𐏓𒁹

160 19 0
                                        

إيلات

إستلقيت بين وسائدي منتظرا من النوم أن يخلصني من الأفكار اللعينة التي تلعب بعقلي. أطبقت جفناي مرارا لأطردها لكنني كنت أفشل كل مرة، فأجد نفسي أحدق بسقف الخيمة. كنت متعبا للغاية، لكن الغضب الذي أثارته فيّ أحداث ذلك اليوم أقسم أن لا يتركني أرتاح. كانت صور أولائك الأوغاد و هم يطالبوننا بتسليم أثرا لهم لا تزال أمامي، أحملق بها، ثم أوبخ نفسي لأنني لم أقل ما كان يجب قوله، و لم أفعل ما كان يجب فعله. ثم تغيرت الصورة فجأة و غدت صورة ردة فعل نارام عندما أخبرته بأنني قاتل ذلك السافل، و تردد ما تبادلناه من كلام مرارا في ذهني. أغضبني، أثار ثائتي، ثم أفقدني صوابي عندما سبقني إلى أثرا في المقبرة، و عندما حضنها و أعانها على السير و نحن عائدون إلى السوق.

لم يكن نارام ينوي سوى تقديم يد العون. كنت أعرف ذلك جيدا. لكن أول شيء فكرت فيه عندما رأيته يحضنها هو ما فعلته به قبل ثلاث سنوات، فخشيت أن يأخذها مني كما أخذت منه حب حياته. أو بالأحرى، كما أبعدتها عنه. ربما لم يكن يعلم أنني من تسبب في فراقهما بعد، لكن للقدر خدعه و حيله الخاصة في الانتقام من أمثالي.

تربعت في فراشي و إلتقطت شمعة بيضاء سميكة و خنجرا، ثم شرعت أنحت عليها و أنقش لعلي أسكت عقلي لبعض الوقت لكن بلا فائدة. رميت الشمعة و السكين بعيدا و قمت لأتحرك قليلا، فتمشيت ذهابا و إيابا، لكن لم ينفع ذلك أيضا.

سمعت أور تنادي علي من الخارج فجأة بعد أن عدت إلى فراشي. أطلت برأسها مبتسمة فحررتني من كل شيء أزعج راحة بالي بظهورها وحده. خلعت رداءها و أسدلت شعرها الأسود الطويل على إحدى كتفيها. لم تغير ملابس الرقص بعد. كانت لا تزال في صدريتها المرصعة التي تضمّ نهديها الصغيرين إلى بعضهما و تكشف عن خصرها المنحوت، و تنورتها المكشكشة التي تكشف عن ساقيها النحيفتين. عضّت على شفتها و هي تتقدم نحوي بخطوات متأنية مدروسة، فأطبقت جفناي لبرهة ضاحكا. "أنا متعب اليوم يا أور."

جلست في حضني، أحاطت وجهي بكفيها و دنت مني حتى شعرت بشفتيها تلامسان ثغري. همست لي: "سأجعل تعبك يختفي في رمشة عين."

قبّلتني فشاركتها. و بتلك القبلة الشغوفة كما وعدتني، طردت وطأة أيام من السفر من بدني و أيقظته كل التيقظ. أسكتت الضجة التي ملأت رأسي بهمساتها التي داعبت بها أذني، و أضرمت نيران الشهوة في أحشائي بلمساتها المغرية، و جعلت قلبي يهتز بعنف حتى سبّب لي شيء كالدوار. دوار لذيذ أثملني بين ذراعيها.

*

تناثرت خصلات شعرها المعطّرة برائحة الزهر على صدري العاري عندما أراحت رأسها عليه، و ضمتني إليها حتى سرى دفء جسمها في كل جسمي و خلت نبضات قلبها جزء مني. دغدغت بأنفاسها الهادئة جلدي المتعرق و هي ترسم بأظافرها خطوطا على بطني. سألتني: "عندما رأيتها.. هل شعرت بشيء تجاهها؟"

أملت رأسي إليها. "من تقصدين؟"

رفعت عينيها البنيتين الواسعيتين إلي. "تلك الفتاة التي أنقذتموها. أليست.. حب طفولتك؟"

تبسمت مستغربا. "ما الذي جعلك تعتقدين ذلك؟"

"سمعت أنك كنت أول من تدخل لمساعدتها." تحسست ذقني بأناملها.  "و أنت لا تتدخل لمساعدة أي يكن."

عانقتها فشعرت بكفيها تصعدان ثم تنزلان مسحا على ظهري. "أظنني.. لا أزال أحبها."

" رغم مرور كل تلك السنوات على فراقكما؟"

إستنشقت نفسا قصيرا. "أجل. رغم مرور كل تلك السنوات. أريدها أن تصبح جزءا من حياتي مجددا."

"هل تخيلتني هي.. قبل قليل؟"

لم أجب. لم أتجرأ على ذلك. فعلت. تخيلتها أثرا طوال الوقت. تخيلت كل لمسة و كأنها منها، و كل قبلة و كأنها منها. تخيلت كل نفس إختلط بأنفاسي و كأنه نفسها، و كل آهة إمتزجة بآهاتي و كأنها تصدر منها. تخيلت كل شيء و كأنه حدث بيني و بين أثرا، و ليس أور.

همست لي: "لا داعي لتقول شيئا. كنت لطيفا جدا على غير عادتك."

طبعت قبلة طويلة على ثغري ثم نهضت و أخذت الدفء الذي قاسمتني إياه معها، مفسحة المجال للبرد ليتسلل إلى فراشي. إلتقطت قطع ملابسها و إرتدتها و هي تدير ظهرها إلي، ثم غلّفت بردائها كل إنحناءات جسمها الفاتن.

قالت: "ربما.. علي أن أتوقف عن.. هذا. لا أريد أن أثير المتاعب بينكما."

لم يرق لي ما قالته أبدا. شعرت به و كأنه وداع. لم أكن أريدها أن تتوقف عن أي شيء. صحيح أنني كنت واثقا من مشاعري لأثرا لأنني ببساطة لم أنساها و لو ليوم واحد في حياتي رغم بعدي عنها. لكن لم أكن مستعدا لأخسر أور. لم أكن مستعدا لأخسر الحضن الحنون الذي ألجأ إليه ليأويني لساعات. الأذن التي تصغي لثرثرتي حتى أفرغ صدري مما يثقله. الثغر الذي يبتسم و لا يحكم، و لا ينطق إلا بنصيحة إذا كانت متوفرة. لم أكن مستعدا لأخسر كل ذلك.
تمنت لي ليلة طيبة، فبادلت ضحكتها اللطيفة بابتسامة صغيرة و تمنيت لها نوما هنيئا.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن