الفصل ال٤٤ ج١

2.7K 66 3
                                    


تحركت بخطوات بطيئة بعدما استيقظت من النوم على ألم يضرب أسفل بطنها حاولت أن تتجاهله .. تتهرب منه .. أو تتحكم فيه ولكنها لم تقوى فنهضت مرغمة من الفراش وهي تقرر أنها لن توقظه بدورها ولن ترعبه كما المرات العديدة الماضية التي ايقظته بها وهي تهلع بسبب ألم مشابه لذاك الألم الذي لا ينتهي ، فهي منذ ما يقارب الساعة ونصف وهي تحاول أن تتجاوز الألم الذي يشتد عليها كلما مر الوقت وهي تصبر نفسها أنه سيمر .. سيتوقف .. سينتهي ، ولكنه يزداد عليها بل أنها تشعر بكون ساقيها لم تعد تتحملان وزنها .. فهما أصبحتا واهنتان .. ضعيفتان والألم يتمكن من أطرافها ونغزه قوية تصيب أسفل بطنها فتكتم انينها وهي تضغط شفتيها ببعضهما لتتنفس بلهاث وهي تحاول أن تحتوي المها لتتسع عيناها برعب حقيقي وهي تنظر لساقيها اللذان ابتلتا فجأة وجريان الماء الدافئ فوقهما لتهتف برعب تمكن منها : أنا ألد .. أنا ألد .
تماسكت وهي تتحرك بوهن .. ببطء .. بثقل وهي تشعر بضغط هائل فوق ساقيها لتجلس بجواره على الفراش تربت على كتفه بهدوء وتهمس باسمه في تكرار تعلم أنه يوقظه فيعبس بضيق قبل أن يرف بعينيه ليفتحهما اخيرا وابتسامته تزين شفتيه حينما همست إليه بتحية الصباح فيجيبها بوله : صباح الخير يا أميرتي
ابتسمت بتشنج ليرتعد جسدها أمامه عيناه وهي تشعر بالنغز يزداد لينتفض هو جالسًا وهو يسألها بهلع بعدما أدرك شحوب وجهها والألم الذي يعتلي جبينها : ما بالك يا أميرة ؟!
تمتمت بهدوء : my water just broke .
جحظت عيناه ليهمهم بجدية : حقا ؟! أنت تلدين حقا هذه المرة ؟!
أومأت برأسها وشفتاها ترتعشان جراء ألمها لتهمس بهدوء وهي تشعر برعبه ينضح بعينيه : لا ترتعب ، لقد اعتدنا الأمر ، ستنهض الآن وترتدي ملابسك وتحمل الحقيبة وتسندني إلى السيارة لنذهب إلى المشفى بعد أن تحادث ماما وخالتو والطبيبة .
شحوب ملامحه وعيناه الشاخصتان بهلع أجبراها أن تهتف بحدة وهي تنهض واقفة – هيا يا أحمد لا وقت لخوفك الآن ، أنا أتألم .
قفز واقفا ليهتف بسرعة : نعم ، حالا ، تريدين تبديل ملابسك .
أومأت برأسها ليقترب منها : حسنا سأساعدك أولا ً .
تنفست بعمق وهي تتحرك معه بالفعل لتهتف بوهن ودموعها تنهمر رغما عنها : أريد ماما يا أحمد ، هاتفها من فضلك .
اجلسها بهدوء فوق كرسي جانبي وضع بجانب الغرفة ليأتي لها بإحدى فساتينها القطنية وهو يتحدث بتوتر : حالا سأهاتفها .
ساعدها في تبديل ملابسها ليستل هاتفه ويضغط الرقم بعفوية غير مدركا أنه اتصل بوالدها وليس خالته ليأتيه صوت وائل الضجر : نعم يا عملي الرديء في دنياي ، هل هدم قصر جدك فوق رأسك لتهاتفني فجرًا ؟!
أبعد الهاتف عن أذنه ليستوعب أنه هاتف وائل بدلا من فاطمة ليتحكم في ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيه وهو يستمع إلى تأفف وائل الواضح ليهتف بجدية قدر ما استطاع : لا يا عمي ، أميرة تلد هلا أتيت أنت وفاطمة ؟
شعر بوائل ينتفض بسرعة ليهتف به : حالا ، هل نأتي للبيت ؟
همهم بجدية وهو يومأ لأميرة : بلى عند المشفى يا عمي ، سنوافيكما هناك .
استمع إلى همهمة وائل المتفهمة ليغلق الهاتف قبل أن يجلس أمامها على ركبتيه يحتضن كفاها بدعم شعر بها تحتاجه ليهمس وهو يقبل جبينها سأرتدي ملابسي ونذهب على الفور ولكن لابد أن أخبر بابا وعمو أمير أيضا ، فأنا لن أدع شيئًا للظروف .
أومأت برأسها في حركة متألمة ليهتف بها : انهضي وتمددي قليلا يا أميرة .
هزت رأسها نافية : لا أستطيع ، فقط تعجل قليلا .
أومأ برأسه وهو يداعب هاتفه يتصل بأبيه وهو يبدل ملابسه بسرعة ويخبره أن أميرة تلد وأنه سيذهب بها إلى المشفى حالا .
***
طرق الباب ليهتف بخشونة سامحا لمن بالخارج بالدخول لينفتح الباب قبل أن يدلف علاء بخطوات هادئة هاتفا بمرح : لقد عدت يا غليظ .
انفرجت ملامح حسن ليقفز واقفا بترحاب ضاحكا : حمد لله على سلامتك يا علاء ، أنرت المكتب من جديد ، اقترب منه ليحتضنه بأخوة متبعا – ظننت أنك لن تعود يا رجل ، اشتقت إليك.
هتف علاء وهو يحتضن حسن بدوره : وأتركك بمفردك ، أبدًا ، ضحك حسن ليتبع علاء – أنا الآخر اشتقت إليك وإلى العمل
أشار حسن إليه بجدية : والعمل أيضا ينتظرك .
شد علاء جسده ليهتف به : أخبرني ما أخر التطورات هل هناك أي خيط يوصلنا إليه .. مكان وجوده .. أين يختبئ .. من يساعده ؟
زم حسن شفتيه بضيق ليجيب بإحباط : أبدا ، ذاك الحقير وكأنه فص ملح وذاب بنهر النيل ، كلما توصلت لطرف خيط يؤدي بي لسراب ، أنا والضباط سنجن وسعادة المستشار يتحكم في نفسه بأعجوبة حتى لا يبطش بنا جميعا لأجل ما يحدث .
تمتم علاء بجدية : من المؤكد أنه متفهم للأمر يا حسن .
تمتم حسن بسرعة : بالطبع من الناحية الإنسانية متفهم ولكن عمليا نحن مقصرين منذ أن هرب للان ، أنها فترة طويلة وخاصة أن جميع التقارير تؤكد أنه لم يغادر البلاد .
عبس علاء قبل أن يزفر بقوة ويهم بالحديث ليتعالى رنين هاتف المكتب فيجيب حسن بتلقائية لينتفض واقفًا بجدية وهو يتمتم : علم وينفذ يا فندم ، حالا سأرسل دورية حراسة ..
صمت وهو يستمع إلى كلمات أمير الحازمة ليومأ برأسه ويتمتم بطاعة : حسنا سأذهب بنفسي يا سيدي ، أغلق الهاتف ليعبس علاء متسائلا ليطبق حسن فكيه متمتما بحنق – زوجة أحمد باشا تلد وعلينا تأمينها وتأمينه وتأمين العائلة جميعا وخاصة الصغار وأمير باشا ..
صمت وهو يصر على أسنانه فيكمل علاء بخفة : أمر كان تذهب بنفسك فهمت ذاك الجزء من الحديث ، أشاح حسن وجهه بضيق فأكمل علاء – سأذهب أنا وأبقى أنت .
عبس حسن ليهز رأسه نافيا : لا طبعا وتكون الناهية التي تقضي على مستقبلي وأني لم التزم بالأوامر ، بل سأذهب وأنت معي ، فالأمر يحتاجنا سويا وخاصة مع قدوم الأطفال فهم أكثر المعرضين للخطر .
ابتسم علاء وربت على كتفه : حسنا هيا بنا .
التقط حسن أشياءه وهو يهتف برجاله في جهاز الاتصال غير المرئي : هيا يا شباب استعدوا لدينا حالة ولادة علينا تأمينها .
انفجر علاء ضاحكا رغما عنه ليهتف بحسن وهو ينتظره ليحتضنه من كتفيه : كم اشتقت للعمل معك يا غليظ .
ضحك حسن ليهتف بمودة : وأنا الآخر اشتقت إليك يا مرح .
***
يخطو بحذر نحو المكان المخصص لجلوسها ، يعلم جيدا أنه سيجدها به ، ورغم أنه لا يعلم ما الذي أتى به إلى هنا وما الذي دفعه لأن يقرر في غفلة من عقله أن يذهب للحديث معها يصارحها هذه المرة بمشاعره ويتقبل قرارها أيًا كان جوابها الذي يدركه بقرار نفسه ولكنه يريد أن يسمعه بأذنيه .. ينظر لعمق عينيها وهي تجيبه .. تخبره .. وتحيه أو تصدمه ، فعقله يدرك أنها لا تحبه .. ليست مشغولة ولا متعلقة به ، بل كان مجرد صديق .. أخ .. وابن صديق والدها، ومن المحتمل كونه كان شريك لها في مشروعها كانت تقدره لأجل هذه الصفة في حياتها ولكنه أبدا لم يكن أكثر من هذا ومن المحتمل أن يكون أقل في ظل أنها كانت له كل شيء، ولكن قلبه لا يقبل بهذا التفسير .. لا يدركه فهو لازال يخفق لأجلها ويتألم شوقا لها وتموت روحه لهفة وتوقا ، فتحجج بامر الشراكة والصداقة وأتى لها يخطو بسرعة نحو مبنى الجامعة الخاص بدراستها ولديه بعض النقاط  لمشروعهما سويًا يتحجج بهم ليتحدث معها ويكن مدخل جيدا لحديثه الأخر الذي كان يدخره إلى ما بعد تخرجهما ولكن من الواضح أنه لابد أن يكون صريحا مع نفسه ومعها يا تقبل يا ترفض وعليه سيسلك طريقه يا إما معها يا بعيدًا عنها !!
تباطأت خطواته مرغما وارتعشا فكاه بضيق انتابه وغيرة جنونية تندلع بعينيه وهو يبصرها تقف مع الآخر الذي يدرك تماما أنه يحوم حولها ، بل هو يدرك جيدا أن ابن خالها ذاك مغرم ويريد الاقتران بها ، يريد الاستيلاء عليها ويريد أن يختطفها منه ، زأر عقله بسؤال اعتصر روحه " أو كانت لك ؟!! "
فاهتزا جفناه وقلبه يصرخ برفض أنها لا تحبه .. لا تريده .. بل أنها تضيق به وبمحاصرته لها لينتفض عقله وهو يزأر به أن ما يراه منها الآن مع الآخر لا يشي بذلك ، بل إن ابتسامتها الرقيقة وتوردها الحيي ولمعة عيناها التي يراها من مكانه البعيد تشي بأنها غارقه في بحر الآخر المتوله بدوره فيها.
اقترب دون أن يحاول تنبيهها لوجوده يريد أن يستمع إلى فحوى الحديث المتبادل بينها ليطرق سمعه حديث محمود بصوته الرخيم ونبرته الفخورة : سأصحبك معي يا خديجة فليس من المنطقي أن اتركك تعودين للبيت بمفردك وأنا هنا ، أتبع ببسمة زينت ثغره – لقد أتيت رأسا إليك لأراك وأعود بك .
تمتمت برقة وهي تتحاشى النظر إليه : لا أستطيع يا محمود ، وأنت تعلم هذا جيدا ، بابا لا يقبل بشيء كهذا وإذا علم سيغضب وأنا لا أريده أن يغضب .
ابتسامة ماكرة شكلت ثغر الآخر ليجيبها بجدية : لابد أن نجعله يقبل يا ديجا ، لذا أريد أن نرتبط رسميا في أجازه الصيف فقط كل ما أريده منك أن لا ترفضي فخالي لن يرفض ارتباطنا إذا أخبرته أنك موافقة ، رفعت نظرها إليه متسائلة فاتبع بوعد - أعدك أن أنفذ إليك كل أحلامك يا خديجة لن أمنعك عن أي شيء قط ولكن وأنت معي زوجتي .. خاصتي .. ملكي ، تدركين كم أحبك وأنا أدرك كم أنت غارقة في حبي فتوقفي عن الإنكار من فضلك ، يكفي ما عانتيه معك وأنت تتمنعين علي وتبتعدين عني وأنا الذي لم أتوقع منك أن تفعلين بي ما فعلتي.
رفعت رأسها بشموخ لتهمس بجدية : لتعلم يا محمود أن الأمر لدي مختلف نعم أنا لا أنكر أني كبرت على حبك .. وجودك .. اعتنائك بي وفكرة أني زوجتك المستقبلية لكن حينما تتجاوز أنت الحدود وتشعرني بأني ملكك أو أني خاضعة لك حينها سأزيل كل الأفكار واقتلع قلبي لو أردت وأرميه في قارعة الطريق ولا أني أمنحك فوز على حسابي وحساب كينونتي.
ابتسم محمود بلطف : لن أتجاوز ثانية تعلمت الدرس جيدا يا ديجا ، لذا دعينا من الماضي ولنفكر فيما هو قادم ، هل أتحدث مع بابا لنتقدم إلى خطبتك بعدما تنتهين من اختباراتك هذه السنة فأنا لا أطيق صبرا .
رمقته مليا لتنطق أخيرا بهدوء : لا فأنا الأخرى أميل لرأي بابا في أمر الارتباط يا محمود ، أنا أريد أن انهي دراستي أولا ولا أنشغل عنها لابد أن أضع أساس قوي لمستقبلي ، عبس بضيق فاتبعت بجدية شارحة – لابد أن أضمن نجاح متفوق وعالي لأضمن وجودي بأعضاء هيئة التدريس كما حلمت .
ابتسم بدعم ومض بعينيه : موفقة بإذن الله يا حبيبتي ، وأنا معك وإلى أن تحققي كل ما تتمنيه .
ابتسمت فأتبع بمشاكسة – هيا بنا سأدعوك على الغذاء وأعيدك للبيت ، همت بالرفض فاتبع بخفة – لا ترفضي يا ديجا من فضلك .
نظرت إلى ساعتها لتمأ برأسها موافقه لتستدير على عقبيها فتنتبه إلى وجوده قريبا منهما فتهمس إليه بتعجب : مازن أنت هنا ؟!
ابتسم ابتسامه متسعة لم تصدح من روحه وعيناه تغيم بسحابة قاتمة اخفت كل ما يجيش بداخله : اها كنت بالمكتبة ورأيتك وأنا أَمُر عائد لمكان سيارتي ، رفع رأسه ليحي محمود برأسه : مرحبا يا سيادة القبطان .
ابتسم محمود له بلباقة ورفض سكن عينيه لوجوده فتمتم مازن سريعًا : لن اعطلك كنت سألقي التحية فقط حينما رأيتك .
نظرت إليه بتعجب وهي تشعر بعدم فهم لتبتسم بلباقة وتسأله دون اهتمام فعلي : كيف حالك وحال دراستك ؟
أجاب سريعا : بخير والحمد لله ، أرسلي سلامي لأونكل محمود ورقية وانطي ديدي ،
أومأت برأسها في توتر شعره جيدا لتجيبه : حسنا أنا الأخرى كنت مغادرة ، أتبعت وكأنها تعمدت أن تصل إليه رسالة محددة - سأذهب مع محمود بدلًا من عودتي مفردي ، إلى اللقاء .
ودعته بهدوء وهو يجاهد لتظل ابتسامته فوق وجهه لينهار قناع تماسكه بعدما انصرفت بجوار الآخر فتهتز وقفته .. يترنح جسده وهو يشعر بألم شديدة بقلبه .. وصقيع ينتشر بأوردته متجها نحو قلبه الذي يئن من وجع يفوق طاقته .. يسحب ساقيه بثقل معلق بهما فلا يقوى على المشي بل حركته أقرب إلى الزحف ليتحامل على نفسه وهو يستل هاتفه عائدا إلى سيارته ببذل جهد فظيع وهو يتصل بابن عمه يهمس له بصوت محشرج وأنفاس ذاهبه : أنجدني يا أدهم فأنا أشعر بأني لست بخير .
هدر أدهم باهتمام في أذنه سائلا عن مكانه ولكنه لم يقوى على إجابته وهو يهوى ساقطا مغشيا عليه بجوار سيارته التي لم يستطع الدخول إليها أو الركوب فيها .
***
تقف تنظر إلى نفسها في المرآة ، ملامح وجهها الذي تعافى وجسدها المختفي خلف ملابسها الأنيقة ولكنها تعلم أن رضوضها شبه اختفت تبتسم بثقة استمدتها الأيام الماضية من قدرتها على الابتعاد عنه وإجبارها إليه أن لا يقرب منها ، اختنق حلقها وانكسارها يذكرها أن ليست هي من أجبرته لتنتفض روحها بثورة وتهمس لها بتشجيع أن من أجبره يدعمها ويهدده وأنها الآن معها قوة منحها ذاك الرجل المهيب .. قوة غير مشروطة .. ودعم غير محدود .. ومساندة كان من المفترض أن يقدمها إليها والدها ولكنه لم يفعل إلا حينما أجبره الآخر أيضا على أن يساندها ويترك ابن أخيه العزيز .
شدت جسدها بصلابة وهي تتذكر أن على مدار الأيام الماضية بعدما أنقذتها والدتها من موت محقق وأنها استفاقت لتجد دعم غير مشروط من والدتها التي كانت تضمها ليلًا حينما تنتفض مفزوعة من نومها أو تبكي بأحلامها أو حتى بيقظتها ونوبات الصراخ التي كانت تلم بها من وقت لآخر وسيطرة الطبيب وفريق مخصص داوم على الوجود بجوارها لاحتواء رغباتها في إيذاء نفسها لتستقر حالتها أخيرًا بعد وقت وهي تتمسك بما تبقى من نفسها وتجاهد لأجلها ولأجل طفلها .
رقت ملامحها وهي تنظر لبطنها المنتفخ والواضح من فستانها الربيعي بلونه الوردي الباهت وأزهاره البيضاء الصغيرة فتحتضن بطنها بكفيها وهي تستدير بفرحة غمرت ملامحها وهي تنظر لنفسها من الجنب وتتأمل انتفاخ بطنها الظاهر تضحك بإشراق وهي تربت على رحمها تهمس لطفلها بقاعدة قوتها ووجودها .. بسببها الذي أخفته عن الجميع حتى أمها .. بسبب طلبها لمقابلته فتقيس تأثير تغيرها .. تبدلها .. وشخصيتها التي اكتسبتها رغم عنها .. تسر إليه بخطة انتقامها والتي موقنة من نجاحها : سآخذ بحقي وأنت من ستساعدني ، أعلم أنك صبي .. أشعر بك وأنك ستأتي تحمل ملامحه ، ستأتي نسخته المصغرة وسترث كل شيء ، وأنت معي لن يقوى على إرهابي من جديد .. وأنت معي سيحقق لي كل مطالبي .. فأنت لن تكون المقصلة التي سيضع رقبتي أسفلها بل ستكون أنت المقص الذي سأهذب به ريشه فلا يقوى على الطيران أو حتى الرفرفة ، سأقلم له أظافره حتى لا يقوى على خدشي ثانية ..وسأفقع له عيناه حتى لا يقوى أن يرفعها وينظر لي بها ثانية .. وسأكسر له ذراعه أن فكر فقط بأذيتي ثانية ، لا يا بني لن أتركه لن أترك حقي ولن أترك ارثي وأرث عائلتي ولن أفرط فيما هو لك ، بل سأستولى على كل شيء سآخذ كل شيء سأجرده من ملكه وهو يشاهدني .. وسأهدم عرشه وهو جالس من فوقه .. وسأزلزل الأرض من بين قدميه وهو يظن أنه يملك السحاب .. سأتخلص منه ببطء .. وسأعذبه بتروي .. وبالأخير سأقتله ببساطة وأنا أنظر داخل عينيه ، فقط الأيام بيننا وبالأخير الغلبة ستكون لي .
دق الباب قبل أن تدلف والدتها فتنظر إليها بتوتر هاتفه : لقد حضر .
ابتسمت برقة لتمأ برأسها : سآتي حالًا.
توقفت والدتها قبل أن تغادر : لا تقابليه ولا تعودي إليه يا أسيل ، دعينا نحيا هنا يا ابنتي ، في حماية هادي لن يجرؤ زيد على الاقتراب منك .
ابتسمت برقة واقتربت من والدتها تسألها بهدوء : وحينما يرفع هادي بك عنا حمايته ماذا سنفعل يا ماما ؟! اضطربت ملامح درية برهبة فأتبعت أسيل باسمة - أرأيت ؟!
زفرت درية بخوف : أنا خائفة عليك .
اتسعت ابتسامة أسيل لتهمس : لا تخافي يا حبيبتي ، سأكون بخير ، أتبعت وهي تغادر غرفتها - فزيد لن يكون مؤذيًا بعد اليوم ،
كررت وعيناها تومض بيقين : زيد لن يقدر على أذيتي ثانية .
كتمت والدتها شهقتها بكف يدها وهي تستعيد حديث الطبيب الذي اخبرها أن حالة ابنتها تتدهور بناء على أفعالها فهي تنكر اشياء حقيقية وتتجاهل الايذاء الجسدي الذي تسبب فيه زوجها بل إنها تضع ثقتها في الأخير الذي هو سبب معاناتها تساقطت دموع درية لتتحكم في أعصابها وهي تخطو بسرعة تتبعها لتكون إلى جوارها وهي تقابل ذاك الوحش الذي يخيفها
***
استدار بسرعة حينما سمع حثيث خطواتها ليشعر بقلبه يتوقف عن الخفقان وهي تظهر أمامه ببهاء لم يقوى على استيعابه ، أنفاسه تتعالى وهو ينظر إليها بحذائها الأرضي الأبيض ساقيها المكشوفتان إلى ما قبل ركبتيها فستانها القماشي الخفيف المتهدل فوق جسدها باتساع يسمح لانتفاخ بطنها بالظهور وصدر مغلق لأسفل عنقها وبكمين قصيرين يحددان ما فوق مرفقيها ، بسيط وراق وأنيق كعادتها ملامحها رائقة دون زينة وابتسامتها رقيقة كعادتها وعيناها تشعان بوميض كان يظن أنه انطفأ ، بل كان انطفأ بالفعل وهي بجواره ، لهث وقلبه يخفق باضطراب وتأثير جمالها .. رقتها .. وإطلالتها المختلفة والتي لا يدرك الآن سر اختلافها يأسروه ، همس باسمها في انفعال لم يتحكم فيه ولهفته تحركه نحوها ليتذكر تهديد الآخر ورجاله الرابضين في الخارج فيتوقف مرغما لينظر إلى ابتسامتها التي اتسعت بترحاب وهمستها الناعمة : اشتقت إليك يا زيد.
ارتدت رأسه للخلف بصدمة فينظر إليها بترقب وحيرة مزجا داخل مقلتيه لتخيم الصدمة عليه حينما اقتربت بطواعية وابتسامتها تملأ وجهها لتفرد كفيها على عضديه وترفع جسدها بخفة على مقدمة حذائها لتقبل وجنته برقة وهي تهمس : للأسف لم استطع مقابلتك قبيل اليوم ، فأنا كنت مريضة .
همت بالابتعاد عنه ليلتف ذراعه بتلقائيه حول خصرها ليبقيها داخل صدره هامسا باسمها في تيه ألّم به كادت أن ترتجف وهي تشعر بأنه يأسرها إليه ولكن روحها المناضلة زأرت بها لتتماسك فتبتسم بوجهه وتنظر لعمق عينيه : الآن أصبحت بخير يا زيد لا تقلق ، اتسعت عيناه باندهاش غمره وحدقتيه تهتزان بعدم تصديق فتدفعه برقة ليبتعد وهي تتبع - ماما خلفي والرجال بالخارج وأنا طلبتك لنتحدث يا زيد
صمتت وهي تراقب عبوسه بملامح ثابته لتتبع : ثم أنا أريد منك بعض الأشياء عليك أن تلبيها لي قبيل عودتي إليك .
همهم بعقل غائب : أنا كلي لك يا حبيبتي .
ابتسمت لتربت على وجنته برقة : كنت متأكدة ..
ضيق عيناه ليسأل بخشونة وهو يتمسك بها أكثر : مما ؟!
تماسكت وتحكمت في جسدها حتى لا يتشنج بأعجوبة : من كوني حبيبتك !!
انفرجت ملامحه بذهول تحول لاستنكار وهو يجيب سريعا : بالطبع أنت حبيبتي هل تشكين في ذلك ؟!
رمقته بعتاب لتدفعه بعيدا هذه المرة وهي تنسل من قربه بخفة هامسة بعتاب صدح بنبراتها : هلا جلست يا زيد لنتحدث ؟
عبس بضيق وهو يشعر بابتعادها ليزمجر غير راضيًا حينما دلفت والدتها إلى الغرفة والتي نظرت اليه بكره فتبتسم هي له وتهمس برقة وهي تستعيد انتباهه لها : ماذا تشرب يا زيد ؟
تمتم وهو يشيح بعيدا عن والدتها : لا شيء .
التفتت لوالدتها : ماما هلا طلبت منهم إعداد القهوة لزيد والعصير لي ، عبست والدتها برفض فابتسمت - من فضلك يا ماما .
انصرفت والدتها بعدما رمت زيد بنظرة محتقرة وتهمهم بعدم رضا عن وجوده فيزداد عبوسه لتبتسم اسيل وتهمس بخفوت : لا تشغل رأسك بماما يا زيد أنها غاضبة لأجلي ، ليس من السهل عليها أن تدلف إلى غرفة ابنتها في العيد لتجدها واقعة في دمائها .
أتبعت بلوم واضح وهي تجلس بشموخ أمامه – كانت ستفقدني يا زيد .
راقبت اهتزاز حدقتيه ليقترب منها بسرعة هاتفا : بعد الشر عنك ، لا تنطقيها ثانية أبدا ، كيف قدرت أن تفعليها يا أسيل .
تمتمت بهدوء : أنت السبب .
هتف سريعا : لا ، لم أكن أقصد ، رمقته مليًا فاتبع – لن أكرر خطاي ثانية  فقط عودي معي .
مطت شفتيها بتفكير لتهمهم : ولكني أشعر بعدم الأمان بجوارك يا زيد ، معك أنا مهددة كل يوم ، فأنت حينما تغضب لا تدرك ماذا تفعل هذه المرة كنت سأموت المرة القادمة لا أدري ماذا ستفعل بي أو بإسماعيل .
هتف سريعا : لن اؤذي إسماعيل أبدا يا أسيل ، رفعت حاجبها باتهام ومض بعينيها فأكمل بسرعة – ولا أنت بالطبع ، فقط أريد أن أشعر بأنك لن تركيني أبدا .
رفعت عيناها عنه قليلا وكسى التفكير ملامحها لتهمس : حسنا دعنا نتفق ، فكما أعتقد أنت لديك شيء تريده مني وأنا الأخرى لدي شيء أريده منك .
رمقها باهتمام فأكملت – أنا لا أشعر بالأمان معك لأنك تؤذينني في غضبك ، وأنت لا تشعر بالأمان معي لأنك تخاف أن أتركك أليس كذلك ؟
هز رأسه بحركة مموهة وهو يراقبها عن كثب فابتسمت بوجهه وهمست برقة : وإذا أخبرتك أني لا أستطيع أن أتركك يا زيد ، فهاك أنا من دعاك للحديث واللقاء هاك أنا أحاول أن أتوصل معك لنقطة التقاء ، هاك أنا أريد أن حياتنا تستمر سويا حتى ينشأ إسماعيل قويا مهيبا طبيعيا ويصبح من أفضل الأطفال بل ومتفوق عن أقرانه واجملهم .
لانت ملامحه وترقبه يتبخر ليبتسم وعيناه تومض وخياله يتعلق بولده الذي سيأتي كاملا ويكبر كاملا كبيرا فهو يقوى على منحه الكثير من الأشياء لتكمل بفحيح خافت وهي تقترب منه بعفوية أقرتها في حركتها – أنا أريد أن أكمل حياتي معك يا زيد ولكن ..
صمتت وهي تلتقط الخوف بعمق عينيه والذي لم يستطع التحكم به فأكملت برقة وهي تمط شفتيها بإغواء : أريد فقط بعض الضمانات يا زيد حتى لا أحيا بجوارك خائفة ،
اختنق حلقه ووجهه يربد بغضب : ضمانات ؟!! هل تقايضيني يا أسيل ؟!
ارتد وجهها للخلف لتهمس بصوت باكي : هل تظن هذا حقا يا زيد ؟! نهضت واقفة بغضب مفتعل – بعد كل حديثي الذي أخبرتك إياه الآن تظن بي هكذا ؟
ارتبك وهو ينظر إليها بمفاجأة ألمت به وهو يشعر بأنها مختلفة عما كانت عليه ، ولكن هذا الدلال الذي تتحدث به يعيده لأيام كانا بها متحابان .. عاشقان فهمس سريعا وهو ينهض يقترب منها يقبض على مرفقيها من الخلف ليتحكم بها ويجذبها إلى صدره يضمها إليه بلطف : لا لم أقصد فقط لم أفهم حديثك .
ابتسمت من بين دموع انهمرت مغرقة خديها لتهمس بخفوت وهي تلتفت إليه بنصف التفاته فيصبح وجهها أقرب إليه تنظر لعمق عيناه اللذان تولها بها فيسقط وعيه غيبا بها وهي تتحدث بفحيح ماكر لم يدركه : أخبرتك أني أريد الاستمرار معك يا زيد ، ولكن بعض الأشياء تضمن لي أمان افتقدته معك الفترة الماضية .
تمتم دون وعي وهو يتوق لالتهام شفتيها : أي شيء سأمنحك كل ما تريدين فقط لتكوني معي .
ابتسمت برقة ورفعت كفها لتلامس وجنته : حسنا اجلس لأخبرك حتى لا تتذمر فيما بعد .
أجاب بنفاذ صبر وهو يحنى عنقه ليلتقط شفتيها : لن اتذمر سأمنحك كل ما تريدين يا حبيبتي فقط أريدك الآن .
هم بتقبيلها فأغمضت عيناها وهي تشحذ كل طاقتها لتصمد أمامه لينتفضا سويا حينما فُتح باب الغرفة لتدلف الخادمة فتبتعد عنه سريعا ليعبس بغضب ويهم بالصراخ في الفتاة التي دلفت تحمل صينية المشروبات فتنظر له أسيل بترقب فيضغط فكيه ويشيح بعيدا لتبتسم هي برقة وتهادنه بصوتها : اجلس يا زيد واحتسي قهوتك ولنتفق أيضا .
جلس بغضب شمل جسده كله لتكمل بفحيح أنثوي وهي تناوله قهوته : إذا ما توصلنا لاتفاق سأعود معك الليلة ، الأمر كله بيدك يا زيد .
ومضت عيناه بشوق غمره ليهتف على الفور : أنا موافق قبل أن أستمع .
اسبلت جفنيها والتقطت كوب العصير لترتشف منه على  مهل وهي تتمتم إذًا سأهاتف المحامي ليأتي ونوثق الاتفاق عبس بعدم فهم فأكملت برقة – احتسي القهوة سيصل الآن وحينها ستعلم.
***
تستلقي على جنبها تطلع إليه ببريق قططي يومض بعينيها ممتزج برضا يستقر بقلبها وتورد خفيف يتمازج مع بشرتها البرونزية فيمنحها ألقاً لم تحظى به من قبل ، فما مرت به الليلة الماضية كثيرا على استيعابها .. إدراكها .. تفهمها ، لقد كانت خائفة كأي فتاة بتول مقبلة على خوض ليلة عمرها وما أزاد خوفها نبرته الماكرة وتوعده إليها في زفافهما ولكن كل خوفها ذهب أدراج الرياح حينما انتزع منها قبولها .. وربت على خلجاتها فانتفضت باستجابة مذهلة .. ليستولي على وعيها فتنصهر تحت وطأة مشاعرها ليست مرة واحدة بل العديد من المرات لم تدرك عددها فهو كان يغرقها في طوفانه .. يؤرجحها بين مده وجذره .. ويشبعها من ماءه الذي فاض بعد طول حرمان كانا يعانيا منه .
احتقن وجهها بقوة وهي تتذكر أن الصباح انبلج عليهما دون أن يدركا انقضاء الليل لتسقط في النوم مرغمة وآخر ما تتذكره هو زمجرته غير الراضية عن نعاسها ، ولكن من الواضح أنه الآخر استجاب لوسن النوم الذي غافلة فأسقطه داخل عالمه .
ابتسمت وهي تحرك وجنتها فوق صدره العار الذي تتوسده فتكتم ضحكتها فوقه وهي تدرك أنه يحتلها بجسده الملتف حول جسدها وذراعيه اللذين يشتدا من حولها ويضمها بتملك إلى حضنه ، رفعت عيناها تتأمل ملامح وجهه القريبة قبل أن ترفع كفها لتمرر سبابتها على جانب وجهه البعيد لتطبع قبلة على طرف فكه بعفوية وهي تشعر بحبها إليه يتحرر من اصفاده البالية .
