تحرك بخطوات جادة نحو المعمل الذي يقضي به معظم أوقاته مؤخرا فهو وعادل يسابقان الزمن حتى ينتهوا من نتائج المرحلة الأولى لهذا الجهاز وخاصة بعدما أتلفوه من يسعون وراءه دون سبب محدد لهما للان !!
عبس بتعجب هو يستمع إلى صوت موسيقى ليس عاليا للغاية ولكنه مسموع حينما يقترب أي شخص من باب المعمل ازدرد لعابه ببطء وهو يفتح الباب بروية وينظر بطرف عينه للداخل يبحث عن الدخيل الذي يدير الموسيقى لينفرج عبوسه وصوت ذاك المغني القديم الذي يعشقه عادل يدوي بأذنيه وعادل يدندن معه والذي من الواضح أنه يعمل بمزاج فائق تخلى عنه منذ حادثة أسعد ، انفرجت ملامح عبد الرحمن بذهول وهو ينظر لعادل المبتهج على غير العادة ويردد عقله تساؤل عن كيف أبدل مزاجه هكذا وأخيه لازال غائبا ؟! انصت إلى كلمات الأغنية ذات الرتم الشرقي إلى حد ما وصوت عادل يصدح بنغمة جيدة
كان حلم عمري في حبها .. يا عمرنا
اعيش لوحدي في قلبها .. يا قلبنا
كان حلم غالي مر في خيالي دلوقتي بحلم عندها
تعبنا .. ودوبنا
في البعد من غيرك .. وانا ليا مين غيرك
يا عمرنا – عمرو دياب
لم يقو على منع نفسه ليهتف بجدية : من هذه ؟
استدار عادل بدهشة ليزفر بقوة هاتفا بحدة : بسم الله الرحمن الرحيم ، أفزعتني يا عبد الرحمن
ابتسم عبد الرحمن رغم عنه ليجيبه بحرج : المعذرة ولكن لو على الفزع أنت من بدأت حينما أتيت ووجدتك على هذه الحالة ، اقترب منه يصافحه بمودة ليسأله باهتمام – ما بالك ، رائق المزاج على غير العادة ؟
عبس عادل قليلا قبل أن تنفرج ملامحه بإدراك ليضحك بخفة : أنت لم تعلم للان ، ألم يخبرك عمر ؟
عبس عبد الرحمن بعدم فهم : أعلم ماذا ؟ وعن ماذا يخبرني عمر ؟
اتسعت ابتسامة عادل ليهتف بحبور : أسعد نهض البارحة والحمد لله .
اتسعت عينا عبد الرحمن بسعادة حقيقية ليهتف : الحمد لله ، الف حمد لله على سلامته ، أتبع مستدركا – لم أرى عمر البارحة فهو عاد متأخرا بعدما كنت خلدت للنوم وأنا غادرت قبل أن يفيق سيادته ، لذا لم أكن أعلم باستيقاظه ، مبارك نهوضه والف حمد لله على سلامته يا عادل
ابتسم عادل وأجابه بلباقة ليتابع عبد الرحمن : لذا أنت رائق المزاج وتشدو بتألق ، أومأ عادل برأسه ليتابع عبد الرحمن بمشاكسة متعمدة - وأنا من ظننت أن هناك من أوقعت بك فأجبرتك أن تشدو لها .
ضحك عادل بخفة : للأسف يا صديقي خيبت آمالك الواسعة ، أتبع بأسف – فأنا يَصُعب وقوعي للغاية .
رمقه عبد الرحمن قليلا قبل أن يهتف ببرود : فقط لا تثق بنفسك كثيرا يا ابن الخيال ، فالقلوب لها أحكامها التي تسري على رقاب الجميع .
حرك عادل رأسه بتفكير ليهمهم وهو يستكمل عمله : لا اختلف معك ولكن حتى إن مال قلبي لابد أن يقتنع عقلي ، أنا رجل علم يا صديقي ، وأنت كذلك لذا أنا لا أعتقد أبدا أن اختيارك لرقية اختيار عاطفي فقط بل وعقلاني أيضا .
تأمله عبد الرحمن كثيرا ليجيب ببساطة : اختياري لرقية اختيار روحي وعقلي وقلبي وحياتي كلها .
قهقه عادل ضاحكا : أنت غارق لاذنيك يا ابن الخواجة .
أجاب عبد الرحمن ببساطة وهو يخلع سترته ليضعها فوق ظهر الكرسي : بل لأكثر من أُذني ، لقد غرقت ولم أطفو ثانية .
تتابعت ضحكات عادل المرحة : هنيئا لك يا باشمهندس ، إذًا متى الزفاف ؟!
تنفس عبد الرحمن بعمق وهو يعيد كمي قميصه للخلف : بم أن أسعد نهض ولله الحمد ، سأحدد مع دكتور محمود موعد لعقد القران بإذن الله .
عبس عادل بتساؤل : ما علاقة أسعد بعقد قرانك ؟!
ضيق عبد الرحمن عينيه :هل كنت سأتزوج وأخيك غائبا يا عادل ؟ إن اقترحت أنا ووافق دكتور محمود وهذا أمر مستحيل أن يوافق عليه فرقية نفسها لن توافق أن نعقد قراننا وجنى بهذه الحالة التي كانت عليها ، هل ستوافق ماما ووالدتك كانت مريضة وحزينة بهذا الشكل هل كان بابا سيرضيه أن أعقد قراني وعمو أمير لن يحضر .
تمتم عادل بهدوء : بل بابا كان سيحضر ويتمنى لك السعادة يا عبد الرحمن .
تنفس عبد الرحمن بقوة وسأله بجدية : وهل كنت أستطيع أن أفرح أنا بعقد قراني وأنت ضائق النفس مهموم كما كنت ؟ هل كنت سأفرح وأسعد غائبا لن يحضر عقد قراني ويبارك لي ؟ الأمر لم يكن سيستقيم يا عادل ، نعم نحن لا نرتبط بكم بارتباط دم ونسب ولكن تربط بين عائلتينا أخوة وصداقة على مر الزمن ، صداقة امتدت عبر أبي وأبيك لي ولك ولأسعد ، نعم أسعد ليس قريبا مني مثلك ولكنك أنت أقرب من قريب يا عادل .
ابتسم عادل بود وهتف : وأنت قريب وأخ يا عبده ، ابتسم عبد الرحمن بمودة ليتابع عادل بجدية – وها هو أسعد استيقظ فأقيموا الأفراح والليالي الملاح.
ضحك عبد الرحمن و أومأ برأسه موافقا : سنفعل ولكن بعد أن اطمئن على أخيك أولا .
أومأ عادل برأسه : تركته مساء بعد أن أخذ أدويته وسأذهب الآن لأطمئن عليه فهو قارب على الاستيقاظ ، ليتابع بمشاكسة متعمدة – وفرصة أن اغادر قبل أن تصل رقية فموعدها بعد قليل ، فهي لا تدلف أبدا وأنا موجود .
رمقه عبد الرحمن بهدوء وملامحه لا تشي بأي انفعال ليسأله عادل ببراءة : هل هذه القوانين تسري عليك أنت الآخر ؟
أجاب عبد الرحمن ببرود : اذهب لأخيك وحينما يستيقظ أخبرني سآتي لأطمئن عليه .
قهقه عادل ضاحكا : من الواضح أنها تسرى عليك ، إنها فتاة معدنها من الذهب الخالص لا تنثني بسهولة ، مبارك عليك يا من غرقت فلم تطفو ثانية .
ابتسم عبد الرحمن ودعا بصدق : العقبى لك أن تغرق ولا تطفو يا ابن الخيال ،
رفع عادل كفيه بمرح - اللهم أمين يا صديقي .
أشار إليه وهو يغادر ليهز عبد الرحمن رأسه بيأس من عادل ومشاغباته التي لا تنتهي ليستل هاتفه يتصل بها ليمنحها تحية الصباح كما يفعل يوميا وصوت الهضبة من الخلف والذي تركه عادل دائرا دون أن يغلقه يشدو بأغنية تصفها في مخيلته فتمنحه شعورا بالسكينة وهو يستمع إلى صوتها الأبح الذي أتى مرحبا كعادتها معه .
عمرو دياب – وغلاوتك
***
يجلس فوق فراشه بظهر منتصب وملامح متجهمة يقبض على هاتفه الذي اعادته إليه الليلة الماضية قبل أن تنصرف على عجالة متحججة بمناوبتها في الطوارئ بعد أن تهربت من الإجابة وخاصة بعد اقتحام عادل للغرفة ،فأخبرته وهي تمنحه تحية المساء أن إجابة سؤاله متواجدة فيه هي وأشياء كثيرة لا يدركها لأنه ببساطة كان غائبا عنها لمدة ثلاثة أشهر ماضية كانت وحيدة دونه ودون خاتمه الذي يربطها به ، ليقضى الساعات الماضية يستمع إلى ما سجلته له أو أرسلته إليه دون أن يشعر برغبة في نوم استكفى منه على مدار أشهر فائتة ورغم عن دواء ثقيل أخبره شقيقه بأنه سيهديه أحلامًا مبهجة !!
رمش بعينيه وثغره يتشكل بابتسامة ساخرة قاسية ويتساءل عقله " من أين ستأتي الأحلام المبهجة وهو يشعر بغضب غريب بسبب فعلتها التي رغم أنه علم أسبابها ولكنه ليس مقتنعا بها !! "
زفر أنفاسه بقوة وجسده يترقب بحركة غريزية حينما شعر باقتراب خطوات أخيه الذي دلف دون أن يدق الباب متحركا بهدوء قبل أن يتوقف بصدمة هاتفا وهو يحدق به : استيقظت ؟! متى ؟!
رفع عينيه القاتمة لعادل فيؤثر صمتا لاقى تفكيراً بعيني توأمه ليتبع سائلا بجدية : لم تنم ؟!! لماذا ؟ تحركا فكيه حينما أطبقهما فاستطرد عادل بدهشة - وغاضب أيضاً لماذا ؟!
تمتم بصوت خافت مهيب : أين الخاتم ؟
انفرجت ملامح عادل بإدراك فوري ليسأله سريعا : هل استمعت لكل التسجيلات والرسائل التي بالهاتف يا أسعد ؟
أشاح بعينيه بعيدا قليلا وكفه تنقبض على الهاتف أكثر قبل أن يهمس بجدية : أين الخاتم يا عادل ، أعتقد أنه معك أم أن صاحبته أخذته من جديد ؟
هز عادل رأسه نافيا : لا لم تأخذه كانت تنتظر أن تستيقظ لتضعه في بنصرها بنفسك .
رمشت عينيه ليهمهم بتفكه ساخر : بعد أن فسخت خطبتنا تنتظرني لأفيق لأعيد خطبتها من جديد ؟
تمتم عادل وهو يقترب منه : كانت مضطرة ، أضاف بتساؤل حانق - بحق الله علام تحاسبها وعلام تغضب ؟ كنت بين الحياة والموت وهي أنقذتك .
هدر أسعد بحدة : ولم تكن تستطع أن تنقذني دون أن تخلع خاتمي من كفها وتحيا ثلاثة أشهر وهي ليست خاصتي .
رمقه عادل قليلا صدره يعلو ويهبط من الغضب في حالة جديدة لم يرى أخيه فيها من قبل ليجيب بجدية وهدوء يحاول أن يحتوي ثورة أسعد غير المفهومة : لا لم تكن تستطيع ، لم يكن سيتركها والدها ولا أنا ، ولا قوانين المشفى كانت ستسمح لها بذلك ، رمقه أسعد بحدة ليتابع عادل سائلا - إلا لو كنت تريدها أن تضحي بعملها مقابل أن ترتدي خاتمك في إجراء شكلي لا أهمية له سوى أن تعلن للناس أنها خاصتك .
هدر أسعد : بالطبع لا ، ولكن .. صمت قليلا ليهمس باختناق : لقد فسخت ارتباطنا يا عادل ، خلعت الخاتم الذي البسته إياها ، خاتمي الذي يعلن عن ارتباطنا .
زم عادل شفتيه وعيناه تحدق بأخيه يبحث بضراوة عن سبب اختلاف أسعد ليتمتم : ليس الخاتم هو ما سيجعلها خاصتك يا أسعد فجنى كانت هي الإعلان في فترة غيابك ، وكل شيء فيها يعلن ملكيتك لها بصدق ووضوح كان يعتلي ملامحها وتصرفاتها ويتحكم فيها في كل يوم كان يمر عليك وأنت بغيبوبتك.
تنفس بقوة ليكمل بهدوء : تستطيع أن تسال ممرضاتك وأطباءك بل وضباط الحراسة المتمركزين في الطابق .. بل أن عمال النظافة يعلمون أنها زوجتك ليس فقط خطيبتك ، تلك الصفة لا تحتاج لخاتم يزين بنصرها بل يحتاج لقلب متيم بعشقك وروح تهفو إلى وجودك يا أخي ، وأعتقد أنك تعلم جيدا مدى عشقها لك .
نظرة مطولة سرت بينهما ليزفر أسعد بقوة قبل أن يهمس بجدية : حسنا لم تجبني للان .
ابتسم عادل واقترب منه يخرج شيء من جيب سترته الداخلي : نعم معي أتيت لك به فأنا كنت أضعه بخزانة مغلقة تخصني هنا .
ناوله الخاتم ليقبض أسعد راحته عليه وعيناه تتصلب من جديد قبل أن يهمس سائلا : هل انتهت مناوبتها في الطوارئ وغادرت ؟
ابتسم عادل ليجيبه بهدوء : لا ليس بعد ، جنى لن تغادر دون أن تمر عليك كالعادة .
لمع التفكير بعينيه ليسأل أخيه : هل دكتور أحمد موجود ؟
عبس عادل بتفكير ليهز رأسه نافيا : لا أعتقد ولكنه من المؤكد سيأتي اليوم للعمل ، فيم تريده؟
سحب نفسا عميقا وهن يرمق ملابس أخيه العادية بعد أن خلع معطفه الأبيض ليعاجل أخيه بسؤال جديد دون أن يمنحه إجابة على سؤاله : هل ستغادر إلى البيت ؟
فيسأله عادل بهدوء : هل تريد مني البقاء ؟
رمقه قليلا ليهز رأسه نافيا : لا ، ولكني أريد منك شيئا عليك أن تفعله من احلي قبل أن تعود للبيت .
تمتم عادل بحمية وهو ينتفض لأخيه : أنا كلي من أجلك يا أخي .
***
__ صباح الخير ، رفعت رأسها لأخيها الواقف أمامها لتنظر إليه بتعجب قبل أن تنهض لترحب به بحفاوة قبل أن تسأله – ماذا تفعل هنا باكرا ؟ أليس عندك جامعة اليوم ؟
ابتسم أدهم بشقاوة وهو يضمها من خصرها اليه : بل عندي ولكن محاضراتي ستبدأ بعد الظهيرة ، فأتيت لأرى أمرا ً ما كلفني به عمر على الهاتف ، لأنه لن يقوى على المجيء قبل الظهيرة لأجل زيارة أسعد فهو سيصحب حبيبة إلى هناك .
قبلت وجنته لتسأله باهتمام وهي تشير إليه بالجلوس : ما الأمر الذي كلفك به عمر ؟
أجابها بجدية وهو يجلس مجاورا لها بالأريكة : أنها إحدى الصفقات مع شركة أورو آسيوية أعتقد ، سيأتي وفد منها وعلى أحدهم أن يستقبلهم ، طبعا كانت هذه الاشياء من اختصاص أحمد ولكن الآن عمر وأنا من نتولى هذه الأمور ، ولأن لديه ارتباط عائلي فأنا المكلف الآن ، ولكني أريد التحدث مع عاصم أولا قبل أن أذهب حتى على الأقل يمنحني بعض من المعلومات أو ملف الصفقة لافهم أبعاد الصفقة .
ابتسمت برقة : عاصم لم يصل بعد ، ولا أعرف إذا كان سيمر على أسعد اليوم قبل أن يأتي أم سيأتي بعد قليل ، أتبعت وهي تنهض واقفة – ولكن من جيد أنك أتيت كنت أريد أن اتحدث معك بأمر ما .
نظر لها باهتمام فأشارت إليه : سأطلب لنا القهوة ونتناقش فيم بعد .
أومأ برأسه موافقا : كلي آذان صاغية يا أختاه .
بعد قليل من الوقت كان أنهى فيه قهوته و يعيد قراءة المراسلات ثانية قبل أن يسألها بتعجب : لا أفهم ما الذي يزعجك في الصفقة ، أنا أرى أنها جيدة بل ومربحة أيضا .
مطت شفتيها لتجيبه : هذا هو ما يزعجني أنها مربحة ، أتبعت وهي تحدثه بجدية – أنت تعلم أن في عالم الأعمال لا يمنحك أحدًا ربح زائد ، بل كل فرد يبحث عن أرباحه الشخصية وصراحة أنا لا أرى أي ربح لهذه الشركة حينما تتعاون معنا بهذه الطريقة .
هز رأسه باستخفاف : ألا يمكن أن يكون صاحبها مغفلا مثلا ؟
رمقته قليلا قبل أن تجيب : أو عدوا يسعى إلى توريطنا في شيء لا نعلمه .
عبس بريبة سكنت عينيه قبل أن يجيب ببساطة : إذًا لنبحث عن خلفية أصحاب الشركة ونستفسر عنهم ، وندع عمر يعد عقود جيدة بل أكثر من جيدة بحيث أن لا يكون هناك أي ثغرة بها ، وبعدها نقوم بمقابلة وفد من لديهم لنستفسر أكثر عنهم وعن أهدافهم .
هزت رأسها بتفكير لتمأ أخيرا بالموافقة : أنا أرى أن هذه خطوات جيدة قبل الموافقة .
ابتسم باتزان : أرسلي لي نسخة من المراسلات وأنا سأبحث عنهم وعن أصول ونشأة الشركة وتحدثي مع عمر أيضا ، فهو الآخر له رؤية قانونية ملهمة .
ضحكت برقة لتربت على وجنته بحنو : أنت هو الملهم يا صغيري ، كبرت للغاية يا أدهم ولا تقو على التخيل كم أنا فخورة وسعيدة بك .
اتسعت ابتسامته والزهو يسطع بعينيه : وأنا الآخر سعيد لكوني معك وبجانبك .
ألقاها بمشاكسة ليقبل وجنتها القريبة منه وهو ضمها إلى صدره لينتبها سويا على صوت عاصم الذي يهتف بمرح : أنت يا ولد لم تجد أحدًا لتحتضنه فتحتضن زوجتي ، ابتعد عنها من الأفضل لك .
قهقه أدهم ضاحكا ليجيبه هاتفا : إنها شقيقتي قبل أن تصبح زوجتك يا باشمهندس .
اقترب عاصم ليصافحه وهو يتوعده بأفتعال : يوما ما سأقص لسانك .
أشار إليه أدهم برأسه : لن تقدر .
ضحك عاصم وهو يهز رأسه بلا أمل قبل أن يقترب منها يقبل جبينها ويهمس إليها بتحية الصباح ليسأل أدهم باهتمام وهو يجلس على الكرسي المنفرد تاركا الأريكة لهما : أية رياح طيبة القت بك علينا ؟ فأنت أخبرتني أنك لن تأتي اليوم .
أومأ برأسه ايجابا ليجيبه : أينعم ولكن عمر كان له رأي مخالفا .
نظر إليه عاصم بتساؤل فثرثر إليه بم طلبه منه عمر ليهز عاصم رأسه بتفهم قبل أن ينهض واقفا : حسنا تعال معي وأترك نور لعملها .
استجاب أدهم لتهمس نوران بجدية : عاصم لم تتناول الفطور ولم تحتسي الشاي .
أجاب بعفوية : تناولت الفطور مع ياسمين هانم وعمار بك الذي ايقظني فجرا لأنه سيذهب لشراء خاتم خطبته
__ اووه ، هتفت بها نوران في حبور لتتابع – أخيرا سيذهبان لشراء الخواتم
أجابها عاصم : لقد حصل على موافقة عمو أمير قبل أن يستيقظ أسعد و الآن وقد استيقظ أسعد بالفعل فلا فائدة من التأجيل ، ابتسمت برقة ليتبع مثرثر - ولكن من الواضح أنه قارب على فقدان عقله فهو أفزعني صباحا و أجبرني على الاتصال بريمون لأخبره أنه سيذهب إليه فيستعد بأفخم وأجدد مجموعة من الخواتم عنده ،
ضحكت نوران بينما نفخ عاصم بقوة وهو يهز رأسه بيأس : عمار جن والحمد لله .
تعالت ضحكات أدهم ليهمهم بشقاوة : ومن يلومه يا ابن العم ، لابد أن يجن فالمهرة ستكون خاصته .
رمقه عاصم ليزجره بمرح : لا تدعه يستمع إليك حتى لا يسبقني ويقص لسانك .
قهقه أدهم ضاحكا : لا تقلق أنا التزم الحذر ثم أنها ستصبح زوجة أخي ومكانتها من مكانة عمار الغالية على قلبي .
ابتسم عاصم بسماحة نفس : من الجيد أن أحدنا غالي على قلبك يا ابن العم .
شاكسه أدهم بتعمد : عمار سيكن القلب وأنت تسكن العقل يا باشمهندس .
دفعه عاصم بمرح ليهتف بحنق مفتعل : الآن علمت كيف توقع بالفتيات ؟
اقترب أدهم منه ليهمهم إليه : إذا أردت أستطيع أن أخبرك .
ضحك عاصم لتتأفف نوران وهي تضع كفيها في خصرها تضيق عينيها إليه : ماذا تقول يا أخي؟ لتلتفت إلى عاصم – أرى أنك تضحك يا باشمهندس .
كتم أدهم ضحكته ثم رفع كفيه معلنا استسلامه ليجيب عاصم بجدية متحكما في بسمته : لم تمنحينني الفرصة لأجيبه يا نوران هانم ، أتبع وهو ينظر لأدهم بتوعد – هل أنت سعيد الآن زوجتي غضبت مني بسببك ، ألا تعلم كم أنا محب ومخلص لزوجتي ؟
أومأ أدهم برأسه متفهما : بلى أعلم .
لتتلاقى نظرات عاصم معها لتبتسم مرغما حينما هتف : بالمناسبة يا زوجتي العزيزة استأذنت عمي اليوم أن أصحبك على العشاء بعد أن ننتهي من زيارة أسعد، فمنذ مدة لم نتناول العشاء سويا ، ليتبع بصوت أبح وعيناه تتأمل ملامحها بافتتان – سيكون عشاء مليئا بالبرتقال .
توردت نوران واخفضت نظرها عنه بينما عبس أدهم مفكرا ليسأل بجدية : هل ستتناولان البرتقال فقط كعشاء ؟
ليجيبه عاصم وهو يتحكم في ضحكته ويدفعه بلطف نحو غرفة مكتبة : بل سيكون البرتقال العصير الذي سنحتسيه بجانب العشاء ، أتبع مزمجرا بحنق مفتعل – ما شأنك أنت بي وزوجتي، انتبه لما أتيت من أجله واستمع لي بذهن صاف .
ابتسم أدهم ليكح بخفة قبل أن يجلس باستقامة أمام مكتب عاصم : هاك أنا تحت أمرك يا كبير.
***
دلفت إلى الغرفة تبتسم برقة وتهمس بتحية الصباح ، تتلافى التقاء نظراته بها وهي تشعر بالخجل يراودها فهي أتت له بعد أن أخبرها عادل أنه سأل عليها ، تنفست وهي تقنع عقلها بأن تتعامل معه بمهنية شديدة فهي الطبيبة التي أجرت إليه جراحته ولكنها لا تستطع فقلبها الذي يتضخم بعشقها له وروحها التي تتلهف إلى وجوده يعاندها وخاصة وهو أمامها هكذا مستيقظا .. سليما .. معافيا ، تمتمت بحمد كثير في داخلها وأشاحت بنظرها بعيدا حتى لا تتأمل جلسته المستقيمة وكأنه ليس مريضا يتعافى من أثر حادث ضخم وغيبوبة ظل في غياهبها الشهور الماضية ، احتقنتا وجنتيها وهي تتغاضى النظر إلى عينيه اللتين لا ترمشا وتحدق بتفاصيلها كعادته حين تواجدها حوله ، تتجنب النظر إلى ملامحه الهادئة .. ابتسامته الرزينة .. ونظراته الغاضبة كما خيل إليها وعقلها يستنتج أنه لابد وأن يكون غاضبا لأجل خلعها لخاتمه فترسم ابتسامة مرتعشة وهي تحاول أن تحتوي خوفها باطمئنان وجوده إلى جوارها والذي يهديها أمان غير متعمد ، تمنع نفسها بقوة ألا تراقب التغيرات التي طرأت عليه وأولها ذقنه النامية بكثافة والتي باتت تروقها مؤخرا فهو دوما كان حليق الذقن لأجل قوانين عمله الصارمة .
زفرت بهدوء وهي تتأمل الجهاز اللوحي المعلق بفراشه فتطمئن على مستجدات خالته ، لترفع عيناها إليه أخيرا بابتسامة هادئة وصوت مرتعش النبرات : كيف حالك يا بطل ؟هل انت بخير؟
رمقها قليلا قبل أن يبتسم فيجف حلقها وهي تتساءل هل ابتسم أم عقلها من شت حينما انفرجت شفتيه عن تلاعب لم تفهمه فيهمس بخفوت وهو يخفض عينيه : الحمد لله بخير ، صمت ليتابع بهدوء بعد وهلة بصوت تعمد أن يخرج منزعجا - ولكني أشعر بألم في جانب صدري .
عبست بترقب وهي تقترب منه بسرعة تعتلي ملامحها جدية وعملية احتلت عيناها : أين ؟
رفع نظره لها وهو يحرك رأسه بهدوء يشير بها إلى مكان ألمه : هنا .
رفعت حاجبيها بدهشة لتقترب أكثر : غريب ، لم تصاب في قفصك الصدري لقد راجعت اشعتك أكثر من مرة لم يكن هناك شيئا ،انحنت له حتى تتمكن من فحصه جيدا وهي تتابع - صف لي ألمك .
شهقت بخجل وذراعه المعلقة بحامل معلق بعنقه حتى يحافظ على وضع كتفه مستقيما تلتف حول خصرها فتلصقها به وتقربها منه تضغطها بصدره الخالي من الضمادات فيغمغم بهمسات ساخنة : إنه حريق يشتعل بجوانب صدري ، أنين يهتف به قلبي ، وتصريحات غاضبة تصدح من عقلي
تمتمت بخجل طغى على ملامحها : أسعد ، لا يصح ما تفعله .
همهم وهو يدير عينيه على ملامح وجهها القريبة : أعلم ، ولكن فاض بي الكيل ولم أعد أحتمل.
تمتمت بخفوت : أنت غاضب مني ، أليس كذلك ؟!
أجاب وعيناه تؤسر عينيها : للغاية ، غاضب منك للغاية ، ولكن شوقي إليك أكثر من غضبي منك ، فروحي تتنازعها قوتين فيمزعانها بداخلي ، كيف أكون غاضبا وكيف أتوق إليك بهذه الطريقة العارمة .
رفت بعينيها ووجهها ينضج خجلا : أسعد اتركني ،
همستها بخفوت فهز رأسه نافيا لتعاتبه بعينيها فيهمس مضطرا : عديني ألا تبتعدي .
رمشت بعينيها في رفض ليتابع بجدية : حسنا كما تحبين ، فوضعك هكذا أجمل .
أخفضت عيناها بخفر : حسنا لن أبتعد .
أبعد ذراعه عنها قليلا سامحا لها بحرية الحركة بعد أن كانت ذراعه تجبرها على الالتصاق به لتبتعد بجسدها سريعا فينظر إليها بعتب وغضبه يعتلي ملامحه ، فأشاحت برأسها بعيدا وهي تجاوره جالسه تنهد بقوة ليرفع نظراته إلى خصلاتها البنية الفاتحة ، همس وهو يغرق بها : هلا اسدلت شعرك ؟
رجفت بخجل وتمتمت باسمه في اعتراض ليضحك بخفة وهو ينظر بعيدا : أعلم أنه لم يصبح بعد من حقي ، ولكني عشت عمرا كاملا أقنع نفسي بأنك لست من حقي ولكن الآن اكتفيت يا جنى ، لم أتحمل يوما آخرا وأنت لست خاصتي .. ملكي .. زوجتي .
بللت شفتيها لتهمهم : هل أغضبك أمر الخاتم لهذه الدرجة ؟
نطق بجمود : لقد فسخت خطبتنا يا جنى .
تمتمت سريعا : أنت أهم من أي شيء آخر ، كنت أريد انقاذك وفعلت .
رمقها قليلا فاتبعت وهي تعيد خصلة شعرها خلف أذنها وتحني عنقها خجلا : ثم لم أفسح الخطبة ، أنا خلعت الخاتم فقط .
ابتسامة ماكرة شكلت ثغره ليسال بجدية : إذ ًا خطبتنا لازالت قائمة ؟!
أومأت برأسها لتجيب بجدية : نعم أليس أنا بجوارك الآن وكنت بجوارك البارحة وجاورتك فترة غيبوبتك بأكملها ، هل لدي صفة أخرى سوى أني خطيبتك ؟
مط شفتيه ليغمغم بتفكير : من الممكن أن تجاورينني لأنك طبيبتي ،
عبست بتعجب ليتابع بهدوء وهي يفتعل التفكير – ولكني لا أظن أنك جاورتني لأجل هذا السبب فليس هناك طبيبة تقبل جبين مريضها قبل أن تنصرف .
شهقت واتسعت عيناها بصدمة ووجهها يشحب كليا لتهمهم بتبعثر : كنت تشعر بي .
اسبل جفنيه ليؤثر الصمت قليلا قبل أن ير فع رأسه باعتداد يهمس أمرا بصرامة : هات يدك .
نظرت إليه بعدم فهم ووجنتيها تتورد بعفوية فيردد : يدك اليسرى .
عبست بتعجب لترفع يدها اليسرى ليطبق عليها براحته البعيدة قبل أن يضع خاتمه ببنصرها الأيسر فتهمس بخفوت : ولكن موضعه في يدي الأخرى ليس هنا .
رفع عينيه ينظر إليها بصرامة شكلت ملامحه ليجيب بنبرة قاطعة لا نقاش فيها وهو يحتفظ بكفها الذي يحمل خاتمه بين راحتيه : بل هنا ، ولا تخليعه أبدا من هنا ، أتبع بتسلط – أسمعت يا حضرة الطبيبة ؟!
أومأت برأسها موافقة ليزفر بقوة قبل أن يهمس إليها : هيا عودي للبيت لتنالي قسطا من الراحة قبل موعد الزيارة الليلي ، أعلم أنك كنت مناوبة بالطوارئ طوال الليل .
أومأت برأسها في طاعة لتنهض واقفة وتهمس بخفوت : أتريد شيئا مني قبل أن أغادر ؟
رفع حاجبيه بتفكير ليهمس : لا شكرا لك .
ابتسمت برقة لتهمس إليه : سأعود ليلا بإذن الله لن أتأخر .
أومأ بعينيه ليوقفها حينما قبض على كفها قبل أن تغادر لتنظر إليه بتساؤل فيهمس بجدية : لن تودعيني وتقبلين جبيني كالعادة .
ارتجفت بخجل لتهمهم اسمه بعتاب ليجذبها بلطف نحوه : ألم تكوني تفعلي كل الفترة الماضية هكذا ، ما المختلف الآن حتى لا تقبلين جبيني قبل أن تغادري .
تمتمت باختناق ووجهها يتحول للأحمر القاني : كنت نائما .
ابتسم ليشاكسها بتعمد : إذًا سأغمض عيني واعتبريني نائما .
همهمت بتلعثم : أسعد .
ليجيب وهو يتحكم في ابتسامته : لن أتنازل .
سحبت نفسا عميقا لتقترب بشفتيها من رأسه تلثمها برقة وتحاول أن تبتعد عنه بسرعة لتشهق بقوة وهي تقع فوقه حينما حاوطها بذراعيه ليهمس أمام عينيها بخفوت : أليس من حقي أن أقبلك أنا الآخر قبل أن تغادري ؟
ارتجف جسدها وهزت رأسها نافية ليلوي شفتيه بإحباط : نعم ليس من حقي بالفعل الآن ، لذا لن أفعل ، ولكن لتعلمي أني سأعيد إليك قبلات جبيني التي أهديتها لي كاملة بعد مساء اليوم .
عبست بتفكير لتهمس بخفوت : لماذا مساء اليوم ؟!
حررها قليلا فابتعدت عن محيط صدره ليرفع كفها يقبل موضع خاتمه ويهمس : ستعلمين في المساء ، فقط لا تتأخرين .
تأملته قليلا لتعتدل واقفة وتهز رأسها قبل أن تهمس : لن أتأخر ، لن أقوى أساسا على أن أتأخر ، أراك قريبا على خير .
ابتسم برقة : هاتفيني حينما تعودين للبيت .
اشارت إليه وهي تغادر الغرفة وتغلق الباب خلفها ليستل هاتفه ويتصل بأخيه ويخبره أنه يريده بغرفته .
***
تسحب نفسا عميقا وهي تتأرجح ببطء في أرجوحة بيتها الذي عادت إليه صباح اليوم والتي لطالما ضمتهما معا تتذكر حديث أبيها لها الليلة الماضية بعد أن طلب منها قراءة خبر ما كُتِب عنها في الصحف ليتابع بجدية شديدة أن احمد تحدث معه واعلن استياءه من تكرار نشرها لصورها الخاصة باحتفالها بحملها للعالم مما جعل الصحفيين يتتبعون أخبارها ويتحدثون عنها ويتساءلون عن غياب زوجها !!
زمت شفتيها وهي تستعيد حديث والدها الذي طلب منها بهدوء أن تتوقف عن نشر صورها فسألته عن السبب ، ليجيبها حتى لا تنتشر الأخبار عنها لتهتف بلا مبالاة : أنا لا أرى شيئا سيئا في الخبر والصحفي لم يدعي شيء علي أو على أحمد ، لقد ذكر أمر واقع أنا أعيشه بالفعل ، وهو أن زوجي وأبو أطفالي ليس موجود معي ولا يحتفل بخبر حملي الأول منه ، إذًا ما الخطأ الذي ارتكبه كاتب الخبر أو ارتكبته أنا يا بابي لأتوقف عن نشر صور احتفالي بأني حققت امنيتي الغالية على قلبي ؟
حينها زم وائل شفتيه ولم يجبها لتسأله بهدوء : هل تريدني أن أتوقف لأرضي أحمد الذي يريد أن يتحكم بتصرفاتي بعد أن تركني وغادر ؟ أم تريدني أن اتوقف حتى لا تضرر سمعة العائلة حينما يتأكد المجتمع المخملي بأني سأنفصل عن زوجي عم قريب ؟ فأنا لا أفهم السبب حقا يا بابي ؟
حينها هدر وائل : تنفصلين ؟!
ابتسمت ساخرة : هل تتوقع أني سأستمر مع أحمد وهو رافض لوجود الأطفال يا بابي ؟
ليزفر ابيها بقوة قبل أن ينهض واقفا : اسمعي يا ابنة فاطمة ، زوجك لم يصرح مرة واحدة منذ أن اعلنت عن خبر حملك أنه رافض لوجود أولاده ، لم يطلب منك أن تجهضينهم أو تتخلي عنهم ، زوجك غادر لأنك طردته من بيتك وطلبت منه الطلاق فلا تخلطي الأمور ببعضها مثلما تفعل أمك .
حينها عبست بعدم فهم ليكمل أبيها بجبروت : ثم لا أريدك أن تذكري أمر الإنفصال هذا أو الطلاق ثانية على لسانك ، أسمعت ؟
ليخبرها أخيرا وهو ينوي مغادرة غرفتها : أحمد سيعود قريبا وحينما يعود سنتحدث ثانية يا ابنة فاطمة .
مطت شفتيها بتفكير وهي تنظر لتلك الصورة التي التقطتها إليها نوران في الصباح بعد أن أدت التمارين الرياضية التي أوصت لها بها الطبيبة لترفع حاجبها وتتأمل صورتها المضيئة بضحكة رائقة وتظهر جلستها فوق حشائش حديقة قصر عائلتها قبل أن تعود إلى بيتها لتتألق عيناها بتمرد لم يكن يوما من شيمها قبل أن تداعب شاشة هاتفها وتنشر صورتها بعد أن دونت فوقها أنها تشعر بالسكينة .
لتبتسم بانتصار وهي تدير موسيقى هادئة ناعمة وتضع السماعات الغير مرئية في اذنيها وتعود لأرجحه نفسها ثانية وهي تشعر ببعض من الرضا يتخلل نفسها ، فتبتسم برقة ونعومة انقلبا لانتصار شكل ثغرها حينما رن هاتفها معلنا عن اتصاله بعد وقت طويل لم يحاول حتى أن يراسلها فيه !!
رفعت هاتفها لتنظر إليه فتومض صورته أمام عينيها فتتأملها بغضب يسري بدمائها وهي تدرك جيدا أنه بادر بالاتصال بها لنفس الأمر الذي تحدث مع أبيها فيه وأعلن استيائه له عنه ولعاصم من قبل أبيها فهمت أن تجيب لتخبره بمدى نقمتها عليه وغضبها منه وتعلن عن تحديها السافر له ولكنها توقفت وهي تتذكر عبد الرحمن الذي هدر فيها بجدية ذاك اليوم وحذرها بصرامة " إياك والرد عليه حينما يهاتفك أو يراسلك فإذ فعلت لن يعود سيكتفي بأنك تجيبينه وهذا سيؤخر من عودته !! "
فتتنفس بعمق وهي تنظر للهاتف الوامض بصورته بعد أن اغلقت صوت الرنين ، لتسيطر على قلبها الذي ينبض بشوق ماج بروحها .. وتتحكم في عقلها الذي زار بغضب هاج برأسها ، لينتهي اتصاله دون إجابة منها فتزفر أنفاسها المختنقة بداخلها لتترقب بدهشة وهي تنصت لصوت رسائل عديدة وصلت إليها منه !!
اهتزت عينيها وهي تبتسم مرغمة تنظر لعدد الرسائل الذي يتزايد أمامها فتفتح تطبيق الرسائل بلهفة فتومض عيناها بانتصار وهي تركض فوق حروفه الغاضبة " امسحي الصورة حالا يا أميرة "
تحذيراته الناقمة " وإياك أن تقومي بنشر أي من صورك ثانية "
وأوامره القاطعة " هيا امسحي كل الصور التي قمت بنشرها الأيام الماضية ولا تفعليها ثانية " منعت نفسها بالقوة من القهقهة بصوت عال قبل أن تغادر التطبيق دون رد كما قررت أن تفعل لتتوالى رسائله التهديدية التي تحولت مع الوقت لرسائل عادية التهمتها بأعين يقظة وهي تشعر بلهفته لها من بين طيات حروفه التي أتت سريعة " اميرة هل أنت بخير ؟! "
" أنت تقرأِ رسائلي دون رد !! هل أنت بخير أم متعبة لذا لا تجيبِ رسائلي ؟! "
والتالية التي أتت مزمجره بنزق كعادته " هلا طمأنتني عليك وخاصة أنك بمفردك في البيت ؟! أنا أعلم أنك عدت لبيتنا اليوم ، لذا من فضلك أريد أن اطمئن أنك بخير "
ابتسمت بمكر وهي تغادر التطبيق دون إجابة لتصل إليها رسالته الاخيرة والتي أرسلها بعد أن تأكد من أنها لا تجيب رسائله متعمدة فيتوعدها بالقول " حسنا يا أميرة ،كما تريدين حينما أعود سنتفاهم بشأن تجاهلك لرسائلي واتصالي وأوامري " قبل أن يصمت ويخلد إلى النوم كما توقعت أنه فعل .
توردت وعيناها تنبض بلهفة وهي تعيد قراءة الرسالة الأخيرة كثيرا لتهمهم إلى اطفالها وكفها يحاوط بطنها : بابا سيعود ، سيعود لقد أخبرني أنه سيعود .
اتسعت ابتسامتها لتتحول إلى ضحكة ناعمة وقلبها ينبض بقوة فتهمس وهي ترفع كفها لتربت على قلبها الذي يرتج بجنون : أحمد سيعود .
سحبت نفسا عميقا لتوقف الأرجوحة عن الاهتزاز وتنظر لبطنها الظاهر قليلا فتتجمد ملامحها وعيناها تعتم بتفكير قبل أن تنطق بتسلط : بابي سيعود ونحن سننتظره ، لنأخذ حقنا منه كاملا
***
يضع الهاتف بين كتفه ورأسه ويهتف إلى أمير الذي يتحدث معه : نعم يا عماه نحن بالطريق الآن ، كنت أفضل وجودك معنا ولكن أنا أقدر ظروف عملك ، بابا هو الآخر لم يقو على القدوم معي لا أفهم لماذا ولكنه أخبرني أن لديه أمر هام سيفعله .
انصت قليلا ليهمس وهو ينظر ليمنى الجالسة في الخلف بجوار والدتها من خلال مرآة السيارة الأمامية : لا تقلق يا عماه ، أنا لدي طرقي الخاصة ، ثم إن السبب الرئيسي للتأجيل انتهى والحمد لله ، أتبع وهو يهمس قاصدا أن لا يستمع إليه أحدا ممن حوله – ماما وخالتي يدركان ماذا أنا بفاعل ولكني لم أخبرها ، أحببت أن أفاجئها .
أتاه رد أمير المرح ليقهقه ضاحكا ويجيب : على راحتك يا عماه انعتني بم شئت ولكني أتصرف بطريقتي وأسلوبي المميز مع المعارك ، أنا رجل مهادنه ونقاش وليس برجل عسكري يميل إلى الاقتحام ، أتبع بنبرة ماكرة وعيناه تومض بشقاوة – أنا اقتحم ولكن بأسلوبي الخاص .
كتم ضحكاته وهو يستمع إلى زمجرة أمير الحانقة والسبه التي مُني بها ليهمهم بسرعة وصوت خافت : المعذرة يا عمي ، كنت أمزح والله ، لا تغضب مني رجاء .
صمت قليلا ليستمع إلى أمير بصوته الهادئ الرخيم قبل أن يجيب : حسنا يا عماه سنلتقي هناك بإذن الله ، أراك على خير سلام .
أغلق هاتفه ليضعه بجانبه لتميل إليه ياسمين التي تجاوره جلوسا لتهمس إليه بمرح : أمير سيشد أذنيك على قلة حياءك يا ولد .
حك جسر أنفه بظهر سبابته وهو يتحكم في ضحكته ليجيبها بصوت مسموع : عمو أمير يدرك دوما متى اشاكسه وأمزج معه لذا لا يغضب مني .
ربتت على كتفه القريب منها لتهتف ليلى بجدية : أنه يحبك ويقدرك مثل أسعد وعادل ، أنت ابننا الثالث يا عمار .
أجاب ليلى بهدوء وهو ينظر ليمنى : حبيبتي يا خالتي ، أنا الاخر أحبه واحترمه وأقدره مثل أبي ، عمو أمير أبي الروحي ، لا حرمني الله منه ومنك وبارك لي في عمركما وصحتكما أنتما ووالديّ .
أمّنتّن على دعاءه الصادق لتعبس يمنى وهي تنظر من حولها وتسأل : أين نذهب ؟! هذا ليس طريق المشفى .
ابتسمت ياسمين ورمقته بطرف عينها لتضحك ليلى بنعومة وتسأله : أنت لم تخبرها يا عمار؟
كح عمار بخفة وهو يبتسم بمكر لتعبس يمنى بتساؤل لوالدتها : يخبرني عن ماذا ؟
أجاب بسرعة قبل أن تجيبها خالته : مفاجأة يا موني ، أنها مفاجأة انتظري قليلا وستعلمينها .
عبست بترقب وهي تنظر إليه من خلال المرآة الأمامية ليبتسم إليها وعيناه تلمع بتسلية أجبرتها على التفكير فيم يرتب له لتنتبه على السيارة التي توقفت وصوته الذي هتف : ها قد وصلنا .
ترجل من السيارة ليدور من حولها يفتح الباب لوالدته وخالته ويساعدهما على الترجل ويقف بجانب الباب ينتظر خروجها من السيارة ليبتسم بوجهها ويهمس إليها بخفة مستغلا ابتعاد ياسمين وليلى اللتان سارتا متجاورتين نحو متجر المجوهرات الضخم ذو الاسم المعروف : هلا علمت أين نحن ؟
نظرت إلى المتجر بدهشة لتستدير إليه بتعجب وتهمس : لماذا أتينا إلى هنا ؟!
ابتسم بلطف : لنشتري خاتمك .
اتسعت عيناها لتسأله بجدية : من هنا ، أتبعت بتلعثم – أنه أغلى متجر للمجوهرات في مصر يا عمار .
لامس كفها القريب منه ليحتضنه براحته ويهمس وهو يدفعها أن تسير بجواره : غلاتك لدي أكثر بكثير من هذا المتجر بكل ما فيه ، ولكني سأبتاع ما أقوى على ثمنه اليوم وأعدك في المستقبل كلما استطعت سآتي لك بجوهرة تماثلك بهاء ولكنها أبدا لن تماثل قيمتك وغلاتك .
ابتسمت ووجنتيها تتوردان لتتوقف على مقربة من باب المتجر لتسأله بجدية : ستبتاع الخاتم من مالك أنت ، أليس كذلك ؟
أومأ برأسه : نعم ، رفضت عرض أبي وعاصم بالمساعدة .
لوت شفتيها لتهمهم برفض : ستقضي على مدخراتك كلها بسبب الخاتم يا عمار .
أجاب بهدوء وهو يثرثر إليها بعفوية : بل المدخرات كثيرة والحمد لله ، فأنا لدي أرباح اسهمي في المؤسسة لمدة الخمس سنوات الماضية لم أحصل عليها وعاصم ضاعفها لي بأنه كان يطرحها للاستثمار بطريقة ما شرحها لي لكني لا أفقه أمور المال والأعمال هذه ، لذا لدي مال يكفي ويفيض بإذن الله ، ثم أنا لدي بعض المال من عملي في الخارج أيضا ،
رفع نظره يتأمل ملامحها بافتتان ليهمهم : كنت ادخر لأجل أن أمنحك خاتم لا مثيل له ، ثم لدي بعضا من المدخرات الأخرى احتجزها لشراء ما ينقص البيت ، أتبع بصوت أجش فاض بعدم صبره – أريد أن اقترن بك يا يمنى فأنا اكتفيت من وحدتي دونك .
تبعثرت أنفاسها ليحتقن وجهها بقوة قبل أن تغمغم بخفوت : حسنا من الواضح أنهم ينتظروننا بالداخل .
ضحك بخفة ليجيبها : هيا بنا ، وانتقي ما يعجبك دون تفكير في أمر المدخرات والنقود .
أومأت برأسها وهي تتحاشى النظر إليه لتتقدمه بعدما فتح باب المحل الزجاجي أوتوماتيكيا فيوقفها وهو يحتل راحتها بكفه الذي تمسك بها وأصابعه يتشابكان مع أصابعها ليهتف بمرح حينما تقدم الرجل العجوز والتي استنتجت هي أنه من يملك المتجر ليرحب بهما في حبور : أنرت متجري يا عمار بك ، تشرفنا بزيارتكن يا هوانم ، ليبتسم في وجهها بمودة – مبارك إليك مقدما يا عروس .
***
يسند أخيه الذي أصر على الوقوف فيهمس إليه بجدية وهو يلف ذراعه حول خصره وكفه الآخر يتمركز عليه أسعد من خلال كفه الموضوع براحة أخيه : لا ترهق نفسك يا أسعد .
يزم شفتيه بضيق ليهمهم بحدة : أريد أن أقف فقط يا عادل لا أن اخطو أو أتحرك .
همس إليه عادل بجدية : لازال جسدك تحت تأثير الحادث والصدمة يا أسعد فأهدا ووازن الأمر بعقلك لا تندفع هكذا ، ليتابع عادل بتعجب وحيرة – لم أعهدك مندفعا من قبل يا أخي .
رف بعينيه كثيرا ليهمس بإصرار : ألم يخبرك الطبيب أن حركتي لا تسبب لي أي ضرر وأن من الأفضل أن أحاول أن أتحرك ليستطيع أن يقيس مدى تأثُر مؤشرات عقلي في الاستجابة والفعل وأوصى لي بالعلاج الفيزيائي والطبيعي ، أومأ عادل برأسه إيجابا ليتابع أسعد هادرا – إذًا ما الأمر مما أنت خائف ؟
ضغط على كف أخيه بلطف وهتف بصدق : خائف عليك ، العلاج الفيزيائي والطبيعي سيمتد لشهر على الأقل ، ثم لم نجري للان الأشعة التي طلبها الطبيب للتأكد أن مراكز الأعصاب في رأسك كلها سليمة والغيبوبة لم تؤثر بها .
زمجر أسعد بنزق : وهاك أنت تصحبني لإجراء الأشعة لتطمئن .
ضحك عادل وهو يساعده للاستلقاء بالكرسي المدولب : في الحقيقة كان من الممكن أن يتأجل اجراء الأشعة للغد وخاصة بعد انتقالك اليوم لهذا الجناح الذي جهزه دكتور أحمد لأجل ما تريده مساء ، لذا أنا آثرت أن نجريها اليوم حتى نترك المكان للفتاتين اللتين وافقتا من تلقاء نفسيهما أن تساعداك في تزينه .
ابتسم بسعادة ليهمس بجدية : لم أطلب منهما كنت سأطلب من موني حينما تأتي ، ولكنهما من تبرعتا بتزيين الغرفة .
أومأ عادل موافقا ليضغط على كتفي اخيه ويهتف : الجميع سعداء بعودتك ، فرقية بادرت بالمساعدة لأجل جنى وحبيبة لأجلك ، بل أن حبيبة ستهاتف سليم وتسحبه من قفاه إلى هنا لأجلك ، انحنى ليهمهم بجانب أذن أخيه هاتفا بمرح – دكتور أحمد سيدرك مدى خطأه في موافقتك حينما ينقلب الجناح إلى صالة أفراح وعقد قران يا شقيق .
تحكم أسعد في ضحكته ليهمهم ببساطة : أنا ازينه لأجل ابنته .
تعالت ضحكات عادل ليلكز أخيه بخفة في كتفه ويهمس إليه وهو يدفعه للخروج من الغرفة يسير به نحو المصعد فيتبعه زوج من أفراد الأمن لحمايته : كدت أن اصفق لك حينما دلف عمو وليد من باب الغرفة قبل أن تبدأ حديثك مع دكتور أحمد ، حركة ذكية منك يا أخي فأنت تعلم جيدا أن عمو وليد سيساندك ويقنع أخيه .
غمغم أسعد بزهو وضحكة رائقة : هذا أقل ما عندي .
ضحك عادل بخفة ليسأله بجدية : أخبرت والديّ ، أليس كذلك ؟!
أومأ أسعد برأسه ليهتف : بالطبع تحدثت مع بابا وأخبرت ماما فستأتي هي وموني والخالة ياسمين مع عمار بعدما ينتهوا من انتقاء الخاتم .
ضحك عادل ليهمهم بخفة مازحا : ستتزوجون جميعكم وتتركونني بمفردي .
أجابه أسعد ببساطة : تزوج يا أخي وارحم والدتي من البحث عن عروسك التي لا نفهم إلى الآن مواصفتها التي تموج في رأسك القفل هذا .
قهقه عادل ضاحكا قبل أن يهمس بجدية : لم يأت النصيب بعد يا شقيق ، ثم أتزوج الآن بعدما سيفرغ البيت منكما وسأستولى على ليلى بمفردي ، أبدا سأظل قليلا لاستمتع بقدور المحشي والمكرونة والكعك المحشو بالعجوة لوحدي دونكم .
ضحك أسعد بخفة ليهمس إليه : رأسك هذا لا يفكر سوى بالطب والطعام ، لن تتزوج أبدا بهذه الطريقة .
حرك عادل رأسه بتفكير قبل أن يجيب : بل سأفعل ولكن حينما أجد من تستطيع أن تملأ معدتي وعقلي أيضا .
زفر أسعد بيأس ليهتف به : حسنا يا عبقري زمانك هاتف عبد الرحمن وعمر واخبرهما بأني غادرت الغرفة .
استل هاتفه ليهتف بجدية : سأفعل حالا .
***
__ ألا زلت غاضبا يا أخي ؟! تساءل عمر بمرح وهو يقترب من تؤامه الذي يقف بجوار رقية التي تبحث عن بعض الصور التي تساعدهم في تزيين الغرفة بطريقة بسيطة وجميلة استعدادا لعقد قران أسعد الذي فاجئهم به والذي سيتم ليلا بغرفته .
استدار إليه عبد الرحمن ليهمس من بين أسنانه : لا لست غاضبا يا عمر ، ولكني متعجبا أنك لم تخبرني ، هم عمر بأن يجيبه ليقاطعه عبد الرحمن بجدية – أعلم أنك عدت وأنا نائما ولكن حينما كان يحدث أمرا كهذا كنت تترك لي ملاحظة به على الهاتف لكنك هذه المرة لم تفعل
أجاب عمر بهدوء : لأني توقعت أني سأقابلك صباحا وأخبرك بنفسي كما فعلت مع دادي ونولا ولكنك أنت من قفزت من الفراش مبكرا وغادرت دون سبب لم يكن مفهوم لي ، أتبع بمكر وصوت خافت وهو يرمق رقية الجالسة قريبة منهم – إلى أن أتيت ووجدتك تتناول رقائق الكعك المحلى بالعسل والقرفة يا باشمهندس فاستنتجت سبب مغادرتك مبكرا .
تمتم عبد الرحمن من بين أسنانه بصوت حاد : تأدب يا حضرة الأفوكاتو .
ابتسم عمر ليجيبه بخفوت بدوره : أمرك يا حضرة الباشمهندس العبقري .
هز عبد الرحمن رأسه بيأس قبل أن يلتفت إلى رقية الجالسة على كرسي منفرد تنظر إلى شاشة جهازها اللوحي فينحني مقتربا منها وهو متمسك بظهر الكرسي من خلفها يسألها بجدية : هل وجدت شيء ؟
أجابته وهي تنظر بتركيز أمامها : وجدت بعض الأشياء ولكن أعتقد أننا نحتاج لبعض الخامات لنقوى على تنفيذها .
هتف بجدية : ما هي وأنا سأتصرف .
أومأت برأسها وهمت بأن تخبره بم تريد ليصدح صوت سليم المرح ملقيا السلام والتحية قبل أن يهتف بترحاب : انظروا أتيت لكما بالصغيرتين الشقيتين الجميلتين لتساعداكم فيما يريد أسعد .
نهضت رقية لترحب بآسيا وملك اللتان دخلتا بموجة صاخبة من الحديث المرح والضحكات السعيدة لتهتف حبيبة بعدما انتهى الجميع من استقبال الوافدين الجدد : لقد اتفقت مع الحلواني أن يعد لنا ما طلبه أسعد وسيمر حسام أو نادر على حسب من سيتفرغ مبكرا عن الآخر ليأتي به قبل الموعد بقليل .
هتف عمر : جيد ، ليتابع سائلا – سليم أتيت بملابس أسعد أليس كذلك ؟!
أومأ سليم برأسه : بالطبع وصحبت هاتان اللتان أصابا البائع بالجنون وهما ينتقيان معي رابطة العنق والسترة الداخلية ، فآسيا تخبر الرجل بشيء تبدله ملك حينما تهاتف السيدة لمياء التي تبلغها باستعدادات جنى التي لا تدرك ماذا يحدث من حولها ، لتستقرا أخيرا على لون محايد اجمعتا أنه سيليق بفستان جنى أيا كان لونه ، ليتبع بتفكه ساخر – ألا وهو الأسود .
تعالت الضحكات من حوله لتهتف آسيا باستهزاء : ظريف حضرتك .
ليجيبها بخفة : طوال عمري .
تحدثت رقية اخيرا من بين ضحكاتها : إذًا تبقى فقط أمر الغرفة .
ليجيب سليم وهو ينظر من حوله : ستنتهي في وقت قصير بإذن الله ، فيكفي انكن أيتها الجميلات تساعدوننا ، عبس عبد الرحمن على الفور ليتبع سليم سريعا وبطريقة مرحة – لم أتحدث إلى رقية فأنا أتحدث إلى حبيبة والتي هي شقيقتي وآسيا ابنة خالتي وأختي الصغيرة وملك .
قهقه عمر ضاحكا ليكتمن الفتيات ضحكاتهن ليجيبه عبد الرحمن بجدية : وملك ما تقرب لك ؟
أجاب سليم ببساطة : ابنة معلمي وأختي أيضا ، أتبع وهو ينظر لملك بمودة – آسيا وملك صغيرتي اللتين شاركت في تربيتهما ، توردت ملك وابتسمت برقة وهي تخفض عينيها تتحاشى نظرات آسيا لها ليتابع سليم بجدية – لعلمك يا باشمهندس رقية صديقتي .
همهم عبد الرحمن بتعجب متساءل وهو ينظر لرقية : صديقتك ؟!
أجابت رقية بهدوء وابتسامتها تومض بعينيها : نعم كنا نحضر مواد الاقتصاد سويا رغم اختلاف كلياتنا ولكن كان المحاضر للمادة واحد ، أتبعت وهي تنظر لسليم بامتنان – وسليم بك ساعدني كثيرا في فهم بعض الأشياء كانت عصية فأنا دوما كنت أكره دراسة الاقتصاد .
ابتسم عبد الرحمن وهو يحدق في عينيها ليهتف سليم ببساطة : أرأيت أنها صديقة مقاعد الدراسة يا باشمهندس .
أجاب عبد الرحمن بعد أن توقف عن النظر لها حينما رأي وجهها يحتقن خجلا فيلتفت إلى سليم : أنا من رأيي أن نبدأ في تزيين الغرفة يا سليم بك .
ابتسم سليم بمرح وعيناه تومض بالمشاكسة : تحت الرحب والسعة يا عبد الرحمن بك .
***
هتف لمن يحدثه : لا تقلق يا مازن ، لن أتأخر ، أقسم لك ماذا أفعل اكثر من ذلك لتصدقوا أني سأكون متواجدا في الموعد يا أخي .
أتته ضحكة مازن الذي هتف به : من الواضح أن عمي هاتفك .
لوى أدهم شفتيه وهو يتحرك بخطوات متسارعة حازمة ليقف خارج باب ساحة وصول المسافرين في المطار : بل عميك الاثنين ، بابا هاتفني ليؤكد علي أن لا أتأخر ، بعد أن هاتفني عمو وليد ليؤمرني بأن آت بالمأذون معي ، أتبع بضجر – ما لي أنا والمأذون لماذا آت به ؟!
ضحك مازن ليجيبه بجدية : لأنك الوحيد الذي ستأتي بمفردك ولن تكن متواجدا بالمشفى فالجميع سيكون بالفعل هناك ، لذا جميعنا نؤكد عليك موعد الحضور
عبس أدهم ليسأل بجدية : من سيكون الجميع ، لا تخبرني أن آل الجمال جميعهم سيكونون متواجدين ؟!
ابتسم مازن ليهتف بمرح : أينعم آل الجمال وآل الأمير وعائلة الخواجة وأسرة حاتم الألفي أيضا ، الجميع سيكون موجود .
رفع أدهم حاجبيه بتعجب ليسأل بجدية : أين سيجلس كل هؤلاء ؟
أجاب مازن بسعادة : لقد نقل أسعد اليوم لجناح صغير ، أي غرفته وبها غرفة استقبال إلى حد ما واسعة ولكن لن تسع الجميع ولكن لا يهم يا أدهم أين سنجلس الأهم أن نشارك العروسين فرحتهم ، رغم أني أتوقع أن الشباب أول من سيطرد من الغرف ولكن لا يهم .
ضحك أدهم بخفة : مبارك يا مزون والعقبى عندكم ، ليتبع متفكه – الن تحضر عائلة دكتور محمود المنصوري عقد القران .
ابتسم مازن ليجيب بمكر : بل سيأتون لذا يا عزيزي أدهم أنا أتأنق بشكل غير اعتيادي ، فأنا بالأخير شقيق العروس .
تعالت ضحكات أدهم قبل أن يهتف : حسنا سأتركك تتأنق وسأذهب أنا لاستقبل الوفد واقوم بتسكينه قبل أن آت بالمأذون واتبعكم دون أن أجد وقت لأتأنق .
ضحك مازن بخفة : أنت رائع دون تأنق يا ابن الوزير ، سننتظرك فلا
قاطعه أدهم : أقسم بالله العلي العظيم لن أتأخر .
أتته ضحكة مازن قبل أن يلقي السلام عليه ويغلق الهاتف فيرتفع صوت رجولي يعلن عن خروج المسافرين الواصلين على الطائرة القادمة أوكرانيا ليقف بجدية وبجانبه ذاك الشاب الذي يحمل لافتة مكتوب عليها ترحيب باللغتين الإنجليزية والروسية فهو لم يجد من يعمل لديهم يتقن اللغة الأوكرانية ، بل أن هذا الشاب الذي يعمل في قسم السكرتارية العام قد عثر عليه بعد جهد مضني قام به قسم الشئون الوظيفية ليرشحوه له فيكون مجاورا له ومترجما للحديث رغم إنه لا يقوى على الحديث باللغة الأوكرانية ولكنه يستطيع أن يتحدث الروسية بطلاقة ، فقبل به نظرا لوقته الضيق ووجوب وجود مترجم يعمل معه ، رغم أن عاصم أخبره أنهم يصحبون مترجما خاصا بهم ولكنه لم يكن ليؤمن أن يكون المترجم يعمل لديهم ، بل هم صمم أن يكون هناك ممثلا من طرفه يستطيع أن يخبره عن حديثهم الذي لن يقوى على إدراكه وفهمه ، ليفكر بأنه سيخبر عاصم عن ضرورة وجود أحدهم يستطيع أن يكون ملما بالكثير من اللغات الشرقية حتى يكون متواجدا في مثل هذه الظروف ، انتبه بعد قليل على شاب صغير يشير إلى سامر الواقف بجواره والذي هتف إليه : أدهم بك ها هم .
شد جسده بكبرياء ليبتسم بلباقة وهو يدير عينيه على الوفد المكون من ستة رجال خمسة منهم شباب صغير السن أرجح هو أنهم يماثلون عاصم سنا ما عدا أكبرهم والذي من الواضح أنه رئيس الوفد والذي تشي ملامحه بأنه في أخر عقده الخامس بسبب هذه الخصلات البيضاء التي انتشرت بفوديه وبعض من التجاعيد حددت حول عينيه ، صافحهم بترحاب وتحدث معهم بلغة إنجليزية سليمة واخبرهم أنه سيكون مرافقهم إلى أن يستقرون بالفندق ليتوقف عن الحديث مانحا الفرصة لسامر أن يترجم الحديث لمن لم يلم بمفردات الإنجليزية فيمأ الجميع رأسه بتفهم وابتسامة سعيدة وردود لبقة بعضها كان إنجليزيا والآخر روسيا فيشير إليهم بأن يتقدموه للسيارة المنتظرة بالخارج ،هم بالحركة ولكنه توقف حينما وقع نظره عليها تقترب منه بابتسامة واسعة وعيناها تتألق بوميض ماكر قبل أن تهتف بنعومة : ها قد التقينا ثانية يا أدهم بك .
رف بعينه ليهمس بصوت أجش : أنه لأجمل لقاء عن طريق الصدفة يا بسمة هانم .
ضحكت برقة ليسألها وهو ينقل نظره بينها وبينهم : أنت مصاحبة للوفد ؟!
__ نعم ، أنا المترجمة الخاصة بهم ومديرة التسويق أيضا .
مط شفتيه ليهمس بجدية : رائع ، أتبع بمكر – حسنا سترافقينني بسيارتي فالفان التي معنا لن تحملكم جميعا ،
نظر إليه سامر بتعجب ليقترب منه ويهمس : السيارة حمولة تسع أفراد يا أدهم بك .
رمقه أدهم قليلا ليجيب بجدية : إذًا أنت والسائق وهم ثمانية ، أتبع بمكر وهو يرمق بسمة بطرف عينه – بالطبع لن أتركها لتُحشر في وسط كل هؤلاء الرجال .
رفع الشاب حاجبيه بتعجب قبل أن يهمس بابتسامة متوترة ويحني رأسه إيجابا : بالطبع يا بك، تفضلي يا هانم .
أمره أدهم بجدية وهو يتحرك ليفتح لها باب السيارة : تحرك بالفان وأنا سأتبعكم يا سامر .
أومأ سامر وهو يخطو نحو السيارة التي استقر فيها بقية الوفد ليجيب قبل أن يستقر بمقعده : أمرك يا أدهم بك .
أغلق الباب من خلف بسمة التي جلست بالمقعد المجاور للسائق ليلف ويستقر أمام المقود ليهتف بحبور : أنرت سيارتي المتواضعة يا بوسي .
ضحكت برقة لتنظر للسيارة من حولها بإعجاب : هذه السيارة خاصتك ؟
أومأ براسه وهو يدير المحرك القوي ليجيبها وهو ينطلق من خلف السيارة الخاصة بالوفد : نعم هدية أبي لنجاحي والتحاقي بالكلية التي اردتها .
__ واو ، هتفت بانبهار لتتبع – إنها رائعة ومميزة وتليق بك يا دومي .
ضحك بخفة ليجيب بزهو : أنا مميز وكل شيء خاص بي يكون مميزا مثلي .
غردت ضحكتها الناعمة لتهمس : تعجبني ثقتك بنفسك .
لعق شفتيه بخفة ليجيبها بوقاحة متعمدة : فقط امنحيني الفرصة وأنا أريك مدى ثقتي بنفسي .
قهقهت ضاحكة بميوعة فتومض عيناه بنظرات تائقة لتهمس إليه بخفوت : إذًا لنتقابل ليلا .
أغمض عينيه ليزفر بقوة : للأسف اليوم أنا لست متفرغا لدي ارتباط عائلي هام ، سأوصلكم للفندق وانطلق إليه ، أتبع بتساؤل خبيث – إلا لو أحببت أن نتقابل بعد منتصف الليل سأكون متفرغا حينها .
ابتسمت بمكر لتجيب وهي ترفع حاجبها بإعجاب تألق برماديتيها : مع الأسف أنا اخلد مبكرا للنوم ، وخاصة أن لدينا إجتماع معكم في الصباح .
أجاب وهو يدير رأسه إليها هامسا بصوت أبح : إذًا ليكون غدا لقائنا .
هزت رأسها موافقة : حسنا ليكن في الغد ، أومأ برأسه لتتبع بجدية – ولكن أنا لن استقر بالفندق ،
عبس بعدم فهم ليرمقها بتساؤل فأكملت : أنسيت ؟ أنا لدي شاقتي الخاصة قريبة من مؤسستكم .
هز رأسه متفهما ليهتف بجدية : إذًا اقبلي دعوتي على الفطور صباحا قبل موعد الإجتماع .
مطت شفتيها لتهمس بغنج : سأنتظرك في المنزل .
هتف بمرح : سات فجرا بإذن الله .
قهقهت ضاحكة ليشاركها الضحك قبل أن يهتف بترحاب : مصر نورت بوجودك يا بوسي .
***
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
رددها جميع الملتفين من حولهما خلف المأذون الذي أنهى عقد القران بهتافه وهو يجذب المنديل من فوق كفي أحمد الجمال وأسعد المتصافحان : مبارك عليكما ورزقكما الله الذرية الصالحة .
تعالت التهاني والمباركات وصوت زغاريد انطلقت من فم إحداهن لم يستطع تحديد هويتها فالغرفة التي يستقر بها صغيرة رغم أنه استحسن تنظيم عبد الرحمن لها وخاصة بعدما رفع الفراش فاصبح ملاصقا للحائط وأتى بكراسي كثيرة مريحة ليضمن جلوس الكثير وعلى الرغم من كل هذا إلا أن الغرفة ملأت من حوله بالرجال فأخفت الغرفة الخارجية وما يحدث بها عنه لدرجة أنه لا يستطع أن ينظر لعروسه التي لم يتحدث معها نهائيا منذ أن وصلت وتفاجأت بترتيبات عقد القران الذي لم تكن تعلم عنه شيئا ، ابتسم وهو يتذكر أنها لم تعترض دُهشت .. تفاجأت .. تعجبت ولكنها لم ترفض ، بل ابتسمت واستكانت وأخفضت بصرها في خجل حينما تحدث معها والدها لتمأ برأسها وتهرب من أمام عينيه المتفحصتين بها ، ابتسم وهو يستقبل تهنئة حميه وتوصياته له ليحدثه بلباقة ويطمئنه على وحيدته قبل أن يقاطعه صوت شجار قريب بين أخيه وابن خاله انتهى بأن قفز عادل ودفع سليم بعيدا في غلظة قبل أن يختطف المنديل بخفة ويهتف : بارك الله فيك يا شيخ .
دفعه سليم بلطف : أيها الغليظ كنت أريد أن آخذه أنا ألا يكفيك أنك من شهدت على عقد القران؟!
هتف عادل : لا .. لا يكفيني أنه شقيقي ومن حقي أن استفيد منه الاستفادة القصوى .
ضحك سليم ليزجر عادل بمرح : أنه أخي الكبير أيضا ، ليتبع وهو ينظر لأسعد – بل هو كبيرنا كلنا .
اقترب لينحني نحو أسعد يقبل وجنتيه ويحتضنه بسعادة : مبارك عليك يا أسعد وأتم الله لك زيجتك على خير .
ابتسم أسعد بامتنان وأجابه بمودة : بارك الله فيك يا سليم والعقبى اليك يا أخي ، ربت سليم على كتفه بمودة قبل أن يتبع أسعد بجدية - هلا ساعدتني للنهوض أريد أن استقبل المباركات وأنا واقف .
همهم عادل القريب منهما وخاصة بعدما رفع سليم نظره إليه متسائلا : لا ترهق ساقيك يا أسعد.
أطبق أسعد كفيه بضيق ليتحدث سليم بسرعة : سأقف بجواره أسانده وأنت يا عادل كن خلفه ، أتبع وعيناه تومض بسعادة حقيقية – نحن معك يا أخي ، لا تعتل هما .
ساعداه على الوقوف ليرتكز بوقفته على ساعد سليم الأيمن بينما أزاح عادل الكرسي المدولب للخلف ليقف خلف تؤامه يسند خصره بكفيه دون أن يلاحظه أحدهم ليستقبل أسعد التهاني التي توالت عليه من عبد الرحمن وعمر الذي هتف بمرح وهو يحتضنه : مبارك يا من أجلنا الأعراس كلها لأجله فنهض ليعقد قرانه ويتزوج قبلنا جميعا .
ضجت الضحكات الشبابية ليهتف سليم بمرح : من يسمعك يظن أن بلال بك سيزوجك حينما تريد ،
هتف عمر بفزع مفتعل : أو لن يفعل ؟!
ليجيب سليم بمرح ساخر: أنه عشم ابليس في الجنة يا عمر بك .
تمتم عمر بخفوت كاتما لضحكاته التي ارتج لها جسده : حسبي الله ونعم الوكيل .
انتفضا سويا على صوت بلال الذي هتف بتعجب : أعتقد أنني سمعت اسمي .
سعل سليم بقوة بينما كتم عادل وعبد الرحمن ضحكاتهم ليستقبل أسعد تهنئة خاله إليه ، ليهتف عمر سريعا حينما انتهى بلال من الحديث الودود مع أسعد : وهل نقوى على الاستغناء يا عماه، بالفعل أنا وسليم كنا نذكرك فأنا كنت أتحدث مع سليم عن رغبتي في الحديث مع حضرتك عن موعد الزفاف ، أتبع وهو يرمق أسعد بطرف عينه – فأنا لا أرى الآن داع من التأجيل ، فأسعد نهض معافيا والحمد لله ، بل وعقد قرانه أيضا ما شاء الله عليه .
عبس بلال قليلا قبل أن يبتسم بمودة : حسنا لا مانع لدي ، أتبع بلال وهو يبتسم بسعادة ونظره يقع على ابن أخته والذي يكن له مكانة عالية – فنحن نحمد الله على سلامة أسعد ونشكر فضله وبالفعل لا يوجد مانع الآن من إقامة زفافكما أنت وحبيبة ، مر علينا في الغد لنحدد موعدا .
ابتسم سليم بمكر ليرتفعا حاجبي عمر بصدمة ليتساءل بحذر : حقا يا عماه ، أنت موافق على إقامة الزفاف .
عبس بلال بعدم فهم ليهتف به : ألم تعقد قرانك على ابنتي لتتزوج بها ؟! أومأ عمر برأسه سريعا فتابع بلال بعدم فهم – إذًا ما بالك ؟!
هز عمر رأسه بالإيجاب ليرمقه بلال بدهشة قبل أن يلتفت بلال إلى خالد الذي اقترب منهم بصحبة أمير الذي يراقب ما يحدث أمامه باهتمام : ما باله ولدك يا خالد بك ؟!
رفع خالد نظره لعمر متسائلا قبل أن يسأل بجدية : ما باله يا بلال ؟
هز بلال كتفيه بعدم معرفة ليثرثر إلى خالد وأمير عم حدث ليبتسم أمير مسبلا جفنيه ويضحك خالد بعد أن رمق ولده بعتاب ثم يهمس لبلال بمشاكسة : إن عقله توقف عن الفهم من الصدمة .. التفت بلال إليه بعدم فهم وملامحه تعبس بغضب ليتابع خالد ضاحكا – أقصد من الفرحة .
تعالت ضحكات من حولهما ليقترب خالد من أسعد مباركا إليه بعدما ربت على كتف بلال هامسا : سنأتي في الغد لنتفق على أمور الزفاف يا بلال .
ابتسم بلال بمودة : ستنيرون منزلنا يا خواجة .
ابتعد خالد وولديه ليقترب امير من ابنه يضمه بحنان : مبارك يا أسعد ، مبارك يا بني .
تشبث أسعد بحضن أبيه : بارك الله فيك يا بابا ، ولا حرمني منك أبدا .
ربت أمير على ظهره بحنو : ولا منك يا بني ، أتبع وهو ينظر إلى ليلى البعيدة فلا تقوى على الاقتراب من ابنها في وسط زحام الرجال – والدتك متلهفة على المباركة إليك ولكنها لا تقوى أن تخوض بين الرجال لتقترب منك .
هتف أسعد سريعا : أذهب أنا إليها يا بابا .
هم بالحركة ليقبض عليه عادل ويتمسك به سليم ليهدر أمير بجدية : لا انتظر ، سآتي بها إليك، رف أسعد بعينيه اللتين قتمتا بعدم رضا ليتابع أمير – استمع إلى أوامر الطبيب ولا ترهق نفسك يا أسعد ، اذ كنت تريد إتمام زفافك بعد شهر ونصف كما اتفقت مع حميك عليك أن تتزن وتستمع إلى أوامر الأطباء لتتقدم حالتك وتستعيد لياقتك كاملة كما اخبروني .
أومأ أسعد برأسه متفهما ليهمس بطواعية : أمرك يا بابا .
ابتسم أمير ورتب على وجنته بود : سأذهب لآت بأمك .
تحرك أمير مبتعدا ليهمس سليم بمرح ساخر : وها هو غزو آل الجمال يقترب منا يا صديقي .
ضحك عادل بخفة ليهمس أسعد بابتسامة لبقة : تأدب يا عدو آل الجمال فهم أهل زوجتي .
ضحك سليم بخفة وشاكسه متعمدا : أجدع ناس والله .
كتم عادل ضحكته ليتحكم أسعد في ملامحه بسيطرة تامة وهو يستقبل التهاني من وليد ووائل اللذان اقتربا منه يتبعهما علي الدين الذي أعتذر عن عدم مجيء والده لأجل أنه خارج البلاد برفقة العم حاتم ، ليتبعه مازن وأدهم اللذان باركا إليه باحترام وتقدير وتوصية رجولية هادئة من مازن لاقت استحسان من أسعد وهو يمنحه وعده بالمحافظة على شقيقته ورعايتها الأبدية، لينتهي عقد العائلة باقتراب عاصم يفتح ذراعيه على سمعهما ويهتف بسعادة : مبارك يا حضرة القائد .
ضحك أسعد بخشونة ليستقبل احتضان عاصم الكامل إليه بعدما أفلت ساعد سليم فيسانده عاصم بجدية ويهتف به : لا أصدق ، أنت هنا أمامي تتزوج ، أتبع بصدق وأمتنان – الحمد لله .
ضحك أسعد : العقبى لك في الزفاف بإذن الله .
هتف عاصم بجدية : سأفعل ، لم يعد هناك ما يمنعني عن إتمام زواجي يا حضرة القائد ، هاك أنت أمامي سليما والحمد لله ، سأتزوج الأسبوع المقبل بإذن الله .
ضحكا سويا ليهتف عمار بنزق : يا أخي ارحمني واتركني أبارك لابن خالتي وصهري المستقبلي ، ألا يكفيك أنك شهدت على عقد زواجه ، تهنئه أيضا قبلي .
ابتسم أسعد ليستقبل تهنئة عمار بحفاوة قبل أن يهتف عمار بجدية : لاحظ أنك أصبحت تفضله علي .
ضحك أسعد ليهتف : بالطبع لابد أن أفضله عليك ، أنت ستتزوج من شقيقتي يكفيك أني أتحدث معك من الأساس .
زفر عمار بضيق : أنت وأخيك غير متفاهمان بالمرة ، أنا سأكتفي بعمي أمير حبيبي من يدافع عني أمامكم يا آل الخيال .
ضحك عادل ساخرا : للان فقط يا طبيب المجانين ، حينما يقترب موعد الزفاف سيركلك خارج المنزل ويخبرك أن لا يوجد فتيات لدينا للزواج .
زم عمار شفتيه بضيق بينما ضحك البقية على ملامحه المتجهمة ليهتف عمار بجدية : هاك هو عمو أمير سيفحمكم بالرد وهو يدعمني كعادته .
هرولت ليلى بخطوات سريعة فاقترب منها عمار على الفور ليسندها فلا تقع ليقربها من أسعد الذي تمسك عادل بسترته قويا فلا يقع فوق والدته التي انحنى إليها ليستقبل مباركتها .. دعواتها .. ودموعها التي أغرقت سترته وقميصه وهي تتمسك به تحتضنه بقوة وتتشبث بوجوده حولها ليهتف سليم بخفة ويقترب منها متعمدا مشاكستها : ما هذا يا لولا ؟! تبكين ليلة عقد قران الكبير ، هل هذا يصح ؟
هزت رأسها نافية ليجذبها سليم نحوه بلطف يقبل كفها ورأسها ويضمها إلى صدره العريض بعد أن احتل مكانه عاصم ليساند أسعد بوقفته فيهتف سليم متابعا : اليوم تزغردين لحضرة القائد الهمام فهو نهض سليما معاف وعقد قرانه أيضا ، ابتسمت ليلى من بين دموعها فسألها بجدية : ألا تستطيعين الزغردة يا عمتي ؟
أجابت بصوت أبح : لا استطيع للأسف .
هز سليم كتفيه : لا يهم ازغرد أنا .
اصدر صوتا يشبه صوت الزغرودة ليقهقه الجميع ضاحكا ، ليزجره أسعد بخشونة معاتبا وتضربه ليلى بمودة على كتفه ثم تتحرك لتقف بجوار أسعد وخاصة بعدما ابتعد أمير نحو الرجال ليشاركهم الحديث فيضحك بخفة ويهتف : أنا سعيد بك يا كبير .
رمقه أسعد بعتاب ليصدح صوتا رقيقا من خلف جسد عمار يهتف بنعومة : لم يستطع الزغردة جيدا من الأصل ، يا خسارة تعليمي لك .
ضحك سليم بخفة ليسأل عمار بتعجب والذي جذبها نحوه بعد أن كان يخفيها بجسده الضخم عنها ليضمها إلى صدره بعفوية اخوية : أنت تستطيعين الزغردة ؟!
أجابت بابتهاج : أنا من كنت ازغرد حينما انتهى عقد القران ، أتبعت بإحباط – ولكن عمتك اسكتتني .
صدح صوت عادل بجدية : معها حق ، التفت أسعد لأخيه بدهشة فاتبع عادل بسرعة – نحن بالمشفى في الأخير يا شقيق .
تبرمت ليلى : نعم نحن بالمشفى ولكن من حقنا أن نفرح ، اتبعت وهي تقترب من ملك بمودة وتضمها إلى صدرها بحنو : افعلي ما يحلو لك يا ابنتي ، ولا تهتمي بأمك او من يتحدث عن المشفى وكأنها ثكنة عسكرية .
تمتم عادل من بين أسنانه : هناك مرضى بالغرف المجاورة يا ماما .
رفعت ملك عيناها تنظر إليه لتهمس بحرج : لقد صمت لأجل ذلك ، اقتربت من أسعد تما له برأسها متابعة : مبارك يا ابيه .
ابتسم أسعد بمودة : بارك الله فيك يا صغيرة ،
همست لعاصم وهي تقف قريبة منه : نوران وتامي والبقية يريدن أن يقتربن ليهنئن أسعد .
أومأ إليها عاصم بجدية : سأفسح لهم المجال الآن .
رفع نظره إلى سليم ليسارع بالاقتراب من جسد أسعد قبل أن يتحرك عاصم فيوشك أن يصطدم بملك الذي زجرها عادل بخشونة : ابتعدي يا ملك عن الطريق .
عم الصمت على الجميع وانتفضت هي بفزع لتهمهم ليلى التي جذبتها نحوها : بسم الله عليك يا ابنتي
استدار عاصم يرمق عادل بعدم فهم قبل أن يعود برأسه إلى ابنة عمته ليحتضن مرفقيها براحتيه : أنت بخير ، أنا لم اصدمك أليس كذلك ؟
هزت رأسها نافية لتتمتم بخفوت : كنت منتبهة ولكن صوت دكتور عادل أفزعني .
همست ليلى بحرج : لم يقصد افزاعك يا ملك ، أليس كذلك يا دكتور ؟
ابتسم عادل من بين أسنانه دون رد ليجيب عاصم برزانة وهو يرمق ابن خالته بطرف عينه : كان يحذرك حتى لا تصطدمي بي فتقعين أرضا يا موكا ، أومأت برأسها متفهمة ليتابع عاصم وهو يجذبها معه – تعالي لنعود إليهم .
هتفت ليلى : اصحبني معك يا عاصم .
توقف عاصم لتتمسك ليلى بساعده بينما يقبض بكفه الآخر على كتفي ملك ويدفعها بلطف معه للخارج لتومض عينا عادل بنظرة غاضبة لم يحاول أن يفكر في سببها أخفض عمار عينيه بينما ابتسم سليم ورمق عادل بطرف عينه حينما استدار أسعد ينظر لأخيه بتساؤل تحاشاه عادل لينطق أسعد بسؤال مخالف خرج من بين شفتيه : أين حسام ونادر ؟
أجاب عادل وهو يسبل جفنيه فلا تتلاقى نظراته بنظرات أخيه : أعتقد انهما يهتمان بأمر الحلوى ، سأذهب لأرى هل يحتاجان لمساعدة أم لا ؟
أومأ أسعد بتفهم ليهتف عادل باسم عمار فيتقدم عمار نحوه ليهمس إليه ببعض الحديث قبل أن يمأ عمار موافقا فيقف خلف أسعد محتلا مكان عادل الذي شد خطواته للخارج ليبتسم عمار بوجه سليم الذي نظر إليه بابتسامة لم تسطع بعينيه وهتف بتفكه ساخر : منور يا ابن الجمال .
ابتسم أسعد رغما عنه ليجيبه عمار بمرح ساخر قبل أن يتوالى دخول السيدات من باب الغرفة الصغير : أنه نورك يا سليم بك .
***
رمشت بعينيها وهي تستعيد حديث عاصم القريب والذي هدأ من انزعاجها بسبب زجرة عادل الخشنة التي ضايقتها بالفعل لتزفر بقوة فتستعيد هدوئها ثم تبتسم ليمنى التي تقف بجانب الطاولة التي يعد عليها أطباق الحلوى التي يوزعونها ولديّ عمها ،هتفت بجدية وهي تقترب منهم : ألا تريدون مساعدة ؟! أم أن أهل العروس غير مشاركون في ترتيبات الحفل ؟
هتفت يمنى بمرح : بل مشاركون في كل شيء ، تعالي أعدي الأطباق معي ليوزعها سليم ونادر فحبيبة ذهبت للحديث مع عمر بك خارجا ولم تعد للان .
هتف نادر بمرح : ولن تعد يا أختاه ، عمر سعيد لأنه أخذ موافقة مبدئية من خالو بلال على الاستعداد للزفاف .
ابتسمتا كلتاهما لتشاكسها ملك بتعمد : وأنت يا مهرة آل الخيال ، الن نفرح بك قريبا ؟ سمعت أنكما اشتريتما الخاتم اليوم .
أومأت يمنى برأسها : فعلا اليوم ابتعت الخاتم ولكن أعتقد أننا لن نفعل شيء إلا بعد زفاف أسعد .
عبست ملك بتعجب لتهمس إليها : لماذا يا موني ؟! أنه لموعد بعيد لإقامة خطبة صغيرة ، نظرت إليها يمنى بتفكير لتهتف ملك متابعة - من رأيي أرتدي الخاتم بجلسة عائلية تضم كلا العائلتين حينما يعود أسعد الى المنزل واتركي عقد القران والزفاف لوقت بعيد أو كما تحددان.
هزت يمنى رأسها وهمت بالرد ليقاطعهما صوت آسيا التي هتفت بجدية : أنا أوافق ملك في رأيها .
ضربت ملك كفها بكف آسيا في مرح لتهتف : صديقتي الغالية .
ضحكت آسيا واقتربت لتقف بجوار ملك لتبتسم يمنى وتنظر إليها متسائلة بخفوت : أين كنت بحثت عنك ؟
عضت آسيا شفتها بخفة : كنت في دورة المياه ، استقبل اتصال زياد ، فلم أكن استطيع أن أحدثه وسط هذا الزخم من البشر .
همست ملك وهي تتأبط ذراع آسيا : وماذا قال لك ؟
ضحكت آسيا لتجيب بمشاكسة : من ؟
رمقتها ملك بعتاب وهمت بالحديث لتهتف يمنى بهدوء : اتركا هذا الحديث لوقته وهيا ساعداني، أتبعت وهي تحمل طبقين سبق واعدتهما – سأذهب بهاذين الطبقين للداخل فمن الواضح أن نادر وحسام ذهبا ليباركا لأسعد وأنتما أعِدا أطباق بعدد الرجال هناك .
لوت ملك شفتيها لتهمهم بضجر : حذار يا موني وأنت تدلفين إلى الغرفة أن تصدمي بأحدهم فيزجرك عادل بك .
لم تسمعها يمنى بينما عبست آسيا بعدم فهم ونظرت اليها بتساؤل : ماذا تقصدين ؟
برمت شفتيها بضيق : لا يهم ، ليس الآن ، هيا ساعديني لنعد هذه الأطباق .
تحركتا بالفعل واعدتا بعض الأطباق لتهتف ملك بآسيا : اذهبي بها أنت فأنا لن أذهب للداخل ثانية .
عبست آسيا دون فهم ولكنها استجابت بطواعية وحملت الأطباق لتعود ملك لإعداد البقية ، توقفت عن الحركة وهي تشعر بأحدهم يقف خلفها لتلتفت في دهشة تحولت إلى صدمة وهي تنظر لعينيه القاتمة بنظرة لم تدرك معناها لتزم شفتيها بضيق تملك منها وهي تستعيد زجرته لها كطفلة صغيرة فتهمس بإيباء تملك منها : أتريد شيئا خاصا يا دكتور ؟
ضيق عينيه وأطبق فكيه ليهتف بجدية : لم آت لأجل الحلوى ، أتيت لأتحدث معك .
أشاحت بعينيها بعيدا لتسأل بعدم اهتمام : عما ؟ أتبعت ساخرة - أم تريد اغن تزجرني ثانية كما فعلت بالداخل ؟
مط شفتيه ليقترب منها خطوة واحدة مهمهما بحدة : لم أكن أريد أن ازجرك ولكني لم أتحمل ما فعلته منذ قليل
عبست بتعجب : ماذا فعلت ؟! أنا لم أفعل شيئا .
رفع حاجبه وعيناه تنطقان باستهزاء تجلى بنبراته : حقا ؟! هل من الطبيعي أن تدلفي إلى الغرفة وهي مليئة بالرجال دون أن يرشدك أحدهم ، فكدت أن ترتطمين في عاصم لو لم أحذرك أنا !!
هزت كتفيها بعدم فهم : الغرفة مليئة بعائلتي ، ثم لا أفهم ما المشكلة حتى إن ارتطمت بعاصم والذي بالمناسبة لم يحدث ، ولكن حتى إن حدث ما الأمر الجلل الذي سيحدث وأنا لا أدركه ؟!
أجاب متشدقا بسخرية : لا والله ، أنت لا ترين مشكلة في أن ترتطمي برجل غريب !!
هدرت بجدية : عاصم ليس بغريب ، أتبعت بعصبية تملكتها - ثم أنا لا أفهم ما مشكلتك أنت سواء ارتطمت بعاصم أو لم ارتطم ،
اشتدت عيناه بقساوة لتتابع بعنفوان : تقف تحاسبني عم كاد يحدث مع ابن خالي الذي يعد حسب وجهة نظرك غريبا وأنت .. صمتت لتكمل بسخرية ومضت بزرقة عيناها – هل تعد قريب مني لتناقشني في تصرفاتي وافعالي .
اعتمت حدقتيه فلم يعد بها بصيص من الضوء فنظر إليها من علو مليا قبل أن يهمس بجدية : معك حق وقوفي هنا والحديث معك ليس لائقا وليس من حقي ، أعتذر يا آنسة ملك .
استدار ليبتعد فنفخت بقوة قبل أن تهتف بهدوء : عادل من فضلك انتظر ، توقف عن الإبتعاد ليلتفت ينظر إليها من علو لتتابع - المعذرة لم اقصد أن أغضبك ولكني كنت ضائقة بالفعل لأنك زجرتني أمام الجميع .
كتف ساعديه واستدار بجسده كاملا ليهمس : المعذرة ، أنا آسف فما كان علي التدخل في غير شئوني.
تمتمت بعصبية وهي تقترب منه : لم أقصد ذلك ، قصدت أني أحرجت لذا توترت وشعرت بالضيق
رمقها قليلا ليهمس بجدية : كل ما أردته بالداخل أن أنبهك حتى لا تحتكي بأحدهم حتى وإن كانوا عائلتك فتنظري للإمر بطريقة عادية .
تمتمت : بالطبع ليس عاديا فأنا لا أحب أن أحتك بأحد حتى لو كان قريبا مني ، أتبعت بخفوت - شكرا لك لأنك نبهتني .
اشتد عبوسه وملامحه تتجهم اكثر فسألته بحذر : ما الأمر ؟!
ردد بغضب لم يستطع السيطرة عليه : لا تحبين أن تحتكي بأحدهم ، إذًا لماذا سمحت لعمار بأن يضمك بالداخل ؟!
ارتفعا حاجبيها من هجومه الغير متوقع ولا مفهوم : أنها ضمة اخوية عادية ، ثم هذا أسلوب عمار وطريقته في الترحيب بي .
زم شفتيه بقوة مانعا نفسه من التفوه بأي شيء مما يعتمل بداخله ليهز رأسه بحركة عصبية اخافتها قبل أن يهتف : حسنا ، بعد إذنك .
تمتمت لتوقفه ثانية : دكتور عادل من فضلك انتظر ، أتبعت حينما استجاب لها – هلا أفهمتني ما الذي يغضبك ؟
ابتسم بطريقة عملية أزعجتها ليهمس بجدية : لا شيء ، لست غاضبا ، همت بالحديث ليقاطعها بخشونة – اسمحي لي فأخي يحتاجني .
عبست وهي تنظر في أثره لتتمتم باختناق داهمها : ما هذا الجنون ؟ أتبعت تبرطم وهي تتابع رص الأطباق بعصبية – ما لي أنا غاضب أو لا ، فليختنق غضبا بتجهمه وعصبيته وحِدته التي لا أفهمها ولا أريد أن أدرك أسبابها ، هل ينقصني أن أشغل رأسي به وبأفعاله ، يكفي ماما وأفعالها التي لا سبب لها سوى تكدير حياتي .
انتبهت على ضحكة آسيا الناعمة تغرد من ورائها لتهتف بها في مرح : هل أصبحت تحدثين نفسك الآن يا ملك ؟
زفرت ملك بقوة : جيد أنك أتيت يا آسيا لقد أعددت بعضا من الأطباق ، تابعي ما فعلت فأنا احتاج الذهاب لدورة المياه .
رفعت آسيا حاجبيها بتعجب لتهز رأسها متفهمة قبل أن تهمهم : ماذا حدث لملك ، كانت بخير إلى أن دلفت إلى غرفة الرجال ، عبست آسيا بتفكير – هل ضايقها أحد ؟
لتنتفض بخفة على صوته المميز : من هذا الذي ضايق من ؟
زفرت بقوة لتستدير إليه هاتفه باعتراض : كم عدد المرات التي أخبرتك بها يا أدهم بك أن لا تتعدى الحدود وتقترب مني هكذا .
هز كتفيه بلا مبالاة : لم أقترب منك .
ضيقت عيناها : لا والله ، وذقنك الذي كاد أن يستند فوق كتفي ما هذا ؟
ابتسم بمكر ليقترب منها قليلا : هل استند ؟
ناظرته من بين رموشها لتجيب بتفكير مفتعل : لا .
هز رأسه : أرأيت ؟! أتبع بشقاوة – أنا التزم بالحدود يا آسي ،
صمت ليتابع بصوت أبح : حدود أنت من وضعتها لذا سأظل احترمها إلى أن تتراجعين عنها.
ضحكت بخفة لتهمس بتحدي : بعينك يا ابن الوزير ، بل بعينيك الاثنتين .
لعق شفته السفلى ليجيبها بوقاحة تعمدها : سأمنحهما لك راضيا لتفكي الحصار يا آسي .
ضحكت ساخرة لتستدير تتابع إعداد الأطباق لتجيبه : احتفظ بهما للأخريات يا دومي ، فدونهما لن تستطيع النظر والتفحص والمغازلة .
ضحك بخفة ليقف مجاورا لها بعد أن ترك مسافة كافية بينهما : هلا تحتاجين للمساعدة ؟
ابتسمت برقة : وهل تستطيع ؟!
هز رأسه نافيا : صدقا لا ، ولكن من الممكن أن تعلمينني ، أتبع بصوت أجش تعمده – أنا ذكي وسريع التعلم .
تحكمت في ضحكتها بقوة : لا شكرا لك ليس لدينا وقت ولكن تستطيع أن توزع الأطباق إذ أردت المساعدة .
تنفس بعمق ليهمس بتفكير : ولكني أحب ان اظل هنا بجوارك لأثرثر إليك .
التفتت تنظر إليه برماديتها الضاحكة : ولكن أنا لا أحب .
افتعل الصدمة ليضع كفيه على قلبه : اوه قلبي لا يحتمل قسوتك ، ولكن ماذا علي أن أفعل ؟!
اجابته بهدوء : عليك أن تبتعد وتحافظ على قلبك يا بك .
رفع حاجبيه ليجيبها بخفوت : يا ليتني أقدر .
ضحكت مرغمة ليهمس متابعا بصدق – اشتقت إليك ، منذ أن عملت بالمؤسسة وأنا ألقاك صدفة .
ابتسمت باتساع : يكفي أنك تجد وقتا للقاء فتياتك .
زفر بقوة : حتى هؤلاء لا أقوى على لقياهن ، هل تتوقعي أن عاصم وبابا اتفقا علي لأخسر جمهوري ؟
هزت كتفيها وهي تنتهي من إعداد آخر الأطباق : أعتقد أن بابا وعاصم أتفقا على أن يساعدوك لتنضج وتصبح رجلا ، عبس بضيق وهم بالرد لتهدر به متابعة في جدية – إياك ان تتواقح وتذكر وجنتك لا يجب أن تكدم فأنت الآن تعمل وتذهب إلى الجامعة فعليك الحفاظ على مظهرك .
رفع حاجبه ورأسه تشمخ بإيباء فتبتسم إليه بشقاوة لتهتف سريعا حينما أصدر هاتفها برنة صغيرة فأخرجته من جيب سترتها : المعذرة يا أدهم علي أن استقبل الاتصال ، أتبعت سريعا – هلا وزعت الأطباق من أجلي .
أومأ برأسه ليعبس أدهم وهو يلتقط دون تعمد الصورة الوامضة على الهاتف فتتجهم ملامحه وهو يفكر في هذا الشاب الذي يشعر بأنه راه من قبل فملامحه ليست غريبة عليه، ولكن دون أن يتذكر أين ليمط شفتيه باستياء قبل أن يهتف باسم مازن وعلي الدين ويطلب منهما مساعدته في توزيع بقية الأطباق
***
همست إليها زوجة أبيها بعد أن بدأ المتواجدين بالانصراف رويدا رويدا : الن تذهبي إليه يا جنى ؟! أعتقد أنه يريد المباركة إليك ولكنه لا يستطع القدوم .
ابتسمت برقة لتغمغم بخجل : أخبرني من خلال رسالة ألا أذهب إليه يا لميا .
عبست لميا بعدم فهم فهزت جنى كتفيها بعدم معرفة لتتابع – قال أبقي عندك إلى أن آت إليك .
تمتمت لمياء بهدوء : وأنت هل غاضبة لأنه لم يأت اليك للان ؟!
تنفست جنى بعمق وهمست بصدق : لا ، لست غاضبة أتبعت وهي تنظر لعيني لمياء المهتمتين – بل أنا متفهمة ، أسعد لا يقوى على أن يتحرك أمامي وأمام الجميع على الكرسي ، كبرياءه يمنعه واعتزازه بنفسه أيضا ، لذا هو لن يأتي إلا حينما ينفض الجمع وأنا سأنتظره .
ابتسمت لميا ودموعها تغرورق عيناها لتربت على كتف جنى بحنو أمومي قبل أن تضمها لصدرها : بارك الله فيك يا حبيبتي ، وأسعدك واتم عليك زيجتك بالخير والرزق والذرية الصالحة .
تمتمت جنى وهي تستقبل احتضانها الدافئ بمودة : اللهم أمين وإياكم .
ابتسمت لها لميا بحنان لتهمس : هل لي أن أسألك لماذا لا يريدك أن تذهبي إليه ؟!
توردت جنى بعفوية لترمش بعينيها كثيرا وهي تحاول الخلاص من تأثير بقية رسالته التي اخفتها متعمدة عن لمياء فلم تخبرها به ، لتبتسم مرغمة بخجل وهي تتذكر توعده لها بإعادة قبلاتها فيمنعها بجدية أن تتهادى نحوه بين الرجال فيفقد هيبته في حضورهم ويبدأ بتسديد دينه لها .
رمقتها لميا بنظرة متفحصة لتبتسم برقة وتربت على كفها القريب مهمهمه : مبارك إليك يا ابنتي ، مبارك عليك .
تمتمت جنى برد لبق فتنهض لمياء واقفة : حسنا سأنصرف أنا مع مازن وأدهم ، فهما سينصرفان لأن لديهما محاضرات مبكرا في الغد .
تمتمت جنى باهتمام : وبابا ؟
ابتسمت لميا : أبيك استدعي لجراحة عاجلة وأعتقد أنه مناوبا لليلة ألم يخبرك قبل أن يغادر ؟
رمشت جنى بعينيها : بل فعل ولكني أسأل لأعلم كيف سأعود ؟
همت بالرد ليقاطعها صوت عاصم : معي ، أنا سأعيدك للمنزل معي .
أومأت بتفهم لتصافح زوجة أبيها وأخيها الذي بارك إليها من جديد لتضحك برقة على مشاكسة أدهم لعاصم الذي زجره بخشونة فسحبه عمار للخارج ، لتضحك برقة وهي تستقبل تهنئة أمير لها وليلى التي ضمتها بحنو اوصتها على أسعد : فقط ابقي بجانبه حتى يخلد إلى النوم ، فعادل أخبرني أنه لم ينم البارحة .
أومأت برأسها : لا تقلقي يا خالتي .
هتف عمار : هيا يا لولا ، فعمو أمير ينتظرك لتغادروا .
اقترب عادل منهم ليتبادل الحديث مع عاصم وعبد الرحمن الذي يثرثر بشيء ما يخص العمل فلا تنتبه لهم وخاصة مع انصراف الجميع ما عداها فتنحت للخلف عن وقوفهم ، ليومض هاتفها برساله قصيرة أثارت بسمة خجول زينت ثغرها قبل أن تستجيب بهدوء وهي تدلف إلى الغرفة الصغيرة التي كانت معدة لاستقبال الجميع من قبل فتصدم بأنها عادت كما كانت غرفة مشفى عادية بفراشها وستائرها وأجهزتها الطبية .
تطلع إليها بعينين وامضتين فتوردت واخفضت بصرها عنه ليهمس باسمها مناجيا قبل أن يتبعه بلهجة حانية ولكنها آمرة لا تقبل النقاش : أغلقي الباب واقتربي
تقدمت منه لا تقو على الرفض رغم خجلها الذي غمرها فاذهب تعاملها الأريحي معه كما اعتادت طوال حياتها وهي بجواره ولكنها الآن تشعر بغرابة شديدة تحيطها بعدما أصبحت زوجته ، ازدردت لعابها بجفاف وتوتر خيما عليها حينما اقتربت من حافة الفراش وقبل أن تتخذ المقعد المجاور لفراشه مجلسا ، كان يجذبها من كفها القريب منه ليسقطها في حضنه ويحتجزها بين ذراعيه
ارتجفت ليهمهم بجانب أذنها : اهدئي ، تلعثمت وهي تهمس باسمه في صوت أبح ليقبل جانب رأسها بحنان هامسا - مبارك علي اقتراني بك يا جنتي .
ثقلت أنفاسها واجفلت حينما داعبت أصابعه ماسكة شعرها فأزالها بخفة لينسدل متهدلا حول ملامحها ، شعرت بخافقة أسفل كفها ينبض بجنون ليغمغم اليها بنبرة مثقلة بمشاعره الهوجاء : كم اشتقت إليك هنا ، بين ذراعي .. ملكي .. جنتي .
جف حلقها وهي تتحاشى النظر إليه فلا ترى عسليتيه اللتين انصهرتا تحت وطأة مشاعره الجياشة نحوها لتشهق حينما دفعها نحوه بغته ليكتم بقية شهقتها بشفتيه اللتين اطبقتا على ثغرها فيلتهمه بتوق .. شغف .. وعنفوان أسرها فلم تقو على دفعه بل استجابت إليه بخجل بتول تتلمس طريقها في درب عشقه المنير بوعوده لها .
انتفضا بعد وقت لم تعي مقداره على طرق هادئ على باب الغرفة لتعي إلى وضعها الحرج بين ذراعيه ، تجلس على حافة الفراش مائلة بنصفها العلوي فوق جسده المستلقي على الفراش يحتجزها بين ذراعيه اللذين يضمانها إليه في امتلاك صريح واضح لا يقبل فيه جدال أو نقاش ، همست بخفوت وهي تحاول أن تعدل من خصلاتها التي بعثرها بكفيه : اتركني يا أسعد
مط شفتيه في رفض صريح ليهمس : لا ،غمغمت باسمه في عتاب ليتبرم متبعا بنزق - لا أريد زيارة من أحد الآن .
همت بالحديث وهي تحاول الإفلات من بين ذراعيه : لنرى من بالباب .
زفر بقوة وهم بالرفض إلا أن من طرق الباب فتحه بهدوء ليطل برأسه هاتفا بمرح وهو مغمض العينين : هل مسموح لي بالدخول ؟
اتقدت وجنتيها بحرج وهي تحاول الابتعاد عنه ليهتف أسعد بجدية واستياء صدح بصوته : لا غير مسموح لك .
ضحك عمار بمرح وهو يدلف بعد أن فتح عينيه على وسعهما : بل سأفعل لقد أتيت لأبارك لابنة عمي فأنا لم أبارك إليها كما أردت ، أتبع مشاكسا - لا تستطيع منعي من المباركة .
تمتم بحنق وبرود : بل أستطيع ، أستطيع منعك من رؤيتها أيضا إذا أحببت .
__ اووه ، هتف عمار ليتابع بمشاكسة - ما هذا المزاج النزق الذي تتمتع به بعد عقد قرانك بدقائق يا أسعد ، على الاقل انتظر إلى أن تتزوج ثم أغضب كما تريد .
تمتم أسعد من بين أسنانه : كنت رائق المزاج إلى أن طلّت سيادتك علينا ببهاء حسنك وعكرت مزاجي .
قهقه عمار ضاحكا ليهتف بمشاغبة تملكته : هل قاطعت شيء ما ؟
تمتمت جنى بجدية وهي تقترب من ابن عمها : توقف يا عمار .
ابتسم عمار بخفة ليهمهم وهو يقرص وجنتها بلطف : وجهك يشي بكل ما كان يحدث هنا يا ابنة العم .
لكزته بخفة لتهتف به : تأدب يا عمار .
هم بالحديث ليقاطعه صوت أسعد القوى: لا تقترب منها من الأفضل لك ، وهيا أذهب من هنا .
ابتسم عمار بخبث ليهمس بمكر : لم أبارك لها للان يا صديق .
هم بالانحناء نحوها ليزمجر أسعد بغضب فيقهقه الآخر ضاحكا لتدفعه هي بحدة وتهتف بلوم صدح جليا : هذه ليست طريقة للمزاح يا عمار .
كتم عمار ضحكاته ليهتف بها : انظري إليه وجهه محتقن وعيناه تشتعل بالغيرة عليك وجسده مشدود كأنه يستعد أن ينقض علي ليمزقني بأنيابه ، ابتعد عنها ليقترب من أسعد بهدوء وهو يكمل - ناسيا أني لن اجرؤ على اغضابه وأني اشاكسه فقط .
اطبق أسعد فكيه ليكمل عمار بهدوء وهو يقترب منه يجلس على الكرس بجوار فراشه : لقد أتيت من الأصل لأجلك يا صديق ، لأطمئن عليك.
لانت ملامح أسعد ليجيبه : أنا بخير لا تقلق
تأمله عمار مليا ليهمس بجدية : أنت لم تنم البارحة أليس كذلك ؟
نظر إليه أسعد بعدم فهم ليمأ برأسه إيجابا ليزفر عمار بقوة : حسنا سات إليك بعد أن تنصرف جنى لنتحدث قليلا ، هل لديك مانع ؟
هز أسعد رأسه نافيا ليبتسم إليه عمار بمودة : مبارك إليك يا صديق
صافح يد عمار الممدودة له فيقترب الآخر يحتضنه بأخوة فيتمتم أسعد له بصفاء نفس : العقبى لك .
تنهد عمار بقوة : تقولها من قلبك ؟
أومأ أسعد بعينيه ليهتف بجدية : من كل قلبي .
فيغمغم عمار بنزق : إذًا تحدث مع شقيقتك التي ستميتني كمدا .
قهقه أسعد ضاحكا ليربت على كف عمار بيده الأخرى هاتفا بمرح مفتعل : تجلد يا عمار الأمر يحتاج لبعض من الصبر وطولة البال ،
هز عمار كتفيه دون أمل : مع يمنى أنا لا أملك سواهما يا صديق .
هم بالرد عليه ليقاطعهما طرقة خفيفة على باب الغرفة وصوت عادل الذي هتف من الخارج : انتظر يا عاصم ، انتظر فقط قليلا .
كتم عمار ضحكته حينما دفع الباب ليدلف عاصم منه بأناقة وتسلط ليهتف بحدة : ابتعد عني يا عادل ، لم أتوقع أبدا منك هذا ، أنت تشغلني في الحديث لأجد ابنة عمي اختفت وأسألك عنها تخبرني أنك لا تعلم .
كتم عادل ضحكته ليتابع عاصم بانفعال – حقا عيب عليك يا أخي عيب على مركزك وسنك وطولك وأنت تخدعني حتى يستفرد أخيك بابنة عمي
هتف عادل وهو يضع كفيه في خاصره : نعم يا حضرة ، يستفرد بابنة عمك ، أنها زوجته ، ولا يحق لك اقتحام الغرفة هكذا ، هل أصابك الزهايمر يا عاصم ؟! ألم نشهد على العقد سويا منذ ما يقارب الساعة ؟!
تمتم عاصم بحدة : أنه عقد قران فقط ليس زواج و ..صمت قليلا ليرتفع حاجبيه بدهشة وهو ينظر لأخيه الجالس بجوار فراش أسعد ليهتف أسعد بغل : جيد أنك أتيت ، أصحب أخاك وانصرفا الآن .
استدار عادل بدهشة لينظر إلى عمار الذي ينظر إليه بتفكه قبل أن يلوح له بكفه : مساء الخير.
صاح عادل : كيف دخلت إلى هنا ؟! أجاب عمار متشدقا - من الباب ؟
صاح عادل : كيف ؟!
ليجيب أسعد بغل : أسأل نفسك .
هتف عادل بنزق : ألم تكن تقف مجاورا لي منذ قليل ..
نظر إليه عمار ببراءة ليزم عادل شفتيه ويهتف بحدة : أيها .. صمت وهو يكتم سبته ليتابع بحرقة – هل تخدعني يا عمار تخبرني أنك ستذهب لشراء القهوة وتستغفلني وتدلف إلى هنا
أخرج عمار إليه طرف لسانه ليتحرك عادل بغضب تنامى فوق ملامحه نحو عمار هاتفا : سأريك يا طبيب المجانين .
ضحك عمار ليفرد كفيه بجانبي رأسه يضع ابهاميه في أذنيه ملاعبا أصابعه ومخرجا لسانه وهو يصدر صوتا مزعجا فيتحرك عادل بجدية ليقف عاصم بالمنتصف يدفع عادل بعيدا عن أخيه : اهدئ يا عادل ، ليصرخ بعمار - توقف يا أحمق
هم عادل بالسباب وخاصة مع امعان عمار في اغاظته ليصدر صوته القوي : توقفوا جميعا ، ران الصمت عليهم ليتابع بجدية - هيا إلى الخارج أنا أريد أن استريح .
دفع عاصم عادل إلى الخارج ليهتف بجدية بعدما دفع عمار أيضا : هيا يا جنى .
همت بالرد ليجيب هو بصوت هادئ .. واثق .. جاد : لا جنى ستبقى إلى جواري قليلا إلى أن أتناول أدويتي واغفو حينها ستنصرف . عبس عاصم برفض ليرفع عينيه إليه بهدوء من يملك فزفر عاصم بقوة - حسنا ، سأنتظرك في الخارج .
تمتم أسعد بهدوء وابتسامة ماكرة تتسلل إلى ثغره : على راحتك ، عمت مساء يا ابن الخالة .
ابتسم عاصم رغم عنه ليخرج ويغلق الباب خلفه فتتنهد بقوة وهي تنظر إليه مليا قبل أن تقترب برضاها دون أن يدعوها إليه لتجلس إلى جواره على حافة الفراش فيبتسم بحنان احاطها به ويضم كفها بين راحتيه مهمها : المعذرة على الفوضى ولكن لا سبيل للخلاص منهم وأنا هكذا عاجز عن فعل أي شيء .
انتفضت لتضع كفها فوق شفتيه هامسة بعتب : إياك وأن تقولها ثانية ، أنها مسألة وقت وستعود واقفا على قدميك من جديد ،
احتضن كفها الملامس لشفتيه براحته ليقبل أناملها بشغف : لو تعلمين كم حلمت بهذه الليلة التي اقترن بك فيها ، وبماذا سأفعل معك وبماذا سآتي إليك ؟ لم اتخيلها يوما هكذا وأنا مقيد في الفراش في مشفى عاجز حتى على الحركة أو الوقوف
تمتمت برقة : أنها رائعة ، لقد أحببت كل شيء وأحببت أنك فاجأتني ، ثم لا تتحدث عنك هكذا ثانية من فضلك ، ربتت على وجنته بحنان : ستكون بألف خير طالما أنا معك الم تردد هذه الكلمات كثيرا على مسامعي من قبل .
تنفس بعمق : وسأظل أرددها لأنني أعينها ، أنا بخير طالما أنت بخير .
ابتسمت وهزت رأسها وهي تتمسك بكفيه : صدقني منذ أن استيقظت أنت وأنا أصبحت بألف خير ، أتبعت وهي تنحني نحوه تقبل وجنته برقة – شكرا على كل ما فعلته لأجلي ليس اليوم فقط بل منذ أن أيقنت بحبك لي وتعهدت لنفسك بأن تمتلكني .
ثقلت أنفاسه ليهمس بصوت أجش : هذا أقل بكثير مما أريد أن أفعله لك .. معك .. بك .. ولأجلك .
توردت وعيناه تلمعان بشوقه العارم اليها ليتابع هامسا وهو يحيط خصرها بذراعيه يدفعها نحو صدره يقربها منه فتستلقي نصف نائمة فوق صدره فيصبح وجهيهما قريبان للغاية : أين توقفنا قبل أن يأتي طبيب المجانين ؟ احتقن وجهها رغم عنها لتسبل جفنيها بحياء غمرها ليهمهم وهو يدفعها نحوه يقربها اليه ليلتقط ثغرها في قبلة أخبرتها بعشقه لها – لا يهم سنبدأ من جديد .
***
ينظر إليها بطرف عينه فيدهشه جمودها .. صمتها .. وانكماشها على ذاتها ، تنحنح بخفة ليناديها بلطف فتنتفض مجفلة قبل أن تتحرك باليه تنظر إليه بدموع ثابتة في مآقي عينيها هاله دموعها لينتفض بخوف عليها فينسل بسيارته ليوقفها على جانب الطريق وهو يسأل بلهفة واهتمام : ما بالك يا أختاه ؟
شهقت ببكاء حاد وجسدها ينتفض ليزمجر بغضب بدأ في التسلل إليه : هل اغضبك أسعد ؟!ماذا حدث أخبريني؟
هزت رأسها نافية وهي تلامس شفتيها بطرف كفها وتغمغم من بين بكائها : لم يحدث شيء أنا فقط خائفة.
عبس بتعجب : مما يا جنى ؟! لابد أن تفرحي اليوم عُقد قرانك على من أحببته منذ طفولتك
اومأت برأسها ايجابا لتهزر : نعم كنت سعيدة .. طائرة .. فرحة ، ولكن .. صمتت لينظر إليها باهتمام يحثها بعينيه أن تكمل فتتورد وتسأل بصوت خافت : هل من الطبيعي أن ..
ناظرها عاصم بجدية أن تكمل ليهادنها بخفوت يناسب صوتها المنخفض : من الطبيعي ماذا ؟
ارتعشت شفتيها ووجهها يحتقن بلون أحمر قان فابتسم عاصم رغم عنه ليهمس بصوت مرح وكأنه يتآمر معها : هل تجاوز أسعد معك فدفعك للخوف منه ؟
تساقطت دموعها من جديد لتهمس : لم يفعل شيء أكثر من متوقع ولكن .
مط عاصم شفتيه بقلة صبر ليغمغم : ولكن ماذا ؟ أتبع سائلا - هل فعل اكثر من بعض القبلات،
غمغم ساخرا : كنت سأشك فيه إذا كان بحالة صحية تسمح له ، ولكنه قعيد الفراش ليس من المعقول أن يمنحك دفة الأمور من المرة الأولى .
ارتجفا جفنيها لتغمغم بعدم فهم : لا أفهم ماذا تقصد
لوى عاصم شفتيه بإحباط ليغمغم : لك الله يا ابن الخالة .
رمشت لتساله : أصبح حديثك غامضا يا عاصم وأنا لا أفهمه .
تنهد عاصم ليهمهم : ولن أجرؤ على افهامك الحقيقة إذا علم أسعد سيغتالني بقلب ميت ،
تغضنت ملامحها بحزن فابتسم بود وهدوء : أخبريني عم يحدث معك يا جنى أنا الآخ الصديق الذي تفضي إليه دوما بم يعتمل بصدرك ، هل ما تشعرينه هو جنون الخوف من القادم أم هناك ما حدث وأخافك ؟
تمتمت بخفوت شديد : لست خائفة مما سيحدث فأسعد سيكون بخير بإذن الله ، خالتي ليلى تتبناني كعادتها وأنا سعيدة باقتراني الرسمي به .
ابتسم عاصم بسعادة لها : أتم الله عليك بالخير يا أختاه ، تنهد ببطء ليكتنف كفها بين راحتيه ويهمس - هل حدث شيء اليوم وترك يا جنى ؟
رمشت بعينيها كثيرا ليهمس ضاحكا : هل قبلك أسعد لذا أنت متوترة هكذا ؟
تمتمت بعفوية وعيناها تلمع ببراءة صادقة : بل ما يوترني هو استجابتي له ، هل هذا طبيعي أم أنا سيئة ؟ ارتفعا حاجبي عاصم بصدمة اكتنفته لثواني معدودة قبل أن يقهقه ضاحكا وخاصة حينما أتبعت تسأله بطفولية - هل نوران تستجيب إليك حينما تقبلها ؟
عبست بانزعاج وضحكاته تتعالى أكثر حتى شرق من الهوى ليكح بعنف فتنتفض لتضربه على ظهره بخفة وهي تهمس بعمليه : تنفس يا عاصم .
سيطر على أنفاسه بصعوبة شديدة ليعم الصمت عليهما قليلا قبل أن يجلي حلقه متنحنح و متلفتا إليها : دعينا مني ومن نوران فالأمر مختلف كثيرا بيننا .
اتسعت عيناها بصدمة وهي تضع كفها فوق شفتيها تمنع شهقتها من الصدوح ليكمل بسرعة : ليس كما فهمتي ولكن بم أننا عُقد قراننا منذ مدة فالأمور مختلفة عنك أنت واسعد .
سحب نفسا عميقا ليهمس بدعم : أنت لست سيئة يا ابنة عمي ، بل أنا ارىغ أنك في مثل هذه الظروف التي ألمت بك وبأسعد ما حدث بينكما اليوم طبيعيا ، أنت كنت خائفة من فقده وهو الآخر يريد أن يعوض ما فاته معك ، تنفس بعمق ليتابع – بل أن عمار أخبرني أن حالته العصبية غير مستقرة وأنت اكثر من سيتحمل تقلباته المزاجية الفترة الماضية ، ما مر به أسعد ليس بأمر عابر بل هو ثقل كبير عليك أن تكوني معه وتجاوريه ليتخطاه بسلام .
أتبع بعقلانية : ثم أنا أثق في أسعد كثيرا وأعلم جيدا أنه لن يتعدى حدود المعقول معك ولكن علي أيضا أن أنبهك أن التجاوز غير مسموح به
هزت رأسها بتفهم ليصمت قليلا قبل أن يتبع : سأخبرك أمرا يا جنى أعتقد أنك تدركيه جيدا فاسعد ليس كما يبدو عليه ،عبست بعدم فهم ليكمل بشرح - نعم هو يبدو هادئا .. مسيطرا .. جامدا بعض الأحيان لكن تحت القشرة الصلبة التي يظهرها هناك مشاعر جبارة يخفيها بجبروت وتحكم ، أنه يحب بقوة ويعشق بشدة وحينما يغار يغضب بعنف ، يتحكم في مشاعره منذ زمن لأجلك ، والآن حصل على فرصته الكاملة معك لذا اعتقد أنه كان مندفعا بعض الشيء معك اليوم وهذا ما أثار خوفك وخشيتك ،
اهتزت حدقتيها بتكفير ليكمل عاصم مبتسما بخفة : وأعتقد أن لولا وضعه الصحي لكان أصر على أن يكون زفاف وليس عقد قران فقط ، التفت ينظر إليها - لذا لا تستكثري عليه فرحته بك ومعك
ابتسمت لتغمغم : أنا الأخرى فرحة به ومعه .
اتسعت ابتسامته وهم بجذبها إليه ليتوقف ويهمهم بأخوة : لقد أجبرني على أن أعده ألا احتضنك وأقبل وجنتيك حتى لو نوعا من المباركة لك على الزواج .
ابتسمت وأخفضت رأسها بخجل لتثرثر إليه بعفوية : لقد كاد أن يقفز واقفا ليخنق عمار حينما فعل ، اتبعت بعفوية - أنه لا يفهم أنكم اخوتي الصغار .
جمدت ملامح عاصم ليهدر بخشونة : إياك أن تعيديها وإياك إياك أن تردديها على مسامعه ، توقفي عن الغباء بالله عليك .
توترت لتهمهم : لم أنطق بشيء أمامه ولن أفعل .
ارتعشا كفيها ليقبض عليهما براحتيه مطمئنا : توقفي عن حبس أفكارك بقيود بالية يا جنى ، تحرري وحرري روحك وقلبك وحبك ، امنحي أسعد مشاعرك فهو يستحق .
سحبت نفسا عميقا لتجيب بخفوت : سأفعل بإذن الله .
رن هاتفها لتنظر إلى وجه الوسيم الذي طل من شاشة الهاتف المسطحة لتغيم عيناها بسعادة قبل أن تجيب : لم تنم بعد .
أتاها نفسه القوى ليغمغم بصوت أجش : الفراش بارد والغرفة موحشة دونك
احتقن وجهها بقوة لتسعل بخفة فيقهقه عاصم ضاحكا وهو يسحب الهاتف من كفها ليهتف بمرح : لازلت هنا يا ابن الخالة فلا تتواقح من فضلك .
عم الصمت قليلا ليأتي صوت أسعد الأجش : جيد أنك هنا ، هلا أعدت جنى لي ثانية ، أظن أني اشعر بتوعك ما لا أفهمه .
جلجلت ضحكة عاصم قبل أن يجيب : عيب عليك يا حضرة القائد أنها حجة واهية تستغلني فيها، أذهب للنوم أو أنتظر قليلا حتى تكون جنى بمفردها وتحدث إليها فقط لا تتواقح في حضرتي .
اسبل أسعد اهدابه قبل أن يغمغم : حسنا فقط أعطها الهاتف وأعدك اني سألتزم الأدب طالما أنت موجود .
منحها الهاتف بأريحية ليعيد تشغيل السيارة وينطلق بها ناظرا أمامه غير مباليا بابنة عمه التي غرقت بخجلها حينما همس أسعد لها : حينما تعودين للبيت سأهاتفك ثانية ولكن أريدها محادثة مرئية ، اشتقت إليك يا جنتي .
غمغمت بكلمات غير مفهومة قبل أن تهمس : الى اللقاء.
أغلقت الهاتف ليقهقه عاصم من جديد فتتأفف قبل أن تضربه بكفها في إخوة : توقف .
تحكم في ضحكاته قليلا ليهتف : لا أستطع .
قهقه ضاحكا من جديد لتنتقل إليها عدوى الضحك فتضحك معه قبل أن تهتف بخفة : أسعدك الله يا عاصم ومنحك كل ما ترغب .
صمت ليهمهم بصدق : اللهم أمين يا رب
بللت شفتيها وهمست : الأمور جيدة بينكما أليس كذلك؟
هز رأسه بالإيجاب : الحمد لله ، أنا سعيد بها ومعها ، تناوشنا بعض من المشاكسات ولكنها محتملة .
نظرت إليه بجدية : ما الذي يؤخر الزفاف إذًا ؟
سحب نفسا عميقا ليجيب بجدية : شفاء أسعد لن أقيم زفافا وابن خالتي وصديق عمري متعب لابد أن يقف بجواري كما ساقف أنا بجواره في زفافكما .
ابتسمت لتهمهم بخجل : أتعلم أنه حدد موعد الزفاف اليوم مع أبي ، رغم أن حالته الجسدية ليست منضبطة كما ينبغي ولكنه أصر وزجر عادل حينما أراد أن يتحدث معه .
ضحك بخفة : أعلم ، لقد تحدث معي مسبقا ، سيكون بخير لا تقلقي ، وتأثير وجودك معه سيجعله يتحسن أسرع يا أختاه .
تمتمت بخفوت : كل ما اريد أن يكون بخير .
غمغم بخفوت : سيكون يا أختاه لا تقلقي .
أزيز مزعج صدح حولهما ليعبس قليلا قبل أن يهتف بأريحية : ستقتلني نوران ، فأنا لم أهاتفها كما اتفقنا .
أجاب بتلقائية ليأتيها صوت نوران المعاتب له ليبتسم هامسا: حسنا اهدئي ، هاك هي معك .
ناولها الهاتف لتتبادل الحديث مع ابنة عمها التي تخبرها عن بعض الأشياء اتفقن عليها الفتيات لتبتسم بسعادة : حسنا سأفعل كل شيء فقط ليس غدا فأسعد يريدني بجواره غدا.
اطلقت نوران صفيرا قويا وبعض المداعبات المشاكسة ليضحك عاصم بخفة لتغمغم جنى : توقفي أنت وزوجك عن الجنون ، هيا اذهبي فأنا وصلت للبيت تصبحين على خير يا ابنة عمي.
تمتمت نوران بخفة : وأنت من أهل الخير يا عروس ، هات زوجي أريده قليلا .
ناولت عاصم الهاتف لتمنحه تحية المساء قبل أن ترتجل من السيارة تشير إليه مودعة وهي تدلف إلى داخل فيلا عمه ، راقبها إلى أن اغلقت باب البيت خلفها ليتنهد بقوة ويضع الهاتف فوق أذنه فيأتيه صوتها المدلل : هل اطمأننت عليها يا عاصم ؟
ضحك بخفة : نعم فعلت .
صمتت قليلا قبل أن تهمهم : حسنا ستعود إلى البيت أم لديك أشياء أخرى عليك فعلها ؟
تنهد بقوة وهو ينطلق بسيارته نحو مخرج المدينة يتخذ الطريق السريع مسلكا ليغمغم بأذنها : لدي شيء هام لابد أن أفعله الآن .
عبست بعدم فهم : ما هو ؟
ابتسم بمكر ليغمغم في أذنها : لم احصل على وجبة العشاء بعد ، كيف انام وأنا جائع .
ضحكت برقة لتهمس بدلال : الوقت تأخر .
لعق شفتيه : فقط انتظريني لتفتحين لي باب القصر ، لا أريد أن يضبطني عمي وأنا اتسلل إليك.
ضحكت برقة : الطريق طويل يا عاصم ، عد إلى البيت وغدا لنا حديث آخر .
نظر إلى ساعته : أنا رجل أفي بوعودي يا ابنة العم وأخذ حقي كاملا وعدتك أن نتناول العشاء سويا لذا سآتي لنتعشى سويا
همهمت : أنا خائفة عليك .
همهم بخفوت : لا تقلقي فقد قاربت على الوصول ،
***
تقف في المطبخ الخارجي تعد بعض الأشياء البسيطة ليؤكلها حينما يصل ، تستعد لملاقاته بعدما أخبرته أنها ستنتظره في المطبخ الخارجي الذي تركت بابه مواربا فيستطيع أن يدلف دون أن يضبطه أبيها في هذه الساعة المتأخرة ليلا .
تدندن بخفوت وهي تضع السماعات الغير مرئية بأذنيها وتتراقص بخفة عليها وهي تقلب محتويات المقلاة بحذر لتنتفض بخوف حينما شعرت بذراعه تلتف حول خصرها لتتنفس بقوة حينما قبل شامتها بشغف وهو يدفن أنفه في جانب عنقها لتغمغم بصوت مهزوز : اخفتني يا عاصم.
تمتم بهدوء وهو يلتصق بها أكثر يجذبها نحوه ليلامس مؤخرة عنقها بهمهمة ذائبة : فداك عاصم يا قلب عاصم ،عضت شفتها برقة وجسدها ينكمش بخجل فطري حينما قبل أذنها بتوق تملك أنفاسه المثقلة حينما همهم - أعشق رائحتك .
تمتمت بخفوت وهي تحاول أن تتملص من بين ذراعيه : أنها رائحة الطعام .
دفن أنفه في خصلات شعرها وهو يحتفظ بها داخل محيط ذراعيه : بل رائحتك أنت .
أغلقت الموقد لتهمس : حسنا دعني لأضع لك الطعام .
غمغم وهو يجذبها بعيدا عن الموقد : أنا جائع لما هو أشهى من الطعام .
ارتجف جسدها بشوق يماثل شوقه لتضحك بميوعة وهي تحاول أن تسيطر على كفيه المتحركان بجنون ليلتهم بقية ضحكتها بين شفتيه بشغف بعدما أدارها إليه يقبض عليها من الخلف ويلصقها بحضنه وهو يدور بها في حلقات إلى أن لصقها بالحائط من خلفها.
***
رنين الهاتف ازعجها لتعبس بتعجب وهي تنظر للساعة التي تعدت منتصف الليل فينتابها القلق وخاصة حينما نظرت إلى الاسم الذي يزين شاشة هاتفها فتنتفض جالسة وتجيب بدهشة : مساء الخير يا ياسمين .
أجابت ياسمين بلباقة : أعتذر يا فاطمة على الإزعاج على ما يبدو كنت نائمة ولكني توقعت أن تكونوا مستيقظين فأنا هيأ لي أن عاصم عندكم وخاصة حينما تأخر للان دون أن يجيب هاتفه .
راقبت زوجها الجالس بجوارها لم ينم بعد لبحثه بعض الأشياء الخاصة بعمله يعبس إليها بتساؤل لتهمس بخفوت : لا ليس لدينا ، هل هو مختفي منذ وقت ؟!
زفرت ياسمين بخوف حقيقي لتهمس : لقد أوصل جنى لبيتها منذ مدة ولكن ما أخافني حقا أن هاتفه يرن بتواصل دون استجابة منه ، انتاب فاطمة الخوف لتتحرك من فراشها ترتدي مئزرها الحريري لتتابع ياسمين بصوت مختنق - هلا سألت نوران عليه لعلها تعرف مكانه ؟
تحركت فاطمة نحو باب الغرفة : بالفعل كنت سأفعل دون أن تطلبي ، أنتظري معي.
تحرك وائل بتوتر تسرب إليه بسبب ملامح زوجته الخائفة لتهمس إليه بعد أن أغلقت سماعة الهاتف بكفها : أنها ياسمين قلقة على عاصم فهو مختفي ولا يجيب هاتفه .
انتفض وائل واقفا والخوف يدب بأوصاله ليتحرك بعشوائية يبحث عن هاتفه ليتبع زوجته بعفوية حينما همست إليه : أنتظر سأسال نوران عنه قبل أي شيء .
توقفت فاطمة بعدما دخلت إلى غرفة ابنتها الفارغة تنظر إليها بدهشة لتغمغم دون وعي وهي تنظر برهبة نحو وائل الواقف بباب الغرفة : نوران ليست هنا .
هتفت ياسمين الذي وصل إليها صوتها بتساؤل : هل خرجا سويا ؟!
زفرت فاطمة بقوة وهي تنتبه لتساؤل ياسمين : لا أعتقد لقد تركتها تتفق مع أميرة علام سيفعلانه لأجل ترتيبات زفاف جنى ، ولكن من الممكن أن تكون لازالت بالأسفل تشاهد التلفاز أو تقرأ شيء ما .
أغلقي الهاتف يا ياسمين وأنا سأهاتفك إذا وصلت لأي شيء ، لا تقلقي .
زفرت ياسمين بتوتر : حسنا سأنتظر اتصالك .
أغلقت الهاتف لتجاور وائل فيستقلان المصعد سويا لينخفض بهما فتخطو للخارج بخطوات متسارعة - لم يستطع اللحاق بها - نحو غرفة المعيشة السفلية ، هم بأن يتبعها ولكنه توقف وأذنه تلتقط همهمات خافتة آتية من الغرفة الملحقة بالمطبخ الخارجي ليتجه إليها بخطوات هادئة وحواسه مستنفرة بتوتر .
نظرت الى الغرفة الفارغة لتبدأ تشعر بتوترها يزداد لتعود ثانية لتبحث عن ابنتها في بقية الغرف لتنتبه إلى خطوات زوجها المتجه نحو المطبخ فتتحرك من خلفه ليرتفع حاجبيها بدهشة وصوت الهمهمات يصلها بصوت أوضح ، تمسكت بساعد وائل وأشارت إليه برفض لتتسع عيناه بغضب سيطر على عقله فيدفع باب الغرفة الموارب قليلا فتضيء الغرفة بتلقائية ، هم بالصراخ لولا صرخة نوران الحانقة التي صدحت بقوة : أغلق الباب يا بابي ستنفصل اللعبة .
ارتفعا حاجبي فاطمة بدهشة وهي تنظر إليهما يجلسان متجاورين على الأريكة يلعبان إحدى الالعاب الالكترونية عن طريق القبعة التي تلبس فوق الرأس والتي تخرج أشعة مرئية أمامهما شوشتها الإضاءة القوية التي حدثت بسبب دفعهما لباب الغرفة فتصدح ضحكة عاصم وهو يخلع القبعة عن رأسه : خسرت يا ابنة الوزير .
زفرت نوران بقوة وهي تخلع القبعة عن رأسها : لولا النور لكنت فزت
هتف باستفزاز وهو ينتفض واقفا : لا تتحججين .
همت نوران بالرد ليصرخ وائل بانفعال : ماذا تفعلان ؟!
أقترب عاصم ليصافح عمه ينظر إليه ببراءة : نلعب يا عماه
تمتم وهو يقترب من تامي يقبل رأسها : مساء الخير يا تامي ، هل صوتنا أزعجكما ؟
تمتمت فاطمة بسخرية : صوتكما .
سأل وائل بصوت خشن : ماذا تفعل هنا يا عاصم في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟
كح بحرج : ألم أخبرك يا عماه أني سأدعو نوران إلى العشاء ؟ نظر إليه وائل منتظرا بصمت فتابع هامسا - حينما فاجئنا عمي أحمد بعقد قران جنى لم اصحبها للعشاء فأتيت لأراها واعتذر منها ففاجأتني بكرمها ودعتني للعشاء .
أشار إلى الطاولة التي تحوي الأطباق المتبقي بها بضع من بقايا الطعام ، ليزفر مكملا : وبعد أن أنهيت طعامي ثرثرنا قليلا ولعبنا قليلا .
همهم وائل والصدمة تعتلي ملامحه : أخبرني أنك تمزح .
كتمت فاطمة ضحكتها ليتابع وائل بانفعال – هل من اللائق يا باشمهندس ان تأتي لتزور خطيبتك دون أن تخبرني أنك ستأتي للزيارة ؟ هل من اللائق أن تأتي لتزورها بعد منتصف الليل دون أن يكو مرافقا لكما أحدا منا ؟ هل من اللائق أن تغلق عليكما الباب وأنتما سويا بمفرديكما ، حتى إن كنت أتيت لغرض تناول العشاء والزيارة ،
أقترب وائل ينظر إليه من بين رموشه : ألا يوجد سيد لهذا البيت تخبره وتستأذنه في زيارتك له ؟
سحب عاصم نفسا عميقا ليجيب بهدوء : توقعت أني لا احتاج لاذنك يا عماه في زيارة قصر عائلتي .
رمقه وائل مليا ليسأله بجدية : هل أتيت لزيارة قصر العائلة أم لزيارة ابنتي ؟
بلل عاصم شفتيه ليجيب بهدوء : لزيارة زوجتي
أطبق وائل فكيه بقوة ليهم بان يقبض على تلابيب عاصم ولكن استوقفته حركة فاطمة التي وقفت بالمنتصف بينهما لتزفر بقوة وتنظر لعاصم معاتبة قبل أن تسأله : لقد أثرت خوفنا عليك يا عاصم بك ، فياسمين هانم هاتفتنا لتسأل عنك ، أتبعت بعد أن زفرت بقوة – فأنت لا تجيب هاتفك .
عبس عاصم وهو يلامس جيبي بنطلونه ويتحرك ليبحث عن الهاتف في جيوب سترته ليغمغم بتفكير : من الواضح أني نسيته بالسيارة .
ابتسمت فاطمة واسبلت جفنيها لتداعب هاتفها وتتصل بياسمين التي أجابتها على الفور فهتفت بسخرية تعمدتها : مرحبا يا ام عاصم ، عاصم عندنا لا تقلقي عليه .
صمتت قليلا لتهتف: آها نعم كان يلعب بالألعاب الإلكترونية مع نوران .
أتبعت باستهزاء وهي ترمق عاصم بتوعد : لا تخافي يا حبيبتي الكبير أتى لزيارتنا بعد منتصف الليل ليلعب ويتناول الطعام
كتمت نوران ضحكتها ليلكزها عاصم بمرفقه فتشيح برأسها بعيدا قبل أن تنهي والدتها المكالمة ليسأل وائل بجدية : متى وصلت ؟
رمش عاصم بعينيه وهو يشعر بأن سؤال عمه مفخخا ليزفر بقوة : لم أنظر للساعة يا عماه ولكن لا داع لكل هذا سأغادر إذ كان يضايقك وجودي .
عبس وائل ليهدر بغضب : حينما اطلب منك الالتزام باللائق من الأفعال لا تؤول الحديث لأمر أخر يا عاصم .
هتف عاصم بتعجب : ما هو غير اللائق فيم فعلت يا عماه ، أتيت لزيارة زوجتي في قصر عائلتي والذي سيكون بيتي بعد الزفاف كما حضرتك أمرت .
أجاب وائل بجدية : أينعم سيكون بيتك وسأكون أنا ضيفك ولكن كما تشدقت الآن بعد الزفاف ، فنوران لم تصبح زوجتك بعد .
نظر إليه عاصم مطولا ليهمس بعناد : بل زوجتي ، عقد قراننا منذ مدة وكنا سنحدد موعد الزفاف لولا حادث أسعد وما ترتب عليه .
رفع وائل حاجبه باعتداد : طالما هي في بيتي فهي ابنتي ، وإذا أردت تحديد موعد الزفاف تهاتفني وتتحدث معي كما هو متبع ، لا أن تأتي للزيارة في هذا الوقت المتأخر من الليل .
نفخ عاصم بقوة : حسنا يا عماه أعتذر عن الزيارة التي اغضبتك لهذه الدرجة .
هدر وائل بحنق : لقد خفت عليك أيها الغبي ، رمش عاصم والإدراك يومض بعينيه ليكمل وائل بغضب فعلي – أتعلم ما وقع اتصال والدتك التي تخبرنا أنك لا تجيب هاتفك ومختفي وأنت هنا منشغل بالألعاب أو بالطعام أو باي ما كنت تفعله .
أخفض عاصم رأسه ليغمغم بصدق : أعتذر يا عماه ما كان علي أن أثير قلقكم .
أشاح إليه وائل بجمود : هيا عد لوالدتك التي تنتظرك وأمر الزفاف نحدده في الغد أو بعد غد .
تمتم عاصم بهدوء : أمرك يا عماه .
تحرك ليمر من جوارها فيوقفه وائل بجدية : لا تأت ثانية ليلا دون معرفتي يا ابن وليد .
أومأ عاصم برأسه وهو يكتم ابتسامة كادت أن تقفز فوق شفتيه ليحمل سترته ويهمس إليها بجدية : رافقيني للسيارة .
قبض على كفها وجذبها خلفه فتتحرك بطواعية لتهمس إليه بخفوت بعدما ابتعدا عن والديها واصبحا داخل المطبخ الخارجي من جديد : من الجيد أنك انتبهت إلى قدومهما .
ضحك بخفة وهو يسير قريبا منها يكاد أن يلتصق بجانب جسدها ولكنه يتماسك حتى لا يثير غضب عمه أكثر من ذلك فيهمهم بجوار اذنها : استمعت إلى صوت باب المصعد عرضا
لفت كفيها حول ذراعه لتهمس بغنج فطري : لم اشغلك بم يكفي .
توقف لينظر إليها ويهمهم أمام شفتيها : بل إنه هاتف من السماء حتى لا يصاب أبيك بذبحة صدرية إذا رانا كما كنا .
ضحكت برقة لتغمغم بنبرة مغوية وكفها الأخر تفرده فوق صدره : كيف كنا ؟
كز على شفته بقوة ليضغط كفها براحته في توق : كنت قاربت على فقدان ملابسي .
ضحكت برقة ليهم بالتقاط شفتيها في قبلة أرادها وسعت إليها هي لينتفضا على صوت عمه -الذي لم يتبعهما ولكن كأنه يراهما بعين خياله – صادحا باسمه فيتزفر بقوة ليهمهم إليها : لن يتركني أودعك كما أريد لذا سأنصرف واطلب منك أن تأتي مبكرا لنتناول الفطور سويا .
تحركا للخارج نحو سيارته ليهم أن يحتضنها ليلتقط نظرات عمه الغاضبة والذي فتح الشرفة لينظر إليهما فيقبل رأس نوران بحب وهو يهمهم : لن يتحرك قبل أن أنصرف ،
أكمل وهو ينظر إليها بحب : سأذهب أنا ،تنفست بقوة لتقف على طرف أصابعها لتتعلق برقبته تقبل وجنته همهم بعتاب - نوران توقفي سيقتلني أبيك .
قبلت وجنته الأخرى : لا لن يفعل أنا من قبلتك وليس أنت من فعلت ، واجهته وهي تتعلق برقبته - وأنا مهما فعلت بابي لن يغضب مني
ربت على رأسها ليهمس : نعم ولكنه سيغضب مني .
قبل جبينها ثانية وهو يضمها إلى صدره دون وعي حقيقي منه ليهمس - سأشتاق إليك يا برتقالتي
ضحكت برقة : وأنا سأشتاق إليك يا عاصم .
ألقتها بدلالها الطفولي ليحنو رأسه بخفة يقبلها بجوار شفتيها بسرعة فيضمن ألا يراه عمه قبل أن يعتدل واقفا ويستقل سيارته بعد أن أشار إلى فاطمة برأسه مودعا لتقف بجواره إلى أن أدار السيارة وأنزل نافذتها ليتمسك بكفها قليلا ليقبل راحتها بأناقة هامسا : تصبحين على خير
***
بعد اسبوع
1. يجلس بجوار النافذة يراقب الأرض البعيدة والتي بدأت تظهر من بين السحب تقترب رويدا رويدا وتمنح روحه سكنية وهو العائد بعد غياب شهرين شعرهما في منفاه عقدين ، تحتضن عيناه اللون الأصفر لمنظر وطنه من الأعلى فيرتج قلبه بدفعة أمان احتلت أضلعه وشوق يغزل أوردته لبلده .. أهله .. عائلته .. زوجته .. وأطفاله ، يريد العودة إليها رأسا ولكنه لا يستطع لازال أمامه الكثير قبل أن يشرح لها كل ما كان ولازال أمامه أكثر لتمنحه بعد الاستماع - إذا استمعت - لغفران يحتاجه ولكنه يعلم أنه لن يناله في وقته الحالي !!
أغمض عينيه قليلا مفكرا فيم سيحدث الأيام المقبلة يعيد كلمات جاك في رأسه وحديثه مع الآخر وأخيرا حديثه مع الرزين الذي قابله بطريقة غريبة وحدثه بكلمات أغرب وأخبره أنه سيلاقيه حينما يعود للوطن فهم ينتظرونه !!
ليزفر بقوة وهو يستعيد جملة ذاك الشاب الرزين بملامحه الوسيمة والتي احتلت عقله وتمسكت بها روحه حينما حدثه بإعجاب " ما تفعله شيء متوقعا من ربيب الخواجة ، لقد سمعت عن أبيك كثيرا وقرأت عنه أكثر وما قرأته عنه ثم ما علمته عنك أنبأني أن تعاوننا سويا سيكون أكثر من مثمر ، نحن ننتظرك في الوطن ، لا تتأخر "
غادره دون أن يعلم بأنه دفعه دفعا للعودة بأن كلماته أتت سلاما على روحه الممزقة التي بُعثرت بكلمات خاطئة كاذبة فاستغل الآخرون جهله بماضي أبيه ليقنعوه بأشياء ملفقة وهو برعونة شبابه وبغباء منقطع النظير وقع في الفخ وارتاب وشك وكاد أن يصدق !!
ازدرد لعابه الجاف وعقله يستعيد وجه أبيه الشاحب وعيناه الغير مصدقتان لحديثه ليسأله بهدير خافت : ما هذا الهراء يا أحمد ؟ هل صدقت هذا الحديث الأخرق ؟ من أخبرك أن أمي يهودية ؟ نعم أسمها ماريا ولكنها مسلمة ألم تصادف ابدا مسلمة اسمها ماريا ؟ وهل أبي الصعيدي الآتي من قريته الجنوبية سيتزوج بامرأة على غير ديانته ؟! إنها مسلمة منذ أن عرفها لم تسلم لأجله بل هي إنجليزية مسلمة والدتها كانت تركية مسلمة أحبها رجل إنجليزي وأسلم ليتزوج منها وانجبا أمي التي أنجبتني أنا وأبيك مسلمان حتى اسمائنا عربية لا تحتاج لتأويل أو تفكير
يتذكر كيف أظلمت عيني خالد ليهمس بصوت أبح : ماما من انتقت اسم باسم لأنه كان كثير الابتسام وهو نائم ، أما أنا فأبي من انتقى اسمي أسوة بالقائد العربي المسلم خالد ابن الوليد ، رمقه قليلا قبل أن يتبع - هل تعلم من هو خالد ابن الوليد ؟
حينها أومأ برأسه سريعا : نعم أعلم بالطبع ، ماما كانت تحدثنا عنه كثيرا وتخبرنا عن بطولاته وتاريخه وكانت تهمس دوما بأنك سميت على اسمه .
ارتعش فك خالد بغضب مكتوم ليهمس بخفوت : بابا رحمة الله عليه كان يخبرني منذ الصغر أن سيكون لي نصيبا من اسمي وكان صادقا ، كان يقول لي سميتك خالد أسوة بأبو سليمان لتكن أنت خالد ابن سليمان ورغم أن أبي اسمه أحمد ألا اني كنت دوما اختصره بحرف الA في معاملاتي المالية والتجارية وكنت أوقع باسم خالد سليمان لأتذكر دوما مقولة أبي .
بسمة خافتة زينت ثغر خالد ليهمس بجدية : أسميت أخيك عبد الرحمن لأتذكر دوما معروف أمير ووجوده بجواري في وقت حاجتي وتراجعت عن تسمية عمر بسليمان حينما تمسكت بمنال بتسميته عمر فقلت لا يهم إذا رزقني الله بصبي أخر سيكون سليمان رغم أني لم أكن سأكنى أبدا بأبي سليمان فبكريّ حمل أحب اسم إلى قلبي اسم أبي !!
اهتزت حدقتيه وهو يتذكر عيناه الزائغتين وألم قلبه ليخيم صمت مهيب عليهما قليلا قبل أن يتابع خالد بهدوء : أباك منحك أسمك على اسم أبينا ليس كما تتخيل أنت أنك سُميت أسوة باسم جدك لأمك بل باسم من أصر على تسميتك أحمد ووافقت منال فهي كانت تريد تسميتك على اسم أبيها الذي رفض طلبها ولكنه لم يقو على إجبار باسم للتراجع عن قراره ،
رمقه خالد بعتاب صريح ليكمل : كيف صدقت ما أحشو به عقلك ؟ هل كنت غبيا لتلك الدرجة؟
حينها أجاب بقهر : أنت لم تخبرني عنه أي شيء ، سألتك في صغري عن أبي وعم حدث لجدي ولكنك لم تجب ، نعم ضممتني إلى صدرك وأخبرتني أنني ولدك ولكنك لم تجب .
هدر خالد بغضب : لأنك بالفعل ولدي .
رجفا جفنيه وهو يستعيد بقية حديث أبيه : وحينما رأيت حديث عيناك في صباك واهتزاز مقلتيك بالتساؤل أخبرتك أن لا تصدق أي شيء إلا حينما ترى جميع أوجهه أن لا تستمع لفرد دون أن تستمع إلى آخر وإن احترت وترددت تأتي إلي وتسألني وحينها سأخبرك ، أتبع خالد بمرارة تملكت من صوته - ولكنك صدقت يا أحمد ، صدقت أن أبيك الذي رباك قتل أخيه طمعا في أولاده وزوجته ، وصدقت أن لديك أخ عدو سيجهز على أطفالك وعائلتك كما فعلت أنا بأخي، صدقت أني لا أستطيع حمياتك ولا دعمك ومساندتك إذ أتيت لي فذهبت ركضا إلى زوج خالتك ليحميك ويخرجك من ورطتك ، تناسيت من أنا ومن أكون وذهبت لوائل فهو صاحب النفوذ ومعالي الوزير الذي سيفرك المصباح ويخرجك كالجنى من القُمقم ، نسيت أني مستعد مهما حدث أن أفديك بحياتي وذهبت لغيري ليساعدك .
آثر الصمت حينما صمت خالد فهو لم يجد ما يجيبه به ليستمر صمتهما كثيرا وهو يعلم بقرار نفسه أن أبيه سيصدر حكمه حينما يتحدث من جديد وبالفعل أبيه اصدر حكمه عليه بالنفي حينما تمتم بألم ورجاء مشبع بندمه : دادي .
ليهديه خالد صفعة موجعة لم تلطم وجهه ولكنها لطمت روحه فبعثرتها وشتتها ونفتها من وطن وجود ابيه حينما أجابه بجدية : فقدت الحق في مناداتي هكذا يا ابن أخي .
ارتجفا فكيه قهرا لينتفض جسده بغضب من نفسه وروحه تزأر بلوم مرير يقرع به نفسه ليسحب نفسا عميقا متحكما في اختناق حلقه قبل أن يفتح عينيه وصوت مضيفة الطيران يصدح من حوله يخبره أن عليه تفعيل إجراءات السلامة والأمان فالطائرة قاربت على الهبوط وتتمنى لهم زيارة سعيدة آمنة .
***
وقف من بعيد يراقب العائد كما يعلمون يتحرك بهدوء وجدية وخطوات رزينة ينهي اجراءات وصوله بابتسامة لبقة ومهذبة دون أن ينتبه لهذا الذي أتى معه على نفس الطائرة خصيصا ليراقبه ، يتنفس بعمق وهو يراقب ربيب الخواجة كما يطلقون عليه يتقدم نحو النافذة الزجاجية ليختم جواز سفره وأوراق ثبوتيته بأنه عاد إلى الوطن والآخر على النافذة الموازية يراقبه بطرف عينه ويتأكد من سلامة وصوله ، ليبتسم هو من مكانه المتخفي عن الأنظار من خلف زجاج عاكس يمنحه الحرية في مراقبة ساحة المطار الواسعة دون أن يكتشف وجوده أحد .
ابتسم بانتصار وشيك وهو يلمح موظف الجوازات يتحدث مع أحمد الذي عبس بعدم فهم لينهض الرجل قبل أن يشير لآخر فيتقدم نحو أحمد لينظر إلى جواز سفره قبل أن يشير لضابط أخر اقترب من أحمد يتبادل معه حديث هو يدرك فحواه جيدا ،
نظر لهم أحمد بتعجب ليسأل بجدية : ما الأمر ؟
ابتسم الضابط بوجهه ليسأله بجدية وهو ينظر لجواز سفر أحمد : أنت أحمد باسم سليمان ؟
رفع احمد حاجبيه بتعجب ليهمس بتلقائية : نعم أنا هو .
ابتسم الضابط أمامه من بين أسنانه ليطلب منه بهدوء : هلا رافقتنا يا بك ؟
عبس أحمد بغضب : لماذا ؟
تحرك اثنان من الرجال يرتدون ملابس غير رسمية ليجيب الضابط بهدوء : نريد أن نتبادل بعض من الحديث سويا ، تفضل معي بهدوء من فضلك .
شحبت ملامح أحمد لتهتز حدقتيه بتوتر قبل أن يزدرد لعابه ويرافقهم بطواعية دون أن يدرك ماذا حدث منه ليقبضوا عليه حين وصوله إلى أرض الوطن !!

أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...