بعد أيامٍ قليلة وتحديداً في الثامن من أيلول، تم الإفراج عن باسل ورفاقه الخمسة من سجن بيتونيا، وهنا بدأ الإختفاء الثاني لباسل، الاختفاء الذي عاد منه محمّلاً على أكتاف الأحبة، ملقياً غصّة غيابه وفقدانه على أكتافهم التي تحمله.
تروي ام السعيد لنا عن لحظة الإفراج عن باسل وما حدث في ذلك اليوم، " افرجو عنه وسلمنا عليه وصار بدنا نروح بالسيارة، حكالي روحو انتو وانا بروح لحالي، أولها ما رضيت وحكيتله لا بتطلع معنا، أصرّ ع رأيه ومشان يطمنني طلب منّي أروح أعمله طنجرة مقلوبة بزهرة".
الأخيرة التي رأى فيها باسل أهله وأحبابه، حاول أن يطمئن أمه وأن يجعلها تذهب من المكان بأسرع وقت ممكن، في اللحظات الأولى ظنت أنه يريد أن يحميهم، كي لا يتتبعهم أحدٌ في الطريق، وصلت الى بيتها وانتظرت باسل، لكنّه لم يعد.
مستوى الإدراك والحسّ الأمني الرفيع الذي كان يتمتع به باسل، أكّد له أنه فور خروجه من سجون السلطة سيتم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، فخطط للاختفاء من جديد، وبالفعل بعد أيامٍ قليلة، اقتحمت قوات الاحتلال بيوت كلّ من هيثم سياج، محمد حرب، اعتقلتهم وبدأت البحث عن باسل، حسب ما ذكر والده أن جنود الاحتلال كانت تتردد بين يوم والآخر الى بيتهم للبحث عن باسل، وأن تردد الجنود عليهم كان يريح قلوبهم، فكلما داهمت قوات الاحتلال البيت، تأكد أهل باسل أنه بخير ولم يتم اعتقاله بعد، لم يكن أهله وقتها يعلمون أي شي عن مكان تواجده أو حتى أي وسيلة من الممكن أن تكون حلقة وصل بينهم وبينه.تمكّن من التخفي مدة ستة أشهر، واستطاع أن يتحرّك بأريحية مطلقة، حتّى أنه تمكن من اقتناء السلاح داخل البيت الذي استأجره، شكلُ باسل سريع التغيير، إن دققت في صوره وقارنت كل واحدة بالآخرى ستفهم قولي هذا، إنّه لا يشبه نفسه في كل مرة ترآه فيها، تختلف ملامحه بين صورة وأخرى.
يروي صاحب البيت المستأجر، أن باسل ذهب إليه على أساس أنه سائح، يريد استئجار البيت لبضعة أشهر، وأنه يعمل على دراسات وأبحاث في فلسطين، أتقن الدورجيّداً وكان متقناً بتخفّيه.البيت يكمن في البيرة، أي منطقة مأهولة بعدد لا يستقل به من السكّان، يالجرأته!
استمرّ على حاله هذا مدّة ستة أشهر، أربك أجهزة الاحتلال باختفائه، مثقّف كهذا، ثائرٌ ومخلص للأرض بثقافته يشكّل تهديداً كبيراً على كيان الاحتلال، ولكنّ أياديه الطائلة تمكّنه من الأبطال في كل مرة.الثانية عشر بعد منتصف الليل، دخلت قوات الاحتلال المدججة بالأسلحة إلى البيرة، حاوطت البيت الذي يتحصّن فيه باسل، تسللت الى داخله وبدأ الاشتباك المسلّح، بين الباسل وجنود الاحتلال، دام الاشتباك قرابة الساعة وأكثر قليلاً، حتى نفذت ذخيرته، اثنان وعشرون رصاصة في الصدر، وقذيفة ضُربت على البيت حتّى يتأكدوا أنه بات جثّة، اثنان وعشرون رصاصة تلقاها مقبلاً غير مدبر.
أنت تقرأ
مذكرات فلسطين
Non-Fictionاستمعوا لفلسطين وهي تروي حكاياتها، حكايات الأسرى والشهداء والمعتقلين والمقاومين، حكايات الجهاد والبطولة. حكايات الخيانة والظلم والكبت والقهر. اغلب هذه الحكايات حقيقية ارجوا ان تستمتعوا بها وتشاركوها لنشر الوعي عن القضية الفلسطينية. هذه داري" "الله...