٢- حياتي ليسَت كما يظُنُّها

2.1K 120 63
                                    

شيءٌ في نظرة عينيه وهيبة حضوره كان خانقا، وشيء في وتيرة سيره أبدى أنه لا يكترث لذلك تماما، إنه ذلك الفتى (مهاب) الذي نال من اسمه نصيبا وفيرا.

لم يخطو خطوةً واحدة حتى تجمَّع ستةُ فتيانٍ حوله، مشكلينَ سهمًا منطلقًا يثيرُ الريبة. إنها تلك (العصابة) كما يسميها بقيةُ الطلبة.

فورَ وصولهِ إلى كرسيهِ أشارَ بيده باكتفاء ليفهمَ الستةُ الإشارة وينفضُّوا عنهُ فورًا. تدريجيًّا أعتقَتهُ تلك النظرات ليختلطَ مع الجميع وكأنَّ شيئًا لم يكن.

"صباح الخير، رغمَّ أن هذهِ هيَّ العادة، أليس ستةُ فتيانٍ أمرًا مبالغًا فيه؟" سأل صاحبهُ الساكنُ على الكرسيِّ خلفه. إنهُ الشخصُ الوحيدُ الذي يأنسُ بهِ قلبُ مهاب، لكنَّ ذلك الأخير لا يظهر ذلكَ أبدًا.

ذلك كان واضحا حين أجاب: "سببُ توافقنا هو أنكَ لا تهتم لكلِّ هذا، إن لم تخوني الذاكرة" قالها حتى دونَ الالتفاتِ لصاحبهِ عابثًا في حقيبته.

أسندَ صاحبه جسدهُ على كرسيه واضعًا كِلتا يديه تحت رأسه على رقبته مشبكًا أصابعه ليجيبَ ببرودةٍ بدوره: "فعلا، أنا لا أهتم"

وقبلَ أن يدورَ بينهما حديثٌ آخر، دخلَ الأستاذُ بعد رنينِ الجرس الذي يكرهُ كلُّ الطلابِ نغمته والتي تبدو كطَرقِ مطرقةِ المحكمة معلنةً حُكم الإعدامِ عليهم لتبدأَ حصتهم المملة التي لم تختلف عن غيرها إلا بشيءٍ واحدٍ لاحظهُ الجميع. لاحظَ الجميعُ ذلك الأستاذَ الذي لم يكن أستاذهم المعتاد.

كان أستاذًا بديلًا لكن الفتى مهاب لم يكترث كثيرًا، فالدرسُ سيبقى مملًا في نظهرهِ مهمَا تغير المعلم.

لكن في تلك اللحظةِ خصيصًا كان عليه أن يكترث. إن لم يدرِك بنفسه، فستجعلهُ الحياةُ يُدرك بطريقتها الخاصة، المعروفةِ بقسوتها.

.
.
.
.
.
.

في المدرسةِ ذاتها وفي مكانينِ مختلفينِ لم يفصِلهما إلا صبَّةَ اسمنتِ الجدران علا صوتٌ رنان بكلٍِ حيوية: "صباحُ الخير!" أدلى بها ذلك الفتى المبتسم.

ابتسامتهُ تلك أعدَت جميعَ من كان في صفه ليرد الجميعُ عليه التحيةَ بكلِّ صدارةِ رَحِب. انتقلت تلكَ الابتساماتُ للجميع تمامًا كما العدوى، بل لهذا الفتى نور يسمى فيروسَ السعادة.

لم يَكد الفتى المبتهجُ ليصلَ حيثُ مقعدِه حتى اختفت تلكَ الابتساماتُ من على تلك الأسارير، لتتبدَّلَ بنظراتِ الخوف، كيفَ لا وقد دخلَ الفتى عاصم من البابِ ذاته. خطا فتيانِ من العمر ذاته، نشرَ أولهما السعادة ليمحِيها مَن بعده.

مشَاعِرُ أخيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن