𒐏𒑄

102 12 0
                                        

إيلات

كنت في طريقي إلى بيتي حيث قررت ترك أمتعتي أولا قبل المرور على بيت والداي عندما أوقفتني إتانا لتذكرني بطلبها. لم أكترث لثرثرتها و تركتها تتحدث و هي تسير بجانبي، بينما كنت أفكر في أمي و في طريقة للوصول إليها و إخراجها من ذلك البيت اللعين قبل فوات الأوان. لم أقم بما طلب مني هذه المرة، لذلك توقعت من الأسوء أن يحدث.

شدتني إيتانا من ذراعي فجأة. "هل سمعتني يا هذا؟"

تأففت قائلا: "ما رأيك أن تمري على بيتي مساءا؟ ثم نتحدّث في الأمر."

"لما لا تفعل ما عليك الآن؟"

حاولت إقناعها بكذبة غبية: "ليس معي ما أحتاجه لأجل التعويذة. يجب أن أشتري بضعة أشياء. كما أنني سأحتاج قطعة من ملابسك أو شعرك، و شيئا من جسم نارام أيضا."

جعلت بيني و بينها مسافة نصف خطوة و هي تحدق بي بنظرات ساخطة و كأنني صورة مثيرة للغضب. "أعلم أن هناك طرقا أخرى لن تحتاج فيها كل ما ذكرته. لا تحاول خداعي يا إيلات."

سكت لمدة و أنا أفكر في جواب مناسب يوقف شكها المزعج ثم قلت: "حسنا. فلنتحدث عن ذلك هذا المساء. أريد أن أرى أمي الآن أولا."

دققت النظر في وجهي و كأنها تدرس التعبير عليه لعله يؤكّد لها صدقي، ثم أخيرا أومأت. "حسنا. اليوم. مساءا."

أكّدت لها ذلك فانقلعت و تركتني و شأني أخيرا.

*

فتحت الباب فأصدر صريرا مزعجا ذكرني بالوحشة الخانقة التي تركتها خلفي في ذلك البيت. الوحشة التي عدت إلى حضنها القاسي مرة أخرى. دخلت فصفعتني رائحة كريهة كادت تقنعني لوهلة بأنني أغلقت المكان لسنوات و ليس لأشهرا معدودة. وضعت أمتعتي أرضا فتطاير الغبار مهاجما أنفي و فمي، فتهيّج حلقي. سعلت و أنا أغطي فمي بساعدي و أتفحص المكان من حولي. كان كل ركن من البيت و فراشه قذرا مدفونا تحت الغبار. عندها فقط، خطر في بالي أنني دعوة أثرا إلى مكان سيجعلها تنفر مني أكثر من ذي قبل. لم أكن أريدها أن ترى بيتي على تلك الحال، فقررت تنظيفه ما أن أعود إليه مع أمي.

أذاب التفكير في الأمر شيئا دافئا في جوفي. شيئا إنتشر في كل أطرافي و شوّقني إلى كنس أرض كل غرفة و إزالة القذارة عن الأثاث فيها. أردت من البيت أن يليق بأعز الناس إلى قلبي. أن يناسب أمي و أثرا. أردت أن يكون نظيفا يلمع، معطرا بأطيب الروائح، مضاءا بالشموع و المصابيح طوال الوقت، خالية من الوحشة و الظلمة اللتان سكنتا فيه لسنوات.

خرجت و أقفلت الباب، ثم إنطلقت بين البيوت الصغيرة في الحي المجاور للحيّ حيث أسكن، بحثا عن الجحيم الذي نشأت فيه. عن الجدران التي عشت بينها طويلا و لم أشعر يوما بأنها بيت أنتمي إليه.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن