تلقّينا اتصالاً هاتفياً من الشرطة يفيد باختفاء باسل وعدد من رفاقه، وبعدها تم نشر خبر على الصفحات الإخبارية بأننا قمنا بالاتصال على الشرطة وبلغناهم اختفاء ابننا، وهذا لم يحدث أبدا، فقد اعتدنا على اختفاء باسل، كان كثير الغياب، يغلق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهاتفه، ولا يزورنا من حين إلى حين، ينشغل بحياته وعمله والدراسات التي كان يجريها، لهذا لم يكن اختفائه هذه المرة أمراً غريباً، إلّا أننا شعرنا بالخوف بعد هذا الاتصال"، هكذا تكلّم والد باسل عند سؤالنا عن لحظة الاختفاء.
الأول من نيسان عام 2016، اختفت آثار باسل واثنين من رفاقه، محمد حرب، وهيثم سيّاج، جُن جنون الأجهزة الأمنية،اختفاء ناشط وطني شبابي سياسي يشكّل تهديداً على الأمن العام والأمن القائم مع "اسرائيل"، كثّفت الأجهزة عملها وبحثها المتواصل، و بسبب التفاعل الكبير مع قضية باسل ورفاقه، ونشر اختفائهم "بصورة غامضة"، وما بين أخبار صحيحة وأخبارٍ خالية من الصحّة، تمّ انتهاك حرمة هؤلاء الشباب في خصوصيتهم وإقحامهم بورطة كبيرة.
بعد أسبوعين من اختفائهم، تغنّت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بإلقاء القبض على "خلية إرهابية" يقصدون باسل ورفيقاه، في إحدى وديان قرية عارورة قرب رام الله، واعتقلوا بعدها ثلاثة آخرين من أصدقائهم، تم سحبهم والتحقيق معهم، ومن ثمّ زجّهم في سجن أريحا مع المجرمين وأصحاب القضايا الجنائية وغيرها.
في حس باسل الفكاهيّ المعتاد، حتّى وهو في السجن، تحدّثنا والدته عن لحظة دخوله إلى غرفة تحوي كل مجرمين البلاد، سأل أحدهم " مين انتو؟" "شو قضيتكم؟"، فأجابه باسل " احنا بنتاجر في أعضاء البشر" وضحك، لم يصدّق أي من المساجين هذا الكلام، فمنظر باسل لا يوحي بشيء هكذا، ولا يوحي أساساً أنه صاحب جريمة أو قضية جنائية!في سجوننا فقط، يتساوى الثائر والمناضل بالمجرم والإرهابي، بسبب التنسيق الأمني الحاصل مع "دولة اسرائيل" المزعومة.
تم نقلهم الى سجن "بيتونيا" في شهر "أغسطس" عام 2016، وحينها طلب باسل من أهله أن لا يزوره منهم أحداً، "ما كان بده ننذلّ، وهو عارف شو سجن بيتونيا واللي فيه" هكذا عللّ والدا باسل طلبه.
في الثامن والعشرين من آب عام 2016 أعلن باسل ورفاقه الخمسة اضرابهم عن الطعام رفضاً لاعتقالهم والتحقيق معهم دون أسباب مقنعة، دون تُهم تُذكر أو محاكمة، تفاعلت وسائل الإعلام مع القضيّة والشارع الفلسطيني.
خرجت مظاهرات أمام المقاطعة في رام الله دعماً وإسناداً للشباب المضربين عن الطعام من أجل كرامتهم، انطلقت هذه المظاهرات تحت مسمى " اضراب الستّة المختطفين"، المختطف ليس كالمعتقل، اعتقال أحدهم والتحقيق معه دون نسب تُهم، ومنع المحامين من الوصول عليه، وتأخر عرضه على المحكمة، يعتبر اختطاف ، لأن الاعتقال له أحكامه وقوانينه.
في الأيام الأولى من شهر أيلول، خرجت مسيرة دعماً للمضربين عن الطعام، تواجد فيها أهالي المعتقلين الستة، والعديد من الشخصيات الوطنية، ورفاق باسل ورفاق رفاقه، تجمّعنا يومها أمام مقرّ المقاطعة في مدينة رام الله، هتفنا لباسل، هتفنا لرفاقه، وهتفنا للكرامة، بدأ الجمع يزداد والأصوات تتعالى، دقائق معدودة وكان الأمن قد أحاط المكان كلّه، بدروع قوية، وعُصيّ عريضة.
لإخفاء صوت النّاس قامت قوات الأمن بإطلاق أصوات الزوامير، وإحداث ضجة في المكان، حتى لا يصل صوتهم الى المقاطعة ومن بداخلها، وبعدها حصل صدام بين الشبّان وقوات "مكافحة الشغب" بسبب الهتافات المسيئة للرئيس وسلطة أوسلو آنذاك.
أنت تقرأ
مذكرات فلسطين
Sachbücherاستمعوا لفلسطين وهي تروي حكاياتها، حكايات الأسرى والشهداء والمعتقلين والمقاومين، حكايات الجهاد والبطولة. حكايات الخيانة والظلم والكبت والقهر. اغلب هذه الحكايات حقيقية ارجوا ان تستمتعوا بها وتشاركوها لنشر الوعي عن القضية الفلسطينية. هذه داري" "الله...