ولد ناجي العلي عام 1937 في قرية الشجرة قضاء طبريا قبل أن يهجّر مع عائلته في نكبة فلسطين إلى الجنوب اللبناني، حيث استقر بهم المقام في مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا، وعاش في خيمة لا تزيد مساحتها على عشرة أمتار مربعة، وبدأ منذ صغره التعبير عن ألم اللجوء ومأساة قضيته بالرسم على حيطان المخيم.
وفي عام 1962 قام الأديب والصحافي الفلسطيني غسان كنفاني بنشر أولى لوحات العلي في مجلة "الحرية" بعد أن أعجب بها أثناء زيارة له إلى معرض رسومات أقيم في مخيم عين الحلوة.
واشتهر العلي على النطاق العربي منذ ذلك الحين من خلال شخصية الطفل "حنظلة" التي ابتدعها عام 1969 عندما كان يعمل في صحيفة "السياسة" الكويتية.
و"حنظلة" الطفل ابن العاشرة الذي قال عنه العلي إنه لن يكبر إلاّ بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي، والذي يظهر دائما مديرا ظهره عاقدا يديه خلفه، لأنه يرفض التسليم بأي محاولة احتواء أو مساومة على قضيته.
في 22 يوليو/تموز 1987، أطلق مجهول النار على ناجي العلي في لندن بالقرب من مقر صحيفة "القبس"، ودخل على أثرها في غيبوبة حتى وفاته يوم 29 أغسطس/آب 1987، دون أن تحدد رسميا حتى اليوم الجهة التي كانت وراء اغتياله.
الاستشراف في رسومه
يقول وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف للجزيرة نت إن ناجي كان حالة استثنائية بين جيله الذي أسماه الأديب أحمد دحبور "جيل الذبيحة"، الذي ذبحت أحلامه في عذابات النكبة.وفي معظم رسوماته، استشرف ناجي العلي المستقبل الفلسطيني والعربي، لكن حنظلة الذي يدير ظهره على الدوام لكل ما يقود إلى التآمر على فلسطين، كان الرمز الأهم لرؤيته التي توقعت ما يحيق بالقضية الفلسطينية.
وكان الإعلامي والباحث خالد الفقيه قد أعد بحثا حول الرموز في رسومات ناجي العلي، وقال إنه امتلك نبوءة واستشرافا للعديد من المحطات السياسية وأبرزها تنبؤه بالانتفاضة الشعبية الأولى التي انطلقت بعد شهور من اغتياله عام 1987، حتى إنه توقع من خلال رسوماته أن يكون مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة نابلس إحدى بؤر هذه الانتفاضة المهمة، وكان ذلك.
وكان من أوائل المحذرين من بناء حكم ذاتي للفلسطينيين مقابل السلام مع إسرائيل، وفي أحد رسوماته عبر عنه باللباس الذي سيعري القضية الفلسطينية، وجاء اتفاق أوسلو بعد اغتياله بست سنوات (1993).
وتنبأ العلي بالتكالب على قوى المقاومة، وبالظاهرة التكفيرية التي انتشرت في العالم العربي، وكذلك بالفرقة الطائفية في العديد من الدول العربية. وبشكل مسبق أيضا، رسم ناجي العلي مستشرفا انهيار المعسكر الاشتراكي رغم كونه أحد حملة هذا الفكر.
يقول الفقيه للجزيرة نت إن "ناجي دفع ثمن جرأته ونبوءاته للمستقبل"، ولذلك اتهمت أكثر من سبع عشرة جهة فلسطينية وغيرها باغتياله لأنه رفض المساومة والصمت. ولهذا لم يأتِ من يسد الفراغ الذي تركه في الرسم الكاريكاتيري النقدي الجريء.
اختار ناجي تعريف نفسه بالقول "أنا أرسم لفلسطين"، ورد على التهديدات لإسكاته قائلا "لو ذوّبوا يدي بالأسيد سأرسم بأصابع رجلي".
وتعبيرا عن استمرار تأثير رسوماته، ما زالت شخصية "حنظلة" التي وقّع بها أعماله رمزا لمعظم الحركات الثورية في فلسطين وخارجها، وهي شعار حركة مقاطعة إسرائيل عالميا (بي دي أس).
حنظلة هي أشهر الشخصيات التي رسمها ناجي العلي في كاريكاتيراته، ويمثل صبياً في العاشرة من عمره. أدار حنظلة ظهره للقارئ وعقد يديه خلف ظهره عام 1973م . أصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي كما أصبح رمزاً للهوية الفلسطينية. يقول ناجي العلي أن الصبي ذا العشرة أعوام يمثل سنه حين أجبر على ترك فلسطين ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه، إدارة الظهر وعقد اليدين يرمزان لرفض الشخصية للحلول الخارجية، لبسه لملابس مرقعة وظهوره حافي القدمين يرمزان لانتمائه للفقر. ظهر حنظلة فيما بعد بعض المرات رامياً الحجارة (تجسيداً لأطفال الحجارة منذ الانتفاضة الأولى) وكاتباً على الحائط. أصبح حنظلة إمضاءً لناجي العلي، كما ظل رمزاً للهوية الفلسطينية والتحدي حتى بعد موت مؤلف الشخصية.
أنت تقرأ
مذكرات فلسطين
Non-Fictionاستمعوا لفلسطين وهي تروي حكاياتها، حكايات الأسرى والشهداء والمعتقلين والمقاومين، حكايات الجهاد والبطولة. حكايات الخيانة والظلم والكبت والقهر. اغلب هذه الحكايات حقيقية ارجوا ان تستمتعوا بها وتشاركوها لنشر الوعي عن القضية الفلسطينية. هذه داري" "الله...