٤١- طفَحَ كَيلُه!

545 64 85
                                    

الأبوَّةُ ليست لقبًا أو مكانة
بل هِيَ مَهمَّةُ صَونِ الأمانة
-العم جلال

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

في منزله، لكن في جزءٍ لم نزره من قبل، كان الرجل عريضُ المنكبين في قبو منزله.

ذلك الحيِّزُ الواسع الذي اتَّخذهُ مكتبًا له. تعمد فصله عن أرجاء منزله الدافئة في الأعلى ليُبعِدَ جديتهُ في عمله عن التدخل في شؤون منزله.

اصطفَّت المكاتبُ على جداريّ القبو متراصاتٍ دون تضيع أيِّ فراغ. علت تلك الأرفف البنية بعضٌ من الكتب ولكنَّ الأغلبيةَ الساحقة كانت للملفات التي توزعت في كلِّ مكان.

منها النحيل الطويل ومنها السميك العريض، رتِّبت جميعا بترتيبٍ أبجدي بتنظيمٍ لا يُعتاد من صاحب الشعر المكركب.

منزويةً خلف الدرج، سكنت خزنَةٌ واسعةٌ في حجمها ومحكمةٌ في قفلها.

مقابلًا لذلك الدَرج الذي يوصل إلى الأعلى، وأمام الجدار الأبعدِ عن الباب، انتصف مكتبه العريض تلك المساحة. على سطحه وُضِعَ ما تنوَّع من أدواتِ المكتب والقرطاسية، من أقلامِ حبرٍ وأختام إلى لوحةِ اسمه الرسمية التي عُنوِنَت ب(المحامي جلال فقيه).

عاليًّا، معلَّقًا في كبدِ الجِدار خلفه، عُلِّقَ إطارٌ ذهبيٌّ مزخرف، حملَ خلف زجاجه بندقيَّةً طويلة الهيكل، برزت بلمعانها وجلدها الأصلي. إلى جانبها علِّقَ إيطارٌ داكن اللون احتوى على ورقةٍ موقعة تُعلن الترخيصَ الرسمي للمدعوِّ جلال البارودي بالاحتفاظِ بالأسلحةِ النارية واستخدامها تحت البنودِ المنصوصة.

وجودُ الإطارين خلف ظهره عند جلوسه على مكتبه، يذَّكر من دخل بأصل هويةِ فتى الجيل ذاك.

هويةُ صيَّاد البارودي!

قلائل مَن يدخلون إلى هنا، فقلائل مَن يحتاجون. رغم ذلك، رُكِنَت آرائك الجلد المتاقابلة في زاويةِ القبو تشكِّلُ جلسةً بدت للإجتماعات الجادةِ والهامة حيثُ تتَّخذُ قراراتٌ لا رجعةَ فيها.

بين كوماتِ الخشب المصنفر والمشذب، سكن جلال على مكتبه مريحًا ذقنه فوق يديه التي عقدها أمامه على سطح مكتبه.

جادةٌ كانت نظرته، كما لو لم يكن ذلك الهزليَّ المرح.

كلِّ تلكَ الجدية حُفِّزت بسبب الملف الذي فُتح مجاورًا مرفقه. الملف الذي لم يستغني عنه أبدًا.

ملف قضيةِ جبل الصياد.

بعد أن لبثَ في قبوه لمدةٍ ما، قرَّر النهوض حين أدرك حلول عصر اليوم. خرج مِن باب المكتب ليقفله.

مشَاعِرُ أخيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن