١٨- انهيارُه

966 69 36
                                    

آلامك، دعني أنتزعها
أوهامك، دعني أغتالها
أحزانك، دعني أنهِها
أوجاعك، دعني أعيشها
تلك الوحدةُ دعك منها
فأنا هنا، روحٌ لتلجأ إليها
-العم جلال

.
.
.
.
.
.
.

متناقصًا بعد أن اكتمل، لمع القمرُ المنير مكملًا دورة أطواره التي يعتمد عليها الزمن. طلوعه اليوم حدد حلولَ ليلةٍ أخرى من التقويم القمري.

رغم أن القمر كان ملتزمًا بطبيعته، لم يكن ذلك يومًا عاديًّا.

كما اعتاد مؤخرًا، استقرَّ ساكنًا على الكرسي بين السريرين لولا أن أحد تلك الأسرة لم يكن في مكانه.

محيطًا بيدِ راقد السرير المتبقي، أمعن نظره بالشاب ذي العقدين الذي تهاوى جسده بعجز.

التفت الضمادات حول رأسه لتتخلخل بين خصلاته داكنة اللون التي انسابت متبعثرةً على الوسادة. إغماضه لعينيه سمح لتعابيره بالارتخاء مبديةً الجمال الربانيّ الذي حاز عليه هذا الشاب.

بنظراته المواسية علق العم جلال نظراته على مجد الذي أبى أن يستيقظ حتى هذه اللحظة. لكم كان داكنُ البشرة في شوقٍ لانفتاح تلك العينين الكحيلة لعلَّهُ يحظى بفرصةِ الحديث مع ابنه مجددًا.

لعلَّهُ يطمئن قلبه بإبصار ارتفاع وجنتيّ نجله إعلانًا عن ابتسامةٍ وشيكة.

بسبب انشغاله بتوهماته لم يستطع الرجل أن يدرك بأن الستائر باتت تنسدل عن عينيّ راقد السرير ببطئٍ وروية. رغبةً منهُ بالتوقف عن النوم، ترجى من جفنيه الانقباض لكشف بؤبؤيه لعلَّهُ أخيرًا يستيقظ من عالم الأحلام الذي أطال المكوثَ فيه.

مبصرًا من حلَّ مكان الأبِ والعائلة له، طلبَ برفقٍ من حباله الصوتية أن تستيقظَ بدورها لتسمحَ له بالانباس بحرفَينِ أو ثلاثة.

"ع..عم-ي.."

وردًّا على ذلك توسعت حدقتي الرجل الساكن أمامه الذي ما  أدرك أن ما التقطته أذناه كان من العالم الحقيقي حتى كان قد نهض بسرعةٍ على قدميه.

غيرَ مصدقٍ ذلك قال محيطَ يد المعني الخائرة بكلتا قبضتيه: "م-مم..مجد؟! أنتَ مستيقظ!"

ولم ينل من الآخر غير بضع رمشات تعلمهُ أنه لازال يستيقظ.

انخفض العم جلال ليجثو على ركبتيه أرضًا فلم تحمل أقدامه حجم سعادته. قال مستمرًا في اندهاشه: "لقد فتحتَ عينيكَ أخيرًا!"

وفعلًا كانت عيناه الغامقة التي تجرعت شربةً من لون أعماقِ البحار قد فُتِحت بسعة. تنقل ببصره قربه ينتظر إبصار سريرٍ إلى جانبه إلا أنه صُدِمَ لعدم وجودِ شيء.

مشَاعِرُ أخيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن