٦٠- لِنستَعد

368 32 25
                                    

يا صاحبنا، يكفيك تجهما
غار القمرُ من طلَّتك وتألما
أنتَ عَلَمُ النصر لو سَلَّما
وأنت دهاءُ الرأي لو تعلما
أنتَ صدى البهاءِ لو تكلما
أنتَ حكمة الجبل لو أُلزِما
أنتَ بوح ليلٍ إن تكتما
أنت خيرُ قَدَرٍ لو تحتما
أنتَ سَعدُ حظٍّ لو تبسما
أنتَ رشادُ العُربِ لو تفهما
على جمالك القمر انهزما
-الثلاثي

.
.
.
.
.
.
.
.

مالت جهة الموقد الحجري تتأكد من حرارة الماء في القدر. هي تريده ساخنًا مائلًا للدفئ لا للغليان. بينما تتفقده قالت تحاكي والدها الذي جلس على كرسيه في غرفة الجلوس في بيته الضيِّق والمتواضع: "همم، إذًا قلَّةُ الماء، جفاف الزرع، شدة الطقس، هي الأسباب التي أدَّت لتنازل البارودي عن القمة؟"

"تنازُل...كلمةٌ جيدة، إنها تصف توقف آل البارودي عن المكافحة والصمود، غير أنها تجحف في حقَّ إيضاح حقيقة كونه لم يكن طواعيًّا تماما"

أجابها ووجه يطالع قمة الجبل البعيدة من النافذة المفتوحة. نما الشيب بين خصله حتى غاب لونها الأصلي عن الأعين.

مستديرةً نحوه قالت سائلة: "لم تكن أسباب طبيعية إذًا؟"

"لا...أبدًا...الطبيعةُ كانت نِدَّنا العادل، ونحن من اخترنا تحدياتها، هي لا تظلم...إنهم البشرُ مَن يفعلون. بنو سدًّا، أفسدوا سماد الزراعة، افتعلوا الإنهيارات الجبلية...كلُّ ما أمكنهم بالخفاء حتى يجعلوا العسر حياةً لنا"

تزيح القِدر والماء عن النار تابعت مها: "ذلكَ ما أخبرتَ بهِ مجد إذًا، ليدرك أنَّ نزول البارودي عن القمة ونزوح فقيه كانا مفتعلَين ومدروسَين مِن قِبَلِ طرفٍ ثالث"

"بلى يا ابنة أبيكِ"

تُحضِر إناء ماء فخَّاري لتضعه قربَ أقدام أبيها قالت تسكبُ الماء فيه: "ستثار ثائرةُ جلال حين يدرك"

"كان سيدركُ على أيِّ حال، لمَّحتُ له كثيرًا غير أنني لم أعترف بالحقيقةِ كاملة، ففيها ما يخدش كرامتي بالطبع"

"والدي، بذلتَ ما استطعتَ حينها"

"لم أبذل روحي"

باسمةً قالت تقرِّبُ إناء الماء الساخن حتى أقدام والدها: "إن كنتَ فعلتَ حينها ما كنتُ لأكون في هذه الدنيا. تفضَّل والدي"

طالعها والدها للحظات قبل أن يقول غامرًا قدميه بالماء: "ستجعلينني أتراجع عن أمر زواجكِ يا فتاة"

ابتسمت له ولقوله قبل أن تنهض لتحضر له كوب شراب الأعشاب الذي حضَّرتهُ له.

مشَاعِرُ أخيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن