1958
"وهيك منكون خلصنا درس اليوم يا ولاد ،اشوفكم بكرا بأمان الله "
قلت لتلاميذي بعد أن أنهيت معهم درس اليوم، خرجوا جميعا من الصف وجلست انا وحيداً في كرسيّ المتحرك.
لقد كان لتلك الحادثة صدىً وأثر كبير على نفسي غيرني كثيراً..
فقبل الحادثة كنت فتىً كثير المزاح وبعدها تحولت إلى شخص لا يعرف إلا الجد، وصِرتُ أداومُ على الذهاب للمسجد في كل الصلوات بعدما كنتُ اذهب كلما سنحت الفرصة فقط.و أعطاني الحادث بفضل الله الاجتهاد الأساسي، فصار دافعاً قوياً لي للدراسة.
تخرجتُ من مدرسةِ فلسطين الثانوية عام 1958.
كنت اتطلع للعمل كمدرس مثل باقي زملائي ممن حصلوا على شهادة الثانوية، لكن حظي لو يواتني للعمل في مدارس اللاجئين التابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (UNRWA)
لسببٍ أو لآخر.لذلك لم يبقَ لي سوى مدارس الحكومة، وتقدمتُ بطلبٍ من لمدير التعليم، وَ عُرِض على اللجنة المشكلة لذلك.
رأت اللجنة شاباً متفوقاً، لبقاً وذكياً ،قادر على العطاء، ولكنه( أعرج)!.
أرادت اللجنة ان تبرهن نزاهتها (حيث كان الناس يشكون في تلك النزاهة، فمن كان يريد أن ينجح في تلك المقابلة عليه أن يمر على سماسرتها بمبلغ معروف وتسعيرة محددة!).فأدرج اسمي في الكشف المرفوع الى الحاكم الإداري العام ليبدي الرأي فيه.... وكتب أمام اسمي قدراته ممتازة، ودرجاته مرتفعة، لكنه أعرج!.
واذا أراد الله أمراً هيئا له الأسباب، فقد تركت هذه العبارة في نفس الحاكم الإداري العام أثراً لا يمحى.
إذ كان ولده الصغير الحبيب قد وُلِد أعرج!.
فصاح معلقاً بلهجته المصرية :
"وايه يعني أعرج!.. يعني ميشتغلش يموت من الجوع؟"
وأشّر بقلمه الأحمر أمام اسمي (يعيّن)، ثم أمر بتعيين الباقين الذين رشحتهم اللجنة.والجدير بالذكر انه عندما كنت في طريقي لمقابلة اللجنة، كنت أغوصُ برجلي بالرمل فأسقط حيناً على الأرض، ويساعدني أحد المارة حيناً آخر في الطريق الصلبة حيث تتناثر ذرات الرمل من تحت قدميٌ يميناً وشمالاً.
فقال لي :
"إلى أين اخي احمد؟ "
اجابته انني ذاهب إلى مقابلة اللجنة فقد دعتني لمقابلتها.
قال صديقي رفقاً بي ولتوفير المشوار عليّ:
"وهل تتصور ان اللجنة ستوافق عليك؟
وانت تعرف سمعتها والناس كلهم يتحدثون عن باب الدخول إليها.... يا اخي الكريم أرى أن توفر على نفسك شقاء الرحلة وتعود من حيث أتيت.."فابتسمت وانا أقف واترنح يميناً وشمالاً على أصابع قدميّ وقلت :
وهل تتصور يا اخي انني ذاهب للجنة لاستعطفها؟!
لا والله، فأنا مسلم وأثق أن الله اذا اراد لي التعيين فلن يتمكن بشرٌ من قطع رزقي... ألم تقرأ قوله تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].وهل فاتك حديث الرسول عليه افضل الصلاة والسلام لابن عباس (واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم انه الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
والله أنني واثق ان الله تعالى لن يخيبني... فأنا متوكل على الله وماضٍ في سبيله..وبفضل الله كما سلف تسلمتُ عمل مدرس اللغة العربية والدين براتب عشرة جنيهات مصرية كل شهر، في مدرسة الرمال الابتدائية.
وقد نجحتُ باستقطاب احترام جميع العاملين بالمدرسة حتى المشاغبين منهم فضلاً عن احترام جميع العاملين بالمدرسة و اولياء الامور.*******************************
جميع المعلومات التي ذكرتها في قصة احمد ياسين حتى الان مصدرها كتاب احمد ياسين الظاهرة والمعجزة واسطورة التحدي بقلم احمد بن يوسف.
أنت تقرأ
مذكرات فلسطين
Não Ficçãoاستمعوا لفلسطين وهي تروي حكاياتها، حكايات الأسرى والشهداء والمعتقلين والمقاومين، حكايات الجهاد والبطولة. حكايات الخيانة والظلم والكبت والقهر. اغلب هذه الحكايات حقيقية ارجوا ان تستمتعوا بها وتشاركوها لنشر الوعي عن القضية الفلسطينية. هذه داري" "الله...