إيلات
ظللت مستلقيا في نفس المكان الذي تركتني فيه أثرا ذلك الصباح، و كانت كل لحظة تمر و كأنها أيام طويلة كئيبة. فكرت كثيرا في ما قالته لي. ظننت في البداية أنها ربما كانت لا تزال غاضبة مني على ما فعلته، و لذلك قررت ما قررته فلم أستطع لومها على ذلك. من حقها أن تغضب و تكرهني لو شاءت. لكن في النهاية لمت نارام على ما قالته. كان كلامها يشبه كلامه، و شككت في أنه ربما هو من ملأ رأسها بتفاهاته اللعينة. ربما هو من نصحها بأن تأخذ وقتا لنفسها و تضع حدا لما بيننا لبعض الوقت. تردد صوتها في ذهني و هي تقول بأنها لا تستطيع أن تعطيني ما أحتاجه و ما أريده. و لو كنت صادقا مع نفسي و سألتها عن ما تحتاجه و تريده فلا أظنها ستجد جوابا. لم أكن أعرف ما الذي ينقصني حقا، لكن في تلك اللحظة بذات كان حضنها كل ما أرده و كل ما إحتجته إلا أنني لم أجده.
ضممت نفسي متذكرا حضنها ذلك الصباح و هي تلثمني بذراعيها. كنت لا أزال أحس بجسدها، بصدرها الذي يلتصق بصدري و يدها تمسد على شعري. و كنت لا أزال أشمّ رائحة جلدها في كل مكان في خيمتي. رائحة الأزهار التي تنبعث من أجملا حدائق بابل. تمنيت لو أنها لم تفلتني، لو أنها بقيت معي و إستلقت بجانبي و عانقتني لمدة أطول، لو أنها لم تضف "أظنني" قبل كلمتي "أحبك يا إيلات." و لا "لكن" بعدها.
هممت بالنهوض عندما سمعت أور تنادي علي. طلت برأسها من خلف الستارة ثم أقبلت عندما أذنت لها. لم تكن ترتدي ثياب الرقص رغم أن وقت العرض قد حان. بدلا من صدريتها و التنورتها المكشكشتين، كانت ترتدي فستانا بنيا داكنا. فستان سفرها. قالت بأنها جاءت لتطمئن علي و هي تفرك رسغ يمناها بيسراها في توتر، فأخبرتها بأنني أحسن حالا و أنا أتفحص ثوبها متعجبا من سبب إرتدائها له.
"هل أكلت شيئا؟ هل أحضر لك بعض الطعام؟"
"لا، لا بأس. لا أشعر بالجوع." أشرت لها. "لا تقفي هكذا. تفضّلي. إجلسي."
إرتسمت إبتسامة صغيرة شككت في صدقها على محياها ثم إعتذرت: "لا عليك. جئت أطمئن عليك وحسب. يجب علي الذهاب الآن. إيتانا تنتظرني."
و قبل أن تهم بالانصراف، سألتها: "لماذا جئتي أمس إلى خيمتي؟" أوضحت لها قصدي مردفا: "سمعت من نارام أنك من وجدني مغما علي. هل جئتي لتتحدثي إلي في شيء ما؟"
حركت شفتيها في حيرة دون أن تنبس ببنت شفة،و هي تدلك ساعدها بكفها باستمرار. كنت واثقا من أنها ستقول كلام لن يسرني. أفصحت: "سأعود إلى الوركاء. سأعود إلى أهلي."
"م.. ما الذي.. تقصدينه؟ ألا تحبين السفر مع القافلة؟"
"أحب السفر معك أنت يا إيلات، لكن.. أظن أنه من الأفضل أن أعود من حيث أتيت الآن."
أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historical Fictionنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...