𒁹

1.4K 37 8
                                    

أثرا

تركني مرمية على الأرض بعد أن أخذ ما أراده من جسدي غصبا، و إنصرف. ظللت في نفس المكان لمدة طويلة أحدق بسقف بيته. تلك الأعمدة الخشبية القديمة المهترءة التي ترعبني كلما نظرت إليها خوفا من أن تنهار علي. لكنني في تلك اللحظة تمنيت لو أنها تفعل. لو أنها تتهدم من فوقي فتحطم رأسي و تخلصني من ذلك العذاب.

رمشت لعلي أخلص مقلتاي من الحرقة التي تغلفهما، لكن دون جدوى. حاولت أن أتحرك فخدشتني الحجارة التي كان يجب أن تكون تحت جلود الخرفان التي فرشت بها الأرض صباح ذلك اليوم. جلود أصبحت ملتوية على نفسها و ملقاة بعيدا عن موقعها المعتاد. إنكمش وجهي ألما و أنا أحاول الحراك من جديد، فأحسست به يابسا بعد أن جفّت عليه دموعي. أملت رأسي بحثا عن ثوبي فوجدته بجواري ممزقا. إلتقطته و غطيت به جسدي العاري و أنا أحاول الجلوس متوجعة. كانت كل أطرافي تؤلمني. أحسست وكأن شيئا ما يلذعني باستمرار، وكأن النران تحرقني، تأكل عظامي من تحت جلدي. رأيت كدمات جديدة على ساقاي و بطني، و صدري و ذراعاي. كدمات تعتلي إصاباتي القديمة التي كادت تشفى، و أخرى التي لم تشفى بعد. أطبقت جفناي أسفا على حالي، و إبتلعت ريقي في ألم، وكأن ما يمر في حلقي أشواك حادة و ليس لعابا.

عادت إلي فجأة صور من ما جرى قبل قليل. شعرت بكل شيء من جديد. قوة قبضته حول عنقي و هو يدفعني و يثبتني على الأرض بعنف، و ثقل جسده الذي كاد يسحق عظامي. كانت رائحة عرقه المقززة لا تزال ملتصقة بجلدي، و رائحة أنفاسه القذرة لا تزال عالقة في أنفي، تثير غثياني.

حملت رأسي الذي كاد الصداع يشقه نصفين بين كفاي و الدموع تكوي جفناي، ثم تكوي خداي و هي تزحف إلى ذقني. أجهشت بالبكاء. إعتصرت أحشائي و إنقبض صدري حتى كدت أختنق. تسارعت دقات قلبي بجنون لم أتمكن من تحمله، فأصابني دوار جعلني أرى الجدران تدور من حولي. زحفت متوجعة و أنا أبحث بين الطعام المتناثر و الأواني المحطمة عن قارورة الخمر. كنت في حاجة ماسة إلى أن أنظف تلك الجروح التي تلسعني لسعا مدوخا.. كنت في حاجة ماسة إلى تخدير ذهني أيضا و حواسي، لعلي أنسى ما يعذبني.. لكنني وجدت القارورة مكسورة، و إمتصت الأرض الخمر الذي سال عليها.

إرتعدت يداي فسقطت قطع القارورة من بين أصابعي. تثاقلت أنفاسي و إرتعد جسدي، ثم انتفضت ثائرة من دون أي سيطرة مني و صرخت كالمجنونة. بقوة. صفعت وجهي بوحشية. مرة. مرتين. إنهرت فوق الفوضى و أنا أنتحب بحرقة. شعرت و كأنني أخيرا سأفقد صوابي و أغدو كما كنت أتمنى أحيانا، مجنونة تضحك لبقية حياتها رغم الجحيم الذي تعيش فيه.

حاولت الجلوس معتمدة على يمناي فلمست شيئا. لمست سكينا. حدقت بها طويلا و أنا أجفّف دموعي. سألت نفسي، ماذا لو غرستها في قلبي. لم أكن أريد سلب حياتي بنفسي، لكن امكانية الانفصال عن جسدي، و ربما التوقف عن الشعور بكل ذلك العذاب أغرتني. أردت أن أرتاح ليس إلا.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن