الفصل ال٤٠ ج٣

4.3K 77 5
                                        



يجلس بضيق متململًا بجوار أبيه الذي تمسك ببقائه وهو الذي قرر بالفعل البقاء بعد حديثها إليه ولكنه لم يشأ أن يظهر اهتمامه لها فأتى تمسك أبوه به طوق نجاة انتشله من مكوثه دون سبب بعدما كان يريد الرحيل ، ويا ليته رحل ولم يبقى لينظر إليها تتهادى بهذا الفستان المخملي اللامع دون تطريز ،  ضيق رغم احتشامه .. مغوي رغم انغلاقه .. ومثير رغم طوله الذي يمتد من خلفها قليلًا كذيل طاووس متباه ، فأصبح يليق بها وخاصة مع لونه المحير بين الرمادي والأزرق والأخضر فكلما تحركت ومع اختلاف الإضاءة أنارت هي بلون مختلف جذب بصره إليها من جديد .
انتبه على صوت شقيقه الذي جلس مجاورًا له من الاتجاه الآخر : لم تغادر؟!
نظر عاصم من حوله ليجيب بضيق : ألا تراني هنا إذًا أنا لم أغادر .
تحكم عمار في ابتسامته ليهمس بمشاكسة : مزاجك مغلق بطريقة يصعب علي وصفها ولكن لدي تبريرًا لها
زفر عاصم ليجيبه متهكمًا : وماهو يا عبقري زمانك ؟!
أجاب عمار ببساطة وهو ينظر إليه بطرف عينه : أنك تشاجرت مع نوران ، هم بالحديث ليعتدل عمار ويواجه متبعا - وإياك والإنكار فغضبك واضح كالشمس وعزوفها عنك ظاهر للأعمى والجميع منتبه فلا تدفن رأسك بالرمل يا كبير وأعلم أني أنبهك لأن " الأخوين ويلي " كما يدعوهما عبد الرحمن منتبهان ومترقبان وأشعر أنهما ينتظران ليضعوك بالمنتصف ويفتكان بك .
تمتم عاصم بضيق : ولماذا يفتكون بي إن شاء الله ؟!
ابتسم عمار ساخرًا ليجيب ببساطة : لأن حتى لو نوران من أخطأت أنت من يتحمل النتيجة دائمًا يا عاصم فتحكم في غضبك وأنهي الأمر مع نوران بطريقة ترضيك وتهدأ من غضبك وتجبرهم على الصمت وعدم التدخل ، اتبع عمار مؤكدًا - وحذار من أبيك قبل عمك فعمك من الممكن ان يتفهمك أما أبيك الحبيب لن يفعل وسيبطش بك إذا تناهى إليه أنك أذيتها .
غامت عيناه باختناق فهمس عمار متسائلًا : هل فعلت يا عاصم ؟!
رف عاصم بعينيه ليغمغم باختناق : فعلت ماذا ؟!
تمتم عمار بجدية : أذيت نوران ؟!
أجاب بخفوت : نعم فعلت ، ليتبع بقهر - فعلت لأنها ذبحتني يا عمار .
اتسعت عينا عمار بصدمة ليسأل بجدية : ماذا حدث ؟! هز عاصم رأسه رافضًا البوح فأكمل عمار - ما السبب إذًا ؟! هل أخبرتك عن سبب ما فعلته وذبحك هكذا ؟
اغمض عاصم عينيه ليبوح بصوت مختنق : أنا لا أقوى على الاستماع الآن ، لا أستطيع السيطرة على غضبي الذي بالفعل انفلت من عقاله فأريد الابتعاد كي أسيطر على نفسي وأقوى على المجابهة .
رمقه عمار مطولًا لينصحه بجدية : الابتعاد بعض الأحيان لا يفيد يا عاصم ، من رأيي اضغط على نفسك قليلًا واستمع إليها ولا تدع الأمور للوقت فالوقت كثير من الأحيان تأثيره يكون سيئًا .
هم بالحديث ليصدح صوت هرج فيهتف عمار بدهشة : عمر سينصرف .
قفز عاصم واقفًا ليهمهم باختناق : خير ما فعل ، فأنا أريد الرحيل .
تمتم عمار : إذًا هيا بنا لنزفه بالسيارات ، تحرك عمار نحو عبد الرحمن الذي تمتم إليه بحديث سريع أومأ له عمار الضاحك بخفة قبل أن يعود هاتفًا لأخيه - ابق مع العائلة وأنا سأنضم لمناورات عمر .
عبس عاصم بعدم فهم ليهتف عمار ضاحكًا : سأقص لك فيما بعد ،
أومأ عاصم متفهمًا وهم بالحركة لينتبه إليها تقف أمامه تبتسم برقة لا تظهر بعينيها وتسأله : ستغادر ؟! أومأ برأسه إيجابًا فأكملت - للمطار ؟!
تنهد بقوة : أجلت طائرتي للفجر بناء على رغبة بابا .
أومأت برأسها متفهمة لتهمهم اليه بطبيعية : تعد سالمًا بإذن الله .
رمقها مطولًا فتحدته بنظراتها ليهتف بصوت هادئ وهو يولي اهتمامه لعمه : بعد إذنك يا عماه سأصحب نوران معي ، فأقلها للقصر .
رمقه عمه قليلًا قبل أن يرفع رأسه لابنته مستفهمًا فتشير بالقبول بعينيها الضاحكتين بمكر التقطه وائل بسهولة فيوميء وائل برأسه متفهمًا : حسنًا لا مانع لدي .
ابتسم عاصم ليصافح الجميع يضمهم مودعًا قبل أن يعود مشيرًا إليها بأن تتقدمه فتفعل بثبات أثار خافقه المتعلق بها وهو يتبعها مقررًا بأن يسكن لنصيحة أخيه لعل حديثها يبرد حريق جوفه ويطفئ النيران التي تندلع داخل روحه.
***
تحرك نحو السيارات صاحبًا يمنى و آسيا و رقية معه هاتفًا بجدية : هيا يا فتيات لننضم للزفة الوهمية .
كتمت موني ضحكتها ليقهقه بدوره ضاحكًا هامسًا إليها وهي القريبه منه : لا أصدق أن عمر من يتصرف هكذا .
ضحكت برقة لتشير بكتفيها بمعنى لا أعلم لتعبس قليلًا قبل أن تسأله : أنا فقط لا أفهم جملته الغريبة لك بأن ترد له الجميل ،
وجم قليلًا ليجيبها بهدوء : لقد قالها إلى أسعد أيضًا .
كتفت ذراعيها قبل أن تدلف إلى السيارة تنظر له بتفحص : نعم ولكني أعلم مجاملته لأسعد .
رفع حاجبيه بتعجب ليسألها بترقب : حقًا ؟! ماذا فعل لأسعد ؟!
تضرجتا وجنتاها بالوردي لتهمهم : شيء لا يخصني فلا أقوى على الحديث فيه .
أجابها بلامبالاة افتعلها : يا سلام ، إذًا لماذا تسألين عن مجاملته لي ؟!
رفعت حاجبها وشفتيها تلتوي بمكر انثوي أثار نظراته لتقبض على ياقة سترته بلطف هامسة بثغر ممطوط بتعمد : لأن أنت وكل ما تفعل يخصني يا دكتور .
لعق شفتيه السفلية بوقاحة تعمدها ليهمس : أموت أنا في الملكية الحصري يا مونتي ، لم تهتز ملامحها ليكمل وهو يحتضن خصرها بكفيه يقربها منه كثيرًا – وخاصةً أن مجاملته لي كانت تخصك .
ابتسمت بتفكير ومض بعينيها المتوله بهما لتسأله بجدية : ليست مرة المجمع التجاري ، ضحك وعيناه تشير بالايجاب ليلمع الإدراك بعينيها – إذًا مرة خطبة عمك ،
همهم بصوت أجش يفضح تأثره الجم بها وهو يضمها بالفعل لصدره : كم مرة أخبرتك اني اعشق ذكاءك .. عقلك .. ومنطقية تفكيرك .
تمتمت بدلال وهي تدفعه بعيدًا : ولا مرة .
عبس بضيق افتعله : لأني غبي ، هلا سمحت لي أن اعتذر لك ؟!!
دفعته بجدية في صدره هامسة بدلال : لا شكرًا لا أريد اعتذارك .
قربها منه ثانية وعيناه تومض بشقاوة مهمهمًا بصوت أبح ضاحك : ولكني أريد .
تعالت ضحكتها لتضع كفها فوق شفتيها تكتم ضحكتها ليجذب كفها للأسفل هامسًا بمرح : لا تكتمين ضحكتك أبدًا يا موني ، وأنت معي أحب أن أشعر بكونك سعيدة .
عضت شفتها بتأنيب شعره موجهًا لنفسها أكثر من حديثها إليه : ولكن ضحكتي عالية ومائعة ولا يصح أن تنطلق هكذا في الاجواء .
اخفض بصره ليهمهم بجدية : لن نتخلص من عقد عادل الذي ستظل وراءنا الى ما شاء الله ، ضحكت مرغمة ليتبع وهو يضغط على يدها بلطف – أنا لا أرى ضحكتك سيئة بل أراها جميلة جدًا وأحب للغاية أن استمع إليها عالية كانت أو خافتة فلا تتحكمين بها أبدًا ،
رفع كفها ليلثم باطنه بشفتيه : أنا أحب انطلاقك ولا أريد أن اقيده أبدًا .
ومضت عيناها بمشاعرها التي تكبتها بداخلها فلا تصرح بها ليبتسم ويخفض بصره عنها قبل أن يبتعد بتروي عنها هاتفًا بتعجب : أين آسيا و رقية ؟!
نظرت من حولها : لا أعلم آسيا كانت آتية خلفي ولكن لا أدري أين ذهبت و رقية كانت تطمئن على خديجة التي قررت الذهاب مع ملك .
أشار إليها برأسه : حسنًا ادلفي إلى السيارة وأنا سأنظر أين ذهبن .
هزت رأسها نافيًا : بل سأتي معك .
تحركت خلفه ليتوقف وهو يعبس بجدية ينظر إلى ابني عمه الواقفان أمام هذا الشاب قريب رقية و كأنهما يتشاجران .
همس بجدية : انتظري هنا يا يمنى من فضلك .
عبست وهي تنظر إلى ما لفت نظره ولكنها لم تطيعه بل اتبعته حينما التقطت وجود ابنة خالتها و رقية و خديجة الواقفات قرب الشباب الواقفون بتحدي سرى فيم بينهم
***
__  هل لازلت تخاصمينني ؟!
توقفت عن الحركة وهي تستدير فوق كعبي حذائها العالي لتنظر إليه ترفع رأسها التي أصبحت مقابلة لكتفه فتبتسم ببرود : من قال أني اخاصمك ؟! هز رأسه بحركة طفيفة لتكمل بلا مبالاة - على حسب علمي أنت من انصرف غاضبًا .
ابتسم مجيبًا : أبدًا أنا لا أقوى على أن أغضب منك يا آسي وأنت تعلمين ، رمقته من بين رموشها ليقترب منها ببطء متبعًا – كيف حالك ؟! اشتقت إليك .
ابتسمت برقة لتهمهم : أنت كيف حالك ، العمل و دراستك وحبيباتك ؟!
ضحك بخفة ليجيب بشقاوة ومضت بعينيه : أنا بخير والدراسة والعمل كل شيء بخير ، ليكمل بتروي – ولكن لا يوجد حبيبات .
ارتفعا حاجبيها لتغمغم دون تصديق : اوه حقًا ، العابث توقف عن العبث .
ابتسم ليخفض عينيه هامسًا : المشكلة الرئيسية يا آسيا أنك لا تقتنعي إلا بم يجول في رأسك أنت .
هزت كتفاها بلا مبالاة لتجيبه بجدية : اعتقد أنك لا يجب أن تهتم باقناعي بهذا الشكل ، فيكفي أنك مقتنعًا بم تردده على نفسك وعقلك وتؤمن بم تفعله يا أدهم سواء يعجبني أو لا .
اطبق فكيه وهو ينظر إليها بضيق فأكملت بثرثرة طبيعية : إذًا بم أنك توقفت عن صداقة الكثيرات ، هل هناك احداهن استولت على عقلك .. او قلبك .. أو الاثنان معًا .
هم بالرد ليعلو صوت ابن عمه الواقف قريبًا من الطاولات بعد ما فرغ معظمها بجواره خديجة التي جذبها مازن خلفه ليقف في وجه ابن عمتها كما يتذكر أدهم الذي انتفض بحمية لابن عمه الذي جذبه الآخر من تلابيبه صارخًا في وجهه : ابتعد عنها ولا شأن لك بها .
دفعه مازن بقوة ليصيح بدوره : من أنت لتجذبها هكذا وتصرخ في وجهها .
تراجع محمود إلى الخلف نتيجة دفعة مازن القوية ليعود وعيناه تومض بجنون ملامحه تتشكل بغضب ينوي الاشتباك مع مازن الذي تأهب بجسده وغضبه يفور بعروقه ليقفز أدهم في المنتصف هاتفًا بجدية  إلى محمود الذي ينفث بغضب وهو يدفع مازن بعيدًا : ما بالك يا هذا ؟! اهدأ قليلًا .
التفت إلى ابن عمه ينظر إليه بتساؤل : ماذا حدث يا مازن ؟!
هدر محمود بغضب : تعالي هنا يا خديجة .
رفعت خديجة رأسها بعنفوان لتهتف به وهي تقف في المنتصف بين آسيا وملك ويمنى الواقفة بتحفز اعتلى ملامحها : أنت لا شأن لك بي يا محمود فلا تملي علي أفعالي .
__  ماذا يحدث هنا ؟! انطلق السؤال من فم عمار متزامنًا مع نفس هتاف رقية الخائف و التي التفتت إلى ابن عمتها تنظر إليه بذهول – ماذا تفعل يا محمود ؟! هل تتشاجر في زفاف مدعون إليه ؟!
هدر محمود بغضب : لم أكن أتشاجر لو لم يتدخل هذا الذي لا أعلم ما شأنه حقًا بابنة عمتي ، والذي انتفض ليتدخل فيما بيننا .
صاح مازن بغضب : كنت تريد أن أتركك تجذبها من ذراعها تجبرها على السير معك رغمًا عنها و أقف صامتًا لا أتدخل .
صاح محمود بجنون : نعم فأنت لا شأن لك .
تحرك عمار ليقف أمام محمود بهدوء كسى ملامحه بعدما دفع مازن قليلًا للخلف فيتحكم في حركته أدهم وعلي الدين والذي أتى برفقته زين ولكنه توقف بعيدًا قليلًا متأهبًا يراقب في صمت وعدم تدخل التزم به في ظل الوضع المحتدم بالفعل ، لينطق عمار أخيرًا : هلا هدأت قليلًا ؟!
حدثه محمود بعجرفة : من أنت لتتحدث معي من الأصل ؟!
ابتسم عمار ببرود ليكفهر وجه رقية التي هتفت بانزعاج : محمود ، من فضلك توقف عن هذا الأسلوب .
هدر زاعقًا في وجهها : لا لن أفعل ، وخاصةً أن شقيقتك المصون تلتجئ للغرب وتجعلهم يتدخلون فيما بيننا .
اتسعت عينا رقية بصدمة سرعان ما تحولت لغضب قبل أن تسأل بصوت هادئ أشعر عمار بالخطر فالتفت ينظر إلى صلابة ملامحها وهي تنطق بوجه ابن خالها : هل تزعق في وجهي يا محمود ؟!
كتم عمار ضحكته وهو يلتفت بسرعة ليراقب ملامح الآخر الذي تراجع على ما يبدو وهو يسيطر على أعصابه بقسوة فيجيبها بجدية : لا أقصد يا رقية .
هدرت بحزم كسى ملامحها : إذًا ماذا قصدت يا ابن خالي ؟! ماذا قصدت وأنت تقف أمام الجميع تزعق لي ولشقيقتي التي تجرأت وجذبتها من مرفقها ؟!
انتفض الغضب بعينيه ليردد باستهجان : تجرأت ؟!
هدرت رقية وصوتها لا يعلو وتيرته بل حافظت على مستواه المنخفض في صلابة اراقت عمار الناظر إلى ما يحدث بتسلية : نعم تجرأت فمن سمح لك أن تجذبها من ذراعها .. لتتحكم بها وتملي عليها افعالها .
نظر إليها بصدمة ليهدر بغضب : كيف هي جرؤت أن تقف مع هذا الغريب لتتحدث معه و تتضاحك و لا تهتم لأي شيء و كأنها وحيدة لا حاكم لها ولا رابط .
صرخت خديجة بغضب عارم : وأنت ما شأنك ؟!
هدر أمامها : اخفضي صوتك من الأفضل لك .
انتفض مازن بغضب ليجذبه أدهم نحوه و ينظر إليه عمار العابس بغضب محذرًا أن يتدخل ليهتف بهدوء وهو يقف أمام محمود بتحدي ناطقًا بالانجليزية وكأنه تعمد اغضابه أكثر : هاي يا صاح ، اهدأ وتحدث بطريقة لائقة من فضلك .
ومضت عينا محمود بالازدراء ليردد متهكمًا : صاح ، أشار إلى عمار بتعالي - أنتم جميعًا تشبهون بعض ولكن نحن مختلفون عنكم .
هدرت رقية بعنفوان : ماذا تقول يا محمود ؟! ما هذا الذي تتفوه به ؟! كيف تتحدث هكذا من الأساس ؟!
ليصيح في وجهها بغضب انفلت من عقاله : لم اسمع اعتراضك يا رقية على ما تفعله ديجا هانم .
القاها باستهجان فزمجر مازن بغضب ليتمسك به علي الدين مهمهمًا : اهدأ يا مازن من فضلك فتدخلك الآن سيزيد الأمر سوءًا .
أجابت رقية بصرامة : لأنها لم تفعل شيئًا خاطئًا يا محمود ، خديجة لم تتصرف بأي طريقة خاطئة و إلا لكان بابا اعترض ، فأنت تعلم خالك جيدًا أنه لا يقبل بتجاوز الحدود ، اتبعت بهدوء وهي تراقب وجهه المنتفخ بغضب – الحدود التي دهستها أنت بغضبك وتدخلك فيم لا يعنيك ، ومنحت نفسك حق ليس لك وخاصةً وأن أبي موجود بل وأبيك أيضًا ولكنهما لم يعترضا ولكنك لم تهتم بل نصبت نفسك قاضيًا و تجرأت لتحاسب شقيقتي في وجود أبيها .
اطبق فكيه بغضب ليهتف باستنكار : إذًا أنت الأخرى ترين أن لا شأن لي بم تفعله شقيقتك .
ران الصمت للحظات معدودة لتجيب رقية بصرامة غير مهتمة بغضبه الفائر : نعم أنت لا شأن لك يا محمود بك ، شقيقتي لها أب مسئول عنها وعن أفعالها يحاسبها أو لا يرى ما تفعله خاطئًا أو لا هذا شأنه الخاص ، أعلم أنك ابن عمتي و ابن خالي الكبير ولكن في وجود بابا أنت لست بذي صفة . اتسعت عيناه بصدمة لتكمل وهي تضع عيناها في عينيه بتحدي – ومن بعد بابا وجود محمد يَجُبّ وجودك ، فأبي وشقيقي حفظهما الله لنا موجودان وأنت لست كبير العائلة لتتدخل في شئوننا ، فخالي الكبير موجود بارك الله فيه ، لذا لا تعطي لنفسك أحقية لن تكن لك أبدًا يا سيادة القبطان .
انغلقت ملامحه لتومض عيناه العسلية ببريق غاضب ليخفض جفنيه قبل أن يرفع رأسه بشموخ ينظر إليها بحنق تملكه قبل أن يحدثها ساخرًا : معك حق يا رقية هانم ، يا زوجة الخواجة ،
اكفهر وجه رقية غضبًا فاكمل هو دون اهتمام – كانت غلطة عارمة أنهم وافقوا على تلك الزيجة التي ارغمتنا على القرب من هؤلاء الذين لا ننتمي إليهم ، فاصبحنا جميعنا خواجات ، وعليه لابد أن اتقبل ما يحدث و احنى رقبتي بتفهم وإلا أكن رجعي .. متخلف .. وفلاح .
رمقها ساخرًا ليكمل : أليس كذلك ؟! أم سنستعر من اصولنا فيما بعد ونتباهى بعرق الخواجة الذي سيفسد اصولنا .
اطبقت فكيها بغضب ومض بعينيها لترمقه مطولًا قبل أن تنطق بصرامة : لا تتحدث معي ثانيةً يا محمود بأي شيء لا يخصك ، ومنذ الآن لا تقترب من أي منا إلا بعدما تتحدث مع خالك الذي لن يرضى عن أي شيء مما فعلته اليوم وما تفوهت به الآن .
ابتسم ساخرًا : تهدديني يا رقية ؟!
أجابت دون تأخير : نعم أفعل و سأخبر بابا وخالي أيضًا ، و لتواجه نتيجة أفعالك يا ذو الأصول النقية كما يخيل لك ولكني أراها في قمة الافساد .
انتفض بغضب اهوج ليقف عمار في المنتصف حينما شعر بجسد الآخر يتصلب بعنف ليهتف في وجه بصوت حاد تعمدته : هاي أنت يا من تتعالى على الجميع ، التفت إليه محمود بغضب فأكمل عمار بجدية – رغم أني لا أقرب للعروس بشكل مباشر ولا للعريس أيضًا ولكن عائلتنا مرتبطة بشكل أنت لن تفهمه أبدًا .
سحب عمار نفسًا عميقًا ليتبع بصرامة شكلت ملامحه : وعليه أنا ابلغ سيادتك أن وجودك أصبح غير مرحب به .
وجمت ملامحه وكأنه تلقى صفعة حادة على وجهه ليبتسم من بين ضروسه المطبقة على بعضها ليومأ برأسه متفهمًا يستدير على عقبيه عائدًا لسيارته التي تركها دائرة في وقت مضى حينما عصف الغضب بعقله وهو يراها تتضاحك مع هذا المازن بعدما غادر خاله وعمته و والديه وصحبوا أمينة التي اعترضت على الخروج برفقة بنتي عمتها اللتان حصلا على موافقة خاله – كالمعتاد على أن يرافقن شقيق العريس و اصدقائهم الذي لا يدركهم فيخرجون كمجموعة كبيرة ، فانضمت الفتاتان لآخرين لا يعرفهم ليعود بهم ذاك الخواجة زوج رقية الذي سينضم إليهم بعدما يوصل أخيه العريس الذي غادر فجأة دون سبب محدد .
أطبق فكيه وهو يلكم مقود سيارته بغضب وعيناه تتقد بشرار امتزج بضوي انتقام لمع بعينيه ليشتدا فكيه ببسمة تقدح بشياطينه التي انفلتت من سلاسلها ليتمتم بوعيد : حسنا سنرى يا خديجة، سنرى هل سيصبح أمرك هو شأني الكامل أم لا ؟!
***
تنفس عمار بضيق ليلتفت إلى رقية هاتفًا بلباقة : أنا اعتذر يا رقية ولكنه ..
تمتمت رقية بحرج وملامحها تشي بمدى ضيقها : بل أنا من عليه أن يعتذر عن جنون محمود وقلة ذوقه معكم .
ابتسم عمار بود : أبدًا لا تقولين مثل هذا ، أنت تعلمين غلاتك عندي ثم إن عبد الرحمن تركك في عهدتي ، هيا بنا كما كان مخططًا .
التفتت تنظر إلى شقيقتها الواقفة بحضن آسيا التي تضمها بحنو لتتمتم يمنى أخيرًا بثبات : هيا يا فتيات فالسيارة تسع لنا كلنا .
هتفت رقية بجدية : هيا يا خديجة ، من فضلك يا عمار اوصلنا إلى البيت فأنا لا احبذ أن نستكمل ما كنا نخطط له .
هتفت خديجة بحدة : بل سنفعل ولن نمتثل لهذا الغبي بعقله المتحجر .
هدرت رقية بغضب : خديجة تحدثي عن ابن عمتك باعتدال من فضلك .
كحت يمنى بخفة وهي تربت على كتف رقية : فقط أهدأي يا روكا ، خديجة معها حق ، إذا عدتما الآن ما فائدة كل ما حدث ، ثم أنسيت عبدالرحمن لقد قال أنه سينتظرنا مع أسعد بعدما يوصلا عمر والعائلة .
رفت رقية بعينيها لتزم شفتيها قبل أن تزفر بقوة : حسنًا سنذهب ولكن عليك يا خديجة أن تأتي معي من فضلك .
اتبعت وهي تسأل عمار بجدية : هل السيارة تتسع لنا ؟!
أومأ عمار برأسه لتجيبها يمنى : ومن الممكن أن نطرد عمار أيضًا ونذهب جمعينا في سيارته الكبيرة ولينحشر هو بين ابناء عمومته ، أكملت بمشاكسة – اعتقد سيرحبون بك .
تعالت الضحكات ليوميء برأسه موافقًا : أمرك يا موني ، السيارة وصاحبها تحت أمرك .
همهم ادهم بخفوت لعلي الواقف بجواره : انظر إلى الدون جوان وتعلم يا لولو .
كتم علي ضحكته ليهمس : بل أنا انظر ليمنى التي أراها تتورد لأول مرة في حياتي رغم صلابة ملامحها .
تعالت الضحكات من حولهما لتهتف آسيا وهي تجذب ملك وخديجة معها : عاش يا موني ، أكملت وهي تشير لعمار - سنستولى على سيارتك يا ميرو .
ابتسم عمار ليشير بذراعيه مرحبًا : على الرحب والسعة يا آسيا ، هيا لنتحرك حتى نلحق بالشباب يكفي أن الزفة فاتتنا .
تحرك لينظر إلى مازن الذي وقف يراقب ابتعاد خديجة بين الفتيات ليدفعه بلطف يشير إليه بعينيه رافضًا قبل أن يهمهم إليه بجدية : هيا يا فتى لدينا حديث طويل في الطريق.
هتف علي الدين : حسنًا سأذهب أنا و زين ، فنبيل والفتيات انصرفن بالفعل .
هتف أدهم بجدية : نحن سنأتي بسيارتي التي سينيرها الدون جوان وابن عمي الحبيب
ألقاها وهو يلف ذراعه حول عنق مازن بمشاغبة فيبتسم عمار ويهتف : سأطمئن عليهن و أت .
تمتم متبعًا لأدهم – قرب السيارة هنا يا دومي .
جذب أدهم مازن معه : سأفعل لا تقلق .
اتجه عمار للفتيات اللائي استقرن داخل السيارة الثلاث صغيرات بالخلف ويمنى استقرت أمام المقود و بجوارها رقية ليحني عنقه وهو يسند ذراعيه على نافذة يمنى المفتوحة هاتفًا بتساؤل ضاحك : مستقرات والحمد لله ، تعالت الإجابات من الجميع لينظر إليها هامسًا وعيناه تحتضانها – وأنت ؟!
تمتمت : أنا بخير .
أومأ برأسه ليهمس : حسنًا لا تسرعي ، نحن خلفك الوقت ليس متأخر أنا أعلم ولكن أنتن بمفردكن وأنا خائف عليكن .
سألته بمشاغبة : لست خائفًا على السيارة .
هز رأسه نافيًا : إطلاقًا ، أنت أغلى من أغلى سيارة يا حبيبتي .
كحت بحرج لتهتف آسيا من الخلف : نحن هنا يا حضرة .
ضحك بخفة ليبتعد مرغمًا وهو يهتف : حسنًا يا موني ، هيا تحركي أمامنا فأدهم وصل بسيارته أيضًا .
أومأت براسها و ادارت السيارة بسلاسة ليتحرك هو ويركب بجوار أدهم في المقعد الأمامي ليهتف إليه : سيارة جديدة يا أدهم .
هتف أدهم بتباهي : إنها من مالي الخاص .
هتف مازن بضحكة مكتومة : لقد انفق أرباحه الذي جناها من المؤسسة الأشهر الماضية على السيارة يا عمار .
نظر عمار للسيارة من حوله : أنت إذًا تعمل بكد يا ولد .
أجاب أدهم وهو ينطلق بسيارته متبعًا سيارة عمار التي تقودها يمنى : اينعم ، ولا تتخيل سعادتي وأنا ابتاع السيارة من مالي الخاص إنها سعادة عارمة .
ابتسم عمار بدعم : أعلم أنه أمر رائع ، من الواضح أن عاصم وجد معاونًا جيدًا يا ولد .
ابتسم أدهم بغرور ولكنه آثر الصمت ليلتفت عمار إلى مازن المستلقي في الخلف يحاول أن لا يظهر ضيقه ليهتف به : أما أنت من الواضح أن علينا الحديث سويًا ولكن ليس الآن ، فأنا سأتركك إلى أن تأتي بنفسك يا مازن .
تمتم مازن وهو يبتسم : أنا بخير .
أجاب عمار وهو يلتفت إلى  الأمام من جديد : أنا أرى هذا .
أشاح مازن برأسه لينظر من النافذة مطبقًا فكيه بضيق تملك منه وهو يشعر بأن محمود هذا تهديدًا حقيقيًا لوجوده بقرب من تملك قلبه وتتملكه .
***
استلقى بقوة على الفراش يجاورها ليجذبها إلى صدره بقوة يمنعها من مغادرة الفراش كعادته بل يظل محتفظًا بها حتى إذا أراد معاودة الكرة معها ، فيفعل دون أن يهتم بما تريده هي ، يعاملها كدمية جميلة يمتلكها ، لا تنكر أنه توقف عن خشونته معها .. إجباره لها .. وتجبره عليها ، بل إنه بات الآن اكثر لطفًا .. ودًا .. وتفهمًا ، يرضيها كما يرضي أي ذكر أنثاه ولكنه لا يقوى على ارضاء قلبها الذي تيبس بقربه .. روحها التي جفت في قحله .. ونفسها التي ذبلت معه ، فرغم أنه يحاول إرضاءها .. تدليلها .. والاعتناء بها ، إلا أن تظل ذكرى إجباره لها حيه في مخيلتها فتمنعها عن التعاطي معه ولكنها أيضًا لا تقوى على رفضه فحينما حاولت أن تفعل انقلب إلى وحشها الكاسر الذي هشمها من قبل فرضت وأذعنت .. خافت وقبلت .. رضيت وكُسِرت نفسها فغدت دمية كما أرداها دومًا.
انتبهت على صوته الأجش يسأل بترقب : شردت عني ؟!
تمتمت وهي تنتبه لأنامله التي تداعب خصلاتها : بل أنا معك .
تمتم بجدية وهو ينظر لعمق عينيها بسوداويتيه المعتمتين دومًا : لا أشعر بك .
ابتسمت بتوتر لتهمهم : اعتقد أني غفوت لا أعلم .
ابتسامة متشككة لمعت على ثغره لتهمس برقة وهي تعتدل بنومتها فلم يسمح لها بل جذبها ثانيةً لتتوسد صدره : غدًا موعد الملتقى اتمنى أن لا تكون نسيت ، عبس ناظرًا إليها بتفكير فأكملت بخفوت - ملتقى المعمارين أنت وعدتني بأن تتركني اذهب يا زيد.
زم شفتيه بقوة ليهمس بصوت مختنق : نعم أعلم ولكن للأسف لدي موعدًا بالغد لم أقوى على تأجيله لذا لا أعلم إذ كان بمقدورك الذهاب بمفردك ، شحب وجهها ليغمغم بضيق - من رأيي ألا تفعلي فأنت غريبة على البلد وأخاف أن تضلي طريقك أو يزعجك أحدهم .
تمتمت باختناق هامس : ولكنك وعدتني يا زيد .
زفر بملل : أعلم ولكن لا حل لدي .
تمتمت سريعًا : أرسلني مع السائق .
عبس بضيق ليغمغم باعتراض : بمفردك لا طبعًا.
أجابته : لماذا ؟!
أجاب بهدوء : أخاف عليك .
تشنج جسدها لتتملص هذه المرة وتنهض بجذعها تشرف عليه : أرسل معي أحد رجالك الموثوق بهم ولكن لا تحرمني من الحضور يا زيد .
تأفف بضجر ليغمغم : لا أثق بأحدهم إلى جوارك يا أسيل ، أنا أخاف عليك من الجميع ، تطلعت إليه بقهر لتنتفض واقفة بتلقائية تغادر الفراش وهي ترتدي مئزرها الثقيل فيتابع بضيق - لا تغادري الفراش يا أسيل تعلمين جيدًا أني أضيق من ذلك التصرف وخاصةً أني لم اخلد للنوم بعد
تمتمت بصوت مختنق بكاء : لا أريد يا زيد
عبس بغضب لينتفض بجذعه سائلًا بفحيح : ماذا تقصدين أنك لا تريدين ؟!
استدارت إليه لتهتف ببكاء انهمر من بين دموعها : أنا غاضبة منك .. غاضبة للغاية ،
انتفض واقفًا ليقترب منها هادرًا : اخفضي صوتك .
أشاحت بذراعها في موجة غضب ألمت بها : لماذا اخفض صوتي حتى لا يستمع إلي رجالك المرابضين في الخارج ، أنت تهتم بكل شيء سواي يا زيد ، فأنا لا شأن لي عندك .
اهتزت عيناه بجنون ليهدر برفض : بالطبع لا ، بل أنت أهم شيء عندي وأنا اهتم بك وللمرة التي لا اعلمها أخبرك أنك أهم شيء بحياتي فأنا دونك أموت يا أسيل .
تمتمت باختناق وهي تنظر إليه من خلف سحابة دموعها الكثيفة : وأنا أموت يوميًا بجانبك يا زيد ولكنك لا تهتم .
نفخ بقوة ليهدر بضيق : كل هذا لأجل الملتقى !!
هدرت بنشيج بكاء : بل لأجل أنك وعدتني وهاك تبدل حديثك ولا تهتم بأني سأغضب .
مط شفتيه ليهتف بنزق : لا أفهم ما سبب تمسكك بالحضور ، أشاحت برأسها دون رد فأكمل - حسنًا لا تغضبي أنا يهمني أنك تكوني راضية يا لولي .
نظرت إليه بتساؤل فابتسم بضيق وهمس بعدم رضا حقيقي : سأرسل معك أحدهم ولكن عليك أن تعديني ألا تحتكي بأحد ولا تتحدثي مع أحد .
أومأت برأسها موافقة ليكمل برجاء : هيا ابتسمي حتى أوقن أنك لست غاضبة .
تمتمت بخفوت وهي تتشنج فلا تقوى على الابتسام : لست غاضبة .
جذبها إليه هامسًا بهوس : ابتسمي برضا يا أسيل واهمسي لي أنك سعيدة معي وتحبييني ، ابتسمت بتوتر فاتبع أمراً وهو يحملها من خصرها ويلصقها به - هيا يا أسيل ، تحدثي و أرضيني بحديثك وأنت معي .
وضعها ثانيةً بالفراش وجردها من مئزرها وهو يشم كل خلية في جسدها بقبلاته .. لمساته .. و أنفاسه المهتاجة تحرق جلدها كلما همم بهوس سيطر عليه : هيا يا لولي فقط اهمسي بم أريد .
لينتفض جسدها تحت وطأة هجومه الحثيث فتهمس بصوت مختنق لا يخرج من عمق روحها : أنا أحبك يا زيد .. و راضية .. و سعيدة معك.
***
توقف بسيارته في الباحة الخلفية لقصر عائلتهم بعدما دلف من البوابة الأخرى وسط دهشة فرقة الحرس التي لم تعتاد على دخوله من البوابة الخلفية ولكنهم لم يقوا على الاعتراض فتركوه يمر دون سؤال ليقترب من الملحق الخاص ، يصف سيارته بجواره بشكل لا يظهر للعين الناظرة بعدما قضى الطريق إلى جوارها في صمت يحفهما منذ أن وافقته على العودة معه .
ترجل من السيارة وهو يهمهم إليها أن تتبعه فتستجيب بهدوء لتدرك بسلاسة أنه سيدلف إلى الملحق . تنفست بعمق وهي تقف تنظر إلى الملحق مليًا قبل أن تزفر أنفاسها وهي تخطو خلفه بالفعل وتغلق الباب أيضًا من خلفها ، ثم تستدير إليه تواجهه بثبات وتحدي ومض بزيتونتيها فأثر على تفكيره المدجج بغضبه الذي لم يهدأ بعد .
زم شفتيه ليقف بعيدًا عنها متمسكًا بمسافة طويلة فاصلة ليسألها بجدية : حسنًا يا نوران هانم ، هيا أخبريني عما رجوتني الصبح حتى اسمعه .
ابتسامة ساخرة رسمت ثغرها لتجيبه بجدية وهي تزيح الشال الفرو من فوق كتفيها تلقيه باهمال على الأريكة القريبة لتهمس ببرود : ولكنك رفضت – صباحًا - يا عاصم بك ، لماذا تريد الاستماع الآن ؟!
أطبق فكيه ليجيب بخشونة : حتى لا أصدر حكمًا خاطئًا بشأنك .
ضحكة قصيرة متهكمة صدرت منها لتجيبه بلا مبالاة : لطالما أصدرت الأحكام الخاطئة بشأني ، ما الجديد ؟! انتفض عصب صدغه فأكملت ساخرة - لطالما حكمت علي وعاقبتني دون أن تدرك أو تفهم فما الجديد ؟! لطالما نصبت نفسك قاضيًا والجميع دونك مذنبين فما الجديد ؟!
رفعت رأسها بشموخ وتحديها يعتلي هامتها : والآن تريد ألا تصدر حكمًا خاطئًا بشأني ، فلتفعل ما تريد يا عاصم فأنا لن أتحدث عن أي شيء إلا حينما تخبرني ما الجديد الذي دفعك للاستماع لي ؟!
تحرك نحوها خطوتين ليهدر بألم ومض بعينيه : في السابق كنت ابنة عمي الحبيب .. مدللة العائلة .. الصغيرة نوران ، حتى إن حاكمت أو عاقبت فأمرك في الأخير لا يخصني أما الآن كل أمرك وشأنك وأنت بنفسك تخصينني ، التمعت عيناه بغضب – أما الآن أنت زوجتي وحقي عليك أن أسأل فتجاوبين .. استفسر فتشرحين .. وحينما اغضب منك لا تتحدين .
مطت شفتيها باستنكار كسى ملامحها لتهمس ساخرة : حقًا يا عاصم ، هل أنت بهذه العقلية المتحجرة ؟!
هدر بثورة وعيناه تومض بغيرة جنونية : بل متحجر أكثر مما تتخيلين حينما يصل الأمر لما يخصني .. لامرأتي .. لزوجتي .
وجمت ملامحها لتهمس بهدوء وصوت مختنق : ما الذي تسأل عنه يا عاصم ؟!
نفسًا عميقًا زفره ببطء ليسيطر على أعصابه يتحكم بها في صلابة تمسك بها قبل أن يسأل بصوت خشن وشى بمدى ألمه : لماذا عصيت أمري وتعمدت ألا تطيعني ؟!
أخفضت نظراتها بندم صادق قبل أن تمط شفتيها لتجيبه بمراوغة تعمدتها : سأجيبك ولكني سأسألك اولًا يا عاصم ، أعلم أنك رجل أعمال محنك .. ذكي وبارع ومعماري له مدرسته الخاصة ، ولكن بعض الأحيان حينما تغضب لا يزن عقلك الأمور بشكل جيد ، لذا سأسألك ألم تفكر لماذا يتصادف وجودك الآونة الأخيرة في نفس توقيت وجودي مع اسام..
هدر مقاطعها : لا تنطقي اسمه .
صمتت لتومأ برأسها : حسنًا ولكن سؤالي كما هو ألم تفكر قليلًا هذه المرة وعقلك يدرك أن حدوث الأمر مرة واحدة يكون مصادفة و لو تكرر يكون هناك مؤامرة ، ومضت عيناه بتفكير لتكمل بمنطقية - حسنًا دعنا من أمر المؤامرة ولنترك أمر المصادفة ايضا ، لأني سأسألك عن أمر آخر يخص كيفية اتمام الصفقات ونظام المؤسسة في التعامل مع الجديد منها ، ما تعلمته الأشهر الماضية أن الصفقات توزع على مديرين التسويق وما ندرسه جيدًا ونجده مقبولًا يتم عرضه على رئيس مجلس الإدارة والذي بالمناسبة يكون أنت ثم إذا أقررته سيادتك يتم طرحه للتصويت في اجتماع مجلس الإدارة .
زفرت نفسًا عميقًا كان يعيق مجرى تنفسها لتكمل بهدوء : ألم تنتبه أن ملف الصفقة التي أتى بها من لا اسم له تخطى كل مدراء التسويق إليك مباشرة وكأنه زج  بتعمد في أوراقك لعمل حالة من العشوائية والفجوة والتضارب بيني وبينك وخاصةً أن المشروع كان معي من البداية وتخوفت من نوايا الصفقة وتحدثت مع أدهم في الأمر لأنك في ذاك الوقت كنت منشغلًا بحادث أسعد .
بهتت ملامحه وعيناه تنبض بتفكير سريع لتتابع : هل هذه مصادفة أيضًا ؟! أم نحن لدينا مؤامرة المقصود منها أنت وليس أنا ؟! فمن يريد الانتقام لن يفعل كل هذا حتى يستهدفني ، ولكنه يفعل كل ذلك وأكثر ليستهدف الكبير  يا كبير آل الجمال القادم .
اهتزت وقفته وعيناه تلمع بادراك لتبتسم هازئة وهي تكمل : وهنا تأتي إجابة سؤالك والإجابة هي أني لم أعصيك يا عاصم و لم أتعمد عدم الطاعة ، ولكن كل ما فكرت به أني أريد حمايتك ، والمحافظة عليك وعلى ما كان بيننا ، فقط لم أفكر أبدًا أن من الممكن يتم الإيقاع بي بهذه الطريقة.
ردد بعدم فهم : حمايتي ؟!
أومأت برأسها إيجابًا لتهمهم : نعم ، حمايتك من التعرض لأي شيء وأن اجنبك فتح جرح قديم أعلم أنك عانيت منه . تغضنت ملامحه بألم فاكملت باعتذار غير صريح - اعترف أن طريقتي كانت خاطئة ولكن هذا ما أردته فأنا شعرت بالخوف عليك بالفعل يا عاصم ولكن ..
قاطعها وهو يقترب منها ببطء : لماذا لم تخبريني ؟!
رمقته بطرف عينها لتهمس بصوت مختنق : وهل كنت ستستمع ؟! لقد سافرت وأنت غاضب لأني أخفيت عنك أمر المقابلة الأولية فما بالك أن أخبرك باني سأدعوه لمكتبي ؟! صمتت وعيناها تدمع لتتبع - كنت أظنك تثق بي ولكنك ..
شعر بألم حاد يشق جانب صدره ليسألها بصوت مختنق : ماذا كنت تريدين منه ؟!
تنهدت بقوة لتهتف بانهيار وشيك : كنت أريد أن امنعه عنك .. كنت أريد أن استدرجه ليخبرني عمن يعاونه أو يؤكد لي حدسي .. كنت سأفعل أي شيء حتى لا يؤذيك يا عاصم ، حتى إن وصل الأمر لتهديده كنت سأفعلها وكنت سأخبر أبي أيضًا ولكن وجودك في هذا التوقيت ..
صمتت لوهلة قبل ان تغمغم باختناق وهي تهز رأسها بيأس : كل هذا – الآن - لا يهم ، هاك أنا أخبرتك وعليك أن تبحث عن الخائن في مؤسستك .
همس باسمها في صوت خافت فنظرت إليه ليتبادلا النظرات قليلًا فيهم بالاقتراب لتشير إليه بكفها رافضة : أرجوك يا عاصم لا تقترب ، فأنا لا أتقبل أي شيء منك الآن .
همس بصدق : أنا ا..
فصاحت تقاطعه بثورة ألمت بها : لا يا عاصم لا ، الأمر لن ينتهي هكذا ، فهو أكبر كثيرًا من اعتذار أو أسف أو حتى ندم يُرسم بعينيك ، وحقًا أنا لا أريد كل هذا ، فأنا لست غاضبة لتعتذر .. ولست حانقة لتتأسف .. ولا اعاتبك فتندم ، أنا مجروحة يا عاصم .. قلبي ينزف بألم كبير و وجع حاد واعتذارك .. اسفك وحتى ندمك لن يفيد ،
بللت شفتيها لتتابع باختناق وكتفيها يتهدلان بانهزام : وأعلم أنك الآخر موجوع .. مقهور .. مهزوم ، فملاقاتك لصفحة ظننا سويًا أنها طويت أكبر من حكمتك وأقوى من رزانتك ، فأنا مدركة لكل ما يجيش بصدرك ويعلم الله كم أريد أن أخفف عنك وجعك .. انتزع ألمك .. وأطيب جرحك ولكن الآن وبعدما فعلته معي .. بعد تشكيك في .. وجرحك لي لا أستطيع لذا نحن الاثنان يلزمنا وقت يطيب جراحنا ويمنحنا هدنة من صراعاتنا .
ران الصمت عليهما قليلًا قبل أن تهفت بجدية وشموخها يزين هامتها : لذا امنحنا الوقت الذي نحتاج يا عاصم ، فنحن الاثنان في أشد حاجتنا للنسيان .
رمقها مطولًا عيناه تشي بعذابه .. ملامحه ترسم ندمه .. وشفتيه ترتعشان بأسف يكتمه بداخله ليمأ في الأخير بتفهم هامسًا : حسنًا ، لك كل الوقت يا نوران ، تحرك بالفعل فأفسحت له المكان ليقترب من باب الملحق ينوي الرحيل ولكنه توقف ونظر إليها فتحاشت النظر إليه متجاهلة نظراته المعتذرة وأنفاسه النادمة ليهمس بصوت أجش بعدما أخفض بصره - أراك على خير .
تمتمت وهي ترفع رأسها أخيرًا تنظر إليه بحزن : تعد سالمًا .
قبضته المتمسكة بمقبض الباب تطبق عليه بقوة تشي بصراعه العنيف الذي يموج بداخله ، ليفلتها أخيرًا وهو يقطع المسافة بينهما في خطوتين واسعتين قبل أن يجذبها إلى حضنه في حركة خاطفة شهقت على اثرها لتفاجئ بحضنه الاعصاري الذي غلفها فلم تقوى على رده عنها لتتراجع شدته رويدًا أمام حنانه الذي تدفق غامرًا كلاهما فتسقط دموعها أخيرا تنهمر فوق صدره فيضمها أكثر إليه في صمت لفهما سويًا إلى أن هدأت فقبل جبينها باعتذار غير منطوق هامسًا : إلى اللقاء يا نوران .
ابتسمت من بين دموعها لتمأ بعينيها : إلى اللقاء يا عاصم .
***
يرمقها بتعجب وهي تدور من حول نفسها منذ أن عادا من الخارج بعد قضائهما السهرة التي كانت ممتعة للغاية فتناثرت بها الضحكات وتبادل الأحاديث والمشاكسات بين الجميع ، رغم وجود مازن غير المألوف و أدب أدهم غير المعتاد إلا أنه سعد كثيرًا وهو يراقب التناغم بين يمنى وعمار فيشعر بالراحة أخيرًا وهو يرى أن شقيقته وصلت لبرها الآمن مع من اختاره قلبها ، انتبه على حركتها من جديد وهي تعود إلى غرفة الملابس ثم إلى دورة المياة ثم تخرج الى طاولة الزينة تبحث عن شيء لا يدرك ماهيته ، قبل أن تتجه لغرفة الملابس من جديد وهو يشعر بجسدها ذو الظهر المحني قليلًا يهتز اهتزاز طفيف تقاومه هي بصلابة .
تنفس بعمق وهو ينتظرها بصبر أن تأتي ليخلدا إلى النوم سويًا فهي اليوم قررت إلغاء استحمامها المسائي وهي تبرر بحرج أنها  تشعر ببعض من البرد فغمزها حينها بشقاوة وهمس إليها أنه ينتظرها بفراشهما ليدفئها فلا تخشى البرد وهو إلى جوارها .
أطالت  داخل غرفة الملابس هذه المرة لينهض مستسلمًا إلى فضوله الذي حثه أن يرى ما بها فيعبس بعدم فهم وهو يقف أمامها ينظر اليها تبتلع قرصي دواء دون ماء و تبكي دون صوت .
هتف باهتمام وهو يقترب منها بسرعة : ما بالك يا جنى ؟! ما الذي يبكيك ؟! وما الذي تناولته هذا؟! هل أنت متعبة ؟!!
ارتعد جسدها لتمسح وجهها بكفيها تهمس بحرج وهي تخفي عيناها عنه : أنا بخير لا تقلق اعتقد أني ساصاب بالبرد فرأسي تؤلمني لذا أخذت دواء مسكن للألم حتى أقوى على النوم .
رمقها بتفكير ليمأ برأسه متفهمًا قبل أن يبتسم بتفكه هامسا وهو يدير عينيه على منامتها الصوفية المحتشمة : والمنامة السوداء هذه بمناسبة أنك تشعرين أن لا قدر الله ستصابين بالبرد .
تمتمت بخفر : ألا يعجبك لونها ؟!
هز رأسه قليلًا ليهمس : لا ليس الأمر كذلك ولكن أشعر بانك تشككين في قدراتي على تدفئتك
ابتسمت برقة واخفضت عيناها : لا أبدًا والله ولكن فقط أردت أن اتدفئ جيدًا  .
تمتم بجدية : حسنًا على راحتك ، تحرك مبتعدًا ليهمس لها حينما لم تتبعه - ألن تأتي ؟!
رمشت بعينيها كثيرًا لتهمس : سأفعل ولكن سأعد مشروبًا دافئًا احتسيه قبل النوم .
رمقها بطرف عينه ليجيبها بجدية : حسنا سأرتدي أنا الآخر منامتي و آت لنسهر سويًا فأنت من الواضح لا ترغبين في النوم الآن .
توترت ليهمس لها وهو يداعب شاشة صوان ملابسه ليبحث عن احدى منامته : اذهبي إلى المطبخ أم ستنتظرينني ؟!
تحركت بسرعة قليلة وهي تهمس : بلى سأذهب .
تحركت للخارج ليخرج هو منامته فيرتديها على عجالى قبل أن يتوقف مفكرًا قليلًا فيخطو إلى دورة المياة ينظر إلى محتوياتها عن كثب ليضحك بخفة وهو ينظر إلى عبوة الانابيب البلاستكية الذي يدركها جيدًا الموضوعة بطريقة مخفاة خلف بعض الاشياء التي تخصها في الصوان الصغير المعلق بجوار حوض الاستحمام ، تنفس بعمق وضحكته تنحسر ليزم شفتيه بضيق تملكه فيهمهم بعتاب ضوى بعينيه : آه منك يا جنى .
تحرك ليتبعها إلى المطبخ فيقف يسند كتفه إلى إطار الباب ويرمقها كعادته فتبتسم له هامسة عندما أدركت وجوده : هل أعد لك القهوة .
مط شفتيه ليهتف بجدية : ما رأيك لنتعشى فأنا ارغب في تناول الطعام ؟!
رفعت حاجبيها بدهشة : الآن ؟!
هز كتفيه ليهمس مراوغًا وهو يتجه نحو المبرد الكبير : من الممكن أن أمارس بعض من التمارين قبل النوم ، اتبع بتفكه - فمن الواضح أن اليوم لا يوجد دلال ولا احتواء .
احنت رأسها بحرج لتغمغم مجيبه وهو يخرج بعض الاشياء من المبرد : حسنًا سأعد لك الطعام فقط أخبرني ما الذي تشتهيه نفسك ؟!
اقتربت منه ليجذبها إليه يلصقها بصدره و ذراعيه تلتفان حول خصرها قبل أن يبدأ بملامسة أسفل بطنها بحركات لطيفة ويمسدها بترتيب حاني راق لها : ما الذي اشتهيه بين ذراعي ولكنه لازال يضع كثير من المعوقات أمامي فلا أقوى على تناوله .
توتر جسدها لتهمس بخفوت : ماذا تقصد ؟!
تنفس بعمق ليديرها ينظر إليها بعتاب : ألم نتفق ألا تخفي عني شيئًا ؟! لماذا تخبئين عني حالك الآن ؟!
رفت بعينيها لتهمس : أنا فقط خجلت أن أخبرك يا أسعد ، اتبعت بصوت مختنق - بالله عليك كيف سأفعل ؟!
تنهد ليحتضن وجهها بين كفيه يجبرها أن ترفع عيناها له : إذ لم تستطيعي التصريح ألمحي لي يا جنى ولكن الصمت والابتعاد لا يجدي نفعًا وأنت تعلمين هذا جيدًا .
احنت رأسها لتتمتم بطفولية : آسفة .
ابتسامة ماكرة شقت حلقه ليحنى رأسه يقبلها برقة : أحب ذاك التعبير الذي لم يتغير على مدار سنواتنا معًا ، حركة رأسك الملتوية وشفتيك المبرومتين بطفولية وصوتك الرقيق بكلمة الأسف التي تجعلني اصفح دون تفكير أو غضب ، ابتسمت برقة فسألها بجدية - هل تتذكرين تلك المرة التي تشاجرت مع عمار لأنك اعتذرت له وهو تمادى في غضبه ؟!
ضحكت بخفة لتمأ برأسها إيجابًا : نعم اذكر أنك غضبت منه وعاتبته وابتعدت عنه يومان فأتى لمصالحتي حتى تصالحه أنت ، هزت رأسها بتفكير - رغم أني لا أذكر ما الذي أغضبه مني حينها ولكني أتذكر ردة فعلك جيدًا ؟!
ابتسم بحنان ليدفعها للخارج فيجلس فوق الأريكة الكبيرة المريحة والتي تخص صالة بيتهما ويجذبها ليجلسها بحضنه : كسرت قيثارته دون قصد .
شهقت بخفة : نعم تذكرت ، لم انتبه لوجودها و رميت بجسدي جالسة فوقها فانكسرت .
عدل من وضعها فوق ساقيه ليضمها إلى صدره هاتفًا : حينها هاج وماج كثور أحمق فاعتذرت له ولكنه لم يستمع ، رفت بعينيها وعقلها يعيد الذكرى فيكمل بضيق - أذكر أنه ضايقك كثيرًا يومها وأنت حاولت احتواء غضبه مكررة اعتذارك إلى أن ثورت أنا في وجهه
ابتسمت وهمست بخفوت : ولكزته في كتفه بقوة وسببت له كدمة ظل وقتًا يعالجها .
همس بحنق : كنت مغتاظ منه فهو لم يرى كيف كنت صادقة في اعتذارك ، وكنت مدهوشًا أنه لم يلين حينما همست معتذرة بطريقتك العادية التي تلين الحديد .
اخفضت رأسها بخجل لتهمس بخفوت : كنت تحبني حينها ؟!
همس لها مجيبًا : لا أقوى على الجزم بذلك ولكني كنت منجذبًا بقوة إليك .. الى رعايتك .. حمايتك .. احتوائك ودعمك ، تنفس بعمق ليتبع - وسأظل دومًا يا جنى لذا ليس عليك أن تخفي .. تخجلي .. تخبئي أي شيء يخصك عني.
توترت نظراتها لتهمس بتساؤل خرج عفويًا تحت نظراته المترقبة : حقًا يا أسعد لم تتغير نظرتك لي كل هذه المدة ؟! أومأ برأسه إيجابًا فأكملت بصوت أبح وهي تتحاشى النظر إليه - ولن تتغير فيما بعد ؟!
احتضن ذقنها براحته ليجبرها أن تنظر إليه هامسًا : بلى ستتغير ،
توترت نظراتها فشعر بأن هناك جذور لحديثها فأكمل بتروي : ستتعمق بك وفيك و سأرتبط بك أكثر ، لانت ملامحها بدهشة وعدم تصديق لمع بعينيها فاكمل بثرثرة شارحًا - قديمًا كنت صديقتي .. ولكنك الآن حبيبتي و زوجتي فأصبحت تحملين كل الصفات التي من الممكن تجمعني بك ، بينما  فيما بعد ستصبحين جنتي ملكة بيتي و أم أولادي إلى جانب الصفات الماضية ،
رمقها بابتسامة حانية ليعدها مؤكدًا : كلما مرت علينا السنوات و قضينا العمر سويًا ستحتلينني أكثر وأكثر وأنا سأمنحك نفسي كلها راضيًا .
تمتم ببساطة وصدقه يومض بعينيه : بل أنا منذ الآن أفعل بالفعل .
نظرت إليه بعدم تصديق وقلبها يخفق بجنون فتدمع عيناها وتسأله بعفوية : إذًا لن تنفر مني .. تمل .. تبتعد .. تتركني وخاصةً حينما نكبر بالسن ويظهر العجز علي ؟!
سكنت الصدمة عينيه ليهمس بصوت أجش وعتاب لون نبراته : هل تظنين بي كل هذه الظنون ؟!
هزت رأسها نافية وهتفت سريعًا : لا والله لا أظن بك أنا فقط .. صمتت لتحنى رأسها متبعة - أنا خائفة .
ضمها إلى صدره على الفور ليمنحها أمان كاملًا في ظل احتضانه لها : أبدًا لا تفعلي وأنا معك وبجوارك ، لا تخاف فأنا أبدًا أبدًا لن افعل كل ما تظنين ، ألا تشعرين بي يا جنتي ؟!
سيطرت على دموعها فلم تبكي لتهمس بخفوت : بلى أشعر ، و أشعر أيضًا بتقصيري معك .
ربت على رأسها : لست مقصرة وإياك و أن تفكرين هكذا فتفكيرك هذا يؤخر من تقدمنا سويًا
احتضن وجهها بكفيه : أنا سعيد وهذا يكفيني وأنت سعيدة وهذا أيضًا يكفيني .
تمتمت بجدية : بل أنا لم اكن سعيدة يومًا من قبل كما أنا الآن .
قبل جبينها ليهمس بجدية : حسنًا هيا بنا لنخلد إلى النوم ، أم لازلت تريدين ذاك المشروب الذي سيدفئك ؟!
ابتسمت برقة لتجيبه بعفوية : بلى أصبحت بخير جسدي أصبح دافئ حينما اجلستني بحضنك
أومأ برأسه ليجيب بثقة : أرأيت فقط ثقي بي وسيصبح كل شيء بخير .
تمتمت بيقين : أنا أثق بك .
هم بالنهوض وهو يحملها : حسنًا هيا بنا .
تمسكت به وحاولت أن تنهض من فوق ساقيه : انتظر سأعد لك العشاء .
عبس برفض : لا سأتناول عشائي الذي اشتهي .
غمغمت بحرج : كيف هذا ؟!
أجابها بتسلية وهو ينهض واقفًا بها : سنجرب فقط لو لست متعبة .
رفت بعينيها لتسأله باهتمام : ما الذي سنجربه ؟!
شاكسها بملامحه مغمغمًا : سترين إذ لم تكوني متعبة .
تمتمت سريعًا وعيناها تومض بتوق أسعده : لست متعبة .
قهقه ضاحكًا وهو يخطو بها داخل غرفتهما ليغلق الباب من خلفه بساقه ثم يضعها على فراشهما هامسًا : إذًا اخلعي هذه المنامة السوداء ولا ترتدينها أبدًا ، فأنا أكره اللون الأسود بالمناسبة
أومأت برأسها في طاعة وهي تستجب لأمره غير واعية ليخلع بدوره منامته ثم يمنحها سترتها كما يفعل بعدما انضم إليها في الفراش ليجذبها إلى صدره هامسًا من بين قبلاته التي استولت على إدراكها وهو يحتضن جسدها العاري اليه  : أنا أحبك يا جنتي .
***
يجلس بمقعده المريح في درجة رجال الأعمال في هذه الطائرة الفخمة التي تأخذه بعيدًا عن وطنه .. ينظر إلى الظلام الذي يطل من نافذته فيضيق فجاة ويشعر بقلبه ينقبض لأنه يبتعد عنها .. لأنه تركها وهي حزينة ، فلم يبدد عنها حزنها ولم يظل بجوارها ليرمم كسرة نفسها .. يداوي جرح قلبها .. ويعيد إلى وجهها ابتسامتها التي فقدتها بسببه .
أنْتّ روحه بألم وعقله يتساءل عن من سيداوي جرحه هو .. يعيد كبرياءه المهدور .. ويرمم كسرته .. ويزيل قهرة روحه التي ألمتّ به بسببها .. وكرامته التي بُعثرت على يديها حينما لم تطيعه ودعت الآخر الذي وقف متباهيًا أمامه يخبره أنه أتى بناء على رغبتها هي.
أطبق فكيه بغضب لتنتفض روحه مدافعه عنها وأذنيه تعيد عليه حديثها من جديد فتلمع عيناه بتفكير فيم قالته ليقر بأنها محقة في الأمر شيء غامض لابد عليه ان يكتشفه بنفسه ، اسند رأسه للخلف وهو يغمض عينيه لعل حواسه ترتكن الى راحة يفتقدها .. يتذكر أنه لم يراسلها كما فعل المرة الماضية ليخبرها أن طائرته ستقلع وبالتأكيد لن يفعل حينما يصل ، فهي طلبت راحة .. هدنة .. بُعد وافق عليه بكبرياء تملكه فليس من حقه أن يتذمر الآن ويشكو لنفسه شوقه الذي يضج مضجعه بل عليه أن يكون رجلًا كما كان طوال عمره وليتحمل نتيجة موافقته على قرارها وألا يتراجع عن موقفه أبدًا وخاصةً أنها لم تخبره عن سرها الذي ومض بعينيها ولكنها خبئته بداخلها ولم تمنحه راحة كانت تمتلكها ولكنها بخلت بها عليه .
زفر بقوة ليزم شفتيه بضيق وهو يلوم نفسه على كلماته التي اطلقها كوابل رصاص فوق رأسها و يعاتبها بقوة على جرحه لها ليضرب رأسه بضيق في مسند الكرسي الطري من خلفه ليتمتم بضيق : فات أوان العتاب يا عاصم ، وفات أوان الاعتذار أيضًا ، عليك الآن أن تفكر جيدًا لعلك تتوصل إلى من تعاون مع ذاك الحقير الذي قلب عالمك بوجوده .
تنفس بعمق ليعلو صوت المضيفة تثرثر عن وصولهم فيشد جسده بعنفوان وهو يجلس بجدية يغلق حزام الأمان عليه وهو ينحي كل أفكاره جانبًا مستعيدًا رزانته وهدوءه لإنهاء العمل الذي أتى لأجله .
***
تحركت بهدوء في المطبخ تعد الإفطار لهما رغم كونه لازال نائمًا فلم يستيقظ بعد وكيف يستيقظ وهو الذي قضى الليلة الماضية كلها مستيقظًا .
عضت شفتها برقة و وجهها يحتقن بحمرة قانية وهي تتذكر أنها الأخرى لم تنم بطريقة جيدة بسببه فهو كلما غفت في النوم اوقظها من نومها على قبلاته .. لمساته .. وفيضانه الذي أغرقها فيه بدلًا من المرة ثلاث مرات كاملة كان يتركها بعدها تحت وطأة ذهولها الذي لم ينمحي إلى الآن !!
فعمر الذي عرفته على مدار العام الماضي بأكمله لم يكن نفسه عمر الذي عرفته الليلة الماضية فاختفت رزانته .. هدوءه .. تعقله ، بل حتى حديثه اللبق ذهب ادراج الرياح وهو يلجأ لغزل صريح صدمها .. وحركات عبثية أذهلتها .. ولكن ما انتبهت له في ظل دوامته المتكررة التي أخذها بها أنه يلجئ إلى تعبيرات انجليزية خاصة به حينما ينغمس معها ويتوحد بها ، فكان الفعل الأكثر رقيًا الذي شعرته معه البارحة وكأنه لا يقوى على التخلي عن أناقته حتى في أهم لحظاتهما الحميمية .
تنهدت بقوة وهي تتذكر أنها استيقظت بنفسها حينما شعرت ببعض من الحر وجسدها مكتف غير قادر على الحركة فتكتشف حينما وعت من نومها انه يقيدها بجسده الكبير والذي يضمها بقوة إليه فانسلت بعد عناء مستغلة نومه العميق لتنهض من الفراش قبل أن يستيقظ فلا تقوى على رده عنها كما كان يفعل في كل مرة يحاصرها بها.
تحركت تعد أكواب الشاي لتشهق بخفة عندما شعرت بذراعيه تلتفان حول خصرها ليحملها بخفة وهو يلصقها بصدره يدفن انفه في تجويف عنقها وكتفها ليقبله قبلة قوية أشعرتها بالدغدغة وهو يهمس بصوت أجش : صباحية مباركة يا بطتي .
تمتمت بخجل ببعض كلمات متناثرة لتهتف بخفوت حينما شعرت به يخرج بها من المطبخ : الفطور أنا أعددت الفطور .
همس بجدية : أنا بالفعل جائع ، حسنًا لنأكل أولًا .
رددت بعدم فهم حينما انزلها لتستدير إليه : أولًا ؟!
انحنى نحوها ليضمها إليه ثانيةً يشاغبها بمرح لمع بزرقاويتيه : اها ألم أخبرك أن لدي مفاجأتين أم لا تريدِ أن تعرفيهما .
تمتمت ووجهها يحتقن بقوة : بلى أريد .
غمز بشقاوة وهو يساعدها في حمل الأطباق للخارج : حسنًا سأخبرك بهما بعد الفطور .
ابتسمت وهي تنظر إليه بحب سرى بعروقها وهي تراقب أناقته الصباحية في طاقم رياضي ليست معتادة على رؤيته به خصلاته المصفوفة بعناية فوق ملامحه السعيدة وذقنه الناعمة التي اصبحت تروقها كثيرًا فهي أحبت دغدغته لها بها .
شهقت بخجل وهي تنهر نفسها بقوة : تأدبي يا حبيبة ماذا أصابك اليوم ؟!
نفضت رأسها وهي تسير خلفه تحمل بعض الأطباق لتعود وتأتي ببعض الأشياء متحاشية ارتطامه بها المتعمد وهو يشاكسها بحركات شقية من كفيه أو ملامحه أو همساته الذي ينثرها على مسامعها متعمدًا اخبارها عن شعوره بها الليلة الماضية .
فتخفض رأسها خجلًا وتؤثر صمتًا كونها لا تقوى على رد حديثه الصريح أو التعاطي معه.
جلست أخيرًا بعدما صبت فنجاني الشاي متحاشية نظراته المتسائلة والتي دارت فوقها بدهشة يتأمل ملابسها المحتشمة والتي تخالف خياله عن ملابس يوم صباحية زواجه منها ليسألها بهدوء وهو يرمق تلك السترة الصغيرة بلونها الأبيض التي ترتديها فوق فستانها الوردي القصير إلى ما بعد ركبتيها والذي من الواضح أنه عار الاكمام مكشوف الصدر فأخفت انكشاف نحرها بوشاح متداخل الألوان صيفي مبهر بنقاء ألوانه : هل سيأتي أحد لزيارتنا اليوم ؟!
رمشت بعينيها في تعجب لتهمس بخفوت : لا ، ماما أخبرتني أنهما سيأتيان بعد غد وهي تخبرني أن السائق سيأتي بعد قليل يحمل الطعام معه .
عبس بتعجب وعيناه تدور عليها ثانية : حتى والدي لن يأتوا اليوم اعتقد أنهم سيأتون جميعًا بعد غد .
أومأت برأسها وهي تتحرك لتناوله قدح الشاي بلبن خاصته وهي تبتسم بتوتر التقطه وسألها بمشاغبة : إذًا هل سنخرج سويًا ؟!
امتقع وجهها لتسأله بصدمة : نخرج ، اليوم ؟! لا طبعًا لا خروج اليوم ، احتقن وجهها وهمهمت بصوت خفيض - ليس من عادتنا أن العروسان يخرجان يوم ..
زمت شفتيها تمنع نفسها عن الحديث فيسألها وابتسامة ماكرة تومض بزرقاويتيه : إذًا بم أنك تدركين أنه يوم صباحيتنا وأنه  ممنوع علينا الخروج من البيت لماذا ترتدين ملابس تصلح لخارج البيت ؟!
نظرت لنفسها بحدقتين مهتزتين لتهمهم بتوتر اجتاحها : هذا الفستان لا يصلح للخروج إنه مكشوف أكثر من اللازم .
رفع حاجبيه بتعجب ليسألها بتفكه ساخر : لا ارى انكشافه ، كل ما أراه وشاحك الذي يغطي رقبتك كلها وسترتك التي تخفي ذراعيك عني .
رفت بعينيها كثيرًا ليكمل ببساطة وهو يضع قدحه الفارغ على الطاولة - من رأيي أن بارتدائك لهذه الأشياء من فوقه أصبح صالحًا للخروج عن الجلوس معي يوم صباحيتنا يا حبيبة
توترت جلستها أمام عينيه فيرمقها دون تصديق ليهتف وهو ينهض واقفًا : ماذا يحدث معك يا حبيبة ؟! هل عدت لهذه الشرنقة من جديد ؟!
اقترب منها ليبتسم بلطف ويغمز لها بشقاوة وهو يعدل من كرسيها فيجبرها أن تواجهه - توقعت أننا تخطينا الأمر بعدما حصل البارحة.
احتقن وجهها بقوة لتهمهم بتلعثم وهي تخفض بصرها عنه : لا الأمر ليس كذلك .
نظر إليها بتساؤل وهو يجلس على ركبتيه أمامها يجذبها إليه كما فعل البارحة و يده تتمسك بوشاحها يفكه بلطف عن رقبتها : إذًا ما الأمر ؟!
تمسكت بوشاحها اكثر لتهمس برجاء : أرجوك يا عمر توقف لا أعتقد أنك تحبذ أن ترى هذا التشويه برقبتي ، دمعت عيناها وهي تكمل بتشوش - لا أفهم ما حدث لتنتشر تلك البقع هكذا فوق نحري .
عبس بتفكير ليسألها بلطف وعيناه تتقد بتسلية : هلا سمحت لي لأنظر عم تتحدثين ؟!
توترت وهي تشيح بعينيها بعيدًا لتثقل انفاسه حينما تركت وشاحها الذي أبعده بعيدا عنها فيفتنه نحرها ببياضه الشاهق ما عدا تلك المناطق الحمراء المنثورة فوقه فيكز على شفته السفلية بتوق غمر عينيه ليهمس وهو يلامس طرف عنقها والتقاءه باول صدرها بأنامله لينزلها برفق يمررها على عرض نحرها بأكمله هامسًا بصوت أجش متهدج : هل تقصدين تلك العلامات ؟!
أومأت برأسها وهي تحنى عنقها على اثر ملامسته الناعمة لتشهق بضعف وهو يضمها من خصرها يقربها إليه بعدما خلصها من سترتها فيشد جسده ويقترب منها أكثر هامسًا وأنفاسه تداعب رقبتها فيهمس قريبًا من جلدها : ألا تعلمين ما هذه العلامات ؟!
أنتّ برفض وهي تشعر بوعيها يتدحرج بين الإدراك والغياب فيكمل وشفتيه تتذوقانها من جديد : إنها علامات حبي لك ، لا تخفينها عني أبدًا ثانيةً ، إنها رائعة .
تمتمت دون وعي حقيقي فلم تشعر بكفيه اللذان يتمسكان بجسدها بعدما سقط عنها ثوبها: رائعة ؟!
همهم وشفتيه تقبلانها وتترك أثاره عليها من جديد : نعم بل اكثر من رائعة
حملها بخفة لتتعلق بكتفيه ليستلقي بها على الأريكة القريبة منهما متبعًا - ولا تخافين منها فأنا سأهديك الكثير والكثير من علامات عشقي لك يا حبيبتي.
***
يتمطأ بكسل يرمش بعينيه يتطلع من حوله بعبوس طفيف داعب محياه لتتسع عيناه بادراك تدريجي أصاب عقله وهو يتذكر أنه قضى ليلته هنا وهو الذي لم يكن يريد هذا حتى لا تنتبه والدته إلى غيابه في ظل غياب حبيبة الليلة الماضية !!
ازدرد لعابه ببطء وعقله يعاود العمل بعدما نفض أثار النوم عنه ليتذكر أنه سقط في نوم عميق قرب الفجر بعدما كان قرر أن يرحل ولكن من الواضح أنه لم يفعل فهو نائم كما ينبغي على الرجل أن ينام بجوار زوجته الشهية التي تحتل صدره وتتوسد ذراعه الذي تتمسك به بقوة كما كل مرة يبات إلى جوارها. تمسكًا يداعب غروره فينتشي بقربها .. و رجاء يلاطف مشاعره .. وشغفها به يثير توقه المتقد من الأصل لها . ابتسم بسعادة داعبت حواسه ليقترب منها ينظر إلى ملامحها الجميلة .. الرقيقة .. المنقمة .. النائمة فيشعر بدمه يُضخ بقوة في أوردته وشوقه إليها يتجدد في لحظات أجبرته على أن يلثمها بشفتيه ناثرًا قبلاته فوق ملامحها الفاتنة والتي ازادتها فتنة حينما ابتسمت من بين نومها لتهمس بصوتها الأبح : حبيبي ، صباح الخير .
التهم شفتيها في قبلة تائقة وهو يداعب بطنها المسطحة بأنامله ويجذبها إليه بكفه الاخر فيلتصق بها أكثر هامسًا من بين قبلاته المتتالية : صباح العسل والسكر ، اتبع بضحكة شقية ازانت ملامحه - أريد بعضًا من الطاقة فهلا مددتني بها .
ضحكة منغمة صدرت منها لتنظر إليه بشغف أنار بنيتيها : أنا كلي لك يا سليم .
لهث بعنف وهو يدير نظراته من فوقها بعدما أزاح الغطاء عنها فيتأملها برغبة جلية قبل أن ينحني دافنًا وجهه في نحرها وكفيه تلامسانها بحركات مدروسة يعلم تأثيرها عليه ليسألها بصوت أجش وهو يلثم كل خلية فيها : أخبريني هل علي أن ابهرك أم اكتفيت من إبهار البارحة.
ضحكة أخرى مائعة صدرت منها أنهتها بتأوه منغم باسمه فرفع رأسه ثانيةً وهو يقبلها قبلة عميقة ارتشف منها كل تأوهاتها التي تترجاه قربه .. توقه .. وصاله لينظر إلى عينيها هامسًا بنبرته الاجشة الخافتة : انظري لي يا جيجي .
رفت بعينيها لتفتحهما فتقع بأسر نظراته تتلقى طلبه دون أن يهمس به فتجيبه برضا : أنا أحبك يا سليم أحبك جدًا جدًا جدًا ، اتبعت برجاء سكن عيناها وهي تلف ذراعيها حول عنقه تتمسك به - لا تتركني أبدًا
تأوه صاخب صدر منه وهو يلتحم بها ليهتف بتتابع رتيب مع حركة وصاله لها : لن أفعل - لن أفعل أبدًا !!
***
تجلس بغرفتها فاليوم لم تذهب للمؤسسة بل هي أرسلت بريدًا إلكترونيًا رسميًا بطلب اجازة قدمته لمدير الشئون الوظيفية حتى لا تتحدث معه ، ورغم قلقها .. خوفها .. وتوقها للاطمئنان عليه إلا أنها تماسكت بصلابة نابعة من جينات كبرها العتيد وعنادها الذي أورثته لها والدتها كما يخبرها أبيها دائمًا ولم تهاتفه ولكنها استغلت عمار الذي تحدثت معه فأخبرها بأريحية دون أن تسأله عن وصوله سالمًا فارتاحت قليلًا لتمكث بفراشها دون أن تحاول الخروج منه مستمتعة بالأغاني التي تديرها ملك التي تعمل على شيء ما بحاسوبها منذ الصباح فلا ترفع عيناها عن شاشته إلا نادرًا.
تأملت ابنة عمتها الصغيرة بمظهرها الجديد الذي يروقها كثيرًا ولكنه يثير تفكيرها في سبب تمرد ملاكهم الصغير بهذا الشكل القوي الغريب لينتفض حدسها وعقلها يستنتج أن الأمر يخص أحدهم آلم الصغيرة فتومض عيناها بعنفوان قوي وخاصةً حينما دندنت ملك مع الاغنية الصادحة من حولهما بصوت قديم رقيق ومؤثر
وقالوا عنيدة وقوية .. مبياثرش شيء فيها
محدش في الحياة يقدر .. يمشي كلمته عليها
هتحلم ليه وتتمنى .. مافيش ولا حاجة ناقصاها
ومن جوايا انا عكس اللي شايفينها .. وع الجرح اللي فيها ربنا يعينها
ساعات الضحكة بتداري في جرح كبير .. ساعات في حاجات مبنحبش نبينها
كتير انا ببقى من جوايا بتألم .. ومليون حاجة كتماها بتوجعني
بيبقى نفسي احكي لحد وأتكلم .. وعزة نفسي هي اللي بتمنعني.
عكس اللي شايفنها – اليسا
عبست بغضب لتنتفض واقفة ترتدي مئزرها الثقيل فوق منامتها القصيرة رغم ثقل قماشها لتقترب من ابنة عمتها تقف فوق رأسها تسأل بصرامة : ماذا تفعلين يا لوكا ؟!
اهتزت حدقتي ملك اهتزاز طفيف وكأنها فوجئت بوجود نوران معها لتجيب بهدوء : لا شيء فقط بعض الصور التقطتها البارحة اعدلهم لأرسلهم لآسيا .
أومأت برأسها متفهمة لتدور وتجاور ملك جالسة تنظر إلى ما تفعل وهي تثرثر بعفوية : هل مسموح لي بالنظر ؟!
أجابت ملك بهدوء : اها بالطبع .
بدأت ملك بتقليب الصور أمام عيناها لتضيق حدقتي نوران بتفكير وهي تراقب الصور الطبيعية أمامها لحفل الزفاف البارحة والتي التقطتها ملك بعدستها الفنية وتمارس عليها سحرها كما يبدو لتومض الصور بألق مميز  فتغرق نوران بتفاصيل الصور إلى أن أتت أمامها صورة خاصة التقطت خفية -كما يبدو - إلى سليم ، اتسعت حدقتي نوران بصدمة لترمق ابنة عمتها التي ارتعد جسدها بنفضه خفيفة لتمرر الصورة بصلابة وهي تتحكم في ملامحها فغدت جامدة لا حياة بها لترق نظرات نوران رغمًا عنها فترفع كفيها بعفوية تحتضن كتفي ملك المتصلبين لتضمها في حضنها دون حديث وتهمس أمرة بحنان : ابكي يا ملك ، ابكي لتخرجي كل ما بداخلك .. ابكي وتخلصي من ذاك الألم الذي ينخر داخلك.
وكأنها جذبت فتيل دموع ملك التي انهمرت لتضمها نوران أكثر تربت على ظهرها ليختنق حلقها ببكاء قوي فتنتفض بعنفوان لتدفع ابنة عمتها بعيدًا قليلًا تحتضن وجهها بين كفيها وتنظر إلى زرقاويتيها الحزينتين لتهمس بصلابة بعنفوان تملكها : لا أحد يستحق دموعك يا ملك .. لا أحد يستحق أن تبكيه هكذا إن لم يقدر قيمتك .. لا أحد يستحق أن تحزني لأجله .. لا أحد ، فأنت غالية .. نجمة في سماء عالية .. تتدللين كما تريدين .. وتختالين على القلوب كما تشأئين ، من تنظرين له يكن يوم حظه .. ومن تتمنعين عليه يكون يا بؤسه ، تدركي مقدار نفسك وغلاوتها ولا تبكين أبدًا لأجل رجل لم يقوى على فهم مشاعرك.
مسحت وجنتي ملك بكفيها لتجذبها بجدية : انهضي .. تعالي معي .
استجابت ملك لتدفعها نوران لداخل غرفة الملابس توقفها أمام مرآة كبيرة بعدما أشعلت ضوء الغرفة بأكمله لتقف من خلفها تهمس الى جانب أذنها : انظري إلى نفسك يا ملك ، توترت ملك لتهمس نوران أمرة - هيا افعلي .
رفعت ملك وجهها للمرآة فتسألها نوران : من يمتلك مثل هذا الوجه الصبوح .. زرقة العينين الصافية .. ملامحك الجميلة و رقتك ، لا تبكي لأجل رجل ، بل تبكي الرجال لأجلها ، إياك وأن تشعري بالضعف .. أو الانكسار .. أو قلة الحيلة ، فالنساء واسعة حيلتهن وإدراكهن يا لوكا .
تلاقت نظراتهما عبر المرآة لتومض عينا نوران بمكر قبل أن تتابع - عقلك يفوق عقله مكرًا وخديعتك تتفوق على رزانته .. دهاءك يفوق حلمه .. وكيدك عليه عظيم ، لذا لا تنكسرين أبدًا واعلمي أن بكل الأحوال أنت الفائزة وخاصةً إن كان ما تشعرين به ما هو إلا مشاعر مراهقة خالصة ستزول مع الوقت .
تمتمت ملك وعقلها يستعيد ادراكه : مراهقة ؟!
أومأت نوران برأسها : أنت صغيرة وىقلبك تعلق بمن هو أمامك دون النظر بحرية للجميع ،
اهتزت حدقتي ملك بتفكير لتمتم : لا أفهم .
رتبت نوران على كتفها وهي تجذبها للخارج ثانيةً تجلسها على الأريكة لتجلس بجوارها : اسمعي يا ملك ، أنت صغيرة العائلة في الجانبين ، عند آل الجمال وعند عائلة أبيك أيضًا ، فجميع أولاد عميك يكبرونك وهنا الجميع أيضًا يكبرك ، لذا حظيت بدلال الجميع و لأنك الصغيرة لم تتطلعي لأحد فتيان العائلة فجميعهم يعدون اخوانك الكبار ، إلا هو ليس بقريبك .. وليس بأخيك .. فعقلك وقف أمامه مشتتًا ، هذا بالطبع لا ينفي وسامته .. جاذبيته .. وحضوره الطاغي والأهم من كل هذا شبهه الكبير لاونكل مالك ولا اتحدث عن الشكل بل عن شخصيته وعمله.
تنفست نوران بعمق وملك تطلع إليها باهتمام لتربت نوران على كتفها بهدوء : سليم تجسد أمامك كبوابة عبور إلى أحلامك يا ملك ، كل الفتيات يملن لأشباه آبائهم وسليم يمتلك أيضًا أنه سيساعدك على تحقيق أحلامك التي تعارضها عمتي لذا تشبثت به بمشاعرك وعقلك أيضًا ، ولكن إذا فكرت قليلًا ستجدينها مشاعر مراهقة وتعلق زائل سيذهب مع الوقت ، وخاصة إذا توحدت مع أحلامك وقررت بجدية أن تحققيها حتى إن كان رغمًا عن عمتي .
ابتسمت ملك هازئة : وهل أقوى أن أفعل شيء ضد رغبة عمتك ؟
رفعت نوران حاجبها باستنكار لتسألها هازئة : إذًا عمتي موافقة على مظهرك الجديد .. وفستانك البارحة .. وقوفك مع زين و ضحكك وتمايلك أيضًا معه .
رفت ملك بعينيها لتبتسم نوران بمكر أنثوي : بنت يا ملك لا تراوغينني ، أنت تقوي على اجبار والدتك على أي شيء فلا تستسلمي ثم عندك الكثير ممن تستطيعين الالتجاء لهم كما فعلت البارحة ، فقط ثابري لأجل حلمك وتحقيقه .
نهضت نوران واقفة لتتابع بجدية : و انفضي عنك وهم سليم بك و أي بك تتعثرين به في طريقك فالجميع لا يستحق .
رفعت ملك رأسها لتنظر إلى ظهر نوران وتسألها بخبث : حتى عاصم .
ابتسمت نوران لتدور إليها نصف التفاته : أولهم عاصم .
اتسعت حدقتي ملك بصدمة لتهتف دون رضا : لا تهذي يا نوران .
اغلقت نوران مئزرها عليها لتتمتم : لا اهذي .
سألت ملك بضيق : هل تشاجرتما ؟!
ومضت عينا نوران بعنفوان لتهمس : ابن خالك العزيز لم يقدر النعمة التي بين يديه وعليه سيعض أنامله ندمًا قبل أن اغفر له.
تطلعت إليها ملك بانبهار لحظي سرعان ما انقلب لخوف وهي تتساءل بخشية : ماذا حدث ؟!
أجابتها نوران بهدوء : لا شيء ، لا تشغلي رأسك أنا أقوى على الإتيان بحقي كاملًا .
التفتت إليها تسألها بجدية : ما رأيك لنخرج ونتناول الفطور خارجًا ونصحب أميرة معنا و لنتسوق اليوم ، المظهر الجديد يا لوكا يلزمه ملابس جديدة تليق به .
ضحكت ملك لتهتف بحماس : موافقه ولنصحب آسيا ويمنى أيضًا .
فرقعت نوران بإصبعيها : موافقة .
توقفت ملك لتسأل : هل نستطيع الاتصال بجنى وسؤالها الذهاب معنا ؟
غمزت لها نوران بعينها : لنفعل ونرى ما رأي سيادة القائد .
جذبت ملك من كفها ليجلسا فوق الفراش ونوران تداعب هاتفها لتتصل بجنى اتصالًا مرئيًا فتهتف ملك : لا ليكن اتصالًا عاديًا .
ابتسمت نوران بشقاوة : بل أنا متعمدة لو اغلقت ابنة عمي الاتصال المرئي ، إذًا يكون الوقت غير مناسب سنطمئن عليها فقط أما إذا قبلته سنسألها الانضمام إلينا .
التفتت إليها ملك بعدم تصديق لتسألها بجدية : ذكريني لماذا لم نكن مقربات من قبل .
تمتمت نوران بغل مفتعل : لانك مائعة ومدللة وتملكين أعين زرقاء غير شائعة في العائلة ، ناهيك أنك أتيت لتستولين على مكاني يا ابنة العمة .
ضحكت ملك بخفة : كنت تغارين مني .
تمتمت نوران بهمس خافت : كنت أغار على من لا يستحق غيرتي .
تبرمت ملك بدفاع : تحدثي عن عاصم جيدًا يا نوران إنه الكبير و أنا لا أرضى عليه .
تنهدت نوران بقوة لتتمتم : أنا الأخرى لا أرضى عليه فهو سيظل الكبير .
انفتح الإتصال أخيرًا ليظهر وجه جنى المورد فتهتف نوران بشقاوة : ظننتك لن تجيبي ، هل قاطعنا شيئًا ما يا جانو ؟!
احتقن وجه جنى لتنظر من فوق الهاتف قبل أن تجيب متلعثمة : لا أبدًا كنت بدورة المياه ، المعذرة لتأخري في الإجابة عليك .
تمتمت ملك سريعًا : لا عليك يا جانو ، كيف حالك وحال سيادة القائد ؟!
تمتمت جنى برقة : نحن بخير والحمد لله ،
تمتمت نوران : يارب دائمًا ، كنا سنخرج في يوم خاص للفتيات و ظننا أنك تستطيعين الخروج معنا .
رمشت جنى بعينيها كثيرًا لتهمس : لا اعرف ولكن لا يصح أن اترك أسعد بمفرده .
همسته باسمها جعلتها تنتبه له وهو مستلقي فوق الفراش بين الأغطية المتناثرة ليهمس إليها : إذا أردت الذهاب فاذهبي واستمتعي معهن .
اهتزت حدقتيها برفض لتتمتم : وأنت ؟!
تبادلتا ملك ونوران النظرات فتكتمان ضحكاتهما قبل أن تهتف نوران : حسنًا يا جنى سنتركك الآن ولتقرري وتراسلينا ، إلى أن نتفق مع البقية .
تمتمت جنى سريعًا : حسنًا سأراسلكن ، سلام .
اغلق الهاتف سريعًا لتنفجرا سويًا في الضحك قبل أن تهتف نوران : أراهنك أن تأتي .
هزت ملك كتفها بدلال : أنا لو مكانها لن أفعل يا نوران ، فمن هذه التي تترك سيادة القائد لتخرج معنا .
تعالت ضحكات نوران لتضربها على كتفها بخفة : أنت شقية يا فتاة .
ضحكت ملك لترقص لها نوران حاجبيها : هيا بنا لنهجم على ميرا .
ضحكت ملك و أومأت بالموافقة فتقفزا واقفتان لتغادرا الغرفة نحو غرفة أميرة .
***
اغلقت الهاتف ليسألها بجدية : لماذا رفضت الذهاب معهن ؟!
نظرت إليه بعتاب قبل أن تهمس بصوت مختنق : هل مللت مني بهذه السرعة ؟!
ارتفعا حاجبيه لينظر إليها بلوم : بالطبع لم أفعل ، ولكن لا أريد أن أشعر بأني امنعك عن بنات عمومتك أو الأشياء التي تحبينها .
تمتمت وهي تجلس بجواره على الفراش : أنا أعلم ولكني متعبة لذا لا أريد الخروج اليوم .
ابتسم بتسلية لينظر إلى مئزرها الشتوي بلونه الوردي الجميل قصير يظهر ساقيها لما بعد ركبتيها وملفوف حول جسدها بنعومة فيسألها بهدوء : هل تشعرين بالتعب كالليلة الماضية ؟!
تمتمت وهي تغلق عيناها بنعاس يداعب أجفانها : قليلًا .
اقترب منها بخفة ليجذبها بوسط الفراش فتضحك برقة حينما أشرف عليها بعدما اجفلها : هل تريدين إعادة الكرة ؟! لا تنكري أنها خففت آلامك .
احتقن وجهها بخجل لتهمس بخفوت وهي تخفض نظراتها عنه : لم أنكر ، رفعت ذراعيها لتلامس عرض كتفيه العارية بأناملها وهي تتابع بخفوت شديد - بل انتقيت المئزر خصيصًا لأني أعلم أنك تحبه .
انحنى نحوها يداعب طرف أنفها بأنفه ويسألها بشقاوة ومضت بعينيه : ولماذا أنا أحبه ؟! غدى وجهها بلون احمر قانيًا ليتابع أمرًا بخفوت - انظري لي يا جنى و أجيبِ.
فتحت عيناها مرغمة لتتعلق نظراتها بنظراته الغائمة بتوق فتهمس دون وعي : لأنه يسهل الخلاص منه .
همس باشتعال وهو ينثر قبلاته على جانب وجهها كله قبل أن يدفن انفه بتجويف عنقها فيطبع قبلة قوية بداخله : هل ترتدين قميص نومك أسفله ؟!
لهثت أنفاسها لتجيبه وهي غارقه فيه : عليك أن تكتشف بنفسك .
قهقه رجولية خافتة انسلت من بين شفتيه ليرفع رأسه ينظر إليها مناغشًا : أحب شقاوتك يا حضرة الطبيبة ، اتبع وكفيه تلامسان عقدة المئزر فيفكها دون جهد - وأحب الاكتشاف أيضًا .
كتمت أنفاسها وكفيه تلامسان جسدها بشغف ومض بعينيه لتهمس برجاء مس قلبه : كن سعيدًا معي .
ليقبل شفتيها بلهفة مجيبًا : بل أنا أسعد الناس باقتراني بك يا جنتي .
***
تسير بخطوات متوترة نحو القاعة التي يقام بها ملتقى لمحترفي المعمار في دبي ، و رغم حماسها الشديد لحضور هذا الملتقى للاستفادة منه والتعرف على الرموز العالمية في مجال المعمار إلا أنها تشعر بالرهبة تسيطر عليها فهي لاقت الأمرين على مدى الشهر الماضي بأكمله حتى تقو على إقناعه أن يتركها تأتي لهنا وتحضر الملتقى وعانت الليلة الماضية كثيرًا وهي تتحمل وصاله المستمر لها حتى لا يمنعها من الحضور اليوم ، كم تمقت تحكمه الشديد بها .. جنونه وتوقه المتزايد لها ولكن لا سبيل أمامها إلا التحمل والصبر فأبيها يغض الطرف عن أفعال ابن أخيه و والدتها لا تملك من أمرها شيئًا !!
تقدمت لتدلف من باب القاعة الخشبي الكبير لتنظر بفاه مفغور إلى القاعة الواسعة أمامها تتأمل فخامة حوائطها وزينتها الإسلامية المعبرة .. تشعر بقلبها يرتجف ولهًا بالثُريات المدلاه من السقف البعيد بلالائها المضيئة والتي تمنحك شعور بأنها مضاءة بالشموع وليس بلمبات حديثة كما توحي لها الإضاءة القوية .
كتمت تنفسها وهي تنظر لرسومات الحوائط المنفذة على طريقة قديمة من صدف لامع وألوان مبهجة لتهمس بخفوت وهي تخطو للداخل دون وعي حقيقي : يا الله .
انتفضت بخفة وهي تشعر بأنها ترتطم بظهر أحدهم فتتراجع للخلف بطريقة عشوائية كادت أن توقعها أرضًا ولكنها لم تفعل حينما امتدت كف هذا الشخص الذي التفت سريعًا لينقذها من وقوع مدوي وهو يهتف برزانة : حذاري يا آنسة .
رمشت كثيرًا بجفنيها وهي تتلاشى كفيه اللذين يحاولا مساعدتها .
جسدها ينتفض متباعدًا عن ملامسة غير مرغوبة ليتصلب جسدها وتتلاشى حالة الرفض لتتحول إلى رعب حينما شعرت بحارسها الخاص يقف خلفها هاتفًا بصوت آلي : أسيل هانم هل هناك شيء ؟!
هزت رأسها برفض لتهمس بخفوت مبررة : كدت أن أقع والبك أنقذني .
تحرك الحارس ليقف بينهما ينظر إلى الآخر من علو طفيف : شكرًا لك يا سيدي ، الهانم أصبحت في أمان .
عبس الشاب أمامها بتعجب ليهتف بجدية : هل أنت من ضمن مدعوين  الملتقى ؟!
عبس الحارس بغضب لتهمهم هي سريعًا : إنه حارسي الشخصي وأنا معي دعوة لحضور الملتقى .
ابتسم الشاب في وجهها برزانة ليهتف : أنرت الملتقى يا آنسة ولكن غير مسموح بدخول الحرس الشخصي وإلا امتلأت القاعة بالحرس ولن يتمكن المعمارين من الحضور والاستفادة .
اتبع وهو ينظر للضخم أمامه : حرس حضرتك يستطيع الانتظار مع بقية الحرس اللذين ينتظرون شخصياتنا العامة المتواجدة معنا .
ارتجفت وهي تنظر لتبرم حارسه الذي التفت إليها ناظرًا بتساؤل فهمهمت بخفوت قاصدة ألا يستمع إليها الآخر محافظة على ما تبقى من مظهرها وكرامتها التي يمتهنها ما يسمى بزوجها : لو سمحت يا سعيد انتظر في الخارج .
تمتم سعيد برفض : أوامر الباشا أن لا أتركك يا هانم .
لمعت الدموع الحبيسة بعينيها لتهمس باختناق : أنا لن اذهب لأي مكان سأحضر الملتقى في هذه القاعة ونعود سويًا .
ظهر الرفض في عينيه لتشعر بأنها على وشك البكاء لتهمس : أعدك أني لن أخبره أنك ابتعدت عني وأنت لا تخبره أنك انتظرتني خارجًا .
زم شفتيه ليهمس بصوت مكتوم : أنا لا أكذب على الباشا ولا اخدعه .
تمتمت بسرعة : حسنًا ما رأيك أعود معك للبيت غاضبة لأني لم أحضر الملتقى الذي أريد لأنك لا تريد أن تنتظر خارجًا ، اتبعت وهي تتماسك بصعوبة وقلبها ينتفض خوفًا أن تضيع فرصتها من بين كفيها بعدما شعرت بأنها امتلكتها لثواني معدودة - هل سيرضى عنك زيد حينما أعود غاضبة وحزينة ؟!
ارتجفا مقلتي سعيد ليشير برأسه نافيًا لتهمس : حسنًا كن متعاون يا سعيد اذهب للخارج وأنا أعدك أني لن أتحرك خارج القاعة ولن أخبر زيد أنك ابتعدت عني .
أومأ برأسه متفهمًا ليخطو للخارج بالفعل لتتنفس الصعداء غافلة عمن يراقب ما يحدث أمامه بتعجب قبل أن يهتف بجدية : هل تخلصت منه أخيرًا ؟! اعتقد أن والدك يخاف عليك كثيرًا لذا يرسل معك هذا المخيف .
رفت بجفنيها لتهمس بخفوت : إنه ليس والد..
صمتت وهي تبتلع بقية جملتها لتمأ برأسها إيجابًا فيتابع بابتسامة ودودة - اعتقد معه حق أن يخاف عليك أنت ..
صمت دون أن يكمل جملته لتتورد بعفوية وهي تشعر بأنه كان على وشك النطق بحديث كثير كتمه ولكن لمع بعينيه الرمادية لتتسع ابتسامته بترحيب ويهتف : تخيلي لم نتعارف للآن ، اتبع وهو يمد يده لها مصافحًا - أنا نبيل الألفي منظم المؤتمر ومصمم القاعة أيضًا .
اتسعت عيناها بانبهار لتهتف : حقًا ؟! أومأ برأسه فهتفت - إنها رائعة .
ضحك بخفة : سعيد أنها أعجبتك ،
صمتت فابتسم لها متسائلًا عن هويتها لتتورد بحرج وتهم بأن تخبره ليناديه أحدهم فيغمغم معتذرًا : المعذرة لابد أن أرى ما الأمر الدعوة التي تمتلكينها بها رقم مقعدك استريحي به وأنا سأطمئن عليك بعد قليل فيكفي أني منعت عنك حارسك الخاص لا نريد لوالدك أن يغضب منه.
ابتسمت بتوتر وهي تمأ بالإيجاب ليدعو إحدى الفتيات والتي استنتجت هي أنها من ضمن فريق التنظيم فهي ترتدي زي مشابه لشباب كثير يدورون في القاعة كخلية نحل تعمل بأوج طاقتها ليهتف بجدية : ارشدي الآنسة لمكانها واطمئني أنها استقرت بنفسك .
ابتسم : فرصة سعيدة .
تمتمت وهي تبتسم بنعومة : أنا أسعد يا باشمهندس .
اختفى من أمام عينيها في ثواني معدودة لتقف تنظر في اثره قليلًا قبل أن تنتبه للفتاة التي هتفت بها أن تتبعها وتريها دعوتها لترشدها لمكان جلوسها فتتبعها وهي تشعر بأنها تريد أن تنظر في أثره ثانيةً ولكنها تماسكت حتى لا تفعل حينما وقع بصرها على خاتم زواجها الذي لا تقو على خلعه منذ أن ألبسها إياه زيد وكأنه قيد وضعه حول عنقها يجذبها إلى القاع غرقًا كلما حاولت أن تنتفض ..تتمرد .. تسبح للأعلى لتنقذ نفسها فيغرقها من جديد .
***
يجلس على كرسي مزدوج موضوع جانب الشرفة المطلة على الحديقة الصغيرة المحيطة بالمسبح الصغير الخاص بفيلا زوجته بعدما أنهى حديثه الهاتفي مع والده الذي عاتبه على غيابه الليلة الماضية ولكنه طمأنه على أن والدته لم تنتبه لأمره فأبيه سحبها منذ الصباح ليخرجا سويًا في بادرة للتخفيف عنهما غياب شقيقته الصغيرة ، ابتسم بمكر وهو يفكر في الاتصال بشقيقته ولكنه عدل عن الفكرة حينما انشغل عقله بذاك الطيف الذي شعر بأنه رآه مجددًا في زفاف شقيقته .. طيف مر عابرًا لنفس الفتاة التي جذبت نظره من قبل ولم يدرك هويتها وحينما بحث عنها هذه المرة لم يستطع الوصول أيضًا وكأنها أميرة سحرية أتت من عالم الخيال .
ابتسامة ساخرة رسمت على شفتيه وعقله يزجره أن لا يفكر كثيرًا في شيء لن يفده فهو الآن مرتبط بأخرى يقضي معها كل أوقاته ، وكأنها تجسدت من أفكاره فأتت تتهادى بمشيتها الراقية بملابسها المختلفة فهي ترتدي شيئًا حقا لا يفهمه أهو فستان أم تنورة و بلوزة أم هو رداء ملفوف حول جسدها فيظهر بعضًا منه بفتنه تطغي على فهمه .
أشارت له بملامحها وهي تناوله قدح قهوته : ما بالك تنظر لي هكذا ؟!
ابتسم وأشار برأسه بمعنى لا شيء وهو يضع القدح بعيدًا عن كفيه ليسألها بتعجب  وهو ينظر إلى طاقم ملابسه غير الرسمي: لا أعلم كيف تعلمين مقاس ملابسي كل مرة ؟!
ضحكت برقة و أجابته : طبيعي أن أعلمه ، اتبعت بمكر وهي تبتعد عنه للكرسي الآخر – ألا تعلم أنت مقاسي الان ؟!
تشكل ثغرة بسمة عبثيه ليجيبها بمرح : اعتقد أني احتاج معاينة أخيرة .
صدحت ضحكتها عاليًا وهمت أن تجلس على الكرسي الآخر ليعبس بضيق ويشير إليها بان تجلس بجواره وهو يفتح ذراعيه فتتسع ابتسامتها لتقترب منه ولكنه لم يمنحها الفرصة وهو يجذبها إليه يضمها بتوق هاتفًا : وحتى إن علمت فلا أعلم هل سأقوى على شراء ملابس انيقة كهذة التي ترتدينها ، اتبع وهو يمرر شفتيه فوق جانب وجهها – فأنا اعشق تلك الأزياء التي ترتدينها رغم أني معظم الأحيان لا أفهم تصنيفها .
ضحكت برقة لتثرثر إليه وهي ترتشف قهوتها : إنه خط أزياء خاص بي .
رمقها بتعجب ليسأل : حقًا ؟! لديك خط خاص بك في الأسواق .
هزت رأسها نافية لتهمهم : لا بل أزياء خاصة بي أنا شخصيًا .
مط شفتيه باستحسان ليهمس وهو يمرر كفيه من أول كتفيها مرورًا بجذعها إلى أن استقرا فوق ردفيها فيمررهما صعودًا وهبوطًا عليها : أخبريني ما الذي ارتديته الآن ، ضحكت فأكمل متفحصًا وحديثه يرافق حركة كفه عليها فيجذب طرف رداءها : هذا من المفترض أنه شورت قصير للغاية اتبع وهو يعلو بكفه ملتصق بهذه البلوزة الملفوفة حول جسدك بطريقة غريبة فمنها لا تظهر مفاتنك ولكنها تدعك جذابة للغاية .
ابتسمت برقة وهي تتأمل جدية ملامحه ليهمس متبعًا وهو يجذب كتف رداءها : ما يروقني أكثر أن جميعها سهل خلعه .
ضحكت برقة وهي تتمسك بطرف رداءها حتى لا يخلعه مهمهمة : سليم توقف .
دفن أنفه في تجويف عنقها : أحاول .
اعتدلت لتواجهه وهي تجلس بين ساقيه فتسند ظهرها لساقه الذي رفعها لتتخذها مسندا وهي تضم ساقيها العاريتان لصدرها تسند ذقنها لركبتيها ثم تحيطهما بذراعيها قبل أن تسأله : هل اطمأننت على والديك وشقيقتك ؟!
أجابها بهدوء وهو يحتسي قهوته : تحدثت مع بّابّا ، أخبرني أنهما يتناولان الغذاء في الخارج بعدما أقنع سوزي هانم أن ترافقه اليوم بأكمله خارجًا حتى يلهيها عن فراق حبيبة ويلتهي هو بدوره .
أومأت برأسها متفهمة ليسألها بجدية وهو يتذكر حديث أبيه الحانق : بالمناسبة يا جيجي هل نستطيع اليوم الذهاب إلى الطبيبة فما حدث صباحًا من الممكن أن يتكرر وأنا لا أحبذ المفاجآت وخاصة أن الزفاف قريب للغاية ولكن ..
رفت بعينيها لتجيبه سريعًا : لقد ذهبت بالفعل .
رمقها بتعجب ليسأل بجدية : بمفردك ؟! لماذا لم تخبريني ؟!
اعتدلت وهي تربع ساقيها : هل كنت ستأتي ؟!
أجاب سريعًا : بالطبع أنت زوجتي وكل ما يخصك يخصني .
ابتسمت بتوتر لتنهض واقفة تضع قدح قهوتها بعيدًا : لم أفكر هكذا فكرت في أنك لن تفضل الذهاب للطبيبة النسائية معي وخاصةً حتى لا ترصدنا الصحافة أو أي شيء من هذا القبيل.
تمتم بهدوء : بل كنت سأذهب معك غير مهتمًا بأي شيء آخر سواك .
ابتسمت برقة وهي تحمل قدحه لتضعه بعيدًا هامسة حينما عادت إليه وهي تنحنى عليه تقبل شفتيه برقة : حسنًا لا تغضب أني ذهبت بمفردي .
لانت ملامحه وذراعيه ترتفعان لتحيطان بها فيجذبها إلى صدره من جديد : لست غاضبًا .
استلقت بحضنه لتهمس : أنت قلق لأنك صباحًا لم تتخذ حذرك أليس كذلك ؟! تنفس بعمق وهمهم إيجابًا فأكملت وهي تتمتع باحتضانه القوي لها : لا تقلق فالطبيبة منحتني جرعة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد ولكن اعتقد أنها مدة كافية لإقامة الزفاف .
أومأ برأسه إيجابًا فأكملت بهدوء : رغم أني أفضل تجديدها لمدة عام على الأقل حتى يتسنى لي الاعتناء بك وتدليلك كما أريد
ابتسم ليجيب بلا مبالاة : أنا لا مانع لدي ولكن حماك العزيز يحيا على حلم الأطفال الكثر الذين سأنجبهم لآل سليم وخاصةً أني طفله الوحيد لذا هو من قرر إقامة الزفاف في أقرب فرصه وهو من يريدنا ننجب سريعًا
ارتعشت ابتسامتها لتسأله وهي تستدير لتنظر إليه : وأنت ما رأيك
أجاب بعفوية :  أنا لا أهتم بهذا القدر لانجاب الأطفال ولكن رغم أني أريد إرضاؤه لا مانع من التأجيل قليلًا لتلقي الدلال الموعود .
ضحكت برقة وعيناها تشرق بسعادة لتلامس جانب فكه هامسة : أنت لا تشبه أباك يا سليم .
ابتسامة ساخرة شكلت ثغره ليهمس : يخيل إليك .
نظرت له بدهشة لتهمهم : ولكنك لا تغار مثله ، ليس مثلما يقولون عنه .
ابتسم بطبيعية ليجيبها : لا ، بأمر الغيرة لا أشبهه ، اتبع بضحكة مرحة - وأحمد الله على ذلك .
ضحكت برقة لتهمس : بل أنا من تحمد الله فوالدك صعب للغاية .
ضحك بخفة ليهتف بمرح : حسنًا بم أننا في الأمان لنسافر اليوم بدلًا من الغد.
نظرت إليه بدهشة : نسافر ؟!
أومأ برأسه وهو يدير عينيه عليها بلهفة تجددت : نعم لقد حجزت لنا شالية خاص بمرسى علم لنقضي به الأيام القادمة قبل بداية رمضان ، اتبع وصوته يختلج بموجات توقه : فأنا أتوق للسباحة معك في بركة خاصة وأنت ترتدين ذلك الزي الذي رأيته عليك من قبل .
عبست بتعجب لتسأله بهمس مغري : زي السباحة الأسود ، أومأ برأسه إيجابًا فأكمل وهي تنقلب على بطنها فتصبح نائمة فوق جسده - الذي طلبت مني أن لا ارتديه ثانيةً .
أومأ برأسه دون رد وهو يقع أسير نظراتها الماكرة لتكمل باغواء أنثوي تعمدته : متأكد .
همس بصوت أبح وكفيه تمسدان ظهرها : نعم .
لتسأله وهي تحافظ على اتصال بصريهما : ولكنك لم ترى الاحمر ذو القطعتين .
انتفض جسده باستجابة ليهمس بخفوت وهو ينغمس بها : بكيني ؟!
مطت شفتيها لتومأ برأسها إيجابًا فيكمل وهو يضمها أكثر إليه - هذا لا نحتاج أن نسافر لأراه ، لأنك ستنهضين
وترتديه لأراه عليك .
لامست حدود فكيه بظهر سبابتها في حركة بطيئة : حقًا تريدني أن انهض ؟!
هز رأسه نافيًا : نعم ولكن ليس الآن .
اعتدل بجلسته ليجلسها من فوقه وهو يعالج طرفي ردائها فيجذبهما للأسفل - فالآن سأتلقى الدلال منك كما لم تفعلي من قبل .
حركت جسدها وهي تتمسك بكتفيه لتخلع عنها بقية رداءها هامسه بطاعة أشعلت ما تبقى من عقله : سأدللك كما لم تتخيل قط يا سليم .
جذبها إليه ليلتهم شفتيها في قبلات عديدة متكررة همست إليه من خلالها وهي تتوحد معه : أنا أحبك يا سليم أحبك.
***
يجلس كالمارد يستمع بدقة لما يقوله الآخر فيومئ بعينيه إلى أحد رجاله الذي داعب جهاز لوحي أمامه ثم يهز رأسه إيجابًا فينطق زيد بجدية : نصف الأموال أصبح في حسابك والنصف الآخر سيحول حينما نستلم الشحنة .
رمقه الآخر قليلًا ليتحدث بجدية وبلكنة انجليزية شرقية : الاتفاق كان على تسليم الشحنة بعرض المحيط يا مستر زيد .
أومأ زيد بعينيه ليجيب : نعم أعلم ، فرجالي يستطيعون تمريرها للداخل ، لا تشغل رأسك أنت فقط أريدها كاملة لا تنقص بارودة واحدة .
ابتسم الآخر بملامحه الأجنبية : لا تقلق ، إنه ليس تعاملنا الأول معك .
ابتسم بثقة لينهض فيصافح الآخر الذي تحرك منصرفًا يتبعه رجاله ليلتفت زيد إلى الآخر الجالس أمامه : اتصل بها فأنا أريد الحديث معها .
وقف ينظر من فوق الارتفاع الشاهق لهذا البرج المميز من خلال شرفة شقته الخاصة في تلك البلد المميزة ليأخذه عقله لها فيشعر بشوقه يضمر داخل أوردته .. وتوقه إليها يفقده صبره .. ولهفته لوجودها -وهي الغائبة عنه -تثير ضيقه ، زم شفتيه وهو يتطلع في ساعة معصمه الحديثة قليلًا قبل أن يداعبها ببعض لمسات فيبتسم باتساع وهو ينظر من خلال شاشته المستطيلة إلى وجهها الجميل .. ملامحها المنقمة .. وابتسامتها الرقيقة .. ونظراتها المنبهرة ، فيعبس بضيق وهو يفكر في من تطلع بهذا الانبهار ، أتراه هو ؟!!
فهو يدرك جيدًا وجود الآخر وأنه أحد القائمين على انطلاق فاعليات هذا الملتقى التي بذلت كل ما بوسعها لحضوره ، اهتزت حدقتاه بجنون وهو يفكر هل فعلت كل هذا لتلتقي الآخر رغم عنه ، تشنج فمه بغضب سرى بأوردته ليهتف بخشونة : هاتف لي سعيد الآن .
عبس الآخر بتعجب ولكنه أطاعه ليأتيه صوت سعيد متوترًا أو هكذا تخيل ليسأله بصرامة : أين الهانم ؟!
تحدث سعيد بسرعة : تجلس في مقعدها يا باشا تشاهد عرض ما عن الأخشاب أو المباني أنا لا أعرف حقًا .
تمتم زيد بضيق : مرر لها الهاتف .
صمت سعيد قليلًا ليجيبه : لا أستطيع فهي تجلس بالمقاعد الأولى وأنا أقف بآخر القاعة .
هدر بغضب : ألم أخبرك ألا تتركها وحيدة ؟!
تلعثم سعيد ليبرر : لم أفعل فقط ما حدث ..
قاطع صوت سعيد صوتها الهادئ وهي تتحدث بهدوء : ما الأمر يا زيد ؟! لماذا أنت غاضب ؟!
صمت ليهتف بضيق : ماذا كنت تفعلين ؟!
أجابته بهدوء وهي تشير للرجل بأن يهدأ تتحكم في خوفها بصلابة وتتماسك لأجل هذا المسكين الذي راسلها سريعًا حينما رن هاتفه باسم سيده يخبرها أنه سيلقى حتفه اليوم بسبب ابتعاده عنها : كنت أجلس لأشاهد شيئًا ما يعرض وحينما انتهى قررت أن أتحرك و أت بجوار سعيد حتى لا تغضب فهو لم يقوى على المكوث معي فمقعدي على طاولة جميعها من الفتيات وأنا شعرت بالحرج أن أزجه وسطنا فأخبرته أن يعود للخلف قليلًا وخاصةً أن جسده الكبير نسبيًا سيعوق من خلفنا عن الرؤية .
تمتم بضيق : ولكني أخبرتك أن لا تبتعدي عنه ،
تمتمت بحزن : كنت سأفعل و أعود للوراء بجانبه ولكني لم استطع رؤية ما يعرض جيدًا من الخلف 
زم شفتيه قليلًا ليسأل بغيرة وجنونه يضيء عيناه السوداويتان : ما الذي ترينه من الأصل ؟!
همست بحماس : اشياء كثيرة رائعة لقد تعلمت اليوم و رأيت أكثر مما فعلت في الجامعة ، وكم أتوق أن اسجل اسمي بالدورة التدريبية التي تتبع الملتقى ، إنها رائعة يا زيد .
صمت مبهم خيم عليهما لتهمس بجدية : زيد ، هل لازلت معي ؟!
تمتم بجمود : نعم ،
سألته ببطء : هل سمعت ما أخبرتك عنه ؟!
أجاب من بين فكيه : نعم .
تمتمت : إذًا هل أسجل اسمي ، أم ما رأيك ؟!
أجابها باقتضاب : حينما تعودين سنتحدث في هذا الأمر .
رفت بعينيها وهي تشعر بروحها تختنق ببطء : حسنًا .
سأل بجدية : هل ستظلين عندك للمساء؟!
تنفست لعلها تطرد الخنقة التي أُحكمت حول حلقها : لا سينتهي الملتقى بعد قليل فهو مستمر للغد و تستطيع غدًا أن تأتي معي أليس كذلك ؟!
أجاب باقتضاب : سنرى حينما تعودين .
صمتت قليلًا قبل أن تسأله : هل تريد التحدث مع سعيد ؟!
همهم برفض ليهتف بجبروت : أخبريه أن يعود بك الآن .
شحب وجهها بذهول لتهمس : ولكن ..
قاطعها بجدية : الآن يا أسيل فأنا صبري على ابتعادك نفذ .
أحنت رأسها بخضوع : حسنًا ، سآتي الآن .
انهت الحديث لتنظر إلى الضخم ذو الوجه الممتقع لتبتسم له مطمئنة : لا تخف لقد انطلى عليه الأمر ، أنا آسفة إن كنت ورطتك معي.ابتسم سعيد بتوتر : لم أقصد يا هانم والله ولكن أنت الأدرى بزيد باشا و ..
صمت سعيد بحرج فابتسمت بتوتر لتهمهم وهي تناولت هاتفه : نعم أنا الأدرى .
اتبعت وهي تخطو أمامه : هيا فنحن سنغادر .
سأل سعيد بدهشة : وبقية الملتقى .
ابتسمت بألم ومض بعينيها لتجيب وهي تحافظ على المتبقي من كرامتها : لا يهم يا سعيد ، هيا بنا.
نظر إليها سعيد بحزن ليبتسم بتوتر قبل أن يهمس لها بهدوء حينما استقلت السيارة : لا تحزني يا هانم ، الباشا يحبك كثيرًا ويخاف عليك أكثر ، لذا هو يحافظ عليك بطريقته .
ابتسمت ساخرة لتهمس بوجع : أعلم يا سعيد ، أعلم .
ألقتها وهي تسند رأسها للزجاج السيارة العاكس فلا يظهر من يستقل السيارة ولكنه يمنح الراكبين حرية النظر للخارج ، فتطلع إلى معالم المدينة التي لأول مرة تراها رغم أنها تسكن بأحد أبراجها الشهيرة منذ العشرة أيام ولكنها لم ترى أي شبر في هذه المدينة التي كانت تتوق للمجيئ لها ، فزيد يعتقلها في بيته .. غرفته .. وفراشه ولا يسمح لها بالخروج أبدًا سوى معه هذا إن عتقها لوجه الله وقرر الخروج ، وأحيانًا لا يسمح لها بالخروج معه متعللًا بالعمل ومقابلات العمل كما فعل من قبل وهما بباريس ولندن والبندقية فالثلاث مدن اللائي زاراها في رحلة شهر العسل المزعومة لم تخرج بها إلا مرات معدودة لترى اشياء بسيطة قبل أن يعاود زيد حبسها إلى جواره من جديد ، تنهدت بحرقة وهي تنظر للشوارع الجميلة وعقلها يتساءل هل ستقوى على رؤيتها من جديد أم أنها المرة الأخيرة التي ستنظر إلى الخارج فيها !!
***
تخطو بدلال كعادتها نحو مكتبه الذي تعلم مكانه جيدًا ، تبتسم بأنوثه مغوية وهي ترمق بطرف عينها نظرات الرجال بعضهم مبهور والبعض الآخر يسيل لعابه عليها ، فتحتفظ بثقتها الكبيرة في ابتسامة مغرية وهي تتذكر التعليمات الجديدة ، رغم أنها حاولت أن تقنع الآخر بأن ما يطلبه يعد مستحيلًا إلا أنه زمجر غاضبًا وأجبرها على المحاولة وها هي تزور الشبل الصغير لعلها تقوى على تحقيق رغبات المجنون الذي زجها في خندق لا علاقة لها به .
ابتسمت لسكرتيرته وسألتها بلا مبالاة وهي تخطو نحو باب المكتب : أدهم بك بالداخل .
انتفضت الفتاة وهي تصيح بها : انتظري من فضلك ، لا تدخلي إليه .
ولكنها لم تهتم وهي تدير مقبض الباب لتهتف بلغة انجليزية ذات نبرة مرحة : مفاجأة .
وجمت ملامحها وهي تقع في فخ النظرات المتأملة لها ، تضيق في تفكير وهي تتأملها فتشعر بالخوف وهي تلتقط شرارة الغضب التي لمعت في بنيتين المهاب الذي يجلس فوق كرسيه بشموخ وكبرياء يعتلي هامته قبل أن يرمق ولده باستهجان ، ولده الذي استدار إليها بوجه ممتقع وتساؤل مرتبك : بسمة هانم ، أهلا وسهلا بك ، تفضلي .
رف بعينيه قبل أن يدير نظره للسكرتيرة وهو يتبع - لا أذكر أن هناك موعد بيننا .
تمتمت بسمة سريعًا : نعم بالفعل ولكني توقعت .. صمتت وعينا أدهم تشتعل بغضب فغدى يشبه أباه أكثر فتتابع هي بارتباك - المعذرة يا باشا لم أكن أعلم بوجود سيادتك ، وأردت أن أفاجأ أدهم قليلًا ولم امنح السيدة أي فرصة للشرح .
عبوس طفيف داعب حاجبي وائل الذي اعتدل بجلسته قبل أن يسأل بملل : وأنت .. من ؟!
ارتبكت ليجيب أدهم بسرعة بعدما نظر إليه أبيه بحدة : السيدة بسمة يا بابا مدير تسويقي لإحدى الشركات العالمية التي تعمل مع المؤسسة .
رفع وائل حاجبه ليهتف بجدية : إذًا السيدة قادمة لأجل العمل .
ابتسمت بسمة لتهتف بسرعة : بالطبع يا باشا .
ليكمل وائل بتعجب افتعله وكأنه لم يستمع إليها : دون موعد .
أجاب أدهم بسرعة : لا يا سيادة الوزير لقد منحتها موعدًا ولكني نسيت إبلاغ رحمة به ، استدار أدهم لرحمة ليكمل - تفضلي يا رحمة أنت .
تحركت رحمة بثقل وبطنها المنتفخ قليلًا تعوق حركتها الطبيعية لتغمغم بكلمات غير معروفة المعنى لتهتف بسمة بدورها : حسنًا سأنصرف أنا و أعود لاحقًا فلا يصح أن أقاطع موعدك مع الباشا .
صافحها ادهم برسمية ليهتف بلباقة : اعتذر منك يا هانم ولنحدد موعدًا آخر .
ابتسمت برقة لتومئ براسها إلى وائل : فرصة سعيدة يا باشا .
أجاب وائل برأسه في إشارة تنم عن تحية لم ينطق بها ليتابع ولده الذي تحرك خارجًا ليوصل الأخرى التي اثارت تفكيره قبل أن يعود سريعًا فيبتسم بتوتر في وجهه ويهتف بجدية حاول أن يتمسك بها : المعذرة يا بابا لما حدث .
اضطجع وائل في جلسته ليتأمل أدهم مليًا قبل أن يهتف بجدية : اسمع يا أدهم ، نصيحتي هذه ضعها أمام عيناك في طريقك القادم كله ، إذا أردت أن تنجح في حياتك .. عملك .. مستقبلك المهني .. وتصل لمبتغاك ، لا تخلط أبدًا العمل بمتعتك الشخصية ، فهكذا الأمر لا يستقيم .
نهض وائل واقفًا فنهض أدهم بدوره ليدور وائل حول المكتب ليجلس في الكرسي المواجه لمجلسه قبل أن يشير إليه بالجلوس هاتفًا برزانة : أعلم أنك شاب .. تعشق النساء وطائش كعادة المراهقين ، لا أنكر أنك ذكي ونابغة في الأعمال ، بل إنك مفاوض بالفطرة و تمتلك كل مقومات السياسي التي إذا طورتها سيعلو نجمك وتصل لما تحلم ، ولكن عشقك لكل ما هو مؤنث سيرمي بك إلى التهلكة وسيهدم كل شيء فوق رأسك.
النساء يا بني عالم واسع .. وبحر عريض .. أسود حالك لا يشي بم في باطنه إلا حينما يغرقك فيه ، مالح كثيرًا فمهما شربت لن تشعر بالارتواء بل سيزيد من عطشك أكثر وأكثر .. دواماته صعبة .. وأمواجه هادره وحتى إن كنت راكب أمواج شاطر لن تقوى على ركوب الأمواج إلى الأبد ، سيأتي عليك يومًا تشعر بالإنهاك وحينها ستغرق إن لم تستطع السباحة أو الأسوأ أن تترك نفسك للتيار فيسحبك لتغدو إلى تابع بعدما كنت سيد قرارك.
رف أدهم بعينيه كثيرًا وآثر الصمت ليسأله وائل : هل فهمت ؟!
أومأ أدهم برأسه إيجابًا ليتبع وائل ببطء - أعلم انك لن تقوى الآن على الالتزام .. أو الثبات .. أو حتى الإقلاع عن عادتك السيئة العائدة لهرمونات ذكورتك التي في أوجها ولكني سأنصحك ببعض الأشياء ، أولًا لا تخلط عملك أبدًا بمتعتك ، وإلا ستفقد رأس مالك مقابل متعة زائلة تختفي مع الوقت ، وإن ذاع صيتك بأنك تمتلك هذه الصفة السيئة سيعرف الجميع نقطة ضعفك وحينها ستكون هدف سهل أمام الجميع.
ثانيًا لا تضيع زهرة عمرك مع كثيرات خاصةً إن كان قلبك مملوك لإحداهن غامر و حاول اقتناص قلبها أو انتزع حبها من قلبك و حب أخرى غيرها لكن لا تركض وراء الكثيرات لتنسى واحدة لأنك لن تنساها أبدًا .
ثالثًا لا تغرغر بفتاة مهما كان غرضك وأعلم أن قول لا ينهي الأمر قبل بدايته فلا تحارب معركة خاسرة
رابعًا وهذه أهمهم لا تلمس امرأة في حرام قط لا تفعل الكبائر ، لا مانع أن تتزوج أيا كان نوع الزواج يا أدهم ولكن لا تقربها في الحرام.
احنى أدهم رأسه بحرج فجائي داهمه ليهتف وائل بجدية : تلك السيدة التي كانت هنا .
صمت وائل بطريقة مدروسة فسأل أدهم سريعًا : ما بها ؟!
زفر وائل وهو يرمقه بعينيه قليلًا : خذ حذرك منها يا بني ، فأنا لم أشعر بالراحة ناحيتها .
ابتسم أدهم ليغمغم بمكر : شعورنا واحد يا بابي ، ابتسم وائل منتبهًا لنظرات ولده الذي نهض متبعًا - أنا فقط اسايرها لأعلم ماذا تريد فهي تريد شيئًا وتظن أني سأنفذه لها .
ومض الفخر بنظرات وائل ليكمل أدهم وهو يتجه نحو المكتب : تشرب قهوة ونعود لعملنا .
ضحك وائل بخفة : أنت مثير للاهتمام يا ولد .
أجابه أدهم بمرح : أنا تحت النظر يا معالي الباشا .
تعالت ضحكات وائل ليشير إليه : اطلب القهوة وتعال لتقص لي حكايتك معها .
داعب جهاز صغير بجوار المكتب وهو يهتف بطاعة : أمرك يا بابي
***
تملصت من احتضانه القوي لتنهض بجذعها هاتفه بطفولية : عمر أنا جائعة .
زم شفتيه ليجذبها من جديد إلى صدره هاتفًا بتبرم وقح : أنا من أبذل المجهود وأنت من تتضورين جوعًا .
شهقت و وجهها يحتقن بالأحمر القاني لتدفعه بعيدًا هاتفة : عمر توقف عن الوقاحة .
ضحك بخفة ليغمز إليها بشقاوة : بالله عليك هل ستقدرين على الاستغناء عن وقاحتي إذا توقفت ؟!
تحكمت في ابتسامتها التي زانت عيناها لتتحاشى النظر إليه فيلكزها بكتفه في كتفها ليكمل مهمهمًا و ذراعه تلتف حول خصرها ليحتضنها بقوة هامسًا بعتاب مفتعل - ثم تنكرين أني اطعمتك كثيرًا وكثيرًا .
عضت شفتها بخجل لتهمس باسمه في دلال حيي : عمر .
تمتم وهو يقبل أذنها بخفة : عيون عمر وقلبه وبطته التي يتوق إلى التهامها .
تمتمت وهي تدفعه برقة : أنا بالفعل جائعة فمنذ الصباح لم أتناول سوى قدح الشاي باللبن والذي لم أكمله .
تنهد بقوة ليهمس بضيق : حسنًا سأت لك بالطعام يا حبيبة .
شهقت بصدمة : هنا بالفراش .
انتفض واقفًا ليجيبها بجدية : نعم فأنت ممنوع عنك النهوض من الفراش هذا إلا بعد غد لمقابلة المهنئين .
عبست بعدم رضا لتكتف ذراعيها في ضيق اعتلى ملامحها فأكمل بعدما ارتدى بعضًا من ملابسه : حسنًا لا تحنقين ، سنذهب لغرفة المعيشة .
هتف وهو يتحرك نحو دورة المياة ليتوقف ويسألها : لن تأتي ؟!
لم تستطع أن تكتم ضحكتها لتشير برأسها نافية : سأستخدم دورة المياة الأخرى .
لوى شفتيه بضيق : حسنًا على راحتك ولكن لا تتأخري ثم إني أريد طعام كالطعام الذي كان يرسل لأسعد ، هذا الطعام الذي تعده لولا خصيصًا .
هزت رأسها بيأس لتهتف به : أخرج أسعد من رأسك يا عمر ، ولا تقلق فلولا من أعدت الطعام .
أطل عليها ليسألها بدهشة : حقًا ؟!
أومأت برأسها : لقد أقسمت أن تفعل احتفاء بي .
صفق بيديه ليهتف بمرح : حسنا اعديه سريعًا فأنا بالفعل بدأت أشعر بالجوع .
ضحكت برقة لتتحرك بهدوء تجذب ملابسها من غرفة الملابس وهي تتجه نحو دورة المياة الخارجية لتحصل على حمام سريع حتى تقوى على تحضير الطعام .
خرجت بعد قليل لتنتبه إليه يقف بالمطبخ بالفعل ليرص الطعام بأطباق التقديم فتسأله بدهشة : أنت من فعلت كل هذا .
رفع عيناه إليها فتتعلق نظراته بها ليهمس بعشق ومض بزرقاويتيه : اللهم صل وسلم وبارك عليك يا نبي .
توردت رغمًا عنها لتهمهم بخجل : توقف يا عمر .
تنهد بقوة ليقترب منها بخفة يضمها إلى صدره ليطبع قبلة قوية فوق وجنتها : أريد ولكني لا أستطيع يا حبيبة ، أنت جميلة للغاية وأنت هكذا ببشرتك الصافية وشعرك المموج وتورد وجنتيك اثر استحمام دافئ حصلت عليه بعد موجة وصال أسعدتنا سويًا .
ضمها إلى صدره ليقبل رأسها : الحمد لله على نعمة وجودك معي .
ضمت نفسها إلى صدره لتهم بالحديث فيقاطعها بجدية - اذا كنت سترددينها على مسامعي ثانيةً فلا تفعلي اعتقد أنك اصبحت تدركين تأثيرها علي جيدًا .
ضحكت بخفة ليكمل وهو يبعدها عنه قليلًا - اجليها قليلًا حتى نتناول طعامنا فأنا أريد شحن طاقتي .
أغمضت عيناها بيأس ليكمل بجدية : و أريد أن أتحدث معك أيضًا وأخبرك عن مفاجأتي الثانية .
سألته بفضول وهي تحمل الأطباق للخارج : وما هي ؟!
تمتم بجدية وهو يتبعها حاملًا للأطباق بدوره : بعد الطعام سأخبرك .
جلسا سويًا ليتناولا الطعام في ظل مشاكساته التي لا تنتهي فيثير ضحكاتها رغمًا عنها ليبتعد عن الطعام وهو يهتف بثقل : الحمد لله لقد شبعت ، الآن أدركت حديث عمار عن المحشي والحمام .
اتبع بانبهار - لم اذق مثلهم في حياتي ، رغم أن ماما تعد الطعام بطريقة رائعة ولكنها لم تعد الحمام أبدًا ولا محشي بمثل هذا المذاق .
تمتمت حبيبة بمشاكسة : هذا محشو اصلي يا سيادة الافوكاتو ، ليس مثل محشو السفراء الذي تعده والدتك .
عبس قليلًا ليسألها بصدمة : أنت تتحدثين عن طعام والدتي بأنه ليس أصلي .
تضرجتا وجنتاها بحرج لتهمس : لم أقصد هذا بل ما قصدته إنه ليس جيدًا مثل محشو عمتو .
هتف بمرح فاجئها : بالطبع ليس كالذي تعده عمتك ، لولا موسوعة يا بنتي ، ماما نفسها تتحدث عن طعامها ، اتبع بتحذير - ولكن إياك أن تخبريها أني قلت هذا ، أمام نولا نحن نتحدث بكل فخر عن طعامها الذي لا مثيل له حتى وإن كان لا طعم له .
انفجرت ضاحكة ليضحك بدوره قبل أن يسألها : وأنت مثل ابنة السفير أم ورثت نفس عمتك .
رفعت حاجبها هاتفه : هل تعترض يا بك ؟!
ابتسم بشقاوة ليهمس وهو يقترب منها بتؤدة : وهل أقوى يا بطة البك .
حركت كتفها بعفوية لتهتف : نعم هكذا أفضل .
شهقت بخفة حينما غرس أسنانه بلطف في كتفها فتهتف وهي تدفعه بلطف : عمر هل جننت ؟!
نظر إليها ببراءة : كنت احلي بعد الطعام .
رمقته بعتاب لتهمس بضجر : ألا يكفيك التشوية الذي فعلته بي ؟!
لوى شفتيه ليهمس بحنق : تشويه ؟! رمقته بضيق ليتابع - إنها المخطوطة الأعظم في الفن التجريدي ،
ضحكت مرغمة لتهمس بعدم أمل : فقط لا أفهم كيف سأقابل الجميع غدًا هكذا .
رمقها من بين رموشه قبل أن يجيبها هازئا : حينها ضعي الوشاح ، أو لنقل فكرة أخرى تحجبي سيكون الوضع هكذا أفضل .
رمقته بصدمة لتتعالى ضحكاته أكثر فتضحك مرغمة ليجذبها إلى صدره ليقبل جبينها قبل أن يهمس بخفوت : فقط عليك أن تعتادي يا حبيبة وترتدين الاشياء المغلقة قليلًا و أنت بالأساس ملابسك ليست مكشوفه .
أومأت برأسها إيجابًا وهمت بأن تنهض ليبقيها في صدره يتمسك بها قليلًا ليهمس إليها : ألا تريدين سؤالي عن أي شيء يشغل عقلك ؟!
عبست بتفكير : مثل ماذا ؟!
تنهد بقوة ليهمهم : عن مفاجأتك مثلًا .
ابتسمت وهزت كتفيها كعادتها لتهمس : بل انتظرك أن تخبرني عنها .
خفض بصره قليلًا ليهمس بجدية : ولا تريدين سؤالي عن أمر جومانة .
توترت نظراتها لتشير برأسها نافية : بل لا أريد الحديث أبدًا عنه يا عمر لأني أدركت الأمر حينما سمعت عم فعلته معها .
تمتم : ولكني مدين لك بالاعتذار يا حبيبة كان المفترض علي اخبارك .
هزت رأسها لتجيب باقتناع : ليس عليك أي شيء يا عمر .
ابتسم بفخر ومض بعينيه ليهمس إليها : أنا أحبك يا حبيبة أحبك و أعدك أني لن اؤذيك أبدًا أو اجرحك .
ابتسمت وعيناها تبادله اعترافه باعتراف مدوي خرج من عمق روحها ليشير إليها بجهازه اللوحي : انتظري شيء أخير وبعدها سأطلبها منك إن لم تنطقي بها بمفردك .
ضحكت لتنتبه إلى ما يشير إليه : انظري هنا هذه مفاجأتي الثانية
عبست بتعجب وعيناها تركض فوق الأحرف بعدم تصديق لترفع عيناها إليه بتساؤل صاحت به في انفعال : حقًا يا عمر ؟!
أومأ برأسه ليثرثر بسرعة : لقد رأيت الإعلان في الجامعة واستفسرت فعلمت أنهم يطلبون مدرسين دون تعيين يدرسون لطلاب الانتساب فقدمت أوراقك في البرنامج ولانك حصلت على الماجستير وتعدين رسالة الدكتوراه وافقوا عليك بسهولة .
اهتزت حدقتيها بشك فهز رأسه نافيًا : لم أوصي بك إلا عندما سألني رئيس القسم عنك بشكل مباشر ، اتبع ببسمة فخورة - حينها منحته توصيتي الكاملة .
صرخت بسعادة وضحكاتهم تتعالى متزامنة مع دموعها التي انهمرت من عينيها لتقفز فتحتضنه بأريحية وهي تهتف بنبرة عاشقة : أنا أحبك يا عمر .. أحبك .. أحبك .
ضمها إلى صدره وهو يقهقه بقوة ليهتف بدوره : وأنا أحبك يا حبيبتي .. يا بطتي .. يا حلمي الذي أصبح مجسدًا بين يدي .
لمعت عيناها بسعادتها رغم دموعها لينظر إليها بعتاب وهو يمسح وجهها بكفيه : لا تبكي .
تمتمت بعدم تصديق : أنت حقيقي أم أنا أحلم ؟!
ضحك بخفة ليميل برأسه فيعض كتفها فتتأوه من بين ضحكاتها لتدفعه برقة : خلاص ، صدقت أنك لست حلمًا .
غامت عيناه بعاطفته ليجذبها معه يدفعها بلطف نحو غرفتهما القريبة هامسًا : سأثبت لك الآن أني حقيقيًا وللغاية أيضًا .
تناثرت ضحكاتها فيلملمها بقبلاته التي التهم بها شفتيها وهو يهمس من بين قبلة وأخرى : أنا أحبك يا بطتي .
***
يجلس بسيارته يدق فوق المقود بطرف سبابته في رتابه وهو ينظر إلى الساعة الرقمية الوامضه بتابلوه سيارته المتطور ينتظر أن يمر الموعد فلا تأتي أو تتأخر ليعود بسلام إلى منزله فاليوم إجازته من عمله الذي يتوق فيه إلى النوم ولولا إلحاحها عليه بالمقابلة لم يكن ليخرج به بل كان سيبقى بجوار لولا يتنعم بدفئها وطعامها الذي لا مثيل له .
زفر بقوة وعقله يحصي الثواني وابتسامة ماكرة تتشكل على ثغره منتظرًا أن تمر الدقيقة الأخيرة فيعود من حيث أتى دون أن تظهر هي ، جمدت عيناه حينما التقط بنظراته وصول سيارتها الصغيرة التي تشبهها .. تليق بها .. وتتماثل مع لون عيناها الرائق ، اطبق فكيه وهو يراقبها تترجل من سيارتها فيتفحصها بنظراته كعادة لديه لا يقوى على التخلص منها إلا وهي تفحص كل ما يمر أمام عينيه وتصوير عقله بأدق التفاصيل التي تمر به فيجد نفسه يلتقط حذاءها العالى بلونه الابيض ورقبته العالية التي تصل إلى ركبتيها فتخفيهما لتترك ساقيها اللتان يظهران بقدر ضئيل تخفيه تنورتها الصوفية الضيقة بلونها الوردي الباهت والمتلائم كثيرًا مع بلوزتها الصوفية ذات الرقبة العالية بلونها الأبيض والتي ترتديها أسفل السترة الجلدية الكحلية والتي انعكست بألق خاص فوق وجهها المزين بدقة وخصلات شعرها المصفق بعنايه رغم انسياب خصلاتها من حول ملامحها بشكل بري ناسب مظهرها ، تمتم بضيق ليخفض عينيه وهو يستعد للترجل بدوره بعدما التقط وقوفها تنظر من حولها تبحث عنه وهي تداعب هاتفها : تبًا للذاكرة الفوتغرافية والرؤية الحادة أيضًا ، سامحك الله يا بابا .
ابتسمت بترحاب حينما طل عليها بطوله الفارع فتدير بصرها عليه باستكشاف بينما هو وقف بأريحية بعدما منحها التحية دون أن يخرج كفيه في جيبي بنطلونه ذو اللون العاجي والملائم لسترته الثقيلة بلون متدرج بين البني والعسلي والمغلقة ما عدا أول ذرين منها فيظهر وشاح رقبته الصوفي بلونه المتداخل بمربعات صغيرة وكبيرة ما بين درجات البني والعاجي والأبيض ، اخفضت بصرها لتنظر إلى حذاءه الرجالي الأنيق رغم كونه غير رسمي فتهمس برقة : رائع .
عبوس طفيف ونظرة عيناه المتسائلة دون حرف فأكملت برقه وهي تمد كفها له - أعجبت بحذاءك .
ألقى نظرة غير مهتمة على حذاءه ليهمس بمزاح ساخر : تفضليه .
ضحكت برقة : شكرًا ، مقاسه لا يناسبني .
تنفس بعمق واثر الصمت لتسأله : لن ندلف ،
تمتم بهدوء : بلى سنفعل فقط منحتك الفرصة كاملة أن تتأمليني كما تفعلين دومًا .
تضرجتا وجنتاها بالأحمر القاني لتبتسم بحرج فيشير إليها أن تتقدمه : تفضلي .
تقدمته بالفعل ليتأخر عنها قليلًا يخفض بصره حتى لا ينظر إليها  وهي ترتقي درجات السلم القليلة لمطعمه المفضل توقفت عند الباب ليبتسم بتهذيب وهو يفتحه لها فتمر من أمامه لتندهش حينما أتاها ترحيب مدير المطعم به : دكتور عادل ، أنرت المكان بوجودك ، اتبع وهو يومًا لها مرحبًا - شرفتنا بالحضور يا هانم .
أومأت برأسها للرجل الذي صافحه عادل متبادلًا معه بعض من الحديث اللبق قبل أن يشير إليه بترحاب : طاولة سيادتك مجهزة يا بك ، تفضل .
أشار إليها عادل أن تتقدمه ليتحرك من خلفهما الرجل ليسحب إليها الكرسي في حركة مهذبة أنيقة ليمأ له عادل الذي انتظر جلوسها قبل أن يجلس بدوره : شكرًا يا سيد محمد ، هلا امهلتنا قليلًا فقط لتقرر السيدة ماذا ستطلب ، أما أنا فكما المعتاد .
اجاب الرجل بتفهم : حالًا القهوة ستكون هنا إلى أن يعد الشيف أطباقك المفضلة.
هم بالابتعاد لتهمس لارا بخفوت دون أن تنظر إلى قائمة الطعام : أنا لن اختار ، سأدعك تنتقي لي على ذوقك كما كنت تفعل قديمًا.
ومضت عيناه بسمة أخفاها خلف جفنيه ليرفع رأسه مناديًا على محمد من جديد بابتسامة غير محددة التفاصيل : يا سيد محمد ضاعف الأطباق من فضلك ، اتبع وهو ينظر إليها - فالهانم تثق بذوقي.
تمتمت وهي ترمقه بعينيها : لطالما وثقت بك يا عادل .
ابتسم ابتسامة جانبية ماكرة لتلتقط أذنيه الاغنية الدائرة من حولهما بصوت الهضبة كالعادة فيدندن بعفوية معها فتعبس بتساؤل : إنه الهضبة .
أومأت برأسها متمتمة : أعلم أنك تعشقه .
ابتسم لها وعيناه تومض بجاذبية خاصة به : نعم يغني "و اهي ذكريات "
تصلبت ملامحها و أجفلت حينما دندن مع الاغنية نهايتها :
عماله بتيجي في بالي
وبفتكر اللي فات
والعمر يعدي قصادي
ويتعاد فحكايات
واهي ذكريات
ازدردت لعابها بتوتر لتسأله بحنق وضح : ماذا تقصد يا عادل ؟!
ابتسم بدهشة تحكم بها في مهارة : لا شيء ، أنا أدندن مع الأغنية كعادتي ، أم لعلك نسيت .
تحكمت في ملامحها لتبتسم بتوتر هامسة : أنا لا انس أي شيء يخصك يا عادل .
تطلع إليها بتعجب ليسأل بعدم تصديق : حقًا ؟!
زفرت بقوة لتهمس : أعلم أنك عاتب .. ضائق .. أو لعلك غاضبًا لاختفائي الماضي ولكن .
قاطعها بهدوء مدعيًا عدم الفهم  : اختفاءك الماضي ؟! ضيقت عيناها ليتابع بلا مبالاة حقيقية - تقصدين عندما تركتني في الماضي حين أزمة ساقي .
همت بالحديث ولكنه قاطعها باشارة من كفه هاتفًا دون اهتمام : الأمر مر عليه وقت طويل يا لارا ، هل تتوقعين أني لازلت أتذكر أو أني سأضمر السوء فنفسي اتجاهك لأجل تصرف فعلته ونحن مراهقان .
نظرت إليه بتفحص فاكمل بجدية : اعتقد أني أكبر من ذلك ، شعر بتوترها فابتسم هامسًا متبعًا - لا تقلقي لقد تخطيت الأمر منذ زمن ، فلست أنا الرجل الذي سينتظر فتاة تركته في أزمته كل هذه السنوات لينتقم منها حينما تظهر أمامه من جديد مصادفةً .
همت بالحديث ولكنها توقفت والنادل يقترب منهما ليضع أمامه قدح قهوته ليسألها باهتمام : ماذا تشربين ؟! نسيت أسألك المعذرة .
ابتسمت بتوتر لتهمهم : أي شيء .
فيشير للنادل : إذًا ليكن لاتيه بلبن خالي الدسم يا أحمد من فضلك .
ابتسمت برقة ليتابع بدماثة أخلاق - اعتقد أنك لازلت محتفظة بعاداتك القديمة يا لارا .
أومأت برأسها إيجابًا : نعم لازلت لا أطيق طعم اللبن فالجئ لخالي الدسم فهو دون طعم .
احتسى قهوته بهدوء لتسأله باهتمام : اتعرفهم جميعًا ؟!
عبس بعدم فهم ليدرك مقصدها فيضحك بخفة : نعم حتى مالك المطعم صديقي ، فأنا أجريت لابنه الوحيد عمليه صعبة معقدة أنقذته بها من موت محقق ، لذا الرجل يعشقني كما يقولون ويهتم بي اهتمام خاص حينما احضر ، اتبع وهو يشير إلى الأعلى كناية عن صوت عمرو دياب الصادح من حولهم - حتى إدارته لأغاني الهضبة يكون لأجلي حينما أحضر فهو يعلم عن عشقي له .
ابتسمت وعيناها تومض بإعجاب لتسأل برقة : والصغير .
ضحك بخفة ليهتف بفخر : أصبح صانع ألعاب منتخب كرة اليد للناشئين ، حفظه الله.
تمتمت سريعًا : اللهم آمين يارب ، اتبعت بابتسامة وشت بإعجابها - أنت رائع يا عادل يا حظ أسرتك بك .
همهم بالشكر ليسألها بجدية : بالمناسبة لماذا لم تحضري الزفاف ؟! اعتقد أن حبيبة دعتك .
توردت لتهمهم بحرج تحت نظراته المسلطة : لم أشأ أن اثير ضيق والدتك فهي ..
صمتت ليبتسم بخفة : ماما طيبة جدًا يا لارا ما تفوهت به يومها كان بسبب الصدمة التي ألمت بها .
احنت رأسها بحرج لتتمتم : أعلم ، شعرت بصدمتها الجلية فمن الواضح أنك لم تخبرها من قبل أني ..
اختنق صوتها لتصمت عندما اقترب النادل ليضع قدح اللاتية أمامها لتتحاشى ذكر الأمر من جديد
فيتولى هو دفة الحوار فيسأل باهتمام بعدما ابتعد الرجل عنهما : ما أخبار أولاد عمومتك ؟!

تمتمت برقة وهي تحمل القدح بين كفيها : أتيت بك لأجل هذا ، فأنا اشعر بالترقب لهم ، وخاصةً اختفائهم المريب دون سابق إنذار ، تمتمت باختناق - لقد كانوا يمرون علي يوميًا .. يفتشون غرف البيت هم أو زوجات أعمامي ، مع حديث كثير مفداه أنهم لن يسمحوا لي بالعيش بمفردي أو أن يتركونني حتى آت لهم بالعار .
دمعت عيناها وهو يرمقها بتفحص : فأنا اصبحت وحيدة والمرأة الوحيدة تفعل أي شيء فهي اصبحت لا رابط لها .
زفرت بقوة لتهمهم باختناق : أعلم أنه حديث غبي و من يفكر هكذا لهو أحمق كبير ولكن ماذا تفعل في تلك العقول الغبية المسلطة على حياتك ، هزت رأسها بيأس لتتبع - من ينظر لهم ، لمستواهم الاجتماعي الراقي ومراكزهم المرموقة لا يصدق أن هذا حديثهم ولكن للأسف هم يهتمون كثيرًا بحديث الناس وسمعة العائلة التي ستهدر على يدي.
رمقها مليًا ليسألها بجدية : وأنت لا تهتمين بحديث الناس ؟
تنفست بقوة وهي تترك القدح من بين كفيها : الأمر ليس هكذا يا عادل ، أنا فقط لا أريدهم يقيدون حريتي ، فأنا لدي عملي و حياتي وتدخلهم المستمر يفسدها ، بالمناسبة ماذا فعلت ليتوقفوا عن المجيئ أو مضايقتي ؟
ابتسامة ماكرة شكلت ثغره ليهز كتفيه قبل أن يهمهم بلا مبالاة : لا شيء.
رمقته بعدم تصديق لتهتف : بالطبع لا اصدقك .
اخفض جفنيه لتتبع بدلال - حقًا أخبرني .
مط شفتيه ليسألها بجدية : هل تعلمين ابن من أنا ؟!
رفت بعينيها لتجيب بتفكير : اعتقد أن أباك كان ضابطًا مهمًا في الجهاز الأمني .
نظر إلى عمق عينيها ليجيب بصوت هادئ رخيم : أمير باشا الخيّال أصبح مستشار سيادة الرئيس الأمني والعسكري يا لارا .
اهتزت حدقتيها الواقعتين في أسر مقلتيه البنتين بلون القهوة السوداء فاتبع بتهديد كسى نظراته - أنا يَصعُب على أحدهم الإيقاع أو إلحاق الأذى بي .
شد جسده ليظهر طول جذعه أمامها : فانا عادل الخيال يا عزيزتي.
اختلجت انفاسها ليكمل بمكر وعيناه تومض بعنفوان خاص به : حتى ابن عمك الذي وقف يتباهى أمامي كطاووس بريش منفوخ دون فائدة ، يهددني أن لا اقترب منك ، عاد إلى بيته راكضًا حينما استدعاه صديق قديم لي يعمل بالأمن الوطني وأخبره أن ممتلكات عادل الخيال خط أحمر لا يجب المساس به .
عادت بجسدها للخلف والرهبة تعتلي ملامحها عيناها الخضراء تنظر إليه بفزع لتردد بصوت اوشى بخوفها : ممتلكات عادل الخيال .
أومأ برأسه إيجابًا لتسأل بخوف وهي تشير لنفسها - هل أنا من قصده بهذه الممتلكات ؟!
ابتسامة ماكرة بوميض مخيف تألق بعينيه فأضاء عينيه ليجيب ببساطة : بالطبع ،
اقترب من حافة الطاولة بجذعه ليسألها بفحيح خشن - ألم تكن هذه رغبتك يا لارا ؟!
صمت لوهلة قبل أن يكمل ساخرًا : أن انقذك !!
أومأت برأسها لتهمس باعتراض : ولكن ليس بهذه الطريقة .
أومأ برأسه في استهانة ليجيبها بلا مبالاة : بالطبع لن تكون بهذه الطريقة ، ليكمل متبعًا ببرود - فنحن سنتزوج .
اتسعت عيناها بصدمة حقيقية ليخيم الصمت عليهما حينما اقترب مدير المطعم وخلفه احد النُدل يحمل صينية كبيرة توضع عليها أطباق كثيرة فيقومون برصها أمامهما ليشير إليها حينما انتهيا أمرًا برأسه ونبرة خشنة لم تسمعها من قبل في صوته : تناولي طعامك يا عزيزتي قبل أن يبرد.
التقط شوكته وسكينته ليبدأ بتناول طعامه قبل أن يرفع عيناه ينظر إليها باهتمام حينما لم تستجيب له فيسألها بجديه دون أن يتوقف عن تناول الطعام : لماذا لا تأكلين ؟!
رفت بعينيها كثيرًا والصدمة لازالت تؤثر عليها ليبتسم بلطف مرددًا بهدوء : هيا يا لارا ، هذه الأطباق لا تؤكل باردة فاستمعي إلى نصيحتي واطيعيها ، أشار بسكينته في حركة متباهية وكأنها مشرطه الحبيب - هيا تناولي طعامك .
***
بعد اربعة ايام - ليلة غرة رمضان
تلملم أشياءها لتغادر معه فهو أخبرها برسائله أنه ينتظرها خارجًا ، فتمتثل بسرعة لأمره وهي التي لا تريد إغضابه ، فيكفيها ما عانته على يديه الأيام الماضية فبعد عودتها من الملتقى ذاك اليوم ، وهي تشع حماس بسبب الفسحة الضيقة التي منحها له فيخيل إليها أنه سيمنحها المزيد فتجرأت وسألته أن يتركها تذهب بقية الأيام بل إنها توسلت إليه أن يتركها تحضر بقية الفاعليات وتسجل اسمها في ورشة العمل التي ستفيدها كثيرًا فيما بعد  لينفجر في وجهها برفض تام وهو يصيح عن خداعها له وحينما همهمت بعدم فهم عم يقصد صرخ في وجهها أنه لن يتركها تذهب لتقابل الآخر الذي تطلع إليه بانبهار وخيبة امل أنه لم يكن من نصيبها ، وأنها جنت إذ توقعت أنه سيبارك ذهابها ومقابلاتها له ويدعها تستمر فيها حينها صرخت في وجهه بأنه مجنون فانتفخ غضبًا كمارد اخرجته من قمقمه ولطم وجهها في سابقة لم تحدث من قبل ، ارتعد جسدها بألم لازالت تشعر به وعقلها يذكرها بأنه لم يمنحها فرصة أن تغضب .. تستاء .. حتى تبكي وتبتعد عنه، بل إنه أخذها بالقوة ليس كما فعل أول مرة لهما ولكنه تعمد إخضاعها إليه غير مهتمًا بصراخها .. تواسلاتها .. أو بكاءها الذي انتحبت فيه وهو يردد على مسامعها أنها ملكه فلا تقوى على الحلم بأنها ستحرر أبدًا من قفصه الذي تزينه بوجودها تحت رحمته .
طرفت عيناها بدموع تماسكت حتى لا تذرفها وهي ترفع رأسها عاليًا ، تتذكر أنه صبيحة اليوم التالي بعدما انهكها وانتهكها طوال الليل استيقظ بوجه مغاير ، وكأنه مصاب بانفصام حاد في شخصيته فايقظها على قبلاته الرقيقة وترتيبه الحاني على رأسها الذي قبلها وكأنه يعتذر اعتذار ضمنيًا قبل أن يخبرها بأنه بنفسه سيذهب بها للملتقى وليس اليوم بل على مدار أيامه الباقية وسيتركها تذهب لورشة العمل التي تريدها على شرط أنه سينتظرها ليعود بها يوميًا فلا تتأخر عليه إذا  أراد الرحيل إحدى المرات مبكرًا، حينها همت بالرفض ولكن شيئًا ما بنظراته جعلها تتراجع وهي تشعر بأنه يمتحنها فإذا رفضت ستؤكد شكوكه بها وإذا استجابت ستثبت له إنها لا تخونه كما يعتقد !!
أغمضت عيناها على حزنها الساكن فيهما وهي تتذكر إنها وافقت وهو الآخر لم يتراجع عن كلمته، بل إنه وفى بوعده الذي يكلفها الكثير ليلًا لتحتوي ثورته المكبوتة وكأنه يعاقبها على حريتها الضئيلة التي يمنحها لها يوميًا !!
تحركت للخارج وهي تحيي إحدى الفتيات العاملات على تعليمهن في الملتقى برأسها لتتوقف قبل أن ترتطم به فتبتسم بتوتر ليمنحها ابتسامته الرائعة التي شكلت ملامحه الوسيمة هاتفًا : هذه المرة لم نرتطم سويًا ، الحمد لله ، ضحكت ليكمل بلباقة - سعيد أنك استطعت إقناع أبيك بالحضور  وأتمنى أن تكوني استفدت من الورشة ؟!
ابتسمت برقة لتجيبه بتوتر تملكها وهي تطرف بعينيها نحو الرواق المؤدي للخارج خائفة أن تتأخر فيأتي زيد في أثرها  : الحمد لله، كانت رائعة شكرًا لكم جميعًا .
تمتم بانجليزية ذات لكنه منغمة : على الرحب والسعة يا آنسة ، تشنجت ابتسامتها ليسألها – هل اعطلك عن شيء ما ؟!
أجابته سريعًا : إنهم ينتظرونني خارجًا .
أومأ برأسه ليهمس متفهمًا : اها والدك الذي يخاف عليك ، ابلغيه سلامى و دعيه يأتي بك في الورشة القادمة التي ستقام في مصر بعد العيد إن شاء الله إذا كنت تستطيعين ، أم أنت من سكان دبي ؟!
تمتمت سريعًا : لا أنا مصرية واعيش في مصر وأتيت خصيصا لحضور الملتقى ، تهلل وجهه بالفرح لتكمل بخيبة أمل تجسدت على وجهها – ولكني لا اعتقد أني سأقوى على الحضور .
أومأ برأسه في إحباط سكن رماديتيه : سيسعدنا حضورك يا آنسة أسيل .
ابتسمت برقة ووجنتيها تتوردان رغمًا عنها ليكمل بصوت خافت : رمضان كريم .
اتسعت ابتسامتها لتجيبه : الله اكرم ، لملمت ابتسامتها وهي تسيطر على مشاعرها التي لا تفهم كهنها لتشير بكفها للخارج –  سأذهب حتى لا أتأخر .
ليشير إليها مودعًا وهو يهز رأسه بتفهم ليهمس وكأنه يعدها : الى اللقاء يومًا ما .
ابتسمت وعيناها تومض ببسمة سرعان ما اندثرت وعقلها يذكرها فتجيبه بألم : وداعًا .
خطت مبتعدة بخطوات بطيئة .. حزينة .. متألمة ، وهي لا تعلم سبب الألم ولا مكمنه بل تشعر بأن كل خلية فيها تتألم .. صدرها مختنق بأنفاسها التي لا تقوى على ذرفها .. وحلقها مختنق بكومة بكاء تريدها أن تطفر من مآقيها ولكنها لا تستطع .
تحركت نحو السيارة السوداء الفخمة التي تنتظرها وسجانها يقف بجوارها في نزق تملكه ليظهر بوضوح في عبوس ملامحه وكأنه ترجل منها مقررًا أن يرى ما أخرها عليه فيتوقف عندما التقط خروجها ، فتسير نحوه مرغمة .. مجبرة .. خاضعة دون أن تمتلك رفاهية التراجع أو الرفض ، تسير وهي تشعر بالوهن يمتلكها .. دموعها تتجمع في عينيها فتعيق بصرها .. والقهر يتعاظم داخل روحها لترتجف حينما وصلت إليه كورقة شجر يابسة في موسم خريف قاحل انتزعها من مكانها على فرع شجرتها ليتركها ملقاه على جانب الرصيف ، ارتعد جسدها مرة أخرى وهي تشعر بذراعيه اللذين ضماها في امتلاك وقبلته القوية التي حطت على وجنتها ليتشوش عقلها فلا تدرك حديثه وهو يفتح لها باب السيارة دعوة منه للدخول إلى سجنه برغبتها الكاملة ، رفعت عيناها المختنقتان بدموعها تحاول الرفض .. الاعتراض ولكن عقلها يذكرها أن لا أمل لديها في الخلاص ويرغمها أن تطيع .. تستجب .. تخضع برغبتها بدلًا من أن تجبر على خضوع مشوب بمعاناة لن تتخلص منها ، احنت عنقها باذلال انتشر باوردتها .. وقهر يقبض على روحها فيخنقها لتنتفض وهي تشعر بانها لم تعتد تحتمل .. فطاقتها نفذت .. وقلبها الذي هشمه توقف فجأة عن الخفقان وعقلها هوى في سبات  لم يختاره بل أجبر عليه عندما سقطت مغشي عليها قبل أن تدلف إلى سجنه باختيارها .
***
يتحدث في الهاتف مع تؤامه ليصيح فيه بضيق تملكه : أنا لا أفهم كيف الجميع يأتي ليزورني ويبارك لي وأنت لا يا عبد الرحمن ، هم عبد الرحمن بالحديث ولكنه لم يمهله الفرصة وهو يصيح به - لا أصدق أني سأسافر وأنا لم أرك منذ ليلة الزفاف.
قهقه خافتة من عبد الرحمن وصلت إليه عبر الأثير ليمازحه محاولًا التخفيف من ضيقه : وفيم أنت تريديني يا عمر ؟! هل ينقص عليك شيء تريد مني أن احضره لك ؟
زفر عمر بغضب ليهتف بضيق : حقًا يا عبد الرحمن ، لا تعلم فيم أريدك ؟! ابتسم عبد الرحمن وهو يتطلع إلى صورة توأمه في الاتصال المرئي ليكمل عمر بصدق - لقد اشتقت إليك يا أخي .
ابتسم عبد الرحمن باتساع وعيناه تتراقص بتسلية : حقًا يا عمر اشتقت إلي أم أن مشاعرك تفيض من كل جانب فيك فتشعر بالشوق للجميع . ابتسامة خافتة رسمت على ثغر عمر ليهتف بضجر : احترم نفسك يا عبده ولا تستغل رابطتنا القدرية في التدخل فيم لا يعينك وأعلم أنه سيأتي علي يومًا ما أشعر بك أيضًا فكن لطيفًا معي هذه الأيام.
قهقه عبد الرحمن ضاحكًا ليهتف بصدق : أنا الآخر اشتقت إليك يا عمر ولكني حقًا مستاء منك فأنت تؤثر على تركيزي بشوقك المتدفق وأنا هنا لأجل أن اعمل بجد لعلني انقذ ما يمكن انقاذه .
حك عمر ذقنه وهو يخفض بصره عن تؤامه الذي ينظر إليه بضيق فيهمهم باعتذار ثم يتبعه بهدوء : اقسم بالله أنا اعزل نفسي عنك كثيرًا من الأوقات ولكن بعض الأحيان .. صمت ليكمل عبد الرحمن ساخرًا : أعلم أن الأمر يفلت منك وأقدر ذلك ولكن سأنصحك بجدية ، تنبه عمر له ليتبع عبده بشقاوة - ارحم صحتك قليلًا .
سبه خافته انسلت من بين شفتي عمر ليقهقه عبد الرحمن ضاحكًا ليسأله عمر متغاضيا النظر عن مشاكسته إليه : متى ستعود يا شقيق ؟!
تنهد عبد الرحمن بقوة : قريبًا باذن الله فقط ادعو أن تمر الليلة على خير .
عبس عمر بعدم فهم لينظر عبد الرحمن إلى ساعته قبل أن يهتف بجدية : سأغلق الآن ، أراك على خير .
تمتم عمر سريعًا : بإذن الله لا اله الا الله يا عبد الرحمن . تمتم عبد الرحمن وهو يستعد لإغلاق المكالمة - محمد رسول الله .
تجهم وجه عمر لثواني قليلة مفكرا قبل أن يتحرك عائدًا لغرفتهما التي توارت فيها بعدما أعلن سليم عن زيارتهما الليلة ، سليم الذي اختفى منذ ليلة زفافهما فلم يزورهم مع العائلة حينما اعلن عن سفرته التي سيأتي منها عليهما رأسًا ليبارك إليهما ويهنئهما بقدوم الشهر الفضيل ، كما صاح بمرح في الهاتف ، مرح شاكسه به و بحبيبة التي كانت سعيدة وتكاد تقفز من الفرحة لزيارة شقيقها القريبة حتى أعلن عن قدومه برفقة خطيبته فشحب وجه حبيبة ولمعت عيناها برفض التقطه سليم الذي مازحها بهدوء عن كونها سترحب بهما أم يأتيا في يوم آخر ، ليجيب هو سريعًا وهو يتولى زمام الحديث بأنه مرحب به دومًا وأبدًا هو و أي من يأتي من طرفه .
و رغم أن سليم لم يظهر تأثره لضيق شقيقته بل انهى الحديث بمرح كعادته إلا أن عمر يدرك أن سليم ليس غبيًا وأنه يدرك جيدًا رفض حبيبة ارتباطه و رافضة للزيارة أيضًا ، نفخ عمر بقوة ليتحرك إلى داخل غرفة الملابس حينما اكتشف خلو الغرفة منها لينظر إلى ملامحها التي تعلو بضجر وعيناها التي تومض بضيق ونزقها الواضح وهي تقلب في ملابسها بتشنج ألم بعضلات جسدها ليقترب منها بهدوء هاتفًا باهتمام : ما بالك يا حبيبة ؟!
هتفت حبيبه بضيق فعلي : ضائقة ، لا أجد شيئًا ارتديه يخفي رقبتي وأول نحري ، وأنا لن أقوى على مقابلة سليم بهذا الشكل . ارتفعا حاجبيه بدهشة لينظر إلى البلوزة التي رمتها أرضًا ليرفعها أمام عيناه فيكتم ضحكته وهو يتطلع إلى انغلاقها ليهتف بجدية دون أن يظهر لها ابتسامته التي تومض بعينيه : حسنًا دعيني أساعدك ، لننتقي فستان مناسب وعليه وشاح كما فعلت يوم زيارة العائلة.
هتفت باعتراض : لا أريد ارتداء وشاح على رقبتي وكأني أخفي ذنب فعلته .
رمقها من بين رموشه مطولًا ليجذب بلوزة رقيقة بلون أزرق باهت : إذًا ارتدي إحدى البلوزات المغلقة لديك .
عبست بضيق لتعترض بصياح حانق : بالطبع لا هذه بلوزة لأجل العمل وليس من اللائق ارتدائها كعروس تستقبل عائلتها بالمنزل .
رفع حاجبه ليهتف إليها بتفكير : إذًا ارتدي تلك العباءة المزركشة بتصميم هندي أنيق والتي أهدتها لك إيناس .
اتسعت عيناها لتهتف باستنكار : عباءة .. ارتدي عباءة لمقابلة جيجي هانم ، ارتديها لتتعالى علي بازياءها التي لا أعلم من أين تبتاعها بتصميمها المختلف .
نظر إليها بصدمة ليهمس دون تفكير : إذا تعجبك أزياءها اساليها من اين تبتاعها ولنذهب لنتسوق من نفس المكان .
زمجرت وعيناها تحتقن غضبًا تهتف به في استنكار : ماذا تقول يا عمر ؟! هل أنت تدرك ما تقوله ، أم تتحدث فقط دون دراية ؟!!
قفزا حاجبيه ليجيب سريعًا متبعًا حدسه : لا أنا لا أدرك ما أقوله ،
نفثت بغضب فاكمل سائلًا - حسنا ماذا ستفعلين الان ؟!
تمتمت بغضب وهي تتابع رمي ملابسها التي لا تروق لها أرضًا : لا أعرف .
فينظر إلى الملابس بإحباط قبل أن يهتف بها : هل اهاتف سليم و أخبره أننا لسنا مستعدان لاستقباله ؟!
تجهمت ملامحها لتسأله بعبوس وتفكيرها يلمع بعينيها : هل نقوى على ذلك ؟!
أومأ برأسه : نعم نستطيع أن نفعل ذلك ،
سألت باهتمام : وما سيكون السبب ؟!
لوى شفتيه ليغمغم بمكر : نفس السبب الذي يجعلك لا تستطيعين انتقاء أي ملابس تناسب استقباله .
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف بعدم تصديق : بم ستخبره لا افهم .
ابتسم بخفة : بلى تفهمين .
شهقت بقوة لتهتف بانفعال : لا طبعًا لن تجرؤ على ذلك .
تحرك للخارج ليهتف بمرح مفتعل : جربيني .
ركضت خلفه بالفعل لتتمسك به حتى لا يتصل بأخيها هاتفه برجاء : إياك أن تفعلها يا عمر .
رمقها من علٍ بحاجب مرتفع وعينان وامضتان بتساؤل أفضى به في هدوء : أخبريني يا حبيبة هل تستطيعين حقًا أن تخبري سليم أنك لن تستقبليه في بيتك لأنك غير راضية على خطبته لفتاة لا تتقبليها ، وهل تعتقدين أن سليم سيرضى ويتقبل ويزورك فيما بعد دون خطيبته أو زوجته حينما يتزوجا .
هزت رأسها نافية ليزفر بقوة : إذًا ماذا ستفعلين ؟! ستقاطعين أخيك لأجل اختياره أن ستجبريه أن يبتعد عنك لأجل إرضاءك ؟!
تمتمت سريعًا : لا أقوى على الاثنين .
احتضن وجهها بكفيه ليهمس إليها : إذًا تقبلي اختياره واستقبليه بمنتهى الحب كما اعتدت بل هذه المرة اكرميه واحتفي به هو و زوجته فهذه المرة الأولى التي يزورك بها في بيتك .
ابتسمت لتحتضنه من خصره ليضمها إلى صدره بقوة وهي تهتف بامتنان حقيقي : شكرًا لك يا عمر لا أعلم دونك ماذا أفعل .
أومأ برأسه ليهمس وهو يميل إليها يقبل شفتيها برقة بهمسته المميزة بلكنته الإنجليزية الحاضرة : أنا بخدمتك دائمًا يا حبيبتي .
ضحكت برقة ليجذبها من كفها للداخل هاتفًا : ارتدي فستانك الأخضر يا حبيبة فهو مغلق من الأمام .
عبست بتفكير ليجذبه من علاقة الملابس لتهمهم بعدم فهم وهي تنظر إلى الفستان ذو القماش الرقيق بلونه الأخضر الزرعي ومنقوش بوردة صغيرة للغاية بلون ابيض قصير فبالكاد يغطي الركبتين وكمين يصلان إلى ما بعد مرفقيها ولكن صدره مغلق الى عظمتي الترقوة بحزام ابيض رفيع ينحت خصرها ، وضعته فوق جسدها لتجربته لتهمهم بخفوت: ولكنه لن يخفي رقبتي .
أجابها وهو يقف خلفها يضمها من خصرها إليه : أنثري خصلاتك كما أحبها وهي ستفي بالغرض .
ابتسمت بموافقة ليصدح رنين هاتفه متزامنًا مع جرس الباب ليهتف إليها : سليم وصل لا تتأخري ، سأستقبلهم أنا .
أومأت برأسها بتفهم لتستوقفه عندما هم بالخروج لتهمس إليه من بين أسنانها : إياك و أن تتضاحك معها ، رمقها بتعجب فتتبع بتحذير - أسمعت ؟!
كتم ضحكته التي أنارت عينيه ليجذبها إليه يقبلها بتوق هاتفًا بعدما تركها : تخلصي من شقيقك سريعًا حتى لا يأخذنا الوقت فنحن سنصوم منذ الليلة وليعني الله عليك بقية الشهر .
ضحكت برقة لتشاكسه بدلال : بل سأدعوه ليتسحر معنا .
أجابها ببساطة وهو يغادر الغرفة : حينها سألتهمك دون أن اهتم بوجوده .
كتمت ضحكتها لتباشر في تبديل ملابسها وهي تهمهم : لقد جن عمر .
***
يشاكسها بخفة بعدما فعل القيادة الألية وهما عائدان من عند بيت عائلتها في زيارة سريعة فعلها قبل أن يعود لعمله ليعتذر لحميه بأنه لن يقوى على المرور عليهم غدًا ولن يقوى على تلبية دعوة زوجة أبيها في الفطور معهم ثاني يوم رمضان لأنه سيضطر أن يسافر فجرًا لمقر عمله في سيناء وخاصةً أنه سيذهب غدًا لقضاء أول فطور رمضاني عند عائلته ليعده بالأخير أنه حينما يعود سيأتي لهم ، لقد تقبل حموه و زوجته الاعتذار بل دعت له الجدة حور بدعوات صادقة أن يعيده الله سالمًا ليقبل رأسها بشكر وهو يلتقط نظرات زوجته الفخورة ، رمقها بطرف عينه ليمد كفه ويدغدغها بأنامله لتشهق بخفة تنتفض بدلال وتضحك بأريحية وهي تبتعد عنه هاتفه : توقف يا أسعد .
تبرم بعبوس مفتعل ليسألها بحنق : حقًا ؟! ضحكت برقة لتشير برأسها نافية فيعاود دغدغتها لتدفع كفه برقة هاتفة - انظر أمامك .
تمتم بمشاكسة : السيارة تتحرك أوتوماتيكيًا يا جنى ، غمزها بطرف عينه وهو يتبع بشقاوة - تتذكرين تلك المرة التي وقعت بها فوق .
شهقت بقوة وهي تضع كلتا كفاها فوق فمه هاتفه بجدية و وجهها متضرج بالأحمر القاني : توقف يا أسعد أرجوك .
تراقصت الشقاوة بعينيه ليهمس إليها بعدما قبل باطن كفها فأبعدت كفيها بسرعة : ما رأيك أن تأتي وتجلسي فوق ساقي بتعمد ، لنعيد الكرة ألا تؤلمك بطنك اليوم ؟!
هتفت بصدمة : نعيد الكرة في السيارة ؟! لتتبع بعفوية وهي تتحاشى النظر إليه - ولا لم تعد بطني تؤلمني فاليوم آخر يوم ..
صمتت وهي تدرك ما تتفوه به ليحتقن وجهها بقوة وهي تعود لجلستها البعيدة عنه  ليقترب منها ينظر إلى ملامحها سائلًا بلطف : آخر يوم ماذا ؟ّ!
تمتمت سريعًا : لا شيء . رمقها بطرف عينه ليغمغم باسمها في نبرة مميزة فتتابع بخفوت - اعتقد أنك أدركت ما قصدت .
قهقه بقوة ليهتف إليها : هذه بركات الشهر الفضيل ، نظرت إليه بلوم فاتبع مثرثرًا بأريحية - تخيلي كنت ضائقًا أني سأذهب للعمل دون أن أبارك لك قدوم رمضان ولكن بعد هذه المعلومة القيمة سأقوى على قول رمضان كريم على راحتي .
ضحكت مرغمة لتشيح برأسها تنظر من النافذة لتسأل بتلقائية : وهل هذا فارق كثيرًا بالنسبة إليك ؟! لكزها بمرفقه ليجبرها أن تنظر إليه ليسألها - ألم تشعري بالفرق حقًا ؟!
أجابت بعفوية وهي تسقط بأسر نظراته : بلى شعرت . حرك رأسه بحركة مائلة ليهمس إليها أمرًا : ألن تقبليني وتباركي لي قدوم رمضان ؟! تمتمت بعدم تصديق : في السيارة ؟!!
تمتم بخفوت وهو يقترب برأسه منها : السيارة بزجاج مظلل يا جنى ، إنها سيارتي الخاصة ، ألم تدركي هذا ؟!
تمتمت وهي تخفض عيناها بخجل : بلى أعلم ولكن لا .. صمتت وهي تهز رأسها بعدم استيعاب لتكمل - لا أصدق أنك ستقبلني هكذا هنا في وسط الناس .
تنهد بقوة ليجيب : حسنًا على راحتك ، ليتبع ببساطة - سنعود البيت إن آجلًا أو عاجلًا وحينها سأمطرك بالمباركات والتهاني ليس لليوم بل لجميع الأيام القادمة التي لن أكون متواجدًا بها .
التفت تنظر إليه بصدمة ليومأ بعينيه : اينعم ، سنتسحر مبكرًا حتى لا يؤذن الفجر و أنا لم احصل على حقي كاملًا . انفجرت ضاحكة رغمًا عنها فيشاركها الضحك ليقترب منها يقتنص منها قبله سريعة مهمهمًا : تصبيرة بسيطة إلى أن نعود للبيت .
توردت وهي تشيح بعيدًا ليرن هاتفه فيجيبه ببساطة بعدما هتف : إنها موني .
أجاب شقيقته بأريحية ليأتيه صوتها مضطربًا فيبعس بجدية : ما الأمر يا يمنى ؟!!
زفرت يمنى بقوة لتهتف إليه : هل تستطيع المرور علينا يا أسعد أنا أعلم أنك بالخارج .
عبس باهتمام ليسألها بصرامة : بالطبع استطيع ولكن أخبريني ما الأمر ؟!
تمتمت يمنى سريعًا : تعالى فعادل يحتاجك رغم أنه كابر أن يهاتفك و زجرني حينما أخبرته أن يتصل بك .
هدر بصرامة أمرًا : أخبريني ماذا يحدث عندك ؟!
أجابت يمنى سريعًا : ماما تتشاجر معه بقوة هذه المرة و اسمعته الكثير و رغم أنه التزم الصمت كما نصحه بابا إلا أن ماما لا تصمت بل تزيد عليه الأمر وخاصةً حينما علمت بسفره ، صمتت يمنى قليلًا لتتبع بضيق - لقد اتهمته بوضوح أنه على علاقة بلارا لذا يريد أن يسافر ، وأنه اخترع أمر السفر هذا ليكون معها، إن الوضع مزري يا أسعد و عادل قارب على الانفجار و أنا خائفة وخاصةً أن بابا لن يعود اليوم بل لديه عمل لن يعود منه في الغد.
هتف على الفور وهو يدور بسيارته ليتخذ الطريق المؤدي لبيت عائلته : حسنًا أنا قادم .
نظرت إليه جنى بتساؤل فهمهم باقتضاب : ماما وعادل .
تمتمت سريعًا : مر بي على عمو وليد يا أسعد ، سأهنئهم بقدوم الشهر الفضيل و ازورهم فلا اتواجد في أمر خاص كهذا .
عبس مفكرًا ليجيبها : لا يا جنى أنت اصبحت من العائلة و لعلني احتاجك لتهدأة لولا .
تمتمت بجدال : أو يسوء الوضع أكثر لوجودي ،
هز رأسه نافيًا : أبدًا وإذا لم احتاجك لأجل ماما أنا احتاجك لأجل عادل ، فبشكل ما أنت تجبريه على الحديث عكس الجميع يا جنتي .
ضحكت برقة لتشاكسة : هل تغار يا سيادة القائد ؟!
ضحك بخفة : بالطبع أنا أغار عليك من نفسي ولكني في هذه الحالة سأستغل صداقتك لشقيقي و اطلب منك أن تتدخلي لانقاذ ما يمكن انقاذه .
سحبت نفسًا عميقًا لتزفره ببطء قبل أن تبوح إليه : لقد تحدثت معه بالفعل يا أسعد ولكنه لم يفضي لي بأي شيء سوى أنه من حقه أن يحقق رغبته في الارتباط بمن يحبها ، عبس أسعد بضيق ولكنه آثر الصمت لتتابع هي بيقين - رغم أني اعلم جيدًا أنه لا يحبها  و أن قلبه ليس طرفًا في المعادله ولكني صمت ولم أشأ أن استفزه بحديثي أكثر فيعاند ، فأكثر ما عرفته عن عادل طوال سنوات دراستنا وعملنا سويًا ، أن العناد سمة رئيسية في شخصيته ، وأنه حينما يقرر شيء لا يتراجع عنه.
التفت إليها يرمقها بفخر ليهمس بمزاح : يا ليت ماما تستمع إليك وتتوقف عن إثارة عناده أكثر .
هزت رأسها نافية وحدثته بمنطقية : لا لن تفعل وأنا لو مكانها لن أفعل يا أسعد ، فوالدتك تفكر بطريقة هي الأصح من وجهة نظرها وإذا وافقت علي رغم عدم رضاها المبدئي لأنها اطاعتك وتفهمت حبك لي لن تستطيع فعل ذلك في حالة عادل لأنها أيضًا تدرك بأنه لا يحب ولا يميل ولكنه يعاند لذا تحاول أن تثنيه عن رغبته .. عناده .. وموقفه .
رمقها مطولًا من بين رموشه ليهمهم بخفوت : ماما راضية عن زيجتنا تمام الرضا .
ابتسمت برقة وهمست بتصديق افتعلته : طبعًا أنا أدرك هذا ، وستكون راضية بشكل كبير حينما تعلم عن ظروفي التي تعاني منها أنت معي .
تمتم بجدية : جنى ، توقفي الآن عن نثر حديث لا اهمية له ، لا أحد يخصه أي شيء يحدث بيننا ، وأنا لا أعاني ولا أشكو ، اتبع بصدق - أنا سعيد معك هل اقولها بلغة أخرى لعلك تدركيها ،
ابتسمت برقة لتقترب منه تقبل وجنته حينما صف سيارته أمام بيت عائلته : بل أنا ادركها ولكني احببت مشاكستك .
نظر إليها بعدم رضا فاتبعت بدلال تعمدته - سأصالحك عندما نعود إلى البيت ثم اهنئك بقدوم الشهر الفضيل .
لانت ملامحه ليجذبها إليه بعدما ابتعدت ليطبع قبلة على وجنتها هامسًا : لا حرمني الله منك يا جنتي .
**
ترجلا بالتتابع ليقترب من باب البيت يدق الجرس دقتين متتالتين قبل أن يفتح الباب بمفتاحه الخاص هاتفًا بصوت جهوري : الفارس اتى يا آل الخيال .
تحرك للداخل وتبعته هي بعدما اغلقت الباب من خلفها لتندفع نحوه يمنى تتعلق برقبته تقبله وتسأل عن أحواله ليتجاذب معها اطراف الحديث قبل أن يسألها : ما الوضع ؟!
تمتمت يمنى بخفوت : ماما بغرفتها أخيرًا وعادل بالحديقة .
أومأ برأسه فتركته لترحب بجنى في ترحاب واخوة جمعتهما على مدار سنوات كثيرة لينتبهوا جميعًا حينما اصبحوا في منتصف صالة البيت و الواسعة لصوت ليلى الباكي والذي أتى من آخر رواق الغرفة و المتعالي كلما اقتربت منهم بخطواتها هاتفه : هل جئت يا أسعد ؟!
تحرك نحوها بخطوات سريعة ليضمها إلى صدره حينما ترنحت بالفعل بسبب خطواتها السريعة فيسندها وهو يضمها أكثر يمنحها أمان وجوده : نعم أتيت يا أم أسعد ؟! ما بالك ما الذي يبكيك ؟!
همهمت يمنى باذن جنى : تعالي معي يا جانو ، فالدراما بدأت الآن .
تمتمت جنى بجدية : انتظري سأسلم عليها .
هزت يمنى رأسها نافية : إنها لا تلتقط أيا منا الآن ، انها بعالم الأسعد يا أختاه ،
ارتفعا حاجبي جنى بصدمة لتومأ يمنى برأسها وهي تشير على شقيقها الذي دفع والدته ليجلسها ويجلس إلى جوارها فتبكي ليلى بصدره وهي تتمسك به أكثر غير واعية لمن حولها فتزفر جنى بقوة قبل أن تشير إليه برأسها أنها ستدلف مع يمنى فيومأ إليها بالايجاب فتسير بجوار يمنى التي همست إليها : لا تقلقي أسعد قادر على حل الأمر .
ربت اسعد على ظهر والدته ليهدأها بحنانه المعهود قبل أن يسألها بجدية : ما الأمر يا لولا ؟! ما الذي يبكيك بهذه الطريقة ؟!
تمتمت ليلى بانهيار : أخوك ، إنه يريد الزواج من هذه التي سقطت علينا من السماء والتي تريد خطفه منا .
تمتم أسعد بمنطقية : يا ماما عادل ليس بصغير ومن تلك التي تستطيع خطف من مثل عادل ، عادل يخطف البلد بأكملها دون أن يرف بجفنيه.
نظرت إليه بصدمة لتجيبه بضجر : بل تقوى على خطفه أنت لا تفهم من مثلها يقوى على سرقة الكحل من العين لن تقوى على سرقة أخيك الذي لا يفهم مثيلاتها .
تنهد بقوة ليهمس بهدوء : أنت تبخسين عادل حقه يا ماما ، عادل عاقل و رزين ولا أحد يستطيع سرقته أو اجباره على شيء لا يريد أن يفعله .
تمتمت سريعًا : حسنًا أخبرني أنت لماذا يريد الزواج منها ؟! هو لا يريدها .. لا يحبها ، ليس مثلك تزوجت ممن تكبرك سنًا لأنك تحبها أما هو ما أسبابه ؟!
أطبق فكيه ليهمس بصبر : ماما لا تخلطي الاوراق ببعضها ، أمر جنى شيء قائم بذاته وأمر السن هذا لا يعيبها .
تمتمت سريعًا : لم أقصد يا حبيبي ، أنا أحب جنى فهي ابنتي مثل يمنى بالضبط .
ابتسم بحنان : أعلم يا حبيبتي ، فقط أخبريني ما الذي يثير ضيقك من أمر ارتباطه بلارا .
اتسعت عيناها بصدمة لتهتف بجدية : ألا تعلم حقًا ؟!
مط أسعد شفتيه ليحدثها بلين : لا تخبريني أن كونها أرملة سبب رفضك الوحيد يا ماما.
تضرجتا وجنتاها حرجا لتهتف سريعًا : لا ليس السبب الوحيد ، نظر إليها بتساؤل فأكملت بضيق - قلبي ليس مرتاح لها .
هم بالحديث ليصمت حينما دلف عادل من الشرفة فيلتقط وجوده لينظر إليه بتعجب وملامحه تلين بترحاب : يا مرحبا وأنا افكر في سبب الاضاءة الزائدة ولكني أدركت الآن أنك السبب ، أنرت البيت يا شقيق .
نهض أسعد يبتسم بود أخوي ليحتضن عادل في صدره هاتفًا بمرح : اشتقت إليك يا عادل .
ربت عادل على ظهره بترحاب هامسًا : وأنا الآخر اشتقت إليك .
تطلع من فوق قامة أخيه الأقصر منه الى والدته الباكية فاشاحت بوجهها في غضب اعتلى ملامحها ليزفر بضيق قبل أن ينظر إلى أسعد سائلًا بوضوح : هل أتوا بك لأجل المجنون .. الغبي .. الذي يحتاج الحجز في مصحة للأمراض العقلية بسبب سوء اختياره .
لانت ملامح أسعد بابتسامة سرعان ما اندثرت وهو يعي حديث أخاه الجاد وليس الهزلي ليجيب سريعًا : بعد الشر عنك ما هذا الحديث يا عادل ؟!
شد عادل قامته بعنفوان ليهتف بجدية : حديث ماما الغالية ، تمتم وهو ينظر إلى ليلى بغضب - ألم تخبريه عم اسمعتني إياه اليوم ؟! أم اتيت به لتشتكي له فقط مني .
هدرت ليلى في غضب : لم آت به هو من أتى بنفسه و جيد أنه فعل ليجد معك حلًا ،
هدر عادل بعصبية تملكته : ماذا سيفعل بي أسعد يا ماما ، هل سيحبسني إلى جوارك أم يقيدني إلى الفراش لأجل أن يمنعني عن عملي ؟
قفزت ليلى واقفة لتهتف في غضب عارم : إياك والكذب ، أنت لست ذاهب للعمل بل ذاهب إليها.
هدر عادل بجنون : يا الله يا أرحم الراحمين ، هل تظنين أني إذا أردت أن اذهب لها لن أفعل ، وهل أنا بطفل صغير سأكذب عليك لأفعل ما أريد ، لا يا ماما أنا رجل كبير سأتم الثلاثون عامًا وعندما  أقرر شيء ما لن يثنيني عنه أحد وأنا لن اهتم بموافقة أحد حتى أسعد لا يقوى على منعي ، فهو ليس أخي الكبير ، أسعد تؤامي ونحن هنا متساويان في المكانة و المقدار أنت فقط من تريدين تصديق شيء ما ليس له أساس .
__ عادل ، هدر أسعد بقوة وهو يدفعه للخلف في قوة أجبرته على التراجع بالفعل ليكمل أسعد بغضب تملكه - هل جننت ؟! كيف تتحدث مع ماما هكذا ؟! كيف جرؤت لتصرخ فوق رأسها هكذا؟! أم أنت تستغل غياب الكبير فأنا لست كافيًا لأكون كبيرًا فوق رأسك النابغة يا عبقري أليس كذلك؟!
رف عادل بعينيه كثيرًا ليهدر باختناق : أنت تعلم أن هذا ليس بصحيح يا أسعد ، وأنت كبير علي و على الجميع ولكن هل يرضيك ما تفعله ماما ؟!
هدر أسعد بصرامة : ماما تفعل ما يحلو لها و أنت لا تعترض .. لا ترفض .. حتى لا تتأفف ، أم لعلك نسيت حديث الأمير ؟!
زفر عادل بقوة ليخفض رأسه مهمهمًا : لا لم انسى ، أنا اعتذر منكما.
اقترب من ليلى ليقبل رأسها فدفعته بضيق : لا أريد منك شيئًا .
تمتم أسعد باعتراض : ماما.
هدرت فيهما : لا أريد أن استمع لأي شيء منه سوى أنه لن يتزوج من هذه الأرملة السوداء .
قبض عادل كفيه و أطبق فكيه ليهمس بجدية : الأرملة السوداء التي تؤمرني والدتك الآن بأن أعدها أني لن اقترب منها وأن  لا ارتبط بها ، كانت تقنعني لأتزوج بها ثاني يوم زفافك ، بل بزفافك يا سيادة القائد ورطتني أمك في الرقص معها رغمًا عن رغبتي ، وكانت ترحب بها وتخبرها أنها من العائلة إلى أن اكتشفت بأنها أرملة ،
رمقها أسعد بذهول لتهدر بعصبية : وأنت كنت ترفض وتخبرني أنك لا تريد الارتباط بها ثم أنا لم أكن أعرف أنها ..
صمتت ليومأ عادل برأسه : نعم هذا هو يا حضرة الضابط السبب الرئيسي في رفض والدتك أنها اكتشفت كونها أرملة.
تحرك ليخطو إلى الداخل وهو يكمل بجدية : المعذرة يا ماما سبب رفضك الآن ليس كافيًا لي وخاصةً بعدما زينتيها بعيني ، هاك أنا استجيب لرغبتك الاثيرة في تزويجي ، فأنا سأتزوج من لارا وعليك أن تتقبلي الأمر بصدر رحب وبمنتهى الاريحية .
اتسعت عينا ليلى بصدمة لتدير بصرها إلى أسعد تستنجد به فيتنهد بقوة ليقترب منها يضمها إلى صدره فتبكي بنواح داخله
***
تجلس داخل قوقعتها التي شيدها إليها محمد لتجلس فوق سطح البيت فبناها لها بشكل محبب لنفس من خشب يشبه الخوص .. صغيرة .. دافئة ومغلقة عليها ، تقضي دومًا أيام الصيف بها ولا تصعد إليها إلا نادرًا في الشتاء ولكن منذ تلك الليلة والتي حدث فيها تشعر بغضب عارم يكتنفها فابتعدت عن كل شيء حتى أنها اعتكفت في غرفتها رغم محاولات رقية الحثيثة لإخراجها من مزاجها السيء و رغم اعتذار خالها لها .
فرقية لم تصمت بل دعت خالهم وعمتهم ليتناول الفطور معهم واشتكت إليهما ما فعله محمود على مرأى ومسمع من والدتهما التي غضبت بدورها ، من ابن أخيها بل عاتبته عتاب شديد قبل أن يغادر لعمله !!
و رغم أن رقية لم تخبر والدهم إلا أن محمود اختفى تماما من طريقها و رغم الاعتذارات الكثيرة التي أغدقها الجميع على مسامعها إلا أنها لم تقوى على تخطي الأمر ، فمن اساء لم يعتذر .. لم يقر بأسفه .. ولم يعترف بندمه !!
رن هاتفها برسائل متتالية وصلتها منه كالعادة أجبرتها على الابتسام وهي التي اغلقت هاتفها فلم تتواصل معه من صبيحة اليوم التالي حينما هاتفها ليطمئن عليه فتبادلت معه حديث سريع لتخبره أنها ستغلق الهاتف لأنها تريد الاستجمام و رغم اعتراضه و رفضه إلا أنها نفذت ما أرادت لتعاود اليوم فتح هاتفها فيكون هو أول المتواصلين معها كعادته.
وصلها مقطع صوتي منه فأدارته وهي تضع السماعات الرقمية الصغيرة المتطوره والتي لا تظهر أبدًا التي أهداها إليها محمد من عودته السريعة الأخيرة
ليأتي صوته الابح بمرحه المعتاد هاتفًا : أنا غاضبًا يا آنسة خديجة ، ونعم انطق اسمك كاملًا لأني بالفعل غاضبًا منك ، فأنت ابتعدت وتركتني للقلق يلتهمني مرارًا وتكرارًا غير عابئة بخوفي عليك أو قلقي لأجلك .
ضحكت برقة لتجيبه برسالة من كلمة واحدة "آسفة " ، و وجه انيمي مبتسم و وجنتيه محمران بخجل.
ليأتيها مقطعه الصوتي السريع ذو الثواني القليلة هاتفًا : تقبلته .
ضحكت برقة لتنظر إلى الهاتف الذي وصله مقطع جديد وصوته يعلن عن هدوءه واسترخاءه : من الجيد أنك فتحت الهاتف حتى أستطيع أن ابارك لك قدوم الشهر الفضيل أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات " لو لم تفعلي لكنت أتيت إليكم بنفسي .
طبعت إليه ترد له تهنئته قبل ان تجيبه ساخره : بأي صفة تأتي لنا ؟!
أجاب سريعًا بكلمات وصلت إليها : بصفتي ابن صديق والدك وصديقك أنت أيضًا ، صمت قليلًا ليتبع بعدها بثوان : و إذا أردت لنجعلها صفة رسمية فأت ببابا ولميا معي لنقرأ الفاتحة .
نظرت إلى كلماته بدهشة لتجيبه بسرعة : ألا تمل يا مازن ؟! أرجوك توقف عن الحديث بهذا الأمر فأنت تعلم موقفي حياله جيدًا .
أرسل إليها وجه عابس ليتبعه بكلمات مرحة في ظاهرها : سأظل أتحدث وأتحدث إلى أن توافقين يومًا ما  .
راسلته ساخرة : يومًا ما.
لترسل إليه وجه مغيظ قبل أن تطبع إليه أنها ستذهب الآن لمساعدة والدتها في تحضيرات رمضان كالعادة .
حملت أشيائها وهي تتحرك بالفعل لتغادر صومعتها كما تدعوها رقية لتخطو نحو باب السطح الذي يؤدي الى الدرج الخاص بشقتهم لتشهق بخوف وصوته الهادئ يصدح من خلفها : مساء الخير يا ديجا .
اطبقت فكيها لتستدير على عقبيها تواجه بشموخ وهي تضم طرفي الشال الصوفي من حول كتفيها تكتف ساعديها أمام صدرها وتنظر نحوه دون أن ترد تحيته فيتحرك مقتربًا منها قليلًا إلى أن سقط الضوء فوق ملامحه الوسيمة والتي تشكلت ببسمة ساخرة وهو يتبع بصدمة مفتعلة : لن تردي تحيتي .
ضيقت عيناها بغضب لتتمتم من بين فكيها : ماذا تريد يا محمود ؟!
عبس بتعجب ليسأل ببرود : هل تحية المساء تضمن أكثر من معنى حتى تسأليني عم أريد يا خديجة ؟
تنفست بعمق لتهتف به : لا ولكن لا اعتقد أن والدك أخبرني أنك لن تحتك بي ثانيةً  .
ارتفعا حاجبيه بدهشة : وهل تحيتي لك تعد نوعًا من الاحتكاك يا خديجة .
زفرت بضيق وهي تفك ذراعيها بحنق تملكها لتصيح بعصبية : ماذا تريد يا محمود ؟! رمقها مطولًا في صمت خيم عليهما لينطق بهدوء شديد وهو يراقب أنفاسها المشتعلة غضبًا : أردت أن اعتذر لك عم حدث ، انفرجت ملامحها بتعجب ليكمل بهدوء - أنا آسف يا خديجة .
رمشت بعينيها كثيرًا لتحاول الرد ولكنها لم تستطع وخاصةً حينما أكمل : أعدك اني لن اضايقك ثانيةً ولكن لتعلمي أن ما فعلته كان رغمًا عني .
تطلعت إليه بدهشة فأتبع بتروي - ولكن هذا حديث سابق لأوانه ، وخاصةً أني وعدت بابا بأني لن أحتك بك ثانيةً ، لذا أرجو أن تتقبلي اعتذاري .
القاها وتحرك مبتعدًا نحو الباب الآخر الذي يؤدي إلى بيتهم تحت نظراتها المصدومة لتصرفه غير المتوقع ليهتف قبل أن يختفي من تمام عيناها : رمضان كريم يا ديجا .
تمتمت بعفوية وعقلها يحلل موقف غير المفهوم لها : الله أكرم يا محمود .
***
يقود سيارته عائدًا بها  إلى منزلها بعدما هاتفه أبيه يحذره أن يقضي ليلته معها فوالدته أصبحت على المحك ويخبره أنهما سينتظرانه على سحور اليوم فيطمئنه بأنه سيوصلها الى بيتها بعدما باركا لحبيبة ويأتي على الفور ، غمغم بجدية : المعذرة يا جيجي لن أقوى ..
قاطعته برقة وهي تمسد ساعده القريب المفرود أمامها لأنه يقبض بكفه على المقود : لا عليك يا سليم أنا أعلم أنك لابد أن تعود لعائلتك اليوم لتتسحر معهم .
تنهد بقوة ليثرثر إليها بجدية : كنت أود أن استضيفك عندنا لتتناولي السحور معنا ولكن لن أضمن ردة فعلي بعدها .
ضحكت بغنج لتهتف إليه : بت اعرف ردة الفعل تلك يا سليم .
قهقه ضاحكًا ليغمزها بشقاوة : وما رأيك بها ؟!
عضت شفتها وعيناها تلمع بشقاوة لتغمغم برضا : رائعة .
تعالت ضحكاته بقوة لتهتف بمرح : أنت شقي للغاية يا سليم ، واجهتك الرزينة لا تشي بم تقوى على فعله ،
تمتم ضاحكًا بشقاوة : هذه واجهة خاصة بك فقط يا جيجي .
ضحكت برقة لتثرثر بعفوية : نعم أدركت هذا ، زوج شقيقتك يشبهك تخيل ؟!
عبس سليم بعدم فهم ليرمقها بطرف عينه مغمغمًا دون ادراك فعلي : كيف يشبهني ؟! عمر ملون كما يطلق عليه أقاربه الملونين أيضًا ، أما أنا ..
ضحكت لتقاطعه : لا أقصد شكلًا يا سليم ، بل قصدت في أمر الواجهة هذه ، من الواضح أنه شقي أيضًا رغم رزانته البادية عليه .
تصلبت ملامحه ولكنها لم تنتبه ليسألها بجدية : لماذا تقولين هذا الحديث ؟!
أجابته بتلقائية وهي تلتفت إليه : ألم تلحظ العلامة ..
صمتت حينما التقطت عصب فكه الذي ينتفض بغضب استقر بعمق عينيه البنتين فأحالهما للاسود الداكن لتهمس بخفور شديد – اعتذر يا سليم لم أقصد .. أنا لم ..
صمتت وهي لا تجد كلمات تظهر بها أسفها لتخفض رأسها بارتباك ألم بها لتغمغم بعد صمت دام عليها قليلًا : ظننتك لست من هذا النوع الغيور فتحدثت بعفوية ، أنا آسفة .
ادركت مدى غضبه من تصلب جسده واحتقان أذنيه لتتبع : أنت أخبرتني أنك لست والدك وأنك لست غيورًا ..
هدر مقاطعًا : اصمتِ يا انجي ، هلا توقفت عن الحديث قليلًا ؟! فأنت فعليًا لا تدركين عم تتحدثي .
هزت رأسها بعدم فهم لتجيب بتلعثم : نعم فأنا لا أفهم سر غضبك إنه زوج شقيقتك ، زمجر بعدم رضا فاتبعت بجدية - لا تخبرني أنك تغار بهذه الطريقة المرضية على شقيقتك ، فأنت لا تغار علي بهذه الطريقة .
التفت إليها بعينين متسعتين بغضب اهوج ليصرخ بجنون : لا تقارني بينك وبين حبيبة ، لا حبيبة ولا ماما ولا أي من نساء عائلتي ، أسمعت ؟!
اختنق حلقها وهي تتراجع للخلف تستند بظهرها للباب من ورائها لتسأله بعدم فهم : لماذا ؟! ما الفارق بيني وبينهن ؟!
هدر بغضب : لا فارق ، أنت لديك مساحتك الخاصة التي منحتها لك فلا تضعي نفسك معهن من فضلك ، ولا تتحدثي عن أي شيء يخصهن ثانيةً ، واياك و التلميح من جديد لعلاقة حبيبة وعمر فلا تدفعيني أن اقتل الرجل دون سبب وجيه .
ارتفعا حاجبها باستهجان لتردد دون تصديق : تقتله ؟!!
تنفس بعمق و أثر الصمت يحاول أن يسيطر على أعصابه التي أثارتها بحديثها الغبي والذي يدرك صحته ولكنه لا يقوى على تخيل ما ثرثرت عنه بعفوية رغم أنه بنفسه التقط ما تتحدث عنه ولكنه افتعل عدم الرؤية .. غض الطرف .. ومحاها من ذاكرته لتأتي هي وتثرثر باريحية عن زوج شقيقته الشقي ، زمجر بضيق لتهتف به : ألا ترى أن الأمر عاديًا وأنت من تمنحه أكثر من حجمه.
التفت إليها ليصيح : ألم أطلب منك الصمت يا انجي ؟! من فضلك اصمت لدقائق معدودة حتى اوصلك لبيتك ، ولتدعي الله أن انسى حديثك الأحمق لأقوى على مقابلتك في الغد .
نظرت إليه بذهول لتؤثر الصمت إلى أن اوقف السيارة أمام بيتها لتترجل منها قبل أن تهتف إليه بعنفوان : بل من الأفضل ألا تقابلني لا غدًا ولا بعد غدًا يا سليم ، فأنا لا أريد مقابلتك في الوقت الحالي أبدًا ، ولتذهب إلى نساء عائلتك اللائي ليس مسموح لي الحديث معك عن أي شيء يخصهن أو اتعدي على الذات الملكية الخاصة بهن ، تصبح على خير .
صفعت باب السيارة بقوة ليطبق فكيه بقوة وهو يراقب دخولها إلى منزلها لتصفع الباب ايضا خلفها ليصر على أسنانه بقوة قبل أن يحرك سيارته وينطلق بها مبتعدًا عنها غير آبهًا بحديثها ولا غضبها !!
***
تستلقي بجواره على الفراش بعدما حصلت على حمامها وارتدت إحدى منامتها الستانية التي تدرك تفضيله لهم عن بقية منامتها ، تقترب منه تريد أن تخفف عنه ما حدث اليوم في بيت عائلته وبكاء والدته التي ظلت تبكي رافضة لأي شيء فيهدهدها هو بصبر إلى أن اقنعها بتناول الطعام والذي كان مشروطًا بتناولهم للسحور معها وبالفعل استجاب لها أسعد وهو يعتذر إليها بعينيه فتطمئنه بنظراتها أنها ليست ضائقة بل الليلة كان سحورًا مميزًا بين عائلته التي تعشقها ، التفتت إليه تتأمله وهو يراسل أخاه الذي اعتكف بغرفته فلم يستجب لمحاولتها الحثيثة هي ويمنى بل وأسعد نفسه حتى  يخرج ليتناول الطعام معهم ولكنه رفض غضب وعناد وها هو أسعد يهادنه كما المتوقع ، سبة خافتة انسلت من بين شفتي زوجها ليلقي هاتفه بضيق فتبتسم برقة وتسأله : لم يتزحزح عن موقفه .
تمتم أسعد بضيق : انه عنيد كالثور ، بابا سيعلقه من قفاه عندما يعود ، فبابا حين يصل الأمر إلى ليلاه لا يتفاهم .
ابتسمت بتفهم : نعم أعلم ، لطالما شهدت على ثورته التي تظهر نادرًا إلا حينما تغضبون لولا .
ضحك بخفة ليقترب منها هامسًا : لذا لم أكن أحب إغضابها .
رفعت كفها لتلامس وجنته وتسأله بحزن سكن عيناها : هل ستغادر غدًا ؟!
ابتسم بحنان لمع بعينيه ليجذبها نحو صدره ينيمها بداخله يقبل باطن كفها ليهمس إليها بخفوت شديد : بعد الإفطار بإذن الله ، سنعود إلى البيت سريعًا لأقوى على الارتواء منك قبل أن أغادر فجرًا ، دمعت عيناها تلقائيًا فأكمل - رتبي اشياءك لأقلك إلى بيت أبيك قبل أن ارحل .
هزت رأسها نافية لتجيبه بصوت باكي : لا أريد ، سأبقى هنا .
تنهد بقوة : لا يا جنى ستذهبين ، أريد أن اطمئن عليك ولا أريد أن اتركك بمفردك في البيت ،
مطت شفتيها وهي تجاهد ألا تبكي لتهمس بصوت مختنق : سأشتاق إليك .
ابتسم وهو يربت على رأسها يضمها إليه أكثر : وأنا الآخر يا حبيبتي .
توترت ملامحها لتعض شفتها بتوتر يعلمه جيدًا فيسألها بهدوء وصبر : ما الأمر يا جنى ؟!
كحت بخفة وهي تعتدل بجلستها تبتعد عنه قليلًا لتتلعثم ناطقة : فقط أفكر أنك سترحل وأنا .. نحن .. أنت ، تمتمت بضيق - وأنت تعلم لم ن ..
كتم ضحكته ليسأل : ن ..؟!
زفرت لتهتف بضيق وهي تبتعد عنه بجسدها : يا الله يا أسعد أرجوك لا تسخر مني .
ضحك بخفة ليقربها من صدره ثانيةً هاتفًا بمرح : بالطبع لا افعل يا حبيبتي ولكن استفسر عم تقصدين .
زفرت أنفاسها كامله لتجلس تنظر إليه بوجه متورد ونظرات مهتزة ولكنها أخيرًا قررت الحديث : أنا افكر أن بم أني .. صمتت لتبحث في مفردات اللغة عن تعبير آخر قبل أن تكمل - أقصد أن الأمر أصبح متاحًا ما رأيك أن نستخدم الدواء و المهدأ .
رمقها من بين رموشه مليًا ليعدل بنبرة صارمة : تقصدين المخدر .
هزت رأسها نافيه لتعيد خصلاتها للخلف هاتفه بإصرار : لا يا أسعد إنه مهدأ ، رفع حاجبه باستنكار فأكملت - لا انكر أنه يحوي مادة مخدرة ولكن سيفيد وخاصةً أني أصبحت أتقبل الأمر - الآن - بشكل أفضل .
هدر برفض صريح لا نقاش به : لا
توترت لتهمس : لماذا ؟! لا تنسى أن الطبيبة من أوصت به .
تمتم بجدية : إذا كنت متعجلًا من أمري وأنا لست متعجلًا.
رمقته قليلًا لتهمس بخفة : إذًا أنا متعجلة .
ضحكة مشاكسة زينت ملامحه : حقًا ؟! أومأت برأسها ليتابع مشاكسًا - بهذه المنامة ، أنت حتى لم ترتدين قميص النوم الذي أذهب تعقلي من قبل ؟!
نظرت إلى نفسها بحرج ليقهقه بخفوت قبل أن يسحبها إليه من جديد هامسًا : اسمعي يا جنى أنا أقدر أنك تريدين اسعادي ولكني لا أريد سعادتي معك بهذه الطريقة وخاصةً أنك تتقدمين بالفعل ، فجلسات الاسترخاء والاستحمام تجدي بفوائد جمة علينا سويًا
سيطرت على حرجها لتكمل له بشقاوة و تتفاعل معه : ولا تنسى جلسات التمارين ، أنا عن نفسي أفضلها جدًا .
ومضت عيناه بتسلية ليهمس بمرح تملكه : حقًا ؟! أومأت برأسها إيجابًا فهمس وكفيه تحتضنان خصرها يقربها منه قبل أن تبدأ أصابعه في التسلل لجسدها أسفل المنامة : إذًا لنذهب ونتمرن إذا كنت سترتدين لي طاقم التمرين الذي ارتديته المرة الماضية.
ضحكت برقة وهي تتملص من مداعبة أصابعه لبطنها لتسأله بخفة : أعجبك ؟!
غمغم بشقاوة : كثيرًا .
تمتمت برقة وهي تذوب داخل صدره : لدي آخرين غيره ، منهم جامب سوت عبارة عن شورت قصير للغاية وحمالتين للصدر
لهث بقوة ليسأل بصوت اجش : ما لونها ؟!
غمغمت وجسدها يسترخي تحت لمساته الدؤوبة : وردية .
دفعها بلطف هامسًا بأمر : هيا اذهبي لترتديها ولا ترتدي شيئًا أسفلها .
شهقت بخجل حينما أدرك عقلها حديثه لتهمس بحياء : لا طبعًا ، لا أقوى على ذلك.
هز رأسه غير راضيًا ليهمس أمرًا : بل ستفعلين ، دفعها ثانيةً - هيا فأنا انتظر .
ضحكت بخفة : لا يا أسعد ،
رمقها بجدية ليحتقن وجهها بالأحمر القاني وتهز رأسها برفض فيتبع بضيق وهو يبتعد عنها : حسنًا على راحتك .
برمت شفتيها بطفولية لتنتظر ثواني قبل أن تهتف سائلة : ستغمض عينيك .
استدار ينظر إليها بمكر ليجيب ببساطة : لا أريد عيناي فأنا سأستخدم كفاي ، شهقة عالية صدرت منها ليقهقه مرغمًا قبل أن يهتف - حسنًا سأغمض عيني.
نهضت بتلكؤ لتختفي قليلًا داخل غرفة الملابس قبل أن تطل برأسها تناديه ليضع كفيه خلف رأسه بجيبها بمرح في جلسته المسترخية : هاك أنا اغمض عيني و أضع كفي خلف رأسي في حركة لم أتوقع أن افعلها أبدًا .
ضحكت لتتقدم بهدوء منه : أنا الشخص الوحيد المسموح له أن يدفعك لفعل أي شيء لأجله .
— هذا صحيح ، أجابها بهدوء ليكمل بخفة - تحدثي وأنت قادمة فأنا أريد الاستماع لك .
خطت اتجاهه لتهمس بتساؤل : ماذا تريد أن تسمع ؟!
تمتم بهدوء : أي شيء ، مثلًا لتخبريني ما الأشياء التي تخيفك ؟! ما الأشياء التي تضج مضجعك ؟! او كيف تشعرين نحوي ؟!
تمتمت ببطء وتوترها يكاد أن يمتلكها : كيف أشعر نحوك ؟! أنت تعلم كيف أشعر نحوك .
رد سريعًا حينما التقط اقترابها من الفراش وهو يطبق إحدى نصائح الطبيبة فيدفعها أن تتحدث : تحركي بالغرفة يا جنى حتى تتخلصي من توترك وتحدثي معي ما الذي يوترك ؟! ما الذي يضج مضجعك ؟! تحدثي ولا تأتي لي حتى تجيبي أسئلتي.
تنهدت بخفة وهي تبدأ في ترتيب وهمي أشغلت به عقلها لتهمس بخفة بعد وهلة : متوترة لأنك سترحل .. ستبتعد عني .. أخاف عليك .. وأخاف أن أفقدك بعد الشر عليك.
لم تنتبه أنه بدأ يتحرك من مكانه بخفة كعادته لتتابع وهي تدير ظهرها لعلها تستطيع الثرثرة له عن مخاوفها فيتماسك بدوره حتى لا يحيد ببصره نحو ظهرها الابيض العاري والظاهر أمامه الا من الحمالتين الورديتين المتقاطعتين عليه فينتبه لها تهمس بخفوت : أنا أخاف أن أفقدك يا أسعد .. فأنت من تبقي لي .. بعد ماما أنت من كنت إلى جواري .. اهتممت لأمري و راعيتني ، أنا لا أقوى على فقدانك يا أسعد ، لا أقوى أن اعايش نفس الشعور ثانيةً ، أنا خائفة حقًا ولا أعلم ماذا أفعل سوى الدعاء والتضرع لله أن يعيدك لي سالمًا ، لذا ارجوك يا أسعد استمع لي ولنأخذ بنصيحة الطبيبة.
شهقت بخفة وهي تشعر بكفيه تضماها من خصرها ليلصقها بصدره العاري وهو يهمس بجوار أذنها : لا تخاف يا حبيبتي ، يا جنتي ، ولتعلمي أني أدعو الله أيضًا لأعود إليك سالمًا ولتعلمي أني لن أتركك برضاي أبدًا .. لن أفعل أبدًا ..لن ابتعد .. لن أتركك .. وبالطبع لن أمل منك ، أو اضيق بك ، فأنا لست مجنونًا لأتركك يا جنتي ، تأكدي من هذا وثقي بي وبالطبع لن تفقديني وأنا الآخر لن أفقدك ، سيحميني الله ويحفظني لك، وسأعود إليك سالمًا يا جنى لذا لن نأخذ بنصيحة الطبيبة ، شهقت بخفة وهو ينحنى ليحملها كما يفعل دومًا - ولن نذهب لغرفة التمارين أيضًا .
تعلقت برقبته لتهمس بعدم فهم : ماذا سنفعل إذًا ؟!
أدار عينيه عليها بتوق ليهمس بشقاوة شكلت ملامحه وهو يجلس بها على طرف الفراش يباعد بين ساقيه ليجلسها بينهما وهو يضم جسدها بين ذراعيه في تمسك شعرته جيدًا : لنبتكر شيئًا جديدًا يليق بهذا الرداء الذي اشعلني دون جهد يذكر .
سقطت في أسر نظراته التي اشتعلت برغبة باتت تعلمها جيدًا ليهمس وهو يضع رأسه برأسها : دعيني اتذوقك اليوم دون خجل ولا حياء ، دعيني ارتشفك على مهل ولا تبعديني أو تهمسي أن أتوقف أبدًا أبدًا ، ثقي في و امنحيني فرصتي الكاملة و أنا أعدك أن ما مررت به الأيام الماضية شيء وما سيحدث الآن شيئًا آخرًا له مذاق فريد لم يتذوقه كلانا من قبل .
همهمت باسمه وخجلها يحضر بقوة ليهمس إليها أمرًا وهو يجبرها على الغرق في نظراته : تمسكي بخصلات شعري جيدًا ولا تفلتيها يا جنى وكلما شعرت بأنك تريدين مني التوقف اجذبيها بدلًا من أن تعترضي .
همهمت باسمه ثانيةً ليقبلها بتوق : فقط اطيعي ولا تخاف أبدًا وأنت معي.
***
رنين هاتفها المميز له أثار انتباها فأوقظها من نومها وهو الذي لم يهاتفها منذ أن غادر ملتزمًا بطلبها في هدنة يحتاجان لها .. فيستجيب ويبتعد وهي الأخرى ابتعدت رغم شوقها العارم إليه .. لهفتها الكبيرة إليه .. واحتياجها الشديد لوجوده جوارها .
اعتدلت في فراشها تنفض أثار النوم عن عقلها وهي تنظر لشاشة هاتفها المسطحة تتأمل ملامحه بتوق سرى بأوردتها ولهفتها إليه تتزايد فتجيب اتصاله رغم هتاف عقلها الرافض للحديث معه ولكنها خضعت لميل قلبها الذي قفز مهللًا حينما أتاها صوته الرخيم : صباح الخير يا نوران ، أنا أدرك أن الوقت متأخر وقربنا على الفجر .
تمتمت بجدية : صباح النور يا عاصم ، نعم بالفعل لقد قارب الفجر أن يؤذن .
هتف بتروي : المعذرة إن كنت ايقظتك ، ولكني لم أقوى على ألا اهنئك بقدوم الشهر الفضيل ، رمضان كريم يا ابنة عمي .
ابتسمت ساخرة لتزفر بقوة وتجيبه بهدوء : الله أكرم ، شكرًا لك على التهنئة .
ران الصمت عليهما قليلًا ليهمس بصوت أبح فضح مدى شوقه إليها : كيف حال العمل ؟! المؤسسة ؟! والصفقات ؟!
ابتسامة ماكرة شكلت ثغرها لتجيبه ببطء : ألا تهاتف أحمد يوميًا و أدهم أيضًا لتطمئن عليهما وعلى سير العمل ؟!
صمت قليلًا ليجيب بهدوء : بلى أفعل ولكن بم أنك أحد مديرين التسويق فأنا أسألك أيضًا .
ضحكة قصيرة انفلتت من بين شفتيها لتغمغم وهي تتراجع بجسدها لتستند إلى الخلف : فجرًا ؟!
شعرت به يسب دون صوت فتحكمت في ضحكة عالية كادت أن تنفلت منها رغمًا عنها ليهتف بضيق : ماذا تريدين يا نوران ؟! ماذا تريدين أن تسمعي ؟! أخبريني وأنا سأسمعك ما تريدين الاستماع إليه .
أجابته بلا مبالاة نجحت في تجسيدها وهي تلاعب اطراف خصلاتها : أنا لا أريد أن استمع إلى أي شيء يا عاصم ، أنت من يتصل بي فجرًا ليخبرني أنه يسأل عن حال المؤسسة .
هدر بسرعة : بل لابارك لك قدوم رمضان . أومأت برأسها وكأنه سيراها ليتابع بمكر انغمس به صوته – ونعم اطمئن على حال المؤسسة ، هل هي بخير ؟! هل لازالت غاضبة وعلى عنادها وتحديها لي ؟!
تمتمت بخفوت : المؤسسة لم تتحداك أبدًا يا عاصم .. لم تعاندك .. ولكنها غاضبة منك لانك جرحتها ولم تثق بها بالشكل الكافي ، صمتت قليلًا لتغمغم بثرثرة عفوية – بل أنا اعتقد أن سبب الخلاف بينك وبينها أنها منحت نفسها مكانة ليست لها .
أجابها سريعًا : أبدًا ، هي لها مكانة عالية وغالية بقلبي ، وهي واثقة من ذلك ، و لكن تمردها من أوصلنا لحائط سد فارتطمنا به في قوة مهولة نتج عنها صدع سيزول مع الوقت .
ابتسمت بخفة : لذا هي طلبت الوقت .
أجابها بخفوت : وانا منحته لها ولكن هذا لا يمنع أن تمنحني هي أيضًا بعض من الأحاديث لأحاول التخفيف عنها ومداوة جرحها وترميم الصدع .
ران الصمت عليهما قليلًا لتهمس بخفوت : لقد أجابتك حينما اتصلت وتحدثت إليك عندما حاولت يا عاصم .
زفرة راحة ندت عنه : وهذا اقدره لها كثيرًا ، و اشكرها عليه ، ابلغيها سلامي وشوقي وعندما أعود سيكون لي معها حديث آخر باستفاضة لأعتذر منها و لتخبرني هي بدورها عم سيطمئن قلبي المهتاج في بُعدها .
ابتسامة واسعة زينت ملامحها لتجيب بخفوت شديد : تعد لي سالمًا يا عاصم .
***
تململت من نومها الذي غفت فيه منذ قليلًا على حركته في الغرفة لتهمس بخفوت وهي تضم الغطاء على جسدها العاري : أحمد ماذا تفعل ؟! أين ستذهب الآن ؟!
ابتسم بحنان وهو يقترب منها يجلس على طرف الفراش قريبا منها يقبل رأسها لينحني نحو بطنها فيقبلها كما يفعل كعادته مؤخرًا قبل أن يهمس لها : المعذرة أني اقلقتك ولكني ذاهب لدادي ، هل نسيت ؟!
عبست بعدم فهم ليلمع الإدراك بعينيها : اها تذكرت .
ثرثر إليها بخفوت : لا أريد تركه الليلة بمفرده ، فعبد الرحمن مسافر وعمر لن يغادر البيت ولو على رقبته الليلة .
ضحكت بخفة لتلكزه بلطف : أما أنت فتتركني وتمضي لأبيك .
ارتفعا حاجباه بدهشة : حقًا أنت تتذمرين ، بعد ما حدث منذ ساعات قليلة تتذمرين .
ابتسمت برقة وهمست : لا اتذمر ، والأمر ليس لما حدث منذ ساعات قليلة بل لأني أحبك ألا تخلف عادتك مع أبيك .
ابتسم بفخر ليقبل رأسها : حبيبتي .
تنهدت بميوعة وهي تتعلق برقبته تقبل طرف ذقنه برقة فيكح بخفة ليهتف بمرح – هكذا لن اصوم ولن اصلي وسيضيع رمضان قبل أن يبدأ
تعالت ضحكاتها ليكمل : وسيأتي أبوك الآن على صوت ضحكاتك ليطلق علي الرصاص و يتخلص من عاره و خاصةً بمظهرك هذا و أنت في منتهى الجمال والرقة وملفوفة داخل الغطاء كلوح شوكولاتة ناعمة مغرية للتذوق .
جذبته من ياقة سترته لتهمس باغواء : إذًا تذوق .
ضحك بخفة ليهمس إليها بشقاوة : أنت تعذبينني يا ابنة الوزير لأنك لن تصومي الشهر أليس كذلك ؟!
عبست بضيق : بل سأفعل .
تمتم باستنكار : لا طبعًا لن تفعلي يا أميرة ، الطبيبة أخبرتك ان لا تفعلي ، برمت شفتيها بضيق ليقبل رأسها بلطف – لأجل الاطفال يا أميرتي .
لوت شفتيها وهي تناظره بعتاب سكن حدقتيها ليهتف ضاحكًا وهو يقفز واقفًا : أرجوك أجلي وصلة العتاب إلى أن اعود من عند الخواجة ، حينها شنفي اذاني بكل ما تريدين و أنا سأراضيك واعتذر لك واقبل رأسك فقط لاني لن أقوى على فعل أي شيء آخر وخاصةً وأني سأكون صائمًا .
ضحكت برقة لتهتف إليه : تعد لي سالمًا .
توقف أمامها ليهمس إليها بخفة : ادعي لي كثيرًا يا أميرتي .
اختفت البسمة من فوق وجهها لتدعوه باسمه في تساؤل فعلي وهي تعتدل جالسة : أحمد ؟!
تنهد بقوة وهو يضع مسدسه بجيب حزامه الخلفي : حينما أعود سأقص لك ولكن الآن لا استطيع .
اهتزت عيناها بإدراك لينحنى إليها ثانيًا يقبل شفتيها ثم رأسها فتتمسك به تضم نفسها إليه قبل أن تهمس بخفوت : لا اله الا الله يا أحمد .
ابتسم وهو ينظر إليها مطمئنًا : محمد رسول الله يا حبيبتي .
***
أنهى صلاته كعادته في استقبال الشهر الفضيل في الملحق الخارجي لأنه لم يعد قادرًا على الصلاة في الخارج وخاصةً أن الجو أصبح باردًا ، ليجلس فيقرأ القرآن من المصحف الكبير الذي أهداه إليه امير قديمًا مصحف يجمع بين العربية والإنجليزية حتى يسهل عليه فهم الكلمات التي تقف أمامه فلا يدرك معناها جيدا بالعربية ، ابتسم وهو يتذكر أن عبد الرحمن أهداه –مؤخرًا - قلم صغير مزود بقاموس ناطق حينما يمرره فوق الكلمات فيصدح صوت المقرأ بالكلمة فيحسن هو نطقه بدوره فإلى الآن لازال يلقى صعوبة في نطق بعض من كلمات القرآن الفخمة ذات النطق البليغ ، و رغم أن لسانه لا يسعفه إلا أنه يجاهد بسعادة وخاصةً حينما أخبره تيم بأن جهاده الله يكافئه عليه بأجرين وليس أجر واحد كالبقية اللذين يتلون القرآن بسهولة ويسر.
أنهى قرأته لينهض من جديد يقف ويصلي آخر ركعتين في صلاته لليلة قبل أن يغادر ليصلي الفجر حاضرًا في الجامع القريب و الذي صلى به سابقًا هذه الليلة أول تراويح لرمضان ، فيقف بخشوع بين يدي الله قبل أن يركع ثم يسجد ليطيل السجود في سجدته الثانية وهو يدعو كعادته لأبناءه وأحفاده وذريته من بعده ، أطال الدعاء إلى أن حشرجت أنفاسه لينهض جالسًا وينهي صلاته مسبحًا.
__حرما يا خواجة ، لم تنتظرني على غير العادة .
التفت مبتسمًا لولده بكريه الذي قدم رغم أنه لم يتوقع قدومه فيقترب منه يساعده لينهض واقفًا فيهتف خالد بضجر : ابتعد يا ولد أنا لازلت قادرًا على الوقوف والحمد لله ، ونعم لم انتظرك توقعت أنك لن تترك أميرتك وتأتي وهاك أنت تأخرت بالفعل .
نظر أحمد لساعته ليهتف بهدوء : لا زال الوقت مبكرًا على الصلاة يا دادي فأنت تستعد الآن للذهاب للجامع أليس كذلك ؟!
أومأ خالد بجدية ليسأله بهدوء : ستأتي معي ؟!
أجابه أحمد بهدوء : وهل أخلفت الذهاب معك يومًا يا دادي ؟! اتبع ببساطة – عندما أكون متواجدًا في البلاد لا اخلف التقليد قط .
ربت خالدعلى كتفه بحنان : حفظك الله يا أحمد .
سأله أحمد بهدوء : ألن تصفح عني ؟!
ابتسم خالد بمكر : من أخبرك أني لم اصفح ؟! بل من أخبرك أني كنت غاضبًا منك من الأساس ؟!
عبس أحمد بريبة ليسأله : كنت تخاصمني ولا تطيق رؤيتي يا خواجة .
لكزه خالد في كتفه بخفه : كنت ضائقًا منك ومن غبائك وانتظرتك تأتي لتعتذر أو تفعل أي شيء ولكنك غبي كابرت ، هز خالد رأسه بيأس ليتبع - سبحان الله نفس غباء حميك ، الآن علمت لماذا اصبحتما متقاربان لهذه الدرجة ، فوائل يرى نفسه فيك .
ضحك أحمد بخفة ليومئ برأسه موافقا : نعم هو أخبرني بذلك واعترف أيضًا أنه يدفعني كي لا أكرر أخطائه .
هز خالد رأسه متفهمًا ليسأله أحمد بجدية : إذًا لم تعد غاضبا .
هز خالد رأسه نافيا ليضغط على كتف أحمد بلطف : لا يا أحمد أنت ولدي ..  بكري .. ابن قلبي الذي لا أقوى على الغضب منه.
تنهد احمد براحه لينحنى على خالد بانحناءة طفيفة ليضمه خالد براحة يربت على ظهره بلطف هاتفًا : أنت أكبر ابنائي يا أحمد لذا أنت الكبير من بعدي .. اهتم بإخوانك .. راعيهم و ظلهم تحت ذراعيك .. كن لهم الأب والأخ .. و لأولادهم العم الذي يلجئون له وقت الحاجة ، أما شقيقتك فاعتني بها .. ودها واسأل عن أحوالها باستمرار .. أشعرها أنك ظهرها وسندها و ادعمها حتى إن كانت مخطئه .. وأرفق بها ولا تنس أبدًا ابنتها الصغيرة ،
سحب نفسًا عميقًا ليبعد أحمد عنه قليلا ينظر إلى عمق عينيه ليكمل بجدية : سهيلة أمانة في رقبتك يا أحمد .. هي بوضعها المتفرد تحتاج لرعاية خاصة يشهد الله أن شقيقتك و زوجها لا يقصران معها ولكن عليك أيضًا أن تهتم بها .
تمتم أحمد بالإيجاب ليحتضن خالد وجهه بين كفيه وينظر إلى عمق عينيه : زوجتك .. أميرتك .. من تحديت الجميع لأجلها .. من وقفت متحديًا وائل الجمال بكل عنفوانه لتفوز بها .. راعيها .. حبها .. و اعتني بها .. و اهتم بمتطلباتها .. تحرر من قمقمك و لا تخفي عنها مكنونات صدرك مجددًا .. أميرة تحبك ..و تقدرك .. و تريد ارضائك فقط لا تبتعد عنها بأفكارك و اهتم بها وبأبنائك
ابتعد أحمد عنه قليلًا لينظر إليه بتعجب : سأفعل كل هذا يا دادي لا تقلق ولكن ما بالك اليوم ؟!
ابتسم خالد ليهمس : لا شيء ، فقط أنبهك لكل شيء حتى تكون على قدر المسئولية من بعدي .
تهدجت أنفاس أحمد ليتمتم ساخرًا : بارك الله لنا في عمرك يا دادي ، ما هذا الحديث الذي ليس بأوانه ؟!
ضحك خالد بخفة : هذا الأوان لا يعلمه الا الله يا أحمد .
تمتم أحمد وهو ينظر إليه بريبة : حفظك الله لنا ، لتحمل أطفالي وأطفال زوج المشاغبان أيضًا ؟!
ضحك خالد وهمس وهو يسير إلى جواره ليصبحا في حديقة البيت متجهان للخارج كي يلحقا بالصلاة : بالمناسبة هل فكرت باسماء لأطفالك ؟!
ابتسم احمد باتساع ليخرجا من البوابة سويًا : أحدهم سأسميه سليمان لتكون كنيتي أبا سليمان .
ضحك خالد بخفة ليربت على ساعده باستحسان الذي يقبض عليه بكفه الآخر ليسأله : والآخر ؟!
هز أحمد رأسه : لا أعلم سأتركه لأميرة لتسميه ؟!
أومأ خالد برأسه : قسمة العدل ، تحرك أحمد نحو سيارته ليشير خالد برأسه نافيا - لنسير سويًا إلى الجامع إنها ليست بمسافة بعيدة .
أومأ أحمد بالإيجاب ليهتف بمرح تملكه : لم تسأل عن الفتاة ؟!
ضحك خالد وهما يسيرا ببطء : أعلم أن الشجار على اشده بين الجميع على تسميتها .
أومأ أحمد برأسه ليسأله : إذا لديك أي اقتراحات فأنا وأميرة نضع الاقتراحات لنختار منها .
ابتسم خالد ليجيبه : سمها تارا معناه جميل وله أكثر من معنى ، اسم دولي يليق بابنتك متعددة الأصول .
ضحك احمد ليومئ برأسه مجيبًا : سأخبر أميرة وعليه سنقرر فأنا لا استطع أن اقر بمفردي ، فمن الممكن أن تكون ابنتنا الوحيدة .
عبس خالد ليسأله : لماذا ألن تنجب ثانيةً ؟!
ارتفعا حاجبي أحمد بصدمة : تمزح يا دادي ، سأرزق بثلاث أطفال ، من لديه صحة أن يأتي بأطفال ثانية .
رمقه خالد بضيق ليهتف بضجر : لا ترفض نعمة الله يا أحمد بل اشكره واحمده عليها .
تمتم أحمد : الحمد لله على كل نعمه وفضله .
***
يقف بشرفة بيته العلوية يترقب من خلف منظاره الدقيق الملحق بسلاح متطور يمنحه رؤية مجسده قريبه وكأنه يواجه ممن ينظر لهم ، تلمع ابتسامة ظافرة .. منتشية .. متشفية على شفتيه وهو يهمهم لنفسه بأنها اللحظة المنتظرة .. بأنها لحظته الاثيرة التي حيا عمره كله ينتظرها ، نظر جيدًا وهو ينتفخ بانتقامه الوشيك الذي أصبح على مقربه من ضغطة زناد ، فيعالج سلاحه وهو يقرب الرؤية أكثر لينطق بلغته الأم وبنبرة ازدراء واضحة : سلام يا خواجة ، أرسل تحياتي للبابا.
ضغط الزناد بثقة .. بفخر .. بكبر ، وعيناه تلمع بوميض منتصر ورصاصته الموجهه نحو مرماها تنطلق نحو هدفها في صمت يعم الأجواء سوى من زنة خفيفة تحيط رصاصته التي استقرت في جسد من صوبها نحوه كما رغب دومًا.
***




رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن