في الجنةِ لنا لقاء

92 25 3
                                    


29/مارس/2002

"لسى بدري خليك كمان شوي!"
قالت خطيبتي آيات وهي تحاول اقناعي بالبقاء عندها فترةً أطول.
"هاي المرة الثالثة بقوم وبتخليني اقعد ،حكيتلك انه عندي شغل الصبح!.. خلص بوعدك باجي عندك بعدين وبقعد زي ما بدك"

بعد حوالي ساعة من الجدال تركتني اذهب ،لكنني لم أغادر قبل أن أطيب خاطرها واتأكد انها ليست مستائة مني، كما انني وعدتها ان أخذ اليوم التالي عطلة واقضيه معها.

لكن يا ليتني كنت أعلم أننا لن نحظى بيومٍ آخر.. لو كنتُ اعلم انها كانت تودعني لكنت بقيتُ معها ولم اتركها للحظة!
احبتتها اكثر من اي شيء هي روحي وحياتي وقلبي، اخذت قلبي ورحلت وتركتني لاواجه الظلم والقهر وحدي مع حسرة القلب.

عرفتها كفتاةٍ قوية وشجاعة وذكية وذات طموح، أحبت بلادها فلسطين كما أحبت الحياة، كانت تحلم بمستقبل آمن لأطفالنا لكن يبدوا ان ذلك كان كثيرا علينا.

كلما حلمتُ بالمستقبل كانت تقاطعني بحلم الشهادة وتسرقني من حلم الحياة الزوجية لأحلام المقاومة والجهاد، كانت ترسم صور الدماء التي سننزفها في سبيل فلسطين والجنة وتعهدنا ان نصل لها معاً.

*******************************

دخلت المجمع التجاري ورأسي مرفوع، اليوم هو اليوم الذي سأظهر به مدى حبي لوطني، وسأقدم روحي رخيصة فدائه، سامحيني أمي، سامحني أبي، سامحوني لأنني ساترككم بهذه السرعة حياتي اشكركم على كل ما قدمتموه في تربيتي انتم من زرعتم حب الوطن والدين في قلبي وانا اشكركم على هذا.
ارجوكم ان ترضوا عني وتدعوا لي بالرحمة وان يتقبلني الله من الشهداء.
عزيزي شادي، ارجوك تعذرني اعلم اننا تعهدنا على أن نفعلها سوياً، لكن أصوات الحرية والشهادة كانت تناديني، استطيع ان اسمعها بوضوح الان.
في الجنة لنا لقاء، عرسنا لم يلغى بل تأجل الى يوم الحق حين نلتقي في الجنة سانتظرك بفستان الشهادة ونور الحق.

بعد أن افرغت صدري من هذه الأفكار تقدمت وعقدتُ العزم ان أنجز مهمتي بنجاح..

*******************************

في التاسع والعشرين من شهر مارس عام 2002 العروس الصغيرة ذات 17 عاماً وطالبة الثانوية العامة آيات الأخرس ذهبت للمجمع التجاري (المول) في اراضي القدس المحتلة وفجرت نفسها مع اكثر من عشرين مستوطن اسرائيلي.
مات اثنين منهم وأصيب عشرون وستة منهم أصيبوا بجروح بالغة وكان وضعهم خطير.

ولدت آيات الأخرس في 20/فبراير /1985
آيات كغيرها من أبناء فلسطين وبناتها؛ وجدت نفسها فجأة تُطرد من أوهام السلام الدائم إلى حقيقة الاحتلال المستمر بأشكال مختلفة؛ ليكون الاجتياح الكبير للضفة الغربية عام 2002 واحدا من أشكال بطش هذا الاحتلال.

فمخيم الدهيشة في بيت لحم الذي عُرف دائما بأنه معقل للمقاومة والمقاومين؛ طاله مثل غيره من المخيمات والقرى والمدن نصيب من الحصار والاعتقالات والقتل والمصابين، وقد كان لذلك كله أثره العميق في نفس آيات، ليحول طموح الفتاة صاحبة الـ 17 عاما حينها من فستان الزفاف إلى ثوب الشهادة، فقررت الالتحاق بركب الاستشهاديات واختارت طريقها من خلال كتائب شهداء الأقصى؛ لتكون ثاني فتاة فلسطينية تفجر نفسها خلال الانتفاضة الثانية.

مذكرات فلسطين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن