20 سنة

169 44 16
                                    


اهلا بكم في غزة.

غزة مدينة ساحلية فلسطينية ، تقع في الطرف الجنوبي للساحل الشرقي من البحر المتوسط .
تبعد عن مدينة القدس مسافة 78 كم إلى الجنوب الغربي ،  وأكبر مدن الفلسطينية من حيث تعداد السكان، حيث بلغ عدد سكان محافظة غزة 700 ألف نسمة في عام 2013، ما يجعلها أكبر تجمع للفلسطينيين في فلسطين.
تبلغ مساحتها 56 كم2 ، مما يجعلها من أكثر المدن كثافة بالسكان في العالم.


بإمكاني وصف غزة بأنها صغيرة لكن فعالة، مدينة صغيرة وحدها قهرت الاحتلال، وسببت له الرعب والكوابيس.
وأحد البلاد العربية القريبة على غزة هي مصر.
الأشقاء المصريين ساعدوا اهل غزة عن طريق معبر رفح عند القدرة وعن طريق الانفاق عندما يلزم الأمر.
كانوا يوفرون لهم المستلزمات الطبية والمواد الغذائية وأحيانا يهربون المطاردين منهم.

على كل حال  دعونا نبدأ بقصتي :

أمي من مصر وأبي فلسطيني، إلتقى أبي بأمي عندما كان يدرس تخصص الدراسات الإسلامية في الأزهر بمصر.
تزوج بأمي أثناء تواجده بمصر، وعندما انهى دراسته عادوا معاً لغزة.

حياتنا في غزة ليست سهلة ولا تحتوي على جميع وسائل الرفاهية، لكننا نحمد الله على قدرتنا على العيش الكريم على ارضنا و وطننا الحبيب.
خصوصا ان إسرائيل ليس لديها اي سلطةٍ على غزة، بل غزة كانت على مر السنين كالشوكة في حلق الاحتلال.
على الرغم من ذلك، إسرائيل لا زال لديها القدرة على تخريب حياتنا ونزع السعادة منها.

مرضت أمي بشدة، والعلاج الذي احتاجته لم يكن متوافراً في غزة، لذلك سافرت لمصر لتتلقى العلاج.
لكن للأسف بسبب الأحداث المستمرة بين قطاع غزة والاحتلال المعبر أغلق، وأجري حصار على غزة، وكل محاولاتنا للوصول لأمي بعدها بائت بالفشل.

استمرت رحلةُ امي العلاجية عشرين سنة، صحيح انها تعالجت، لكن انقطعت بها السبل، وغابت عنا طويلاً.

حاولَ أبي كثيراً التواصل مع السفارةِ المصرية وجرب كل الطرق، كبُرنا جميعاً بعيدا عن والدتنا، تزوجت اختي دون وجود أمها بجانبها، تخرجتُ من الجامعة ولم أجد امي لأرى فرحتها بإنجازي.

لكنني وعدتهم، وعدتهم أنني سأعيدها لهم، دعوت الله في السجود والركوع، تضرعت له بكل ما أملك ان يفتح كل الأبواب المغلقة في وجهي، صممتُ انني سأصل إليها لا الاحتلال ولا السفارة بإمكانهم الوقوف بيني وبين امي..

واخيراً بعد اربعةِ عشرةَ محاولة حصلتُ على فيزا لمصر لأذهب وأرى أمي!

عندما حصلت عليها لم اتمالك فرحتي، ركضت للبيت وانا اصرخ واضحك كالمجنون، عندما وصلتُ للبيت ورأى إخوتي الفيزا بيدي فرحوا كثيرا وطلبوا مني أن أوصل سلامهم لأمي واقبل يداها ورأسها عنهم.
اسعدتني ردة فعلهم كثيرا، فعليا انا وحدي من سيتمكن من الذهاب لكنهم فرحوا كأننا جميعا سنذهب لرؤيتها!

واخيراً وصلتُ لمِصر، خطوات قليلة تفصلني عن جنتي.. بل  التي الجنة تحت قداماها.
ما إن نزلتُ من التكسي وخطوتُ في الحي الذي تعيش به امي سمعتُ صوتها وهي تقول :

" إبني!
إبني، انا عارفاه، هو ابني"
قالت وهي تنزل السلالم، وعندما وصلت إلي رمت نفسها في حضني وبكت، بكيت معها وقبلت راسها ويديها، كم اشتقت لها، كم اشتقت لحضنا وحنانها..
عشرون سنة وانا احلم بهذه اللحظة!

"ابني حبيبي، وحشتني يا حبيبي، وحشتني انت واخواتك يا ضنايا "
قالت وهي تمسح على وجهي ورأسي.
الحمد لله عشرون سنة، انتظرت لهذه اللحظة، وحتى اعيدها لترى ابي وأخوتي، انا مستعدٌ لافعل اي شيء حتى لو اضررت لدفع عشرين سنةً أخرى!!

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن