بارت 18

9.6K 902 127
                                    


الى تلك النفوس البريئة الى العدل في هذا العالم ...كم من روح نقية طمرت ظلما تحت التراب
في شتاء عام سبعة وخمسين وفي وحدة من اصغر الكبب بحوش بشارع وحدة من الدرابين بعكد الكراد ...توفت مرة عجوز كبيرة بالعمر وماعدها غير ولد واحد عمرة بالتلاثين يشتغل حمال ومرات يدفع عربانة بالسوك ...هذا الولد جانت عنده حدبة صغيرة على ظهرة ومن هو صغير انكسرت خشبة بتك عينة وشخطتها فصار بالكوة يشوف بيها ...هذا الولد جان كلش فقير كل همه بالدنيا يشتغل ويجيب لكمة ودوا لامه الى ان اجى اجلها ...
بقى الوحده واهل المنطقة كلهم بدوا يحجون وياه يتزوج ويجيب مرة حتى اداريه ...بس منو اللي ينطيه مرة بهذه ظروفه
ظل سنة كاملة يدور محد ماقبل ينطيه اخر شي كلوله روح لايران على الحدود هواية اكو نسوان ارامل رياجيلهم قجقجية من ينكتلون او يموتون محد يريدهن واهلها ينطوها حتى لو بليه مهر
روح اتزوج منهن وحدة وتعال وهو صدك ماجذب حجاية راح اتزوج وجابه على بغل واجى ...جانت مرة شكرة حيل وفقيرة وحتى عربي ماتعرف تحجي ماسوت علاقة قوية وية الجيران جانت اربع وعشرين ساعة تغسل بهالكبة وبهدوم زوجها ...
اول ماولدت بعد سنة ولد اسمراني وضخم سموه مصطفى على اسم جده وراها بسنتين يعني بسنة اثنين وستين حملت مرة لخ وولدت ولد ثاني اشكر وعيونه ملونه سموه مرتضى على وزن مصطفى...
لكن امه كلش تعبت وصار عدها نزيف استمر عشرين يوم ...ومن زوجها صاحبنا الحمال يسال النسوان يكولوله عادي مابيها شي حتي الجدة انطتها علاج مافادها هي تحجي وتشكي بس محد يفهم هي شتكول فوك لانه السانها هم جان ثكيل فنطقها للاحرف مجان صحيح
اخر شي المرة اصفرت وشحبت من جتي جارتهم تشوفها فزت عليها واخذتها وركضت للمستشفى ماطولت المسكينة قبل مايطلع الاربعين اتوفت وعافت مصطفى عمره سنتين ومرتضى لحمة طرية عمره شهر ...
احتار الحمال بهذا الطفل اللي ظل ليل نهار يبجي ومن كثر ماضاجوا نسوان المحلة كاموا يلمون فلوس وينطوها لاي وحدة تقبل ترضعه حتى مرات كامن يومية وحدة تجي ترضعه من الصبح لليل وتروح بس بالليل هم يبجي ما ينام ....
الله كاتبله لهذا الطفل عمر ويعيش
من صار مصطفى بعمر ست سنين ابوه دخله مدرسة جان يسويله جنطة من الجنفاص وراده يتعلم لانه هو امي لايعرف يقرا ولايكتب ...
ومن تخلص المدرسة يطلع ويه ابوه للسوك يبيع علج لو علاليك لو جكاير ...بس مرتضى من هو وصغير مشيطن يركض بالدرابين وشيشوف بطريقه يبوكه
شعر بنات لو حلاوة لو خيارة هيجي شي ...
من كبروا وصار مصطفى عمرة دعش سنة ...ابوه جان يحمل كواني شكر لمخزن طابق ثاني ...ليش مالدرج ينكسر جواه ويوكع وتوكع عليه الكواني وتكسر ظهره ماطول اقل من اسبوعين ومات الله يرحمة ...تارك وراه يتامى اثنين
مصطفى جان شاطر وبالسوك يعرفوه كام يشتغل حمال هم مثل ابوه بس شغلات خفيفة لو يوكفوه على الميزان لو يدزوه يحمل بعربانه من شارع لشارع ...
طبعا هو بطل فترة من المدرسة ومرتضى بقى على نفس سوالفه من ينطوه يبيع شي ياكل نصه والباقي الوارد يروح يشتري بيه ...سةالف اله
جوارينهم بالمنطقة يعرفون حالهم ومحد قصر وياهم كلما بيت يسوي غدى زين يصيحون مصطفى ومرتضى ياكلون وياهم
وكل اسبوع يعني تقريبا كل خميس امراءة من نفس الحوش لو البيت اللي بصفه تاخذهم ويه جهالها للحمام اللي بالسوك تغسللهم وتغسل هدومهم الا ان شوية كبروا كاموا يروحون ويه رياجيل المنطقة
... في يوم ديمشي سيد هو وعمامته جان بعده شاب وصغير ديروح يصلي بالحسينية مال السوك مر بالدربونة وشاف مرتضى ديتعارك ويه لمة جهال وداكيه بسط ومن ديفاككهم اجاه مصطفى يصيح من بعيد ويبجي اخوية اخوية لكم عوفوه ...والله اكطعكم هسه
ومن عرف قصتهم اتكفلهم وكام هو يداريهم ورجع مصطفى للمدرسة وكام ياخذه وياه علمه على الصلاة والصيام وحتى يصلي بالجامع
ولكاله شغل يم محل ابو بهارات يشتغل صانع جوة ايده يعني رتب حالهم
بالسبعينات تقريب ستة وسبعين اخذته الحكومة وبعد مارجع ...يكولون وكلوه كباب مسموم بالحجز...
الظاهر كانت عنده نشاطات ماعجبت الحكومة بذاك الوكت
ورجعوا الولد هم وحدهم بس بعد كبروا بدوا يعتمدون على نفسهم مرتضى مجان يطول باي شغل يومين وتلاثة ويبطلوه
عكس مصطفى جانت الكل تحبه ثكيل ومحترم ومؤدب ...
من صارت التسفيرات جانوا عمرهم توه عشرين وثمنطعش سنة ...ماعدهم شهادة جنسية ...وبدون اي تهمه سياسية اخرى تم اعتقالهم وذبوهم بسجن ابو غريب ...لكن اللي عم على مصطفى علاقته بهذاك السيد ...
بالسجن همه نفسهم جانوا ويه غازي اتعرف عليهم وصاروا اصدقائه همه جانوا يخدمون المساجين حتى ينطوهم اكل وهدوم لانه ماعدهم احد يجي يزورهم الى ان اتكفلتهم ام غازي كلما تروح لابنها تاخذلهم كونية وياها
مرتضى جان بعده طفل بس يضحك ويتشاقه ...ومن السجن اتعلم كام يلعب قمار ويبوك من هذا وذاك بس شنو بفطارية وشقى محد يزعل منهم حيل فقرة ...
لكن حال مصطفى مجان عاجبهم ...جماعته كللوله بابا عوف الصلاة لايتهموك وية الدعوة ..مفاد جان يكول اني كلشي ماعندي هي كم شهر ويطلعونه يدزونه ال ايران ...
لكن اللي صار كان امر اخر ...
اختفى مصطفى بعد ما طلبوا للتحقيق ...وبعد مارجع ...اكثر من مرة يسال مرتضى عليه وماكو
في كل مرة يكولوله شكل مرة تم ترحيله الى سجن نكرة سلمان مرة تم تسفيره ومرات كلام اخر لكن المؤكد انه في عام ستة وثمانين اختفى مرتضى ايضا
انتهت حياة شابين عراقيين ...ولم يذكرهم احد ...ولازالت الى الان طيف تلك النظرات الخجولة والاجساد النحيلة ...وذلك الجوع العميق تحوم حول هذا الزمان
كيف ممكن ان ياتي اثنان للحياة مجهولان دون هوية ويختفيان مجهولان دون قبور!
الى رحمة الله

نساء مخمليات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن