السنقور 4

98 21 3
                                    

منح سناقرة خيارين أن يسلم نفسه للسلطة الفلسطينية أو يتم إبعاده إلى الخارج، وكان كلاهما مرفوضا، فالهرب آخر خيارته، والمواجهة المباشرة هي اختياره، وكان يقول "من المستحيل أن أنام على فراش الجواسيس في سجن الجنيد"، ليبقى المقاوم الوحيد المطارد في مخيم بلاطة، بينما استشهد الآخرون وسلم من تبقى، تقول والدته، "خلال اجتياح المدينة، كل المطاردين أخلوا المخيم إلا أحمد بقي يواجههم، كان يطلق النار ويتقدم خلافا للمقاومين الذين كانوا يطلقون النار وينسحبون.. لم يكن يعرف الخوف أو التراجع والانسحاب".

وتضيف، "يا ريت لو أحمد ضل عايش، وضل يجنن اليهود، يا ريت لو خلفت مثل أحمد عشرة.. الذي يصبرني على فراقه سمعته الطيبة، وبطولاته التي كنت أراها في عيني، صحيح كانت أيام متعبة.. ولكني كل يوم أدعو أن تعود تلك الأيام ".

الليلة الأخيرة

خططت جميلة أن تزوج أحمد في شهر شباط المقبل دون إٍقامة أي حفل، إلا أن أحمد رد عليها، "لن تلحقي فعل ذلك، سأكون قد استشهدت"، فتح يديه وردد، "يا رب، يا رب، يا رب... استشهد هذه الليلة بعد أن اشتبك مع الجيش"، ودعا أحمد، "يا الله أتصاوب في كل جسمي، ولكن وجهي لا يصيبه شيء.. حتى يبقى وجهي حلو تودعيني وأصحابه منه".

الساعة الثانية فجر 18 كانون ثاني2008، استيقظت جميلة فزعة على صوت رصاصة واحدة أطلقت في الهواء، هاتفت أحمد فورا، فطمئنها وأخبرها أنه ما زال يجوب في أزقة المخيم وسينام بعد قليل، "لم أنم، توضأت وبدأت أصلي وأدعو الله أن يحمي أحمد.. لم أصلي وأدعو هكذا من قبل، كان قلبي يرتجف عليه".
تلك الرصاصة كان متعارف عليها أنها إشارة بين العملاء وقوات الاحتلال التي لاحقت أحمد إلى حيث كان ينوي أن يبيت ليلته، لتطلق صوبه قذيفة قطعت قدمه، ثم انهالت عليه بزخات الرصاص الحي.

تسلل خبر محاصرة أحمد – الذي لم يتم عامه الـ 21 - واشتباكه مع قوات الاحتلال، ركضت جميلة إلى سطح المنزل، وبدأت بالتكبير بأعلى صوتها عسى أن يسمع أحمد صوتها.

"أريد أن أنام نوما أبديا" قال أحمد لوالدته خلال زيارة خاطفة في ليلة استشهاده، وأوصاها ألا تضعه في ثلاجة الموتى وأن تغطيه بالغطاء الذي أحضرته له من العمرة، وأن تشغل له أغنية "بدري يا رفيق العمر"، "طول عمري وأنا مطارد وسقعان.. الذين كانوا يخبؤونني لم تكن لديهم أغطية كافية.. كنت دائما أنام وأنا أشعر بالبرد"، قال أحمد لوالدته.

على باب ثلاجة الموتى في المشفى، وقفت جميلة مشرعة يديها الاثنتين، رافضة أن يوضع ابنها بداخلها كما أوصى تماما، لتجبر الأطباء وضعه على السرير حيث بقيت تدور حوله وتقبله في كل أنحاء جسده، ثم رافقته في مركبة الإسعاف، وكيفما مال أحمد رأسه مال رأسها، وواصلت همسها له، "مبروك عليك شهادتك يما، الله يهنيك يما ويسعدك"، تقول جميلة، "كلما دعوت له كان يفتح عينه".

*******************************

مصدر قصة احمد سناقرة هو شبكة أصداء الإخبارية.

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن