طفولة وراء القضبان

107 28 2
                                    

2015

إسمي هو أحمد مناصرة ،تم إعتقالي عندما كنت في الثالثة عشر من عمري، مثل باقي أبناء شعبي عانيت من الاحتلال، لكن معاناتي جاءت متزامنة مع طفولتي وبلغت أقصى درجات التأزم في وقتٍ كنت أخاف فيه من النوم في الظلام حبسوني في زنزانة مظلمة بعيداً عن حضن أمي وأبي.

اعيش مع اسرتي في القدس المحتلة ،كبرتُ لأرى القتل والظلم والتعذيب في كل مكان. نقف بالساعات على حواجز التفتيش تحت شمس الصيف الحارة، وبرد الشتاء القارص لنصل لمدارسنا وجامعاتنا او أماكن العمل.
شرطة وأجهزة أمنية على أبواب المساجد، تفتيش مستمر واقتحامات للجامعات والبيوت.
صارت الحياة خانقة ولا تحتمل على كل باب جندي وفي كل زاويةٍ جدار وحاجز تفتيش!.

اذا كنت تعيش في القدس تحت الاحتلال فمن غير المسموح لك التنفس او الكلام أو الحركة او ان تحلم دون أن تجازف بحياتك!!.

قصتي بدأت في 12/اكتوبر /2015

هاجمني الجنود انا وصديقي وابن عمي بتهمة محاولة طعن شرطي اسرائيلي.
دهسونا بآلياتهم ،ضربونا ضرباً مبرحاً ،بعدها أطلقوا علينا النار وتركنا ننزف وسط الشارع وضح النار والجميع يصور، شتمونا ونعتونا بألفاظ قذرة كقذارة نفوسهم.
كل ذلك تم لمجرد انهم شكوا بمحاولة طعن!.
دون إجراءات آلاعتقال والمحاكمة المعتادة، وضد طفلين لا يتجاوزان الثالثة او الرابعة عشر من العمر!.

لم ينجوا ابن عمي من الحادثة واستشهد قبل وصول الإسعاف، بينما فقدتُ وعيّ بعد أن قاموا بدهسي وإطلاق النار عليّ.

آخر ما أذكره قبل أن استيقظ بالمشفى هو صوت الجنود الانذال وهم يصرخون ويشتمونني أقبح الشتائم والالفاظ التي لا تليق الا بال** أمثالهم..

قالوا متُ أيها الفلسطيني...لا أحد يهتم ولا احد يسمع صراخك... انت حشرة نقوم بدهسها بالشارع ونمر من فوقها... مُت فأنت لا تساوي شيئا والعالم لن يذكرك.

في نوفمبر 2016 حُكِم عليّ بإثنا عشرة سنة في السجن؛ لمحاولة طعن مستوطن اسرائيلي.
مع غرامتين ماليتين، مئة الف دولار و ثمانين ألف دولار!!.
القاضي لم يهتم لعمري وقال انه "لا يعطيني مناعة ضد القانون!"
وبهذه البساطة أرسلوني للسجن وحكموا علي ان اقضي فترة طفولتي وراء القضبان بعيداً عن عائلتي وبعيداِ عن حضن والدتي ،انتزعوني منها كما تُنتزع الزهرة من الشجرة.

أمضيتُ ليالٍ طويلة في السجن المظلم البارد، عانيت من الكوابيس المرعبة، لكنها لم تكن مثل وحشية الاحتلال.

أخبرتهم انني لا أتذكر لكنني اتذكر جيداً..... أتذكر كيف حققوا معي بقسوة بعد أن خرجت من المستشفى وقبل ان اتعافى كلياً..كل ذلك الصراخ والشتائم والضرب... كيف أنسى؟!
أخبرتهم انني لا أذكر لما كنت هناك.. ولم اتذكر طعن أي أحد.. لكنني بالتأكيد سأتذكر كل هذا.
عندما اخرج سأتذكر كل هذا جيداً وسأرد لهم الضربة مليون.. مقابل الرصاصة التي دخلت جسدي سأمطرهم بألاف الرصاصات.
كبرتُ في السجن بطريقة مؤلمة، دربت جسدي على قوة الاحتمال ورفعتُ الأثقال.
تعودت على البرد والظلام، تأقلمتُ مع الجوع والحزن، تحولتُ لرجل بسرعة ونضجتُ بطريقة مؤلمة ،في نظركِ يا أمي قد أكون طفلك الصغير نفسه.
لكن طفلك مات!!.. مات عندما أطلقوا عليه النار ودهسوه وتركوه ينزف في الشارع.. انا الرجل الذي استيقظ في المستشفى.. الرجل الذي اعتاد صراخ وشتائم الجنود.. الذي لم يعد يخشى لا ألم ولا رصاص ولا عذاب.. عذابي الوحيد هو رؤيتهم يستمرون.
أعدك يا أمي انني عندما اخرج سأجعلهم يندمون.

*******************************

يوجد فيديو للتحقيق مع احمد مناصرة عاليوتيوب يوضح مدى وحشية محققيهم واظن ان بعضكم رأى المقطع وهو ملقى بالشارع والجنود يشتمونه.

عزائي الوحيد انه سيخرج وانا متأكدة انه سيكون مثل الأسد الخارج من القفص سيخرج وسيندمون.

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن