٥٥- اسمَع

483 42 36
                                    

بخلوِّكَ من حياتي بتُّ أرتابُ
بمجرد غيابكَ زادت الأتعابُ
البؤس عصفَ بي والمواجع تغتابُ
طاب للألم زيارتي كأننا أحبابُ
قصد الحزن الدربَ فغُلِّقت الأبوابُ
تكالب الدمع كَأَنْ بُذِلَ له الرحابُ
تنامى الهمُّ وكأنه بذلك سيُثابُ
حُبس فيَّ العجزُ كأنني سردابُ
تحداني الخوف كأنِّي منه سأهابُ
ضعتُ ولم أعد أدرك أين المآبُ
عذرتُكَ، ولكنَّ ذاتي بقيت تعاتبُ
فالابن تائهٌ ما لم يرشدهُ الأبُ
-مجد

.
.
.
.
.
.
.

كانت صدمة عظيمة...استقبلها البعض بالنكاران والجهل وصنَّفها البعض بالخيانةِ والغدر.

لطالما استمر براء بالنجاة. لطالما هرب من ما ألمَّ به...فَعَل ذلك عدة مرات حتى بات تصديق حقيقة فقدانه عسيرا.

إنه كما لو شعلةٌ أضرمت في داخل الروح، اشتدت وعلا حسيسها حتى بات عدم سماعها أو إبصار توهجها مستحيلا، وفجأة جاء نبأ إنطفائها وقد رُدِمت وطمرت دون أملٍ لعودةِ إضرامها.

مستحيل...

إنه التطلُّع الأعمى الذي يُفقِدُ الأعين إبصارها ويفقد الروح بصيرتها.

لقد وقع خبر فقدان الطائر الأزرق أيما وقع. لقد سبب تهشُّمَ قلوبٍ قد ضَمِنَت دون حق...مستقبلًا أشدَّ بريقًا بوجوده.

لا شيء مضمونُ البقاء، والظنُّ خلاف ذلك ينحت جروحًا في الذات الجوفاء.

نورُ التزم فراشه، يستذكر طيف أبيه الذي جاوره وطبطب على صدره حتى اطمأن ونام...يفكر في ما إن كانت تلك الذكرى تضفي دفئًا محببا أم أنها تلسع وتلدغ وتحرق...

قبل كلِّ شيء...هو لم يكن يعلم من هو والده، لم يعلم كيف يبدو، لم يعلم ما هي نبرة صوته، لم يعلم أيُّ الكلمات يستخدم...لكنه الآن بات يعرفه.

بات يعرف كيف تبتسم شفتاه فتتبعها عيناه الكحيلتان، بات يعرف متى يصمت والده ليأخذ أنفاسه بين الكلمات، بات يعرف كيف يسير والده وكيف يتمهل ليجاري خطواته، بات يعرف كيف يضفي والده هالةً محببة له مخيفةً لغيره، يعرف كيف لحضوره أن ينزع كلَّ خوفٍ وجزعٍ ورجف فيستبدلهم بمشاعر أخرى من أمانٍ ووئامٍ وعطف...

بات يعرف معنى وجوده حتى صار طعم غيابه مرًّا، فمرُّ الفراق تضاعف بعد أن زاوله ذاك...ألم الشوق...

لو أنهُ بقي على جهله ولم يره، لو أنهُ تجاهل وجوده في المهرجان يومها، لو أنه قيَّد فضوله وابتلعه، هل كان والده سياغدر بهدوءٍ بعد أن اطمأنَّ عليه؟ هل كان سيستمر هو على صبره على جهله بوالده؟

مشَاعِرُ أخيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن