة : وكلما أغضبتك ستؤذيني .. وإذا فعل إسماعيل ستؤذيه هو الآخر أم ماذا ؟
هدر بسرعة : بالطبع لا أنا أحبه مثلما أنت تفعلين .
أسبلت جفناها لتصمت قليلا قبل أن تنطق بجدية : تحبه فعلا ؟! أومأ برأسه فأكملت بجدية - إذًا عليك أن تبحث عن طبيب نفسي يا زوجي العزيز ليهدأ من موجات غضبك .
اتسعت عيناه بغضب ناري ليهدر بها في رعونة وهو ينتفض واقفا : هل جننت ؟!
نظرت من حولها إلى الغرفة الفارغة إلا من سرائر الأطفال الذين لم ينتفضوا لصرخته - لحسن الحظ ، قبل أن تهمس من بين أسنانها بخفوت : اجلس يا زيد واحترم المكان الذي نحن فيه ، انتفض جسده أمامها بغضب فأتبعت بجدية - اجلس يا زيد من فضلك ودعنا نتفاهم .
ضيق عينيه ليعاود الجلوس مغمغما : ماذا تريدين يا أسيل ؟
ابتسمت بتشنج : هكذا نستطيع التفاهم ،
جابهها بتحدي ووميض الغضب في عينيه يرعبها ولكنها تكتم خوفها عنه وهي تتذكر حديثها اليوم مع هادي الذي أتى لزيارتها وزيارة طفلها ووعدها أنه سيحميها إذا أرادت ، شدت جسدها بجدية وجابهته بصلابة : سأعود إلى البيت أنا وإسماعيل قريبا بإذن الله ، وأريدك أن تكون حولنا إذا أردت أنت .
تمتم سريعا : وأنا أريد بالطبع .
أومأت برأسها متفهمة : نعم أعلم أنك تريد بالطبع ولكن ماذا ستفعل لأجلنا يا زيد لأجل أن نكون آمنين .
تمتم بضيق : أنا احميكم بنفسي يا أسيل .
نظرت الى عمق عينيه : ومن يحمينا منك أنت يا زيد ؟!! اهتزت حدقتيه بخوف فأكملت - إذا أردت أن تثبت لي صدقك في كونك تحبنا وتريد حمايتنا اذهب للطبيب يا زيد .
أطبق فكيه ليضيق عينيه هامسا بتروي ماكر أخافها : وإذ لم أفعل ؟
صمتت قليلا لتهمس بجدية : سأمنعك من البقاء معنا.
كسى الجنون ملامحه ليقبض على مرفقها بخشونة تعمدها فانتفض جسدها ليقربها إليه يهمس بفحيح أمام وجهها : هل فقدت عقلك يا ابنة عمي ؟
ابتسمت في وجهه ساخرة : بل استرديته يا زوجي العزيز .
ألقتها ساخرة وهي ترمي بنظرها من خلفه ليستدير بعدم فهم فيلتقط وجود هذا الضخم الذي يدركه جيدًا فهو أحد رجال هادي ليهمس لها وهو يضغط على مرفقها : تهدديني ؟!
أومأت برأسها : نعم لأجل صالح أسرتي أفعل ، إذا لم تستجب وتمتثل وتتعالج لأجل ابننا ساخلعك يا زيد واحتفظ بولدي معي وسأثبت عنفك معي وسأمنعك حتى عن رؤيته .سكن الذهول عينيه وهو ينظر إليها بعدم تصديق فاتبعت - أنا لأجل ولدي والمحافظة عليه سأفعل كل شيء وأي شيء فمن رأيي لا تتحداني يا زيد ، لأن أسيل التي كانت أنت قتلتها ورقصت فوق جثمانها طربا ، واليوم أنا أسيل جديدة سأفعل المستحيل لأجل صالح ابننا ، حتى إن كان صالحه أن أمنعه عن أبيه .
نفض ذراعها وهو لا يقوى على استيعاب تبدلها لتتنفس بعمق وتكمل بهدوء : تعالج يا زيد وعندما ستفعل ستجدنا في انتظارك أنا وإسماعيل ، علاجك النفسي سيكون في صالح الجميع .
رمقها بانتقام ومض بعينيه ليؤثر الصمت وخاصة حينما دلفت الممرضة التي تحمل زجاجة الحليب لتقترب منهما وهي تبتسم ببشاشة : مستعدة يا ماما ؟
أومأت أسيل في حماس سيطر عليها لتساعدها الممرضة في حمله فتضمه بتروي وخوف إلى صدرها فيستكين قلبها وتهدأ نبضاته المختلجة لتهم بإرضاع صغيرها وهي تبتسم في وجهه تهمهم إليه بخفوت ترحب به وتحتفي بوجوده بحضنها ليتصلب جسدها على قبلته التي طبعها فوق قمة رأسها بعدما وقف فلم تنتبه إليه ليهمس بجوار أذنها : انعمي به قليلا قبل أن آخذه منك يا أسيل ، ولنرى هل ستستطيعين حمايته مني أم .. ؟!
ترك جملته معلقه وهو يخطو مغادرا فيترجف قلبها خوفها وتنتفض روحها هلعا وهي تحتضن ولدها من جديد داخل حضنها وعيناها تتسع رعبًا عليه .
***
يزفر بقوة وهو يخرج الى الشرفة الارضية التي تطل على الحديقة الصغيرة الممنوع عليه الخروج إليها طوال النهار ، فعلاء يجلس له بالمرصاد كي لا يعرض نفسه لخطر لازال قائما وخاصة مع اختفاء الحقير الذي لم يظهر للان ، يكاد الملل يقتله وهو هنا وحيد لا يملك أن يفعل أي شيء حتى ابحاثه لا يستطع أن ينظر إليها بعدما افرغ جميع أجهزته من أي شيء يخص عمله حتى لا يتم سرقتها وخاصة بعدما أخبره علاء أن يخفف من الحماية التي هو بارع في وضعها يَصعُب اختراقها حتى يسمح للاخر بالولوج ويستطيع أن يحدد مكانه لياتي لهم ، فاستجاب هو للأمر ولكنه ترك بعض الأشياء التي لا تؤدي بهم لأي شيء بل وضعها مراوغة فلا يقوى أحد على الاستفادة منها ، استدار لينظر إلى باب الفيلا الحديدي القديم قليلا والذي حرسه زوج من الحراس يبدلان مكانهم مع زميلين آخرين كل اثنى عشر ساعة ، نظر إلى ساعته ليدلف الى الداخل قبل موعد قدوم الوردية الليلة والتي يكون هناك فارقا في حدود الثلاث دقائق بين تغيير الورديتين فاستغل هو أن علاء ذهب ليحدث فتياته في المطبخ وقرر أن يخرج للشرفة يتنسم بعض هواء الليل العليل .
ابتسم ساخرا وهو يسحب نفسا عميقا يحبسه داخل رئتيه وهم بأن يتخلص منه ولكنه لم يقوى وجسده يتصلب كاملا حينما شعر بتلك الفوهة المدببة تغرس بجانبه وصوت أدركه عقله على الفور وهو يستعيده من ذاكرته ، صوت استمع إليه من قبل في مكتب أخيه صوت ساخر .. بارد .. قميء يهمس ساخرا خلف رأسه : مساء الخير يا أخو أخي العزيز .
هم بالاستدارة فيوقفه الآخر بوغزة من فوهة سلاحه الذي حشره أكثر في خاصرته هادرا بأمر : إياك أن تستدر ، تصلب جسد عبد الرحمن أكثر ليتبع موشيه بهدوء : تحرك للخلف خطوتين ولا تحاول المراوغة .
استجاب عبد الرحمن مرغما لينتفض جسده بمقاومة عفوية حينما لف موشيه ساعده حول عنقه ليجبره أن يسير معه وهو يرفع فوهة السلاح من خصره ليضعها بجانب رأسه وهو يهمس امرا : تحرك معي بهدوء وإياك أن تصدر صوتا .
تمالك عبد الرحمن أعصابه ليهمس ببرود إنجليزي تمسك به في ضراوة وسخريته تحضر قويا : هل تختطفني يا ابن عمي العزيز ؟! لم يجب موشيه وهو يدفع عبد الرحمن نحو السلم فأدرك عبد الرحمن أنه يدفعه نحو غرفته وعقله يعمل سريعا يفكر ماذا يريد موشيه من الأعلى ليهمس ببرود مخالفا ما يشعر به – هل تتوقع أنك ستعرف تخرج بي من هنا ؟
ضغط فوق عنقه بقسوة ليهمس بغضب غمس بصوته : لا شأن لك .
اختنق عبد الرحمن ولكنه لم يبدي لينًا فدفعه موشيه بقسوة وهو يضغط فوق عنقه أكثر فينفخ عبد الرحمن عنقه وصدره متصديا لضغطه عليه ليحاول الاشتباك معه ولكنه توقف حينما همس موشيه محذرا بسخرية وهو يوغز عبد الرحمن في رأسه بفوهة سلاجه : توقف يا ابن الخواجة ولا تدفعني لقتلك هنا .
توقف عبد الرحمن عن الحركة ليجيب بجدية وهو يدرك سبب موشيه في عدم قتله للان : لن تفعل، فأنت تريد ما بحوزتي أولا ً ، أليس كذلك يا موشيه ؟
ابتسامة متهكمة وموشيه يدفعه بقوة أكبر نحو السلم : ذكي أكثر من بقية ابناء جلدتك ، هل هذا عائد لاختلاط أصلك ؟ تمتم متبعا وهو يتحرك به في بطء بسبب معاندة عبد الرحمن له مع حركة ساقه غير الطبيعية – أصل جدتك اليهودية فرق معك .
تمتم عبد الرحمن من بين أسنانه : هل لازلت على اعتقادك ، أنّا ماريا كانت مسلمة أنت فقط من تحيا بالوهم ، حتى عمي رحمة الله عليه كان مسلما ، زمجر موشيه بعدم رضا فضغط دون وعي على عنق عبد الرحمن الذي لم يعانده وهو يلتقط نظرة عيون علاء المتخفي بطريقة لم يدركه بها موشيه فيكمل عبد الرحمن قاصدا استفزازه – لقد ربوك في كذبه كبيرة .. بألوان منتفخ من أوهام صنعوها واقنعوك بها ، ولكنها مخالفة للواقع جملة وتفصيلا .
ساله موشيه حينما وصلا لأول درجات السلم : وما هو الواقع يا عبقري ؟
أجاب عبد الرحمن سريعا وعيناه تدور من حوله يبحث عن حسن الذي موقن من وجوده فيبتسم بثقة صدحت بصوته : أنك طبقا لشرعنا تابعا لديانة أبيك ، أنك مسلمًا مصريا حتى لو أنكرت هذه الحقيقة المخزية بالنسبة لك .
عبس موشيه بترقب وهو يشعر بشيء غير مفهوم فارتخى ساعده دون وعي فتحرك عبد الرحمن وهو يلتقط اشارة حسن الذي طل بعينيه من الجزء الملحق في السقف " سندرة السطح " فيقبض على ساعد موشيه ليلف بجسده سريعا بعدما ركل ساق موشيه المصابة عن غير علم بقدمة في قوة في نفس الثانية التي أطلق حسن رصاصته التي أصابت كف موشيه فاطارت سلاحه بعيدا فيتأوه بصوت مكتوم ولكنه لم يمنحه رفاهية الألم فيقوم بلي ذراع موشيه داخل ذراعه ليهتف وهو يضرب رأسه برأس موشيه في غضب انفرط من عقاله أخيرًا : ولكن مصر لا تتشرف بانتمائك لها
...
خمسة عشر دقائق مسبقا ...
يجلس في هذا المكان المتخفي داخل سطح الفيلا الذي يخفون بها عبد الرحمن ينظر إلى الشاشة التي تعكس إليه كل حركة تحدث في الخارج ، شاشات تجعله قادرا على رؤية كل شيء بوابتي الفيلا .. الحديقة .. مخرج المطبخ .. وذاك الباب الصغير للطوارئ .. السطح .. وسور الفيلا من الخارج الى جانب كل ركن داخل الفيلا سواء الدور السفلي أو الغرف بالدور العلوي .
ضيق عيناه وهو ينظر إلى السيارة الرباعية التي توقف أسفل الشجرة الكبيرة التي تخفي باب الطوارئ الصغير خلفها فيترجل منها أربعة رجال كان أولهما هو ، لمع الظفر بعينيه وهو يرمق حركته غير العادية ، ليتشكل ثغره بابتسامة شامته وهو يتأكد من أن إصابته له اخلفت عنها عاهة تؤثر على كفاءته ، ليراقبهم بهدوء وهم يقومون بكسر قفل الباب ويدلفون متخفين إلى الفيلا فيهمس بجدية إلى الجهاز المتصل به مع علاء والبقية : أنهم يقتحمون الفيلا يا علاء ، أربعة منهم موشيه ، أعتقد ان اثنان منهما سيذهبان للحارسين وواحد سيبحث عنك بينما موشيه سيتجه لعبدالرحمن ، وسيتوافد بقية رجاله حينما يسيطرون على الفيلا كما يتخيلون ، سيطروا على الوضع و تخلصوا من القادمين اليكم ، علاء وافيني عند السلم فموشيه سيذهب إلى عبد الرحمن رأسًا .
همهم علاء مجيبا : علم وينفذ .
التقط جهاز صغير متطور يشبه اللاسلكي ليهتف بجدية أمرة : استعدوا وأبدوا في خطة الاقتحام والفرقة باء تمشط المنطقة لا تتركوا أحد يشتبه أنه يساعدهم واغلقوا كل الطرق التي تؤدي لنا .
التقط سلاحه الخاص وهو يهمهم : هذه المرة نحن مستعدون جيدًا يا موشيه ولنرى من منا سينتصر .
***
ادراكه تاخر لوهلة .. وهلة فقط قلبت الموازين وهذا العبد الرحمن يلوي ذراعه بعدما أطاحت رصاصه أتت من فوق بسلاحه وإصابت كفه الأخر فتأوه بصوت مكتوم ولكن عبد الرحمن لم يمهله وقتا فيقوم بنطحه بقوة في وجهه فيشعر بانفه التي كسرت على الفور ويتراجع جسده خطوتين رغما عنه للخلف فيصرخ عبد الرحمن غاضبا وهو يرفع ساقه ليرفسه في بطنه بقوة : وأنا وإخوتي لا نتشرف بقرابتك
انثنى جسده للأمام في ردة فعل تلقائية بسبب ضربة عبد الرحمن القوية ليتبع عبد الرحمن وهو يضربه بذراعه المثني بوضع قائم على موخرة عنقه فيسقطه أرضاً عند قدميه : أنت بالنسبة لآل سليمان لم تتواجد قط .
توقف عبد الرحمن لاهثا حينما دفعه حسن الذي قفز من الأعلى فيقف فوق رأس موشيه بسلاحه المشهر وعلاء الذي طوق ظهر موشيه بركبته التي ضغطت على أسفل ظهره فصرخ بقوة غير محتملا للألم الذي سرى بظهره كله وهو يضع فوهة مسدسه في رأسه هاتفا بصدمة وهو ينظر إلى عبد الرحمن بوجهه الاحمر المنتفخ غضبا واللاهث بجنون ومض برزقاويتيه : أحسنت يا باشمهندس .
تنفس عبد الرحمن بثبات وهو يقف فوق رأس موشيه المستلقي أرضاً علاء يقيد ساعديه وفرقة الشرطة تقتحم المكان وتعلن خلوه من أي عناصر أخرى تتبع العدو فيهتف حسن بمزاح ليس من شيمه وهو يرتب على كتف عبد الرحمن يهدأه : مظهرك الأجنبي لا يوحي بكل هذا يا ابن الخواجة ، ليتبع بتعجب حينما رمقه عبد الرحمن باستهجان – توقعتك ستلكمه لكن هذه النطحة الاسكندراني لم أتوقعها أبدًا .
ضحك عبد الرحمن رغما عنه ليزفر بقوة وهو يحاول استعادة هدوءه فيقترب منه علاء بعدما سحبوا أفراد القوات الخاصة موشيه خارجا ليربت على كتف عبد الرحمن بود : إنه مصري أصيل رغم أجنبية ملامحه .
فيبتسم عبد الرحمن ليتمتم ساخرا ببرود جزء من شخصيته : اها نعم أنا مصري أبًا عن جد ولكن ملامحي الأجنبية كانت سببًا رئيسًا حتى لا أستطيع أن أكون زميلكما في خدمة وطني .
ومض التعجب بعيني حسن ليبتسم علاء بخفة هامسا ببشاشة : ولكنك زميل لنا بالفعل يا عبده ، إذًا مسموح لي بأن اناديك بعبده .
ضحك عبد الرحمن واومئ برأسه إيجابًا : بالطبع مسموح لك ، نحن عشرة هجوم واقتحام .
تعالت ضحكات علاء ليهتف حسن بإعجاب مفتعل : وتمزح أيضًا كالمصريين .
حرك عبد الرحمن كتفيه بلا مبالاة ليجيبه ساخرا : تخيل .
ابتسم حسن ليمد كفه مصافحا : أشكرك على تعاونك معنا يا باشمهندس .
ليصافحه عبد الرحمن بود : بل الشكر لكم لحمايتي وحماية عائلتي وكل معارفي ، شكرًا لانقاذي أكثر من مرة من موت محقق أنا وأبي وأخي ، شكرا يا حسن بك أنا سعيد بالتعرف عليك ومعرفتك أنت وعلاء بك .
هتف علاء وهو يحيط كتفي عبد الرحمن بذراعه في أخوة : لا تخلصنا من علاء بك هذه ، نحن عشرة كما قلت وأنا دعوتك بعبده وعليك أن تدعوني بلول .
ليكمل حسن بهدوء : أو لولو كما تدعوه أيتن .
عبس عبد الرحمن بتعجب فقهقه علاء ضاحكا ليهتف : هذه فتاتي الصغيرة التي أصبحت الوسطى الآن .
تمتم عبد الرحمن بصدق : بارك الله لك فيهن .
أشار إليه علاء بغمزة شقية : العقبى لك ، ولمن ببالي يارب .
زجره حسن بنظرة حادة قبل أن يبتعد عنهما فيضحك علاء ليكمل بأريحية : أعتقد هكذا لا حائل بينك وبين الزواج .
ومضت زرقاويتيه بازرق غني ليهمس بصوت أبح وهو ينظر إلى دبلته الفضية : لا الحمد لله ، سأبدأ بتجهيز الزفاف بإذن الله ، وأتمنى تشرفاني به انت وعائلتك وحسن بك .
تمتم علاء باخوية : بالطبع ، سأتي وأتي بالفتيات أيضًا ، ولكن حسن لا أعتقد أنه سيحضر فبينه وبين الأعراس عداوة فطرية .
ضحك عبد الرحمن رغما عنه ليهتف : حسنا سأنتظرك .
أومأ علاء برأسه ليهتف به : هيا لملم اشيائك لنعيدك إلى عائلتك سالمًا يا عبقري.
***
بعد ستة اشهر
يتحرك ببيته ينهي بعض الأشياء الخاصة بعمله قبل أن يغادر متجها إليه ، ينظر إلى بعض الأشياء التي تخص تنفيذ المشروع الذي تفرغ كاملا لتنفيذه في برتوكول تم التعاقد معه هو وعادل من قبل إدارة المشفى لتنفيذه حصريا في معاملهم ، فأصبح مسئولا عن الجانب التقني فيه وترك عمله السابق في المشفى ، زفر بقوة وهو يشعر بالامان يخيم عليه ولو قليلا خاصة بعدما عرف أن موشيه لقى حتفه مسموما في سجنه المحبوس فيه ، لا يعلمون للان كيف وصل إليه السُم داخل الحبس ولكن ما فهمه من حديث علاء حينما سأله عن الأمر في مقابلات ودية تتم بينهم من الحين إلى الآخر وهما اللذان أصبحا صديقان ، أن هناك من سممه في محبسه وكأنهم يريدون الخلاص منه فمرروا إليه السم بطريقة كانوا يبحثون عنها ولكنه لم يهتم بالأمر كلما أهمه أنه مات ، فهو كان يحيا خائفاً على نفسه وعليها أيضًا ، رقية حبيبته التي أضفت على حياته وهج جديد خاص بها ، فرقية المتزمتة .. الصلبة .. الحادة تبدلت بعد ليلة زفافهما إلى اخرى خجول .. رقيقة .. وناعمة كما لم يتخيلها أبدًا ، رقية التي احتضنت شروخ روحه ورممتها واحتوت الخلل بداخله وأصلحته ليصبح كاملا بعشقها وفائزا بقلبها النقي وحبها غير المشروط له ، ابتسم بسعادة خيمت عليه لينظر إلى ساعة معصمه فيشعر بكونهما تأخرا عن موعد العمل فيقف في ردهة البيت الواسعة ليهتف بجدية : رقية ، هيا تأخرنا ، لا أفهم ما الذي يؤخرك هكذا اليوم ؟
استدار على عقبيه حينما شعر بخطواتها الهادئة الآتية من خلفه ليرفع حاجباه بتعجب حينما وجدها ترتدي مئزر ستاني بلون العسل ليهمس بتساؤل متعجب : لم ترتدي ملابسك ؟!
هزت رأسها نافية : لا ليس بعد .
ضيق عيناه فيسأل بقلق استقر بحدقتيه : لن تذهبي للعمل ، أتبع باهتمام وهو يقترب منها - هل أنت بخير؟
ابتسمت فومضت غمازتيها لتجيب : نعم أنا بخير والحمد لله .
عبس بعدم فهم سرعان ما اندثر وهو يهمهم بمكر مشاغبا والمكر يومض برقاويتيه : إذًا هل مسموح لي أن أتغيب اليوم بدوري؟
ضحكت لتجيب بلا مبالاة وهي تهز كتفها بعدم معرفة : على راحتك .
اقترب أكثر وهو يفتعل التفكير لتضحك بخفة حينما لف خصرها بذراعه ليجذبها إليه : ولكن ألن يثير هذا تساؤلات الجميع عنا ، وهمساتهم في الغد ، كتمتت ضحكتها ووجهها يحتقن خجلا وهو يتبع يذكرها بحديث قديم أسمعته إليه قبل حينما أرادا أن يتغيبا سويا - واستفسارات أبيك وأخيك حينما يعلمان أن ابنتهم تغيبت برفقة زوجها لا سمح الله .
انفلتت ضحكتها رغمًا عنها لتهمس بخفوت وهي تفرد كفيها على صدره تداعب أزرار قميصه الذي بدأت في فكها بعدما باعدت طرفي سترته : سأخبرهما أني اضطررت لذلك ، فيا حرام أنت استيقظت مريض للغاية وأنا لم أستطع أن أتركك بمفردك .
نطق بتأثر مفتعل : اووه ، بالطبع كيف ستتركينني هكذا وأنا درجة حرارتي مرتفعة للغاية ؟ أتبع وهو يجذب كفها ليضعها فوق جبهته - أرأيت كيف احترق شوقا ؟
تعالت ضحكاتها ليكز على شفته بخفة هامسا بشقاوة : وكما أتوقع أن ما ترتديه تحت هذا المئزر سيرفع من درجة حرارتي أكثر .
ومضت عيناها بإغواء أنثوي تعمدته : حقا ؟
ومضت عيناه بزرقة غنية ليهمس وكفاه تلامس ظهرها ببطء : اوووه ، هكذا سأحترق حقا ؟ اتبع بندم - كيف لم التقط منذ طلتك الأولى أنه مئزر وحيد شريد حقه أن ينضم لبقية ملابسك بصوان الملابس ؟
تعالت ضحكاتها ليشاركها الضحك وهو يضمها أكثر إليه بعدما داعب حزام المئزر فأبعد بين طرفيه ليهمهم وهو يدفن أنفه في تجويف عنقها هامسا : اشتقت إليك يا روكا .
تعلقت برقبته وهي تنصهر تحت أنفاسه الساخنة : وأنا الأخرى يا عبده ، اشتقت إليك كثيرا .
نثر قبلاته فوق جيدها .. عنقها .. وجنتها .. أنفها .. قبل أن يلتقط شفتيها في قبلة عميقة محمومة وهو يجذبها إلى صدره يضمها إليه كي يتوحدا سويا فيحملها ليضعها فوق طاولة الطعام القريبة وهو يشمها بأنفاسه في عموم جسدها ليهم بوصالها فتستوقفه بعدما ضغطت على كتفيه تنبهه لما تريد أن تخبره نظر إليها باستفهام لتهمهم من بين لهاثها بخجل ورد وجهها : أنا حامل .
بريق رضا أنار حدقتيه ليلهث بالحمد كثيرا وهو يضمها إليه أكثر قبل أن يحملها من جديد فتهمس بعدم فهم : إلى أين ؟!
فيقبل شفتاها قبلات عديدة متكررة وهو يتجه نحو غرفتهما : الطاولة ستكون قاسية عليك ، نريد مكان ادفأ وأكثر راحة لك .
***
تدور من حول نفسها وهي تشعر بالتوتر يخيم عليها بعدما نظرت في التقويم الخاص بها أكثر من مرة لتحصي الأيام الفائتة بتركيز فتطلع النتيجة إيجابية لتصدمها مرة بعد أخرى فتدور ثانية من حول نفسها وهي تشعر بانها تحتاج إلى والدتها .. إلى حضن أمها الدافئ .. تحتاج إلى احتوائها .. طمأنتها .. ومشورتها فيما عليها فعله في هذا الأمر غير المتأكدة منه .
تحركت بخطوات متلاحقة نحو غرفة نومها لتنظر إليه يغط في نوم عميق وهو الذي قضى ليلته معها ساهرا فعمله اليوم مساء ، جلست بجواره هزته برفق لتهمس بتبرم : استيقظ يا عمار .
تململ في نومه ليرف بجفنيه قبل أن يعاود النوم ثانية مهمهما : فقط خمس دقائق أخرى .
لوت شفتيها بضيق وتوترها يزداد حدة لتدفعه بلطف من كتفه العار : حسنا ظل نائما فقط أردت أخبرك بأني سأذهب لماما قليلا .
فتح عينيه نصف فتحة لينظر إليها قليلا وعقله يبدأ بالعمل والإدراك ليتأمل ملابسها العملية البسيطة ليهمس بجدية متسائلا : ما بها خالتو ؟! هل هي بخير ؟!
تمتمت باختناق : نعم هي بخير أنا فقط فكرت بأن اذهب وأتناول الفطور معها أريد التحدث إليها في بعض الأمور .
تغضن جبينه بانزعاج وهو يلتقط جسدها المتشنج وتوتر نظراتها كفاها المتشابكين في بعضهما بقلق ليضطجع على الفراش خلفه ويسألها بهدوء : ما بالك يا موني ؟ اشعر بك ضائقة .
هزت رأسها نافية لتزفر بقوة : أنا بخير .
رفع حاجبه بتعجب ليهتف بهدوء : حسنا انتظري إلى أن أغادر واذهبي لخالتو فأنا لدي عمل بالمساء ، سأوصلك إليها قبل أن أذهب إليه .
تمتمت بعصبية : لا أريد الانتظار للمساء ثم هاك أنت نائما وأنا أجلس بمفردي .
ابتسم بخفة ليهمهم بمكر : لم أنم إلا صباحا يا مونتي ، ألا يكفيك سهري معك طوال الليل ؟
عبست بضيق لتهتز ساقها بتوتر : لا أريد أن تسهر معي ثم ألا تفكر إلا هكذا ؟!
ضحك بخفة لينتفض واقفا : حسنا لا تغضبي ، اقترب منها ليضمها إلى صدره العار بعد أن عدل من وضع بنطلون منامته ليقبل جبنيها - هاك أنا استيقظت لأجلس معك ولا أتركك بمفردك يا حبيبتي .
برمت شفتيها بنزق لتهمس : حسنا اغتسل وارتدي ملابسك حتى توصلني الى ماما .
رفع حاجبيه بتعجب ليهمس بتساؤل متفكه وهو يطل من داخل دورة المياه : لن أذهب معك أيضا .
أشاحت بعينيها بعيدا وأثرت الصمت ليخرج إليها بعد قليل وهو يجفف وجهه بمنشفة ناولها لها : حسنا ألن نتناول الفطور ؟
تمتمت بضيق وهي تلقي بالمنشفة في سلة الملابس ، ثم تخرج أخرى نظيفة تضعها بدورة المياة لتصيح من الداخل : تناوله مع أنطي ياسمين .
لم يجب فعادت للغرفة لتنظر إليه بصدمة مستلقي بالفراش ثانية لتهتف بعدم فهم : ستعاود النوم؟
تنهد بقوة ليفرد ذراعه يمد كفه لها كي تأتي إليه فتقترب مرغمة لتضع كفها براحته فيحتضنها بحنو قبل أن يجذبها إليه بلطف يهمس وهو يفسح اليها مكاناً بجواره : تعالى يا يمنى .
استلقت بجواره بالفعل ليضمها إلى صدره يقبل رأسها وهو يتلاعب بالطوق المطاطي الذي يلملم خصلاتها في كعكة فوقية كما تفعل حينما تكون متوترة هامسا بجانب أذنها وهو يضمها من كتفيها إليه : اهدئي واسترخي يا حبيبتي .
تشنج جسدها برفض سرعان ما اندثر حينما دلك كتفيها براحتيه وهو يهمس إليها بخفوت أن تهدأ .. يدللها بلمساته فترتخي أعصابها ويهدأ انفعالها ليبتسم بحنان وهو يلتقط استقرار نظراتها ، قبل جبينها .. وجنتها .. طرف فكها قبل أن يديرها إليه ليلتقط شفتيها في قبلة طويلة أدارت عقلها وأشعلت حواسها ليهمس بخفوت وهو يقفز واقفا قبل أن يجذبها نحوه يضمها إلى صدره قبل أن يدفعها بلطف أن تسير معه وهو يخلصها من ملابسها بتروي وهو يحرص ألا تنقطع قبلاتهما : أعتقد أنك تشتاقين للارجحة يا مونتي .
دفعها بخفة لتستلقي فوق الأرجوحة التي تحتل ركن غرفتهما الجانبي قبل أن ينضم اليها يسحب الشرشف الذي يحرص على تواجده بحامل الأرجوحة المعدني ليدثر جسديهما به قبل أن يحتويها في حضنه هامسا : أتركي العنان لنفسك ودعيني أعتني بك لاخلصك من توترك الذي يلم بك .
همهمت باسمه في رجاء مدلل ليبتسم من بين قبلاته مجيبا بتوق : أنا كلي معك ولك يا مهرتي .
بعد كثير من الوقت تمطات بدلال تشد جسدها بحركات عفوية تطير بصوابه تتململ من احتضانه القوي لها وتشابك ساقيه مع ساقيها لتهمس بخفوت حينما منعها بإصرار أن تتخلص من تشابكه معها : ستتأخر عن عملك .
ابتسم بخفة : أنا أزوال عملي الآن .
رفعت حاجبيها بتعجب لتهمس بغيرة وهي ترفع رأسها تنظر لعينيه : يا سلام هل تعمل هكذا بالمشفى ؟
ضحك بخفة ليعيد رأسها ثانية إلى حضنه يهمس بخفوت وهو يلامس خصلاتها التي تفترش صدره يمسدها بحنان : بل عملي الأول هو كوني زوجك يا يمنى ، أنها مسئوليتي الأولى وواجبي الأول في حياتي .
ابتسمت برقه ووجنتيها تتوردان ليهمس بجدية وهو يعتدل باستلقائه يتأمل ملامحها قبل ان يسأل بهدوء : أخبريني ما الأمر الملح الذي كنت تريدين الحديث فيه مع خالتي ؟
توتر جسدها من جديد لتشيح بعينيها بعيدا ليهمس باسمها في اصرار فتجيبه بنزق خافت : أنه شيء خاص بي .
عبس بتعجب ليسأل بعتاب : وهل هناك شيء خاص بك ليس خاص بي ؟!
تململت لتحاول النهوض فيتمسك بها في اصرار ليهمس بجدية أمرة : يمنى ما الأمر أخبريني .
احتقن وجهها بقوة لتتسع عيناه بإدراك قبل أن يهمس بعدم تصديق : هل تشكين بكونك ..؟
ترك جملته معلقة لتزم شفتيها وتؤثر الصمت ليهمس بارتياع : يا الله كم أنا غبي ، ليتبع وهو يهزها بلطف يجبرها أن تنظر إليه - لذا كنت تخبريني بإصرار أن أتمهل وأنا كنت أظن .
انتفضت لتضع كفيها فوق شفتيه مرددة اسمه بجدية : عمار .
نظر إليها بعتاب ليسأل بجدية : لماذا لم تخبرينني ؟
هزت كتفيها بعدم معرفة لتهمس : أنه ليس مؤكدا ، وأنا لا أفهم شيء ولا أعرف شيء ففكرت أن اتحدث مع ماما .
أدار نظراته عليها بتمهل ليهمس بفخر : ولكني متاكد من كونك هذه المرة تحملين طفلي .
عبست باستنكار لتهمس : لماذا هذا التأكيد تزوجنا منذ الستة أشهر وكانت غير منتظمة في معظم الأشهر تأخيرها هذه المرة ليس دليلاً على شيء .
افتر ثغره عن بسمة شقية ليهمس بخفوت وكفاه تنزلقان على جسدها : ولكن تغيراتك دليلاً على أشياء كثيرة . أتبع وهو يضمها إليه يهمس بجانب أذنها - حتى اشتعالك مختلف يا حبيبتي.
احتقن وجهها بالأحمر القاني فهمس بشغف مزج بنبراته الابحة : أنه نتاج تلك الليلة أليس كذلك؟ عبست بعدم فهم فأتبع بشقاوة زينت ملامحه – ليلة المطبخ .. والطاولة .
اختنق حلقها وهي تشيح بنظرها بعيدا عنه بينما عينيه وشت بذاكرته التي أعادت على عقله هذه الليلة القريبة التي لم يتخلص من تأثيرها عليه إلى الآن ، تلك الليلة التي عاد فيها من عمله متاخرا فظن أنها ستكون غاضبة منه لأنه تأخر عليها وهو من وعدها أنه سيأتي مبكرا ، وهي كانت بالفعل غاضبة ولكنها نفثت عن غضبها بطريقة مبتكرة أعجبته للغاية ، لن ينسى قط تعجبه من الظلام الذي بدده بعض الاضواء الخافتة المنبعثة بطريقة شاعريه ، عبوسه يزداد وهو يستمع إلى حركتها الخفيفة التي أوشت إليه بوجودها في المطبخ فتحرك للداخل ليتوقف وهو ينصدم بما يراه أمامه ، انسلت حقيبته الجلدية الفخمة من كف يده وهو يتطلع إليها مبهورا ينظر لها كيف تتوسط مطبخهم بهذا الرداء الذي لا يجد له وصفا ولا يقوى عقله على التفكير هل ارتدته في وقت عودته لتحضر به الطعام أم تبيت النية على ان تفقده تعقله ؟
استدارت ليكتم نفسه وهو يتطلع إلى فتحة الفستان العمودية على صدرها فتكشف عن تكور نهديها المتصلبين أمامه فيشعر بالتعرق يغزو خلاياه وجسده يصبح أكثر سخونة حينما رمش بعينه وهو يتذكر مظهر مؤخرتها الرائعة في فستانها القطني بقماش مشدود يجسد منحنياتها المهلكة
همست بابتسامة ماكرة : مساء الخير ، متى عدت ؟
شعر بجفاف شديد في حلقه ليخطو نحوها بخطوات واسعة فيحتجزها بين جسده وطاولة المطبخ من خلفها والتي تمسكت بحافتها بكلتا كفيها حينما ضم خصرها بذراعه ليحتضن وجهها بكفه الآخر ملتقطا شفتيها بقبلة طويلة تائقة متعطشة لمذاقها وهو يهمس اليها باعتذاره عن تاخره عليها ، تركها بعد قليل لاهثًا أنفاسه المتلاحقة وهو يدير عينيه على ملامحها المسترخية عيناها الناعستين وابتسامتها الذائبة فوق حافتي شفتيها ليعاود تقبيلها بتوق لا ينضب قط
همست بعد قليل وهي تدفعه بدلال تحاول أن تتملص من احتضانه لها : توقف يا عمار ودعني أضع العشاء
استدارت نصف استدارة ليلتصق جسده بها وذراعه الملتف حول خصرها يضمها أكثر إلى صدره ، كفه الذي يحتضن وجنتها انخفض بنعومة ليداعب بشرة رقبتها بأنامله التي تنقل تيار لهفته في دمائها حينها كتمت تأوه خافت كاد أن ينسل من بين شفتيها حينما شعرت بكفه الأخر تتحرك بعشوائية فوق ظهرها لتنخفض نحو أسفل ظهرها فيداعبها بشوق محموم وهو يهمس بصوت أجش أوشى برغبته الجلية في وصالها : أين هو العشاء ؟! وأين ستضعينه ؟!
همهمت بكلمات غير مترابطة وهي تشعر بهجوم كفيه يزداد ضراوة وحسية تشعل حواسها وخاصة حينما داعبت أصابعه عقدة الشريط الذي يضم فتحة عنق فستانها لتتسلل كفه إلى الداخل فأفقدها جزء من تعقلها الذي حاولت التشبث به همهمت بخفوت أبح وهي تحاول التملص من هجومه عليها : سنتعشى هنا على الطاولة .
شفتيه اللتين لا ترحمان ضعفها الذي يجيد أن يخرجه من مكمنه تقبلانها بقبلات كثيرة وشمت كل خلية بجانب وجهها .. عنقها .. وكتفها العار ليهمس أخيرًا وهو يديرها فيلتصق بها ويحتضنها معتصرا جسدها بداخل صدره : جيد الطاولة جيدة لتناول وجبة دسمة من العشاء .
ألقى جملته ليجبرها أن تنحني أمامه فتستلقي بوجهها فوق خشب الطاولة الفارغة لتشهق بخفة تناجي باسمه وهو يمنحها كل مشاعره .. لهفته .. توقه .. شغفه بها يضمها بين ذراعيه اللذين يضغطان جسدها بقوة ويصلها بشوق محموم دون هوادة ، ينثر كلمات غزله الجريئة وقبلاته المتدفقة فوق كل ما تطوله شفتيه ناطقا بعشقه لها كعادته وهو يمنحها جزء من نفسه في كل مرة يصلها بها .
همس دون وعي وعيناه تغيم بعاطفته القوية : ما رأيك أريد أن نكررها قريبا ، لعق شفتيه وهو يتبع – ولكن لنتأكد أولا من الطبيبة أن كل شيء بخير قبل أن أريك كيف اشتقت إليك .
دفعته في كتفه بضيق : توقف يا عمار ولا تأتي بذكر هذه الليلة ثانية ارجوك ، لتتبع وهي تبتسم بغيظ تحاول أن تمحي هذه النظرة العاطفية المتدفقة من حدقتيه - ثم كل ما ذكرته ليس دليلاً فأنا أحصل بكل مرة يقترب موعدها على تغيرات لا شيء جديد .
اسبل جفنيه وهو يدرك خجلها الذي لا تقوى على التعامل معه قبل أن يهمس بثقة : هذه المرة التغيرات مختلفة أنا أوكد لك .
زمت شفتيه بضيق لتدفعه بعيدا تريد أن تنهض فيجذبها إليه من جديد هامسا بخفوت : توقفي عن المعافرة والضيق والنزق يا يمنى واهدئي .
تشنج جسدها بين كفيه قبل أن تمد شفتيها ببكاء شعر به قادم لا محال وحدث بالفعل عندما فقدت رباطة جأشها وهمست بصوت باك : أنت لا تدرك ما اشعر به أو أفكر فيه ، أتبعت باختناق - أنت لا تفهم .
عبس ليرفع حاجبه بتعجب اختفى لتسكن الصدمة عينيه عندما تابعت بانفعال قوي وهي تخفي وجهها بين كفيها : أنا لا أجد مخرج من هذه المصيبة ، كيف سأخبر بابا أني حامل ؟ كيف ساقوى على أن انظر لوجه اسعد حينما يعلم .. كيف سأتحمل نظرات عادل .. نادر وجميعهم ، كيف سأتعامل معهم بعدما يدرك الجميع أني حامل ؟
تنهد بقوة حينما أجهشت في البكاء ليجذبها إلى صدره يضمها إليه فتبكي فوقه وهو يربت على رأسها مهدئا قبل أن يهتف بسخرية لم يستطع التخلص منها : معك حق ، كيف ستخبرينهم أنك تحملين طفل آل الجمال .. طفلي الذي منحه الله لنا بعد زواجنا ؟! أتبع بتفكه - أنها معضلة يا يمنى كيف سنخبرهم حقا أنك حامل من زوجك ؟!
توقفت عن البكاء لترفع رأسها تنظر اليه بغضب مزج بعدم فهمها : أنت تسخر مني ؟!
أومأ برأسه إيجاباً ليجيب وهو يضع عيناه بعينيها : أينعم ، اسخر منك أفضل بكثير من أن أغضب يا ابنة خالتي .
تمتمت بعدم فهم وملامحها تشحب وهي تلتقط جسده الذي تشنج أمامها ، عيناه التي اختفى خضارهما ليحل العسلي القاتم بهما : لماذا تغضب ؟
رفع عينيه إليها ليهمس من بين أسنانه : لأنك تبكين بينما عليك أن تفرحي بكونك حاملا .
تمتمت بسرعة : في أول الأمر طرت فرحا لأفكر بعدها بدقائق بابي وإخوتي .
زم شفتيه بضيق ليسال بصبر : ما بالهم يا يمنى ؟! ما دخل أبيك وإخوتك في أمر حملك ؟! ألا تعتقدين أنهم يدركون أنك زوجتي ، أبيك وإخوتك حينما تزوجنا هل تظنين أنهم لا يفهمون كونك أصبحت زوجتي أنك ستحملين أطفالي ؟!
رفت بعينيها لتنفض رأسها بخجل وحرج داهمها : لا تتفوه بهذا الحديث ثانية ، بابا لا يفكر هكذا!!
ارتفعا حاجبيه بصدمة : لا يفكر هكذا لماذا ألست أنا رجلا بم فيه الكفاية ليفكر هكذا ؟!
عبست بضيق : ما الذي تقوله يا عمار ؟!
انتفض واقفا يرتدي بنطلونه بغضب : بل ما الذي تقولينه أنت ؟! أتبع هادرًا - اسمعي يا ابنة الأمير، أنت زوجتي ، أبوك زوجك لي وهو يعلم أنك ستصبحين امرأتي وأم أطفالي فتوقفي عن الغباء بالله عليك ولا تتعاملين مع أمر حملك كأنه شبهه أو خطيئة .
جلست بحزن خيم فوق رأسها : بالطبع لا أفعل ولكني .. صمتت ليستدير ينظر إليها فيلين قلبه مرغما وهو ينظر إلى دموعها التي تحاول السيطرة عليها تبعثرها الذي يحسه وخجلها الأثنوي الذي طالما تهربت من الشعور به ، عاد إليها ليجاورها جلوسها يدفع الأرجوحة بقدميه فتهتز بهما مرة .. اثنان .. ثلاثة قبل أن تميل نحوه تضع جبهتها في منتصف صدره وتجهش في بكاء فيضمها إلى صدره يمنحها كل الأمان الذي تريده في حضنه ليقبل جبينها هامسا بخفوت وهو يهدهدها كالأطفال : اهدأي يا حبيبتي ، كل شيء سيكون على ما يرام ، لا تخاف وأنا إلى جوارك يا مونتي .
تمسكت بصدره أكثر لتهمس من بين بكائها : أنا أحبك يا عمار .
انتفض قلبه بخفقات هادرة ليسحب نفسا عميقا قبل أن دفعها بعيداً عنه قليلا ينظر إلى عمق عينيها متسائلا فابتسمت من بين دموعها مرددة : أنا أحبك يا عمار .
زفر أنفاسه الثقيلة فأراح صدره المهتاج بمشاعره الثائرة نحوها ليميل نحوها يقبلها بتمهل هامسا من بين شفتيها : وعمار غارق في حبك يا مونتي .
***
رنين هاتفه لا يتوقف فلا يقوى على الرد عليه فيوكل الأمر لمساعده وهو ينظر إلى عدسة الكاميرا المتطورة أمامه في موقع تصوير فيلمه الأول ليهتف بصوت جاد خشن : أكشن.
خطى مساعده بعيدا ليجيب الهاتف قبل أن يعود مسرعا متجاهلا التصوير ليهتف بفزع : أنها المشفى يا سليم ، أخبروني أن أنجي هانم لديهم من الواضح أنها تعرضت لشيء ما فأنا لم أفهم الأمر جيدا .
اتسعت عيناه برعب ليهتف وهو يخطو مسرعًا بعدما حمل أشياءه متجهًا لسيارته : الغي التصوير لليوم .
نهب الأرض بسيارته وهو يحاول الاتصال بها دون فائدة إلى أن وصل للمشفى الذي أخبره باسمها مساعده ليركض للداخل يسأل عنها فترشده ممرضة الاستقبال لمكان غرفتها فيدلف سريعا هاتفًا بجزع : ما بالك يا انجي ؟! ماذا حدث يا حبيبتي ؟!
دموعها انسابت من جفنيها المنتفخين وكأنها أمضت الساعة الماضية في البكاء وجهها شاحب وأنفاسها ذاهبة لتهمس بصوت ابح والألم يتشكل في ملامحها : ذهب يا سليم .. ذهب ، لم استطع الحفاظ عليه ، لقد أجهضت يا سليم
كست الصدمة ملامحه ليهتف بوجل : كيف ماذا حدث ؟!
همهمت وهي تئن وجعا : لا أعلم نهضت من الفراش لأذهب إلى دورة المياه ، فأنت تعلم منذ أن بشرنا الطبيب بوجوده وأنا الزم الفراش والتزم بالتعليمات ، ترنحت وشعرت بالدوار تماسكت وتحاملت على نفسي وأنا اشعر بألم يعتصر أسفل بطني لأخطو خطوتان فقط قبل أن تميد الأرض اسفلي وأسقط مغشيا علي ،
أغمض عينيه يخفي حزنه بداخله فأكملت وهي تنهنه في بكائها - استفقت لأجدني هنا والطبيب يخبرني أني فقدته .
ارتعش ثغره بابتسامة حاول أن يواسيها بها وهو يقترب منها يجاورها جلوسا ليضمها إلى صدره هامسا بحنان وهو يقبل رأسها : لا عليك يا حبيبتي ، الحمد لله انك بخير ، سيعوضنا الله عنه خيرًا.
نهنهت في البكاء بصدره ليضمها أكثر يهدهدها بحنو ويقبل رأسها بين الفنية والأخرى يمنحها أمانًا وحبًا ودعمًا رغم وجه قلبه على الطفل الذي لم يمنحه القدر فرصة أن يفرح به كما ينبغي ،
تنفس بعمق ليهمس بخفوت بعدما قبل جبينها ثانية : لعله خير يا حبيبتي ، لا تحزني سيعوضنا الله بدلًا عنه .
تمسكت بصدره اكثر لتدفن دموعها في صدره الذي أصبح أمانها .
***
مستلقى فوق مفرش قطني خفيف مفروش فوق عشب الحديقة الخاصة ببيت عائلته ، يجلس في شمس الشتاء الجميلة التي تنير السماء وتنعكس بضياء بهي دون أن تلسعهم بحرارتها ، يضع فتاته فوق صدره يلاعبها وطفليه الآخرين جميعهم داخل دائرة من الخشب تحيطهم فلا تسمح لأطفاله بالتجول في بقية المكان ، سليمان يجلس مجاورا يراقب لعبته البلاستيكية المتحركة عن كثب ويزحف من خلفها كلما ابتعدت فيمسك بها ليزحف عائدا فيجلس بنفس المكان ثانية ويدعها تتحرك من جديد وهكذا يعيد الأمر مرارًا بنفس النمط وهو يضيق عينيه في نظرة استكشافيه كما يطلق عليها عمر ، أما الآخر ابنه المزعج والذي يستطيع الوقوف والسير لثلاث خطوات كاملة متفوقا على أخيه وشقيقته يزحف قليلا ويسير قليلا ويدور من حوله يبحث عن مكان الخروج من هذا السجن الذي لا يطيقه فيراقبه أحمد وهو يداعب تارا بقبلاته ليتاهب بجسده حينما توقف فارس مستندا على الباب الخشبي المصمت ليطرق عليه بكفه وهو يزن نفسه ويناغي بصوت عالي ويناديه بطريقة متقطعه كعادته مؤخرا : امد .. داد
فيستطيع أحمد أن يعي أنه يدعوه باسمه وكنيته ليفتح إليه الباب فيغمض أحمد عينيه عنه متحاشيا الرد عليه ليبدأ المزعج في الصراخ بطريقة أمرة مناديا على والدته التي لا يقوى على نطق كنيتها ولا اسمها بل يصرخ في تكرار يذهب بعقل أحمد وهو يكرره راااا .. رااااا
فيهز أحمد رأسه بيأس قبل أن يحدثه بنبرته الآمرة : توقف عن الصراخ يا فارس .
صمت فارس على الفور ليجلس قليلا قبل أن ينهض بثقل واقفا من جديد ليبدأ بطرق الباب من جديد وهو يناغي باختصار لا يفهمه أحمد فيعبس لينهض جالسًا وهو يعبس بتفكير ليدرك أن فارس ينادي على عمر الذي ظهر أمامه يحمل طفلته الصغيرة بحضنه فيضحك أحمد وهو يهتف به : مرحبا يا أبا رهف أنرت البيت بوجودك
اقترب عمر منه هاتفًا يمرح : مرحبا بك يا أبا فارس ، كيف حالك ؟!
أشار إليه أحمد بكفيه : هات رهف أولا ً أرحب بها اقبلها واحتضنها قبلما تنتبه لي تارا وأنت اجمل هذا القبضاي الذي سيكسر الباب بسببك .
قهقه عمر وهو يمنحه ابنته الصغيرة لينحنى نحو فارس يحمله بين كفيه ليحتضنه بزمجرة خشنة قبل أن يرميه إلى الأعلى ويلتقطه في مرات عديدة وهو يمازحه فتتعالى ضحكات فارس تملئ الأجواء من حولهما وتنبه سليمان الذي ضحك بمكانه ولم يقترب بينما عبست تارا لتبكي مطالبة بحقها في الدلال فيخطو عمر للداخل ليضع فارس ثم يقبل رأس سليمان وهو يهمس إليه : شبيهك قادم بعد قليل أعلم أنك لا تحب جنوني في اللعب
اتسعت ابتسامة سليمان وكأنه يفهم حديثه ليلتفت هو إلى الباكية الصغيرة فيشاكسها ويراضيها يحملها بحضنه ويقبل وجنتاها المكتنزتان ليهمس بخفوت مشاكس : ما هذا يا أحمد ؟ انها تشبه خالتو بشكل لا يصدق .
قهقه أحمد ضاحكًا ليجلس بجواره : فقط إياك أن تتحدث هكذا أمام معالي الوزير فهو يكرهني بسبب أني ادعوها بحوريتي ، قهقه عمر ضاحكًا بينما سأله أحمد متبعا - أين حبيبة ؟
أشار عمر برأسه : بالداخل مع نولا و أميرة ، تركتهن يتحدثن على راحتهن وأتيت برهف لأحمل همها عن حبيبة قليلا .
وضع أحمد رهف فوق ساقية نائمة ليحميها بذراعه من الخارج من غارات فارس المتتالية والذي يدور من حوله ليقبلها كالمعتاد فيمنعه أحمد بعد آخر مرة آلمها بقبلته القوية والتي لم ينهيها لولا بكاء رهف الحاد فخلصها أحمد منه ولكن بعد فات الأوان فقد ترك ابنه العزيز علامة زرقاء بوجنتها البيضاء المكتنزة تحت سخط أخيه الذي انتفض بحميه لم يفهم أحمد سببها.
همس لأخيه وهو يمد ساقيه فيلهي فارس بتسلقها كعادته حينما يريد الوصول لشيء يحمله بين ذراعيه : أنا الآخر أخذت الأولاد لأجل ذلك ، أتبع وهو ينظر من حوله - بالطبع لا تتذكر هذا البيت.
نظر إليه عمر باستفهام فأكمل أحمد بضحكة شريرة : أنه سجنكم أنت وتؤامك ، كم كنت استمتع حينما أفرده لكما وأضعكما به واجلس اراقبكما وأنتما تدوران من حول نفسكيما لا تستطيعان الفرار منه
قهقه عمر على ملامح أحمد المنتقمة ليجيبه بضحكة ساخرة : هاك أنت مسجون فيه مع أولادك ، وكل الأشياء بكفه وفارس هذا بكفه ، أتبع عمر بجدية حينما اقترب فارس كثيرا من ابنته - ابتعد يا ولد عن ابنتي .
قهقه أحمد ضاحكًا ليحرك ساقيه بحركة سريعة فيسقط ابنه أرضاً بعدما قارب على الوصول إلى ابنة عمه ليزمجر فارس بأصوات غاضبة فيسأل عمر بجدية : هل يسبك ؟
أومأ احمد برأسه : أعتقد ذلك .
ضجا سويا بالضحك لينتبها على صوت خالد الصغير الذي أتى مسرعًا هاتفًا بصوت منغم عالي : تارا .. تارا .. تارا ، حبيبة قلب الجميع تارا .
أغمض احمد عيناه ليهتف به : لا شأن لك بها يا خالد .
قفز خالد داخل المكان ليجلس فوق ساقيه بجانب عمر هاتفًا : اشتقت إليها يا خالو ، لم أرها من الأسبوع الماضي ، أتبع بصوت خافت - ألم تشتاقي لي يا حبيبتي ؟
ناغت تارا بصوت مرتفع وهي ترتمي من فوق ذراع عمر نحو خالد الذي التقطها ببساطة وهو يقبل وجنتها هاتفًا : روح قلب دودي أنت ،
كتم عمر ضحكته واحمد يزمجر هاتفًا بنزق : أتركها يا خالد .
لينهض خالد واقفا بها هامسا وهو يضع وجهه بوجهها متجاهلا زمجرة خاله الغاضبة : هيا قوليها دودي .. هيا انطقيها دودي .
هدر احمد بعمر : خذ ابنتك .
تعالت ضحكات عمر الذي حمل ابنته وأحمد يخلص ساقيه من ابنه ويهتف به : اذهب لعمر فهو أخذ رهف .
وكأن فارس أدرك الامر فاتجه نحو عمه ليقفز أحمد واقفا والذي شعر به خالد فركض مبتعدا عنه وهو يحمل تارا هاتفًا : انتظر قليلا يا خالو سألاعبها قليلا واتركها .
هدر أحمد بغضب : ولد يا خالد ، تعالى هنا ولا تركض فأنا لن أركض خلفك .
وقف خالد مبتعدا ليهتف مجيبًا : حينما أعود بها لا تمنحني الفرصة أن أحملها من جديد .
أجاب أحمد بزعقة غاضبة : لأني لا أريدك أن تحملها .
برم خالد شفتيه ليهتف بنزق دفاعي : ولكني أريد أن أحملها وهي تريدني أحملها ، أدار تارا داخل صدره ليهتف به - انظر كيف سعيدة وهي معي .
انتفض عرق الغضب بجبين أحمد وأنفاسه تلهث غضبا وسط ضحكات عمر المتتالية ، ليصدح صوت أميرة الحاني التي أتت من خلف زوجها ، فترتب على كتفه بخفة : اهدأ يا أحمد ، خالد يمزح أنت فقط من تتذكر ما حدث قديمًا وتحترق غيرة . التفت إليها برأسه يرمقها بنزق فاتبعت بمشاكسة - لتدرك بماذا كان يشعر أبي وأنت ملتصق بي على الدوام .
زمجر برفض ليهدر بها بخفوت : لن أسمح لأي أحد أن يلتصق بها ، لن أسمح لاحد أن يأخذها مني .
ابتسمت بيأس ومض بعينيها ليلتفت من جديد فينظر إلى خالد الذي اختفى من أمام ناظريه فيسب بخفوت قبل أن بزعق بغضب وهو يتحرك في اتجاه الغرفة التي يعلم أنه سيجده بها ، غرفة مكتب جده فابن شقيقته العزيز يحتمي بسميه الكبير كلما أحتاج اليه ليقف بوجهه ويستولى على ابنته التي لن يسمح لأحد أن ياخذها منه حتى لو جدها .
***
خطى إلى داخل جناحهما ، يبحث عنها بعينيه بعدما عاد مبكرا لأجلها ، وهو يدرك جيداً حالتها النفسية السيئة لعدم تمكنها من تحقيق حلمها في حمل طفلهما ، زفر بقوة وهو يتذكر حديث الطبيبة التي أخبرتهما أن ليس هناك ما يمنع الحمل وليس هناك ما يقلقهما لتاخرها في الحمل ، هي فقط مشيئة الله التي لم تحن بعد.
ورغم أنه ردد عليها حديث الطبيبة البارحة وهو يحتضنها طوال النهار إلا أن بكائها رغم هدوء وتيرته إلا أنه لم يخبو حتى حينما نعست ظلت تبكي داخل احلامها ، لم يكن يريد تركها اليوم ولكن اللعنة على العمل ومتطلباته التي لم يقوى على التخلص منها !! وضع اشياءه حينما دلف إلى غرفة نومهما ليخلع عنه سترته يضعها على طرف الفراش بعدما طواها بعناية فيدور بعينيه في انحاء الغرفة الفارغة منها ، فيعبس بتعجب وهو الذي توقع أن يعود ليجدها نائمة كعادتها حينما تحزن خطى نحو غرفة الملابس ليبحث عنها فوجدها فارغة ، مط شفتيه وهو ينظر نحو دورة المياة ذات الباب المفتوح ليدور على عقبيه فترتسم شبه ابتسامة على شفتيه وهو ينظر إلى باب الشرفة الموارب فيتجه نحو ليخطو إلى الخارج يتخذ الجسر الخشبي القوي الذي يصل غرفته بذاك البيت الخشبي الضخم الذي بناه لاجلها فحاز على اعجابها وأشاد به الجميع حتى عمه أبدى إعجابه به
دلف من الباب الصغير المفتوح ليحنى عنقه قليلا ينظر إلى الغرفة الخشبية بتصميها الحميمي كما وصفته هي حينما رأته أول مرة ، ابتسم يحنان ومض بعينيه وهو ينظر إليها تجلس بداخل المقعد الأرضي بين الوسادات الكبيرة ضوء الشمس يسقط خفيفا على أرضية البيت الخشبية الاضواء الخفيفة التي تمنح ضوء الشموع مضاء بعضها وحمد الله أنها أشعلت المدفاة وإلا كانت أصيبت بالبرد مع ملابسها الخفيفة على الدوام ، فهي ترتدي القصير والعاري صيفا شتاء فقط تستبدل الحرير والقطن بالصوف والمخمل في الشتاء ، ضحكة خافتة كتمها بداخله حتى لا ينبهها لوجوده وهو يتأملها تضع غطاء خفيف فوق ساقيها اللذين متاكد هو من عريهما وشال صوفي راقي بلون وردي باهت يظهر بروزنية جسدها فوق كتفيها وتنظر لجهازها اللوحي فيستنتج أنها تقرأ كما تحب .
دنى منها بخطوات بطيئة وهو يفك أزرار قميصه الأمامية بعدما فك رابطة عنقه قليلا يثنى ذراعي قميصه للخلف وابتسامته تتسع لعينيها اللتين نظرتا إليه مباشرة بعدما شعرت بوجوده معها ، ابتسمت تحاول تخفي الحزن النابض بحدقتيها فآثر عدم الفهم ليمنحها التحية وهو يستلقي بجوارها يحيط كتفيها بذراعه ويضمها إلى صدره يقبل جبينها ويهمس وهو يمنحها قبلته الثانية فوق شامتها الخلفية كالمعتاد بينهما : اشتقت إليك .
تقربت منه لتضم نفسها إلى صدره دون صوت يذكر ليمنحها احتضان دافئ مقبلًا جبينها مرة أخرى قبل ان يسألها : ماذا تقرأين ؟
تمتمت بعدم اهتمام وهي تزيح الجهاز اللوحي بعيدًا عن ساقيها : لا شيء هام .
رمقها بطرف عينه ليسأل باهتمام : إحدى كتبك المفضلة أم تجرين بحثا خاصا عن أمر ما لا تريدين الحديث معي عنه ؟!!
أخفضت بصرها لتهمس بضيق : لا أريد الحديث نهائيًا .
تنهد بقوة ليتمتم : حسنا ما رأيك أن نخرج قليلا .. نسافر .. نذهب لزيارة اميرة ؟!! رفت بجفنيها ليكمل - ألم تشتاقي لتارا والولدين ؟
اغرورقت عيناها بالدموع لتهمس : اشتقت إلى العفريت فارس . ابتسم فأكملت بحنان غمر صوتها - رغم حبي الشديد لسولي إلا أن فارس يجذب نظري حينما يدلف إلى مجال رؤيتي .
ضحك بخفة ليهتف بصدق : أنا اشتقت إلى شبيهة خالتها وريثة الحورية
ضحكت بخفة لتهمس بعدم تصديق : أنت الآخر تتحدث مثل أحمد .
تمتم بخفة : لأنه محق ، الفتاة تتحول تدريجيا لتشبه فاطمة حتى أكثر من كونها تشبهك .
ضحكة برقة لتهمهم : بابا سيقتلكما سويا ويحجر على الطفلة التي لا تفهم شيئاً سوى انها تتعلق بابيها كثيرًا فتثير غيرته دون أن يعرف .
اسبل جفنيه وابتسم بمكر هامسا : ولكنها تحب عمي كثيرا وتترك أحمد بعض الأحيان لتذهب إليه .
أومأت برأسها موافقة لتهمس بشرود : نعم ولكنها تبقى بعض الأحيان وليس كلها .
تحرك بجسده فيميل اكثر ليستلقي وهو يجبرها أن تجاوره نومًا : بالطبع أليست ابنته ، أبوك يريد أن يستولى عليكما وعلى الحفيدات أيضًا ، هذا ليس عدلا.
تمتمت وهو يشعر بروحها تنطفئ من جديد : إنها حفيدة واحدة فقط ، ولا أحد يدري إذا كان سيرزق بأخرى غيرها أم لا .
تنهد بقوة ليهمهم : نوران توقفي عن التشاؤم الطبيبة أخبرتنا أن الأمر عاديا وليس علينا القلق فزواجنا لم يتم العام بعد لذا أنا لم استجب إليك حينما طلبت إجراء بعض الفحوصات المتطورة عن الطبيعية التي أخبرتنا أن كل شيء سليم وليس هناك مانعا فعليا يمنعنا من الإنجاب.
تحررت من ضمته لتنهض بجذعها تسند جسدها فوق مرفقها وتشرف عليه وترمقه مليا قبل أن تسأله بوضوح : أنت مقتنع بكل هذا الحديث يا عاصم ؟!!
تنفس بعمق ونظر الى عيناها بجدية : نعم ، أنا مقتنع أن ليس علينا القلق .
اختنق حلقها واحمر أنفها أمام عيناها فشعر بكم الكبت الذي تمارسه على نفسها لتسأل بهدوء : وهل هذا نفس الرد الذي تجيب به أمام استفسارات أنطي ياسمين أو تخبره لعمي أو لعمك الذي ينظر لنا بتساؤلات كثيرة لا ينطق بها .
أعاد ذراعيه للخلف يضع كفيه متشابكين خلف رأسه لينظر اليها هامسا بصلابة : انا لا أهتم لا بسؤال ماما العابر ولا نظرات الآخوين ويلي ، أتبع بجدية وهو يرفع رأسه أكثر بكتفيه الذين ارتفعا من الأرض - ولا أهتم إذا لم ننجب نهائيًا يا نوران ،
انتفضت لتجلس سريعا توليه ظهرها فيكمل وهو ينهض بدوره يلتصق بصدره إلى ظهرها ويضمها بذراعيه يحتضنها مطمئنا : أنا لا أهتم إلا بك ولا يهمني شيء سوى أن أكون معك .
ارتجفت بين ذراعيه وهمهمت دون وعي بصوت أبح : لا ننجب ، كبير آل الجمّال لا يأتي بولي عهد لآل الجمال ، وهل عمي سيرضى بهذا ، وإن رضى والديك هل سيرضى أبي بذلك ، عمك العزيز سيتركك دون ابناء لأجل ابنته ، أم سيجبرونك على الزواج لأجل أن تهدي العائلة وريث يحمل اسمها ؟!
أغمض عينيه زافرا بقوة مقدرا لأفكارها الحمقاء ولحالتها النفسية فيوقف نفسه حتى لا يغضب منها فيضمها أكثر : لا أحد يستطيع أن يجبرني على الزواج عليك أو تركك أو أن أنجب طفلا من غيرك ، ثم أن العائلة لديها أولاد كثر يستطيعون إهدائها وريث وكبير يكمل مسيرتها بعدي، أكمل دون تفكير - وهاك موني حامل ولعله يأتي ذكر ليريح الجميع من أمر الوريث هذا .
انتفض جسدها بين ذراعيه لتستدير نحوه بنظرات مصدومة ليسب غباؤه ويلعن عدم تفكيره في حديث قبلما ينطقه خاصة حينما همست بصوت خافت مرتعش : يمنى حامل ؟
زفر بقوة ليرمقها من بين رموشه قبل أن يحتضن وجهها ينظر إلى عمق عينيها : نعم يا نوران ، زوجة أخي حامل ، أخي الذي اتصل بي يهتف بفرح وسعادة ويبشرني أني سأصبح عم ، لقد سعدت لأجله ولم أحزن إن لم يرزقني الله لا الآن ولا بعد ذلك ، ولا يهمني أمر العائلة ولا الوريث ولا أي شيء من هذا أبدًا ، أنا يهمني أن تكوني بخير ونسعد سويا ، لذا توقفي عن التفكير و القلق واتركيها على الله وهو سيرزقنا حينما يشاء .
لمعت عيناها بدموع بدأت في الانسياب فوق وجنتاها لتهمس بزفرة خانقة : تمنيت أن آتي بولد يصبح كبير من بعدك يا عاصم فلا احد يستحق أن يكون كبير العائلة سوى ولدك .
تنهد بقوة ليهمهم : من الواضح أن قدر العائلة أن يرث ابن الأخ مكان عمه يا نوران ، لو فكر عمي و جدي مثلك ما كنت أصبحت كبير بعد أبيك .
تمتمت بدفاع : أصحبت كبير لأنك أكبر الأحفاد الذكور يا عاصم .
تنفس بعمق ليهمس بصلابة : وساورثها لأكبر الاولاد الذكور من بعدي يا نور ، سواء كان ابني أو ابن أخي أو ابن اخيك .
عبست بعدم فهم لتتمتم : لماذا ذكرت أدهم دون عن مازن ؟!
ضحك مرغما ليهتف : أنا اثق في مازن أن ينتظر قليلا قبل أن يمنحنا ولد من نسله أما ادهم فلا .
عبست بلوم لتضحك رغمًا عنها بدورها : أنت لن .. صمتت قليلا فضيق عيناه قبل أن تكمل - لن تتركني لأجل هذا الأمر يا عاصم ؟
أطبق فكيه ليهتف بضيق : يا الله يا نوران ، ما هذا الذي تقولينه ؟!! كيف تفكرين هكذا ؟!
تمتمت وهي تخفض رأسها ودموعها تنهمر : حقك أن .....
قاطعها وهو يحتضن أعلى ذراعيها يهزها برفق : لا ليس حقي ، لأني لو اقريت أنه حقي سيكون من حقك أنت أيضاً ، وهذا ليس حقك ، نهنهت في البكاء فأتبع بضيق فعلي - أرجوك يا نوران توقفي عن هذا التفكير التشاؤمي واعلمي أني لن أتركك لأن ببساطة سننجب الكثير من الأولاد كما تريدين .
رفع وجهها ليمسح وجنتاها بكفيه يزيل بقايا دموعها قبل أن يهمس وهو يضع رأسه برأسها : ثم أن توترك هذا وقلقك ورغبتك الشديدة في الإنجاب هي ما تؤخره ، أتركي الأمر وأسعدي معي ، نحيا بطبيعية ننطلق .. نخرج .. نسافر .. نسهر كما نريد دون أي مسئوليات ، أنا لم أحيا كشاب مراهق أبدًا يا نوران ، دوما كان العمل والعائلة وانت تحتلون تفكيري وأولوياتي ، وأريد الآن أن أعوض كل ما فاتني معك ، أريد أن أحيا بك .
ابتسمت من بين دموعها وهمست وهي تتعلق برقبته : أنا أحبك يا عاصم .
ضمها من خصرها إليه ليحملها بخفة يديرها لتواجهه قبل أن يضعها فوق ساقيه وهو يلتهم شفتيها بقبلات كثيرة تائقة متتالية ليهمس من بين شفتيها : تذكرتك اليوم في المكتب عودي إلى العمل فأنا سأفقد عقلي بسبب أنك لست حولي .
تعلقت برقبته لتهمهم بهمس خافت وهي تحنى رقبتها فيغمس أنفه بتجويف عنقها : كيف تذكرتني؟
استنشق رائحتها ليرفع رأسه ينظر لعمق عينيها فتنبثق منهما الذكرى حية ليهمس بخفة وهو ينثر قبلاته على صفحة وجهها : اشتقت لجولاتي معك هناك .
تأوهت بخفوت وهي تتمسك بكتفيه تسأله بهمس : تلك المرة التي تأخرنا بها سويا هناك ؟!!
ضحكة خافتة انسلت من بين شفتيه ليهمس بشقاوة : نعم تلك المرة التي لم ندرك أننا قضيناها في المكتب إلا حينما حاولت كنزي الدخول صباحًا.
انطلقت ضحكتها وهي تتذكر تلك الليلة التي يحدثها عنه حينما تأخرا كثيرا عن الانصراف فتحركت إلى مكتبه تهمس بتأفف وتعب : عاصم ألن ننصرف ، لقد تأخرنا كثيرا .
خطت لمنتصف مكتبه فيتحرك من خلف مكتبه وهي تتبع بتنهد حار - لم يعد سوانا في المؤسسة ، ألم تنهي عملك للان ؟!
دارت حول نفسها وهي تتبع خطواته الحازمة نحو باب المكتب ليغلقه بالرتاج الالكتروني وهو يغمغم بعبث : حقا لم يعد سوانا . ضيقت عيناها وهي تحاول أن تفهم ما يفعل ليغلق الباب الواصل بين غرفتيهما مثلما فعل في الباب السابق وهو يهتف عائدا لها - كيف نحل هذا الأمر يا ابنة عمي ، ونحن بمفردينا أنا وأنت والشيطان ثالثنا ؟!
ألقى أخر كلماته بمشاغبة زينت ملامحه وهو يضمها من خصرها إليه فتهمهم بدلال : ننفذ تعليماته بالحرف ، فلا ندع للشيطان مجالا أن يغوينا لنغويه نحن . حينها ارتدت رأسه إلى الخلف وقهقهاته تتعالى فتسلب لبها وتاسرها إليه أكثر فتفرد كفيها فوق صدره وتهمس باغواء سائلة : هل ما تفعله الآن يخص جوالات أحلامك المخبئة ؟!
لامس خصلاتها بأصابعه فيمشطها بحنو وهو يهمهم ذائبا فيها : أتعلمين كم مرة حلمت بأني أفقد نفسي فيك على أريكتي .. أتعلمين كم مرة جاهدت حتى لا أذوب بك فوق مكتبي .. أتعلمين كم مرة كنت أجاهد نفسي حتى لا انقض عليك وأنت تشرحين إحدى خططك التسويقية بصوتك الأبح وطريقتك الأخاذة ؟! تحشرج صوته وهو يكمل - ومؤخرتك الجذابة والتي تولينها دومًا فتشغل تفكيري وتجذب أنظاري . انتفضت بخفة حينما حطت صفعته الحانية فوقها فتنظر إليه بعتب ليهمهم بمشاكسة : لا أقو على الصمود أمامها . ابتسمت باغواء فطري وزيتون عيناها يتدفق بغزارة لتهمس له بخفوت : كم جولة لديك هنا ؟
شهقت بخفة وهو يحملها من الخلف كعادته فتلف ساقيها حول جذعه وتتعلق بكتفيه ليهمس : سنبدأ بالأريكة ، قبل أن نعيث فسادًا فوق المكتب ، فجولة مكتبي ستتخذ أشكالا كثيرة ومن الممكن ألا تنتهي الليلة ؟!
ضج المكان بضحكاتها لتهمس بدلال : أحبك يا عاصم
التقط شفتيها في قبلة متطلبة لحوحة ليغمغم بانفاس ثائرة : لا تتوقفي عن قولها يا نوران ، أريد سماعها في كل الجوالات.
ليستفيقا سويا على صوت كنزي ومحاولاتها لفتح باب مكتبه عليهما صباحًا بعدما غفيا في النوم سويا فوق أريكة مكتبه ، حينها انتفضا سويا ليغادرا المكتب من بابه الخاص وهما يكتمان ضحكاتهما ويتخفيان حتى لا يراهما أحدًا .
ضحكت من جديد لتكتم ضحكاتها وهو يحملها ويقف بها هامسا من بين قبلاته التي ينثرها برقة فوق جيدها : ألم تشتاقي لجوالات مكتبي ؟
احتضنته أكثر لتجيبه بصدق : بالطبع اشتقت إليك وإليها .
أجاب بجديه وهو يتجه بها نحو الفراش الدائري الموضوع بأخر البيت الخشبي : إذًا عودي للعمل معي يا نوران دعينا نحيا سويا في سعادة تامة دون أن ننغص علينا حياتنا .
تمتمت بوعد وهو يميل بها : سأفعل .
هم بتقبيلها فهمست بخفوت : عاصم أنا ..
صمتت وهي تتورد فضحك بخفة بيغمز إليها مشاكسا : أعلم أنك ..
علق جملته دون إتمام قبل أن يضمها إليه هامسًا بجانب أُذنها – ولكن منذ متى يوقفنا أي شيء ؟!
ضحكت بخفة ليستلقي إلى جوارها ثم يجذبها لتنام فوق صدره ثم يقبل جبينها هامسا بحنان : ولكن اليوم دعيني ادللك وفقط .
ابتسمت برضا واتكأت بدلال فوق صدره لتهمس بخفوت : وأنا أحبك أكثر حينما تدلني يا عاصم
ألقتها بدلالها الطفولي فضحك بخفة وهو يضمها هامسا بمشاكسة : وآسم يحبك يا مدللته .
***
يدلف إلى جناحه الخاص في البيت الجديد ، جناح واسع أشرف هو على تجديده بنفسه فاخذ المساحة الأكبر ونظمه بطريقة عصرية تناسبه وطلب من عاصم أن يوصله بسلم للحديقة ومدخل خاص به ، رغم استنكار والده للأمر إلا أنه صمم عليه ولم يمنعه أحدهما بعدما أقرت فاطمة بحقه في خصوصية تناسب نضجه الآن فشاكس هو والده بأن لا يخف فهو لن يأتي بالفتيات إلى المنزل وعندما يفعل سيخبره .
يومها سبه معالي الوزير وكاد أن يلكم فكه ولكنه احتوى ثورته بأنه احتضنه وقبل كتفه ورأسه معتذرا من بين ضحكاته التي أعلن من ضمنها أنه يمزح معه ، خلع سترته الثقيلة ليبدأ بتجهيز ملابسه فيستعد لمعاودة الخروج فهو وعلي اتفقا على المقابلة عند مازن الذي عاد من رحلته القريبة ليستقر قبيل بدأ الفصل الدراسي الثاني ، علي الذي يتقدم بطريقة مبهرة في عمله ، بل إنه حينما تعامل معه بصفقة تخص المجال الإنتاج بالتعاون مع المؤسسة انبهر من شخصية ابن عمته التي اختلفت فاستقلاله بنفسه والعمل في طرف عباءة مالك عابد وتحت جناح سليم بدله ، فهو حينما ينظر إلى علي الآن يرى نسخة متطورة من زوج عمته بطريقة أكثر شراسة وقوة فمالك عابد يتخذ طرقا مهادنة أما علي الدين واضح .. سريع .. وشرس فيما يخص عمله ومستقبله المهني الذي لن يتنازل عنه.
أما رحالتهم العائد من مجاهل افريقيا يختلف في كل مرة يعود بها من إحدى رحلاته ، وكان كل مرة يزداد قوة .. مراوغة .. ومكر ، ضحك غير مصدقا أن مازن اللين الطيع سهل المعشر بشوش الوجه ، أصبح مراوغا من الدرجة الأولى وماكرا بطريقة لا يصدقها ورغم أن كونه لم يتحول لعابثا إلا أن معاملة مع الجنس اللطيف مربكة قليلا فهو غامض معهن ، يصادقهن بطريقة ليست عميقة ، مجرد بعض الأحاديث .. المقابلات .. والمراسلات ، دون تجاوز ودون توغل ، وكأنه يقضي وقتا لطيفا ويقف عند حد معين لا يمر من خلاله ، فلا يتورط لا روحيا ولا عاطفيا ولا حتى جسديا ، أصبح مثله ولكن بطريقه معدلة فمازن لا يتعرف على أكثر من فتاة بنفس الوقت ويحترم الحدود كثيرًا أما هو فأصبح اسوء مما كان وكأن ترك مريم له و خطوبة الاخرى رسميًا أفقداه اتزانه ، ولكن ما يؤثر عليه جليا ويطارده فيشعر بأنه يهرب من مواجهة شيء كبير سيقلب حياته هو علاقته ببسمة التي لا يقوى على ردعها للتقرب منه ولا يقوى على الابتعاد عنها فهي تحاوطه .. تضيق عليه الخناق وتطارده بشكل يؤثر به كشاب في أوج سنوات مراهقته كما أخبره عمار حينما تحدث معه !!
رنين هاتفه افقده تركيزه لوهلة وقطع حبل أفكاره فعبس بضيق قليلا قبل أن يلتقطه وصورتها تضيء وتطفئ فيستلقي جالسا فوق طرف فراشه وهو يجيبها ببساطة : يا مرحبا
أتاه صوتها المغناج ترحب به وتحتفي كعادتها لتسأله بوضوح دون أن تثرثر كعادتها معه : هل أنت متفرغ الليلة ؟! ابتسم ساخرًا ليجيب وهو يفرد ظهره بطريقة على عرضية فوق الفراش : للاسف لا ، لدي موعد هام استعد للخروج إليه .
صمتت قليلا لتهمس إليه بجدية : موعد عمل ؟!! صمت دون إجابة لتكمل - إذًا لن تأتي الليلة ؟ أجاب بهدوء : لا أعتقد ولكن إذا استطعت القدوم سأتي .
ران الصمت عليهما قليلا قبل أن تهمس وهي تلف طرف خصلاتها الشقراء فوق طرف أصابعها : اشتقت إليك .
تنفس بعمق ليزفره ببطء وهو يسيطر على حواسه التي تتفاعل معها لينطق بهدوء : إذا استطعت مقابلتك ساحادثك .
تمتمت بغنج : دومي ، أغمض عينيه ليجيبها بصوت محشرج مستغلا اتصال علي به : سأحدثك ثانية يا بسبس ، لدي اتصال علي أن اجيبه ، سلام .
أغلق الاتصال ليزفر بقوة قبل أن يجيب اتصال علي الذي أتى صوته جادًا كعادته : أين أنت يا أدهم؟
__ أبدل ملابسي ، أين أنت ؟! ألقاها وهو يتحرك سريعا نحو دورة المياه فأجابه علي - حسنا أنا بالأسفل سأجلس مع تامي وخالو قليلا إلى أن تستعد .
ابتسم أدهم بخفة ليجيبه بمشاكسة : فقط لا تدع خالو يلتقط إعجابك الدفين بحوريته فيقتلك وتحزن عمتي عليك .
ضحك علي ليهتف بمشاكسة : لا تتدخل أنت وأنا سأحل أموري بنفسي . قهقه أدهم ضاحكا ليهتف بمرح : حسنا أنا نصحتك وأنت حر بنفسك . أغلق الهاتف وهو يسرع بتبديل ملابسه ليلحق بابن عمته ليزورا مازن الذي دعاهم على العشاء بناء على رغبة مسز لمياء التي اصرت على حضورهما مع مازن الذي رفض الخروج اليوم لأنها الليلة الأولى لعودته
***
_اجلسي يا جنى أخبرتك أن لا تساعدينني فكل شيء معد مسبقا ،
ألقتها لمياء باهتمام أمومي فضحكت جنى بخفة وهي تستدير إليها ببطنها المنتفخ والظاهر من بلوزتها القطنية الثقيلة لتجيبها وهي تقطع الخضراوات إلي قطع مربعة : لم افعل شيئا يا لوما ، أنا فقط أعد السلاطة وأريد الوقوف قليلا فاليوم قضيته جالسة بسبب أني كنت اجازة وأسعد أصر على أن لا أقوم بفعل أي شيء .
ابتسمت لمياء لتهمس إليها : بارك الله فيه وحفظك له يا ابنتي ، وبارك لكما في القادم .
اتسعت ابتسامة جنى لتهمس بخفوت وعيناها تومض بشقاوة : إنها فتاة .
اتسعت عينا لمياء بمفاجأة لتهتف بسعادة غمرت صوتها : يا الله ، حقا يا جنى ، سيسعد أحمد كثيرا بالخبر وأنا الآخرى سعدت كثيرا بكونها فتاة بارك الله فيها وأتت سالمة .
ابتسمت جنى برقة لتهمس وهي تخفض رأسها : أسعد لم يخبر عائلته للان؟ نظرت إليها لمياء بعدم فهم فأكملت ببوح - خائفة أن لا يسعدوا بكونها فتاة ، تعلمين هذه الرغبة في إنجاب الذكور لأجل امتداد اسم العائلة وولي العهد وهذه الأمور .
مطت لمياء شفتيها لتجيب باتزان : بالطبع لا أحد ينكر أن هذه أمور للاسف لازالت سائدة من عمري مثلا ، أذكر أن اعمامي كانوا يلحوا على والدي ليتزوج كي ينجب ولد يحمل اسمه ويرث أمواله من بعده ، ولا انكر أني كنت أغضب وأنا أنظر لنفسي واتساءل عن الناقص في عن أي ولد سياتي به ابي ، وبصراحة رغم تقدم الزمن إلا أن هذه الفكرة لم تنتهي ولا تندثر ، ولكن هذا لا يعني أن آل الخيال سيغضبون من كون الطفل القادم فتاة يا جنى ، بل أعتقد انهم سيسعدون مثلنا وستزداد سعادتهم حينما تنجبيها سالمة ويرونها ستصبح حبيبة الجميع وسترين فيما بعد ،
أتبعت وهي تقرص خدها بلطف - كما يخبرني أحمد عنك وأنك كنت محبوبة الجميع ولازلت . ضحكت جنى بخفة لتجيب بثقة : لا أنكر أنا للان حبيبة الجميع ولكن هذا لا ينفي كون أن عاصم الكبير لأنه أول الاحفاد الذكور في العائلة . ابتسمت لمياء لتهتف اليها بجدية : لا يهم إن كانت فتاة أو ولد يا جنى ، الهام أن يأتي سالماً وتقومين أنت بالسلامة يا حبيبتي حفظك الله لنا .
ابتسمت جنى وأومأت برأسها بالإيجاب لتتبع لمياء - أخبريني هل سعد الفارس بالخبر ؟
ضحكت جنى برقة لتوض عيناها بسعادة عارمة وهي تتذكر ضحكة أسعد حينما أخبرته صباحًا والتي انطلقت بفرحة غمرته وهو يحتضنها يحملها بين ذراعيه يقبلها مرارًا وهو يهتف اليها بمبارك يا جنتي إلى أن وضعها في الفراش وهتف بها أنها لن تتحرك اليوم بأكمله ، ليصمت قليلا قبل أن يهمس اليها وهو يحتضنها بقوة داخل صدره " ساسميها جنة تيمنا بدلالي لك "
لتجيب ووجهها يتورد بحمرة قانية : لقد سعد كثيرا وانتقى اسمها أيضاً . ربتت لمياء على كتفها لتهمس إليها بسعادة : مبارك اليك يا ابنتي ، تقومين إلينا بالسلامة إن شاء الله.
همهمت جنى بالرد قبل أن يصدح صوت مازن الذي اقتحم المطبخ كعادته : أين أنتما ؟! وماذا تفعلان ؟!
تمتمت لميا بهدوء : نعد بقية الطعام ولن نتناول الطعام إلا حينما يصل أدهم وعلي .
تحرك مازن نحوهما ليهتف بمشاكسة : جنى حضرة القائد يريدك خارجا مستاء هو من كونك واقفة بالمطبخ ، من الواضح أنه خائف على ولي عهده.
ضحكت بخفة لتهتف إليه بمشاكسة : تشعر بالغيرة يا مزون.
ضحك بخفة ليهتف وهو يقترب منها يضمها إلى صدره : اكيد ، ألست شقيقتي وأمي الأولى وكل شيء كنت امتكله أن استولى عليه هو . لكزته بخفة في بطنه وهمست مجيبة : عوضك الله عني خيرًا .
هتف بخفة وهو يقترب من لمياء يحتضنها من كتفيها ويهزها بطريقة عرضية في لطف : بل بكل الخير الحمد لله ، ولكن هذا لا يمنع أنه استولى عليك . أجابته برقة : حقه ألست زوجته ؟! أومأ برأسه متفهما : بالطبع حقه ، أخبريني كيف حالك وحال الطفل وحال عملك ، هل حصلت على إجازة أم لا ؟
همت بالإجابة ليصدح صوت والدهما الذي هتف بجدية : تعالى يا أسعد ، تفضل يا ولدي ، أتبع مؤنبا مازن بعدما دلف إلى المطبخ واتبعه أسعد الذي تنحنح بخفة وألقى التحية - كيف تتركه بمفرده .
أجاب اسعد بسرعة : أنا من ارسلته ليأتي بجنى أو يجبرها على الجلوس يا عماه ، فهي تعاني من كثرة الوقفة هذه الأيام وقدميها تتورمان ولكن ابنتك ..
قاطعه أحمد بعتاب صريح وجهه لجنى : عنيدة ، أعلم لقد رجوتها أن تحصل على اجازة ولكنها ترفض
رمقها أسعد بطرف عينه لتتحاشى النظر إليه وهي تجيب : لازلت بأواخر السادس يا بابا حينما اقترب من التاسع سأحصل على اجازة .
عبس أحمد بغضب ليهدر بها : لا لن تستمرين في العمل وترهقين نفسك في غرفة العمليات ببنطك المنتفخة هذه ، أنا لست موافقا ، أثرت الصمت وأشاحت بعيدا عن نظرات أبيها الحانقة فأتبع أحمد بجدية وغضبه يسكن عينيه - هل أنت موافق على هذا الحديث يا أسعد ؟
سحب أسعد نفسا عميقا ليرمقها من بين رموشه ليجيب ببسمة ماكرة : لا وأخبرتها أن عليها البدء باجراءات اجازتها ولكنها لا تستمع الي .
نظر إليه أحمد وردد باستنكار : لا تستمع لك ،وهذا منذ متى ؟!! ليتبع هادرا - ليس عليها أن تقتنع عليها أن تطيع فقط .
هتف مازن بضحكة مرحة حاول بثها في الأجواء وهو يقترب من جنى التي برمت شفتيها في غضب طفولي : اووه يا دكتور ، منذ متى تحولت إلى مستبد ديكتاتوري بهذا الشكل ؟! زفر أحمد بغضب وأشاح بعيدا ليتبع مازن وهو يقربها أكثر من حضنه ويقبل جبينها - جنى بالتأكيد ستعتني بنفسها جيدا وعندما تشعر بأنها متعبة ستحصل على اجازتها .
ابتسمت جنى وتمسكت بحضن أخيها ليقبل جبينها ويضمها أكثر وهو ينظر لأسعد الذي أبعد عينيه عنهما يجيب أحمد الحانق : لا تغضب يا عماه ، باذن الله جنى ستبدأ في القيام باجراءات الاجازة من أخر الشهر .
زفره ارتياح ندت عن أحمد الجمال لترمقه جنى بعدم رضا وتوليهم ظهرها تكمل تقطيع السلاطة فيدفعها مازن بلطف هامسا بمزاح واثق أنها ولمياء اللتان ستستمعان إليه : اذهبي واجلسي حتى لا يغضب الفارس .
ضحكت لميا بخفة لتهمهم إليه: توقف عن مشاكستها .
لتلكزه جنى بمرفقها في بطنه فيتاوه بصوت مكتوم في حين صدح صوت أحمد الحازم : اجلسي يا جنى حتى لا تتورم قدميك .
أومأت وهي تغسل كفيها لتتحرك فتجلس بالكرسي المجاور لوالدها الجالس على طاولة المطبخ بجوار أسعد الجالس بدوره والذي همس بضحكة اضاءت عيناه : بالمناسبة يا عماه ، لقد أخبرتها الطبيبة بجنس المولود .
لمعت عينا أحمد باهتمام ليدير عيناه بينهما بتساؤل في حين ترك مازن ما يفعله ليسأل بترقب : إذًا؟!
توردت بخجل ورمقته بلوم ليجيب وهو يشير إليها أن تجاوره جلوسا فتستجيب بطاعة : فتاة بإذن الله .
هتف أحمد بالحمد كثيرا وبارك لابنته التي قبل رأسها واحتضنها ليصرخ مازن ويقفز بمرح : يا الله سأصبح خالا لفتاة وردية وجميلة ، ليتبع وهو يسرع إلى شقيقته فيحملها من الأرض بعدما احتضنها ليصرخ أحمد بلوم ويطبق أسعد فكيه بعدم رضا - ستأتي اجمل من تارا بإذن الله .
دفعته جنى بخفة ليتركها فتعدل من خصلات شعرها وتسيطر على خفقات قلبها هامسة : ولد يا مازن تارا جميلة بارك الله فيها .
صاح بمرح تملكه : نعم وأنا لا أنكر ولكنها ابنة أميرة ، أدهم لا ينفك أن يغيظني بأنها ابنة شقيقته يا جنى ، وأنه خالها الوحيد لذا أنا فرح ستأتي فتاة سأكون أنا خالها الوحيد ، وسأستفرد بها ولن امنحها لأحد .
رمقه أسعد مليا وملامحه تتجهم ليجيب بحزم : لا خلاف على كونك خالها الوحيد ولكن من سيمنحها إليك لتمنحها أنت أو لا تفعل لا أفهم .
كتمت جنى ضحكتها ليقهقه أحمد بخفوت بينما رمقه مازن قليلا قبل أن يجيبه بمشاكسة متعمدة : لا أحتاج لأحد ، حقي كخالها يا أسعد بك يمنحني كل شيء ، فالخال والد .
ابتسم أسعد بمكر ليجيبه : تطورنا كثيرا يا دكتور ، هذه الرحلات تؤثر بك كثيرا .
غمز إليه بعينه : أعجبك لا تقلق . قهقه أسعد ضاحكا ليهتف بجدية : بمناسبة عودتك إذا كنت متفرغا أريدك أن ترافقني لنرى الخيول فالسبق موعده قريبا وأنا أريد أن أتأكد أن كل شيء بخير .
أومأ مازن وهو يحمل طبق السلاطة الذي انتهى من إعداده : بالطبع أي وقت الأسبوع القادم قبل بدء الدراسة . طرقات على باب المطبخ الزجاجي أعلنت عن وصول أدهم الذي دخل ملقيا التحية بصوت مرح جهوري يتبعه علي برزانته المعتادة ليبدأ أدهم بمشاكسة مازن وهو يقترب من لميا يهم باحتضانها فتتورد وتبتعد بينما يدفعه مازن بضيق ضاحك فيما بينهما بينما علي يصافح أسعد ويستفسر عن أحوال جنى بعدما صافح خاله وأومأ للميا برأسه في تحية رزينة تميزه دوما .
***
يجلس على الطاولة في هذا المقهى الشبابي العصري الذي اقترحته عليه أن يتقابلا فيه ، ليثرثرا سويا كما اعتادا ، ورغم أنهما لا يتقابلان كثيرًا ، إلا أنه هذه المرة أراد مقابلتها ليخبرها عن أمر خطبته ، فهو شعر بأنه ملزم باخبارها بنفسه ووجها لوجه بموعد خطبته القريب ، وبعد أن ثرثر إليها قليلا وافضى إليها عن بعض من أفكاره صمت وهو يرمقها من بين رموشه منتظرا فعبست بتعجب وهي تنظر إليه مليًا لتسأل بهدوء : لا أفهم سبب كل هذا الحديث يا عادل ؟
رف بعينيه ليهمس بجدية : لا شيء فقط أردت أن اثرثر معك .
رفعت حاجبيها بتعجب : تثرثر معي في ماذا ؟! أتبعت بجدية - أنا أعلم أنك خاطب للسيدة لارا ومنتظرة أن أحضر العرس ، وحقًا لا أفهم سبب أننا تقابلنا الآن لتخبرني أنك أقنعت أنطي ليلى بالخطبة اخيرًا.
رفع عيناه إليها قليلا ليسألها بجدية : حقا لا تعلمين السبب في أني أخبرك يا ملك ؟!
تنفست بقوة لتهمس إليه : لا أعلم السبب ولكني أشعر بأنك تبرر لي تصرفك المتوقع - إلى حد ما - بالنسبة لي ، لذا لا أفهم ما السبب في تبريرك لي .
ضيق عيناه يرمقها بتفكير كسى ملامحه فاتبعت بضحكة ماكرة : هل توقعت أني سأغضب ، أو سأحزن ؟! صمتت قليلا لتكمل بعد برهة - اوووه ، هل تقطع علاقتك بي لأجل غيرة السيدة لارا من صداقتنا ؟
انفرجت ملامحه بذهول سرعان ما اندثر ليهتف سريعا : بالطبع لا ، لا افعل هكذا وبالطبع لن أفعل أي شيء لاجل لارا .
نظرت إليه بدهشة لتهمس بعدم تصديق : عادل أنت .. عبس بغضب سرى بمقلتيه فاتبعت بصدمة - كيف لن تفعل أي شيء لأجلها ؟! هذا الأمر أصبح غير مفهوم لي .
صمت قليلا ليغمغم بعد برهة : أقصد أني لن أقطع علاقتي بك لأي سبب ، أنت صديقتي وبمثابة أختي الصغيرة كآسيا ، وأنا لا أترك اخوتي لأي سبب ولا لأجل أي شخص .
اقتربت من الطاولة لتنظر إليه مليا : إذًا لماذا تبرر لي سبب ارتباطك المعروف من الأصل ، لماذا تخبرني وكأنك مجبور على هذا الارتباط ؟
رفع رأسه بشموخ : من الصعب اجباري يا أرنبة ، وأنا لا ابرر لك فقط أخبرك بموعد خطبتي .
مطت شفتيها لتهمس ببساطة : مبارك عليك ، ربنا يتمم لك بكل خير ، أتبعت بمرح صادق - هل علي أن ابتاع فستان للزفاف ؟
هدر بجدية : لا زفاف .
رمقته بدهشة فاتبع باتزان تمسك به : أنها خطبة وسيحضرها العائلة فقط ، إلى أن أرتب أموري .
ضحكت بخفة : أمورك ، أتبعت باستنكار مرح - الجراح العظيم لا يمتلك شقة وأموره غير مرتبة .
ابتسم رغمًا عنه ليسبل جفنيه مؤثرًا الصمت لتسأله باهتمام : حقا يا عادل ، أنت أمورك غير مرتبة ؟!
تنهد بقوة ليهتف : نعم ، أنا لا أمتلك بيت للزوجية ، دوما كنت أفكر في أني سانتقي البيت على ذوق عروسي التي ساختارها ، فلم ابتاع واحدا .
هتفت بمرح : حسنا الأمر لن يستغرق وقتا طويلا ، فأنت موجود والنقود موجودة وهاك هي العروسة أصبحت موجودة لماذا لم تبتاع واحدا ؟
رمقها مليا ليهمس بهدوء : لا أعلم ولكن أعتقد أن علي الانتظار .
نظرت إليه بحيرة فأكمل سائلا : أخبريني عنك ، كيف تبلين في تدريبك مع سليم ؟
رفعت حاجبها لتسأله بمكر : اوه هناك من يتابع أخباري ويسأل ابن خاله عن تدريبي ؟
تمتم بهدوء وهو يرمقها من بين رموشه : أبدًا لم اسأله بل علمت بالصدفة منه ، صمت ليكمل بجدية - فقط أحببت أن اطمئن عليك .
اتسعت ابتسامتها لتجيب بصدق : أنا بخير والحمد لله ، لا تخف علي ، أصبحت أسد .
ضحك بخفة : جيد ، بل رائع .
ران الصمت عليهما لترتشف بعضا من عصير الفراولة الذي تحتسيه لتهمس ببوح وهي تنظر بعيدا : هل أستطيع أن أخبرك شيئًا ؟
أجاب باهتمام : بل الكثير من الاشياء كلي أذان صاغية.
ابتسمت برقة لتهمس ببوح ووجنتاها تتوردان : أشعر بغبائي كلما نظرت إلى سليم أو تحدثت إليه هذه الأيام ، وأبحث عن السبب وراء هذا الغباء الذي كان يخيم على رأسي فلا أجد له سببًا سوى ما أخبرتني به نوران .
ارتفعا حاجبيه بعفوية ليردد بتروي : نوران ؟! أومأت برأسها إيجابيًا فيكمل - وبماذا أخبرتك ابنة الوزير ؟!
ابتسمت برقة : أخبرتني بالكثير لقد ساعدتني نوران كثيرا في أزمة غبائي الماضية بل إلى الآن تساعدني .
حرك رأسه بحركة دون معنى ليهمس بجدية : من الجيد أن يكون لديك صديقة قريبة منك تتحدثي معها عن أمورك كلها ولكن عليك التفكير جيدا في آراء تلك الصديقة وخاصة إذا كانت ليست أكبر منك بالكثير .
ضحكت برقة وهمست : نوران جريئة ومغامرة وأنا أحب شخصيتها جدا .
غمغم بعفوية : نعم أعلم كم هي مجنونة.
كسى الذهول ملامحها لتجيب بحنق : ابنة خالي ليست مجنونة .
كتم ضحكته ليهمس : لم أقصد الإساءة فقط كنت اتحدث عن جرأتها واندفاعها، تنهد بقوة واكمل - ليس كل النصائح تناسب شخصيتك يا ملك ، فكري جيدا قبل التصرف ، أنا أثق بعقلك .
ابتسمت برقة : تسعدني ثقتك يا دكتور ، أتبعت بعدما رمقته بطرف عينها - لتعلم فقط أن نوران تقدرك للغاية حينما أخبرتها عنك شهدت لك بالرزانة والعقل .
ابتسم بغرور فاتبعت بخفوت ماكر : فقط حذرتني من غموضك ، ولكني أخبرتها أن ليس عليها القلق علي فالغموض لم يعد يؤثر بي ، فالغموض لا يناسب إلا الأرانب وأنا لم أعد أرنبة .
اتسعت ابتسامته ليهمس بخفوت مشاغب : أحلى أرنبة .
رفعت حاجبيها باعتراض طفولي : لا تشاكسني يا أبية .
ضحك بخفة : ماذا أفعل إذًا ؟!
تنهدت برقة : تعود لمنزلك ، فأنت كنت مناوبا وأعتقد أنك تحتاج أن ترتاح قليلا .
ابتسم وأومأ برأسه : نعم ، هيا بنا حتى لا تتأخرين بدورك ، نهضا سويا فأكمل بتساؤل - أوصلك للبيت .
توقفت عن الحركة لتهمس بجدية : لا سأعود بسيارة أجرة ، هم بالحديث لتشير إليه برأسها وتتبع - دون اعتراض ، أراك على خير.
أومأ برأسه ليسير بجوارها هاتفًا : حسنا لن أوصلك ولكن سابقى معك إلى أن اطمئن عليك ولا تنسي .
ضحكت برقة : سأراسلك حينما أعود لا تقلق ، ولكن دون ثرثرة يا دكتور أخلد إلى النوم من فضلك وأحصل على بعض من الراحة .
ابتسم بخفة وآثر الصمت إلى أن دلفت إلى السيارة فأشار إليها مودعًا مهمها : إلى اللقاء يا أرنبة
***
أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...