إيلات
إستفقت فجأة فوجدتني في فراشي. لم أذكر أنني خلدت إلى النوم. آخر شيء كنت أذكره هو شعوري بدوار قوي و أنا أستعد للخروج فجلست، ثم أحسست بشيء وكأنه يقبض روحي و يشدها و يحاول فصلها عن بدني فاستلقيت. ربما فقدت وعي في تلك اللحظة. تذكرت أيضا أنني رأيت أحلاما أحسست بها و كأنه حقيقة. أحلاما سعيدة سامحتني فيها أثرا على ما فعلته بها. حملت فيها يدي، لمستني بأصابعها الحنونة و قبّلتني. كان بالفعل حلما سعيدا.
ألقيت نظرة على المخرج فبدى لي الظلام حالكا، ثم إلتفتت إلى الشمعة المشتعلة يميني فرأيت أثرا مستلقية على جنبها متكورة حول نفسها. تبسمت و أنا أتأمل وضعية نومها اللطيفة، ثم هممت بالنهوض إلا أن ذلك الصداع اللعين طرق بمطاريقه على جمجمتي مجددا. أرحت جبيني في كفاي حتى خفّ، ثم حملت ملاءتي معي و قمت واقفا. عندها لمحت نارام. كان نائما بجوارها، يدير ظهره لها. ربما كانا ينتظران مني أن أستيقظ حتى غفيا. غطيتها، ثم أزحت خصلاتها المتناثرة عن جبينها و رتبتها في حذر كي لا أوقظها. ربما لم يكن ما رأيته حلما. ربما جاءت حقا لتقابلني و تحدثني عن ما جرى و تسامحني.
تحرك نارام و إستلقى على ظهره، رمش بضع مرات ثم إلتفت إلي محدقا إلي و كأنه لا يعرف من أكون. و عندما إستوعب أنه في خيمتي، هبّ جالسا و هو يقول: "حمدا للرب على سلامتك. قلقنا عليك كثيرا." إنتبه إلى النائمة بجانبه فارتبكت عيناه. دلّك رقبته بحكرة بطيئة متلعثما: "كنا فقط.. أنا.. و أثرا.. ننتظر منك أن تستيقظ.. ثم غفونا-"
"لا داعي لتشرح لي."
لم أنزعج من الأمر أبدا. لقد كانت في خيمتي، و تنتظر مني أن أستيقظ لتطمئن على حالي. لم أفكر سوى في ذلك طوال الوقت. بل لم يخطر في بالي سوى ذلك.
مدّ كفه إلى جبيني ليتحسس حرارتي ثم همس بسؤاله: "هل تشعر بتحسن الآن؟"
عندما سألني، عندما شعرت بكفه على جبيني، تذكرت أول يوم إلتقيته فيه. كانت ليلة. أول ليلة. ليلة جلست فيها خلف جدار بيت أهله بعد أن هربت من الغابة تاركا أغراضي خلفي و جثة المعز الذي ذبحته. كانت نفسها تلك الليلة اللعينة. كنت أرتعد و أبكي بحرقة مرعوبا مما صنعته. كيف لا و قد دخلت الجحيم بيداي و قدماي و قابلت شيطان ملعونا، ثم خرجت من دون أن أستوعب أي شيء مما فعلته. مشيت و مشيت مبتعدا عن الغابة، و عندما تعبت، أرتاح جسمي المنهك قرب جدار بيت غريب عني، فظهر أمامي ملاك طيب عرض علي دخول الجنة. كان في نظري ملاكا. هو و أبواه أيضا. لم يكترث أي منهم للدماء التي كنت ملطخا بها، و لا لمن أكون و لا من أين أتيت. أعانني على تنظيف بدني و ألبسني من ثيابه، و أطعمتني أمه من ألذ و أدفئ رغيف تذوقته في حياتي، و أعد لي أبوه غرفة أبيت فيها. و لم يرتح لهم بال طوال تلك الليلة حتى غفوت.

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Ficción históricaنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...