رف بعينيه ليفتحهما بنعاس يسكن حدقتيه لتكتم شهقة انطلقت من حنايا روحها وهي تسقط أسيرة عينيه العسليتين بصفاء ذهبي احكم قيده على خفقاتها ، ابتسم لتكتم تنفسها وتجبر نفسها أن لا تتفوه بكلمات غزل أرادت أن تسمعه إياها ولكن بعض من خجلها تحكم بها لتنتبه من افكارها التي تدور جميعها حوله على صوته الذي خرج أبح وضمته التي اشتدت لجسدها : صباح الخير يا نور عيوني .
همهمت وهي تخفض نظرها مجبرة : صباح النور يا عاصم
ألقتها بدلالها الطفولي غير متعمدة لتتعالى انفاسه ويقتطف ثغرها بقبلة سريعة خاطفة قبل أن يهمس بخفة : الكزيني حتى أصدق أنك هنا معي وأنها ليست احدى خيالاتي.
ضحكت برقة لتجيب بمرح : ما رأيك ان أعضك ستكون أوقع لوضعنا هذا .
ضحك بخفة ليتحرك منقلبًا على جانبه دون أن يحررها من أسره ليسألها باهتمام وهو يلامس جانب خصلاتها : لم اؤذيك الليلة الماضية أليس كذلك ؟
أخفضت رأسها وهزتها بنفي ليرمقها من بين رموشه قبل أن يهتف باسمها يجبرها أن ترفع عيناها إليه فيهمس لها : المعذرة كنت متطلبا بشدة ونسيت أن اكون مراعيا لك .
رفت بعينيها ووجهها يتورد تلقائيا لتهمس بخفوت : بل كنت رائعا .
جلجلت ضحكته بقوة من حولها ليضمها أكثر إليه هاتفا بمرح : يا اللهي حصلت على رضاك منذ الليلة الأولى .
ضحكت برقة لترفع عيناها إليه تتأمله قبل أن تهمس بتصريح : بل حصلت على قلبي من قبل الليلة الأولى.
وامتلكت روحي كاملة الليلة الماضية ، أنا أحبك يا عاصم ، أحبك جدا .
تعالت أنفاسه بقوة ليهم بأن ينال ثغرها فتبعد رأسها عنه بنفي حازم فيقابله بعبوس طفيف وتساؤل أغشى عينيه لتهمس متابعة - أريد أن أسألك عن شيء ما لا أعلم هل ستتذكره أم لا ؟
تساءل بسرعة : ما هو ؟
رفعت عيناها لتحصل على اتصال بضربهما قبل أن تسأله بهدوء : هل تذكر ذاك السر الذي كنت ستخبرني به وأنا صغيرة ولم تفعل ؟
ارتفعا حاجبيه بتعجب ليهمس بصدمة : لازلت تذكرين ؟!
ازدردت لعابها لتفرد كفها على موضع قلبه مباشرة : لم انس قط من يومها وأنا أفكر في هذا السر الذي أجبرك أن تخفض صوتك وتهمهم بنبرة مخالفة لصوتك فتحدثني بها .
رمقها بصدمة من تذكرها لتفاصيل مر عليها زمن بعيد فابتسمت وسألته بوضوح : هلا أخبرتني ما هو أم أنه لا وجود له وأنت كنت تلهيني لأكف عن البكاء ؟
ابتسم وهو يسبل اهدابه يشعر بالخجل يعتريه ليكح بخفوت يحاول أن يجلي حلقه قبل أن يغمغم بصوت أجش : أتعلمين سبب تسميتك بنوران .
عبست بعدم معرفة لتهز رأسها نافية فيتابع بابتسامة حانية وعيناه تفيض بعشقه ليسرد لها بصوت أبح : حينما وُلدِت كنت مغمضة العينين .. تشبهين القطط الصغيرة .. وتبتسمين دوما وانت نائمة .. كنت طفلة رقيقة تشبهين العرائس الجميلة ، كانت تامي تشكو دوما من أنك لا تفتحين عينيك ، إلا حينما تبكين وكنت لا تبكين سوى في الليل فتجبريها على الاستيقاظ للصباح وهي تهدئك وعمي يدللك  ، كنت مفتونا بالطفلة التي أتت جميلة .. هادئة .. بلون برونزي لامع وشفتين كحبة الكرز ممطوطتان للأمام مغريتان للقبل ، وشامة سوداء تزين أول رقبتك تظهر بوضوح حينما تتثائبين وأنت نائمة ، لم أكن أتحرك بعيدا عنك كلما زرنا عمي ،كنت أرابض بجوار فراشك الصغير أحب أن اتأملك إلى ذات نهار فتحت عينيك بعد أن تثائبت ليشعا بنور وضاء أصاب قلبي همهمت دون فهم  نور ، استمعت إلى تامي لتسألني عما  أعني فأشرت إليك وهتفت بصوت أعلى نور
ابتسم بتفكه : كنت حينها مغرم بدرس المثنى في  اللغة العربية فأتبعت بطفولية عينان يشعان نوران .
هتفت بثقة : أنها نوران
تعالت ضحكات تامي وهي تضمني إلى صدرها لتهمس بحبور ونظرات عيناها مشرقة سأسميها كما أردت يا عاصم نوران
ومن حينها وأنت نوران لم تخطفي قلبي فقط بل أضأت عالمي بنورك الوضاء من حدقتيك اللامعتين بنظرة كنت تختصينني بها دون عن الجميع ، كنت نوري الخاص ودونك حييت في ظلام دامس بددته أنت بضيائك من جديد عندما عدت إلي .
انفرجت شفتاها عن نفس طويل كتمته منذ أن بدء الحديث لتتحرك جالسه لا تعبئ بالغطاء الذي انحسر ولا بجسدها الذي ظهر بعد أن كانت تخفيه تحتضن وجهه بكفيها لتغمغم بصوت مشبع بعشقها له : أنا أحبك .. أحبك يا عاصم .. كنت دوما ولازلت أحبك .. وسأظل أحبك .. اعشقك .. اتوله بك .
اقتربت منه تقبله بكل حب زرع بقلبها له ليضمها إليه يلصقها بصدره ويحتويها بجسده لينقلبا سويا فتصبح أسفله وهو يقبلها قبلات متتالية ليرفع رأسه مبتعدا قليلا عنها يسألها بصوت محشرج قبل أن ينجرف معها : أنت بخير أليس كذلك ؟
ابتسمت وعيناها تومضان بإغواء فطري : حتى وإن لم أكن ،طالما معك سأكون بألف خير .
تعالت أنفاسه وقلبها يهدر بصخب ليغمغم من بين شفتيها : سأكون حذرًا إلا اؤلمك .
عنهما وهي تحيط عنقه بذراعيها : أنا أحبك يا عاصم
***
يخطو خارج غرفة عملياته بعدما أنهى إحدى العمليات المهمة التي كللت بالنجاح فيحمد الله كثيرا وهو يسير بخطوات واثقة وصدره ينتفخ فخرا ، أنه لأجمل شعور في العالم ، الثقة .. النجاح .. الفخر الذي يسرى بدمائه يجعله فرحا .. سعيدا .. منتشيًا بابتسامة رائقة وعينان وامضة بألق نجاحه ، جسده متخما برضاه عن نفسه وتوفيق ربه له ، رنين هاتفه الذي أعاد تشغيله بعدما خرج من غرفة عملياته برسائل متتالية أثارت انتباهه فأخرجه من جيب معطفه الأبيض لينظر إليه وابتسامته تتسع تدريجيا وهو ينظر إلى صورتها الصغيرة التي تزين رسائلها على شاشة هاتفه والتي توالت " صباح الخير "
" أعلم أني مبكرة ولكني أعتقد أنك الآخر تستيقظ مبكرا "
" فأحببت أن أمنحك تحية الصباح "
لتختتم حديثها برسالة قصيرة مرحة مصحوبة بوجه انيمي يغمز بغيظ
" كيف حالك اليوم يا صديق ؟"
هم بأن يضغط على شاشة هاتفه ليجيبها ولكنه توقف وهو يتذكر زعقة والده إليه في الصباح والتي دوت في أذنيه من جديد وهو الذي تحاشى الاحتكاك بأبيه منذ العيد رغم أنه كان يعلم بأن الأمير هو من يمنحه الفرصة كاملة كي يذهب إليه ولكن حينما ماطل استدعاه ابوه بجدية إلى  مكتبه بعدما هدر فيه يستوقفه وهو الذي كان هم بمغادرة  البيت : عادل ، توقف ليتبع أبوه بجدية أجبرته على كتمان أنفاسه - تعال أنا أريد   الحديث معك .
رف جفنه مرغما ليستدير على عقبيه يزفر أنفاس صدره كامله وهو يتبع أباه إلى داخل غرفة المكتب فيؤمره أمير الجالس خلف مكتبه الفخم بجدية : أغلق الباب من خلفك .
أطاع على الفور ليتبع أمير بهدوء : اجلس .
ابتسم بتوتر وهو يخطو إلى الكرسي المقابل لكرسي المكتب ليجلس مواجها أباه في شموخ يضاهي شموخ أمير الذي رمقه مليا قبل أن يتحدث بهدوء : أنا أسمعك .
نظر إلى أبيه بثبات ليهمس بعدم فهم أتقنه : أنت من طلبتني يا بابا ، ضيق أمير عينيه مؤثرًا الصمت فابتسم عادل ليتابع بمكر - هل تنتظر مني تصريح معين يا بابا ؟ أم هل علي الإجابة على أسئلة لا أعرفها ؟!
عاد أمير ليستند بظهره إلى ظهر الكرسي العريض ليدق بسبابته فوق ذراع الكرسي الخشب بدقة رتيبة فوجد عقله يعدها بتلقائية  دقات أمير المنتظمة برتابة والتي أعادته لما كان عليه صغيرا وعقله يخبره أن أباه يمنحه فرصة الإعتراف قبل أن يعاقبه على خطأ فعله فينطق مرغما عند السادسة منها : لم أفعل شيئا خاطئا يا بابا وأنت تدرك ذلك جيدا لذا لا أفهم سبب غضب حضرتك مني .
رمقه أمير مليا لينظر إليه بصمت وقعه كان عليه أشد من التعنيف فتحاشى عادل النظر ثم همس : أعلم أني خالفت أمرك ولكن أعتقد أنه ليس من اللائق أن أتوقف عن الحديث معها دون سبب فعلي .
رفع أمير حاجبه الأيمن باعتراض غير منطوق فيختنق صوت عادل الذي هتف بضيق وأذنيه تحتقنان بقوة : بابا لم أعد صغيرا لتحاسبني بهذه الطريقة ولا أفهم إلى الآن ما الخطأ الذي فعلته لتكون غاضبا مني هكذا .
رمقه أمير من بين رموشه ليجيبه بصوت هادئ : حقا لا تعلم الأخطاء التي ارتكبتها يا عادل ؟!
سحب عادل نفسًا عميقًا ليدير رأسه إلى أبيه ينظر إليه في مواجهة شعر بأنها أفضل من الهرب : بلى أعلم ما الأفعال التي أقدمت عليها وأثارت استياء سيادتك ولكن من وجهة نظري هي لا تعد أخطاء .
التوى ثغر أمير بتهكم ليكمل وعيناه تومض بمكر وهو يثرثر بطبيعية : حديثي مع ملك ليس خطأ .. مزاحي معها ليس خطأ .. رقصي معها في زفاف سليم صمت لوهلة وأكمل وهو يفكر – وعاصم أيضا ليس خطأ ، أما رعايتي لها بالتأكيد ليست خطأ يا بابا.
نطق أمير بسخرية تجلت فوق قسماته : لا والله .
تمالك ابتسامته ليجيب بجدية : نعم ، كنت أبعدها عن الشباب يا بابا وهذا تصرف طبيعي كنت سأفعله مع آسيا أو يمنى أو حتى جنى .
مط أمير شفتيه لينطق بهدوء : واصطحابك إليها خارج قاعة الزفاف في زفاف سليم ليس خطا ووقوفك معها متخفيان البارحة ليس خطأ أيضا ؟!!
شحب وجهه تدريجيا ليزدرد لعابه ببطء قبل أن يجيب : في زفاف سليم كنت أريد أن أخبرها ألا تنضم للراقصين ثانية ، أما البارحة لم نقف متخفين ولم اصحبها معي كانت تمر وأنا واقف ووقفت وألقت التحية وتبادلنا الحديث فقط ليس أكثر ، كأي صديقين .
هدر أمير بغضب ومض فجأة بعينيه : وما شأنك أنت ، ترقص أو لا ؟! فالزفاف وما فيه لا يخصونك بشيء .
أجاب بجدية : ولا يخصونها أيضا ، فسليم لا يقرب لها لترقص بزفافه .
اقترب أمير بجسده من حافة المكتب ليسأل بفحيح غاضب : وهذا أيضا ليس من شأنك ، الفتاة لها عائلة كانت حاضرة من كبيرها لصغيرها فتتخطاهم أنت وتغار على محارمهم بل وترقص معها وتصحبها للخارج ثم تتنحى بها جانبا البارحة في زفاف ابن خالتك  وكأنها خطيبتك ، ألم تعي عواقب فعلة كهذه إذ رآك والدها .. أخاها .. أو الاسوء خالها سيادة الوزير الذي يغار على طرف أنفه .
آثر الصمت وهو يحنى رأسه دون حديث فيكمل أمير وهو يتفحصه : أخبرني يا عادل ما الذي تريده من الفتاة ؟ هل تريد الارتباط بها ؟
تنفس بعمق ليجيب بهدوء : أنها صغيرة يا بابا .
هدر أمير : هذه ليست إجابة يا ابن الخيال ، اعتدل وأحب .
أخفض عادل بصره ليهمس بجدية : للأسف أنا مرتبط .
اتسعت عينا أمير بصدمة سرعان ما انقلبت لغضب : لا تخبرني أنها تلك السيدة تصر على الارتباط بها .
رفع عادل عيناه : لقد منحتها كلمتي يا بابا ، أخبرتها أني سأرتبط بها.
رمقه أمير قليلا ليهمس بجدية : لازلت على البر يا بني .
ابتسم عادل ورفع عيناه القاتمة بغموض أثار ترقب أمير : لست أنا من يتراجع عن كلمته يا بابا ، نحن رجال نُربط من لساننا ، أليس هذه تعاليمك لنا .
تلاقت نظراتهم قليلا قبل أن ينهض أمير واقفًا ليهتف بجدية : حسنا ولأنك رجل كما ينبغي أن تكون ولأنك ملتزم بتعاليمي لك ، كن رجلا كما ربيتك واخلص لمن وعدتها بالارتباط وإياك والاقتراب من ابنة مالك عابد ثانية وهذا تحذيري الأخير يا عادل وإلا المرة القادمة التي سأراك بجوارها سأتقدم إلى أبيها رسيما وأخطبها لك .
اتسعت عينا عادل بصدمة ليومئ أمير برأسه مؤكدا : نعم دون الرجوع إليك ، بل سأحرص حينها أن يقبل الجميع بالخطبة التي سأحولها لزفاف في لمح البصر وأنت تعلم أني أقدر على ذلك يا طبيب العقول فلا تثير حنقي عليك أكثر من ذلك ، نظر أمير إلى داخل عينيه وأتبع - فأنا بالفعل غاضبا يا بني هذه المرة فاعتدل وابتعد عن الصغيرة التي لا تقوى على مجابهتك واحترم صلة القرابة والنسب والصداقة فيما بيننا وبينهم .
عم الصمت لوهلة قبل أن ينطق بجدية : أنا احترم كل شيء بيننا وبين آل الجمال يا بابا وبيننا وبين ومالك عابد أيضا ، رعايتي لملك لصالحها ، أنها تحتاج لأحدهم يقف بجوارها ويساندها وأنا افعل ، أربدت ملامح أمير بغضب فأكمل عادل بجدية – ولا تخف يا بابا ، أنا لا أتجاوز حدود الصداقة .
زم أمير شفتيه ليساله بهدوء : وهل أخبرتها من باب الصداقة عن خطبتك القريبة ؟
حينها أطبق فكيه ليرمقه أبيه بتساؤل فيجيب بهدوء : لا ولكني سأفعل .
التوى ثغر أمير بغضب مكتوم ليهمهم بحدة : حسنا حينما تفعل لا تنسى أن تخبرني هل أمر الصداقة لازال موجودا أم لا .
أومأ عادل برأسه هاتفًا : أمرك يا بابا ، رمقه أمير بعدم رضا فأتبع مترجيًا – لا تغضب يا بابا
أجابه امير بجدية : اذهب إلى عملك ،أشار إليه بالانصراف ليكمل: اعتني بنفسك هذه الأيام والتزم بالأوامر ولا تتخذ قرارات عنترية كعادتك . التزم بالخطة الموضوعة وأتم أنت وعبد الرحمن عملك في صمت إلى أن تمر الأزمة على خير .
ثرثر بهدوء : هذه الأيام سأرتب أمور عملي في المشفى قبل أن أسافر بإذن الله ، أومأ امير متفهما فأكمل متمتما : أراك على خير .
فيتنفس أمير بعمق : تعود سالماً يا بني .
رف بعينيه وهو يعود إلى هاتفه الذي اهتز برنين جديد ورسالة جديدة منها " أين أنت بمشفاك الكبيرة هذه ؟ فمن الواضح أن الصدف تجمعنا فأنا بمشفاك العزيز !! "
انفرجت ملامحه بذهول انقلب إلى تسلية كبيرة لمعت بعينيه ليراسلها بخفة " وأنا اتساءل عن سبب الضوء العارم الذي أشعر به من حولي "
راسلته بخفة وهي تسير بأروقة المشفى تبحث عن مكان المقصف " اووه ، قديم يا ابيه ، هذه مزحة قديمة للغاية "
سيطر على ضحكاته حتى لا تنطلق من بين شفتيه لينظر من حوله وهو يخطو سريعا " هناك مثل يقولونه في هذه الحالة "
__ " وما هو ؟! "
اجاب سريعا : " الدهن في العتاقي "
فتأتيه اجابتها بوجه عابس بعدم فهم تتبعه رسالتها " وما معناه ؟!"
فيرد : " أخبريني أين أنت وسأشرحه لك حينما أراك "
تنهدت وهي تنظر من حولها لتراسله بإحباط : " أبحث عن المقصف وأنا بالدور الثالث "
__ " حسنا سأتي لك وافيني لدى المصعد "
" ولكن ماذا تفعلين هنا في هذا التوقيت ، هل أنت بخير ؟ "
ابتسمت وهي تشعر باهتمامه فأجابته بمرح وهي تخطو نحو المصعد  " بل أميرة تلد "
لم يجب لتقترب من المصعد فتتسع ابتسامتها حينما وجدته يخطو خارجه هاتفا بمرح : مبارك ، العقبى لك .
ضحكت بخفة لتهتف : ولك أيضا .
أشار إليها بعدما أوقف المصعد عن الحركة :تعالي سأصحبك إلى المقصف .
أومأت برأسها وهي تدلف معه إلى الداخل فتقف بأخر المصعد ليتمسك هو بمكانه في أوله قريب من الباب هاتفا بجدية : صدفة سارة يا أرنبة .
ضحكت ساخرة :شكرا يا ابية .
كتم ضحكته لينفتح المصعد من جديد فيشير إليها بخفة أن تتبعه ليصف لها بعملية ووجه جادي استنتجت أنه بسبب العاملين من حولهم : هاك هو ، تفضلي .
ابتسمت واتبعته وهي تدرك أنه يتعمد أن يسبقها بخطواته في حركة مهذبة أثارت تقديرها له لتتطلع إلى من حولها فتلتقط الحديث الهامس بين الممرضات فتسأله بخفة وهي تقترب منه بخطواتها : هل يتهامسون عنك يا ابيه ؟
ابتسم ليحرك رأسه بعدم معرفة : لا أعلم ولكن جائز .
همست بخفة : هل أنت رب عمل قاسي ؟
رمقها بطرف عينه ليهمس بخفوت : بل مخيف .
هزت كتفها وهي تدلف من أمامه داخل المقصف : ليس معي ، لقد اكتسبت مناعة ضدك .
اسبل جفنيه ليجيبها بخفة ماكرة : لا تراهني ، لازالت جعبة الأسد ممتلئة يا صغيرة .
أجابته وهي تجلس مكان ما أشار لها : ولكننا أصبحنا اصدقاء ، الأسود لا تخيف بعضها يا دكتور .
غمزة بسيطة من عينه انفلتت بعفوية ليجيبها : أصبت .
وميض سرى بعينيها سرعان ما اختفى فيكح بخفة متبعا – ماذا تشربين؟
همهمت بعفوية : عصير فراولة .
ارتفاع طفيف في حاجبيه ليكتم ابتسامة مستمتعة زينت ملامحه ليمأ براسه وهو يتحرك مبتعدا فتراقبه بعينيها وهي تفكر " ما الذي تفعله هنا الآن ؟!! "
عبست وهي تسمع سؤالها خارج من بين شفتيه وهو يناولها كوب العصير ويحتسي القهوة على ما يبدو لتهمس بحيرة : عفوا ؟
ابتسم بخفة ليهتف : أخبرك ما الذي تفعلينه هنا ؟
أجابت بمنطقية : أتيت مع والدتي لأكون بجوار أميرة وتامي ولكننا هنا منذ الصباح وهي لم تلد للان وهناك أمر ما في ولادتها لا أفهمه ، شعرت بأن أعصابي أوشكت على الاحتراق وتوترت بالفعل ففكرت أن اتحرك قليلا وأبحث عن المقصف لأحتسي شيء ما يساعدني على الهدوء .
ابتسم بتفهم لتكمل بعفوية – ولكني الآن سأعود حتى لا أتأخر عليهم فيتوترون لغيابي وهم من الأصل متوترون بسبب أميرة .
اشار إليها لينهضا سويا : حسنا تعالي سأعيدك واطمئن على أميرة بنفسي .
التفتت إليه لتسأله : يهمك أمر أميرة ؟
ابتسم بلباقة : أحمد أخو عبد الرحمن الذي يعد صديقي وزميل عملي ، وأميرة هانم ابنة عم ابن خالتي الذي أعده شقيق لي ، ناهيك أن أخي متزوج من ابنة عمها وأن بيننا نحن كآل الخيال نسب وصداقة وبين آل الجمال ، كل هذا يدعوني أن اطمئن على الحالة بنفسي وأوصي الطبيب بها أيضا .
ابتسمت برقة لتهتف بمشاكسة : نعم اتفهم كل هذا ولكن صمتت وهي تمص العصير عن طريق الماصة المتصلة بالكوب قبل ان تتبع – لا أقصد أن اكون وقحة ولكن توصيتك لا تهم فأميرة ابنة شقيق مالك المشفى الأصلي .
ابتسم بخفة ليجيبها : بالطبع أنا أدرك هذا وكل التقدير لدكتور أحمد فهو أستاذي ومعلمي وسبب رئيسي في أني اخترت جراحة المخ والأعصاب بالمناسبة ولكن كل هذا لا يمنع أن توصية عادل الخيال غير .
نظرت إليه باستنكار ساخر لترد بمرح خافت : لا والله .
حرك رأسه بثقة سكنت حدقيته : غدا تعلمين يا موكا .
ضحكت بخفة وهتفت : لا شكرا لك ، لا أريد أن أعلم فأنا أخاف المرض والأطباء والمستشفيات وكل هذه الأشياء يصيبونني بالرعب لذا أنا قررت ألا أنجب أبدا .
عبس بتعجب وهو يرمقها مليًا وهي ترتشف العصير بطفولية ليؤثر الصمت فلا يجبها وهما يقفان أمام المصعد لتهتف به في ثرثرة عفوية : بالمناسبة بم أنك صديقي أردت أن أخبرك عن أمر ما يخصني وأريد استشارتك فيه  .
أشار إليها باهتمام : بالطبع تفضلي .
همت بالحديث ليتوقف المصعد ويفتح بابه أمامها لتهم بالدخول ولكنها انتظرت لتفسح المكان للأخرى التي ستخرج منه ولكنها توقفت وعيناها تتسمر على عادل الذي التقط وجودها بدوره فنظر إليها مليا قبل ان يهتف بترحاب أنيق : مرحبا يا لارا ، أرى أنك هنا ؟
رفعت لارا نظرها ترمقه بعدما رمقت ملك سريعا ، ملك التي نقلت نظرها بينهما وهي تشعر بأنك هناك شيء ما يجمعهما فصمتت بصبر وهي تنظر لارا التي ابتسمت برقة : اها أتيت لأراك، فمضى وقت علينا دون أن نتقابل .
ارتفاع طفيف بحاجب ملك سيطرت عليه سريعا وعادل يهتف : انرت المشفى بوجودك ، فقط مندهش لأنك لم تخبريني .
حركت كتفيها بحركة ناعمة : أثرت أن افاجئك ، أتبعت وهي تنظر لملك – من الواضح أني أتيت بوقت غير مناسب فأنت مشغول .
رمتها ملك بنظرة غير راضية واستنكار اعتلى ملامحها فابتسم عادل بخفة : لا أبدا لدي عمل بالطبع ولكن تستطيعين الانتظار إلى أن ننتهي فقط سأذهب مع ..
صمت ليكح بخفة ويهتف بجدية : المعذرة نسيت أن أعرفكما ، أشار إلى لارا – هذه الآنسة ملك عابد ابنة عمة جنى زوجة أسعد .
ابتسمت لارا وهمست : تشرفنا أعتقد أني قابلتها بالزفاف .
أتبع وهو يشير لملك : السيدة لارا ، شعرت ملك بالترقب لتنتظر كلمته التي أتت قاطعة - خطيبتي .
ابتسامة واسعة شملت ملامح ملك لتهتف بمفاجأة : اوه ، كيف لم تخبرني ؟
أتبعت بصدق : سعيدة بالتعرف عليك يا سيدتي لتكمل بخفة - مبارك يا ابية .
رمقها من خلف رموشه ليضحك بخفة وهو يتأمل ردة فعلها التي أتت طبيعية للغاية فيجيبها : بارك الله فيك العقبى لك بإذن الله .
ابتسمت ملك لتهتف : حسنا لن اعطلك عن خطيبتك سأذهب بمفردي .
أشار إليها بحزم : لا انتظري سأتي معك لأطمئن على أميرة هانم ، أتبع وهو يلتفت نحو لارا – فالهانم يمكنها الانتظار بمكتبي وأنا سأوفيها فيما بعد .
عضت ملك شفتها بخفة لتهمس إليه بصوت تعمدت أن يصل للأخرى الواقفة بجواره وهي تلامس ساعده بعفوية تقترب منه تحت نظر أعين الثانية المراقبة : عادل لا أريد أن اتسبب بمشكلة بينكما من فضلك ابقى معها .
رمقها عادل وابتسامته تتراقص بعينيه : لن يحدث شيئا لا تقلقي .
رفعت نظراتها الماكرة لتهتف بمسكنة : على راحتك .
أشارت بكفها للأخرى وهي تبتعد عنهما قليلا : فرصة سعيدة يا سيدتي .
كتم ضحكته ليلتفت إلى لارا مبتسما : المعذرة لابد أن اذهب لأطمئن على ابنة عم جنى فهي تلد وسآتي على الفور .
ابتسمت لارا بتوتر وهي تراقب الصغيرة التي عادت لشرب عصيرها بطفولية واضحة : لا عليك سأنتظر .
أومأ برأسه ليستدعي المصعد فيدلف إليه خلف ملك التي أشارت إليها تودعها بحماس قبل أن ينغلق باب المصعد فتعود للخلف تكتف ساعديها أمام صدرها وتهتف بخفة ماكرة : أنت الآخر اصبحت مدان لي بتفسير يا ابيه .
ابتسم بمكر وأخفض رأسه قليلا ليجيبها بخفة : معك حق ، من المؤكد أننا سنتحدث سويا في وقت ما .
همست بلا مبالاة وهي تنتهي من عصيرها : أكيد هذا ما يفعله الأصدقاء عادة ، لذا أنا سأنتظر.
***
صفت سيارتها في المكان المخصص بأماكن صف السيارات في المرأب المفتوح الضخم الموجود أمام المشفى الكبير الذي تعلم أنه يتواجد به الآن ، فهذا موعد مناوبته الصباحية ، تحركت بجدية للداخل وهي تدرك أن عليها الحديث معه فما حدث البارحة بالزفاف وانفجاره الذي تشعره بات وشيكا يستحق أن تتحدث معه وتخبره عم يؤرقها .. يضج مضجعها .. وينهك روحها ، فهي إلى الآن تشعر ببعض الاضطراب حينما يقترب منها .. يغازلها .. أو يمنحها الكثير من مشاعره فتتزايد رهبتها ألا تغرق في دوامته لتتراجع كرد فعل تلقائي لا تقوى على التخلص منه ، وخاصة بعد هذه المرة التي استجابت له حينما قبلها في غرفته .
احتقن وجهها بقوة وهي تخطو إلى الداخل تتجه نحو القسم النفسي وضميرها يؤنبها على ما فعلته البارحة معه في عرس شقيقه ، فبعدما استجابت إليه اخيرا لتراقصه بعد رفض تكرر من أول الزفاف إلى أن بدأ نادر في الغناء فأطاعته لترافقه قليلا ثم ابتعدت عنه ثانية في عدم رضا كسى ملامحه ولكنها تجاهلت الأمر فلم تقبل بأن ترافقه في الرقصة الهادئة ليجاورا عاصم ونوران بل وقفت بعيدا بجوار الفتيات لتبتسم رغم عنها وهي تستمع إلى الحوار الخافت بين ملك وآسيا اللتان وقفتا تتنهدان وتطلقان التعليقات الهائمة على هيام عاصم الواضح لتصفر آسيا فجأة وملك تهتف ضاحكة وعاصم يحتضن نوران ويدور بها : Awesome
فتضحك بخفة وتهتف بهما  : كُفّا عن التغزل بالرجل ، أنه يتزوج ، فلا داع للغزل الآن ، لو كانت خطبة كان تغزلكما به مناسبا ولكن ما نفع تغزلكما به الآن فهو ذهب وأصبح ملك المدللة، أشارت إليهما بعصا الباتون ساليه الذي تتناوله وهي تتبع بتهديد ضاحك  - ثم هاك أنا احذركما أن نوران استمعت إليكما ولولا أن عاصم يراقصها لكانت أتت وقطعتكما إربًا ولكنه منعها عنكما، ولكن هذا لا يمنع أنها ستقتص منكما بعد انتهاء شهر العسل
ضحكت الاثنتان لتهتف ملك بخفة : إذا انتهى شهر العسل لا أعتقد أن عاصم سيتركها تخطو بعيدا عنه ثانية
حينها شهقت بمفاجأة وهي تنظر لتلتفت لملك بعينين متسعتين هاتفه بصدمة وهي تكتف إحدى ذراعيها أمام صدرها وتسند مرفق الآخر فوقه لتقضم قطعة من عصا الباتون ساليه وتتمتم بتعجب  : أصبحت وقحة يا فتاة.
همت الأخرى بالرد عليها قبل أن يشهقن ثلاثتهن على صوته الذي صدح من خلفها ورأسه التي أطلت من جنب رأسها لا يفرقه عنها إلا مسافة ضئيلة ليهمس بمرح : من التي أصبحت وقحة؟!
لم تدري بنفسها إلا وهي تدور بسرعة في رد فعل سريع منها كعادتها بجسدها القريب من جسده للغاية وترفع كفها لتهوى به على وجنته فيلتقطه بسرعة بداخل إحدى راحتيه وهو ينظر إليها بصدمة طلت من عمق حدقتيه وقبل أن تتحرك لتبتعد عنه كان يقبض على يدها الممسكة بعصا الباتون ساليه بكفه في قوة تعمدها ليقضمه ببرود وهو مستولي بنظراته عليها ، اكفهر وجهها وهي تشعر بالإحراج يغزوها ثانية وهي تتذكر أنها دفعته إليه  في فمه بعصبية قابلها ببسمة هازئة وهو يتمسك به بين شفتيه ، تنظر لعمق عينيها فترى غضبه المكبوت بداخله وعتابه الصريح فتشمخ بكبرياء تملكها لوهلة فتدفعه بحدة بعد وهلة بعيدا عنها وهي تهمس بغضب : ابتعد عني .
رفع حاجبه برفض أن يتركها وهو ينظر إليها من خلف رموشه المسبلة وهو يؤثر صمت أغاظها فأتبعت هادرة بعصبية وهي تحاول أن تتملص منه :اتركني يا عمار ، لم يجب وهو يرمقها ببرود أثار دمائها وهو الذي لا يمنحها حرية الافلات بل جذبها إليه أكثر وهو يحبط حرية جسدها بعدما قبض على مرفقها الحر فهتفت بغضب حقيقي : هل أنت مجنون ؟! هل هناك أحدا يفعل ما تفعله وسط الناس ؟! ماذا أردت لتقترب مني هكذا ؟! اتركني .
__ لا ، إجابة بسيطة قاطعة فلتت من بين شفتيه فأثارت جنونها ليتبع ببرود – أنا من حقي أن احتضن امرأتي ، وأنت امرأتي يا بنت الأمير .
تمتمت بحنق واندفاع وجنونها يومض بعينيها : لا أنا لست امرأتك .
تجهمت ملامحه وهو يضيق عينيه قليلا قبل أن يفلتها بسهولة متمتما : على راحتك .
