الساحر و الراوي

𒐏𒐊

نارام

حزمت أمتعتي و جلست أصغي إلى صمت الفجر الذي يسبق ضجّة الحياة، أتأمّل الأشعة المنيرة التي تشّق طريقها ببطئ شديد من العالم السفلي نحو السماوات، مترقّبا عودة دفئها لعله يصرف عني برودة الليل التي تحبب منها لحمي. لكن سرعان ما إلتفت عن جمال ضوء الشمس و سهوت عن لسعات البرد و جلست أحدق بخيمة زالين، أفكر في أثرا و في مشاعري التي بدأت تشبه الاعجاب كثيرا، مشاعري التي قد تصير حبا في أية لحظة، هذا إن لم تكن حبا منذ ذلك الحين دون أن أدرك ذلك.

أردت أن أطلعها على كل ذلك، على ما أحسه عندما أراها، عندما أكون بقربها، عندما نتحدثت أو حتى عندما نجلس معا في صمت. أردتها أن تعرف أنني لا أشفق عليها و أنني لم أعد أريد مساعدها لأنني أعطف عليها، بل لأنني أهتم لأمرها لدرجة أنني لا أمانع مشاركتها ألمها، ولو قدرت على حمله كله عنها لفعلت و لما ترددت في ذلك. لكنني لم أكن متأكدا إن كانت ستحب سماع كل ذلك مني. قد أربكها أو ربما أزعجها. و حتى لو كانت تبادلني نفس المشاعر فقد يشغلها ذلك عن نفسها. نفسها التي تستحق كل وقتها و إنتباهها.  و مجددا، قد لا ينتهي إجتماعنا على خير. و من جانب آخر، كنت أخشى أن أخسر إيلات مجددا بعد أن تصالحنا أخيرا. قد يكرهني إذا ما أبديت مشاعري لها، و قد أكره نفسي أيضا إذا ما سمحت لها بخيانة ثقة صديق.

أضاءت الشمس الدنيا فاستفاق النائمون من حولي و خرج آخرون من خيمهم و شرعوا في جمع أمتعتهم إستعدادا للرحيل. لمحت زالين تخرج أشياءها أيضا، ثم أثرا تخرج من بعدها لتبدأ في فكّ حبال الخيمة، فخفق قلبي لمرآها متشوقا لمقابلتها.

صاح قائد القافلة ليوقظ من لا يزال نائما منبأ إياهم بأننا سننطلق قريبا، فذكّرني بأور التي قد تعود ربما في أية لحظة. فتشت عنها عند مدخل المدينة لكنني لم أجد لها أثرا. و عندما إنتظرت طويلا و لم تظهر، أدركت أنها لن تعود كما توقعت. لقد فارقت أهلها لثلاث سنوات لأجل حب مستحيل و في النهاية لم تحصل عليه، و لو كنت مكانها لما عدت أيضا. كنت سأفضل البقاء بجانب أهلي على البقاء بجانب شخص لا أمل لي في مشاركته الحياة التي أريدها.

و من جهة أخرى، شعرت بالأسف تجاه إيلات. ربما لم يكن يحبها و جرحها بذلك، إلا أنه تعلق بها في النهاية فعذب نفسه كما عذّبها. حدثته عن ذلك من قبل. أخبرته أن العلاقات ليس مزحة و لا يجوز دخول حياة الآخرين و إدخالهم إلى حياتنا إذا كنا لا نهتم لهم، لكنه كان ينفر مني عندما أذكر له أي شيء من ذلك القبيل و كان يرفض الاستماع إلي. كنت أعلم جيدا أنه مر بأوقات عصيبة في الماضي. كان وحيدا طوال حياته، مقهورا و ضعيفا، و أسوء من كل ذلك بكثير، لم يحصل على الحب الذي يستحقه في نشأته. ربما.. لذلك كان حب أور بالنسبة له شيئا عظيما رغم أنه لم يكن يبادلها. فلقد حصل منها على الانتباه الذي لم يمنح له أبواه من قبل. حصل منها على الدفيء و العطف و التفهم الذي لم يحصل عليه من أقرب الناس إليه. لم أستطع لومه على ما فعله. لم أستطع لومه على أي شيء.