يخطو بحذر نحو الحديقة الخلفية لقصر جده العريق ، ينظر بترقب ويبحث عنها بلهفة لا يقو على كتمانها ، فهو لم يجدها بمكانها المعتاد حينما تكون غاضبة أو حزينة وليست متواجدة في غرفتها ، فاطمة قلقة ولم تخبر عمه عن اختفاء ابنته الغريب بعد أن عادت مع أبيه منذ ساعتين أو أكثر ، ولم تخرج ثانية ، لقد تأكد من عدم مغادرتها بنفسه من طاقم الحرس ، ولكنها مفقودة في اروقة القصر الكبير الذي لا يعلم للآن سبب تواجده فيه ، ولا يجد سببا لاستجابته إلى دعوة زوجة عمه سوى أنه أتى ليطمئن عليها ، اطمئنان أجبره قلبه عليه ، قلبه الذي يدفعه للبحث عنها رغم نفوره من رؤيتها وخاصة في الوقت الحالي بعد أن ثارت كل ذكرياته القديمة معها ، ذكرياته بتأثيرها السيء على عقله .. والموجع لقلبه .. والقاهر لعزته ونفسه ، زفر أنفاسه كامله وهو يستمر في بحثه عنها وخوف العاشق في قلبه من يحركه نحو الملحق الزجاجي المبنى بحديقة قصر العائلة والذي اقترحت بناءه فاطمة ، فاستجاب عمه على الفور - ليمرح فيه أولاد العائلة ، ملحق مجهز بكل انواع الرفاهية لطالما قضى وقته فيه مع ابناء عمومته واصدقاءه المقربين من العائلة ايضا ، هنا كبر .. نضج .. وشاخ أيضا ، ابتسم بألم وهو ينظر بشرود إلى الملحق الباقي على عهده لم يتغير ، ولكن نظرته إليه هي ما تغيرت ، فتلك الليلة المؤلمة كانت آخر مرة وطأة قدميه هنا ليخرج منه مطروداً .. مدحوراً .. مهزوماً ، غيرت فيه الكثير .
تقدم بخطوات بطيئة وذكرى تلك الليلة البغيضة تعاوده بقوة ، يلهث بعنف وهو يشعر بقلبه ينتهك في صراع غير متكافئ ولكنه متوازن بين لهفته لتبديد حزنها ونفوره التام منها ، يرفع كفيه فيصم أذنيه حتى لا يستعيد أنات بكائها المتألم بجانبه في طريق عودتهما بعد أن تركها عمه له ، يقبض كفيه على مقود سيارته بقسوة حتى لا يفتك بها بعد أن أهدرت كرامته حينما ذهبت إلى آخر مسكنه ، لا يلومها على حبها لآخر وعدم رؤيتها إلى حبه الجارف لها ، ولكنه عاتب عليها تهورها .. يكره فيها طيشها .. ويبغض بها جموحها .
انتفض جسده وهو يبتلع غصته المتكومة بحلقة على مدار خمس سنوات لا يستطيع التخلص منها ولا يقو على إزالتها ، بل تظل واقفة بحلقه كحجر حشر في مجرى تنفسه فيعيق وصوله إلى راحة ينشدها ويستحقها .
يرتجفا جفنيه وصياحها الثائر في وجه عمه الغاضب كما لم يراه من قبل وهي تشيح بذراعيها تهتف به في حماقة : لا تضربني لا يحق لك ضربي ، لم أفعل شيئا خاطئا
يزمجر عمه كأسد غاضب ليهتف بها : اخرسي ولك عين تتحدثين أيضاً ، تتبجحين وتنكرين شناعة فعلتك .
تهدر بجموح في وجه أبيها : لم أفعل شيئا ، لم أفعل شيئا ، لتتابع وعيناها تومض بقهر - ولن ابرر لك فعلتي لأنك شككت بي ، أنا ابنتك لو الجميع شك بي من المفترض أن تقف معي لا تتهمني قبل الآخرين .
تتسع عينا عمه بصدمة ليقبض على مرفقها بقوة : أقف معك بعدما ذهبت إلى آخر أنا رفضت اقترانك به .

أنت تقرأ
رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب
Romanceيلهث بقوة وهو يقف يلتقط أنفاسه .. يحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ فيه أن يتوقف عن ايلام جسده بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه ذكرى سابقة .. قديمة ولكنها لازال جرحها نازفا .. حارا .. موجعا ، اغم...