ومن حينها تجنبها تماما حتى حينما انتهى الزفاف لم يأبه أن تجاوره بل صحب شباب عائلته في سيارته وهو يزف شقيقه بينما هي ذهبت مع عاصم دون أن تحاول الاقتراب منه ، ورغم ادعائها عدم الاهتمام إلا أنها حينما أغلقت عليها باب غرفتها وبعدما بدلت ملابسها انتظرته أن يهاتفها .. يراسلها .. أو يطمئن عليها كعادته حتى وهما غاضبان سويا يهتم بالسؤال عنها ولكن هذه المرة شعرت بها مختلفة .. حدسها أخبرها أنها مختلفة .. وقلبها أيضا أخبرها أنها مختلفة ، بللت شفتيها برقة لتقترب من الفتاة التي تقف ترتب مواعيد الجلسات فتسألها بهدوء عنه فتخبرها الفتاة أنه موجود وليس لديه مواعيد الآن ، فتبتسم بخفة وتهمس إليها وهي تدفع ثمن الجلسة : أريد الدخول من فضلك .
أومأت الفتاة بلطف وهي تهم بتسجيل بيانتها فتهمس إليها بخفة : لا داعي ، أنا مريضة قديمة لدى الدكتور .
عبست الفتاة بعدم فهم لتنظر إليها قليلا فتمليها الرقم المتسلسل الخاص بها لتومئ الفتاة بتفهم قبل أن تشير إليها ان تدلف : حسنا تفضلي .
طرقت الباب بهدوء لتطل من الباب وتهتف بهدوء : صباح الخير .
رفع رأسه ينظر إليها بدهشة ليعبس بغضب لم يخفيه وهو ينهض واقفا : ماذا تفعلين هنا ؟
هزت كتفها وهي تجيب بهدوء : أتيت لرؤية الطبيب .
رمقها من بين رموشه ليقترب منها هاتفا : أنت لا تحتاجين لرؤية الطبيب ، لقد انتهينا من هذه المرحلة يا يمنى فلا تلتفين حولي حتى لا تعترفين أنك مخطئة .
رفعت رأسها بشموخ لتجيب بجدية : بل أنا مخطئة لا أنكر ولكني أتيت للطبيب لأسأله عن شعوري المبعثر واستفهم منه كيف علي أن اتحكم في صراعي الذي لا أقوى على اخماده .
هدر بغضب : صراعك ؟!! هل لازال هناك صراع بداخلك بعد كل هذا ؟!
مطت شفتيها لتهمس بحزم : اهدأ يا عمار حتى نستطيع التفاهم ،
رمقها بجدية : حسنا سأفعل ولكن من فضلك استعيدي ثمن الكشف وعودي للبيت وبعدما انتهى من عملي سأمر عليك ونتفاهم في البيت .
عبست باعتراض ففتح باب الغرفة ليهدر باسم الفتاة التي أتت سريعا فهتف بها في خشونة أن تعيد لها نقودها قبل أن يهدر بحزم : الآنسة ليست مريضة .
نقلت الفتاة نظرها بينهما دون فهم لترمقه يمنى بضيق قبل أن تهتف بهدوء : حسنا على راحتك ، همت بالانصراف فاستوقفها سائلا بخشونة – انتظري يا يمنى كيف أتيت ؟
توقفت لتجيب بهدوء : بسيارتي ، فأتبعت – أتيت لأتحدث معك يا عمار ولكنك ..
قاطعها بعدما أشار للفتاة بالانصراف وأغلق الباب خلفه : أنا زوجك يا يمنى حينما تريدين الحديث معي لي بيت تستطيعين زيارته أو تراسليني وتخبريني أن امر عليك ، لا أن تأتي لي كطبيب نفسي فأنت وأنا ندرك جيدا أنك الآن بألف خير والحمد لله .
أشاحت بعينيها بعيدا فاكمل : هل تشككين بقدراتي كطبيب نفسي أيضا يا يمنى ؟ ألا يكفيك تشكيكك بي كزوج لا تقوين على منحه الأمان فتشككين بقدراتي العلمية وأني لن أقوى على فهم دوافعك ؟
رفت بعينيها لتجيبه : لا بل أتيت لك لأشرح لك دوافعي فتساعدني يا عمار .
رفع حاجباه استهجانا ليغمغم بضيق : أساعدك فيم ، ألا زلت لا تثقين بي يا يمنى ؟!
هتفت بضيق تملك منها : بل أثق بك ، المشكلة أني لا أثق بنفسي وأنا معك .
اتسعت عيناه بصدمة قبل أن تتحول إدراك تام ليهمس بعدم تصديق : لازلت تحاسبين نفسك على ما حدث قديما .
استلقت جالسه فوق الاريكة من خلفها وهي تهتف انهيار وشيك : أنت لا تعلم كيف شعرت بأني سيئة لأني استجبت لك يا عمار ، وشعوري هذا تجدد حينما ..
قاطعها بفهم : حينما قبلتك بغرفتي واستجبت لي ، أعلم ، رفعت نظرها إليه بعدم فهم فاكمل – أدركت هذا حينما بدأت بوضع الحدود بيننا يا يمنى .
أخفضت عيناها ثانية ليبتسم رغما عنه وهو يتأمل ضيقها قبل أن يغمغم بحنق : لم تكن شبه قبلة هذه التي ستدمر حياتنا .
مسحت وجهها بكفيها وهي تعيد خصلاتها للخلف لتتمتم : فقط كل ما أريده منك أن تحترم الحدود بيننا يا عمار إلى أن يتم الزفاف .
زفر بضيق : أنه لوقت طويل يا موني ، وأنت حدودك كثيرة وأنا لا أقوى أن أظل اخطو معك وكأني اخطو فوق خيط حرير أخاف أن تفلت قدمي  فتتراجعين كما تفعلين الآن .
أكمل وهو يقترب منها – أريدك أن تثقي بنفسك وبي وأن تقتنعي الآن أنك لم تكوني سيئة لا فيما قبل ولا الآن ، بل أنا من أغويتك في المرتين للحقيقة .
ابتسمت رغما عنها لتهمس إليه بمشاكسة : إذًا أنت السيء فيم بيننا .
أومأ برأسه وهو يقترب منها اكثر : اقر بذلك ومعترف ، أنا السيء .. الشرير .. العابث .. والفاسد يا يمنى .
رمقته بمكر وهي تسند ذقنه لراحة يدها بعدما غرست مرفقها في ركبتها تهمهم من خلف كفها بصوت ليس واضحا : أعتقد أن علي إبلاغ أبي بكل صفاتك السيئة هذه حتى يلغي الزيجة .
ضحك بخفة : لا تستطيعين يا ابنة الأمير .
رفعت حاجبيها ورمقته باستهانة فأكمل – أنت تحبين صفاتي كلها سيئة أو جيدة ، أنا نصفك الآخر يا يمنى فتوقفي بالله عليك عن كل ما تفعليه بنا .
رمشت بعينيها وتنهدت بقوة فاحتضن كفها من أمام فمها ليجذبها إليه يقربها منه أكثر هامسا بجدية ووعد تألق بعينيه : لن اهرب وأتركك ثانية .. ولن أظن بك السوء فأنا لن أفعل يوما ، أنت زوجتي منذ أن خلقت يا يمنى .. أنت قدري الذي آمنت به وعافرت كثيرا لأعود إليه فتوقفي عن الخوف واعلمي أن الله خلقنا لبعض ولن يفرقنا شيء سواه .
رقت ملامحها وشعر بتوترها يهدأ ونظراتها تلين بعشقها له فهمس بخفة ومرح : هل مسموح لي بتقبيلك بعد كل هذا الحديث .
ضحكت وهزت رأسها نافية فأومأ مستجيبا : حسنا وأنا راض سأنتظر للزفاف ولن يضرني بضعة أشهر ثانية .
ضحكت ونهضت واقفة لتهم بالحديث عن كونها ستغادر ليرتفع رنين هاتفه فجأة فيعبس بتعجب وهو ينظر لوجه ابن عمه فيجيب بعدما أشار إليها أن تنتظر قليلا ليأتيه صوت أدهم الذي هتف بخوف حاول السيطرة عليه : عمار أنا بالطوارئ في الأسفل ، مازن وقع مغشيا عليه بالجامعة.
***
تحركت بأعياء يداهمها منذ الصباح .. غثيان مستمر صاحبه قيء حاولت أن تتجنبه ولكنها لم تصمد كثيرا فتقيأت مرتان رغم عدم تناولها لأي طعام عبست بضيق وهي تعود للمنزل بعدما فشلت في الحصول على اجازة قبل أخر الأسبوع وهذا هو اليوم الثالث في إجازته ولم تكن تريد أن تذهب لعملها وتتركه من وراءها في البيت إلا أنها لم تستطع إلا الذهاب  ورغم أنه من ايقظها صباحا ودفعها للمغادرة بل ابتاع لها القهوة بالطريق وأجبرها على تناول قطعة من الكرواسون لم تستطع بلعها فهي تشعر بالغثيان منذ الصباح ولكنها لم تشأ أن تثير قلقه أو تركن لشعورها بالمرض ولكن مع استمرار شعورها بالإعياء اضطرت لترك عملها باكرًا وعادت في سيارة أجرة فهي لم تحدثه أو تخبره بعودتها حتى لا تقلقه ، هرعت  إلى دورة المياه أول ما دلفت إلى البيت ونوبة غثيانها تضرب معدتها بقوة لتتقيء من جديد !!
تحركت بتعب ألّم بأطرافها بعدما انتهت لتستند إلى حافة المغسلة تفتح الماء الذي انساب فتغسل وجهها مرات متتالية قبل أن ترفعه تنظر الى انعكاس ملامحها الشاحبة في المرآة الكبيرة أمامها لتتنفس مرات عديدة حتى تحصل على هدوء أسكن معدتها قليلا . فتحركت ببطء لتاتي بفرشاة أسنانها وتنوي غسلها لعلها تتخلص من أثار القيء وطعمه المرير لتجفل وهي تطلع إلى علبة فوطها الصحية التي لم تستعملها هذا الشهر ، ارتعد جسدها وتراجعت للخلف وفرشاتها تسقط من يدها وهي تحسب في عقلها موعد دورتها التي لم تزورها من أخر مرة الشهر الماضي فتنهمر دموعها وتشتت مجال رؤيتها ورعبها ينتشر بأوردتها ليتصلب جسدها الذي انتفض لا إراديا وكفاها يقبضان على بطنها المسطحة دون تصديق وهي تهمس مكررة : لا لا يمكن أن يحدث .. لا لا يمكن أن يحدث . 
لم تستطع إدراك وجوده ولا عبوس ملامحه ولا سؤاله المتكرر عم ألّم بها لتصرخ منتفضة حينما قبض على مرفقيها ليهزها برفق ينبهها لوجوده فتهلع بخوف سكن نظراتها وهي تهمس إليه بعدم اتزان قبل أن تهوى بين ذراعيه : أنجدني يا أسعد ، لا أريد الموت.
رفت بعينيها تستيقظ على رائحة قوية تداعب أنفها لا تدرك كم من الوقت ظلت مغشي عليها لتشعر باحتضانه لها وهمسته الدافئة باسمها تحتضنها فتتمسك بصدره وتبكي رغما عنها ليهمهم إليها وهو يقبل جبينها : اهدأي يا حبيبتي ، اهدأي لن يصيبك مكروه بإذن الله .
تمتمت بعفوية : أنا آسفة يا أسعد ، آسفه لم أقصد ولكن ..
تنهد بقوة وأجابها : أعلم تصرفت بعفوية عائدة لخوفك ، اهدأي يا جنى سنذهب للطبيبة فأنا هاتفتها قبل أن اوقظك بعدما اطمأننت على ضغط دمك وتنفسك ودقات قلبك وأنك بخير ، وتحدثت معها قليلا وشرحت لي الأمر كاملا ، ولكن لابد أن تعودين لزيارتها ثانية .
رفت بعينيها لتهمس باختناق : ظننت أني أصبحت بخير .
تمتم سريعا وهو يجبرها أن ترفع وجهها وتنظر إليه : أنت بألف خير ، فقط علينا أن نفعل أمران أولا ً نتأكد من أمر الحمل هذا ، ثانيا تعودين للطبيبة وتحصلين على جلساتك معها إذا قررت هي أنك تحتاجين للجلسات .
رفت بعينيها لتهمس : لأجلك سأفعل أي شيء .
ابتسم بلطف ليضمها إلى صدره : بل لأجلك أنا أفعل أي شيء وكل شيء حتى تكونين بخير يا جنتي .
ابتسمت وهي تكفكف دموعها لتحتضنه بقوة تتمسك به برجاء اثار حنانه فيضمها أكثر إليه يمنحها دعمه الكامل وأمان وجوده ليهتف بجدية : هيا انهضي واستعدي لنذهب لإجراء اختبار الحمل وأيضا للذهاب لطبيبتك قبل أن نخرج سويا لنتعشى عند العم حسني ، لقد اشتقت لطعامه.
ابتسمت وأومأت برأسها فيرن هاتفه لتساله بعفوية : والدتك ؟
ليتمتم بعبوس طفيف داعب جبينه : بل والدك .
اعتدلت بجلستها وهتفت بترقب : بابا ؟
أومأ برأسه قبل أن يستقبل اتصال حماه ليتحكم في ملامحه بسيطرة تامة وهو يستمع إلى صوت أحمد الجزع يخبره عن وجود ولده بالمشفى ويطلب منه أن يأتي بجنى دون أن تجزع لأجل أخيها فيجيبه بهدوء : اها يا عماه جنى معي ، سنأتي لكم بإذن الله ، إلى اللقاء .
نظرت إليه بتساؤل فابتسم بوجهها : والدك يريدنا أن نمر عليهم الليلة ، أتبع بسرعة دون أن يمنحها فرصة الحديث – هيا استعدي لنذهب .
أومأت برقة وهي تتحرك بالفعل ليراسل هو عادل بسرعة يسأله عن أمر مازن فيجيبه عادل بعدم معرفته عن الأمر ليخبره سريعا أن كل ما يعرفه أن أميرة تلد .
ذهول طفيف شاب وجه أسعد ليتمتم بعدم تصديق : مرحى ، الليلة ستكون مميزة فآل الجمال مجتمعين على كل شيء حتى المصائب والحمد لله .
هتفت وهي تطل من غرفة الملابس : ما بالهم آل الجمال يا أسعد ؟!
رفع رأسه لها ليتمتم ضاحكا وهو يتذكر سليم : أجدع ناس يا حبيبتي ، رمقته بتعجب فأتبع متعجلا – هيا يا جنى حتى لا نتأخر يا حبيبتي .
***
يدور من حول نفسه يشعر بالإعياء يمتلكه والخوف يعبث بتلافيف عقله فيأتيه صوت خالد الهادئ الذي نهض ليقف مجاورا إليه : اجلس يا أحمد قليلا واهدأ يا بني .
همهم أحمد بانفعال توقف عن كبته بداخله : لا أستطيع يا دادي ، لقد تأخروا كثيرا بالداخل وأنا خائف بالفعل على أميرة .
ربت خالد على كتفه : ادعو لها وتوقف عن الخوف والقلق ستكون هي والأطفال بخير بإذن الله
تمتم سريعا : يارب يا دادي يا رب .
انتبه خالد لوصول وائل من جديد يحفه رجال حرسه الذين اوقفهم بعيدا عن العائلة المنتظرة بغرفة الانتظار القريبة من غرف عمليات الولادة ، بعدما كان غادر لأمر هام يخص عمله ليهتف بقلق وضح بصوته : لم تلد للان .
صمت أحمد غير قادرا على الحديث فأجابه خالد سريعا : بل دلفت إلى غرفة العمليات ولكنها لم تخرج للان .
سأل وائل وملامحه تشحب : منذ متى ؟
رف احمد بعينيه ليصمت خالد قليلا قبل أن يجيب بهدوء : اهدأ يا معالي الوزير ، لقد جربت هذا القلق من قبل ثلاث مرات اليوم خاص بأحمد وهو قلق بما فيه الكفاية .
تنفس وائل ببطء ليؤثر الصمت فيتبع خالد بجدية وهو يربت على كفته : ادعو لها وأنت جالس بجوار فاطمة التي تحتاجك كثيرا ، رغم وجود ياسمين وإيمان معها إلا أنها كانت تسأل عنك كل دقيقتان .
ابتسم وائل ليتابع خالد بخفوت : وأترك لي أحمد سأعتني به .
أومأ وائل برأسه لينظر إلى وليد الذي نهض لمصافحته ويتحدث معه بجدية يطمئنه ويؤازره قبل أن يتركه وائل ويجاور فاطمة التي تمسكت بحضنه عندما جلس وهي تهمس بصوت باكي : أنا خائفة يا وائل .
تمتم بجدية : اهدأي جميع النساء تنجب أنت نفسك أنجبت من قبل ثلاث أطفال ، ستخرج سالمة بإذن الله .
تمتمت بالكثير من الأدعية ليسألها باهتمام : هل اخبرتم نوران ؟!
هزت رأسها : لا لم أشأ أن أقلقها .
ضيق عينيه ورمقها قليلا قبل أن يلتفت لاخيه : ألم تخبر الكبير أن ابنة عمه وشقيقة زوجته تلد منذ الصباح .
ابتسم وليد بخفة ليسبل جفنيه بمكر : تحدثت إليه صباحا واطمأننت عليه ، أطبق وائل فكيه ليكتم وليد ضحكته وياسمين تنظر إليه بعتاب جاد فيكمل بجدية - ولكني لم أشأ أن اقلقه فأثرت أن انتظر إلى أن نطمئن على أميرة بالفعل ثم أخبره .
تمتم وائل بسماجة : أصبحنا العصر يا أبا العريس أعتقد أن هذا يكفي لتقلق منام ولدك .
تحكم خالد في ضحكته بينما ابتسم أحمد مرغما لينفجر وليد ضاحكا ويجيبه بمشاكسة تعمدها : لن أقلق العريس يا أبو العروس الآن ، حينما تلد شقيقة العروس سأخبرها .
طحن وائل ضروسه لتهمهم ياسمين بضيق : يا الله ، لا أفهم حقا مما أنتما مصنوعان ، العالم بوادي وأنتما الاثنان بوادي أخر فريد من نوعه .
أشاح وائل برأسه بعيدا بينما ضحك وليد من جديد فهتف به متبعة – أرجوك توقف يا وليد ألا ترى أحمد كيف قلق ، الولد سينهار قلقا .
أشار وليد بكفيه معتذرا ليهتف أحمد بزفرة قوية : اتركيهما على راحتيهما يا جاسي فأنا اعتدت عليهما سويا منذ أيام العمل .
هزت ياسمين رأسها بيأس لتنهض منال واقفة تحاوط أحمد من الاتجاه الأخر لتربت على كتفه هاتفة : اطمئن يا حبيبي ستخرج سالمة بإذن الله ،
ابتسم ليجيبها : بإذن الله يا ماما .
تمتمت بجدية : دعني أخبر إخوتك يا أحمد ، حتى لا يغضبا يا بني .
تنهد بقوة وهتف : يا ماما ألا تكفي انك اخبرت هنا التي أتت وظلت معنا فترة الصباح بأكملها قبل ان تنصرف وستعود ثانية ، عمر زوجته متعبة وعبد الرحمن لديه عمل ولن يستطيع المجيئ سنقلقه فقط دون داع ، عندما تضع أميرة مولودها سنخبرهم .
تنهدت بقوة وأومأت برأسها في تفهم وهمت بالحديث لتتوقف على صوت عمار الذي صدح بعدم فهم وهو الذي مر من أمام الغرفة سريعا لينتبه لوجودهم فيعود ثانية وهو يدلف للداخل : لماذا أنتم هنا جميعا ؟! أتبع بعفوية – فغرفة مازن بالأسفل .
صمت خيم على الجميع لينتفض وائل واقفا وإيمان تسأل بهلع : مازن ؟!! ما باله مازن يا عمار ؟!
رمش عمار بعينيه كثيرا ليهمهم : لا تدركون أمر مازن إذًا ماذا تفعلون هنا ؟!
هتف وليد سريعا : أميرة تلد ليتبع وائل بنفاذ صبر – ما به ابن عمك ؟
أجاب عمار بسرعة وكأنه يتخلص من الكلمات : وقع مغشيا عليه وأدهم نقله إلى الطوارئ بالأسفل .
شهقات النساء ارتفعت لتصرخ إيمان بفزع قبل أن يهتف وائل بسرعة : هل عمك عرف ؟
أومأ عمار برأسه : نعم ومعه بالأسفل .
تمتم وليد سريعا : خذنا إليه الآن .
***
تحركت بخطوات هادئة بعد أن حصلت على حمام سريع وارتدت طاقم انتقته بعناية لصباح أول يوم زواجهما ، ورغم أنها لم تنم جيدا فهو أصر على إيقاظها بعدما اكتشف وجود طعام مرصوص بطريقة أنيقة في غرفة معيشتهم ليسألها عنه فتهمهم بنعاس وهي توليه ظهرها أن والدتها أوصت كبيرة الخدم أن تمدهم بالطعام في أوقاته دون ازعاج فلعلها هي من وضعته لهما وكادت أن تغرق بغفوتها إلا أن قبلاته المتتالية فوق كتفها وهمسته الدافئ برجائه الفخم أن تستيقظ ليؤكلا سويا فتستجيب ببسمة ناعمة التهمها بشفتيه وهو يصيح بحماس بعدما قفز من الفراش أنه سينتظرها خارجا فهو سبقها وحصل على حمامه
وهل هي تخطو نحوه وهو الواقف بجوار الطاولة الرخامية في مطبخهما الصغير والغير مجهز لأعداد إلا بسيط الأشياء يحتسي قدح كبير من القهوة الأمريكية والتي من الواضح أنه من أعدها بنفسه !!
رمقته بنظرة متفحصة من أخمص قدميه المخفيتين في خف منزلي أنيق بنطلون منامته القطني بلونه الكحلي وصدره الأبيض العريض العاري ومضت عيناها وهي تتفحصه لتلتمع ابتسامتها فوق ثغرها انتهبت على صوته يهمهم لنفسه على ما يبدو فهو لم يدرك وجودها بعد وخاصة وهو منشغل في التطلع لمحتويات الثلاجة الكبيرة المفتوحة على مصرعيها : أين عصير البرتقال لا أفهم ؟!
أجابت بخفة وهي تقف على مسافة بعيدة نسيبا منه تضع كفاها متشابكان خلف ظهرها وتبتسم بمرح : أنا طلبت منهم ألا يفعلوا ؟
التفت سريعا نحوها فكتم أنفاسه وهو يتطلع إليها بانبهار ومض بعسليتيه بقدميها الحافية كما يحب وساقيها العارية لآخر فخذيها الذي التف حولهما رداء حريري بلون البرتقال الغني قصير للغاية شفاف فيظهر جسدها بسخاء ما عدا تلك الأجزاء المخفية خلف ملابسها الداخلية بلون أغمق من لون الرداء على الاقل درجتين فتظهر بوضوح من فوق جسدها صدره بجزئية المتباعدين مفتوح إلى ما بعد نهديها متهدل على جسدها لولا هذا الرباط الرفيع الذي يضم القماش على خصرها فيحدده ، ورباط مماثل ينبثق من كتفي جزئي الصدر ليمر على عنقها من الخلف على ما يبدو ، ابتسمت بمكر لتهمس وهي تقترب قليلا : ظننتك ستكتفي بي .
اسبل جفناه لينطق بضحكة خافتة وصوت أجش  : بالطبع سأفعل ، أتبع سائلًا وعيناه تدور عليها من جديد - ما شكله من الخلف ؟!
هزت كتفيها لتهمس : هل استدر فتراه بنفسك ؟
هز رأسه نافيا وهو يغلق الثلاجة : لا ، أريد أن أتخيله فيبقى غامضا لوقت أكبر قبل أن  انتزعه عنك .
ضمت شفتيها لتهمهم وهي تقترب أكثر بخطوات تخطوها على أطراف أصابعها تحافظ على ذراعيها خلف ظهرها : أووه ، هل ستفعل ؟
هز رأسه بحركة غامضه وعيناه تومض بمكر : أعتقد بعد الطعام كلانا سيفعل .
ابتسمت وأثرت الصمت لتقف خارج حدود طاولة المطبخ المفتوح على بقية جناحهما فتختفي عن نظراته التي تتأمل ساقيها فتحافظ على مسافة كافية بينهما لتسأله بخفة : هل لي ببعض من القهوة ؟
تحرك بأناقة ليأتي بقدح يماثل قدحه ولكن بلون فاتح درجتين عن خاصته البني الغامق : بالطبع يا سيدتي .
ألقاها بخفة ماكرة تعمدها فتوردت مرغمه وخاصة مع نظراته العابثة وهو يناولها القدح فتلتقطه بخفة لتحتسي بعضًا منه بينما يعود هو ليستند بجسده على حافة المغسلة من خلفه لتهتف بخفة : أووه أحدهم كان يمارس تمارينه الرياضية .
ابتسم بمكر و وضع قدحه الفارغ في المغسلة ليستدير إليها ثم يسند راحتيها للخلف ليجيبها مثرثرًا بطبيعة : داومت عليها من بعد الحادث استقطعت ساعة في الصباح من وقتي وكنت أجر عمار معي في الصباح الباكر ليشجعني على المداومة ، أردت أن أمنحك شيئا تنبهرين به كلما نظرت إلي .
ابتسمت وتحركت بخفة وهي تحتسي بقية قهوتها فتقترب منه كثيرا وهي تهمس بخفوت : أدركت فقدانك للوزن الذي وضح في ملابسك الرسيمة والتي أظهرت عرض كتفيك ولكن ..
حملت القدح بإحدى كفيها حينما وقفت أمامه مباشرة لتحرك طرف سبابتها من أخر كتفه البعيد تمرره ببطء على بشرته وانفاسها تختلج داخل صدرها لتنخفض بلمستها تدريجيا فيكتم أنفاسه وهي تمررها فوق عضلاته المقسمة لتهمس بمكر وافتعال واضح  : لم تبهرني لهذه الدرجة .
كتم ضحكته ليحتقن وجهها بقوة وتهمهم متبعة بحرج : أوبس ، أظن أنني .. صمتت لتتبع بضحكة وهي تبتعد عنه قليلا تشيح رأسها بعيدا - أنت وقح.
انطلقت ضحكته بقوة ليهز كتفيه وهو يهمهم : أنه رد فعل طبيعي لا حيلة لي فيه .
رمقته بطرف عينها لتسأل بغيرة حارقة : إذًا كلما لامستك إحداهن يحدث هكذا .
زفر أنفاسه كامله ليتحرك مقتربا منها يقف بجوارها دون أن يلامسها فعليا هامسا : أولا لم تلامسني إحداهن من قبل لأعرف ، رمقته باستنكار ليكمل بهدوء - رغم أني أعلم جيدا أن هذه ردة فعل خاصة بك أنتِ وفقط .
ومضت عيناها ببريق زيتوني سعيد لتعض شفتها السفلية بخفة وهي تسبل اهدابها قاطعة وصال نظراتهما لتسأله بعد برهة : أنت لم تخبرني أين سنذهب ؟
رد بعفوية : إلى الفراش بالطبع .
تعالت ضحكاتها بنعومة فشاركها ضاحكا لتلكزه بمرفقها في بطنه وهي تمر من جواره نحو مكان غرفة المعيشة فيتطلع إلى ظهرها العاري الا من ذلك الرباط الذي يمسك صدر الفستان من الأمام وهي تهتف : بل قصدت شهر العسل فأنت لم تخبرني أين وجهتنا؟!
لم يجبها لتلتفت إليه قبل أن تجلس أمام الطاولة المستطيلة هاتفه باسمه حينما شعرت به لم يتبعها : عاصم .
رفع عيناه إليها لتسأله : ما بالك ؟!
ومضت عيناه ببريق لم تستطع فهمه ليهمهم بخفوت : أحاول أن اسيطر على شوقي لك ولكن .. تنفس ليبتسم بخفة - أنت لا تساعدين .
نظرت إليه ببراءة : لم يعجبك الفستان ؟!
اسره الإغواء الفطري في عينيها ليجيب ببساطة ماكرا : سيء للغاية ، من رأيي تخلصي منه .
تعالت ضحكتها من جديد قبل أن تجلس وهي تهتف : تعال وتناول الطعام فأنت أيقظتني لأنك جائعا .
ابتسم واستجاب بالفعل ليجلس بجوارها : نعم أنا بالفعل جائع ، التف ذراعه حول خصرها ليجذبها نحوه متبعا بهمس أجش - جائعا لك .
هم بتقبيلها لتضع كفها فوق شفتيه فيعبس بعدم رضا فتحدثه بجدية : ستتناول الطعام وتخبرني عن شهر العسل وبعدها تشرب البرتقال .
لعق شفتيه بعفوية أنارت عيناها وهو يجيب : سألتهمك قطعة قطعة يا برتقالتي .
تطلعت إليه بانبهار لم يفته فسألها بعدم فهم : ما بالك يا نور ؟
رفت بعينيها لتهمس بتعجب : أنها هذه الحركة التي ..
صمتت ليكمل ضاحكا وهو يبدأ في فتح أغطية الأطباق : التي يفعلها عمي أليس كذلك ؟
أومأت برأسها لتثرثر إليه بدهشة : بل الجميع ، كل ذكور آل الجمال على ما أعتقد لقد ظننتك لم ترثها ، ظننتك ..
ابتسم ليهمس إليها : بل أنا لا أميل لاستخدامها ، تخرج عفوية حينما أفقد سيطرتي ، عبست بغرابة فاكمل شارحا – أنا لا افضلها أشعر بأنها غير أنيقة ومن صغري كانت ماما تعنف عمار عليها فتحكمت أنا بها ونادرا بالفعل حينما تظهر .
تمتمت وهي تلامس وجنته تجبره أن ينظر إليها : الآن فقدت سيطرتك .
ضحك بخفة وأجابها : لقد ودعتها على باب الجناح البارحة ، احتضن كفها المحتضن وجنته ليقبل باطنه وهو يهمس أمام عيناها - أنا معك عاصم مختلف ، عاصم خاص بك أنت يا نور.
اختنق حلقها لتتحرك تجلس فوق ركبتيها لتحتضن وجهه بين كفيها وهي تواجهه لتقبله بلهفه وحب انتفض قلبه لهما لتتوقف فجأة وتتمسك بكفيه تسيطر عليهما حتى لا يلامسها فيزمجر دون رضا حينما ابتعدت عنه لتلهث أمام وجهه وهي تركن راسها برأسه : أنا جائعة حقا يا عاصم .
أومأ بعينيه فهمت بالابتعاد ولكنه رفض بهمسة حانية وهو يحملها ليجلسها فوق ساقيه : لا تبتعدي عني .
ابتسمت وهمست بدلال : ستطعمني .
ليجيبها بوقاحة تعمدها : بكل الأشكال التي تريدها .
ضحكت وهي تستريح بجلستها فوق ساقيه ليبدأ بتناول الطعام الذي تشاركا في تناوله بسعادة خيمت عليهما ، ليهتف بعد قليل حينما قارب على انتهاء الطعام وهو يحركها ليجلسها بين ساقيه يلصق ظهرها بصدره ويهتف : أخبريني ماذا تفضلين أن نفعل بشهر العسل ؟
عبست لتسأله بتعجب : ألم تستعد لأي شيء ؟!
احتضن أعلى ذراعيها : بل لدي كثير من الاختيارات .
تحركت قليلا لتزحف بعيدا عنه تجلس بجواره : كيف ؟!
رمقها قليلا : بم أني لم احصل على إجازة منذ أجازه الساحل فقررت أن أحصل على شهر عسلي كاملا .
ضحكت لتسأله بحماس : حقا الثلاثون يوما ؟
أخفض عيناه : بل ستة وثلاثون يوما ، تمتم بخفة متبعا - فنحن سنسافر بعد أربعة ايام تقريبا وأنا لم أذهب للعمل منذ يومان وشهر العسل سيبدأ منذ ركوبنا الطائرة .
التمعت عيناها بوميض حماسي : كيف أقنعت بابي وكيف رتبت امور العمل؟
هز كتفيه ليثرثر بلا مبالاة وهو يجذب براد الشاي الحراري والقدح الخزفي النظيف ليصب فيه مشروبه المفضل قبل أن يبدا بوضع مكعبي السكر ويقلبه برزانة : بابا أقنع عمي أو أجبره لا أعلم ، ولكنهما سويا الأمر مع إعطاء بعض الصلاحيات لأدهم وبالطبع وجود أحمد سيمرر الأمور ، وأيضا سأتابع الأمور بشكل متقطع وانا بالخارج .
جلست باهتمام وهي تثني ساقيها أسفلها تنظر إليه بحماس طفولي صدح بصوتها : إذًا أين سنذهب ؟
حمل قدحه واتكأ بظهره للخلف ليضع ساقا فوق أخرى بأناقة : لقد استأجرت إحدى الجزر لمدة أسبوع قابل للتجديد إذا ما أعجبتك .
اتسعت عيناها بصدمة : إحدى الجزر ؟!
أومأ برأسه وهو يرمقها باهتمام : نعم إحدى جزر الكاريبي اسمها ليتل هارفيست كاي .
جمدت ملامحها فلم يستطع أن يدرك معنى صمتها ليكمل : أنه أسبوع إذ لم يعجبك لدي برنامج كامل للتجول في أوروبا نستطيع أن نذهب لفرنسا فتتسوقين ونحضر عروض الأوبرا في روما والتجول بشوارع إنجلترا وزيارة المعالم في اسبانيا ، أو إذ كان لديك أي امنية أخبريني وسأحققها لك .
مطت شفتيها بتفكير لتسأله : ماذا سنفعل في الجزيرة ؟
أجاب ببساطة : نستجم .
رفعت حاجبها لتسأل بعفوية أتقنتها : إذًا رمال وبحر وسماء وشمس والكثير والكثير من ..
صمتت وضيقت عيناها في نظرة ماكرة ، فابتسم وأومأ برأسه لتكمل بإنجليزية : in the Caribbean ؟!
أومأ برأسه ليشرح بعدما ترك فنجانه : إذ لا تعجبك لا بأس لنقضي الأسبوع ونذهب لأي مكان أخر .
رمقته قليلا قبل أن تنفجر ضاحكة لتهتف بحماس وإنجليزية تناثرت من فمها : ياااي ، أنا متحمسة للغاية ، جزيرة بمفردي سأسبح كما أريد وأحصل على سمرتي لجسدي كاملا دون التقيد بملابس السباحة .
سيطرت الدهشة على ملامحه قليلا قبل أن ينفجر ضاحكا وهو يجيبها : إذا وصلت الشمس إليك بالطبع سيحدث ، رمقته بعدم فهم فأتبع بمكر - إذ لم أحجبها عنك بالطبع ستحصلين على سمرتك .
تعالت ضحكاتها لتقفز جالسه فوق ركبتيها وتتعلق برقبته لتهتف : سعيدة للغاية باختيارك .
رمقها من بين رموشه : إذًا موافقة على الرمال والبحر و الشمس والسماء والكثير الكثير من ..
أجابته بخفة : هل تمزح معي ؟! هل في أفضل من هكذا استجمام ؟!
تصاعدت أنفاسه ليلتقط شفتيها في قبلة طويلة وهو يميل بها للخلف بعدما حملها من خصرها ليقربها منه هامسا بأنفاسه المتلاحقة وقبلاته تتناثر فوق ملامحها كفه يداعب الرباط الخلفي ليفك أسر فستانها : البارحة كانت لهفتي تتحكم بي فالتهمتك دون تمهل ، الآن سأتحكم في لهفتي لارتشفك قطرة قطرة بصبر وطولة بال يا برتقالتي .
تراخت بين ذراعيه وهي تهمهم باسمه في مناجاة غرامية فيلتقط شفتيها بقبلة متمهلة أفقدتها صوابها فينغمسا سويا لينتفض سويا حينما تعالى رنين هاتفه برنة صاخبة ضايقته.
تنفس بعمق وهو ينظر لهاتفه المستلقي بجواره على طاولة الطعام فيتذكر أنه وضعه هنا حينما اكتشف وجودها بعدما تحدث مع والده حينما استيقظ ليتأفف بضيق وهو ينظر لوجه عمار بابتسامته المتلاعبة فيغلق الاتصال وهو يسبه سرًا ليعاود ويلتقط شفتيها بقبلة ثانية أسرت حواسها قبل أن يتأفف بضجر حينما دوى صوت الرنين من جديد فيسب شقيقه الذي يهاتفه الآن في وقت ليس عليه أن يهاتفه به ليغلق الخط في وجهه ظنًا منه أن عمار يشاكسه كعادته ليعود إليها يقبلها ثانية بتروي أثار ضحكتها من بين شفتيه ليعاود الرنين ثالثة.
فيغمض عيناه بغضب قبل أن يهمهم وهو يبتعد عنها مرغما : أنا المخطئ لأني لم أغلق الهاتف، ابتسمت وهي تستلقي بأريحية في الأريكة الناعمة المريحة فيهمهم بحنق - انتظريني ولا تنامي أعلم أنك لم تنالي قسطًا وافيًا من النوم ولكن أنا الآخر لم أنم جيدا .
ضحكت بخفة وهتفت وهي تلامس شاشة رقمية بذراع الأريكة فتدير التلفاز لتنشغل به وهي تقاوم استرخاء جسدها ونعاسها الذي بدأ في مداهمتها يداعب جفونها بعد مجهود الزفاف والليلة الماضية التي لم تنم بها على الإطلاق لتعبس وعقلها يستيقظ حينما هتف بجدية وهو يتحرك فعليًا يبتعد عنها وهو يصيح بغضب : كيف لم تهاتفني من قبل ؟! هل جننت يا عمار ؟!
استدارت لتجلس بترقب وعمار يجيب دون أن تدرك فحوى حديثه ولكن ملامح عاصم التي تشنجت أخبرتها أن الأمر جلل فنهضت وهي تعدل من وضع فستانها فوق جسدها تشير إليه باستفهام ليخبرها أن تنتظر بنظراته قبل أن ينهي حديثه مع أخيه هاتفًا : سأتي على الفور .
هتفت بوجل : ما الأمر يا عاصم ؟!
رفع نظره إليها ليغمغم بضيق : الغبي لم يهاتفني إلا الآن ،
تمتمت سريعًا : ماذا حدث ؟
أجاب سريعا : أميرة ومازن بالمشفى .
انتفضت بخفة لتهمس بتساؤل : أميرة تلد ؟
أومأ براسه ليهمهم باختناق : وحالتها غير مستقرة .
تحركت سريعا وهي تهتف : سنذهب إليها ، توقفت لوهلة قبل ان تسأله - ما باله مازن ؟
زم عاصم شفتيه ليهمهم : لا أعلم ولكن عمار مضطرب وهذا ليس بجيد لم أفهم شيء سوى أنه عانى من هبوط حاد في الدورة الدموية فسقط مغشي عليه.
اتسعت عيناها بجزع لتسأل بلهفة أخوية : ماذا حدث له ؟ هل هو بخير ؟
هز رأسه دون معرفة : لا أعلم فقط ارتدي ملابسك سريعا حتى نذهب إذا كنت ستأتين .
تمتمت وهي تتحرك بسرعة : بالطبع سأذهب معك ، لن أتأخر سأرتدي ملابسي سريعا .
أومأ براسه متفهما قبل أن ينظر لهاتفه مليًا ليتصل بالآخر الذي يعلم أنه سيخبره فيأتيه صوته مرحا بطريقة مفتعلة وهو يجيبه : ما هذا النور الكبير، يهاتفني يوم صباحيته ، ما الذي دفعك للاتصال يا كبير ، هل كنت نائم تحلم بي أم ماذا ؟ صمت ليتبع بلهجة خفيضة هازئة بمرح - أم لعلك تحتاج لبعض المقويات فتريد مني أن آت لك لها
لانت ملامح عاصم بابتسامة لتندثر سريعا مغمغما بحنق : اخرس أيها الوقح أنا صحتي حديد .
قهقه أدهم ضاحكا ليتابع عاصم بجدية : ولا لم أنم أحلم بك يا خفيف فأنا لم أنم أصلا من البارحة .
هتف أدهم بمرح شبابي حقيقي : اللهم صلي على النبي.
قهقه عاصم رغمًا عنه ليتبع أدهم - دوما رافع رأس العائلة يا كبير .
تمتم عاصم بخفة : العقبى لك.
تمتم أدهم سريعا : أنا لا أريد الزواج الآن .
همس عاصم بمشاكسة : بل أتحدث عن رأس العائلة .
ليثرثر أدهم بعفوية : وكيف سأرفعها عاليا دون زواج ، أتزوج وأعدك أني سأرفعها كثيرا مرارًا وتكرارًا.
هز عاصم رأسه بيأس : حسنا اصمت قليلا لأستطيع أن أسألك عم أريد ؟
سأله أدهم بهدوء : وماذا تريد ؟
سحب عاصم نفسًا عميقًا ليسأل بجدية : ما باله مازن يا أدهم ؟
هم أدهم بالحديث ليتبع عاصم سريعا - ولا تراوغ، فعمار أخبرني وأخبرني عن اميرة أيضا وأنا قادم بعد قليل ولكن أردت أن افهم منك الأمر قبل أن اصل . 
صمت أدهم قليلا ليغمغم اخيرا بصوت مختنق ازهق كل مرحه المفتعل : سأخبرك..
***
يقف خارج غرفة المواليد الجدد ينظر من خلال الزجاج الى الثلاث اسرة الموضوعة بصدر الغرفة وقلبه يخفق بعنف لأجل أطفاله الصغار  لا يقوى على استيعاب سعادته .. ولا فرحته .. ولا يدرك إلا أن قلبه انتفخ فرحة وتضخم بسعادة غير مسبوقة له ، أنه في حالة من النشوى لم يشعر بها من قبل ، حتى يوم زواجه من أميرته لم يكن سعيدا كما هو الآن وهو يتطلع لملامح الصغار النائمين في اسرتهم ، ابتسم بخفة وهو يتذكر تعليق وائل الذي زفر براحة وشاكس خالد متعمدا : الحمد لله ليسوا ملونين ، فيرمقه خالد ليجيبه ببساطة – المهم الطباع يا سيادة الوزير .
تأمل أطفاله المتشابهون ليتعجب من كون الفتاة تشبه اخويها أيضا فيتذكر والدته التي همست إليه : سيتغير شكلها بالطبع لكما كبرت وستكون فريدة من نوعها يكفي أنها ابنتك وابنة أميرة.
يضحك ملء شدقيه وهو يتذكر مشاكسته لنوران التي بكت وهي تحتضن تارا ومشاغبة عاصم له أن يبعد اولاده عن ابنته إذا أتت نوران بفتاة ، سعادة عمر وهتاف أدهم الذي حاول أن يمرح رغم ضيقه لأجل مازن ، ليحمد الله أن أميرة وضعت الاطفال في هذا التوقيت حتى يخف حزن العائلة على صغيرها .
تعجب وهو يكتشف اليوم حينما ترك اميرته بعدما اطمئن عليها وذهب للاطمئنان على مازن ، أن مازن هو آخر نسل آل الجمال من الذكور والإناث ، فهو لم يصدق حينما أخبره عمر بذلك وأكد له أن علي أكبر منه بأشهر قليلة فيستوعب جيدا حالة العائلة والغُمة التي أصابتهم لأجل الصغير الذي ولد لطيما فترك مكانة أكبر بقلوبهم فاليوم هو شهد على انهيار الجميع لأجله ، فالحزن لم يكن يلم أحمد الجمال فقط بل إن الأخوين الكبار كانا حزينين وكأنه أحد أولادهما ، عمته بكت وكأنها تبكي وحيدها وزوجات أعمامه كانتا وجلتين لأجله ، بل ان اكثر ما اثار دهشته هو انهيار زوجة أبيه والتي بكته كأنها أمه التي انجبته وهشاشة جنى التي جلست دون حراك ودون حديث والصدمة تلمها فلم تستطع الدخول إليه إلا حينما شجعها أسعد وآزرها ودلف معها لأخيها لتطمئن عليه ، فينتظرهم بصبر إلى أن خرجا ليدلف هو بنفسه ويطمئن على الشاب الصغير بملامحه الشاحبة والمرح الذي اختفى من عينيه وحزنه المحفور بتفاصيل وجهه ليتحمد له سلامته ويخبره بأن يتشجع وينهض معافيا حتى يحتفل معهم بقدوم أطفاله فيبتسم مازن بفرحة حقيقية وهو يبارك له ما أتاه ، فيشد من أزر الصغير قبل أن ينصرف ويعود لأطفاله يتأملهم كثيرا وهو يشعر بفرحته تخبو وخوفه يتزايد وهو ينظر لهم فلا يقوى على تركهم والعودة لزوجته .
انتفض جسده بفخة على كف ثقيل ربت على كتفه فيلتفت على الفور وجسده يتأهب ليقابله وجه علاء المبتسم فتنفرج ملامحه بدهشة انقلبت إلى فرحة حقيقية وهو يهتف : علاء بك حمد لله على سلامتك لم يخبرني أحد أنك عدت .
ضحك علاء ليستقبل احتضان أحمد المحتفى وهو يهتف : سلمك الله يا أحمد بك ، لقد عدت اليوم مبارك ما أتاك .
ابتسم أحمد وهتف : بارك الله فيك العقبى لك .
ضحك علاء بخفة : لا الحمد لله لدي ثلاث فتيات حفظهم الله .
تمتم أحمد : اللهم أمين وبارك لك فيهن .
هتف علاء بهدوء وهو يشد جسده بجدية : اذهب واطمئن على زوجتك وأبقى إلى جوارها ولا تقلق على الأطفال ، أنا واثنان آخران مرابضين بجوارهم إلى أن تعودوا جميعا للبيت سالمين بإذن الله ، اهتزتا حدقتي أحمد بقلق حقيقي فأتبع علاء بثقة – لا تقلق يا أحمد بك ، أولادك أمانه برقبتي .
ابتسم أحمد وهتف : شكرا لك يا علاء بك .
هتف علاء على الفور : لا شكرا على واجب أنه عملي فقط اذهب ولا تعتل هما .
أومأ أحمد بامتنان ليتحرك عائدا بالفعل ليزفر علاء بقوة قبل أن يهمهم إلى رجاله بجدية : انتبهوا جيدا وتيقظوا من فضلكم ، اتبع وهو يتحدث إلى حسن بمفرده – حسن باشا .
ليجيبه حسن الجالس بغرفة الكاميرات التي تكشف المشفى من الداخل والخارج : لا تقلق يا علاء بك الوضع تحت السيطرة .
***
يجلس بجوار فراش ابن عمه الصغير بعدما فرغت الغرفة من الجمع الذي ذهب للمباركة إلى أميرة فأصر هو على البقاء قليلا معه ينظر لملامحه الغارقة في نوم عميق بفعل ذلك المهدأ الذي حقنه به الطبيب بعدما أخبرهم أن ضغط دمه غير مستقر دون سبب جسدي واضح لديهم فيجبره على النوم ليغيبه عن واقعه الذي يؤلم روحه فتتعذب وتهتاج وتؤثر على جسده غير الضعيف ولكن آلامه انهكته فأصبح لا يتحمل اضطراب انفعالاته
ينظر إليه بحزن وقلبه يوجعه عليه يلوم نفسه ويجلد ذاته وهو يتذكر الآن أنه لم يشأ الضغط عليه يشأ التطفل أو أن يفرض نفسه ويتدخل في حياته منذ تلك الليلة التي أراد بها الحديث معه ولكنه آثر الصمت ولم يتدخل بل أنه انتظر ليأتي إليه ولكن مازن لم يفعل وها هي النتيجة مازن الصغير الذي ولد على يدي الجميع فالتقطوه بمحبة وأخوة وود راعوه ودعموه نظرا لظروفه ووحدته وفقدانه لوالدته ، وقع .. تعب .. مرض نتيجة إهماله وغباءه وسكوته .
أطبق فكيه وموجة لومه لنفسه تزداد جموحًا فيصر على أسنانه وهو يهمهم : غبي .. أنت غبي ، صمتك وهروبك يفقداك أحبائك وأنت أحمق لا تتعلم.
انتفض من بحر أفكاره على كف يربت على كتفه برزانه ليلتفت إلى شقيقه الذي رمقه بحنان هامسا وكانه قرأ أفكاره : ليس ذنبك بمفردك ، لم تخطأ بمفردك ، ولست المقصر في حقه بمفردك ، جميعا مخطئين يا عمار ،
هز عمار رأسه نافيا : شعرت به يعاني يا عاصم ولكني ..
زفر عاصم بقوة : أعلم كان لابد أن يأتي لك يا عمار ، كان لابد أن يتخذ خطوته بنفسه ، كان لابد أن يحدد مصيره بنفسه ويعبد طريقه بنفسه .
لمعت الدموع في عينيه فيكمل عاصم بثبات : كان لابد أن يقع ليستطيع أن ينهض بنفسه .. بمفرده .. بقوته ، وسينهض يا عمار لا تقلق ، سينهض من جديد بشموخ جيناته وكبرياء أصله ، سيسطر على قلبه وفكره وسيطوع حواسه لمصلحته فلا تقلق ، وإن لم يفعل سنحرص جميعا على أن يفعل .
أومأ عمار برأسه ليهمس إلى عاصم وهو ينهض يدفع عاصم للخارج ليتوقفا أمام باب الغرفة : خذ عروسك وغادر يا عاصم جميعنا هنا ، ولا تشغل رأسك أنا أو أدهم سنبقى بجوار مازن .
تنفس عاصم بقوة ليهمهم إليه : هل أقنعتم لمياء هانم بالعودة إلى بيتها ؟
التوى ثغر عمار بضيق ليتابع عاصم – حسنا هل عمك أو ابنة عمك اقتنعا أن يتركاه ويعودا للبيت هي مع أسعد أو عمك ليستريح فهو قارب على الانهيار .
تنفس عمار بقوة : لا تقلق أنت ولا تشغل رأسك بنا ، عد إلى بيتك وإلى  عروسك وأنسيا كل ما حدث يا عاصم ، رمقه عاصم قليلا فأتبع عمار – جنى أسعد سيقنعها بالعودة معه وأنت تعلم هذا جيدا أما عمك وزوجته فسيادة الوزير كفيل بهما .
تمتم عاصم بجدية : لا عمك ولا زوجته سيتركانه .
ليجبب عمار وهو ينهض واقفا : حينها سنترك لهما الغرفة واذهب أنا وأدهم وعلي لنبيت بمكتبي حتى نكن قريبين منهما .
هز عاصم رأسه بتفهم فأكمل عمار بمرح افتعله – فقط عد أنت يا كبير لعروسك أم أنك تتهرب منها ؟
تأفف عاصم بضجر ليلكز عمار في كتفه بخشونة : تأدب يا ولد .
ضحك عمار قبل ليسأله باهتمام حقيقي وهو يدفعه بعيدا عن مازن قليلا : أخبرني عنك يا عاصم ، هل أنت بخير ؟ هل نلت سعادتك أخيرا ؟ هل توقف قلبك عن الخفقان الرتيب وأصبح يدق بصخب مرتفع ويعلن عن سعادته ؟
ابتسم عاصم مرغما ليمأ بعينيه : نعم أنا بخير والحمد لله ، نعم أنا سعيد ،نعم أنا أشعر بكوني ولدت من جديد يا عمار .
تنهد عمار بقوة ليضم شقيقه إليه : أنا سعيد لأجلك يا عاصم ،
رتب عاصم على كفته : العقبى لك .
تمتم عمار بمرح : أنتم السابقون يا أخي ، هيا غادر ولا تقلق أنسى كل شيء وفكر في سعادتك يا عاصم .
تنهد عاصم بقوة وهتف : حسنا سأمر على أحمد وأميرة واغادر بإذن الله ، سلام .
ودعه عمار ليلتقط عودة عمه أحمد والسيدة لمياء من جديد فيبتسم وهو يدرك أن عاصم كان محقا فهما لن يغادرا ويتركان مازن فاستعد أن يقضي ليلته بغرفة مكتبه ليراسل أدهم ويخبره عم قرره ليراسله أدهم أنه سيبقى معه هو وعلي كما اتفقوا سويا .
***
أنهت صلاتها بعدما سجدت خاشعة بين يدي الله تدعو لولدها الراقد فوق فراش المشفى لتكفكف دموعها وتنهض واقفة تقترب من هذا الجالس بجوار فراش ولده لا يفارقه منذ أن قررا أن يمكثا بجواره فهي رفضت العودة للبيت وهو الآخر لم يستجب لإلحاح أخويه أو أولادهما في العودة للبيت وعليه قررا المكوث مع مازن على أن يرسل وائل أحدهم للاعتناء بحور إلى الغد .
تنهدت بقوة وهي تنظر لوجه مازن الذي بدأ في استعادة بعضا من الدماء بدلًا من شحوبه وبعضا من اللين الذي بدأ في السيطرة عليه لتربت على كتف أحمد وتهمس بخفوت حتى لا توقظ النائم : انهض يا أحمد واستلقى على الفراش الأخر فهذه الجلسة ستتعبك .
هز رأسه نافيا : لا أريد .
تنهدت بقوة لتربت على كتفه ثانية وتهمس : سيكون بخير لا تقلق فقط انهض وسنكون بقربه تعال واستلقى على الأريكة المجاورة للباب فقط لا تجلس هكذا .
استجاب مرغما وهو يشعر بعظامه تيبست في جلسته فتهمهم إليه وهي تجاوره جلوسا : لا تقلق يا أحمد سينهض معافيا بإذن الله .
تمتم بعفوية : بل أنا مرتعب يا لميا ، أنا لا أستطيع أن أفقده ، لا أقوى على ذلك ، لا أقوى إنه أمانتها التي لم أعتني بها جيدا .
تجمعت دموعها بحلقها لتجيبه : بل اعتنيت به يا أحمد ، ربيته وكبرته وانشأته رجلًا كبيراً يعتمد عليه فقط هو ..
تمتم بحزن : اهملته وتركته يعاني بمفرده .
تمتمت سريعا : كنت تريده أن يقهر حاجته يا أحمد كنت تريده أن يتغلب على تعلق لن يجدي نفعا ،
هتف بقهر يقاطعها : يا ليتني صارحته .. صدمته كما كنت تخبرينني دوما ولكني لم أفعل ، فرطت في أمانتها التي أوصتني بها قبيل موتها ، و لم أحافظ عليها جيدا تراخيت معه كما فعلت معها وهاك أنا اقتله كما فعلت بها .
انتفض جسدها بصدمة فتمتمت بصوت محشرج وهي تشعر بأن عليها ان تسانده : لا أفهم ، أتبعت سريعا هلا اخبرتني كيف ماتت والدته يا أحمد ؟
رف بعينيه كثيرا ليهمس بصوت مختنق هادرا دون وعي : أنا قتلتها ، اتسعت عيناها بصدمة ليتابع بأسى - قتلتها حينما لم امنعها مما أرادته .. قتلتها حينما لم انتبه لحملها منذ بدايته .. قتلتها حينما زينت لي الأحلام فاقتنعت أنها ستكون بخير وستأتي لي بالولد الذي أردناه سويًا فوافقت وصمت وتركتها تكمل مدة حملها مثلما فعلت معه انتظرته أن يتغلب على مشاعره وانتظرته أن يصل لأخر طريقه بنفسه ولم امنعه .
دموعه تغرق وجهه وهو يكمل فيختلط عليه الأمر نتيجة لصدمته الجلية وخوفه العارم على ولده : كتمت اعتراضي .. رفضي .. خوفي بداخلي وصمت ووافقت وتركتها تحقق حلم كان يداعبنا كثيرا منذ اعترافنا لحبنا .
أتبع بابتسامة مرتعشة بألم وعقله يستعيد ذكرياته فيبوح بها دون وعي حقيقي : كنت نسيت أمر الطفل نهائيا ، ولكنها لم تنسى قط ، لم تنسى ذاك النهار الذي أخبرتها فيه برغبتي في ولد يحمل اسمي ويأتي طبيبا من بعدي ليرث المشفى التي سأملكها ويضوي اسمه أمام اسمي ، بأني أريده يشبهها يملك عيناها وجمالها وشعرها البني الذي أعشقه ، حينها اسمته بعفوية فأعجبت بالاسم ووعدتها أني سأسميه كما أرادت .
جمدت ملامحه وهو يكمل : صدمنا أول زواجنا حينما حملت بجنى أنها تعاني بمشاكل خاصة جدا وأن الحمل المتكرر سيكون إجهاد عليها وتعب من الممكن أن يسلبها حياتها .
أتبع بصوت أجش خشن : فقضيت فترة حملها بجنى لا اغفو إلا قليلا خوفا عليها إلى أن أتت جنى بالسلامة فلم أفرح بها ولم أهتم ، فغايتي حينها كانت أن تنهض لي سالمه وتكون بخير لأجلي ولأجل طفلتي التي رفضتها من قبل رؤيتها، ظلت ولاء متعبة لوقت لم نستطع حينها إقامة أي حفل لقدوم المولود الجديد وظللت أنا مجاورا لها إلى أن تعافت وطلبت رؤية ابنتنا ، حينها هرعت لأت بها من عند والدتي رحمة الله عليها لأندم كثيرا أني لم أهتم بها منذ ولادتها ونهضت ولاء ، نهضت حبيبتي واعادت الروح المختنقة بداخلي مررنا بالكثير وخاصة حينما بدأ أبي يلح علي في إنجاب صبي ، حينها غضبت وضقت وتمنعت عليه وأنا أخبره أن زوجتي لن تتحمل مشقة حمل أو ولادة جديدة وأن له ولدين آخرين عليه أن يقنعهما بالزواج لينجبا له ما يشاء من ذكور تحمل اسم آل الجمال.
زفر بقوة ليهمهم مختنقا : ونسيت كل شيء بخصوص حلمي الذي أخبرتها به في ساعة صفا ولكنها لم تفعل ظلت متمسكة بالأمر وتنتظر أن تحققه بفروغ صبر ، أقنعتني ذات مرة ووافقتها ولكنها لم تكمل حملها أجهضت في الأول وحينها أخبرتها أننا لن نعيد الكرة فهي تكفيني .. جنى تكفيني .. وجودها بجواري ومعي يكفيني .
تساقطت دموعه واكمل باختناق : ولكنها لم تنصت بل راوغت وتعمدت الحمل دون معرفتي كانت تتهرب مني .. تبتعد .. وتنأى عني إلى أن مر موعد إجهاضها لتتوسل لي حينما أدركت حملها أن أتركه ، زينت لي حلمي وقصت لي أمنيتي وأخبرتني أن أترك لها مازن وأتوكل على الله فهو حسبنا وكلما كان عمر الحمل يتقدم بها ويمر شهر وراء أخر دون اضطرابات فعلية سوى الأمور الطبيعية كانت تنظر لي وتبتسم وتخبرني " أرأيت ، سآتي بمازن وأكون بخير ، سأكون معك ، سنقيم له حفل كبير فابن الطبيب آتي بإذن الله سيحمل اسمك ويرث المشفى كما أردت "
تهدج صوته في بكاء وهو يكمل بانهيار ألّم به - سيكون طبيبا رائعا وسأظل معه الى أن ازوجه ست البنات ، سيكون سندا لك و لي ولشقيقته ،
نهنه في بكاء حاد وهو يتبع على لسانها : افرح يا أحمد سآتي لك بمازن ، مازن أحمد عاصم الجمال ، سآتي لك بالولد ،
شهقات بكاءه تتعالى وهي تنظر إليه لا تقوى على الاقتراب تبكيه وتبكي تلك المرأة التي منحت ابنها روحها لتتساءل بعفوية : ماتت وهي تلد ؟
توقفت دموعه فجأة عن الانهمار ليهمس بخفوت : بل بعدما رأته وأسمته وضمته إلى حضنها ناولتني مازن وهي تبتسم أجمل ابتسامة رأتها في حياتي كلها وتهمس لي موصية " مازن أمانة بعنقك يا أحمد استوصى به خيرا وأحبه مثلما احببتني ، لا تقسو عليه أبدا .. لا تغضب منه أبدا .. لا تتركه يبتعد عنك أبدا . "
تمتمت حينها باندهاش وأنا لا أعي أنها تودعني " سنربيه سويًا .. سننشأه معا .. سيكبر بيننا يا ولاء أنت وعدتني . "
لتتمسك بكفي وتنظر لعيني : وعدتك بالولد وأردت أن أبقى معكما ولكنه ليس بيدي ، أشعر بأن حانت نهايتي .
حينها زمجرت غاضبا .. رفضت واعترضت لتبتسم فتذهب ابتسامتها كل ضيقي لتهمس لي بحنان : حسنا لا تغضب ، اذهب وآتي بجنى فأنا أريد أن أراها .
صمت وعيناه تشخصان بصدمة فتنظر له منتظرة بصبر إلى أن همس بصوت أتى من أعماقه : وللأسف ذهبت ، وضعت مازن بجوارها كما أرادت فضمته لحضنها وذهبت ، بل ركضت وأنا لا أفهم لماذا اركض ، لماذا أجري ، لماذا أشعر بالهلع يكتنفني والخوف يسيطر على أوردتي ، لأصل إلى قصر والدي فأجد ابنتي ترزخ تحت أنقاض انهيار عصبي دفعها لفقدان النطق فهي من استيقظت من نومها لتتلقى مكالمة المشفى التي أخبرتها بأن والدتها قابلت وجه كريم .
صمت ووجهه يعكس وطأة الذكرى عليه ليهمس بصوت محشرج : حينها فقط سقطت .
اتسعت عيناها بصدمة وألم شعرته يسري من روحه لروحها وهو يتبع باختناق : هل رأيت بيت من قبل يُهدم  ؟!
أومأت برأسها على الفور فهي لا تقوى الحديث  فاكمل بصوت لا حياة فيه : ذاك ما حدث لي فتأثير خبر وفاتها كان كتأثير تلك الكرة الحديدية التي تهدم المبنى من منتصفه فتترك به ثقب كبير بعدما تضربه ، هكذا كان خبر وفاتها ضربة قوية أتت وخلعت قلبي من موضعه ليتداعى جسدي كاملا وأنا أشعر بخواء لم يخبو مع مرور الزمن ولكنه تراجع وأنا أتحول لشخص جديد لم أكن عليه يوما.
تحكم في دموعه ليهمس باقتضاب ألم قلبها : وهاك أنا فرطت في امانتها .. وصيتها .. وما تبقى منها .
همهمت من بين بكائها وهي لا تقوى إلا على أن تضمه بين ذراعيها وكأنه طفلها : لم تفعل ، مازن سيكون بخير .. مازن سينهض سليما معافيا .. ستفرح به وستزوجه ست البنات .. وسيكون طبيبا رائعا ، نعم ليس طبيبا بشريا ولكنه سيكون من أنجح الناس ، سيكون بارًا بك وبوالدته المتوفاة وبي فمازن عوضي الذي أكرمني الله به ولن يضيمني به أبدا .
تمسك بضمتها له ليهمهم بانهيار : أنا متعب يا لميا .. أشعر بقلبي يئن ألمًا .. أشعر بأني اهدم ثانية .. أشعر با بأني سأقع .
همت بالحديث لتتسع عيناها بصدمة حقيقة حينما شعرت بأنفاسه تثقل وجسده يرتخي بين ذراعيها لتشهق بصدمة : أحمد .
***
رنين هاتفه المتواصل ايقظه من نومه ليعبس بتعجب وهو ينظر إلى ساعته فهو عاد منذ قليل بعدما اطمئن على وصول ابنة الوزير آمنة لقصر والدها هي وأطفالها ، بل أنه اطمئن على استقرار آل الخواجة جميعهم ليقرر اليوم أن يعود إلى بيته الفارغ ليحصل على  حمام دافئ وقسط من النوم ولكن هاك هو الهاتف يوقظه من غفوته فيجيب سريعا : حسن الوكيل معك .
أتاه صوت أحد الضباط اللذين يخدمون معه يهتف بعملية : اتتنا إخبارية يا سيدي عن وجود جثة مصابة ملقاة عند أطراف إحدى المدن الجديد يشتبه ان تكون جثة الهارب الذي نبحث عنه .
انتفض واقفا من فراشه ليهتف بجدية : حسنا أنا قادم على الفور أرسل لي احداثيات المكان .
أغلق الهاتف ليعاود ارتداء ملابسه ويغادر سريعا حتى يحقق في صحة الإخبارية من عدمها .
***
يقف بباحة هذا المكان الجديد الذي نقل الآخر اليه ينظر من حوله ويتحدث مع أحد رجاله عن تأمين المكان الجديد ليشعر بالآخر الذي أتى متنقلا على كرسيه المدولب الالكتروني يتحرك بسرعة فيشير لرجله بالانصراف قبل أن يستدير ليواجهه فيسأله الآخر : هل فعلت كما اتفقنا ؟
أومأ برأسه إيجابا : أعتقد أنهم الآن يفحصون الجثة ويشرحونها .
زم الآخر شفتيه مفكرا : هل تعتقد أنهم سيقبلون بها ؟
أجاب بعدم معرفة : لا اعرف أنها مجرد محاولة لعلهم يلتقطونها لأستطيع اعادتك إلى قومك .
هتف بحقد : لا أريد العودة إلا حينما أحقق انتقامي كاملا .
لوى شفتيه مفكرا قبل أن يجيب وهو يتقدم منه هامسا : سيد موشيه أنا أقدر جدا أمر الانتقام والكره وكل هذا ولكن إذا لا تعي وضعك دعني أخبرك عنه ، أنت الآن لا تستطيع الحركة وقومك يريدونك أن تعد إليهم ويكفي ما حدث ، فكن منطقيا لأجلي واجلهم وفكر بعقلانية ودع أمر الانتقام جانبا من فضلك .
هدر موشيه بكبر : أنت معي لتنفيذ أوامري .
فهدر أمامه : أبدا ، أنا معك لأعادتك فقط ، وإذا أردت أن تفعل أي شيء سوى أن تعود لبلدك ، اعتبرني منسحبا من الآن .
تجهم وجه موشيه لينظر إليه بتحدي فيهدر موشيه بنزق : حسنا سأعود ولكن بشرط عليك أن تخبرهم به ، زم شفتيه بصبر لينظر إليه بتساؤل فاكمل موشيه – يرسلون قبيل عودتي من يقتل المخترع أريد أن أتأكد من أن المهمة ستنفذ .
أومأ برأسه ليهتف : سأفعل ، هلا تريد شيئا أخر ؟
هز رأسه نافيا فأومأ الأخير برأسه متفهما قبل أن يغادر بسرعة غافلا عن عيني موشيه التي ومضت ببريق كراهية مشتعل وهو يهمهم بينما يتحرك على كرسيه المدولب : سأخذ بثأري كاملا حتى وأنا لا أقوى على الحركة ، سامحي أثرهم جميعا من على وجه الأرض ثم أعود ملكا متبخترا في علياءه فلست أنا من يعود مهزوما ، بل سأذيقه هو وابناءه الجحيم على الأرض قبل أن أودعهم وهم ذاهبون لجحيم السماء .

رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن