كما قص علينا الشيطان ... الحلقة الخامسة والعشرون

202 21 64
                                    

"طفوا الكهربا..
خلوا الحلالي يفتهن ..
مرايا وافاعي واطفال باسنان..اللهم عليك بذمار واهلها فانهم لا يعجزونك.."
- "حنان"

#الحلقة_الخامسة_والعشرون
#حنان

ليلة شتوية ذو برد قارس  ... أنه ديسمبر ... الشهر الأخير  ..  ولكي يذكرنا بقساوة سنة تولي  ... وسنة تأتي يكون قاسيا علينا ببرده  ... و وحدته  ...

حاولت أن أضيع وقتي  ... كوب قهوة ساخن ... وملابس ثقيلة  ... وفوق سريري ... أخذت هاتفي الذكي  ... ابحث عن ما اضيع به وقتي ...

أحب القراءة ... لكن قراءة الكتب لا نسخها الرقمية  ... احب ملمس الورق ورائحته أيضا ... للكتب القديمة رائحة مميزة  ... للكتب الجديدة رائحة مختلفة ... وفي كلا الحالات أحبها  ...

لكن في تلك الليلة لم يكن لي مزاج بالقراءة  .. فضلت الشبكة العنكبوتية ... قلبت المواقع والبرامج  ... واخيرا هناك ما يستحق أن أضيع وقتي عليه  ... لا لا ليس لأنه كلام مهم كما تظنون ... بل لأنه أقل الكلام سخفا في عالم مارك الأزرق ...

قصص رعب قصيرة ... يكتبها كما يبدو شخص مختل عقليا
.. لا بأس  ... على الأقل هي أقل الأمور تفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي التفاهة أصلا ...

همم ... حقا أنه مختل عقليا أو مصاب بمس شيطاني  ... قرأت ثلاث قصص له ... إحداهن عن المرايا ... والأخرى عن لوسفير  ... الذي احب إحداهن بطريقته ... و إنقطع التيار الكهربائي  ...

"طفوا الكهربا..
خلوا الحلالي يفتهن ..
مرايا وافاعي واطفال باسنان..اللهم عليك بذمار واهلها فانهم لا يعجزونك.."

إنقطعت الكهرباء  ..  بعد منتصف الليل  ... و أنا وحيدة  ... بعد جرعة رعب لا بأس بها ... اللعنة على ذلك الذماري الحلالي  ...

هدوء قاتل ..  وظلمة حالكة  ... لا أكاد أرى شيئا إلا بضوء شاشة هاتفي  ..  حتى السيارات في الشارع توقفت لتشعرني بالوحدة أكثر  ..  كلب يعوي من بعيد ليزيد الطين بله  ..  وفي تلك الأجواء بدأت أرى أشيائا لا يحب أن أراها ...

صوت بكاء طفل  ... أسمعه بوضوح  ... بل أحسه ايضا  ... أحس ب أصابع يده الست الصغيرة  ... ذات المخالب  ... وهي تمسك بيدي  ... لقد قرأت ذلك قبل قليل وها هو يحدث لي الآن  ... ربما بسبب وحدتي  ... و إنقطاع التيار في هذا الوقت المتأخر من الليل  ..  بدأت أتخيل هذه الأمور ... لكن اليد الصغيرة أمسكت يدي بقوة  ... لقد كان يبكي بشدة  ...

تأملت المرآة أمامي  ... لم يكن هناك مصدر ضوء غير هاتفي  ... يمكنكم تخيل المشهد  ... ظلام حالك  ... لا شيء ظاهر غير إنعكاس وجهي في المرآة ... و وجها آخر بقرب وجهي  ... لا أعرف وجه من تحديدا أو وجه ماذا بالضبط بالتأكيد ليس بشريا  ...

صرخت ب أعلى صوتي "إنصرفوا" أختفى كل شيء  ... وعاد ذلك الهدوء المريب ... قد يبدو الهدوء أكثر رعبا مما نظن ...

علي كاتب قصص الرعب ... ذلك المختل ... كان علي البحث عميقا ... ونسيان الافاعي والأبقار والاشباح التي تظهر في المرايا ... والأيدي الناتئة القادمة من المجهول لتعبث باطراف السرير ... في هذا التوقيت وبهذا الهدوء والصمت أجد نفسي أكثر رعبا من كل ماقرأت ...

الهدوء قاتل ... الهدوء مرعب ... الهدوء يجعلنا نفكر  ... لو ظهرت يدا أخرى لتكسر ذلك الهدوء  ... أو ذلك الطيف الأسود في المرآة  ... لكان افضل بكثير  ...

هل أنا خائفة مما قرأت  ... أو مما رأيت ... حاليا .. لا شئ  يخيفني أكثر من هذا البرود الذي يعتريني ... برود الجثث منزوعة الروح ... والأطراف التي لا تتحرك ... برود الارض بعد الفيضان ... متشبعة ممتلئة حد الغثيان ...

الشعور بالوحدة  ... همم شعور بأننا لا ننتمني لشيء ... لا ننتمي للحياة ... لا مكان ولا زمان ولا اشخاص ... ترى اهكذا يشعر اللقيط بعد معرفته بحقيقة والديه ...

خليط الهدوء مع الوحدة هذا أكثر ما يرعبني  ... يذكرني بما أكونه وبما قست عليا به الأيام  ... وكيف كنت وكيف أصبحت  ... وكيف ضاعت حياتي سدى  ... وعمري هدرا  ...

هذا الهدوء  ... يجعلني أرى السبب الحقيقي ... أنا السبب لا هم  ... أنا من كنت حمقاء  ... حين ظننت بأن لي الحق بعيش حياة طبيعية كغيري  ...

نهضت وبضوء الهاتف بحثت تحت السرير ... اين ذلك الطفل عندما أحتاجه  ... اين تلك الأيادي التي تمتد عندما تطلبها .. توجهت إلى المرآة  ... بضوء هاتفي ايضا   ... أبحث عن أي إنعكاس قد يظهر خلفي  ... ليؤنس وحدتي  ...

وفجاءة عاد التيار الكهربائي  ... أغمضت عيناي قبل أن أفتحهما تدريجيا ... امام المرآة كنت اقف وحيدة  ... كما كنت طوال حياتي ... ان الوحدة أكثر رعبا من كل  قصص الرعب السخيفة التي يكتبها أشخاص يجب أن يوضعوا في مصحة عقلية  ...

لقد تغيرت كثيرا وكبرت  ... رأيت تجاعيد وجهي و وجعي في المرآة  ... كانت قروني قد كبرت لدرجة كبيرة  ..  عيناي السوداوتين بالكامل فقدت بريقهما ... تأملت يداي المكسوة بالشعر  ..  وأصابعي الست  ... ومخالبي المصبوغة بطلاء الأظافر  ...

كم أكره الوحدة ... تعيدني لما أنا عليه .. وكم أكره أسمي أيضا أمانوخ بن طكميل ...

كما قص علينا الشيطان (الجزء الأول) مكتملة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن