أثرا
تناولت و إيلات طعام الغداء في خيمة الطاهي برفقة العازفين، ثم خرجنا لنتمشى قليلا. تركنا السوق خلفنا و دخلنا حقلا صغيرا حيث سرنا لمدة طويلة في صمت بين السنابل الذهبية، إلى أن بلغنا شجرة ضخمة إصفرت أغلب أوراقها، فجلسنا تحتها. أسندت ظهري إلى جذعها و أنا أراقب إيلات يقطف زهرة تلو أخرى ثم يلوي سيقانها ببعض، فتبسّمت متذكرة كم من تاج صنعه لي من الأزهار و نحن صغيران، و كيف كنت أحتفظ بها حتى بعد ذبولها إلى أن ترميها أمي بعيدا.
إستدار إلي. "ماذا ستفعلين بعد أن نصل إلى بابل؟"
شبكت كفاي معا ثم أجبته و أنا أدفع إبهام يمناي بابهام يسراي. "لست متأكدة. ربما.. سأنضم إلى زالين و رفيقاتها في الميتم."
قعد بجواري ثم قال مقترحا: "لدي.. بيت صغير هناك. ما رأيك بالعيش فيه معي؟"
عدت أحدق بأصابعي المتشابكة. "هل يمكننا.. ذلك؟"
"تقصدين.. هل يمكننا العيش معا في بيت واحد دون أن تكوني ملكا لي؟" أومأت فردّ على سؤالي: "بالطبع يمكننا. لا حاجة ليتملك أي منا الآخر لنعيش معا." ثم أردف و هو يعقد سيقان الأزهار البيضاء ببعضها: "لكن إن أردتي.. يمكننا الزواج كما يتزوجون، و سنحصل على عقد يثبت حبنا و إنتماءنا لبعضنا البعض."
لم تكن لدي أدنى فكرة عن معنى كلامه، لكنه عندما ذكر ذلك الشيء الذي سيثبت حبّنا و هو ينظر إلى عيناي، إنحرجت فأشحت ببصري ضاحكة. لم أعترف له بأي شيء بعد لكنه كان يعلم بأمر حبي له. و كم تمنيت البوح له بمشاعري تلك بنفسي لكن الأمر كان لا يزال يربكني. تمنيت البوح له بأشياء كثيرة أيضا. بتوقي للعيش معه في مكان واحد و الاستيقاظ كل صباح لأجده بجانبي فأهيم بصورته الجميلة قبل أن أقوم و أعد إفطارنا. بحبي لمشاركته كل وجبة، مبادلته أطراف الحديث و السير بصحبته. كم تمنيت إخباره عن كل ذلك و أكثر.
وضع تاج الأزهار على رأسي عندما إنتهى منه، ثم تأملني قائلا: "يبدو جميلا عليك."
تمشينا في الحقل لمدة، ثم دخلنا القرية و زرنا بعض الأماكن فيها. كانت تشبه قبيلتنا بعض الشيء. بيوت صغيرة و حدائق و حقول بسيط. و بعد مدة من السير جلسنا مجددا عند واد غسلت بمائه يداي ثم وجهي. سألت إيلات عن والديه و نحن نراقب الأطفال يلعبون بالماء و يرشون بعضهم البعض، فأخبرني بأنه لم يكن يراهما كثيرا لأنهما يعيشان بعيدا عنه. لم يقل أي شيء آخر عنهما. كان يفعل ذلك عندما كنا صغيرن أيضا. لا يقول شيئا عن أبيه، و نادرا ما كان يذكر أمه. و عندما أحسست بعدم إرتياحه غيرت موضوع حديثنا و سألته شيئا آخر.
"هل عملت عملا آخر غير السحر في بابل؟"
أجابني بعد أن سكوت دام طويلا: "لا. لم يسبق لي أن عملت أي شيء آخر من قبل." فرك ذقنه و هو يشاهد شيء ما في الأفق. "كان السحر أول شيء أتعلمه. و عملت لحساب معلمي لمدة إلى أن توفي، ثم إلتحقت بالقافلة لاحقا عندما قابلت ليشار في أحد أسواق بابل. كان هو الذي أخبرني عن القافلة. و بعد رحلتي الأولى معهم قررت الاستمرار في السفر برفقتهم."

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Tarihi Kurguنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...