عروس يافا (دلال المغربي)

96 22 6
                                    


1978

أغلقتُ باب الحافلة باحكام وعدلتُ سلاحي على كتفي، بعدها إلتفتُ للرهان الذين كانوا خلفي وقلت لهم :

"احنا ما بدنا نقتلكم.. راح نخليكم رهائن عشان نبادلكم مع اخواننا المعتقلين في سجون حكومتكم المحتلة"

بعدها أخرجت العلم الفلسطيني من حقيبة ظهري وعلقته داخل الحافلة، ثم وضعتُ يدي على صدري وبدأت بإنشاد النشيد الوطني الفلسطيني :

"بلادي بلادي بلادي... لك حبي وفؤادي
فلسطين يا أرض الجدود.. إليك لا بد أن نعود"

*******************************

ولدت الشهيدة دلال المغربي عام 1958 في مخيم اللاجئين في بيروت لبنان، بعد أن هاجرت عائلتها للبنان بعد حرب النكبة 1948.

منذ أن كنت طفلة صغيرة الجميع حولي كانوا يقولون ان لدي حس وطني ثوري عالي، لم يكن بيدي حيلة فلسطين تجري في عروقي وشرياني كنت اشتاق لها واشعرُ كأنني اعيش مثل السمكةِ خارج المياه.

عندما كنت لا أزال بالمدرسة انضممت لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح)، وفي عام 1972 شاركت في الدفاع عن الصورة الفلسطينية في لبنان.
شاركت في العديد من النشاطات العسكرية، وتدربت على استخدام الكثير من انواع الأسلحة، كما انني تطوعت كممرضة في الهلال الأحمر مثل والدي لأساعد الأبطال المصابين.

في سن العشرين تم اختياري لأقود فرقة دير ياسين التي تضم 12 مقاوم لننفذ عملية جديدة خطط لها القائد خليل ابو جهاد.
مهمتنا كانت ان نختطف حافلة عسكرية إسرائيلية ونقودها لتل أبيب (يافا) ونهاجم الكنيست الإسرائيلي، لنطغض عليهم ليطلقوا سراح الأسرى الفلسطينين في سجون الاحتلال.

وكما خططنا في الحادي عشر من مارس عام 1978 تسللنا للأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق البحر الأبيض المتوسط، أخذنا سفينة بخارية و اوصلتنا الى شواطئ يافا، بعدها توقفنا بعيدا عن الساحل واخذنا قوارب صغيرة لنتسلل بها إلى شواطئ يافا المحتلة.

انا وفرقتي المكونة من 11 مقاوماً تسللنا للشارع الرئيسي وسرقنا العديد من السيارات، بعدها اختطفنا الحافلة كما خططنا واخذناهم إلى تل أبيب.

عندما وصلنا استدعت حكومة الاحتلال القوات الخاصة ليوقفوا الحافلة ويقتلوا المقاومين، فرقة كبيرة مكونة من طائرات حربية ودبابات طاردت الحافلة حتى قاموا بمحاصرتنا عند مستوطنة هيرتزيليا.

******************************

وبعد أن أصبحت دلال وفرقتها على مشارف تل أبيب كلفت الحكومة الإسرائيلية فرقة خاصة من الجيش يقودها باراك بإيقاف الحافلة وقتل أو اعتقال ركابها من الفدائيين، وقامت وحدات كبيرة من الدبابات والطائرات المروحية بملاحقة الحافلة إلى أن تم توقيفها وتعطيلها قرب مستعمرة هرتسليا.

واشتبكت الفرقة مع القوات الإسرائيلية فاستشهدت دلال مع زملائها، وأسر واحد، وسقط من العدو الإسرائيلي عشرات القتلى والجرحى، واحترقت سيارة الركاب بمن فيها.

واعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها مناحيم بيغن في اليوم الثاني للعملية بمقتل 37 من الإسرائيليين وأكثر من ثمانين جريحا، لكنه لم يفصح عن عدد القتلى في صفوف الجيش.

وتركت دلال قبل استشهادها وصية مكتوبة بخط يدها للفلسطينيين جاء فيها "وصيتي لكم جميعا أيها الإخوة حملة البنادق تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية، وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني وتوجيه البنادق كل البنادق نحو العدو الصهيوني، واستقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة لكل الفصائل، أقولها لإخواني جميعا أينما تواجدوا: الاستمرار بنفس الطريق الذي سلكناه".

وشكلت دلال حالة خاصة في العمل الفلسطيني المقاوم، وهي التي قال عنها الشاعر نزار قباني في مارس/آذار 1978 "إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة على طريق طوله 95 كيلومترا في الخط الرئيسي في فلسطين".

ولا تزال دلال حتى وهي شهيدة تزعج الاحتلال، فقد أوعز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مارس/آذار 2016 إلى سفير بلاده لدى الأمم المتحدة بتقديم شكوى ضد السلطة الفلسطينية لاحتفائها بذكرى استشهادها.

*******************************

مصدر هذا الجزء موقع الجزيرة. نت

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن