وفي فجر يوم 31 تموز/ يوليو 2015، تسللت عصابة من المستوطنين إلى قرية دوما سالكة طريق الجبل المجاور للقرية والمحاذي لإحدى المستوطنات التي أقيمت على أراضي فلسطينية خاصة، ليضرموا النار بمنزل عائلة دوابشة، ما أسفر عن استشهاد الرضيع علي على الفور، واستشهاد والده سعد متأثرا بجراحه بعد نحو أسبوع، والأم ريهام دوابشة التي عانت من إصابة بالغة الخطورة، فيما أصيب أحمد بحروق خطيرة مكث على إثرها في المستشفى مدة طويلة.
تجاوزًا لأدنى القيم الإنسانية، اقتحم المجرمون القرية وبحوزتهم زجاجات حارقة تحتوي على مادة شديدة الاشتعال، بنية الحرق حتى الموت انتقاما. طرقوا نوافذ المنازل ليفحصوا ما إذا كانت مأهولة بالسكان للتأكد من إتمام الجريمة، وكانت عائلة سعد دوابشة هي ضحية الانتقام الإرهابي.
لم تكن الجريمة وليدة لحظة، كانت مع سبق الإصرار والترصد، ظهرت نية الجناة جلية من قبل أفراد عصابات ما يسمى بـ"تدفيع الثمن" التي تقوم على فكر متطرف دموي تجاه العرب والفلسطينيين.
تفاصيل الجريمة
كسر المستوطنون نوافذ المنزل بداية، ومن ثم ألقوا بداخله زجاجات حارقة سريعة الاشتعال وشديدة القوة، كان في المنزل سعد دوابشة وزوجته رهام، وابنيهما الطفل أحمد (5 سنوات)، والرضيع علي.
حين اشتعلت النيران داخل المنزل، حاول أفراد العائلة الهروب خارجًا من ألسنة اللهب التي سرعان ما انتشرت لتغطي شتى أنحاء المنزل، لينتظرهم بعض أفراد العصابة، وينهالوا عليهم بالضرب المبرح ويشعلوا بهم النيران داخل وخارج المنزل حتى الموت.
لم يسعف استنجاد العائلة، ولا صرخات الرضيع علي، ولا آهات الطفل أحمد، ولا قلب أم يحترق، ونظرات أب ليس باستطاعته أن ينقذ نفسه وعائلته، فاقد الحيلة ومن ثم الحياة، استمر المجرمون في وحشيتهم، وكانت الفاجعة كارثية، عائلة دوابشة تحرق حتى الموت.
وبعد الجريمة التي تحولت إلى قضية رأي عام محلي وتصدرت عناوين الصحف العالمية، رافقتها انتقادات لأجهزة الأمن الإسرائيلية على عدم منعها الجريمة، استطاعت جهاز الأمن الإسرائيلي العام (شاباك)، اعتقال المجموعة المنفذة، وتقديم لوائح اتهام ضد ثلاثة، ليبقى في نهاية المطاف متهم واحد في السجن، ولم تصدر المحكمة حكمها بحقه حتى الآن.
لم تثق عائلة دوابشة بالمسار القضائي الإسرائيلي، وعبرت في أكثر من مناسبة عن رفضها لكل المحاكمات التي جرت حتى الآن، واصفين إياها بـ"المسرحية".
وفي حديث لـ"عرب 48"، قال نصر دوابشة إنه "في لحظة أصبح أحمد من دون أب ولا أخ ولا أم، وهو يعلم الآن أن عائلته قد قتلت بجريمة نكراء، ويسأل دائما عن الجريمة وعن والديه، ويتمنى أن يلحق والديه ليلتقي بهم، لكننا نقدس الحياة كما نؤمن بأن الموت محتوم، ويجب أن تسود ثقافة الحياة لأننا نؤمن بالصمود".
وأضاف أنه "لم أتوقع من القضاء الإسرائيلي محاكمة عادلة، نحن لا زلنا ننظر إلى هذه المحاكمات على أنها هزيلة ومسرحية ليست إلا، هذا القضاء جزء لا يتجزأ من الاحتلال، والاحتلال لا يمكنه أن يكون عادلا يوما ما.
وتابع أن "هذه العصابات الإجرامية من المستوطنين يتلقون دعمهم أصلا من الجيش وأجهزة المخابرات الإسرائيلية، وثبت أن المخابرات استطاعت أن تمنع الجريمة لكنها كانت متواطئة مع الجناة، إن لم تكن متورطة في الجريمة، حيث أن المادة المشتعلة التي عثر عليها ليست مادة عادية متوفرة في المتاجر، إنما تستعمل في الصناعات العسكرية".
وأوضح دوابشة أن "المستوطنين جاءوا مع نية القتل، إحلال فاجعة في قرية دوما، في البداية احرقوا منزل السيد مأمون دوابشة ولما علموا أن المنزل غير مأهول بالسكان، انتقلوا إلى بيت المرحوم سعد، ونجح المجرمون في تنفيذ ما بيتوه من إرهاب".
وعن الناجي الوحيد من المحرقة الفظيعة، الطفل أحمد قال، إنه "دائما ما يتساءل أحمد لماذا اختارونا نحن من بين العائلات، أسئلة بريئة، لماذا أبي لم يتفوق عليهم رغم أنه كان قويا؟ ولماذا قتلوهم؟ كل هذه الأسئلة نحاول إيجاد أجوبة ملائمة لها".
وأضاف أن "أحمد ليس كأي طفل، وجرحه مختلف تماما، لأنه كلما كبر زاد الألم والجرح في داخله. حتى الآن أحمد لا يعي حجم الكارثة والجريمة التي ارتكبت بحق العائلة"
*******************************
مصدر هذا الجزء موقع عرب 48
أنت تقرأ
مذكرات فلسطين
Non-Fictionاستمعوا لفلسطين وهي تروي حكاياتها، حكايات الأسرى والشهداء والمعتقلين والمقاومين، حكايات الجهاد والبطولة. حكايات الخيانة والظلم والكبت والقهر. اغلب هذه الحكايات حقيقية ارجوا ان تستمتعوا بها وتشاركوها لنشر الوعي عن القضية الفلسطينية. هذه داري" "الله...