مرارة لا نهاية لها.

462 104 30
                                    


2011

"ويييينهم!! "

الأسبوع الماضي قامت قوات الاحتلال باعتقال إبن عمي؛ لقيامه بطعن جندي اسرائيلي بالقرب من المسجد الأقصى.

عندما سمعت بالخبر كنت فخورا به، لكن في الوقت نفسه كنت خائفا عليه من ظلمهم وإستبدادهم.
كما تعلمون عدد هؤلاء الذين يقومون بأمر مشابه ويفلتون من أيدي الاحتلال قليل؛ لهذا السبب لم أتفاجأ عندما عثروا عليه وإعتقلوه.

بعد بضعة ايام رشوت احد الحراس ليسمح لي بزيارته.
لكن يا ليتني لم أفعل؛ لأنني عندما رايته تحطم قلبي مما رأيت!
بالكاد إستطعت التعرف على ملامحه؛ وجهُ كان مغطى بالكدمات والدم، وجسده كان مهترئ من التعذيب.
زنزانته كانت عبارة عن غرفة صغيرة، كل ما كان فيها هو مرحاض في جانب الغرفة وسرير معدني بلا اغطية!

لا أدري كم وقفت هناك أتأمله، لم أتحدث معه بأي كلمة وهو لم يبدو عليه انه قد رآني او لاحظ وجودي!
كان حيا يتنفس لكن بدا لي جثة هامدة بلا روح، كانت عيناه منتفخة من الضرب، ولم ادري إن كان مستيقظا ام لا، صوته نفسه كان عزائي الوحيد والدليل اليتيم على أنه لا يزال حيا.
خرجت مسرعا من السجن ودموعي تحجب رؤيتي، وكأن جبلا جليديا كان يثقل قلبي، لم أستطع تحمل رؤيته هكذا وأقف مكتوف الأيدي...كلا، سيدفعون الثمن.

لذلك فعلت ما فعلت.. صنعت قنبلة يدوية بسيطة باستخدام المعدات الموجودة في الصيدليات ورميتها على ثلاثةِ جنود كانوا واقفين عند حاجز تفتيش.

لا أدري اذا كانوا قد أصيبوا بجروحٍ بالغة او ماتوا. كل ما اعرفه أنها أصابت ثلاثتهم.
بعدما ألقيت القنبلة هربت بسرعة الى منزل صديقي لانه كان قريبا.
طرقت الباب بقوة وبسرعة، عندما فتح صديقي الباب دفعته للداخل واغلقت الباب ورائي.
" شو يا رجل؟ خير شو صاير؟."
سألني صديقي وهو يراقب حركاتي المتوترة.
أجبته وانا احاول ان ألتقط أنفاسي :
"ما رح تصدق شو عملت.."
بعدما شرحت له ما حصل وما فعلت نظر لي و الرعب يملأ عينيه وقال :
"طب ومرتك و ولادك يا رجل، فكرت شو رح يعملوا فيهم لو عرفوا انه انت، طب أمنت عليهم وراك؟ "

زوجتي واولادي؟
يا إلهي كيف نسيت أمرهم! الاحتلال لن يرحمهوهم اذا عرفوا أنني الفاعل!
خرجت مسرعاً من بيت صديقي وركضت لبيتي وانا ادعوا الله أن اجدهم بخير وأمان.

شعرت وكأنني ركضت لسنين قبل أن اصل لمنزلي ويا ليتني لم أصل..
من بعيد رأيت دخاناً متصاعداً من الحي الذي نعيش فيه، كأن قلبي قد انتزع من مكانه، عندما اقتربت و رأيت منزلي يشتعل واهل الحي مجتمعون حوله، منهم من كان يحاول اخماد النار ومنهم من كان يبكي ويصرخ ويتخبط بالأشخاص حوله...شققت طريقي من بينهم و وقفت على بعد أمتار قليلة من النار حتى شعرت بأن جلدي سيذوب عن جسدي.
نظرت حولي ولم أجد أحدا اعرفه سوى الجيران، اقاربي لم يصلوا بعد على ما اظن واولادي وزوجتي لم يكن لهم أي أثر!!
انهارت قدماي وركعت أمام المنزل، كان العرقق يتصبب مني، والدموع ودخان الحريق يحجبون رؤيتي، كان عقلي مشتتاً وقلبي طغى عليه وحجب عنه التفكير كما حجبت الغيوم الشمس في ذلك اليوم لم أعد اتحمل، اختنقت من الدموع والدخان وصرخت بأعلى صوت :
"ويييينهم"

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن