السنقور ٣

89 25 8
                                    


أحمد سناقرة.. طائر الفينيق

بعد أن تشافى أحمد من الرصاصات الست التي أصابته، أصيب مرة أخرى خلال اشتباك مسلح مع الاحتلال، برصاصة هتكت أمعائه وتركت جرحا سيبقى مفتوحا ستة شهور كما أبلغه الأطباء، تقول الوالدة "كان يكرر أحمد كيف سيتحمل البقاء بالسرير كل هذه الفترة، إلا أنه وبعد شهرين قرر الأطباء إعادة أمعائه مكانها وإغلاق الجرح، إذ أنه تشافى بسرعة".

وتذكر أيضا أنه في إحدى الاشتباكات التي دارت بين أحمد وجيش الاحتلال، أصيب أحمد بخمس رصاصات في يديه وصدره، انسحب إثرها من المكان تاركا خلفه بندقيته التي بلغ ثمنها 10 آلاف دينار أردني، وقد ساعدته شقيقته بشرائها بعد أن باعت جزءا من ذهبها، "حزن أحمد كثيرا على فقدانه بارودته، كان يحبها كثيراً وعانى حتى حصل عليها.. نحن متأكدين أن الجنود لم يأخذوها بل العملاء".
في إحدى المرات، وخلال إلقاء أحمد القنابل المتفجرة اتجاه قوة لجيش الاحتلال اقتحمت شارع القدس في مدينة نابلس، تلقى إصابة في يده أدت إلى تقطيع ثلاث أصابع من يديه، والتي دفنت قبل أن يلحق بها، وتروي والدته أنه اضطر تفجير عبوة بجيش الاحتلال وهو ما زال قريبا منها ما أدى لإصابته بشظايا عدة قطعت كعب قدمه، مشيرة إلى أن عبوة أخرى انفجرت في أحمد خلال تصنيعه لها، ما أدى لإصابته بحروق في كل أنحاء جسده.

جميلة وبعد كل إصابة كان يتعرض لها ابنها، كانت تبقى تتوسل إلى الله أن يشافيه ليبقى قادراً على الهرب من الاحتلال، "جننهم، وأنا أفتخر به كثيرا وأتمنى يكون كل الشباب مثله.. كل عمله كان صائبا وخاصة أنه وهبه خالصاً لله وللوطن".

حصار تحت الأنقاض

هذه المرة الأولى التي علمت فيها جميلة أين سينام ابنها أحمد الذي حضر ليشرب برفقتها ورفقة ضيوفها الشاي، فطيلة سنوات مطاردته لم تكن تعلم باختبائه وأماكن تواجده، "أحمد كان يشعر بالشيء قبل وقوعه، أثناء شربه الشاي معنا قال لصديقه المطارد الذي يرافقه: إذا حاصرونا لن أسلم نفسي.. سأنزل تحت الأرض ولن أسلم نفسي أبداً.. كانت هذه المرة الأولى التي أعلم فيها أين سينام أحمد".

الساعة الثالثة من فجر 19 أيار 2006، استيقظت العائلة على اتصالات حملت لها نبأ محاصرة ابنها داخل المقاطعة التي أخلي كل من فيها ونقلوا إلى المبنى المجاور، لتتوجه جميلة وعائلتها إلى المكان، وما أن وصلوا حتى نقل لهم خبر استشهاد ثلاثة شبان وهم: محمود الخطيب زوج آيات شقيقه أحمد سناقرة، ومحمد ابو ليل، وحسام البدرساوي، واحتجاز جثامينهم.

تقول جميلة لـ "قدس الإخبارية"، "ثلاثة أيام وهم يهدمون المقاطعة المحاصر ابني داخلها، وأنا أشعر أنهم يهدمون قلبي، وطيلة هذه الأيام وأنا وعائلتي لا نأكل ولا نشرب.. طالبت من الشباب المتجمهرين مواصلة التكبير حتى يمدوا أحمد بالمعنويات ليصمد بحصاره".

إلا أن وضع جميلة الصحي تردى في اليوم الثالث وما عادت قادرة على الخروج، لتتلقى اتصالات من ضباط الاحتلال طالبوها بالحضور والمناداة على أحمد كوسيلة للضغط عليه، وهو ما رفضته والعائلة، فردت جميلة، "أنا كلمت أحمد وهو غادر المقاطعة.. أحضر كل طيارات ودبابات إسرائيل واهدم كما تريد.. أحمد ليس بالمقاطعة"، لتنسحب قوات الاحتلال مساء اليوم الثالث وقد فشلت بمهمتها وتكبدت خسائر بملايين الشواقل.

توافدت الناس إلى المقاطعة بحثاً عن أحمد سناقرة الذي كانت كل الأصوات تنادي عليه، وعندما ميز صوت خاله، لبى النداء ورفع يديه المصابه والملفوفة بالشاش الأبيض، "كان وجهه بلا لون، أحضروه لي على حمالة، المئات حضروا إلى المنزل، الكل وزع الكنافة والشوكلاتا والحلوى بنجاة أحمد الذي هز إسرائيل"، تقول والدته لـ "قدس الإخبارية".

"قاومت لأقهر الاحتلال" رد عن سبب صموده تحت الأنقاض طيلة الأيام الثلاثة الماضية، "كنت أكل ورق الشجر الذي كان يسقط نحوي، تبولت في حذائي وشربته من شدة العطش.. كانت تجربة لي وصمدت، وإن شاء الله لن يمسكوني إلا شهيد"، قال أحمد لوالدته.

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن