الفصل ال١٢

2.7K 71 20
                                    

يخطو بحذر نحو الحديقة الخلفية لقصر جده العريق ، ينظر بترقب ويبحث عنها بلهفة لا يقو على كتمانها ، فهو لم يجدها بمكانها المعتاد حينما تكون غاضبة أو حزينة وليست متواجدة في غرفتها ، فاطمة قلقة ولم تخبر عمه عن اختفاء ابنته الغريب بعد أن عادت مع أبيه منذ ساعتين أو أكثر ، ولم تخرج ثانية ، لقد تأكد من عدم مغادرتها بنفسه من طاقم الحرس ، ولكنها مفقودة في اروقة القصر الكبير الذي لا يعلم للآن سبب تواجده فيه ، ولا يجد سببا لاستجابته إلى دعوة زوجة عمه سوى أنه أتى ليطمئن عليها ، اطمئنان أجبره قلبه عليه ، قلبه الذي يدفعه للبحث عنها رغم نفوره من رؤيتها وخاصة في الوقت الحالي بعد أن ثارت كل ذكرياته القديمة معها ، ذكرياته بتأثيرها السيء على عقله .. والموجع لقلبه .. والقاهر لعزته ونفسه ، زفر أنفاسه كامله وهو يستمر في بحثه عنها وخوف العاشق في قلبه من يحركه نحو الملحق الزجاجي المبنى بحديقة قصر العائلة والذي اقترحت بناءه فاطمة ، فاستجاب عمه على الفور - ليمرح فيه أولاد العائلة ، ملحق مجهز بكل انواع الرفاهية لطالما قضى وقته فيه مع ابناء عمومته واصدقاءه المقربين من العائلة ايضا ، هنا كبر .. نضج .. وشاخ أيضا ، ابتسم بألم وهو ينظر بشرود إلى الملحق الباقي على عهده لم يتغير ، ولكن نظرته إليه هي ما تغيرت ، فتلك الليلة المؤلمة كانت آخر مرة وطأة قدميه هنا ليخرج منه مطروداً .. مدحوراً .. مهزوماً ، غيرت فيه الكثير .


تقدم بخطوات بطيئة وذكرى تلك الليلة البغيضة تعاوده بقوة ، يلهث بعنف وهو يشعر بقلبه ينتهك في صراع غير متكافئ ولكنه متوازن بين لهفته لتبديد حزنها ونفوره التام منها ، يرفع كفيه فيصم أذنيه حتى لا يستعيد أنات بكائها المتألم بجانبه في طريق عودتهما بعد أن تركها عمه له ، يقبض كفيه على مقود سيارته بقسوة حتى لا يفتك بها بعد أن أهدرت كرامته حينما ذهبت إلى آخر مسكنه ، لا يلومها على حبها لآخر وعدم رؤيتها إلى حبه الجارف لها ، ولكنه عاتب عليها تهورها .. يكره فيها طيشها .. ويبغض بها جموحها .


انتفض جسده وهو يبتلع غصته المتكومة بحلقة على مدار خمس سنوات لا يستطيع التخلص منها ولا يقو على إزالتها ، بل تظل واقفة بحلقه كحجر حشر في مجرى تنفسه فيعيق وصوله إلى راحة ينشدها ويستحقها .


يرتجفا جفنيه وصياحها الثائر في وجه عمه الغاضب كما لم يراه من قبل وهي تشيح بذراعيها تهتف به في حماقة : لا تضربني لا يحق لك ضربي ، لم أفعل شيئا خاطئا


يزمجر عمه كأسد غاضب ليهتف بها : اخرسي ولك عين تتحدثين أيضاً ، تتبجحين وتنكرين شناعة فعلتك .


تهدر بجموح في وجه أبيها : لم أفعل شيئا ، لم أفعل شيئا ، لتتابع وعيناها تومض بقهر - ولن ابرر لك فعلتي لأنك شككت بي ، أنا ابنتك لو الجميع شك بي من المفترض أن تقف معي لا تتهمني قبل الآخرين .


تتسع عينا عمه بصدمة ليقبض على مرفقها بقوة : أقف معك بعدما ذهبت إلى آخر أنا رفضت اقترانك به .

رواية حبيبتي.. الجزء الثالث من سلسلة حكايا القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن