إنتفاضة (احمد ياسين)

141 32 3
                                    


1852.

دخل الطبيب المكتب وفي عينية نظرةُ إضطراب، بالعادة يكون وجهُ مشرقاً بإبتسامةٍ كالشمس ،لكن هذه المرة كانت مختفية وراء ضباب الهمِّ والاضطراب.

نظر إلي بعد أن جلسَ على مكتبه وقال :
" للأسف يا إبني، عملنا كل الي منقدر عليه عشان نمنع حدوث الأسوء، بس الأسوء صار،
بإختصار تداخلت بعض فقرات العنق. وانحرفت عن وضعها الطبيعي، وضغطت بالتالي على الحبل الشوكي مما يسبب الشلل للجسم كله..."

"للأسف يا إبني لما وقعت على راسك اختل الحبل الشوكي ولو انه نقلوك للمستشفى من الاول كان قدرنا نحل الموضوع قبل ما يتطور لكن للاسف فات الأوان. "

بعد أن سمعت كلام طبيب شعرتُ بمغصةٍ في معدتي وحرقةٍ في قلبي.

كنت ابلغُ ثلاث سنواتٍ فقط عندما توفي والدي، انا الثالث من اخوتي الاربع، كنا نعيش في قريتنا الجورة قبل أن ننتقل الى مخيم الشاطئ في غزة بعد النكبة عام 1948.

كنت أمارس بعض النشاطات الرياضية مع الشباب على الشاطئ، كنا نمارس بعض الأنشطة الرياضية مثل ان نقفز من فوق الصخور العالية الى رمال البحر الجميلة، أو أن يصعد شاب فوق كتف الاخر ويمسك كل منهما بيدي الثاني ويقفز الأعلى في البحر، أو أن يأخذ عدد من الشباب على الشاطئ وضعاً رياضياً على هيئة الركوع ويصطف الآخرون ليقفزوا من فوق ظهور إخوانهم، أو أن يقف احدهم على رأسه مرتكزاً على يديه ورافعاً جسده ورجليه في الهواء.

وللأسف وانا أمارس إحدى هذه النشاطات سقطت على راسي وكسرت رقبتي، وكما قال الطبيب يبدوا انني اصبت بالشلل.

ما هذه الحال يا ربي!.
عمري 16 عشر عاماً يتيم واعيش في غزة والآن مشلول!.

عندما كنا صغارا كنا نعاني من نقص الغذاء والجوع، كنا نذهب انا وأخوتي لمعسكرات الجيش المصري طلباً لبواقي الطعام منهم، بعدها صرتُ اعمل في مطاعم الفلافل في غزة.
يا رب كيف سأعمل الان؟.. لا بد من وجود طريقة..

"يا ربِ ليش هيك؟.. انا الحق عليّ ما كان لازم رحت ألعب معاهم، لو اني ضليت بالبيت او رحت اشتغل كان.."
قاطعني الطبيب وقال :
"لا تحكي هيك يا إبني، هاي إرادة ربنا ،والي كاتبه الله راح يصير، واعرف انه حتى لو انك ضليت بالبيت كنت برضوا راح توقع وتنصاب بالشلل، قدر ربنا مافي هرب منه، عشان هيك لازم تصبر وتحتسب أجرك عند ربنا، ولعله خير يا إبني "

صحيح كلام الطبيب صحيح، سأصبر واحتسب اجري عند الله، لعله خير......

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن