نبضات القلب

152 42 14
                                    

2016

اخيرا بعد عمليةٍ دامت لأكثر من 12 ساعة إستطعنا إنقاذ المريضة.
عندما احضروها بسيارة الإسعاف كانت فاقدة الوعي، فقد أصيبت برصاصة في كتفها من الاحتلال لأنها كانت تشارك في اعتصامات جمعة العودة.
خلعت كمامة العمليات والقفازات و وضعتها في سلة المهملات، ذهبت لمكتبي لأغير ملابسي وأعود للمنزل، لقد كنت مرهقاً بشدة، لدرجة انني بالكاد استطعت تبديل ملابسي لاذهب للمنزل!

أخرجت هاتفي من جيب قميصي وانا خارج من الباب الرئيسي للمشفى لأتصل بوالدتي ؛ فقد كانت تتصل بي أثناء العملية ولم استطع الاجابة عليها.

قبل أن انقر زر الاتصال وصلت سيارةُ إسعاف للمستشفى، وخرج منها المسعفون وهم يحملون رجل مغطى بالدماء ويبدوا انه مصاب في صدره.

لا إرادياً وجدت نفسي أعود ادراجي إلى داخل المشفى وأذهب لغرفة الطوارئ لأساعد في إنقاذ هذا المصاب.
ارتديت القفازات والكمامة وبدأت مهمتي بإنقاذ المريض، بعد ساعتين تقريباً سيطرنا على الوضع واخرجنا الرصاصة من صدره، بعد أن انتظمت ضربات قلب المريض، خرجت من غرفة العمليات لإلتقاط انفاسي.

عندما خرجت رآني والدا المريض، تقدم والد المريض نحوي وقال :
"خير يا دكتور طمنا كيف صار ابني شو وضعه؟"

نظرت إليه بعد أن التقطت انفاسي وقلت :
"الحمد لله ضربات قلبه انتظمت و وضعه مستقر، صدقني احنا منبذل كل جهدنا وطاقتنا وان شاء الله ما منقصر معه و..."

قاطعني الاب وقال :
"هاد الولد الوحيد الي ضايللنا انا وأمه، كل إخوانه الي قبله استشهدوا وهما يقاوموا الاحتلال، بترجاك اذا صرله اشي لا سمح الله إمه قلبها ما بتحمل حسرة جديدة "

بعدها جاءت إحدى الممرضات لتخبرني ان ضربات قلب تغير وضعها، فذهبت معها اتضح ان المريض بحاجة لمزيد من الدم، اخر كيس دم من زمرة دمه كنا قد وضعناه له لكنه خسر الكثير من الدم وكيس واحد لم يكن كافياً، طلبا من الممرضة ان تبحث في كل المستشفى وان تأتيني بواحد من تحت الارض لو لزم الأمر!

ذهبت بسرعة وعادت بعد دقائق لانها لم تجد اي كيس بنفس زمرة الدم، كان الوضع حرجاً استغفرت ربي ورفعت رأسي واغمضت عيناي لأستطيع التفكير ملياً، فجأة تذكرت ان زمرة دم المريض هي نفس زمرة دمي!
فطلبت من الممرضة ان تسحب الدم مني بسرعة!....

لا أدري كم من الوقت مرّ ونحن في غرفة العمليات تلك، في النهاية خرجت من الغرفة للمرة الأخيرة ورأسي في الأرض، لقد خسرنا المريض لانه كان قد خسر الكثير من الدم قبل أن يحضروه وقلبه تعطل وحتى بعد كل ما فعلناه كان الأوان قد فات.....

شعرت برأسي ينفجر من الصداع والتوتر، رفعت رأسي لأجد والد المريض يقف أمامي، أكره هذا الجزء من مهنة الطبيب، حين أضطر ان أخبر اهل المريض انني لم أستطع إنقاذ ابنهم.

قبل أن اتفوه باي كلمة وضع الرجل يده على كتفي وقال :
"معلش عالاقل هسى هو مع اخوانه الشهداء في الجنة، الله يهنيهم كلهم ويلحقنا فيهم"

من بين كل الأحداث التي شهدتها في وظيفتي كطبيب لم أرى بحياتي ردة فعلٍ عجيبة كردةِ فعله!
رايت اشخاصاً يصرخون ويبكون ويضربون الطبيب بل ويحاولون قتل أنفسهم لكن حتى الآن لم أرى رجلاً يتقبل النتيجة بسرعة مثله!

كان يترجاني لإنقاذه والان عندما فشلت يخبرني انه شهيد مع إخوته!
بالتأكيد هو شهيد اللهم ارحمه واغفر له واجعل قبره روضة من رياض الجنة..

انهارت اعصابي من أحداث اليوم والإرهاق وبكيت بشدة فقام الرجل باحتضاني ومواساتي.
يا لغرابة الموقف انا الطبيب ابكي وهو والد الشهيد يواسيني!
يا رب ناولني مثل صبر هذا الرجل او ربعه يا رب..

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن