كالصقر الشامخ فوق الجبال

216 55 15
                                    


خرجت بقدمي اليمين اولا من الزنزانة، وَ وضعتُ يدايّ وراءَ ظهري كما أمرني بوقاحة السجان الاسرائيلي.

بعد أن كبلني بالاصفاد، قادني إلى إدارة السجن؛ لأوقع على بعض الأوراق قبل أن يتم إخراجي اخيراً.

بعد أربعين عاماً بسجون الاحتلال اخيراً سترى بشرتي نور الشمس، اخيرا سأستنشق هواءَ بلدي الحبيب، اخيراً سأحتضن اهلي واحبابي الذين غبت عنهم منذ ما يقارب النصف قرن!

هذه أطول فترة يقضيها فلسطينيّ في سجون الاحتلال، باقي الأسرى الذين حُكِمَ عليهم بالمؤبد او باحكام مشابهة إما خرجوا في صفقةِ تبادُل أسرى او ماتوا تحت التعذيب وسوء الأوضاع الصحية وسوء التغذية.

لكنني نجوت، نجوت وقضيت حكمَ أربعينَ عاماً كاملة!
عندما اعتقلوني كنت بالتسعةَ عشر من عمري، كنت شابا في مقتبل العُمر، كنت متعطشاً لرؤية الحياة وخوضِ تجاربَ بها، لكن الاحتلال إغتال أحلامي وطموحاتي عندما إعتقلت وحكمت بالمؤبد.

توفي والداي وانا بالسجن عندما تركتهما كنت طفلا متعلقا بوالديه ولا زلت كذلك في داخلي،
توفيا ولم أكن قد شبعت منهما، توفيا وانا في عز حاجتي وشوقي لهما..

اختي كانت مجرد طفلة بالثانية عشرة من عمرها لا شك انها كبرت كثيرا كانت مجرد طفلة، الان هي أم، أم لرجالٍ فلسطينين سيكونون للاحتلال بالند ومثل خالهم لن يخضعوا ولا يُذلوا.

الشخص الوحيد الذي سُمِح له بزيارتي هو زوجتي، تزوجنا بعدما خرجت بشهر واحد عندما أطلقوا سراحي عام 2011.
قضينا فقط 31 شهرا معاً، قبل أن يعيدوا إعتقالي...
لم أكن قد شبعت من الحرية بعد..
في كل صباح كنت أصلي الفجر وأذهب إلى ارضي لأزرعها بكل انواع الورود والخضار والأشجار..
الأرض مقدسة بالنسبة لي، لا يجب أن يقتلع أحد وردةً واحدة منها.

كنا نود ان ننجب الأطفال انا وزوجتي قبل أن نهرم، لكنهم حطموا هذا الأمل عندما اعادوا إعتقالي عام 2014، وأعادوا الحكم المؤبد القديم.

أتممت 62 عاماً في السجن، دخلت طفلاً وخرجت أشيب الشعر.

وقعت على الأوراق التي طلبوا مني التوقيع عليها وتكوني اخرج من الباب الخلفي..

عائلتي كانوا ينتظرونني عند الباب الرئيسي لذلك كانوا متفاجئين عندما ظهرت من خلفهم..
زوجتي كانت تبكي واختي كانت تطلق الزغاريت، كانت الفرحة تملأ قلوبهم وكانت ظاهرة على وجوههم، احتضنتهم وقبلتهم وملئت صدري منهم، لكن إلى متى ستستمر هذه الفرحة هذه المرة!

*******************************

هذا الجزء مقتبس من قصة الأسير نائل البرغوثي بإمكانكم الاطلاع على قصته من موقع( الجزيرة. نت)
نائل البرغوثي لم يخرج من الاسر بعد وهو اقدم أسير على وجه الأرض.
أحببت في قصتي ان اتخيل اللحظة التي سيخرج بها اخيرا تفائلاً بذلك.

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن